أهداف إقامة الحدود الشرعية
أهداف إقامة الحدود الشرعية
أولاً: شرع الله جلَّ وعلا الحدود لمكافحة الجريمة والرذيلة
وصيانة المجتمع من الفساد والمعاصي وحماية مصالح أساسية أجمعت الشرائع السماوية على المحافظة عليها وهي: حفظ الدين، وحفظ النسل، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وهي المعروفة بالضروريات الخمس، وسميت بذلك لأنه لا قيام لحياة الناس وصلاحهم إلا بتوافرها وتواجدها، وحفظها من الاعتداء عليها ووضع العقاب الرادع لمن حاول التعدي عليها. وقد أحكم الله جلَّ وعلا وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام وشرعها على أكمل الوجوه، فشرع حد الزنا صيانة للأنساب من التعرض للضياع، وحد السرقة، وقطع الطريق لصيانة الأموال والأنفس، وحد القذف لصيانة الأعراض، وحد الشرب لصيانة العقول.
ويمكن تلخيص أهداف العقوبات في الإسلام بشكل عام وأهداف الحدود والقصاص والتعازير بشكل خاص فيما يلي:
1- من الأهداف العظيمة للتشريع الإسلامي من الحدود والقصاص والتعزير تطهير المجتمع الإسلامي من الجرائم الآتية:
أ) جرائم الحدود وهي الزنا والسرقة وقطع الطريق والقذف والبغي وشرب الخمر والردة عن الإسلام.
ب) جرائم القتل العمد.
ج) جرائم التعازير.
فبتطبيق الحدود والقصاص والتعازير، يزجر كل من تسول له نفسه ارتكاب إحدى هذه الجرائم، ويترتب على هذا التطهير الأمن والأمان والطمأنينة بين أفراد المجتمع الإسلامي، كما يترتب على هذا التطهير أيضاً حفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل.
تحقيق العدالة والمساواة على وجه الأرض
رفع الظلم عن العباد، هدف سامٍ من أهداف إقامة الحدود الشرعية، فبتطبيق الحدود الشرعية على المجرمين بما يتناسب مع إجرامهم تتحقق العدالة والمساواة بين المسلمين جميعاً بغض النظر عن لونهم وجنسهم، وحسبهم، وغناهم وفقرهم.... ويؤكد حقيقة المساواة والعدالة في تطبيق الحدود ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال - عندما أراد رجل من الصحابة أن يشفع للمرأة المخزومية السارقة (أتشفع في حد من حدود الله؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، وفي عدم تطبيق ذلك انتهاك لحدود الله تعالى وهذا ظلم - قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وقال تعالى (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) صدق الله العظيم.
امتثال أمر الله وطاعته
من أهداف إقامة الحدود طاعة الله تعالى فقد أمر جل وعلا بإقامة الحدود وأمره سبحانه وتعالى نافذ تجب طاعته، وكما هو معلوم فإن عدم طاعة الله والحكم بغير ما أنزل يعتبر ظلماً وفسقاً وكفراً.
4- إقامة الحدود الشرعية فيه شفاء لما في الصدور من غل وحقد تجاه الجاني. ويظهر هذا واضحاً في جرائم القتل والسرقة والقذف والزنا، فبالقصاص من القاتل تشفى صدور الورثة من الغل والحقد اللذين لحقا بهم من جراء قتل الغريب عمداً. وبإقامة حد السرقة يشفى صدور من سرق ماله من الغل والحقد تجاه السارق. وبإقامة حد الزنا يشفى صدر الزانية إذا غصبت، وإن لم يشف صدرها فيشفى صدر أقاربها، وبتطبيق الحدود والقصاص والتعازير يشفى المجتمع الإسلامي من الحقد والغل اللذين لحقا بهم من جراء الجرائم التي وقعت على أفراده.
تأديب الجاني
إن إقامة العقوبات على الجاني يزيل الخبث الذي علق به والذي حمله على ارتكاب الجريمة، وإزالة الخبث من نفسه تطهيراً له من هذا الخبث وتأديباً له ولهذا شرعت الحدود والقصاص والتعازير وأعلى مجالات التأديب هنا الحدود، لأنها جعلت لجرائم وجنايات خطيرة.
تكفير الذنوب التي حصلت بفعل الجريمة
من أقيم عليه حد أو قصاص أو تعزير في هذه الدنيا بسبب جريمة توجب ذلك، فهو كفارة لهذا الذنب الذي اقترفه، لما رواه عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله جماعة من أصحابه قال (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك).
ثانياً: خصائص الحدود الشرعية ومميزاتها :
تمتاز الحدود الشرعية بخصائص معينة تميزها عن غيرها من سائر العقوبات ويمكن تلخيص أهمها فيما يلي:
1) أن عقوبة الحد مقدرة نوعاً وكماً وصفة، ومن ثم لا يجوز إبدالها ولا النقص منها أو الزيادة عليها على أنها حد بنص من شارع كما في عقوبة الزاني تبعاً لبكارته أو إحصانه، ومعنى تقدير الحد نوعاً أنه قد عين الشارع كونه جلداً أو قطعاً أو قتلاً أو نحو ذلك، وإما تقدير صفته فإنه قد يطلب أن يكون علناً تشهده طائفة من المؤمنين وبهذا لم يترك للحاكم إلا سلطة مقصورة على التنفيذ.
2) أنه لا يختلف بإختلاف الأشخاص بل يتساوى فيه الحاكم والمحكوم والشريف وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
3) أن الحد يشترط في إقامته على الجاني أن يكون مكلفاً ولذا لا تقام على الصبي ونحوه.
4) أن الشارع الحكيم قد ضيق في باب الحدود من جهات ثلاث:
أ - أنه ضيق في طرق إثباتها فجعلها تثبت بالإقرار مع قبول الرجوع فيه، كما اشترط في شهودها أن يكونوا من الذكور العدول على تفضيل بين أن يكونوا أربعة أو اثنين، ولم يقبل فيها شهادة النساء ولا شاهد مع اليمين.
ب - أنه قصر الحدود على جرائم محددة هي ما كانت اعتداء على إحدى الضروريات الخمس الواجبة الحفظ شرعاً.
ج- أنه شدد في الاحتياط عند إقامتها فجعلها تسقط بالشبهة المعتبرة كقوله صلى الله عليه وسلم (أدرأوا الحدود بالشبهات)، والمراد بالشبهة المعتبرة ما يثبت صلاحيتها بقرينة ترجح أن للجاني عذراً في جنايته.
5) ومن خصائص الحدود الشرعية ومميزاتها ما ذكر العلماء من أن الحد لا يقبل الشفاعة ولا يسقط بعد بلوغه للإمام لصيرورته حقاً لله تعالى حينئذ فلا يملك الإمام ولا غيره إسقاطه.
بناء الإنسان هو الهدف الأسمى الذي نبذل كل جهد من أجل تحقيقه
سيدي صاحب السمو الشيخ
خليفه بن زايد ال نهيان
رئيس دولة الامارات العربية المتحدة
حفظه الله ورعاه