باسم صاحب السمو الشيخ / صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة وملحقاتها
محكمـــــــة تمييـــــــز رأس الخيمـــــــة
الدائــــــــرة الجزائيــــــــــــة
برئاسة السيد القاضي / يحيـــــى جــــــلال فضـــــلرئيـــــس المحكمــــة وعضويـــــة القاضييـن / محمـــــد نـــاجــــي دربالـــــة و محمــد عبـد الرحمــن الجـــراح فــي الجلســة العلنيــة المنعقــدة بمقـر المحكمــة بــدار القضــاء بإمـارة رأس الخيمــة في يوم الأحد 18 مـن رمضان سنة 1428هـ الموافق 30 من سبتمبر سنة 2007 م فــي الطعــن المقيـد فــي جــدول المحكمــة بـرقـم 14 لسنـــة 2 ق (2007 م) جـزائي المرفــــوع مـــن
الطاعن / ................. ضـــــــــــــد
المطعون ضدها / النيابـــــــــة العامــــــــــة الـــوقـــائــــــــع
اتهمت النيابة العامة 1- ........... 2- ...........
انهما في يوم 9 من ابريل سنة 2007 .
ــ حال كونهما مسلمين بالغين عاقلين مختارين غير محصنين ارتكبا فاحشة الزنا دون وجود شبهة أو رابطة شرعية تبيح لهما ذلك .
ـ وطلبت معاقبتهما بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية .
ـ وبجلسة 2 من مايو سنة 2007 م قضت محكمة جنايات رأس الخيمة حضورياً بمعاقبة ................... بجلد كل منهما خمسين جلدة .
ـ استأنفت النيابة العامة ، ومحكمة استئناف جنايات رأس الخيمة قضت حضورياً بجلسة 5 من يونيو سنة 2007 م بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبحبس كل واحد منهما ثلاثة أشهر تعزيراً .
ــ طعن المحكوم عليه في هذا الحكم بالنقض بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة التمييز بتاريخ 2 / 7 / 2007 م .
المحكــــــــمة
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه شابه البطلان والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأنه على حين أن النيابة العامة أحالته للمحاكمة بتهمة ارتكابه والمحكوم عليها الأخرى فاحشة الزنا حال كونهما مسلمين بالغين غير محصنين فإن المحكمة أعرضت عن وصف النيابة العامة للواقعة وعن العقوبة الحدية المقررة شرعاً لتلك الجناية ، وأوقعت عليهما عقوبة الحبس عن جنحة هتك العرض برضا المجني عليها ، الأمر الذي أَسلم الحكم إلى القضاء في واقعة ليست من اختصاص محاكم الجنايات بل من اختصاص محكمة الجنح، كما أسلمه أيضاً للقضاء بما يخالف قضاء محكمة جنايات أول درجة ـ الصائب ـ والذي قضى بتوقيع عقوبة الجلد عليهما، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد عول في إدانته على اعتراف المحكوم عليها الأخرى وحده ، ورغم خلو التحقيقات من بينة قبله وإنكاره الاتهام، وأخيراً غَفُلَ الحكم عن إجراء تحليل لعينة من سائله المنوي لإثبات أو نفي أنه من واقع المتهمة الأخرى مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة زنا غير المحصنين التي دُرئ فيها تطبيق الحد التي دان الطاعن ـ وأخرى ـ بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها استمدها من اعتراف المحكوم عليها الأخرى بمحضر جمع الاستدلالات ، والتقرير الطبي بنتيجة الكشف عليها ، وما قرره الطاعن من اصطحابه إياها وخلوته بها . لما كان ذلك ، وكان الحد لغة المنع ، وسميت بعض العقوبات حدوداً لأن من شأنها أن تمنع من ارتكاب الجرائم ويعرف الفقهاء الحد بأنه عقوبة مقدرة تجب حقاً لله تعالى ويفضي هذا إلى أن الحدود مقدرة مقدماً من الشارع ومحددة تحديداً ثابتاً ، وجعلها ذات حد واحد ، ولم يجعلها ذات حدين ، لما في الجرائم المقررة فيها الحدود من خطورة بالغة على المجتمع
