أولاً : عيوب الرضا
الرضا ركن من أركان العقد فبدونه لا نكون أمام عقد صحيح ، وللرضا عيوب عند دراستها لابد من الوقوف على مناط الرضا وهي الإرادة ،فالإرادة لدى المتعاقد قد تكون معدومة (كإرادة الصبي غير المميز أو المجنون) ويترتب عليها بطلان العقد ، وقد تكون الإرادة موجودة (إذا صدرت من كامل الأهلية) ولكنها معيبة بعيب (الإكراه أو التغرير والغبن أو الغلط) ففي هذه الحالات لا يكون العقد باطلاً وإنما يكون العقد موقوفاً وفي حالات أخرى يكون عقد صحيح لكنه غير لازم أي يجوز للمتعاقد فسخه(بحسب القانون المدني الأردني والشريعة الإسلامية) ، وباطلاً بطلاناً نسبياً (بحسب القانون الفرنسي والمصري).
أ) عيوب الرضا في القانون المدني الاردني:
1- الإكـــــــــراه
للإكراه عند دراسته إطارين يتمثل الأول بالإكراه المعدم للرضا كمن يمسك بيد المُكره (بفتح الكاف) ويجبره على توقيع عقد البيع فهنا تتكون الإرادة معدومة وبالتالي يترتب عليه بطلان العقد وما يهم في دراستنا هو الإطار الثاني للأكره أي (الإكراه المفسد للرضا) وهذا ما عرفته المادة 135 من القانون المدني الأردني بأنه( إجبار شخص بغير حق على أن يعمل عملاً دون رضاه ويكون مادياً أو معنوياً) وعليه يفهم من نص المادة أن للإكراه نوعين هما : إكراه مادي ( وهذا النوع يقع على جسم الإنسان فيقبل الشخص بإبرام العقد بهدف التخلص من ألآم) ، وإكراه معنوي ( يتمثل في التهديد بالإيذاء أو القتل فيقبل الشخص بالتعاقد بداعي الخوف مستقبلاً) ، والإكراه في الغالب ما يكون إيجابي ( أي التهديد بالقيام بعمل) وقد يكون سلبي( يتمثل في الامتناع عن عمل ) ومثاله : الطبيب الذي يمتنع عن القيام بعملية جراحية إلا في حالة زيادة الأجرة المتفق عليها في وقت يصعب على المريض الاستعانة بطبيب غيره.
والتقسيم الأكثر أهمية في الإكراه هو انقسامه إلى أكراه ملجئ وإكراه غير ملجئ .
• الإكراه الملجئ ( هو الذي يقع بتهديد بخطر جسيم على الجسم أو المال) كالتهديد بالقتل أو بإتلاف المال.
• الإكراه غير الملجئ( هو مادون ذلك أي الإكراه الذي لا يصل إلى حد القتل أو إتلاف المال ) كالحبس أو التأنيب أمام الناس .
• الفرق بينهما : 1- الإكراه الملجئ يعد م الرضا ويفسد الاختيار ( المقصود من أنه يعدم الرضا أي يعدم رغبة المتعاقد في آثار العقد كرغبته في تملك المبيع في عقد البيع أو رغبته في استعمال العين المأجورة ،والمقصود من أنه يفسد الاختيار أي انه يفسد اختيار المتعاقد في قصده بالألفاظ أو العبارة المنشئة للعقد كقوله قبلت السيارة في مدة شهر أن لم احصل عليها في المدة المحددة يسقط قبولي بالمبيع.
2- الإكراه غير الملجئ يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار .
• 3- الإكراه الملجئ طالما أنه يعدم الرضا ويفسد الاختيار فهو بذلك يؤثر على جميع التصرفات القولية والفعلية للمتعاقد ، بينما الإكراه غير الملجئ يؤثر فقط في التصرفات القولية دون الفعلية.
