نائب المدير العام
تاريخ التسجيل: Oct 2009
الدولة: دولة الامارات العربية المتحدة ـ دبي
المشاركات: 15,606
لماذا أختار المسلمون التقويم القمري ؟
(التقويم) ضرورة اجتماعية حضارية لا غنى لأية أمة من الأمم عنه فيكل مجال من مجالاتنا الحياة اليومية قديماً وحديثاً : الزراعية منها أو الصناعية أوالتجارية أو العملية أو غير ذلك ، وفي حالاتنا السلم والحرب والأفراد أو المؤسساتوالوزارات ، وقد أحتاج إليه الإنسان منذ فجر التاريخ ، وما زالت هذه الحاجة الملحةتتزايد إليه على مدار الزمن حتى لم يعد بالإمكان تصور حياة الفرد أو المجتمع بدونه .
ومن نعم الله على الإنسان أن جعل له من حركة الشمس والقمر دليلاًيهتدي به إلى معرفة السنين والحساب ، وقد وجه الله عز وجل أبصار البشر إلى السماءوبالأخص إلى القمر ليستنبطوا من حركته علم مقياس الزمن ومعرفة عدد السنين والحسابفقال الله سبحانه وتعالى : (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازللتعلموا عدد السنين والحساب) ، وما التقويم إلا سجل زمني يشتمل على خرائط الزمنمبينا عليها مواقع السنين والشهور والأيام ، فاليوم متولد من حركة الشمس والشهرمتولد من حركة القمر والسنة حساب لعدد الأيام والشهور. وفي الآية دليل على أن اللهعز وجل هيأ للإنسان أسباب معرفة علم التقويم قبل أن يخلق الإنسان نفسه لأهميته فيحياته.
لكل أمة من أمم الأرض تقويمها الخاص :
أجل إن لكل أمة منالأمم تقويمها الخاص بها ، به تعتز وإليها ينتسب وبه تؤرخ أحداثها وأيامها وتحددأعيادها ومناسكها ، فهو يمثل تاريخها ودينها وحضارتها ، وهو حافظ ذاكرتها وصندوقذكرياتها وسجل أحداثها ومرآة ثقافتها ، ولذلك وجدنا للمصريين والفرس والرومانوالهنود واليهود والصينيين وغيرهم تقويمهم الخاص بهم ، وكان يستحيل على أمة تؤرخبتقويم أمة أخرى ، أو على أصحاب ديانة أن يؤرخوا بتقويم ديانة أخرى ، وكان رجالالدين من كل أمة هم القيمين على التقويم يحددون بداية شهوره وأطوالها وطبيعة سنينهوأحوالها من حيث البسط والكبس وغيرها ، فنجد رهبان الرومان قوامين على تقويمهم ،وسدنة نار المجوس مسؤولين عن تقويمهم ، وكبار حاخامات السنهدرين من اليهود يختصونبتقويمهم ، والبابا غريغوري الثالث عشر على رأس لجنة تصحيح تقويمالنصارى.
ووجدنا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، يعرف عن تقاويم الأممالمجاورة من اليهود والفرس والأقباط والرومان ويؤسس للأمة الإسلامية تقويمها الخاصبها متمسكاً بالعمل بالتقويم القمري الذي يتناسب مع أعياد المسلمين ويعتمدون عليهفي عباداتهم على نقائه عبر العصور فلم يتلوث بلوثتها ، كما هي حال التقاويم الأخرىالتي خلعت أسماء الآلهة الوثنية على أسماء شهورها وأيامها : فنجد مثلاً شهر ينايراسماً لأحد آلهة الرومان. وكذلك فبراير ومارس ، ونجد كذلك الأيام الأسبوعية تسمىبأسماء آلهة تعبد : فالأحد (صن دي) يوم الشمس ، والاثنين (من دي) يوم القمر، وهكذابقية الأسبوع.
والتقويم القمري تقويم رباني سماوي كوني توقيفي قديم قدمالبشرية ليس من ابتداع أحد الفلكيين ، وليس للفلكيين سلطان على أسماء الشهورالعربية القمرية ، ولا على عددها أو تسلسلها أو أطوالها ، وإنما يتم كل ذلك في حرككونية ربانية.
وتم تحديد عدد الشهور السنوية في كتاب الله القويم : (إنعدة الشهور عند الله اثتا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منهاأربعة حرم). وفي الوقت الذي عبثت أصابع الفلكيين بتقويم الأمم الأخرى في كل جزئيةمن جزئياتها وأسماء شهورها وأطوالها وهيئاتها وتسلسلها فإنه لا سلطة للفلكيين أوغيرهم على التقويم القمري بحيث لا يستطيع أحد استبدال اسم شهر بشهر أو موقع شهربشهر أو تزيد فيه يوماً أو تنقص منه يوماً ، فهو تقويم كامل لا يحتاج إلى تعديل أوتصحيح ، وهو رباني من تقدير العزيز العليم .