كما يفضي ذلك إلى أن القاضي متى ثبت لديه ارتكاب جريمة من هذه الجرائم فإن عليه أن يقضي بالعقوبة المنصوص عليها لهذه الجريمة كما هي دون نقص أو زيادة ، فهو لا يستطيع أن يخفف من هذه العقوبة ، أو يشدد لأي ظرف من الظروف سواء منها ما تعلق بالجريمة أو ما تعلق بالمجرم ، ولا يجوز العفو لا عن الجريمة ولا عن العقوبة ، كما لا يُمكن في الحدود الصلح ولا الإبراء ـ إلا في القذف ففيه قولان والراجح منهما عدم الصلح ولا الإبراء ، وجرائم الحدود هي الزنى والسرقة وقطع الطريق والقذف وشرب الخمر والردة والبغي ـ على خلاف فيه ـ ، ويُعرف أبو حنيفة الزنى الموجب للحد بأنه الوطء المحرم في قبل المرأة الحية ، وطئاً عارياً عن الملك والنكاح والشبهة ، وهو بالنسبة للمرأة أن تُمكن الرجل من مثل هذا الفعل كما يعرفه المالكية بأنه كل وطء وقع على غير نكاح صحيح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين ، ويعرفه فريق آخر من الفقهاء بما يقرب من ذلك غير أنهم يجعلون منه الإتيان في الدبر ومن هؤلاء الشافعية والحنابلة والزنى في حكمه يختلف تبعاً لما إذا كان الجاني محصناً أو غير محصن ، أما غير المحصن وهو الذي لم يطأ زوجته بنكاح صحيح ، فقد حصل الاتفاق على أنه يُجلد للزنا مائة جلدة لقوله تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " ( سورة النور ـــ الآية الثانية ) ، أما المحصن وهو الذي أصاب زوجته بعقد نكاح صحيح ، فهي عند الجمهور الإعدام رمياً بالحجارة أو ما يقوم مقامها ، وإن كانت الشريعة الإسلامية وقد وضعت لهذه الجرائم الحدية عقوبات مغلظة فقد قابلتها بشروط تهدف إلى تضييق نطاقها ، كما أنها تجعل كل شبهة لمصلحة المتهم في نطاق الحدود والقصاص قائمة مقام الحقيقة بما يُسلم إلى درء العقوبة المقدرة على المتهم بالشبهة استناداً إلى حديث " ادرؤوا الحدود بالشبهات ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة " الذي أخذ به جمهور العلماء في إثبات الشبهة ، وفضلاً عن ذلك تشددت الشريعة الإسلامية في إثبات الجرائم الحدية فحصرته في وسائل معينة، ومن ذلك اشتراطها شهادة الأربعة في جريمة الزنا ، إذا كان الإثبات بالبينة ، أما إذا كان بالإقرار ( الاعتراف ) فإنه يتعين أن يبقى المقر مصمماً عليه ، ماضياً فيه إلى تمام الحد وذلك ما ذهب إليه مالك والثوري والشافعي وإسحق وأبو حنيفة وأحمد، ويُسن التعريض للمقر بالرجوع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لماعز حينما أقر بالزنا " لعلك قبلت أو غمزت " وفي رواية " هل ضاجعتها ؟ " قال : نعم قال : حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟ قال : نعم وعن علي رضي الله عنه في قصة شراحة : استُكرِهتِ ؟ قالت : لا . قال : فلعل رجلاً أتاك في نومك . وما ورد في حديث نعيم بن هذال : قال : فلما أصابه حر الحجارة قال : ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي غروني ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هل تركتموه يتوب فيتوب الله عليه ، وعن بريدة قال : كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمهما عند الرابعة " فإن تراجع المقر عن إقراره وعدل عنه بعد أن اعترف فإن العقوبة الحدية المقررة لا تطبق عليه للشبهة في الإثبات ولكن يجوز تعزيره بعقوبة أو عقوبات أخرى مناسبة ، لأن الشبهة وإن كانت في مجال الحدود والقصاص تأخذ حكم الحقيقة وتمنع من إقامة العقوبة المقدرة على المتهم إلا أنها لا تؤدي إلى منع العقوبات الأخرى إذ لم تمح وصف الجريمة عن الفعل المرتكب ويظل له وصف الجريمة باعتبار أنه من وصف ما شرع في جنسه الحد ، أو من قبيل الجرائم التي شرع فيها الحد ، و كان