الطعن 4 لسنة 3 ق جزائي 2008 اتمنى ان يقرأ بعناية ففيه تفاصيل رائعة
باسم صاحب السمو الشيخ / صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة وملحقاتها
محكمـــــــة تمييـــــــز رأس الخيمـــــــة
الدائــــــــرة الجزائيــــــــــــة
برئاسة السيد القاضي / يحيـــــى جــــــلال فضـــــلرئيـــــس المحكمــــة
وعضويـــــة القاضييـن / محمـــــد نـــاجــــي دربالـــــة و محمــد عبـد الرحمــن الجـــراح
فـــي الجلســـــة العلنيـــــة المنعقـــــدة بمقـــر المحكمـــــة بــــدار القضـــــاء بــإمــارة رأس الخيمـــة
في يوم الأحد 25 مـن جمادى الآخـرة سنـة 1429 هـ الموافـق 29 من يونيـة سنـة 2008 م
فـــي الطعــن المقيـــد فــي جــدول المحكمــة بـرقـم 4 لسنـــة 3 ق ( 2008 م ) جـزائي
بشأن عرض الحكم الصادر بالقتل قصاصاً
ضـــــــــــــد
.................
الـــوقـــائــــــــع
اتهمت النيابة العامة ........ أنه في يوم 19 من يوليو سنة 2005م بدائرة إمارة رأس الخيمة .
ـــ قتل المجني عليها .........عمداً بأن ضربها بمعول فأحدث بها الإصابات الواردة بتقرير الصفة التشريحية و التي أودت بحياتها .
وقد اقترنت تلك الجناية بجناية أخرى وارتبطت بجنحة هي أنه في ذات الزمان و المكان :-
1- وهو محصن ارتكب فاحشة الزنى مع المجني عليها .
2- سرق المصوغات الذهبية وجهاز الهاتف المحمول والحقيبة والملابس المملوكة للمجني عليها ...
3- دخل منزل ......... خلافاً لإرادته ودون مسوغ قانوني وبقصد ارتكاب جريمة .
ـ وطلبت عقابه طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية و المواد 332 و 389/2 و 434/3 ، 1 من قانون العقوبات الاتحادي .
ـ بجلسة 25 من ديسمبر سنة 2005م قضت محكمة جنايات رأس الخيمة بقتل ........... قصاصاً عن قتله المجني عليها وبجلده تسعين جلدة عن تهمة الزنى ودخول مسكن بقصد ارتكاب جريمة وحبسه لمدة سنة عن تهمة السرقة ومصادرة أداة الجريمة . وألزمت المحكوم عليه بمبلغ ألف درهم على سبيل التعويض المؤقت .
ـــ استأنفت النيابة العامة و المحكوم عليه .
ـــ ومحكمة استئناف جنايات رأس الخيمة قضت حضورياً بجلسة 1 من إبريل سنة 2008م وبإجماع الآراء بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم الصادر بالقتل قصاصاً وبالحبس لمدة سنة ومصادرة أداة الجريمة وبتعديل الحكم المستأنف والقضاء برجم المحكوم عليه حتى الموت عن جريمة الزنى وإلغائه فيما عدا ذلك .
ـــ عرضت النيابة العامة الحكم الصادر بالقتل قصاصاً وبالرجم حتى الموت حداً على محكمة التمييز وفقاً لأحكام المادة 38 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 .
المحكــــــــمة
من حيث إن أي من النيابة العامة أو المحكوم عليه .......... لم يقرر بالطعن بالنقض .
ومن حيث إنه من المقرر وفق نص المادة 38 / 1 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 أن الحكم الصادر بعقوبة الإعدام ـ ومن ذلك القضاء بالقتل قصاصاً والرجم حداً ـ يعتبر مطعوناً فيه أمام محكمة التمييز وموقوفاً تنفيذه لحين الفصل في الطعن مهما كان سببه والقانون الذي صدر في ظله وذلك بقوة القانون لتبسط محكمة التمييز رقابتها على عناصر الحكم كافة موضوعية وشكلية فتقضي من تلقاء نفسها بتصحيح ما اعتوره من خطأ في تطبيق القانون ، أو تفسيره ، أو تأويله ، أو ما شابه من قصور في التسبيب ، أو فساد في الاستدلال أو إخلال بحق الدفاع ولو لم يكن مطعوناً فيه من المحكوم عليه أو من النيابة العامة ، غير مقيدة في ذلك بأوجه الطعن المقدمة من المحكوم عليه أو بما تضمنته مذكرة النيابة من رأي .
وحيث قدمت النيابة العامة مذكرة انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم بقتل المحكوم عليه قصاصاً .
