سؤال جميل، أثار الفضول لدي للقراءة عن هذا الموضوع, وسأوجز بما وفقتُ به:
في البداية وجدت عن موقف التشريع الجنائي في الإسلام:
كقيام شخص بالجريمة وهو في حالتين :
-الأولى: قيامه بالجريمة وهو نائم ( حركة النائم ).
-الثانية: قيامه بالجريمة وهو في حالة التنويم المغناطيسي.
أولاً: الحركة النومية:
يأتي بعض الناس أفعالا وهو نائم دون أن يشعر، ويغلب أن تكون الحركات التي يأتي بها النائم ترديدا للحركات التي اعتاد أن يأتيها في اليقظة، ولكن يحدث أن يأتي بحركات مخالفة لا علاقة لها بالحركات التي يأتيها وهو متيقظ.
ويعللون حركة النائم من الناحية العلمية بأن ملكات الإنسان جميعا لا تتأثر بنومه بل يهجع بعضها ويظل البعض متنبها بدرجات مختلفة, ويحدث عند من تنتابهم هذه الحالة أن تتنبه فيهم بعض الملكات بدرجة غير عادية فتؤدي وظائفها العادية دون أن يشعر النائم بذلك، فيتحرك أو يكتب أو يأتي أعمالا أخرى، ثم تزول حالة التنبه الطارئة فيعود النائم إلى حالته الطبيعية ولا يشعر بعد اليقظة مما حدث منه أثناء النوم.
والقاعدة العامة في الشريعة أن لا عقاب على النائم، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: “رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق”، وإذا كان الحديث قد جمع بين حالة النوم وحالة الجنون وجعل حكمهما واحدا إلا أن الفقهاء يلحقون حالة النوم بالإكراه ولا يلحقونها بالجنون، ولعل الحكمة في هذا هي أن النائم المتيقظ يتمتع بالإدراك وإنما يفقد فقط الاختيار، فهو يعمل ما يعمل دون أن يقصد عمله، وهو وقت العمل لا يفقد إدراكه بدليل أنه لا يأتي أعماله اعتباطا ويميز بين الضار والنافع ولا يأتي أعمالا تضر به.
وشراح القانون الوضعي يتكلمون عن هذه الحالة إذا تكلموا عن الجنون، على أساس أن النائم يكون فاقد الإدراك والاختيار معا، وأن ميوله هي التي تحرك عضلاته دون أن يرى ما يفعل ببصره أو بعقله.
ويلوح لي أن إلحاق هذه الحالة بالإكراه أقرب للمنطق من إلحاقها بالجنون حتى لو صح أن النائم يفقد إدراكه أيضا؛ لأن المكره مع تمتعه بالإدراك والإرادة لا يعمل بعقله ولا بإرادته وإنما يعمل مدفوعا بإرادة غيره وعقل غيره، وقد تحركه قوة مادية خارجية فلا يغني عنه عقله ولا إرادته شيئا، والنائم المتيقظ أشبه شيء بالمكره فهو متمتع يالإدراك والاختيار ولكنهما لا يغنياه شيئا وقت الحركة النومية.
وليس ثمة فرق عملي بين الشريعة والقوانين الوضعية في هذه المسألة بالرغم مما ذكرنا؛ لأن الإكراه في الشريعة يرفع العقوبة وكذلك الجنون، وحكم الإكراه والجنون في القوانين الوضعية أنهما يرفعان أيضا العقوبة، فسواء اعتبرنا النائم مكرها أو مجنونا فهو غير معاقب على يأتيه من جرائم أثناء نومه.
[color="rgb(105, 105, 105)"]ثانياً: التنويم المغناطيسي:
هو حالة من حالات النوم الصناعي يقع فيها شخص بتأثير يصبح النائم تحت تأثير المنوم يفعل كل ما يأمره بفعله سواء وقت النوم أو بعد اليقظة، وينفذ النائم عادة هذه الأوامر بشكل آلي فلا يشعر بما فعل تلبية للأمر الصادر إليه إذا أتى الفعل أثناء النوم، ولا يستطيع مقاومة إيحاء الآمر إذا أتى الفعل بعد اليقظة. ولم يعرف بعد بصفة قاطعة الكيفية التي يسيطر بها المنوم على النائم وإن كان البعض الأطباء يرى أن النائم يستطيع أن يقاوم الإيحاء الإجرامي.
وإذا طبقنا قواعد الشريعة على هذه الحالة وجب أن نلحقها بحالة النوم الطبيعي، ومن ثم يكون النائم مكرها ويرتفع عنه العقاب للإكراه إذا ارتكب جريمة من الجرائم التي يرفع فيها الإكراه العقاب. والواقع أنه يصعب إلحاق التنويم المغناطيسي بالجنون؛ لأن النوم الصناعي الذي يقع فيه النائم لا يسلبه الإدراك وإنما يسلبه فقط الاختيار.
وآراء أغلب شراح القوانين تتفق مع الشريعة في اعتبار التنويم المغناطيسي إكراها وإن كانوا يتكلمون عنه عادة بمناسبة الكلام على الجنون.
هذا هو حكم التنويم المغناطيسي إذا كان النائم قد نام مرغما أو قبل أن ينام وهو لا يفكر في ارتكاب الجريمة،
أما [color="rgb(139, 0, 0)"]إذا كان النائم يعلم أن المنوم يقصد من تنويمه أن يوحي إليه بارتكاب جريمة أو يشجعه على ارتكابها ثم قبل أن ينام فإن النائم في هذه الحالة يعتبر متعمدا ارتكاب الجريمة،[/color] وما كان التنويم إلا وسيلة من وسائل التي تساعده على ارتكابها، فهو مسئول عن فعله طبقا لقواعد المسئولية العامة، وفي هذا تتفق الشريعة الإسلامية مع القوانين الوضعية تمام الاتفاق.[/color]
الخلاصه:
ان كان المفعول به (المنوَم) قد نام رغماً عنه - مكرها - أو وهو لا يفكر بالقيام بجريمة فإنه في نظر التشريع مُكـــرهـــاً من قِبَل الفاعل (المنوِم).
أما إذا كان المفعول به (المنوَم) عالمـــاً بأن الفاعل (المنوِم) سيوحي إليه إرتكاب جريمة أو يشجعه على ارتكابها قبل تنويمه ورضى بأن ينومه حتى لا يشعر ببشاعة جُرمِه فإنه في هذه الحالة يعتبر متعمـــداً .
هذا من ناحية موقف التشريع الجنائي في الإسلام، مازال بحثي مستمر، إن وجدتُ مايُفيد سأطرحه بإذن الله.
ساره الباكري.