وسأضرب لكم مثالاً علىالعبث في تقاويم الأمم الأخرى بالتقويم الميلادي (اليولياني) فقد نقل يوليوس قيصربداية السنة من شهر مارس إلى شهر يناير في سنة 45 ق.م وقرر أن يكون عدد أيام الأشهرالفردية 31 يوماً والزوجية 30 يوماً عدا فبراير 29 يوماً ، وإن كانت السنة كبيسةيصبح ثلاثون يوماً ، وتكريماً ليولوس قيصي سمي شهر كونتليس (الشهر السابع) باسميوليو وكان ذلك في سنة 44 ق . م وفي سنة 8 ق . م غير شهر سكستيلس باسم القيصر الذيانتصر على أنطونيو في موقعة أكتيوم سنة 31ق . م ، ومن أجل مزيد من التكريم فقدزادوا يوماً في شهر أغسطس ليصبح 31 يوماً ق . م بأخذ يوم من أيام فبراير وترتب علىهذا التغيير توالي ثلاثة أشهر بطول 31 يوماً (7 ، 8 ، 9) نتيجة لذلك أخذ اليومالحادي والثلاثين من كل شهري سبتمبر ونوفمبر وأضيفا إلى شهري أكتوبر وديسمبر ، وقدحدث تعديل آخر في عهد الباب (غريغور الثالث عشر) الذي قام بإجراء تعديلات علىالتقويم اليولياني حيث عالج الثغرات الموجود في التقويم اليولياني ، وقد عرف هذاالتقويم باسم التقويم الغريغوري وهو التقويم الذي يعمل به حالياً (التقويمالميلادي).
التقويم العربي قبل الإسلام :
اتبع العرب قبل الإسلامالحساب القمري ولكنهم لم يعتمدوا تقويماً خاصاً بهم يؤرخون وفقه أحداثهم رغماعتمادهم السنة القمرية بأشهرها الاثني عشرة ، وقد اعتمدوا في تاريخهم على بعضالأحداث الكبرى ومن ذلك تأريخ بناء الكعبة زمن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام نحوعام 1855 ق.م وانهيار سد مأرب سنة 130 ق.م تقريباً ، وفاة كعب بن لؤي الجد السابعلرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 59 ق.م وأرخوا برئاسة عمرو بن لحي سنة 260 ،وبعام الغدر ، وبعام الفيل وهو أشهرها سنة 571م ، وبحرب الفجار التي وقعت في الأشهرالحرم سنة 585م، وبتاريخ تجديد الكعبة سنة 605م.
وقد اختلفت أسماءالأشهر القمرية إلى أن وصلت إلى صورتها المعروفة عليها من عهد كلاب الجد الخامسللرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يذكر البيروني في سنة 412م ، كما استخدم العربفي جاهليتهم الأشهر الشمسية في بعض المناطق وبخاصة في جنوب الجزيرة (أهل اليمن) وكانت سنتهم الشمسية متطابقة مع الأبراج الفلكية الاثني عشر التي تمر بها الشمسبحيث يبدأ كل شهر مع بداية برج معين ، وقد قدم المؤرخون من أمثال : البيرونيوالمسعودي والمقريزي سلاسل لأسماء الشهور في الجاهلية منها : المؤتمر ، ناجر ، صوان، حنتم ، زباء ، الأصم ، عادل ، نافق ، واغل ، هراغ ، برك.
أما الشهورالحالية فقد عرفت منذ أواخر القرن الخامس الميلادي ، ويشكل محرم بداية السنةالهجرية كما كان عليه الحال قبل ذلك في اعتباره أول السنة القمرية ، وقد لجأ العربقبل الإسلام إلى نظام النسيء الذي يعطيهم الحق في تأخير أو تسبيق بعض الأشهرالمعروفة بالحرم وهي أربعة ( ذو القعدة ، ذو الحجة ، محرم ، رجب) وكان النسأة أي منيتولون شؤون النسيء وهم كنانة يسمون بالقلامس وكان القلمس يعلن في نهاية موسم الحجعن الشهر المؤجل في العام التالي ، وفي ذلك يقول قائلهم.