إثبات الحدود والقصاص عند الجمهور لا يثبت إلا بالبينة أو الاعتراف بشروط خاصة فلا يؤخذ فيه بأقوال المجني عليه كشاهد ، ولا بالشهادة السماعية وإن كان الإمام مالك يجيز في إثبات الحدود أن يكون الشهود سماعيين ينقلون عمن شهدوا الحادث ولا يجيز هذا باقي الأئمة ولا باليمين ، ولا بشهادة النساء بخلاف التعزير فيثبت بذلك وغيره بل تثبت جرائم التعازير بشهادة شاهد واحد وقد اتفق الفقهاء على أن الإقرار والشهادة واليمين والنكول والقسامة ـ على تفصيل في الكيفية أو الأثر ـ حجج شرعية يعتمد عليها القاضي في قضائه ويعول عليها في حكمه ومن الفقهاء من لم يحصر الطرق في أنواع معينة بل قال إن كل ما يبين الحق ويظهره يكون دليلاً يقضي به القاضي ويبني عليه حكمه وهذا ما قاله ابن القيم وتبعه في ذلك بعض الفقهاء كإبن فرحون من المالكية وقالوا في تفسير ذلك أن المقصود أن البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره وهي تارة تكون أربعة شهود ، وتارة ثلاثة بالنص في بينة المفلس ، وتارة شاهدين ، وشاهداً واحداً وامرأة واحدة ، ونكولاً ، ويميناً ، أو خمسين يميناً ، أو أربعة أيمان ، وتكون شاهد الحال في صور كثيرة فقوله صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي أي عليه أن يبين صحة دعواه فإذا ظهر صدقه بأي طريق .. طرق الحكم ومنها القرينة حُكم له ومن ذلك أيضاً القضاء بالقرينة القاطعة فلا خلاف بين فقهاء المذاهب في بناء الحكم على القرينة القاطعة واستدلوا على ذلك من الكتاب في قوله تعالى " وجاءوا على قميصه بدم كذب "
( الآية 18 ـ سورة يوسف ) فقد روى أن إخوة يوسف لما أتو بقميصه إلى أبيهم تأمله فلم ير خرقاً ولا أثر ناب فاستدل به على كذبهم كما استدلوا على ذلك بالسنة وعمل الصحابة فأما السنة فبما وقع في غزوة بدر لإبني عفراء لما تداعيا قتل أبي جهل واستدلال الرسول على قاتله منهما بوجود أثر دمه على سيف أحدهما ، أما عمل الصحابــــة فمنه حــكم عمر على السكران إذا قاء الخمــر وبحجية الخط والختم و القيافة ، وبقول أهل المعرفة والخبرة فيما يختصون بمعرفته إذا كانوا حذاقاً مهرة فيرجع لأهل الطب، والمعرفة بالجراح وإلى أهل المعرفة من النساء فيما لا يطلعُ عليه غيرهن كالبكارة. كما إن الإقرار مع العدول يبقى دليلاً ـــ حتى إن كان صادراً في غير مجلس القضاء ويصلحُ لإقامة العقوبة على المتهم ، ويكون للقاضي أن يعاقبه تأسيساً على هذا الاعتراف بعقوبة تعزيرية إذا اقتنع أن هذا الاعتراف صحيح صادر منه ، وإن لم يقتنع بذلك أو ثبت لديه أن الإقرار الذي بذله المتهم وعدل عنه كان قد أُنتزع منه عن إكراه فإنه يكون لا أثر له فلا تقام عليه بسببه أية عقوبة ، وكذلك الحال بالنسبة لأدلة الإثبات الأخرى فإن لم تتوافر الأدلة اللازمة لإثبات الجريمة وإقامة الحد على المتهم ، أو وُجدت ولكنها لم تستجمع الشرائط الواجب توافرها لتكون منتجة في إثبات الجرائم ذات العقوبات المقدرة ، ووجد القاضي مع ذلك في القضية المعروضة عليه من الأدلة ما يقتنع به ، ويُكون عقيدته بإدانة المتهم كما لو اطمأن إلى أقوال المجني عليه وحده مثلاً . فإنه يحكم بناءً على هذه الأدلة التي امتنع بها القضاء بالعقوبة التعزيرية المناسبة فيوقع ما يسمى بالعقوبات البدلية وهي العقوبات التي تحل محل عقوبة أصلية إذا امتنع تطبيق العقوبة الأصلية لسبب شرعي ومثالها الدية إذا دُرء القصاص والتعزير إذا درء الحد أو القصاص لسبب شرعي. لما كان ذلك وكان التعزير في اللغة مصدر عزّر من العزْر وهو الرد والمنع ويقال عزّر أخاه بمعنى نصره لأنه منع عدوه من أن يؤذيه ، ومن ذلك قوله تعالى " وتُعزروه وتُوقروه " ويقال