* ومن التوثيقات الشرعية للديون الضمان , وهو مأخوذ من الضمن ; لأن ذمة الضامن صارت في ضمن ذمة المضمون عنه , وقيل : مشتق من التضمن , لأن ذمة الضامن تتضمن الحق المضمون , وقيل : مشتق من الضم ; لضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق فيثبت الحق في ذمتيهما جميعا .
* ومعنى الضمان شرعا : التزام ما وجب على غيره , مع بقائه على مضمون عنه , والتزام ما قد يجب أيضا ; كأن يقول : ما أعطيت فلانا ; فهو عليّ .
* والضمان جائز بالكتاب والسنة والإجماع : - قال تعالى : وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ أي : ضامن .
- وروى الإمام الترمذي مرفوعا : الزعيم غارم أي : ضامن .
- وقد أجمع العلماء على جواز الضمان في الجملة . والمصلحة تقتضي ذلك , بل قد تدعو الحاجة والضرورة إليه , وهو من التعاون على البر والتقوى , ومن قضاء حاجة المسلم , وتنفيس كربته .
* ويشترط لصحته أن يكون الضامن جائز التصرف , لأنه تحمل مال , فلا يصح من صغير ولا سفيه محجور عليه , ويشترط رضاه أيضا , فإن أكره على الضمان ; لم يصح ; لأن الضمان تبرع بالتزام الحق , فاعتبر له الرضى كالتبرع بالأموال .
* والضمان عقد إرفاق يقصد به نفع المضمون وإعانته ; فلا يجوز أخذ العوض عليه , ولأن أخذ العوض على الضمان يكون كالقرض الذي جر نفعا ; فالضامن يلزمه أداء الدين عن المضمون عند مطالبته بذلك , فإذا أداه للمضمون له ; فإنه سيسترده من المضمون عنه على صفة القرض , فيكون قرضا جر نفعا , فيجب الابتعاد عن مثل هذا ,
وأن يكون الضمان مقصودا به التعاون والإرفاق , لا الاستغلال وإرهاق المحتاج .
* ويصح الضمان بلفظ : أنا ضمين , أو : أنا قبيل , أو : أنا حميل , أو : أنا زعيم , وبلفظ : تحملت دينك , أو : ضمنته , أو : هو عندي , وبكل لفظ يؤدي معنى الضمان , لأن الشارع لم يحد ذلك بعبارة معينة , فيرجع فيه إلى العرف .
* ولصاحب الحق أن يطالب من شاء من الضامن أو المضمون , لأن حقه ثابت في ذمتهما ; فملك مطالبة من شاء منهما , ولقوله صلى الله عليه وسلم : الزعيم غارم رواه أبو داود والترمذي وحسنه , والزعيم هو الضامن , والغارم معناه الذي يؤدي شيئا لزمه , وهذا قول الجمهور .
وذهب بعض العلماء إلى أن صاحب الحق لا يجوز له مطالبة الضامن , إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه , لأن الضمان فرع , ولا يصار إليه إلا إذا تعذر الأصل , ولأن الضمان توثيق للحق كالرهن , والرهن لا يستوفى منه الحق إلا عند تعذر الاستيفاء من الراهن , ولأن مطالبة الضامن مع وجود المضمون عنه ويسرته فيها استقباح من الناس , لأن المعهود عندهم أنه لا يطالب الضامن إلا عند تعذر مطالبة المضمون عنه أو عجزه عن التسديد , هذا هو المتعارف عند الناس . هذا معنى ما ذكره الإمام ابن القيم , وقال : " هذا القول في القوة كما ترى " .
* ومن مسائل الضمان أن ذمة الضامن لا تبرأ إلا إذا برئت ذمة المضمون عنه من الدين بإبراء أو قضاء , لأن ذمة الضامن فرع عن ذمة المضمون وتبع لها , ولأن الضمان وثيقة , فإذا برئ الأصل , زالت الوثيقة ; كالرهن .
* ومن مسائل الضمان أنه يجوز تعدد الضامنين فيجوز أن يضمن الحق اثنان فأكثر , سواء ضمن كل واحد منهما جميعه أو جزءا منه , ولا يبرأ أحد منهم -59- إلا ببراءة الآخر , ويبرءون جميعا ببراءة المضمون عنه .
* ومن مسائل الضمان أنه لا يشترط في صحته معرفة الضامن للمضمون عنه , كأن يقول : من استدان منك ; فأنا ضمين , ولا يشترط معرفة الضامن للمضمون له , لأنه لا يشترط رضى المضمون له والمضمون عنه ; فلا يشترط معرفتهما .
* ومن مسائل الضمان أنه يصح ضمان المعلوم وضمان المجهول إذا كان يئول إلى العلم ; لقوله تعالى : وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ لأن حمل البعير غير معلوم , لكنه يئول إلى العلم , فدلت الآية على جوازه .
* ومن مسائل الضمان أنه يصح ضمان عادة المبيع - والعهدة هي الدرك - , بأن يضمن الثمن إذا ظهر المبيع مستحقا لغير البائع .
* ومن مسائل الضمان أنه يجوز ضمان ما يجب على الشخص , كأن يضمن ما يلزمه من دين ونحوه .
المستشار القانوني / إبراهيم خليل
بالنقض والدستورية والإدارية العليا
عضو اتحاد المحامين العرب
عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي
عضو جمعية الضرائب المصرية
عضو جمعية إدارة الأعمال العربية
موبيل : 01005225061