ومن حيث إن القتل يُعرف في الشريعة بأنه فعل من العباد تزول به الحياة أي أنه إزهاق روح آدمي بفعل آدمي آخر وأركانه ثلاثة : أولها : أن يكون المجني عليه آدمياً حياً ، ثانيها : أن يكون القتل نتيجة لفعل الجاني ، ثالثها : أن يقصد الجاني إحداث الوفاة ، فللقتل العمد العدوان الموجب للقصاص شروط وجوب ، أولها : جان وشرطه : أن يكون مكلفاً أي بالغاً عاقلاً ، فإن كان صبياً أو مجنوناً : فلا قصاص لعدم التكليف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " رُفع القلم عن ثلاثة : الصبي حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ " ثانيها : مجني عليه : وشرطه : أن يكون معصوم الدم وتزول العصمة إما بزوال سببها وإما بارتكاب الجرائم المُهدرة فالدماء والأموال في الشريعة الإسلامية معصومة أي ليست مباحة ، وأساس عصمتها إما الإيمان وإما الأمان ، ومعنى الإيمان : الإسلام ، ومعنى الأمان : العهد كعقد الذمة وعقد الهدنة وما أشبه فبالإيمان تُعصم دماء المسلمين وأموالهم لقوله صلى الله عليه وسلم " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " وبالأمان تُعصم دماء غير المسلمين وأموالهم لقوله سبحانه وتعالى " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " المائدة الآية 1 ، وقوله صلى الله عليه وسلم " المسلمون عند شروطهم " وقوله " إننا لا يصلح في ديننا الغدر " ، وتزول العصمة بزوال الأساس الذي قامت عليه فالمسلم تزول عصمته بردته وخروجه عن الإسلام والمستأمن والمعاهد والذمي ومن في حكمهم تزول عصمتهم بانتهاء أمانهم ونقض عهدهم ، وكذا تزول العصمة بارتكاب الجرائم المُهدرة وهي الجرائم التي تجب عليها عقوبات مقدرة متلفة للنفس أو الطرف وهي على وجه الحصر ( 1 ) الزنا من محصن ( 2 ) قطع الطريق أو الحرابة ( 3 ) البغي (4 ) القتل والقطع المتعمدان ( 5 ) السرقة ويُشترط في الجريمة المُهدرة شرطان لا يغني أحدهما عن الآخر أولهما : أن تكون الجريمة ذات عقوبة مُقدرة ، والعقوبات المُقدرة محلها جرائم الحدود وجرائم القصاص فقط ، أما جرائم التعازير فعقوباتها غير مُقدرة ، ثانيهما : أن تكون العقوبة مُتلفة للنفس أي قتلاً ، أو متلفة للطرف أي قطعاً وإذا تخلف أحد هذين الشرطين لم تكن الجريمة مُهدرة فالسرقة التي لا قطع فيها كسرقة الأب من الابن والقتل العمد المعاقب عليه بالدية لا يعتبر أيهما جريمة مُهدرة لأن العقوبة فيها غير متلفة ولو أن العقوبة في حال الدية مقدرة ، ومثل ذلك الزنا من غير محصن والقذف وشرب الخمر فعقوبات هذه الجرائم الثلاث عقوبات مُقدرة ولكنها غير مُتلفة ومن ثم فهي جرائم غير مُهدرة ، وكذلك الحكم لو كانت العقوبة مُتلفة ولكنها غير مُقدرة كالقتل تعزيراً ، أما إذا ارتكب شخص جريمة من جرائم الحدود المقدرة حقاً لله تعالى عقوبتها القتل أصبح مهدراً وزالت عصمته بارتكاب هذه الجريمة لأن محل الجريمة حد من حدود الله والحدود في الأصل واجبة التنفيذ فوراً ولا تحتمل التأخير أو التهاون ، كما أنها لا تحتمل العفو أو إيقاف التنفيذ ، وتزول العصمة من يوم ارتكاب الجريمة لا من يوم الحكم بعقوبتها لأن أساس زوال العصمة هو إتيان الجريمة وليس الحكم بالعقوبة ، فالزنا من محصن عقوبته الرجم أي القتل فإذا أتاه شخص أصبح مُهدراً بمجرد ارتكاب الجريمة ، فإذا قتله آخر فقد قتل شخصاً مباح القتل ولا يعاقب على جريمة القتل مادام أنه يستطيع إثبات وقوع الزنا بالأدلة المقررة لإثبات الزنا فإذا عجز اعتبر قاتلاً وعُوقب بالعقوبة المقررة للقتل العمد ، ويستوي عند الفقهاء أن يكون القتل للزنا بصفة عامة قبل حكم القضاء بثبوت جريمة الزنا أو بعد الحكم ، والمهم أن تثبت جريمة الزنا على القتيل بأدلتها الشرعية فإن ثبتت فلا يُسأل القاتل عن القتل ، وإن لم تثبت فهو مسئول جنائياً عن القتل العمد ( التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ـــ عبد القادر عودة ـــ طبعة نادي قضاة مصر 1984 ـــ الجزء الأول ص 538 : 542 ـــ الجزء الثاني ص 20 ، ص 23 ـــ 25 ) ، لما كان ذلك ، وكان دستور دولة الإمارات العربية المتحدة قد نص في المادة 28 منه على أن " المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة . . . " كما جرى نص المادة الأولى من قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 والمادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي رقم 35 لسنة 1992 على أنه تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدية أحكام الشريعة الإسلامية وتطبق في شأن الإجراءات المتعلقة بها ما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الغراء وذلك دون أن تُحدد مذهباً معيناً من المذاهب الفقهية بمعنى أن المشرع له أن يختار الأحكام التي يراها محققة لصوالح الجماعة وبما يدرأ المفسدة عنها ويحقق المنفعة لها ، وكان المبدأ الدستوري المشار إليه في نص المادة 28 من الدستور ــ وما جاء ترديداً له بنص المادة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية ــ إنما يدل على أن المشرع قد ارتأى أنه لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا بعد ثبوت إدانته وفقاً للقانون في محاكمة قانونية عادلة بما مفاده أنه لا يمكن القول بثبوت ارتكاب أي شخص لفعل يُعد جريمة جنائية إلا عن طريق المحاكمة التي يقوم عليها القضاء وتحوطها الضمانات القانونية، ومن ثم يكون المشرع قد نحا منحاً يُقيد ثبوت حكم الزنا ــ وهو جريمة جزائية ــ بحكم القضاء بثبوت واقعة الزنا مما يؤدي إلى امتناع عقاب قاتل الزاني المحصن، وقد أناط الشرع الحنيف هذا بالقضاء دون غيره حتى لا تطيش يد الأفراد في صفحة مجتمع المسلمين فتُسوغُ القتل وفق هوى آحادهم ، ويدل على ذلك قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أقبل عليه رجل يعدو ومعه سيف مجرد ملطخ بالدم حتى قعد مع عمر وجاء جماعة في أثره فقالوا : إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته، فقال عمر : ما يقول هؤلاء ؟ قال الرجل : لقد ضربت فخذي امرأتي بالسيف، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته، فقال لهم عمر : ما يقول الرجل ؟ فقالوا : ضرب بالسيف فقطع فخذي امرأته وأصاب وسط الرجل فقطعه اثنين فقال عمر للرجل : إن عادوا فعد وأهدر دم القتيل ، فدل ذلك على أن عمر ــ وكان يتولى القضاء إلى جوار الإمامة ــ قد حقق واقعة الزنى وأقام عليها أدلة ثبوتها الشرعية بما شهد به الرجل والجمع ــ وهو أكثر من اثنين ــ الذي كان يطارده ثم قضى بهدر دم القتيل لثبوت الزنى في حقه ، ، ويشترط الشافعيون في قاتل الزاني المحصن أن يكون معصوماً لأنه مهدر الدم لا يعتبر مهدر لمثله فالزاني المحصن لا يعتبر مهدر الدم للزاني المحصن ولا للمرتد ولا للحربي ، لأنهم جميعاً في درجة واحدة ودمهم جميعاً مهدر ( المرجع السابق ــ الجزء الأول " القسم العام " ــ ص 539 ــ تحفة المحتاج ــ الجزء الرابع ــ ص 10 ــ شرح الأنصاري على البهجة ــ الجزء الخامس ص 3 ، 4 )، وثالثها : أن يكافيء المقتول القاتل ورابعها : ألا يكون القاتل والد المقتول : أباً أو أماً أو جداً لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقتل والد بولده " . وللقتل تقسيمات عدة أولها : ما يعرف بالتقسيم الثلاثي وهو ما قال به معظم الفقهاء وفيهم الأئمة أصحاب المذاهب الثلاث ابن حنبل ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، ــ من أن القتل ثلاثة أقسام : ( أ ) عمد : وهو ما تعمد فيه الجاني الفعل المزهق قاصداً إزهاق روح المجني عليه ( ب ) شبه العمد : وهو ما تعمد فيه الجاني الاعتداء على المجني عليه دون أن يقصد قتله إذا مات المجني عليه نتيجة للاعتداء وهو ما يسمى في القوانين الوضعية " الضرب المفضي إلى الموت " ( ج ) قتل الخطأ ، ومنها ما قال به الإمام مالك وهو ما يعرف بالتقسيم الثنائي، وهما القتل العمد والقتل الخطأ ، ولا وسط بينهما ، والقتل العمد عنده هو كل فعل اُرتكب بقصد العدوان إذا أدى إلى موت المجني عليه سواء قصد الجاني القتل أو لم يقصده وبشرط ألا يكون الفعل قد وقع على وجه اللعب أو المقصود به التأديب ممن له حق التأديب ، والقتل الخطأ هو ما لم يكن عمداً .
كما أن من الفقهاء من يقسم القتل إلى أربعة أقسام هي ( أ ) العمد ( ب ) شبه العمد ( ج ) الخطأ ( د ) ما جرى مجرى الخطأ . ويزيد آخرون إلى هذا التقسيم قسماً خاصاً هو ( ه ) القتل بالتسبب . ولا تختلف التقسيمات الثلاثية والرباعية والخماسية عن بعضها البعض إلا فيما يؤدي إليه منطق الترتيب والتبويب فحيناً يقسمون الخطأ إلى قسمين هما الخطأ وما جرى مجراه وحيناً يفرقون بين الفعل المباشر والقتل بالتسبب ويجعلون الأخير قسماً مستقلاً ، أما التقسيم الثنائي ، وهو مشهور مذهب المالكية ، فإنه يختلف عن باقي التقسيمات في أنه لا يعترف بالقتل شبه العمد لأنهم يرون أنه ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ فمن زاد قسماً ثالثاً زاد على النص ، ذلك أن القرآن نص على القتل العمد والقتل الخطأ فقط فقد قال تعالى " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها "" النساء الآية 93 " وقال تعالى " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً " " النساء الآية 92 " وعلى هذا الأساس يُعرف مالك العمد في القتل بأنه إتيان الفعل بقصد العدوان ، وهو لا يشترط أن يقصد الجاني نتيجة فعله ، أما الشافعية والحنابلة والحنفية فرأيهم يتفق على أن شبه العمد في القتل معناه : إتيان الفعل القاتل بقصد العدوان دون أن تتجه نية الجاني إلى إحداث القتل ويستدلون لذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أن في قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا والحجر مائة من الإبل " ويتفرع على هذا الخلاف أن عقوبة العمد الأساسية القتل قصاصاً إلا أن يعفو ولي الدم ، وعقوبة شبه العمد الدية والتعزير حسبما يرى ولي الأمر . لما كان ذلك ، وكان لولي الأمر ـــ بمفهومه الذي يتسع ليشمل المؤسسات القائمة على سن التشريع وتقنين القواعد والأحكام واصدارها حتى تسري مسرى النفاذ ـــ الحق في أن يُصدر التشريعات التي يُقصد بها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة الإسلامية ، وأنه وإن كان مقيداً في ذلك في خصوص المجمع على تحريمه وتوقيف أحكامه كجرائم الحدود والقصاص والدية ، فلا يجوز له أن يخرج عليه أو أن يستبيحه أو يبطله أو يعطله أو يُشرع ما يخالفه ، فإن له ـــ من وجه آخر ـــ أن يضع النصوص في إطار أي من المذاهب الفقهية الإسلامية المعتبرة بما يحقق صوالح الجماعة ويدفع المضرة أو المفسدة عنها ، وهو فيما يضعه لا يخرج عن حدود الشريعة الغراء ، بل يُقيمها على الوجه الذي فهمه وأقره المذهب الفقهي المعتبر المُحقق لتلك الصوالح ، فإذا كان ذلك ، وكان قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 قد سار على تأثيم القتل شبه العمد بما نص عليه في المادة 336 / 1 من أنه " يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين من اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكنه أفضى إلى الموت " ومن ثم فإن هذا المسلك من المشرع يُعد قاطع الدلالة بما لا لبس فيه على أن المشرع قد ركن إلى التقسيم الثلاثي للقتل الذي أجمع عليه الأئمة الثلاثة ابن حنبل والشافعي وأبو حنيفة . لما كان ذلك ، وكان القصد الجنائي الذي هو مناط القصاص هو أن يتجه الجاني إلى هذا القصد مقدراً نتائجه مريداً لها ، وإذا كان هذا القصد هو أمر نفسي خفي ، لا يطلع عليه إلا الله تعالى لأنه أمر كامن في نفس الجاني ، إلا أنه يمكن أن يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى ، والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني ، وتنم عما يضمره في نفسه ، ومن ثم يكون تحققه في جريمة القتل ـــ حتى يُوصف بأنه قتل عمد ـــ يظهر أول ما يظهر في انصراف النية إلى إزهاق روح المقتول ، والمتحصل من أقوال فقهاء المذاهب ، أن المعتدي بالإيذاء المؤدي إلى الموت يعتبر قاتلاً عمداً إذا اجتمع لديه أمران : قصد الإتيان بالفعل المؤذي الضار مع قصد الوصول إلى إزهاق الروح ويستدل على ذلك بالآلة التي استعملت في الإيذاء والكيفية التي تم بها ، فإذا صدر فعل الإيذاء بآلة من شأنها إزهاق الروح وبكيفية تؤدي إليه اعتبر الفاعل قاتلاً عمداً باتفاق جميع المذاهب الفقهية ، مع ملاحظة أن كون الآلة قاتلة غالباً ليس في ذاته دليلاً لا يقبل النفي على قصد القتل وللجاني أن ينفي عن نفسه قصد القتل وأن يثبت أنه لم يكن يقصده ، فإن أثبت هذا اعتبر الفعل شبه عمد وعلى هذا فإن استعمال الآلة القاتلة يصح الاستدلال به على قصد القتل ما لم يقم ما ينفيه من ظروف الواقعة أو المتهم أو المجني عليه أو أقوال الشهود ، وإذا لم يتعمد الفاعل الفعل المؤذي ونتيجته من الأساس ومات المعتدى عليه من ذلك الفعل اعتبر القتل خطأ باتفاق المذاهب أيضاً ، أما إذا تعمد الفاعل الإذاية دون تعمد النتيجة وهي الموت فإن هذه الصورة هي صورة شبه العمد أو كما يُعرَّف في التشريعات المعاصرة بالضرب المفضي إلى الموت . لما كان ذلك ، وكان الحكم المعروض ، قد أقام قضاءه على ما أورده بأسبابه من أن المحكوم عليه ــ وهو المتزوج وله ولد ـ قد نشأت بينه وبين المجني عليها ـ وهي المتزوجة بآخر ولها أولاد أربعة من زوج آخر متوفٍ ــ علاقة آثمة محرمة منذ فترة طويلة ، وأنها هاتفته للحضور إلى حيث تقيم بمدينة رأس الخيمة ، وولج إلى منزلها عن طريق تسلق جداره ـ كما رسمت له ـ ، حيث زنى بها بغرفة أطفالها ، وفي أعقاب اغتساله سمعها تحادث آخر هاتفياً ، وما أن شاهدته حتى بادرت بإغلاق هاتفها ، وطلبت منه الصعود إلى سطح منزلها حتى لا يفاجئهما زوجها بالحضور بغتة ، وما أن صعدا حتى استفسر منها عن المحادثة التي تسمع لها ، فأخبرته بأنها من شخص يرغب في لقائها ، فطلب منها الاتصال به ليزجره حتى يكف عن إزعاجها ، وعندما حادثته طلب منها الاتصال به على هاتف أحد أصدقائه فقامت بتدوين رقم ذلك الهاتف على كف يدها ، وما أن انتهت من المحادثة حتى راحت تعدد على مسامع المحكوم عليه علاقاتها بالعديد من الشباب وممارستها الزنى معهم ، فاستشاط غضباً ودفعها متغيظاً من حيث تقف بأعلى الدرج فسقطت بمنتصفه ، فأخذ بالبحث عن أداة لاستخدامها في الاعتداء عليها حتى عثر على أداة حديدية ( كذمة ) ذات يد خشبية طويلة ورأسى معول ضربها بها بمقدمة وجهها ، ثم قام بسحبها إلى أسفل الدرج حيث وجه لها ضربة أخرى بذات الأداة بمؤخرة رأسها ثم ركلها بقدمه وقام بانتزاع هاتفها منها ملقياً بطاقة الهاتف إلى جانبها ، ثم اغتسل من آثار الدماء واستبدل ملابسه بملابس خاصة بزوج المجني عليها ، واستولى على المصوغات الذهبية المملوكة لها والتي عثر عليها بغرفة نومها وأودعها ــ مع قميصه الذي استبدله ــ بحقيبة صغيرة عثر عليها بالمنزل ، ثم غادر المنزل مسدلاً على وجهه منشفة ــ حتى يخفي ملامحه ــ إلى أن تم ضبطه ــ على مقربة من منزل المجني عليها ــ بمعرفة دورية الشرطة التي ارتابت فيه ، وقد أقام الحكم الدليل الشرعي على صحة الواقعة بالتصوير المتقدم وإسنادها إلى المحكوم عليه من إقراره بواقعتي القتل والزنى بمحضر الضبط وبتحقيقات النيابة العامة ثم إقراره بالزنى أمام محكمة الاستئناف وأقوال الملازم