الاكراه وفق ما ما هو منصوص عليه في المادة رقم 176 من قانون المعاملات المدنية
حكم صادر من محكمة التمييز بدبي
الحكم :
رقم القضية : 2007 / 66 طعن مدني
تاريخ الجلسة : 20-05-2007بعد الإطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص الذي أعده وتلاه بالجلسة السيد القاضي المقرر ------------- والمرافعة وبعد المداولة .
حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث ان الوقائع تتحصل ـ على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـ في ان المطعون ضده ( -------- ) أقام على الطاعن (---------) الدعوى رقم 209 لسنة 2006 مدني كلي أمام محكمة دبي الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 1.201000 درهم والفوائد بواقع 9% من تاريخ رفع الدعوى وحتى تمام السداد، وقال في بيان ذلك انه أبرم مع المدعى عليه عقد شراكة مؤرخ 20-12-2005 بغرض شراء وبيع المعدات الثقيلة لبناء الطرق والتنجيم وكذلك استيرادها وتصديرها من وإلى دبي وباقي الدول الأخرى، على ان يسدد كل من الشريكين مبلغ 300000 دولار أمريكي عن حصته ( بواقع النصف ) في رأس المال وقدره 600000 دولار أمريكي ويمكن زيادة هذا المبلغ عند الحاجة، على ان تكون مدة العقد مدة تجريبيه لسنة واحدة من تاريخ إبرام عقد الشراكة لإختبار إمكانات الطرفين والربح الذي سيجنيه رأس المال، ويمكن تمديد العقد عند الرغبة إلى المدة التي يتفق عليها الطرفان، وانه يتوقع ان يتم مداورة رأس المال على مرحلتين سنوياً يستغرق كل منها ستة أشهر، وان المدعى يتوقع كما يلتزم بأن يجني كل من الطرفين ربحاً بمقدار 100000 دولار أمريكي على الأقل عن كل مرحلة ممتدة لستة أشهر، وتعهد المدعى عليه بتسديد مبلغ الشراكة إلى المدعى، على ان يتسلم بالمقابل شيك ضمان بما يعادل حصته في رأس المال من المدعى يستحق الدفع بعد ستة أشهر وذلك لضمان عملية الشراكة، كما نص في العقد بأن يتقاسم الطرفان الأرباح مناصفة بنسبة 50%، وانه طبقاً لعقد الشراكة آنف البيان حرر المدعى لأمر المدعى عليه شيك ضمان بنصيبه في رأس المال البالغ 300000 دولار أمريكي بما يعادل 1.101.000 درهم، وشيك ضمان آخر بقيمة أرباحه السنوية المتوقعة وقدره 100000 درهم، ليتم تسليمه الشيكين بعد قيامه بسداد كامل نصيبه من رأس المال البالغ 1.101.000 درهم، وقد تم إيداع الاتفاقية والشيكين في مكتب المدعى ( --------- ) لحين قيام المدعى عليه ( ------ ) بسداد نصيبه من رأس المال، وإذ قام الأخير (المدعى عليه) بسداد مبلغ 500000 درهم من نصيبه في رأس المال ولم يتمكن من سداد الباقي، ثم طلب استرداد المبلغ الذي دفعه لحاجته لشراء مسكن فقام المدعى بإعادته إليه على دفعتين بموجب شيك بمبلغ 350000 درهم، ومبلغ 150000 درهم نقداً، على ان تكون الإتفاقية والشيكين المحررين بموجبها ملغاة ومنتهية، وبعدها غادر المدعى البلاد إلى كندا، إلا ان المدعى عليه قام أثناء غيابه بالحصول على الاتفاقية والشيكين من مكتب المدعى وقدمهما إلى البنك المسحوب عليه الذي أخطره بذلك فطلب منه المدعى عدم صرفهما لعدم الأحقية، ولم يتمكن من الحضور لتقديم بلاغ لدى الشرطة، بينما تمكن المدعى عليه من الحصول