حكم الإكراه : سواء كان الإكراه ملجئ أو غير ملجئ فالعقد يكون (موقوف) أي غير نافذ و لا ينفذ إلا بإجازة المكره نفسه (أي من وقع عليه فعل الإكراه) هذا ما نصت عليه م141 مدني أردني.
شروطه : لكي يكون الإكراه عيباً من عيوب الرضا لابد من توافر شروط هي :
1-عدم مشروعية الإكراه (( إذا كان الغرض من الإكراه هو الحصول المُكره ( بضم الميم وكسر الراء) على شي ليس له فيه حق كان الإكراه غير مشروع كمن يهدد شخص بالتشهير به إن لم يحصل على قطعة أرض يملكها فهنا يكون الإكراه غير مشروع ، إلا انه قد يكون الإكراه مشروعاً أي الغاية منه حصول المكره على حق له كالمودع الذي يهدد المودع له بإبلاغ النيابة العامة إن لم يوقع له على سند بما أودعه عنده في حالة تبديد المودع عنده بالوديعة ، فهنا على الرغم من أن الإكراه له تأثير على الإرادة إلا انه يعتبر مشروعاً ولا يمكن الاعتداد به (لوقف العقد) )) .
2-قدرة المكره على إيقاع تهديده (( نصت عليه م140 قانون مدني أردني ومفادها أن هذه المادة أخذت بمعيارين هما المعيار الذاتي أي الرهبة التي يولدها الإكراه في نفس المتعاقد فيحمله على التعاقد واتفقت في هذا المعيار مع الفقه الحديث ، والمعيار المادي وهو أن يكون من صدر منه الإكراه قادراً على إيقاع ما هدد به)).
3-بعث الرهبة في نفس المكره ((الإكراه في ذاته لا يعيب الرضا وإنما يعيبه ما يولده في نفس المكره من رهبة ، وهذه الرهبة عاده ما تنبعث من التهديد بإلحاق الأذى بالنفس كالقتل أو بالجسم كالضرب أو بالمال كالإتلاف ولا يشترط في الرهبة أن يكون التهديد بإلحاق الأذى خاصاً بشخص المتعاقد أو بماله وشرفه وإنما يشمل كل من يرتبط معه برابطة القرابة والنسب (نص م137 مدني) ، وللرهبة شروط هي :
• أن تكون قائمة على أساس ظروف الحال التي تصور للطرف المكره أن خطراً محدداً ، وعليه لا يعتبر التهديد العام دون بيان نوع الخطر الذي قد يصيب المكره لا يعتبر إكراهاً مفسداً للرضا.
• أن يكون الخطر جسيماً ، معيار تحديد جسامة الخطر هو معيار ذاتي ، يرجع في تقديره إلى ظروف المتعاقد الشخصية من حيث جنسه بأن يكون ذكراً أو أنثى ، ومن حيث حالته الجسمانية بأن كان شاباً أو شيخاً ، ومن حيث حالته الاجتماعية بأن كان متعلماً أو أميا ، ومن حيث ظروف الزمان كظرف الليل أو الوحدة ، وتطبيقاً للمعيار الذاتي فأن استعمال وسائل غير جدية كأعمال الشعوذة قد يفسد الإكراه الرضا ولو كان الخطر المهدد به وهمي ، ويشترط بصفة عامة في جسامة الخطر أنه لا يكون بإمكان المكره تلافيه بسهوله ، لأنه إذا كان بإمكانه الإفلات ولم يفعل فلن يقبل منه الادعاء بفساد الرضا.
• أن يكون الخطر محدقاً ، أي وشيك الوقوع ، فالخطر الحال هو الذي يولد عادة الرهبة في نفس المتعاقد ،بعكس التهديد بخطر مستقبل فقد لا يولدها لاحتمال تلافيه مع فسحة الوقت ، إلا أن هذه القاعدة لا يجوز الأخذ بها على إطلاقها ، لأن العبرة في تقدير الخطر هو بما يولده من رهبه حالة لا بكونه هو حالاً أو مستقبلاً .
