عنف الطلبة ضرب للمنظومة التعليمية والأسرية
على جدران المدرسة ومقاعد الحافلات، معظمها تحدث بين طلاب المرحلة الإعدادية مع نهاية العام الدراسي، والسبب يرجع إلى ما يدور في ذهن الطالب العدواني أو المتمرد . إن عقاب الفصل غير رادع في هذه المرحلة وهذا التوقيت، ومن المفترض أن يكون هناك عقاب ينتظر مثل هؤلاء الطلاب بعد عودتهم من الإجازة الصيفية مع بداية العام الدراسي إلى مدارسهم أينما كانوا، حتى لايشعروا بأنهم بمنأى عن محاسبتهم عما اقترفت أيديهم . ويرى بعض الخبراء التربويين أن الأسباب تعود لوقت الفراغ الكبير غير المستغل وغياب توعية الطلاب بأهمية المشاركة في الأنشطة الطلابية، وعدم قيام أولياء الأمور بتوعية أبنائهم بأهمية العلم، إلى جانب ضعف الوازع الديني والعلاقة بين أفراد الأسرة، وضعف التواصل بين الأسرة والمدرسة .
“الخليج” بحثت موضوع عنف نهاية العام الدراسي مع عدد من التربويين وأولياء الأمور، وأشركت بعض طلبة هذه المرحلة حيث تعرفت إلى أسباب الظاهرة والأساليب الناجعة لمعالجتها والحد منها:
في البداية يؤكد مجموعة من التربويين والاختصاصيين الاجتماعيين في المدارس ضرورة نشر أجواء الحوار في المدرسة، وإشراك الطلبة في المسابقات والأنشطة الرياضية والإذاعة المدرسية والندوات، فضلاً عن الاستماع إلى همومهم ومشاكلهم ومقترحاتهم من خلال تفعيل دور المجالس الطلابية، وتوطيد العلاقة بين الطالب والمعلم والاختصاصي الاجتماعي والنفسي لكسب ثقتهم، حيث يشير الاختصاصي الاجتماعي حسن بن زايد الشامسي وكيل مدرسة القرم للتعليم الاساسي الحلقة الثانية بمجلس أبوظبي للتعليم، إلى أن أسباب العنف في المدارس ترجع إلى عدم اهتمام بعض ادارات المدارس بالطلاب المقصرين والتركيز على فئة المتفوقين فقط وعدم القدرة على التعامل مع الطلاب بطرق تربوية صحيحة، وتفهمهم للحالة النفسية التي يمر بها طلبة هذه المرحلة (المراهقة)، بالاضافة إلى الأسلوب الاستفزازي لبعض التربويين وبالذات المعلمين وسخريتهم عند تقصير أو عدم فهم الطالب للشرح، حيث إن درجات الفهم تختلف بين طالب وآخر، مشيراً إلى ضرورة أن تكون هناك أنشطة لاصفية مثل الزيارات الميدانية للاطلاع على كل ما هو مفيد، والاهتمام بحصص النشاط الرياضي، وهي الحصص المحببة لدى طلبة هذه المرحلة والمفيدة لتفريغ الشحنات الزائدة لديهم حتى لا تستغل بشكل سلبي يتمثل بالعنف في ما بينهم أو الاعتداء على الممتلكات العامة داخل المدرسة أو الحافلات المدرسية .والعقاب الصارم لمثل هؤلاء الطلاب لا يعتبر أداة علاجية ناجحة إذا لم تكن هناك دراسة فردية للظروف البيئية والأسرية لكل تلميذ على حدة من متزعمي حركات العصيان والشغب داخل المدرسة، والوقوف على الجو الذي يدفعه إلى النزعات العدوانية .