على حكم جزائي نهائي بإدانته وحبسه لمدة سنة عن تهمة إعطاء شيك بدون رصيد في الجنحة رقم 11709 لسنة 2005 جزاء واستئنافها رقم 5451 لسنة 2005 جزاء، دون ان يتم تحقيق بلاغه ضد المدعى عليه أمام الشرطة والنيابة ـ بعد حضوره ـ عن واقعة حصول المدعى عليه على الشيكين بطريق غير شرعي، ولما كان المدعى رجل أعمال وكان تنفيذ الحكم الصادر بحبسه يلحق به أضراراً بالغة وخسائر مادية جسيمة، ولذلك فقد اضطر وبناء على طلب النيابة العامة بتسييل قيمة الشيكين سالفي الذكر لصالح المدعى عليه، رغم انه ليس له الحق في الحصول على قيمتهما ويحق للمدعى المطالبة بها، ومن ثم فقد أقام الدعوى. قدم المدعى عليه طلباً عارضاً للحكم بإلزام المدعى بالفوائد المستحقة عن قيمة الشيكين سالفي البيان بواقع 9% من تاريخ استحقاقهما في 1-6-2005 وحتى سدادهما عن طريق النيابة العامة في 13-3-2006 ويبلغ مقدارها 84690 درهماً والفوائد القانونية بواقع 9% سنوياً من تاريخ إقامة الدعوى وحتى تمام السداد. وبتاريخ 18-10-2006 حكمت المحكمة حضورياً في الدعوى الأصلية بعدم قبولها، وفي الطلب العارض بإلزام المدعى ( ---------- ) بأن يؤدي للمدعى عليه (---------) الفوائد بواقع 9% عـن مبلغ الشيكين وقـدره 1.201000 درهم من 1-6-2005 وحتى تمام سدادهما في 13-3-2006 استأنف المدعى ( --------- ) هـذا الحكم بالاستئناف رقـم 757 لسـنة 2006 مـدني وبتاريخ 5-3-2007 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً في الدعوى الأصلية بحالتها بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي للمدعى المبلغ المطالب به دون الفوائد، وفي الدعوى المتقابلة برفضها. طعن المدعى عليه على هذا الحكم بالتمييز الماثل بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة في 9-4-2007 طلب في ختامها نقض الحكم المطعون فيه وتأييد الحكم المستأنف، وقدم محامى المطعون ضده مذكرة بالرد ـ في الميعاد ـ طلب فيها رفض الطعن .
وحيث ان الطعن بعد ان عرض على المحكمة في غرفة مشوره، رأت انه جدير بالنظر، وحددت جلسة لنظره .
وحيث إن مما ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق، ذلك ان دفاعه قد جرى بأن الثابت بالأوراق ان المطعون ضده قد حكم عليه بالحبس لمدة سنة عن جريمة إصدار شيكين بدون رصيد لصالح الطاعن في الجنحة رقم 11705 لسنة 2005 واستئنافها رقم 1451 لسنة 2005 وقد رفض الحكم الجزائي دفاع المطعون ضده فيما ادعاه مـن ان الطاعن قام بسرقتهما، فأضحى هذا الحكم قد حاز حجية الأمر المقضى به في هذا الخصـوص، كما جـرى دفاعه أيضاً بأن المطعون ضـده قـد وافـق بتاريخي 27-2-2006 و 17-3-2006 بشكل قاطع ونهائي على التنازل عن مبلغ 1.201000 درهم والمودع منه بملف الدعوى الجزائية كمقابل عن قيمة الشيكين المذكورين، مع موافقته الصريحة على ان تقوم النيابة العامة بصرف هذا المبلغ إلى الطاعن، مما مؤداه أنه قد ترتب على هذا التنازل ـ وهو تصرف ارادي من جانب المطعون ضده ـ انه أضحى غير قابل للنقض لأن الساقط لا يعود وفق ما تقضى به المادة 55 من قانون المعاملات المدنية، وتكون دعوى المطعون ضده بطلب استرداد هذا المبلغ بعد ان تنازل عنه