النظام القانوني لملكية الدولة للسفن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقدم هذا الجهد المتواضع الى السادة اسرة منتدى الامارات لخدمة البحث العلمي والثقافة القانونية ومن الله التوفيق ...
النظام القانوني لملكية الدولة للسفن
م. حسنين ضياء نوري
م.م علي حسين ( ابو شمس )
مقدمة
تعتبر الملاحة البحرية من أهم ضروب النشاط البشري نفعاً لجماعة الدولية فتربط بقاع المعمورة لتيسير انتقال الأشخاص من بقعة إلى أخرى وتداول السلع لشتى أنواعها واختلاف أحجامها بين دول العالم المتقدمة الأمر الذي تعجز عنه وسائل النقل الأخرى .
ولما كانت الملاحة البحرية تنطوي على اتصال وتعامل بين أفراد الجماعة الدولية فانها تثير مشاكل عديدة شأنها شان أي تعامل بشري فلذلك أمست بحاجة إلى تنظيم قانوني بحكم العلائق الناشة عنهما فكان هذا التنظيم هو القانون البحري .
وينظم القانون البحري بين طياته القواعد القانونية المنضمة لعمل السفن ,والتي تعتبر هي الوسيلة الأولى والأساس للنقل البحري .
كما ينظم القانون البحري الملاحة البحرية العامة التي تقوم بها السفن الحربية والسفن التي تخصصها الدولة للخدمة الحكومية وغير تجارية كاليخوت الحكومية وسفن الرقابة والسفن المستشفيات وسفن التموين وسفن الإطفاء...الخ
وتخضع لقواعد القانون البحري كذلك وبصورة خاصة شتى السفن التجارية التي أولاها المشرع عناية خاصة نظراً للمشاكل القانونية الناتجة عن استخدام مثل هذا النوع من السفن .
ولم يكن تدخل الدولة في مجال الاستغلال البحري بشقية التجاري والحربي دون صعوبات قانونية مما حمل المشرع الدولي إلى وضع حلول لهذه المشكلات .قد ضمت معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة .
خطة البحث
المقدمة
المبحث الأول : صور ملكية السفينة
المطلب الأول : الملكية الفردية
المطلب الثاني : ملكية الشركة
المطلب الثالث : الملكية الجماعية (الشيوع البحري)
المطلب الرابع : ملكية الدولة للسفن
المبحث الثاني :النظام القانوني لملكية الدولة للسفن
المطلب الأول : النظام القانوني لسفن الدولة الحربية والمخصصة للخدمة العامة
المطلب الثاني : النظام القانوني لسفن الدولة التجارية
المبحث الثالث : معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة
المطلب الأول : معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة التجارية
المطلب الثاني : معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة الحربية والمخصصة للخدمة العامة
الخاتمة
المبحث الأول
صور ملكية السفينة
مرت صناعة السفن منذ بدايتها وحتى وقتنا الحاضر بمراحل مختلفة شهدت خلالها تطور تكنولوجي كبير . ولا شك ان مثل هذا التطور ادى الى زيادة القيمة الاقتصادية للسفينة الذي كان له بالغ الأثر على الصور التي اتخذتها ملكيتها على مر العصور.
وقد اختلف فقهاء القانون البحري وفقهاء القانون الدولي العام في وضع تعريف محدد للسفينة تبعا للمعيار الذي تبناه كل فريق ففي السابق كان معيار الطوفان على وجه الماء هو السائد في وضع تعريف للسفينة إلا ان هذا المعيار واسع وشامل لكل ما يمكن ان يطفوا على وجه الماء من منشأة,ولهذه الكيفية فأن هذا المعيار لا يصلح لتحديد تعريف السفينة لان الكثير من المنشآت الطافية غير صالحة للقيام برحلات دولية بسبب صغر حجمها أو قوتها الدافعة أو طبيعة تصميمها وبالتالي فهي مخصصة للملاحة الداخلية وهي ما تسمى بالمراكب ، أم في الوقت الحاضر فأن معيار صلاحية المنشأة للملاحة البحرية وتخصيصها لهذا النوع من الملاحة على وجه الاعتياد ، وفقاً لهذا المعيار تعتبر المنشأة العائمة سفينة إذا كانت صالحة للملاحة البحرية وان تخصص لهذا النوع من الملاحة على وجه الاعتياد " "
وعرف السفينة القانون البحري المصري في المادة 1 فقرة 1 ( كل منشأ تعمل عادة او تكون معدة للعمل في الملاحة االبحرية ولو لم تهدف الى تحقيق الربح ) وعرفها قانون التجارة البحرية اللبناني في المادة 1 فقرة 1 ( كل مركب صالح للملاحة ايا كان محموله وتسميته سواء كانت هذه الملاحة تستهدف الربح ام لم تكن )
