فصلت المحكمة الاتحادية العليا أخيراً في ثلاث قضايا أحوال شخصية، في مسائل حضانة أطفال ونفقة طلاق للضرر، إذ نقضت في القضية الأولى حكما استئنافيا قضى بمنح حضانة أربعة أطفال لأبيهم.
وأوضحت المحكمة في حيثيات الحكم أن الأب ليس صالحاً ليتولى حضانة أولاده كونه شارب خمر، وأن مصلحة المحضون مقدمة شرعاً على مراعاة حق الحاضن في الحضانة، ولو أدى ذلك إلى بقاء المحضون عند الأم بعد انتهاء سن الحضانة.
وتفصيلاً، أقام شخص عربي دعوى قضائية يختصم زوجته أمام المحكمة الشرعية لطلب تسلم أولاده الأربعة منها للسفر بهم إلى بلده، وذلك بعد خلافات نشبت بينهما بسبب قلة دخله في الدولة وتحسن الظروف الأمنية في دولته ورغبته في الرجوع إلى وطنه.
وقضت المحكمة له بطلباته، وأيدتها محكمة الاستئناف، فطعنت الزوجة على حكم الاستئناف، وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها تفويض المحكمة.
وقالت أم الأطفال في دعواها إن زوجها فاقد الأمانة، إذ إنه مدمن خمر وحكم عليه جنائياً في حد شرب الخمر، ومن ثم فإنه لا يكون أميناً على حضانة الأولاد، خصوصاً أن معظمهم من البنات ولا يمكن أن يتوقع ما يحدث لهن من شارب الخمر، ولما كانت العبرة في أحكام الحضانة بمصلحة المحضون وقضى حكم الاستئناف بتسليم الأولاد له فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
ونقضت المحكمة الحكم، مؤيدة طعن الزوجة على سند أن الأمانة هي من شروط الحاضن، وبحسب ما جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه من ليست له أمانة، كيف يؤتمن على مصلحة المحضون نفسه، وجسمه، وأدبه، وخلقه، ودينه، فمن كان سيئ السيرة بحيث لا يؤمن على أخلاق المحضون فلا يكون أهلاً للحضانة، إذ إن الصغير يقلد من يلازمه وينسج على منواله، وأنه إذا أدى الفسق إلى الإضرار بمصلحة الطفل فينزع منه حينئذ، إذ إن الحضانة يراعى فيها حق المحضون قبل حق الحاضن.
وكان الثابت بالأوراق أن الأب شارب للخمر وقد أقيمت عليه دعوى جزائية دين فيها، ومن ثم فإنه قد فقد بهذا الحكم الجزائي أمانته ولا يكون صالحاً لأن يتولى حضانة المحضونين.
بدل السكن
في القضية الثانية نقضت المحكمة الاتحادية العليا حكماً لمحكمة الاستئناف ألغى بدل السكن المقدر بـ2000 درهم لزوجة، وذلك لتضررها من السكن مع أهل زوجها، إذ أقامت الزوجة دعوى تطلب إلزام زوجها بدفع نفقه زوجية لها ونفقه كفاية لابنها الصغير البالغ من العمر خمس سنوات، إذ إنها تزوجته بصحيح العقد الشرعي وأنجبت منه الطفل الصغير وهو لا ينفق عليها ولا على ولدها وليس له مال تنفق منه عليه، كما أنه لم يوفر لهما سكناً يقيما فيه.
وقضت محكمة أول درجة بإلزام الزوج بدفع 1500 درهم شهرياً نفقة لزوجته و1500 درهم شهرياً لابنه الصغير و2000 درهم شهرياً بدل أجرة سكن لهما، وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم، في ما قضى به بالنسبة لبدل السكن ورفض الطلب في هذا الشأن، وتأييده في ما عدا ذلك، ولم ترتض الزوجة بهذا الحكم فطعنت عليه.
وقالت إن المسكن الذي أعده زوجها ما هو إلا سكن لأسرته ولا يعتبر منزلاً للزوجية، وإن انتقالها إليه يصيبها بالضرر، وإذ قضى الحكم بإلغاء ما قررته محكمة أول درجة من بدل السكن على الرغم من أنه من الواجبات الشرعية المفروضة على الزوج فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وأيدت المحكمة الاتحادية العليا مطلب الزوجة ونقضت الحكم مؤكدة أن على الزوج أن يهيئ لزوجته في محل إقامته سكناً ملائماً يتناسب وحالتيهما، كما نصت المادة 76 من القانون ذاته على أن «يحق للزوج أن يُسكن مع زوجته في بيت الزوجية أبويه وأولاده من غيرها، متى كان مكلفاً بالإنفاق عليهم بشرط ألا يلحقها ضرر من ذلك».
قضية خلع
في القضية الثالثة رفضت المحكمة طعن زوج ضد حكم قضى بطلاق زوجته طلقة بائنة مقابل تنازلها عن مؤخر صداقها، بعد أن رفعت دعوى بذلك على سند أنه لا ينفق عليها هي وطفلها البالغ 26 يوماً، ودأبه على إهانتها والتعدي عليها والشك في تصرفاتها، كما أنه لم يهيئ لها بيتا شرعيا لتسكن فيه.
وأوضحت هيئة المحكمة في الحيثيات أن الثابت من دعوى الزوجة التي أقامتها ضد زوجها أنها تطالبه بالطلاق للضرر المتمثل في الإساءة إليها، وعدم معاشرتها بالإحسان وإهانتها وعدم الإنفاق عليها، وقد تعذر الإصلاح بينهما من قبل لجنة التوجيه الأسري ومن قبل المحكمة، حيث استـمر الشقاق بينهما وهو ما حدا بالمحكمة إصدار حكم تمهيدي بإحالة النزاع إلى حكمين، وقد قبل الطرفان ذلك الحكم، إذ فوضا هيئة المحكمة لتعيين وتسمية الحكمين اللذين انتهيا في قرارها إلى الاتفاق بأن الحياة الزوجية واستمرارها مستحيل بينهما، وانتهى الحكم المرجح والمعين من طرف المحكمة إلى الرأي ذاته باستحالة استـمرار العشرة بين الطرفين، وأن الإساءة من طرف الزوجة كان الأكثر وانتهى إلى تقريره المقدم في الدعوى والـذي اعتمدته المحكمة وقضت بما جاء فيه في حكمها، والذي أسفر عن التفريق بينهما بطلقة بائنة على أن تتنازل عن مؤخر صداقها وبإعطائها حضانة ابنهما وبكل النفقات المبينة في منطوق حكمها، وقـد زاد عليــه بقضائه بإلزام الزوج بأن يــؤدي لزوجتـه نفقـة زوجيــة قدرها 1000 درهم شهرياً، وعليه فإن قضاء الحـكم المطعـون فيـه يكـون قـد أصـاب صحيـح القانون في ما انتهى إليه من نتيجة.