عزرته بمعنى التوقير وأيضاً أدبته ، وقد سُميت العقوبة تعزيراً لأن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الجرائم أو العودة إلى اقترافها ، ويعرفه الفقهاء بأنه عقوبة غير مقدرة تجب حقاً لله أو لآدمي في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، وهو كالحدود في أنه تأديب استصلاح وزجر. ، والتعزير عند المالكية والشافعية والحنابلة وعند الحنفية ـ على الأرجح لديهم ـ مفوض إلى رأي الحاكم أو ولي الأمر واجتهاده من حيث الجنس والقدر يفرض منه في كل حالة ما يراه كافياً لتحقيق الزجر والتأديب المقصود من التعزير. ، ولولي الأمر ـ ويتسع مفهوم ولي الأمر في النظم الحديثة ليشمل كافة المؤسسات القائمة على سن التشريعات وتقنين الأحكام وإصدارها لتسري مسرى النفاذ ـ تعيين العقوبة أو العقوبات التعزيرية ـــ عند درء الحد لشبهة ـــ في كل جريمة مقدماً وجعل تطبيقها أو الاختيار فيما بينها وجوبياً على القضاة أو جوازياً لهم على أن يراعي في ذلك توسيع سلطتهم حتى يعطوا لكل حالة تعذيرها المناسب لتحقيق الزجر والردع الواجب، ومن ثم تكون نصوص قانون العقوبات في هذا الشأن ليست سوى تعازيرمقررة ممن يملك حق تقريرها فيكون قانون العقوبات هو الواجب التطبيق في هذه الحالات. لما كان ذلك ، وكان الحبس محدد المدة هو من العقوبات التي يُعزر بها لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سجن بالمدينة أناساً في تهمة دم وأنه حبس رجلاً في تهمة ساعة من نهار ثم أخلى سبيله ، وأنه ثبت أن عمر بن الخطاب كان له سجن ، وأنه سجن الحطيئة على هجوه وكذا فعل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ، وقد انعقد الإجماع على أن الحبس يَصلَحُ عقوبة في التعزير ووضعه الفقهاء بين العقوبات التي يقضى فيها بالتعزير ، ومدة الحبس وتقديرها في التعزير راجع إلى ولي الأمر. لما كان كل ذلك ، وكان القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 بإصدار قانون العقوبات ، والقانون الاتحادي رقم 25 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية قد نصا على التوالي في المادة الأولى من كل منهما على أنه " تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدية أحكام الشريعة الإسلامية وتُحدد الجرائم والعقوبات التعزيرية وفق أحكام هذا القانون والقوانين العقابية الأخرى " وعلى أنه " تطبق أحكام هذا القانون في شأن الإجراءات المتعلقة بالجرائم التعزيرية ، كما تطبق في شأن الإجراءات المتعلقة بجرائم الحدود والقصاص والدية فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية " كما عقد الاختصاص بنظر جرائم الحدود ـ فيما خلا حدي الشرب والقذف ـ لمحاكم الجنايات وفق ما أوجبته المادتين 28 من قانون العقوبات
و 192 من قانون الإجراءات الجزائية إذ نصت أولاهما على أن " الجناية هي الجريمة المعاقب عليها بإحدى العقوبات الآتية 1- أية عقوبة من عقوبات الحدود أو القصاص فيما عدا 1- حدي الشرب والقذف 2- الإعدام 3- السجن المؤبد 4- السجن المؤقت " وما نصت عليه الأخرى من أنه " تشكل بكل محكمة ابتدائية دائرة أو أكثر للجنايات تؤلف من ثلاثة من قضاتها " ، وكان نص المادة 27 من قانون العقوبات قد جرى على أنه " لا يتغير نوع الجريمة إذا استبدلت المحكمة بالعقوبة المقررة لها عقوبة من نوع أخف سواء أكان ذلك لأعذار قانونية أم لظروف تقديرية مخففة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " فإن ذلك ينبئ بأن محكمة الجنايات متى اختصت بنظر جناية من جنايات الحدود الشرعية فإن اختصاصها هذا يظل سارياً حتى لو انتهت إلى توقيع عقوبة ليست من عقوبات الجنايات