"أرى ماءً ينهمر من تمثالك، والرومان يضعون أيديهم بدمك، ونشوة السعادة تغمرهم" هذا ما نطقت به بضع صفحات تاريخية ملطخة بالدماء على لسان زوجة يوليوس قيصر، لتبدأ قصة أشهر الخيانات في التاريخ لتتحقق الرؤيا الغامضة التي أخفت بين طياتها اللغز المثير.
فمن خلف ستار تاريخ روما المُعطر بدماء الظلم اتحدت أيدي بعض المعارضين ضد سلطة إمبراطور روما "يوليوس قيصر"، وبدأت همسات خبيثة تخترق أذن بروتوس (ابن يوليوس قيصر الذي لم ينجبه، وذراعه اليمنى، وصديقه الذي يرجم عنه خيانة الزمن ونوائبه)، كان مصدر تلك الهمسات رجل يدعى "كاسيوس" والذي حرض "بروتوس" للتخلص من إمبراطورها لتنعم روما بالهناء حسب نظرته. وكان كاسيوس مدبر مكيدة التاريخ الشهيرة بحاجة ليد بروتوس لأن قلوب شعب روما كانت تهتف بمحبة كبرى له، كما أن كاسيوس قد شارك "الإمبراطور" في حروبه الصعبة، وكان على دراية تامة بنقاط ضعفه، وفي يوم حالك في 15 مايو عام 44 قبل الميلاد مرت سحابة مؤامرة ممطرة في مجلس الشيوخ، حيث اجتمع ستون عضواً من مجلس الشيوخ يؤيدون فكرة اغتيال الإمبراطور، ويخبئون خناجر غدرهم بين ثيابهم، وبينما كانت همسات الغدر تلامس احتفالات يوليوس قيصر في انتصاراته بحروبه، كان أعداؤه في سخط وهلع بسبب هذه الاحتفالات التي كانت تزيد من يوليوس عظمة وهيبة في نظر الشعب، وتبدأ خطوات الخيانة الأولى بصدور قرار من كاسيوس لقتل "أنطوني" صديق الإمبراطور فيقف بروتوس في وجهه باعتبار أنطوني لا يشكل خطراً عليهم. وبينما كانت سحابة الخيانة تتصاعد في سماء روما تبدأ الهواجس السوداء تمر مخيلة "يوليوس قيصر" بعد الكابوس الذي رأته زوجته كالبورنيا، وينقل لنا المؤرخون قصة هذا الكابوس على لسان يوليوس قيصر بقوله "رأت في منامها الليلة الماضية تمثالي وقد انبجست منه مئة عين، تنفر منها الدماء الرائقة، وأتى عليها حشد من الرومان تغمرهم السعادة فغسلوا أيديهم في دمي".
فيتردد "يوليوس قيصر" في الذهاب إلى مجلس الشيوخ، ولكن تمر هنا مكيدة أخرى لتوجه صفعاتها المؤلمة للإمبراطور، حيث يفسر أحد أعدائه الحلم فيقنعه بأن تفسير الحلم هو أن قوته سوف تزداد! ويتأهب "يوليوس قيصر" للتوجه إلى مجلس الشيوخ بل إلى بقعة أجله، وفي طريقه للبقعة السوداء التي ستنهي أمجاده يرسل إليه صديق رسالة عاجلة تحذره من المؤامرة الممزوجة بسموم المكيدة، ولكنه لم يقرأ تلك الرسالة التي كادت أن تغير ملامح التاريخ الروماني.
وفي مجلس الشيوخ جلس "يوليوس قيصر" في ردهة المجلس، وفجأة اقتربت من مسامع الإمبراطور خطوات هزت المكان الساكن، فإذا بهم مجموعة من الانقلابيين قد تسلحوا بسيوفهم لقتله، وينهض "يوليوس قيصر" بصلابة فيستل سيفه ويحارب بشجاعة، ثم يفقد قوته ليسقط جسده طريحاً على أرض الغدر بعد أن أحس بطعنه حارة، قاتلة، شديدة في ظهره، فيظن أن وراء هذه الطعنة انقلابي، فيدير وجهه بتقاسيمه المتألمة ليُبصر وجه الجاني، فكانت صدمته قاتلة وأشد إيلاماً وحرارةً من الطعنة، حيث رأى بأن صاحب تلك الطعنة أقرب الناس إلى لب قلبه، إنه بروتوس الابن، والصديق، والنصير، حتى نطق بتوجع بكلمته الشهيرة التي أصبحت مثالاً للغدر وانقلاب الصديق: "حتى أنت يا بروتوس".
فيعلن القدر لشعب روما عن رحيل إمبراطورها الذي رسمه التاريخ وخلّده على وجه الانتصارات، وأراضي النضال. وهنا يقرر كل من بروتوس وكاسيوس الهروب من روما مُحمّلين بمتاعب الدنيا وغدرها بعد ثورة الشعب ضدهما، فتعيش زوجة بروتوس "بورشيا " في مستنقع الكآبة فتنتحر بابتلاعها الجمر! وتبدأ رحلة حكم روما على يد ثلاثة حكام: أنطوني وليبدوس وأكتافيوس ابن أخي قيصر، وبعد مرور عامين من مقتل "يوليوس قيصر" عام 42 قبل الميلاد، شن أنطوني وأكتافيوس الحرب ضد بروتوس وكاسيوس، فيفقد كاسيوس شجاعته التي تدفن فجأة تحت تراب الضمير، ويستفيق ضميره الغائب في ومضة خاطفة، ثم يطلب من أحد أصدقائه أن يطعنه بالسيف ذاته الذي قتل به "يوليوس قيصر" فيموت، ويبدأ شبح "يوليوس قيصر" بالظهور أمام بروتوس، فيشعر بأشواك تقطعه إنها أشواك الضمير، اضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي
وكأن وخز الضمير بدأ يدب عالمه فجأة، ويخالجه شعور غريب بدنو أجله، فيطلب من خادمه أن يلقي به على السيف فيموت،
ورحل أشهر الخونة في التاريخ بضمائرهم الحالكة، ولكن لن يموت المثل القائل "حتى أنت يا بروتوس" ذلك المثل الذي ما زال يتدفق في الأفواه ليمارس لعنة الخيانة عبر العصور حتى يومنا هذاااااااااااااا.
منقول ................
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة .... فلقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن .... فبمن يلوذ ، ويستجير المجرم أدعوك رب ، كما أمرت ، تضرعا ... فإذا رددت يدي ، فمن ذا يرحم ما لي إليك وسيلة غير الرجا .... وجميل عفوك ثم أني مسلم