أول محمد حسن الشميلي وسعيد مطر الخاطري وصادق عبد الغني عبد الله زوج المجني عليها ، وما ورد بتقريري الصفة التشريحية وفحص المضبوطات وما توافر من قرائن الحال وهي أدلة شرعية سائغة وكافية للتدليل على ارتكاب المتهم للجريمة المسندة إليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً وواضحاً على توافر نية القتل في حق المحكوم عليه بما أورده بمدوناته من قيامه ــ وقد امتلأت نفسه غيظاً من حديثها عن علاقاتها الآثمة بآخرين ــ بدفع المجني عليها من أعلى درج سطح المنزل حيث سقطت بمنتصفه غير قادرة على الحركة لما أصابها من رضوض من جراء سقوطها ، غير أنه لم يرعوى ويتوقف عن الاعتداء عليها وذهب ليبحث عن أداة يواصل بها عدوانه فوجد ضالته في آلة ذات رأس حديدي مدببمن جهتين ( كزمة ) فأحضرها وكال لها بها ضربات في مواضع قاتلة من جسدها مستخدماً الطرف الحديدي المدبب ولم يقف عند هذا الحد بل قام بسحلها على الدرج وما أن استقرت بأسفله حتى عاود الاعتداء عليها محدثاً لها الإصابات المفصلة في تقرير الصفة التشريحية والذي حصله الحكم بما مجمله وجود جرحين بمقدم الرأس وجرحين آخرين بمؤخرة الرأس ، بالإضافة إلى الجرح الغائر بعمق 7 سم في الثدي الأيسر بمنطقة الحلمة ، و الجرحين المتهتكين أسفل الذقن و بالكوع الأيسر ، و الكدمات المتفرقة بالجبهة و أسفل الخد و الفك الأيمن وأسفل العنق وأعلى الفخذ الأيسر وبالرسغ الأيمن ، و السحجات بالساق اليسرى وأعلى الفخذ الأيسر و الذراع الأيمن و ما صاحب ذلك كله من نزيف في المخ نتيجة الارتجاج الشديد و التهتك في عضلات الصدر بالرئة اليسرى ، و النزيف الحاد بداخل الصدر بالجانب الأيسر ، وما انتهى إليه ذلك التقرير من جواز حصول تلك الإصابات من الآلة المضبوطة و التي أقر المتهم باستخدامه لها في الاعتداء ، ومن السقوط على الدرج وجر المجني عليها فوقه ، فإن ما تمسك به الطاعن بجلسات المحاكمة أنه لم يقصد قتل المجني عليها بل قصد إلى تأديبها فحسب يكون ولا محل له ، لما كان ذلك ، وكان من المقرر شرعاًأنه من أقر بأنه زنا بامرأة أُخذ باعترافه ، أما المرأة فإن أنكرت فلا مسؤولية عليها ، وعلى هذا جرت سنته صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو داوود عن سهل بن سعد أن رجلاً جاء إلى الرسول فأقر عنده انه زنا بامرأة سماها له فبعث رسول الله صلى لله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها ولا يشترط حضورشريك المقر في الزنى في مجلس الإقرار كما لا يشترط ذلك في الشهادة ، فلو أقر شخص بأنه زنا بامرأة غائبة أقيم عليه الحد ، ويصح الإقرار بالزنى ولو جهل المقر شخصية شريكه في الزنى لأنه بنى إقراره على حقيقة الحال وإذا أقر رجل أنه زنا بامرأة فكذبته فهو مأخوذ بإقراره وعليه الحد دونها كما يرى مالك و الشافعي وأحمد لأن الإقرار حجة في حق المقروعدم ثبوت الزنىفي حق المقر لا يورث شبهة ما في حق المقر ولكنأبا حنيفة يرى أن لا يحد الرجل المقر لأن الحد انتفى في حق المنكر بدليل موجب للنفيعنه فأورث شبهة الانتفاء في حق المقر لأن الزنا فعل واحد يتم بهما فإن تمكنت فيه شبهة تعدت إلى طرفيه ( المرجع السابق – الجزء الثاني القسم الخاص – ص 434 ، 435 – شرح فتح القدير – جزء 4 – ص 120 ، 158 – المغني لابن قدامه جزء 10 – ص 168 – المهذب – جزء 2 ص 285 ) فإذا كان ذلك ، وكانت واقعة الزنى لم تثبت على القتيلة بأدلتها الشرعية فلم تُسأل عنها قبل وفاتها لينتصب إقرارها – إن صدر – دليلاً على زناها ، كما لم يشهد بذلك شهود بلغوا نصاب الشهادة على الزنى ، فإنه لا يمكن التساند لإقرار المحكوم عليه بالزنى للقول بثبوت زنى القتيلة ، ومن ثم لا يسوغ هدر دمها ، وتبقى معصومة الدم يُقتص من قاتلها ، هذا فضلاً عن أنه لا يجوز للمحكوم عليه وقد صار مهدر الدم بإقراره بالزنى ـ وهو المحصن وفق قوله ـ أنه يُعفى من القصاص ليس إلا لتقول لم يقم الدليل الشرعي على صحته وإلا صار هذا باباً للتفلت من القصاص أو العقاب وهو ما تأباه الشريعة الغراء . لما كان ذلك وكان الفقهاء قد اختلفوا في تحديد الأدلة التي تُثبت عن طريقها الجناية على النفس وعلى ما دونها وعلى الجنين فرأى جمهورهم أنها لا تُثبت إلا عن طرق ثلاث هي : الإقرار ، و الشهادة ، و القسامة ، ورأى بعضهم أنها تثبت أيضاً عن طريق قرائن الأحوال ، و الإقرار شرعاً هو الإخبار عن حق أو الاعتراف به ، والأصل في الإقرار الكتاب و السنة والإجماع : أما الكتاب فقوله تعالى " وإذا أخذ الله ميثاق النبيين ـــ إلى قوله ـــ قال أقررتم وأخذتم على ذلكم أصري ، قالوا : أقررنا " وأماالسنة فما روى أن ماعزاً أقر بالزنا فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الغامدية وفي قضية العسيف قال الرسول صلى الله عليه وسلم " أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " وأما الإجماع فإن الأمة أجمعت على صحة الإقرار لأنه إخبار ينفي الريبة عن المقر ، ولأن العاقل لا يكذب على نفسه كذباً يُضربها ولهذا كان الإقرار أكد منحجة في حق المقر يوجب عليه الحد و القصاص و التعزير كما