حكومة دبي - دائرة المحاكم - محكمة التمييز - المكتب الفني
العدد الحادي عشر (جزاء) - عام 2000 - صـ 1275
جلسة السبت 13 مايو سنة 2000
برئاسة السيد القاضي/ محمد محمود راسم - رئيس المحكمة، وعضوية السادة القضاة: الدكتور/ علي إبراهيم الإمام، الهادي محمد الجديدي، محمد نبيل محمد رياض وخلف فتح الباب متولي.
(29)
الطعن رقم (39) لسنة 2000 (جزاء)
1 - دفاع شرعي - محكمة الموضوع.
تقدير توافر حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها - من سلطة محكمة الموضوع.
2 - دفاع شرعي.
تجاوز الجاني القدر اللازم لرد الاعتداء في حالة الدفاع الشرعي - اعتباره عذرًا مخففًا - م (59) عقوبات - شرطه.
1 - تقدير الوقائع التي يستنتج منها حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلقًا بموضوع الدعوى مما تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية للنتيجة التي انتهت إليها كما أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة المعتدي على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان.
2 - تقضي المادة (59) من قانون العقوبات بأنه يعد تجاوز حدود الإباحة بحسن نية عذرًا مخففًا ومقتضى حكم هذا النص أنه يشترط لاعتبار تجاوز حدود الإباحة عذرًا مخففًا في حالة الدفاع الشرعي أن ينشأ حق الدفاع عن النفس مستوفيًا شروطه التي نص عليها القانون عدا شرط واحد هو شرط التناسب بين اعتداء الجاني على المجني عليه وبين خطر الاعتداء الذي يواجهه من جانب هذا الأخير بأن تكون الوسيلة التي لجأ إليها الجاني للدفاع عن نفسه تتجاوز القدر اللازم لرد الاعتداء الحال عليه أما إذا لم يتوافر أحد الشروط التي تبيح للجاني استعمال حق الدفاع الشرعي في المادتين (56)، (57) من قانون العقوبات فإنه لا محل للتحدي بالحكم الوارد بالمادة (59) المشار إليها لأن التجاوز يفترض فيه ثبوت قيام حالة الدفاع الشرعي.
________________________________________
الحكم
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة التلخيص الذي أعده السيد القاضي وسماع المرافعة والمداولة قانونًا.
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن النيابة العامة اتهمت............. بأنه في يوم 23/ 3/ 1999 بدائرة اختصاص مركز شرطة نايف أولاً: تعدى على سلامة جسم المجني عليه بأن ضربه بواسطة كأس فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الجرح أفضى إلى موته على النحو الثابت بالأوراق. ثانيًا: تعاطي المشروبات الكحولية (ويسكي وبيرة) في غير الأحوال المصرح بها قانونًا على النحو الثابت بالأوراق وطلبت عقابه بالمواد 121/ 1، (331)، 336/ 1، 3 عقوبات والمادتين (3)، (7) من قانون المشروبات الكحولية لسنة 1972، وقد ادعى المدعو............... عن نفسه وبصفته وكيلاً عن أقارب المجني عليه مدنيًا طالبًا الحكم بالتعويض عن الضرر الأدبي.
وبتاريخ 29/ 11/ 99 حكمت محكمة الجنايات بمعاقبة المتهم بالسجن مدة خمس عشرة سنة وإبعاده عن البلاد عن التهمتين باعتبار أن تعاطيه المشروبات الكحولية ظرفًا مشددًا وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة.
لم يرتضِ المحكوم عليه والمدعي بالحق المدني هذا الحكم فطعن عليه الأول بالاستئناف رقم 2950/ 99 وطعن عليه الثاني بالاستئناف رقم 3072/ 99 وبتاريخ 23/ 1/ 2000 حكمت المحكمة أولاً: بعدم قبول الاستئناف رقم 3072/ 99 ثانيًا: في الاستئناف رقم 2950/ 99 بتعديل الحكم المستأنف إلى معاقبة المتهم بالسجن مدة سبع سنوات وبإبعاده عن البلاد.. طعن المتهم في هذا الحكم بطريق التمييز بموجب تقرير مؤرخ 12/ 2/ 2000 مرفق به مذكرة بأسباب الطعن موقع عليها من محاميه الموكل طلب فيها نقضه وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت المقترنة بظرف مشدد قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ذلك أن الثابت أن الحادث وقع نتيجة استفزاز المجني عليه للطاعن حيث سبه وأوقع صديقه أرضًا مما أدى إلى تدخل الطاعن حيث تشابكا بالأيدي وقام الطاعن بضرب المجني عليه بيده التي كان يحمل بها كأسًا فأدى إلى جرح المجني عليه مما يشكل حالة الدفاع الشرعي وأن وفاته نجمت عن التباطؤ في إسعافه وأنه ولئن كانت شروط الدفاع الشرعي غير متوافرة على سبيل الفرض فإنه عملاً بالمادة (59) عقوبات يكون قد تجاوز حدود الإباحة بحسن نية مما يعتبر عذرًا مخففًا إلا أن الواقعة في حقيقتها تمثل حالة دفاع شرعي عن النفس، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يعنِ ببحث توافر هذا الحالة فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من أوراق الدعوى ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة مما شهد به................ و............ وتقرير مستشفى دبي والتقريرين الطبيين الشرعيين بفحص جثة المجني عليه وتقارير المختبر الجنائي بشأن فحص آثار الجريمة والبصمات ودم المتهم، لما كان ذلك وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلقًا بموضوع الدعوى مما تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية للنتيجة التي انتهت إليها، كما أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة المعتدى على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان، وإذ كان مؤدى ما أورده الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى أن الطاعن بادر المجني عليه بالاعتداء دون أن يعتدي عليه الأخير أو يتماسك معه حسبما قرره شهود الواقعة مما يعتبر أن المتهم لم يكن في حالة يتحقق بها قيام الدفاع الشرعي ومن ثم فإن ما قام به الطاعن يعد من قبيل الانتقام مما تنتفي به حالة الدفاع الشرعي عن النفس كما هي معرفة به في القانون، وإذ نفى الحكم المطعون فيه قيام حالة الدفاع الشرعي فإنه لا يكون قد خالف القانون، لما كان ذلك وكانت المادة (59) من قانون العقوبات تقضي بأنه يعد تجاوز حدود الإباحة بحسن نية عذرًا مخففًا، ومقتضى حكم هذا النص أنه يشترط لاعتبار تجاوز حدود الإباحة عذرًا مخففًا في حالة الدفاع الشرعي أن ينشأ حق الدفاع عن النفس مستوفيًا شروطه التي نص عليها القانون عدا شرط واحد هو شرط التناسب بين اعتداء الجاني على المجني عليه وبين خطر الاعتداء الذي يواجهه من جانب هذا الأخير بأن تكون الوسيلة التي لجأ إليها الجاني للدفاع عن نفسه تتجاوز القدر اللازم لرد الاعتداء الحال عليه أما إذا لم يتوافر أحد الشروط التي تبيح للجاني استعمال حق الدفاع الشرعي المنصوص عليها في المادتين (56)، (57) من قانون العقوبات فإنه لا محل للتحدي بالحكم الوارد بالمادة (59) المشار إليها لأن التجاوز يفترض فيه ثبوت قيام حالة الدفاع الشرعي، لما كان ذلك وكان الثابت مما سلف أن الطاعن لم يكن في حالة دفاع شرعي، عن النفس ومن ثم فإنه لا مجال لتمسكه بتجاوز حدود الإباحة وقيام العذر المخفف عملاً بالمادة (59) سالفة البيان ويكون منعاه في هذا الصدد في غير محله، لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.