وهناك بعض الحالات التي يكون الدافع فيها إلى العنف والشغب شعور التلميذ بالحرمان أو الظلم في تقدير درجات نهاية العام الدراسي أو تذمره من صعوبة الامتحان وعدم مراعاة الفروق الطلابية عند وضع الأسئلة، الأمر الذي يشعره بالإحباط، أو أسباب تراكمية للمعاملة غير الطيبة من بعض المعلمين تجاهه، وعلى الاختصاصيين الاجتماعيين والمسؤولين في المدارس التدرج في رعاية مثل هؤلاء الطلبة بعد دراسة حالتهم بصورة عميقة بحيث لا تتحول إلى رعاية مسرفة تسوق التلميذ إلى الاستهتار نتيجة لإحساسه بأهميته وبرضوخ المدرسة لمشيئته، فتتحول نزعته العدوانية إلى سلوك ديكتاتوري .
يأس وإحباط
ويؤكد مصطفى علي عمرة، الاختصاصي الاجتماعي، أن هناك نوعاً من العنف يرتبط بالمجتمع المدرسي وهو العنف ضد الممتلكات العامة، إن صح التعبير، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها غياب ثقافة تنشئة الطفل عند الأسرة، وبالذات في مراحل التعليم الأولى للطالب، حيث إن كثيراً من الأسر تفتقد طرق وأساليب تنشئة الأبناء في المحافظة على الممتلكات العامة .
كما يلجأ بعض الطلبة، الذين سينتقلون إلى مدارس ومراحل أخرى، إلى التكسير والتخريب نتيجة تراكمات لديهم من السنوات التي قضاها في مدرسته التي قد تكون أثرت سلباً في نفسيته، حيث إنه يأمن العقاب كونه سينتقل إلى مدرسة أخرى أو سيغادر إلى بلده الأول .
مسؤولية المجتمع
ويشعر بعض الطلاب بعدم الانتماء، وهذا طبعاً يعود إلى مسؤولية المجتمع ودور الأسرة والمدرسة لعدم اهتمامهم بهذا الجانب المهم والخطير، وعدم وضع برامج وأنشطة ومناهج تخدم هذا الجانب .
فعندما ينتمي هؤلاء الطلاب انتماء حقيقياً إلى المدرسة والمجتمع والوطن لن يلجأوا إلى التخريب وأعمال الشغب داخل المدرسة وعلى متن الحافلات .
وأضرب مثالاً على ذلك عندما كنت في المرحلة الإعدادية طلب منا معلم التربية الزراعية أن يحضر كل طالب شجرة صغيرة ويزرعها ويرعاها، وأن يسميها باسمه أو باسم من يحبه، وفي خلال أيام قليلة كانت حديقة المدرسة والسياج المحيط بملعب كرة القدم مزروعين بالأشجار، وقمت بزراعة شجرة كسائر الطلاب ومازلت وحتى الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً أشعر أن هذه الشجرة ملك لي، وأن هذه المدرسة أحب المدارس إلى نفسي، وحينما أمر عليها ومعي أولادي أفتخر وأحكي لهم أن هذه الشجرة ملك لي، ورحمة الله على المعلم صاحب الفكرة .
ويشير عبدالله الحارثي، اختصاصي اجتماعي، إلى أن هناك تصرفات سلوكية سيئة جداً تصدر عن بعض الطلبة تجاه ممتلكات المدرسة مع نهاية العام الدراسي، ويدخل ذلك في باب إساءة الأدب والسلوك غير السوي، إلا أن أكثر الطلاب الذين يثيرون الشغب هم الفئة الضعيفة دراسياً التي تحاول تغطية فشلها بهذه الأعمال العدوانية ولفت الأنظار اليها .
البيئة المدرسية
ويقول فضل التميمي ولي أمر، ومدير مسرح زايد للطفل، إن الظواهر الموجودة بين أوساط طلابنا حالياً لم نعرفها سابقاً فهي دخيلة على مجتمعنا، مشيراً إلى أن أسبابها تعود إلى تردي أساليب التواصل بين المدرسة والبيت، وأساليب تنشئة الأبناء، والتفرقة في التربية بينهم بحيث يأتي الطالب إلى المدرسة باستعداد مكتسب للعدوانية رغبة في لفت الانظار، فيعمد إلى تخريب الممتلكات العامة، وتحدي المعلمين، والعراك والمشاجرة مع زملائه داخل المدرسة وخارجها، وفي الحافلات المدرسية، منوهاً بأن بعض الآباء يعمد إلى تشجيع أبنائهم على مبدأ من ضربك اضربه وخذ حقك بيدك ولا تسكت عنه .