س: ماحكم الشوكة والنفوذ الأدبي كوسيله لبعث الرهبة ؟
ج: الأصل أن الشوكة والنفوذ الأدبي الذي قد يكون لشخص على آخر كالرجل على زوجته أو الأب على ابنه أو الأستاذ على تلاميذه أو الرئيس على مرؤوسيه لا تكفي كوسيلة للإكراه إلا إذا تجاوز صاحب النفوذ في استغلال نفوذه الحد المتعارف عليه بين الناس وكان هذا النفوذ مصاحباً بوسيلة أخرى ، ومثالها : للزوج على زوجته شوكة تنطوي عليها احتمال أن يطلقها أو يتزوج عليها فهذه الشوكة ليست في ذاتها إكراهاً ، ولكن أذا استغل الزوج هذه الشوكة للوصل إلى غرض غير مشروع كان إكراهاً معيب لرضا الزوجة (كأن يهددها بالطلاق إذا لم تهبه بيتها الذي تملّكته عن طريق الإرث) .
س: ماحكم إنبعاث الرهبة عن إكراه صادر من الغير؟
ج: يقصد بالغير هو الطرف الثالث الذي لا طرف له بالعلاقة بين المتعاقدين ، إي الأجنبي عن العقد فإذا صدر منه الإكراه فإنه في القانون المدني المصري لا يفسد الرضا إلا إذا كان متصلاً بالمتعاقد الآخر أي أنه يعلم به أو كان من المفروض حتماً علمه به ، وإن لم يكن المتعاقد الآخر يعلم بذلك فلا تأثير لإكراه الأجنبي على صحة العقد ، ويقتصر حق المكره الرجوع على الأجنبي بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية (طبيعي تكون المطالبة بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية دون العقدية لعدم وجود عقد بين المكره والأجنبي).
أما في القانون الأردني فلم ينص المشرع الأردني على هذه الحالة ، وبما أن الفقه الإسلامي يُعد من مصادر القانون المدني الأردني فأنه بالرجوع إليه ،نجد الفقه الإسلامي يعتد بالإكراه الواقع من غير المتعاقدين (الأجنبي) حتى ولو لم يكن متواطئاً مع المتعاقد الآخر أو حتى عالماً به .
س: ماحكم الإكراه الناشىء عن حالة الضرورة ؟
إذا تولد الإكراه عن حالة ضرورة واستغل العاقد هذه الحالة للضغط على إرادة من وقع تحت تأثيرها لحمله على التعاقد أو للحصول على مقابل ما كان ليحصل عليه في الظروف العادية كحالة الشخص المصاب بحادث في طريق بعيد عن العمران فيرفض شخص آخر نقله إلا إذا تعهد بدفع مبلغ كبير من المال أو الطبيب الذي يرفض إجراء عملية لمريض إلا في حالة دفعة مبلغ كبير من المال ما كان ليحصل عليه الطبيب في ظل الظروف العادية ، فإن مثل هذا الإكراه يُعتد به أي انه يفسد الرضا وهذا ما أخذه به القضاء الأردني وإن لم ينص عليه القانون المدني الأردني صراحة ً بينما اخذ به الفقه الإسلامي (توجد العديد من أحكام محكمة التمييز الأردنية أخذت بهذا الحكم) وكذلك أخذ به القضاء في كلاً من فرنسا ومصر وكذلك المشرع الفرنسي في الحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية بعد تعديله للقانون المدني القديم.
مــــــلاحظه : حكم الإكراه ؟ الإكراه سواء كان ملجيء أو غير ملجيء يكون العقد موقوف ، أي ان الجزاء على الإكراه هو عدم نفاذ العقد ، إلا أنه يجوز للمكره أو ورثته بعد انقطاع الاكراه إجازة العقد صراحة أو ضمناً بتنفيذ ماتضمنه من إلتزامات وفي هذه الحالة يأخذ حكم العقد الصحيح.
منقول للامانة