يوجب عليه الحقوق المالية ، ويشترط في المقر البلوغ ، و العقل ، و الحرية ، و الطوع ، و الرضا ، واليقظة ، كما يشترط في الإقرار المُثبت للجناية أن يكون مبيناً ، متصلاً ، قاطعاً في ارتكاب الجاني الجناية أما الاعتراف المجمل الذي يمكن أن يُفسر على أكثر من وجه فلا تثبت به الجناية ، وقد أتفق الفقهاء على أنه إذا كان الإقرار قد صدر مستجمعاً أسباب صحته ثم عدل عنه المقر قُبل منه الرجوع عن إقراره فيما كان حقاً لله تعالى يدرأ بالشبهة ويحتاط لإسقاطه ، فأما حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يُقبل منه الرجوع عن إقراره بها ، وهذه القاعدة متفق عليها فإذا أقر بالزنى أو بشرب الخمر ثم عدل عن إقراره لم يؤخذ بإقراره لأن الزنا وشرب الخمر متعلق بحقوق الله تعالى التي تدرأ بالشبهات ويحتاط لإسقاطها أما إذا أقر بقتل أو جرح أو قطع أو إسقاط جنين فإنه يؤاخذ بإقراره ولو عدل عنه لأن الجنايات الواقعة على النفس وما دونها – ومنها جرائم القصاص – وعلى الجنين كلها متعلقة بحقوق الآدميين ، وكتب الفقه بمختلف المذاهب حافلة بذلك ومما جاء في فقه المالكية ما أورده ابن جزىء في كتابه القوانين الفقهية في فصل الرجوع عن الإقرار " فإن أقر بحق لمخلوق لم ينفعه الرجوع ، وإن أقر بحق الله كالزنى وشرب الخمر فإن رجع إلى شبهة قُبل منه ، وإن رجع إلى غير شبهة ففيه قولان : قيل يُقبل منه وفاقاً لهما وقيل – وهو ما تأخذ به هذه المحكمة – لا يُقبل منه وفاقاً للحسن البصري " ، وما ورد في كتاب التبصرة لإبن فرحون ( ص 41 – جزء 2 ) قوله " فإن أقر على نفسه وهو رشيد طائع لزمه إقراره بمال أو بقصاص ولا ينفعه الرجوع " كما ورد في مختصر الشيخ خليل بن اسحق" يؤخذ المكلف بلا حجر بإقراره " أي المكلف الذي لا حجر عليه " ، وهو البالغ العاقل الطائع إذا أقر بحق فإنه يؤخذ بإقراره ويُلزمه ، فإذا أقر بحقوق العباد وأراد الرجوع عنها فإن ذلك لا يُقبل منه . متى صدر منه طواعية واختياراً ، وكانت جرائم القصاص تمثل اعتداء على حقين حق العبد وهو الغالب والظاهر فيها وحق الله تعالى فإنه لا يُقبل الرجوع فيها عن الإقرار ولا بد من تطبيق أحكام الشرع الإسلامي عليه إلا إذا عفا أولياء الدم فإنه يُنقل إلى التعزير ، كما نص ابن سلمون في كتابه " العقد المنظم للخصام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام وبكتابه هامش التبصرة " على أن كل ما أقر به المرء على نفسه وهو طائع غير مكره فإنه يلزمه وما أقر به على نفسه مما يلزمه في بدنه من قصاص . . فذلك يلزمه ولا ينفعه الرجوع فيه" إذ الرجوع عن الإقرار بالقتل لا يحول دون قصاص " ( الجزء 2 – ص 241 ) وبمثل ذلك قال التسولى في البهجة في شرح التحفة ( الجزء 2 – ص 362 ) وبهامش شرح التاودي حلى المعاصم لما كان ذلك ، وكان الحكم المعروض قد استند – من بين ما استند إليه – في قضائه برجم المحكوم عليه حتى الموت حداً أو قتله قصاصاً إلى إقراره بالزنى وقتله المجني عليها بمحضر الضبط وبتحقيقات النيابة العامة ثم إقراره بالزنى أمام محكمة الاستئناف ، وكانت أسباب الحكم المعروض قد بينت توافر الشروط التي استلزمتها النصوص الفقهية لاعتبار الإقرار إقراراً صحيحاً ملزماً فقد بينت أن المحكوم عليه طائع رشيد أقر بما يستوجب حقاً شخصياً للغير ، كما قد تثبتت من أن هذا الإقرار قد جاء مبيناً مفصلاً قاطعاً على ارتكاب الجاني للجريمة معتمدة في ذلك على ما حصلته من شهادة باقي الشهود وما ورد بتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها من أن جميع إصابات المجني عليها تحدث من مِثل الأداة المضبوطة والتي أقر المتهم أنه استعملها في الاعتداء عليها وفحص آثار الدماء المرفوعة من على أداة الجريمة وملابس الجاني والمجني عليها – الذي أثبت وجود بقع من دماء المجني عليها على ملابسه وعلى أداة الجريمة – بما يُفضى إلى القطع بأنه والى الاعتداء عليها محدثاً بها جميع إصاباتها بما في ذلك إصابتها القاتلة بالصدر والإصابتين المزدوجتين بمقدم الرأس وكذا بمؤخر الرأس والتي قرر الطبيب الشرعي أنها حدثت من أربع ضربات لا من ضربتين ، كما قرر المتهم وما أكده من أن كل الإصابات التي وجدت بجثة المجني عليها هي إصابات حديثة حدثت في وقت واحد وكذلك ما توافر من قرائن الحال من ضبط المتهم على مقربة من منزل المجني عليها وبحوزته ما سرقه من مصوغاتها وهاتفها محاولاً التخفي ، بادياً عليه الارتباك بما يثير الشبهة ، ومن ضبط أداة الجريمة بالموضع الذي أشار إليه المتهم باعترافه وثبوت صحة ما قرره من تدوين المجني عليها لرقم هاتف على صفحة يدها ، كما ردت على دفاع المتهم بأن ذلك الإقرار كان وليدَ إكراه بأنها اطمأنت لصحة صدوره منه بمحضر جمع الاستدلالات ثم تأكيده له أمام النيابة العامة ، ومن عدم قيام دليل على وقوع إكراه عليه أخذاً بالقاعدةالشرعية المقررة والتي تقضي بأن من ادعى الإكراه لحمله على الاعتراف فعليه عبء إثبات حصول هذا الإكراه لأن الأصل عدم الإكراه ، ومدعيه خلاف الأصل والبرهان يقع على من ادعى خلاف الثابت أصلاً ، ومن ثم يكون الحكم المعروض في اعتماده على إقرار الطاعن لإدانته بجريمة قتل المجني عليها قد طبق المقتضيات الشرعية تطبيقاً سليماً ، ولا ينال من ذلك رجوع المتهم عن إقراره أمام المحكمة الابتدائية والإستئنافية في خصوص واقعة القتل ذلك لما هو مقرر شرعاً من أن الرجوع عن الإقرار لا يكون مقيداً للمحكمة أو مفيداً لمن عدل عن إقراره فيما يتعلق بحقوق العباد ومنها القصاص وفق القواعد الفقهية سالفة البيان . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الاستئناف قد أجابت المدافع عن المتهم إلى طلبه إحالة المتهم إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية لبيان مدى مسئوليته عن الجرائم المسندة إليه فانتهى تقرير اللجنة الطبية النفسية إلى أن المتهم لا يعاني من أية اضطرابات نفسية أو عقلية يمكن أن تؤثر على إدراكه أو تفكيره ، ولم يتبين وجود أية دلائل عن إصابته سابقاً وفي أثناء الواقعة بأي مرض عقلي أو نفسي وأنه مسئول عن كافة تصرفاته وأفعاله ، أما ما يقوم به من بعض التصرفات والسلوكيات الغير طبيعية فهي أفعال مقصودة بهدف الإيحاء للمحيطين به أنه يعاني من مرض عقلي ، فإذا كانت المحكمة بما لها من سلطة في تقرير حالة المتهم العقلية والنفسية قد انتهت إلى أن المتهم عاقل مختار مسئول عن أفعاله وتصرفاته فإنها تكون قد أصابت عين الواقع ويكون ما أثاره المدافع عن المحكوم عليه قد جاء على غير سند . لما كان ذلك وكان دفاع المحكوم عليه بعدم ارتكابه الجريمة وأن مرتكبها هو شخص آخر مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعة لأن مفاد التفافه عنها أنه اطرحها . لما كان ذلك وكان مُستحق القصاص عند مالك هو العاصب الذكر ، فلا دخل فيه لزوج ولا لأخ لأم ولا لجد لأم ، ويقدم الابن فابن الابن ثم يليهم الأقرب من العصبة ، والجد والأخوة سواء في ولاية القصاص ويعتبر كلاهما في رقبة الآخر وأبناء الأخوة أقل مرتبة من الجد لأنه بمنزلة أبيهم والمراد بالجد الجد القريب فهو الذي يتساوى مع الأخوة في الدرجة ، أما الجد العالي فلا شأن له مع الأخوة ، كما أن بني الأخوة لا شأن لهم مع الجد القريب ، ويستحق القصاص عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد الورثة الذين يرثون مال القتيل رجالاً ونساءً ولا يشترط لاستحقاقهم القصاص أن يرثوا شيئاً فعلاً فمن قتل وعليه دين محيط بتركته أو لم يترك شيئاً فالقصاص لوارثيه الذين كان يحتمل أن يرثوه لو ترك شيئاً ، وإذا تعدد الورثة فمالك وأبو حنيفة وفي قول لأحمد يكون القصاص حق لكل وارث على سبيل الكمال لا على سبيل الشركة وحجتهم أن المقصود من القصاص في القتل هو التشفي وأن الميت لا ينتفى ، ولا يثبت له هذا الحق مادام حياً ، ولكنه يثبت بوفاته ، فإذ ثبت لم يكن أهلاً لتملك الحقوق فيثبت الحق للورثة ابتداءً ويثبت لكل وارث على سبيل الكمال ، كأن ليس معه غيره لأنه حق لا يتجزأ و الشركة فيما لا يتجزأ محال ، إذ الشركة المعقولة هي أن يكون البعض لهذا والبعض لذاك كشريك الأرض والدار ، ولكن ذلك محال فيما لا يتبعض ، والأصل أن ما لا يتجزأ من الحقوق إذ اُثبت لجماعة وقد وجد سبب ثبوته في حق كل واحد منهم يثبت لكل واحد منهم على سبيل الكمال كأن ليس معه غيره كولاية النكاح ويترتب على هذا أنه إذا ورث القصاص كبير وصغير يكون للكبير حق الاستيفاء دون حاجة لانتظار بلوغ الصغير لأن القصاص حق كل وارث على سبيل الاستقلال فلا معنى لتوقف الاستيفاء على بلوغ الصغير واستدلوا على ذلك بأن علياً رضي الله عنه أوصى الحسن بعد أن ضربه ابن ملجم فقال له : إن شئت فأعف عنه، وإن تعف خير لك ، فقتله الحسن، وكان في ورثة علي رضي الله عنه صغار ، والاستدلال به من وجهين أحدهما بقول علي : لأنه خير الحسن في القتل أو العفو مطلقاً فلم يقيده ببلوغ الصغار والثاني : لأن الحسن قتل ولم ينتظر ، وكل ذلك كان في حضور الصحابة ، ولم ينكره أحد فيهم فيكون إجماعاً، ويرى مالك أن لولي الصغير والمجنون ووصيهما الاستيفاء نيابة عنهما فلا حاجة لانتظار البلوغ أو الإفاقة من الجنون، ويرى الأئمة ــ ما خلا أبو حنيفة ــ أنه ليس ما يمنع من أن يتم الاستيفاء بمعرفة الوكيل في غياب الموكلين ، دون أن يشترطوا ــ كما اشترط أبي حنيفة ــ حضور مستحقي القصاص الاستيفاء ، لما كان ذلك ، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه مثلما يكون لولي الأمر أن يضع النصوص في إطار أي من المذاهب الفقهية الإسلامية المعتبرة وأن يختار من بينها ما يرفع الخلاف ويحقق مصلحة جماعة المسلمين وجلب المنفعة لها ودرء المفسدة والمضرة عنها ، فإن له أن يُعرض عن مثل هذا التحديد والاختيار ، فإن رفع ولي الأمر يده فإن هذا إنما يعني أنه قد أبقى سعة أحكام المذاهب المختلفة مطروحة أمام القاضي ليختار منها ما يتناسب وظروف الواقعة المعروضة عليه وحسن القضاء فيها ، لما كان ذلك ، وكان الثابت من وثيقة وفاة وحصر الميراث المؤرخة 12/10/2006 أن ورثة المجني عليها هم زوجها .............. وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات 14/11/2006 و 11/3/2008 وأمام هذه