السلام عليكم
إضافة صغيرة لعلى استفيد مما قرأته منكم
يرد أصل المسئولية التقصيرية إلى القانون الروماني، لكن هذا القانون لم يضع قاعدة عامة في شأن هذه المسئولية، ولم يصل إلى التعويض عن كل خطأ ينتج عنه ضرر بالغير بل كان التعويض قاصراً على بعض الأفعال التي حددت من قبل القوانين كموت أو جرح الغير أو الحيوان أو إتلاف بعض الأشياء المادية.
وأدرك فقهاء القانون الفرنسي القديم التفرقة بين المسئوليتين المدنية والجنائية، وبينوا أن المسئولية المدنية تنقسم إلى مسئولية عقدية، وأخرى تقصيرية، وصاغوا قاعدة عامة تستوجب التعويض عن كل خطأ سبب ضرراً بالغير.
وقنن المشرع الفرنسي ما وصل إليه التطور الفقهي بخصوص المسئولية التقصيرية حين سن التقنين المدني الفرنسي 1804، ونص صراحة في المادة 1382 على ما يأتي (كل عمل أيا كان يلحق ضررا بالغير يلزم من وقع بخطئه هذا الضرر أن يقوم بتعويضه)، هذا يبين أن المشرع الفرنسي أخذ بالنظرية الشخصية في المسئولية التقصيرية أي المسئولية التي تقوم على فكرة الخطأ.
ولم يجادل الفقه في اعتبار فكرة الخطأ أساس المسئولية التقصيرية حتى أواخر القرن التاسع عشر، ولكن ظهر بعد ذلك من ينادي بتغيير الأساس الذي تقوم عليه المسئولية التقصيرية وتبنوا فكرة الضرر كأساس لهذه المسئولية، ويرجع هذا التغيير إلى ما يهدد المضرور من قيام المسئولية التقصيرية على فكرة الخطأ، إذ يصعب على المضرور في حالات عديدة إثبات الخطأ خاصة بعد استعمال الآلات الميكانيكية وانتشار الصناعات الحديثة المعقدة والمتطورة، وبالتالي هددت حقوق المضرور بالضياع، لذلك نادوا إلى وجوب قيام المسئولية التقصيرية على فكرة الضرر لا على فكرة الخطأ، خصوصاً أن الضرر يمكن أن يحدث بدون خطأ من أحد فمن يجب أن يتحمله المضرور، وهو لا يد فيه، أو محدث الضرر، أي من صنع وضعا خطيرا نشأ عنه هذا الضرر؟، والجواب الطبيعي أن من أحدث الوضع الخطير هو الذي يتحمل الضرر، لأنه هو الذي استفاد من هذا الوضع، وهذه هي قاعدة (الغنم بالغرم).
وبناء على الفكر القانوني السابق ظهرت نظرية "تحمل التبعات المستحدثة" أو النظرية الموضوعية.
والفرق بين النظرية الشخصية التي أخذ بها المشرع الفرنسي والنظرية الموضوعية التي صاغها جانب من الفقه الفرنسي، في أن النظرية الأولى تقوم على فكرة الخطأ ولو كان مفروضا فرضا لا يقبل إثبات العكس والثانية تقوم على فكرة الضرر.
وقد تأثر المشرع الفرنسي باعتبارات العدالة وأخذ بالنظرية الموضوعية في مسألة عديم التمييز عن أفعاله التي تلحق الضرر بالغير، في حين أن عديم التمييز لا يتوافر فيه شرط الإدراك اللازم لوجود الخطأ، وصدر القانون رقم (5) سنة 1968 بإضافة المادة 489 ثانياً إلى التقنين المدني الفرنسي التي فسرت حسب الراجح إلى أنها تستوجب مساءلة عديم التمييز، وأيد ذلك قضاء محكمة النقض الفرنسية (الدائرة المدنية الأولى في 20/7/1976 (الدائرة المدنية الثانية في 7/12/1977) المجلة الفصلية للقانون المدني 1978 ص 653 فقرة 2).
واختلفت التقنينات العربية بخصوص الأخذ بالنظرية الشخصية أو بالنظرية الموضوعية فأخذ المشرع المصري بالنظرية الشخصية حين تنظيمه لأحكام المسئولية التقصيرية، وجعل فكرة الخطأ هي أساس هذه المسئولية، وحذت تقنينات عربية عديدة حذو التقنين المدني المصري في ذلك منها السوري، والليبي، والجزائري،.. الخ، وتأثرت تقنينات عربية أخرى بالفقه الإسلامي وبنت المسئولية التقصيرية على فكرة الضرر ومنها التقنين المدني الأردني، والتقنين المدني الكويتي، والتقنين المدني السوداني، وأحدث تقنين مدني عربي وهو اليمني، ومشروع التقنين المدني العربي الموحد.
