الاجهاض وحق الجنين في الحياه
الاجهاض وحق الجنين في الحياه
الإجهاض وحق الجنين فيالحياة
بقلم:د. صلاح علي سند
يكثر استعمال تعبير حق الجنين فيالحياة عند مناقشة موضوع الاجهاض مع عدم الاستيعاب الكامل لمفهوم الحياة و مفهوم حقالحياة فحياة الإنسان لا تبدأ بتلقيح البويضة,بل بتكون الحيوان المنويوالبويضة
, وسر الحياة موجود في جميع الكائنات, وقد وضعه الله عز وجل في الخلق الأوللكل كائن ثم ينتقل إلي نسله محمولا في وسيلة التكاثر, سواء كانت حبوب لقاح فيالنبات, أو حيوانات منوية وبويضات في الثدييات.
وجوهر الحياة هو تفاعلاتكيميائية تقوم بها الخلية لتحافظ علي وجودها بأن تقوم بتفكيك المواد الغذائيةلعناصرها الأولية, ثم تعيد تركيبها علي شكل مادة الخلية لتنمو أو تتكاثر, وذلكتحت إمرة مادة الـ دي إن إيه التي تحمل الشفرة الوراثية وتنتقل موروثة داخل النطفةالحية أو حبوب اللقاح, وتؤدي هذه التفاعلات إلي ظهور مظاهر الحياة التي نعرفها منحركة وتنفس وغيرها.
والحيوان المنوي كائن حي, فنحن نراه تحت المجهر ينطلقباحثا عن بويضة, وبعد تلقيحها تنتج النطفة الأمشاج التي تنقسم إلي خليتين ثمأربع, وهكذا تمر بمراحل متتالية تم وصف بعضها في القرآن الكريم والسنة النبويةبدقة مثل العلقة التي تعلق بجدار الرحم ونسميها الحويصلة الجرثومية, ثم المضغةالتي تشبه قطعة اللحم التي مضغتها الأسنان ونسميها مرحلة الفلقات, وهذا الإخباربوجود مراحل للخلق سبق معرفة علم الأجنة بألف عام, حيث كان العلماء يعتقدون أنالإنسان يكون موجودا كبذرة في المني أو دم الحيض كقزم ضئيل, ثم ينمو في الحجم حتييصل للإنسان المكتمل, وهذه اشارة يرسلها لنا الله عز وجل في عالم الشهادة لنصدقالغيب وهو نفخ الروح بعد مراحل النطفة والعلقة والمضغة والعظام واللحم والتسوية,والذي يتجاوزه بعض الأطباء كمرحلة من مراحل الخلق فهم يعتبرونه مراحل مادية متتاليةفقط, ولكن الصحيح أن نفخ الروح بالرغم من أنه لا يبدأ سر الحياة الموجود أصلا فيالحيوان المنوي والبويضة فهو الحدث الفارق الذي يعطي للجنين سر إنسانيته وهو سيادتهعلي الكون وحمله أمانة التكليف.
وحق الحياة لأي كائن ليس مطلقا فهو مقيد بحقوقالآخرين, فالميكروبات كائن حي من خلق الله, ولكنه عز وجل أباح لنا قتلهابالمضادات الحيوية لمصلحة الإنسان, وعضو الجسد الفاسد يجب بتره لمصلحة الجسدالكلية, والإنسان المدان بجريمة يسلب حق حياته لمصلحة الدين والوطن, ولايستطيعأحد أن ينكر حق الجنين في الحياة في أي مرحلة من مراحل خلقه, ولكن يجب ألا يتساويهذا الحق في بداية مراحل الخلق معه بعد اكتمال الخلق, ويجب قياس هذا الحق في كلمرحلة مقابل حقوق الآخرين.
المرحلة الأولي النطفة قبل الإخصاب: لقد أباحالرسول عليه الصلاة والسلام العزل أي منع حق الحياة وسلبه من الحيوان المنويوالبويضة المرشحتين لتكوين إنسان, وهنا قياس مرحلة مبكرة للخلق مقابل مصلحة بسيطةوهي عدم إرادة الرجل أن يكون له ولد.
