أنصف الناس حقهم أو إترك القضـــاء
دخل رجل كبير السن رث الثياب في دار القضاء وجلس حتى أذن له الحاجب بالدخول عند القاضي، سلّم الرجل على القاضي وقال:
السلام عليك أيها القاضي العادل الجليل
أنا رجل فقير ولسبعة عيال وامهم أعيل
ولا أملك في دنياي سوى حصـان أصيل
هــو كل ثروتي وغناي ومالي عنه بديل
وكــذلك عندي دولابين وللضـياء قـنديل
واسـكن مزرعـــة يحوطها شجــر ظلـيل
إستمع القاضي لهذه المقدمة من الرجل العجوز ولكي لا يطيل الرجل قاطعه وقال له:
قد فهمت أيها الشيخ الفاضل الوقــور
أن بدون حصانك العزيز تسوء الأمور
ولست رجـــلاً فضاً متكبرا أو مغــرور
ولكن أخبرني قصتك دون لف أو تدور
نزلت الدمعة من عين الرجل العجوز فحزن القاضي واجلسه ثم طلب منه أن يكمل كلامه فقال:
قبل يومين أو ثلاث من اللــــــــيالي
هجـــــــم على مزرعـتي جنـد الوالي
ضـــــــربوني وتهجـموا على عيالي
سرقــــــوا ما وجــدوه من قليل مالي
وكـل ما خفّ وزنه و ثمــنه غـــــالي
فانجدني يا قاضي وارجع لي حــلالي
وضع اللصوص في السجن والأغلالِِ
إستمع القاضي جيداً إلى الرجل العجوز وأدرك أنه قد وقع في ورطة كبيرة فمن ناحية يدرك جيداً أن لا سلطة له على جند الوالي ولن يستطيع أن يفعل معهم شيئاً وقد يسجن هو ان تعرض لهم، ومن ناحية أخرى لم يرد أن تهتز صورته كقاضي ويخرج الرجل ويقول للناس أن القاضي لم يفعل له شيئاً وبعد تفكير رفع يده إلى أعلى وقال:
إلهي أنت يا رب السمــــــــاء
أتوجــــه إليك بخالص الدعاء
أن تذيق حرس الوالي الشقاء
وأن تنزل بهم عظــيم البـــلاء
ثم نظر الى الرجل فوجده ما زال ينتظر بلهفة أن يكمل فقال:
هـــؤلاء قـوم سفلة وحـــوش أراذل
لم يتربــوا في بيـــــوت أو منــازل
في المعــاصي والذنوب هـم الأوائل
ليس بينهم وبين الحـــرام أي حائل
لا يفي سفالتهــم مهمـا قال أي قائل
نحمــــد الله أنهم معـدودون و قلائل
وليس من مطـــــاردتهم أي طــــائل
وبينما القاضي يدعو ويشتم حرس الوالي أدار الرجل ظهره وهمّ بالخروج دون أن يقول شيئاً، استنكر القاضي هذا الأمر وقال:
إلى أين تذهب أيها العجــــــــــــــــــوز
تخرج دون سلام هذا لا يجــــــــــــــوز
إلتفت الرجــــل إلى القاضي وقــــــــال:
إذا كنت من تمسك زمام بالقضــــــــاء
وما هو بشغــــــــل بل من الله ابتـــلاء
ولا تحسن ســـــــوى الشتم والرثــــاء
مثلك كمثل بقية عجـــــائز النســـــــاء
فسأذهب الى جـــارتي الشمطــــــــــاء
فهي تلعن وتشتم صبحــــاً ومســــــاء
ولا يحسب لها مدحـــــاً أو ثنــــــــــاء
فهي تفوقك مهــــارة يا ابن النبـــــلاء
وما تفعله انت ليس من شيم الشـرفاء
أنصف الناس حقهم أو إترك القضـــاء
فإن الظلم والجور والفسق لعنـة لعناء
لا يفوقها جرماً إلا صمت العقــــــــلاء