وفي بلادنا تقوم المسئولية على فكرة الضرر، حيث أن المجلة ما زالت سارية التطبيق في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلا عن ذلك فإن قانون المخالفات المدنية الساري في قطاع غزة، يرتب المسئولية التقصيرية على الفعل الضار لا على الخطأ، والاتجاهات الحديثة، تأخذ بفكرة الضرر لا بفكرة الخطأ كشرط لقيام المسئولية التقصيرية، وبهذا أخذت أيضا المدرسة الانجلو سكسونية.
وقد ثار خلاف حاد بين أعضاء لجنة صياغة المشروع المقترح، حيث ذهبت غالبية اللجنة إلى الأخذ بفكرة الخطأ كشرط لقيام المسئولية التقصيرية متأثرة بذلك بما ذهب إليه التقنين المصري، فورد نص بوضع قاعدة عامة في المسئولية التقصيرية تقوم على الخطأ وأخذ بنص المادة 163 من القانون المدني المصري (كل خطأ سبب ضررا للغير يلتزم من ارتكبه بالتعويض، في حين نادت الأقلية من أعضاء اللجنة بأن تقوم المسئولية التقصيرية على فكرة الضرر).
وقد أحسن قانون المعاملات السوداني لسنة 1984 حينما وضع نصا يبين فيه حكم الترك حين لا يرتبط ببذل أي نشاط من قبل المسئول، كما لو وجد صاحب سفينة في عرض البحر ورأى شخصاً يغرق، وكان بإمكانه أن ينقذه ولم يقم بذلك، أو كما لو وجد طبيب مريضا ينزف وامتنع عن مساعدته، فاعتبر ذلك فعلا ضاراً يستوجب المسئولية وعلى هذا نصت المادة 140 منه (يعد فعلا ضارا يستوجب المسئولية امتناع الشخص عن تقديم يد المعونة لحماية الغير من خطر يداهمه في النفس أو العرض، أو المال، وإذا كان في مقدوره أن يبذل هذه المعونة دون أن يتعرض لخطر) وهذا النص يظهر اعتناق التقنين السوداني المذهب الاجتماعي الذي يكفل تحقيق مبدأ التضامن الاجتماعي بين الأفراد، وهذا يعني أنه ليس من واجب الفرد الأحجام عن الإضرار بغيره، بل يمتد إلى مساعدة الغير وتقديم العون له، وأصبح هذا واجبا قانونيا إذا أخل به عد أنه ارتكب فعلا ضاراً يستوجب مسئوليته، ويوجد سند لهذا النص في التعديل الذي أدخله المشرع الفرنسي على المادة 63 من قانون العقوبات بالمرسوم الصادر في 25 يونيو1945 إذ عد مجرد الامتناع عن مساعدة الغير دون التعرض للخطر جريمة.
وقد كان السبق في هذا إلى الفقه الإسلامي إذ ذهب المالكية وأهل الظاهر إلى أن الكف سبب للضمان إذا تسبب عنه تلف مال لآخر (كأن رأى إنسان مالاً لآخر معرضا للتلف بنار مثلاً، وكان في قدرته إنقاذه ولم يفعل فتلف).
وأنا أكاد أن أخالفكم الرأي من أن البلدية مسئولة عن الحادث وذلك لوجود القوة القاهرة , فالبلدية اخذت من الحيطة والحذر وليس لها سلطان على العوامل الأخرى فقيامها بالصيانة الدورية يعفيها من المسئولية وذلك لوجود القوة القاهرة التى ادت إلى سقوط العمود .
(القوة القاهرة)
تعرف القوة القاهرة بأنها الحادث الذى يستحيل دفعه ولا يمكن توقعه، ومن التعريف يتضح أن أركان القوة القاهرة هى أ - استحالة الدفع:فإذا أمكن دفع الحادث حتى لو استحال توقعه لم يكن هناك قوة قاهرة ويجب هنا أن تكون الاستحالة مطلقة غير نسبية لكى تتحقق القوة القاهرة وقد تكون الاستحالة مادية او معنوية.
ب - عدم إمكان التوقع: ويعتبر هذا هو الركن الثانى من أركان القوة القاهرة والمعيار هنا موضوعي وليس شخصى حيث عدم التوقع لا يرجع فيه لشخص الجاني ولكن للشخص المتبصر اليقظ.
هذاوالله اعلم
رأي خطأ يحتمل الصواب , ورأيكم صحيح يحتمل الخطأ .
ومن له تفسير أخر نحب أن يبصرنا به وله التحية
المحامي مؤمن صابر هشام
مدير وشريك مكتب الاتفاق للاستشارات القانونية
مستشار التحكيم الدولي
خبير العلاقات الاسرية
خبير الدراسات القانونية