المرحلة الثانية: بعد تكوين البويضةالملقحة وحتي نفخ الروح: وحق الحياة في هذه المرحلة أقل منه بعد نفخ الروح لسببينأولهما: أن استمرار الجنين في الحياة داخل الرحم هو ظني وليس قطعيا, فالاجهاضالتلقائي يحدث في خمس حالات, وثانيهما: أن نفخ الروح هو الذي يعطي للإنسانتكريمه علي سائر المخلوقات, وهذا فهمناه عندما قرن الله عز وجل سجود الملائكةوالكون كله للإنسان بنفخ الروح فيه, كما نفهمه من اضافة الروح لله عز وجل وهياضافة تشريف وتكريم فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين( الحجر:29ص72), ولذلك فحياة الجنين قبل نفخ الروح هي دون الحياة الإنسانية المعروفة,والبعض يوجب في اجهاضه غرة( نصف عشر الدية), بينما يكون الوزر بعد نفخ الروح هوقتل نفس ويوجب الدية, أي أن الحرمة تتضاعف بعد نفخ الروح, وقد شبهها الشيخ محمدمتولي الشعراوي بالمثال التالي عندما تكسر نواة البلح هل تكون اعتديت علينخلة.
وداخل هذه المرحلة من الخلق يجب أن نفرق بين الأطوار التفصيلية للقياسالصحيح بين حق الجنين في الحياة في كل طور بالضرر الذي قد يقع علي الأم, فاخصابالبويضة قد يحدث خلال دقائق أو بعد يومين من التقاء الرجل بالمرأة, ثم تسبحالبويضة الملقحة داخل قناة فالوب ستة أيام متجهة إلي الرحم وتكون خلالها جميعالخلايا متماثلة مثل الخلايا الجذعية, ثم تبدأ في الانغراس في جدار الرحم بعدأسبوع( العلقة) وتكون الخلايا قد بدأت في التميز إلي مجموعات سوف ينشأ من كلمنها أعضاء معينة في الجنين, ثم تبدأ مرحلة المضغة في الأسبوع الرابع وحتي أربعينيوما, وعندها يبدأ الهيكل العظمي في التشكل, فيكتسب الجنين شكل الإنسانالمعروف, ثم تبدأ العضلات تكسوه, وبنهاية الشهر الثاني تكون جميع أجهزة الجسمقد تكونت تشريحيا, ثم تستمر في النمو في الحجم واكتمال الوظيفة.
المرحلةالثالثة: تبدأ بنفخ الروح عند40 أو120 يوما حسب رأي علماء الدين, وتنتهيبولادة طفل قادر علي الحياة خارج الرحم, وأنا أزعم أن حق الجنين في الحياة في هذهالمرحلة مازال أقل منه بعد ولادته لأن بقاءه حيا حتي ولادته هو ظني, فكثيرا مايموت الجنين داخل الرحم لأسباب غير معروفة, كما قد يموت بعد ولادته مباشرة لعدماكتمال الرئة للتنفس خارج الرحم.
والضرر الذي قد يقع علي الأم باستمرار الحمليتراوح بين سبب نفسي أو عضوي بسيط إلي اكتئاب شديد قد يؤدي إلي الانتحار, أوتأثير سلبي علي أعضاء الجسد الحيوية بما يهدد حياتها, وأوضح فأقول بأنه قد يمكنمثلا قبول القياس بضرر نفسي واقع علي الأم باستمرار الحمل كحالة المغتصبة مثلابمرحلة عمرية مبكرة جدا للخلق, ولكن قد لا يجوز هذا القياس بعد مرحلة المضغة أوالعظام, ولا يجوز أبدا بعد نفخ الروح.
والقرار الأكثر صعوبة في موضوعالاجهاض هو هل يجوز القياس عند وجود اضطراب جسماني أو ذهني في الجنين؟ إن وظيفةالطبيب في هذه الحالة أن يحدد مرحلة الخلق العمرية للجنين أو يبين نسبة الدقة فيالتشخيص وتأثير هذا الاضطراب التكويني علي الجنين, سواء بالموت أو الاعاقة,والرأي الطبي المجرد بناء علي توصيات الهيئات الطبية العالمية, ثم يترك لعلماءالفتوي اتخاذ القرار الصحيح بناء علي هذه المعلومات بموازنة حق الجنين في الحياة فيهذه المرحلة العمرية بالضرر المحتمل باستمرار الحمل, وهنا يبرز الدور الأساسيللمجتمع في رعاية المعاقين بدنيا وذهنيا كما في المجتمعات المتقدمة.