المحكمة بجلسة 25/5/2008 أن زوج المجني عليها ...... ووالدتها ...... قد تمسكا بالقصاص ، فإن الحكم المعروض يكون محققاً للشروط الشرعية لاستيفاء القصاص وفق الأحكام الشرعية للمذاهب الفقهية آنفة البيان . لما كان ذلك ، وكانت الشريعة الإسلامية قد عرفت الجَبْ وهو الاكتفاء بتنفيذ العقوبة التي يمنع مع تنفيذها تنفيذ العقوبات الأخرى ، ولا ينطبق هذا المعنى إلا على عقوبة القتل فإن تنفيذها يمنع بالضرورة من تنفيذ غيرها ومن ثم فهي العقوبة الوحيدة التي تجب ما عداها ويتفق مالك وأبو حنيفة وأحمد على تقرير نظرية الجَبْ ولكن الشافعي ينكرها ، فمالك يرى أن كل حد اجتمع مع القتل لله أو قصاص لأحد من الناس فإنه لا يقام مع القتل والقتل يَجُبُ جميع ذلك إلا الفرية ( أي القذف ) فإن حد الفرية يقام ثم يُقتل ، وأبو حنيفة وأحمد يريان أنه إذا اجتمعت الحدود أن يُقدم حق العبد في الاستيفاء على حق الله عز وجل أي على حق الجماعة فإذا اجتمع قصاص في النفس مع زنا محصن وحد وقذف وسرقة وشرب يُبدأ بحد القذف لأنه يتعلق بحق آدمي ثم يقتل قصاصاً ويسقط ما عدا ذلك ، أما الشافعي فينكر الجَبْ ويرى أن تنفذ العقوبات كلها واحدة بعد أخرى ما لم يتداخل بعضها في الآخر على أن يبدأ أولاً بحق الآدميين فيما ليس فيه قتل ثم بحق الله أي بحق الجماعة فيما لا نفس فيه ثم يجيء القتل من بعد ذلك ( التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ـــ عبد القادر عودة ـــ الجزء الأول القسم العام ـــ ص 749 : 750 ـــ طبعة نادي القضاة 1984 ) فإذا كان كل ذلك ، فإن الحكم المعروض وقد أورد في أسبابه تقديم القصاص في النفس على الرجم حداً للزنا وجعل الصدارة في منطوقه للقتل قصاصاً فإنه يكون قد وافق صحيح من الأحكام الشرعية بيد أنه لما كان المحكوم عليه قد عدل عن إقراره بجريمة الزنا أمام هذه المحكمة بجلسة اليوم فإنه يكون قد درأ عن نفسه عقوبة الرجم حتى الموت حداً بما كان مقتضاه توقيع عقوبة تعزيرية عليه غير أنه لما كانت تلك العقوبة ـــ أياً كان مقدارها أو نوعها ـــ هي من العقوبات التي تُجَبُ بعقوبة القتل قصاصاً فإن المحكمة تنتهي إلى إلغاء عقوبة الرجم الواردة بالحكم المعروض دون حاجة للنص على ذلك بالمنطوق . لما كان ذلك ، وكان المحامي الموكل قد قدم دفاعه شفاهة وفي مذكرات مكتوبة حسبما أوحى به ضميره واجتهاده ووفقاً لتقاليد مهنته فإن ذلك يكون محققاً لما نصت عليه المادة 28 من الدستور ، والمادة 4 / 1 من قانون الإجراءات الجزائية والمادة 38 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة . لما كان ذلك ، وكانت المادة 218 من قانون الإجراءات الجزائية توجب أن تصدر أحكام الإعدام بإجماع الآراء، وكان الحكم المعروض قد صحح ـــ عملاً بالمادة 242 من قانون الإجراءات الجزائية ـــ البطلان الذي شاب حكم محكمة أول درجة الذي قضى بقتل المحكوم عليه قصاصاً دون أن ينص في منطوقه على صدوره بالإجماع ـــ بأن قضى في الدعوى ـــ وما كان له أن يعيدها إلى محكمة أول درجة لاستنفاذها ولايتها في نظرها ـــ مجدداً بذات العقوبة مضمناً منطوق حكمه صدوره بإجماع الآراء ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون . لما كان كل ذلك فإن الحكم المعروض وقد وافق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ، والقانون وجاء خلواً من مخالفتهما أو الخطأ في تطبيق أحكامهما أو تأويلها ، وصدر من محكمة مُشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى وبإجراءات محاكمة صحيحة لا يعتورها بطلان ، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعتها يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه طبقاً لما نصت عليه المادة 13 من قانون العقوبات الاتحادي ، كما صمم أولياء الدم على القصاص فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بالقتل قصاصاً بحق المحكوم عليه . لما كان ذلك ، وكانت المادة 56 من القانون الاتحادي رقم 43 لسنة 1992 في شأن تنظيم المنشآت العقابية قد نصت على أنه " تنفذ عقوبات الإعدام وباقي عقوبات القصاص والحد وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية " كما نصت المادة 106 من اللائحة التنفيذية لذلك القانون على أنه " يتم تنفيذ حكم الإعدام حسبما يجيء بمنطوق الحكم الصادر بالإعدام " وكان قانون العقوبات قد خلا من تحديد وسيلة تنفيذ الحكم بالقتل قصاصاً ، فإذا كان ذلك ، وكان مرمى الشريعة الإسلامية أن تنفذ العقوبة بأيسر ما يمكن من الألم والعذاب وبأي وسيلة أسرع من السيف وأقل إيلاماً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإن قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة " فإن يتعين تصحيح الحكم المعروض والقضاء بتنفيذ القصاص رمياً بالرصاص عملاً بالمادتين 33 / البند ثانياً ، 38 / 2 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 .
فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة بإقرار الحكم الصادر بقتل .........قصاصاً وبنقضه نقضاً جزئياً وتصحيحه بتنفيذ القصاص رمياً بالرصاص .