ووافق على صرفه للطاعن بمقولة انه كان مكرهاً على هذا التنازل غير مقبولة، ويكون هذا التصرف هو المناط في تحديد التزامه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلزام الطاعن برد قيمة الشيكين إلى المطعون ضده تأسيساً على انه كان تحت وطأه الإكراه بتنفيذ حكم الحبس الصادر ضده، وبمقولة انه قام بتحريرهما على سبيل الضمان لما قد يدفعه الطاعن لرأس مال الشركة ولما قد يستحقه من ربح محدد متوقع وانه لم يقدم ما يفيد تحقق شرط الضمان، هـذا في حين ان التصرف اللاحق الذي قام به المطعون ضـده فـي 27-2-2006 و 17-3-2006 بإسقاط حقه في المبلغ المدفوع منه بصندوق المحكمة مقابل الشيكين والتنازل عنه بشكل نهائي إلى الطاعن، إنما يشكل واقعة جديدة ولاحقة أعطت الحق للطاعن في قبض هذا المبلغ وتنطوي على إسقاط المطعون ضده لأية أوجه دفاع سابقة قد تكون له بهذا الشأن، وهو أمر منبت الصلة بمدى تحقق شرط استحقاق الطاعن لقيمة الشيكين موضوع الدعوى الجزائية وهي واقعة سابقة على التنازل فلا يملك المطعون ضده مناقشته بعد ان أسقط حقه فيه، وإذ خلت الأوراق مما يفيد ثبوت الإكراه الذي يدعيه المطعون ضده في إقراره بالتنازل، وكان إبلاغ الطاعن ضده وصدور حكم نهائي بحبسه لإصداره شيكين بدون رصيد هو حق مكفول للطاعن ولا يعد تنفيذ الحكم الجزائي إكراها يعيب إرادة المطعون ضده في مفهوم نص المادة 176 مـن قانـون المعاملات المدنـية، كما ان تحرير الشيكين لصـالح الطاعـن فـي 3-7-2005 أي في تاريخ لاحق للإتفاقية المبرمة في 20-12-2004، مفاده انتهاء المدة المحددة فيها وهي ستة أشهر لسداد قيمة ما تسلمه المطعون ضده من الطاعن بالإضافة إلى الربح، وبالتالي فان عبء إثبات عدم تحقق شروط استحقاق الطاعن لقيمتهما يقع على عاتق المطعون ضده وليس الطاعن، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
وحيث ان هذا النعي في محله، ذلك انه وفقاً لنص المادتين 50 من قانون الإثبات، 269 من قانون الإجراءات الجزائية ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ ان جميع العناصر التي فصلت فيها المحكمة الجزائية وتكون لازمة للحكم في الدعوى الجنائية تتمتع بالحجية أمام القضاء المدني في المسائل المعروضة عليه وتكون متصلة بموضوع تلك الدعوى الجزائية، يستوى في ذلك ان تكون هذه العناصر قد وردت في منطوق الحكم أو وردت في أسبابه المكملة للمنطوق، فإذا فصلت المحكمة الجزائية نهائياً في هذه المسائل تعين على المحكمة المدنية الإلتزام بها في دعاوى الحقوق المتصلة بها وامتنع عليها إعادة بحثها، وهي حجية تسرى قبل الكافة ولو لم يكونوا خصوماً في الدعوى الجزائية، وكان النص في المادة 55 من قانون المعاملات المدنية على ان (( الساقط لايعود كما ان المعدوم لا يعود )) يدل ـ وعلى ما قررته المذكرة الإيضاحية للنص المذكور ـ ( على انه إذا اسقط شخص حقاً من الحقوق التي يجوز له إسقاطها يسقط ذلك الحق وبعد إسقاطه لا يعود، ومثال ذلك لو كان لأحد دينا على آخر فأسقطه ثم ندم على ذلك فلا يجوز له ان يرجع عليه بالدين لأن ذمته برئت بالإسقاط ). ومن المقرر أيضاً وفق ما تقضى به المادتان 63 و 70 من قانون المعاملات المدنية ان المرء