وتضيف نوال الكندي، ولية أمر، أن الاحباط الذي يشعر به بعض الطلبة المشاغبين داخل المدرسة والناتج من عدم الاهتمام بهم، وأن اتباع بعض المعلمين لأسلوب التمييز بين الطلبة يولد التراخي والإهمال الذي يؤدي إلى ضعف التحصيل لهذه الفئة والفشل، فيعبرون عن سخطهم وتذمرهم في نهاية العام الدراسي تجاه مدرستهم بهذا الأسلوب .
أبويّة المعلم
أشارت موجهة الخدمة الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم شيخة المهيري، إلى أننا كآباء وأمهات ومربين نكبت طاقة كبيرة لدى الأبناء، ونطلب منهم ألا يكونوا عنيفين، وفي نفس الوقت هم يمرون بمرحلة عمرية من خصائصها الأساسية التعبير عن النفس عن طريق استخدام العنف، منوهة بأن المدرسة هي أنسب مكان لدى الطالب للانتقام والظهور وتشكيل الشلل، حيث يقضي فيها يومياً أكثر أوقاته، فدورها لا يقل أهمية عن الدور الذي تقوم به الأسرة، حيث إن ذلك يبرز من خلال مناهجها التي تؤثر في الطالب، ورعايتها له بالقدر الكافي بحيث يكون عمل المعلم فيها أكبر وأكثر من كونه ناقلاً للعلم والمعرفة فقط، بل أباً آخر يرعى طلابه علماً وأدباً وفكراً . وأكدت أن لدى الوزارة مجموعة من البرامج الموجهة للطلاب من خلال إدارة الإرشاد الطلابي، وتهدف إلى خلق ثقافة مدرسية فعالة وتنمية التعاطف مع الغير، وخلق جو مدرسي مريح ومحفز للإنتاج والتقدم، وتوجه كل هذه البرامج للطالب وللميدان التربوي بشكل عام للتحكم في الغضب والقلق وقراءة مشاعر الآخرين، والتعاطف معهم والوعي بالانفعالات .
طلاب يعترفون
أشار بعض الطلاب المشاغبين إلى أن تمزيقهم للكتاب المدرسي والتكسير للكراسي والطاولات والفوضى الزائدة مع نهاية العام الدراسي ما هو إلا احتفال بالتحرر من قيود، وأوامر النهي المستمر من قبل إدارة ومعلمي المدرسة، وتعبيراً عن فرحتهم بالاجازة الطويلة، منوهين بأن المدرسة تمثل لهم سجناً، خاصة أنهم لا يجدون فيها ما يروح عن نفوسهم من رحلات ونشاطات ووسائل ترفيهية جاذبة تحببهم في مدرستهم، فالدوام طويل والدروس مكثفة وبعض المعلمين لا يمتلكون مهارات التشويق في جذبنا إليها، وقالوا إن معظم الطلبة ينتظرون جرس العودة إلى منازلهم يومياً بشوق كبير هرباً من المدرسة .
منقول من جريدة الخليج
تحياتي
لنكُنْ آروَاحْ رآقيه
نَتسامْى عَنْ سَفآسِفَ الأمُورْ وَعٌنْ كُلْ مَايَخِدشُ نًقائِنا
نًحترِمْ ذآتنـَا
عِندَمٌا نتَحدثْ نتحَدثْ بِعُمِق
نٌطلبْ بـإدبْ وَنـَعتذِرْ بِـصدقْ
نٌترفع عَن آلتفِآهات
نُحِبْ بِصَمتْ وَنغَضبْ بِصَمتْ وإنْ آردنـَا الِرحِيلْ
نَرحِلْ بِصَمتْ