لنا ناسئ تمشونتحت لوائه يحل إذا شاء الشهور ويحرم
ولقد استمرت عادة النسيء حتى جاءالإسلام محرماً إياها : قال تعالى : (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذينكفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ...) الآية ، وكان العرب يعتبرون كلا من الشهورالزوجية 29 يوماً ويسمونها ناقصة ، وقد حاول العرب اعتماد سنة قمرية عن طريق كبسالسنة القمرية لتصبح معادلة للسنة الشمسية ويقول (البيروني والمقريزي) : إنهم كانوايضيفون تسعة أشهر كل 24 سنة قمرية ، ويقول المسعودي : إنه كانوا يكسبون كل ثلاثسنوات شهراً وحداً.
قصة التقويم الهجري:
لقد استمر المسلمونفترة من الزمن على ما كانوا عليه من قبل حيث لم تعط السنوات تواريخ رقمية تدل عليها، وإنما أعطيت أسماء تدل على أشهر الحوادث ، وقد أخذت السنوات العشر التالية للهجرةوحتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، الأسماء التالية :
السنة الأولى : سنة الإذن (الإذن بالهجرة)
السنة الثانية : سنةالأمر (الأمر بالقتال)
السنة الثالثة : سنةالتمحيص
السنة الرابعة : الترفئة
السنةالخامسة : الزلزال
السنة السادسة : الاستئناس
السنة السابعة : الاستغلاب
السنة الثامنة : الاستواء
السنة التاسعة : البراءة
السنة العاشر : الوداع
وكنا نسمع عن عام الطاعون ، أي طاعون عمواس ،وعام الرمادة حتى خلافة عمر بن الخطاب ، فقد ورد في السنة الثالثة من خلافته كتابمن أبي موسى الأشعري عامله على البصرة يقول فيه : (إنه يأتينا من أمير المؤمنين كتبفلا ندرى على أي نعمل وقد قرأنا كتاباً محله شعبان فلا ندري أهو الذي نحن فيه أمالماضي ! عندها جمع عمر أكابر الصحابة للتداول في هذا الأمر ، وكان ذلك في يومالأربعاء 20 جمادى الآخرة من عام 17هـ ، وانتهوا إلى ضرورة اختيار مبدأ التاريخالإسلامي، وتباينت الآراء : فمنهم من رأى الأخذ بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ،ومنهم من رأى ببعثته ، ومنهم من رأى العمل بتقويم الفرس أو الروم ، لكن الرأي استقرعلى الأخذ برأي علي بن أبي طالب الذي أشار إلى جعل مبدأ التقويم من هجرة الرسول صلىالله عليه وسلم، وقد اتخذ أول المحرم من السنة التي هاجر الرسول فيها الرسول صلىالله عليه وسلم مبدأ التاريخ الإسلامي ، على الرغم من أن الهجرة لم تبدأ ولم تنتهفي ذلك اليوم إنما بدأت في أواخر شهر صفر ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشارفالمدينة يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول ثم دخل المدينة يوم الجمعة 12 من شهرربيع الأول .
ولم يكن هذا التقويم بدعة حيث نجد التقويم الميلادي قامعلى مثل هذه الطريقة فقد ولد المسيح عليه السلام في 25 ديسمبر ولكن اختير الأول منيناير السابق له وليس اللاحق مبدأ للسنة الميلادية، لأن يناير كان مبدأ للسنين عندالرومان من قبل، وتوافق بداية التقويم الهجري يوم الجمعة 16 من يوليو 622م. ومن هنانجد أن للتقويم الإسلامي استقلاليته وخصوصيته ، ويختلف عن تقاويم الأمم الأخرى حيثاعتمد التقويم القمري الرباني تقويماً خاصاً بالأمة الإسلامية ، ولقد كان التقويماليهودي من قبل قمرياً ثم حوله حاخاماتهم إلى النظام الشمسي المختلط بحيث تكونشهوره قمرية وسنته شمسية.
وكان تأسيس عمر للتقويم الهجري من أعظمإنجازاته الحضارية في إطار تنظيم الدولة الإسلامية كما اعتبر التقويم اليولياني منأعظم إنجازات يوليوس قيصر الحضارية ، ولقد مر التقويم الشمسي بمراحل من الأخطاءالفلكية والحسابية وما زال بحاجة إلى التصحيح فالخطأ يحتاج المتخصصون إلى قرونللكشف عن تلك الأخطاء المتراكمة وهذا ما حدث بالفعل.
أما النظام التقويمالقمري فيستحيل عليه الخطأ وإن وقع الخطأ من جهة البشر فبإمكان أي إنسان أن يكتشفهفي غضون يوم أو يومين ويتم تصحيح العمل به تلقائياً.
انتمني ان ينال علىرضاكم
تحياتي
بناء الإنسان هو الهدف الأسمى الذي نبذل كل جهد من أجل تحقيقه
سيدي صاحب السمو الشيخ
خليفه بن زايد ال نهيان
رئيس دولة الامارات العربية المتحدة
حفظه الله ورعاه