ملزم بإقراره وان من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه، بما مؤداه ان الإقرار حجة قاطعة على المقر به ينزل عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات الواقعة التي يدعيها إذ يجعل النزول عن الواقعة القانونية المدعى بها في غير حاجة إلى الإثبات، فتصبح مصدراً لإلتزام المقر، ويكون الإقرار صحيحاً ولو خلا من ذكر سببه لأنه في حقيقته هو اخبار بحق سابق وهو كاشف للحق وليس منشئاً له، ويعد واقعة مادية تنطوي على تصرف قانوني، ومن المقرر وفق ماتقضى به المادة 176 من ذات القانون أن الإكراه هو إجبار الشخص بغير حق على ان يعمل عملاً دون رضاه، ومن المقرر أيضاً ـ وعلى ما قررته هذه المحكمة ـ ان عبء إثبات وقوع المتصرف تحت تأثير الإكراه كعيب من عيوب الرضا يقع على عاتق من يدعيه، وانه ولئن كان استخلاص وقوع الإكراه من عدمه من سلطة محكمة الموضوع إلا ان شرط ذلك أن تكون أسبابها في هذا الخصوص سائغة ولها أصلها الثابت في الأوراق. كما انه من المقرر ان الأحكام يتعين ان تبنى على الجزم واليقين لا على مجرد الاحتمال والترجيح، وان تعويل الحكم في قضائه على واقعة استخلصها من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما أثبته أو كانت أسبابه قد انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك باستخلاص واقعة أو نتيجة لا تؤدي إليها فانه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضده قيمة الشيكين محل النزاع وبرفض الطلب العارض المقدم من الطاعن وذلك تأسيساً على ما أورده بمدوناته من ان الطاعن (( لم يبادر لتقديم أي بينة أو دليل لإثبات توافر شروط استحقاق الشيكين بموجب اتفاقية الشركة متشبثاً فقط بأحكام الاتفاقية ونصوصها التي لا تكفى بذاتها لإثبات تنفيذ الشروط الواردة فيها... ومن ثم يكون المستأنف ضده (الطاعن) والحال كذلك قد استوفى مبلغ الشيكين من المستأنف ( المطعون ضده ) بناء على الحكم الصادر في الدعوى الجزائية تحت وطأة عقوبة الحبس دون ما يفيد استحقاقه لأصل الحق فيه أي في مبلغ الشيكين ويتوجب عليه رده للمستأنف وعدم استحقاقه لأي فائدة عليه... )) وإذ كان هذا الذي خلص إليه الحكم لا يواجه دفاع الطاعن الجوهري المبين بأوجه النعي سالفة البيان بشأن أثر التنازل عن الحق الصادر من المطعون ضده، ودون ان يفصح عن الدليل الذي استقى منه توافر عيب الإكراه في جانب المطعون ضده بإجباره بغير وجه حق على التنازل عن المبلغ محل النزاع، وكان ما ذهب إليه الحكم من ان هذا التنازل كان تحت وطأة عقوبة الحبس لا يفيد بمجرده توافر الإكراه المدعى به، ذلك ان تنفيذ الحكم الجزائي النهائي الصادر على المطعون ضده لإتهامه بإعطاء شيكين بدون رصيد لايعد إجباراً له بغير حق لسداد قيمتهما إلى المستفيد الطاعن، وكان الحكم المطعون فيه لم يمحص أيضاً الدلالة المستفادة من اتفاقية الشراكة مكتفياً بإيراد عبارة عامة غامضة بأن نصوصها لا تكفي لإثبات شروط استحقاق هذين الشيكين، ومن ثم فإنه يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أوجـه الطعن .
بالنقاش نرقى .. وبالجدال نشقى ..
قال عليه الصلاة والسلام "ما اوتي قوم الجدل إلا هلكوا "