المنصوص عليها بالمادة 28 من قانون العقوبات لدرء الحد بشبهة. لما كان ذلك ، وكانت المادة 66 من قانون العقوبات بعد تعديلها بالقانون الاتحادي رقم 52 لسنة 2006 قد نصت على أن " العقوبات الأصلية هي : ( أ ) عقوبات الحدود والقصاص والدية ( ب ) عقوبات تعزيرية وهي 1- الإعدام 2- السجن المؤبد 3- السجن المؤقت 4- الحبس 5- الحجز 6- الغرامة . ويجب على المحكمة أن تقضي بالعقوبات التعزيرية المنصوص عليها في هذا القانون إذا لم تتوافر الشروط الشرعية للحكم بعقوبات الحدود القصاص والدية " فقد دل ذلك على أن المشرع قد أورد العقوبات التعزيرية بالمادة 66 من قانون العقوبات على سبيل الحصر كما أوجب تطبيق إحداها ـ دون غيرها ـ كلما دُرئ الحد في جرائم الحدود لعدم توافر الشروط الشرعية للحكم بعقوبته ـ أي الحد ـ بما مقتضاه عدم جواز توقيع عقوبة تعزيرية أخرى ـ كالجلد أو التغريب ( النفي ) مثلاً ـ وآية ذلك صريح ما أورده المشرع بالفقرة الثانية من المادة 66 من قانون العقوبات بعد تعديلها ، وما أدخله المشرع عليها من تعديل في فقرتها الأولى بحذف عقوبة الجلد التي كانت ضمن العقوبات التي عددتها قبل تعديلها . لما كان كل ما تقدم ، وكان الثابت من مطالعة الأوراق أن النيابة العامة وقد توافر لواقعة الدعوى شرائط قيام حد الزنى ، بإقرار المتهمة بارتكاب فاحشة الزنى مع الطاعن ، فأحالتهما إلى محكمة الجنايات بهذا الوصف طالبة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء عليهما ، وكان حكم محكمة أول درجة المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد خلص ـــ صائباً ـــ إلى ثبوت تهمة الزنا في حقهما ـــ استناداً إلى أدلة عدة ـــ على خلاف ما يدعي الطاعن ـــ إذ عول في ذلك على اعتراف المتهمة بالزنا بالإضافة إلى إقرار المتهم الثاني ـــ الطاعن ـــ باصطحابه لها في ذات ليلة الواقعة ......م إلى غرفة بشاليه ........واختلائه بها فيها وتبادله القبلات معها ، وأيضاً ما أثبته التقرير الطبي الموقع على المتهمة من أنها تعرضت لممارسة جنسية حديثة خلال 24 ساعة ـ بما يتوافق مع تاريخ الواقعة ـ، بيد أنها انتهت إلى درء تطبيق حد الزنا عليهما لإنكارهما وتحقق الشبهة في الإثبات قبلهما ، وقضت بتعزيرهما بجلد كل منهما خمسين جلدة ، وكانت النيابة العامة قد استأنفت هذا القضاء ، فقضت محكمة استئناف الجنايات ـــ صائبة ـ بإلغاء الحكم المستأنف وبتعزير المتهمين بحبس كل منهما ثلاثة أشهر عن تهمة الزنا ـ على خلاف ما يدعي الطاعن من أن إدانتهما كانت عن تهمة هتك العرض برضا المجني عليها ـ التي سقطت فيها العقوبة الحدية لإنكارهما ، وذلك استناداً إلى خلو العقوبات التعزيرية المنصوص عليها في التشريعات العقابية الصادرة من ولي الأمر من عقوبة الجلد ، فإن ما أورده الطاعن بأسباب طعنه في خصوص تعديل المحكمة لوصف التهمة أو مواد قيدها ، أو اختصاصها بنظر الواقعة ، يكون على غير أساس ويكون منعاه في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الطاعن لم يطلب من المحكمة تحليل عينة من سائله المنوي ، ولم تر هي لزوماً لإجرائه فيكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله . لما كان ذلك ، وكان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بإنكار الاتهام مردوداً بأن نفي التهمة هو من أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل رداً صريحاً طالما كان الرد عليها مستفاد ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ومن القضاء بالإدانة . ولما كان كل ذلك ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وألزمت الطاعن الرسوم القضائية .