مع تطور الدول وتحولها على مر العصور من دول حارسه هدفها مجرد توفير الحماية والأمن لنظامها وقاطنيها إلى دول متدخلة ومنتجه تدير وتسيّر أمور ومتطلبات شعوبها وتشاركها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، كان لابد من إنشاء وتأسيس المؤسسات والهيئات والإدارات وجميع الأجهزة التي تقوم على المساهمة في إدارة المرافق العامة وتكفل الالتزام بالنظم واللوائح والقوانين التي تؤدي إلى استقرارها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ، كذلك تعيين موظفين أكفاء مستأمنين قادرين على المساهمة في استقرارها واستقرار نظامها الداخلي وإدارة مرافقها العامة على أكمل وجه .
ذلك ما اتجهت إليه الدول في العصر الحديث ، إلا إن مع هذا التطور الايجابي فانه يصعب السيطرة على النفس البشرية وأطماعها التي أدت إلى انتشار بعض السلوكيات الغير سوية باستغلال الأمانة الوظيفية والقيم والمبادئ المهنية لإشباع الأطماع الشخصية والجماعية لتحقيق أهداف شخصيه ، عرقيه ، دينية ، اقتصاديه أو سياسية عن طريق استغلال النفوذ أو السلطة التي منحتها الدول لموظفي إداراتها بشتى درجاتهم الوظيفية والمهنية مما أدى إلى ضياع المبادئ والقيم الاجتماعية وتفشي الانحلال السلوكي والأخلاقي الفردي والجماعي في العديد من الميادين ، كذلك تعطل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في كثير من المجتمعات والدول لفترات مختلفة ، وتأخر التنمية والتطوير في العديد من الدول وخصوصا دول العالم الثالث منها والتي تفشى في معظمها الفساد الإداري بشتى أنواعه ومظاهره وأنماطه المختلفة*.
وبالبحث في تلك السلوكيات التي قد يلجأ إليها الموظفين غير الأسوياء لتحقيق مآربهم أو أهداف من ينتمون إليهم *بطريقة مخالفه للقانون فإننا سنرى العديد من تلك السلوكيات والتي تتمثل على سبيل المثال وليس الحصر في " الرشوة ، الاختلاس ، الاستغلال الوظيفي وإساءة استعمال السلطة ، الواسطة والمحسوبية ، الابتزاز والتزوير ، الاستيلاء على المال العام " .
وقد كان لتلك المظاهر والسلوكيات العديد من الآثار السلبية على المجتمعات والشعوب سواء كانت آثار سلبيه إدارية أو اجتماعية أو اقتصادية والتي أفضت في كثير من الدول إلى تدني مستوى الحياة المعيشية و ارتفاع معدلات الجريمة وتعطيل الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية في دول أخرى ، كذلك وجود اختلال في تكوين المجتمعات الطبقي *للعديد من الدول مما أدى بالتالي إلى انحسار التوزيع الطبقي في كثير من المجتمعات إلى طبقتين فقط واختفاء الطبقة الوسطى مما زاد من اتساع الفوهة بين تلك الطبقات وبالتالي ازدياد تسلط وفحش وانحلال الرفاهية في الطبقات الغنية وازدياد ضعف وكبت وقهر الطبقات الفقيرة والذي يعتبر من الأسباب الرئيسية لرفض الواقع ومحاولة إيجاد طرق أخرى بديله لتوفير حياة أفضل ولو كانت بطرق غير قانونية كالسرقة أو النصب والاحتيال أو استغلال النفوذ السياسي أو الاقتصادي وغيرها من تلك الجرائم التي انتشرت في العديد من البلدان التي تفشى فيها الفساد الإداري والمالي . *
لذا كان لابد من اتخاذ وقفه جادة حيال هذه الظاهرة وتلك السلوكيات الغير سويه سواء على صعيد الإدارة المؤسسية أو على صعيد المؤسسات التشريعية في الدولة وذلك لتجنب الآثار السلبية لها ، وملاحقة من تسول له نفسه بالخوض في هذه السلوكيات الغير سويه وتوقيع اشد العقوبات عليه ليكون عبره لغيره ممن قد تسول لهم أنفسهم الإتيان بمثل تلك السلوكيات . * * * * * * * * * * * * * * * * * *كذلك لابد من تناول هذه الظاهره على مختلف الاصعده وفي شتى المجالات الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والوقوف بحزم لمكافحتها والتصدي للأفعال المفضيه اليها ومن الدراسات القريبة التي تناولت هذه الظاهره في دولة الامارات العربية المتحدة *دراسة اعدها الاخ عبدالله سالم علي حموده الكتبي لنيل شهادة الماجستير في القانون العام بجامعة الشارقه تحت عنوان الفساد الاداري والمالي وسبل مواجهته جنائيا -دراسة مقارنه*
تعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع وذلك لقيام اغلب الدول في الوقت الحاضر بمحاولة مكافحة الفساد وفق الاخ في اختيار موضوع رسالته