وتعرف السفينة في القانون الحديث والمعاصر بأنها منقول يخضع بحسب الأصل إلى القواعد التي تحكم المنقولات و السفينة بهذا الوصف تعتبر محلا للملكية ولسائر الحقوق العينية الأخرى التي يمكن ان ترد على الأموال المنقولة " "
أما في التشريعات البحرية العراقية فان قانون التجارة البحري الصادر عام 1863 لم يعرف السفينة بينما عرفها قانون تسجيل السفن رقم 19 لسنة 1942 المعدل بأنها (كل واسطة معدة للنقل في المياه) ، أما قانون الموانئ رقم 21 لسنة 1965 فقد عرف في مادته الأولى / الفقرة عشراً بأنها (وحدة العائمة التي تعد او تخصص للملاحة البحرية على وجه الاعتياد) وهو تعريف يتلاءم مع معيار صلاحية السفينة وتخصيصها للملاحة البحرية" "
والسفينة قد تكون مملوكة لشخص طبيعي أو معنوي ، والشخص الطبيعي قد يكون شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص على الشيوع أو تكون مملوكة لشخص معنوي من أشخاص القانون الخاص كالشركات أو شخص معنوي من أشخاص القانون العام كما هو الحال بالنسبة لملكية الدولة لسفن " "
المطلب الأول
الملكية الفردية
قديما كانت السفينة من حيث طريقة بنائها ومحولتها وأبعادها تتلاءم مع حاجات ومتطلبات ذلك العصر لهذا لم تتعدى قيمة السفينة مقدرة الفرد المالية .الأمر الذي كانت معه الملكية الفردية لسفينة أو أكثر هي الصورة الغالبة " "
لذا كانت الملكية الفردية هي الصورة المألوفة في العصور السابقة لقد كان هذا الوضع مألوف لان السفينة لم تكن تبلغ من القيمة ما تبلغه في الوقت الحاضر بحيث كان من الممكن ان يمتلك الفرد سفينة أو أكثر وان يستغلها بنفسه أو ينيب عنه شخص أخر يقوم بعمل الربان نيابة عنه ويمثل مصالح المالك التجارية في مختلف المواني " "
أما ما يشهده العالم اليوم من انحسار للملكية الفردية فيعود إلى ارتفاع أسعار السفن وتكاليف إنشائها واستغلالها حتى أصبح امتلاك السفن قاصراُ على الشركات أو مجموعة من الأفراد (الشيوع البحري) أو الدول وبذلك أصبحت ملكية الأفراد قاصرة على سفن الصيد او النزهة " "
المطلب الثاني
ملكية الشركة
نظراً لانحسار الملكية الفردية للسفن كما رأينا سابقاً ظهرت صورة أخرى هي الأكثر شيوعاً في العالم اليوم إلا وهي ملكية الشركة ، حيث وبما ان الأفراد ليس لديهم المبالغ الطائلة واللازمة لاستثمار السفن كان عليهم التوجه إلى الشراكة لشراء السفن واستغلالها ، ويمكن ان تكون الشركات التي تملك السفن شركات أموال أو شركات أشخاص إلا ان من الضروري في اغلب الأحيان إذا كانت الشركة من شركات الأموال ان تكون أكثرية أعضاء مجلس الإدارة مع رئيسه من مواطني الدولة التي تحمل السفينة علمها " "
وكذلك اذا كانت الشركة من شركات الاشخاص يجب ان تكون اكثرية اعضاء مجلس الادارة مع رئيسه من مواطني الدولة التي تحمل السفينة علمها ( م 99 قانون بحري سوري )
وقد اشترط المشرع اللبناني لمنح السفينة المملوكة للشركة المساهمة الجنسية اللبنانية ليس فقط ان تكون هذه الشركة في الأصل لبنانية ( أي ان يكون مركز إدارتها الرئيسي واقعا في لبنان وفقاً لنص المادة 78 من القانون التجاري اللبناني ) بل وأيضا ان تكون أغلبية أعضاء مجلس الإدارة للشركة والرئيس من اللبنانيين " "
اما القانون البحري المصري فقد اشترطت المادة 5 منه لمنح السفينة المملوكة لشركة الجنسية المصرية ان تكون تلك الشركة مصرية وذلك يتحقق عندما تتخذ هذه الشركة من مصر موطن لها او مركز رئيسي لادارتها او لادارة اعمالها ولم يشترط توافر أي نسبة مصرية معينة في راس مال الشركة او في ادارتها
المطلب الثالث
الملكية الجماعية ( الشيوع البحري )
مر بنا كيف ان الملكية الفردية للسفينة كانت هي الصورة المعروفة في القرون السابقة لكن الوضع قد تغير لأسباب اتساع مدى التجارة البحرية فاستدعت الحاجة بناء سفن اكبر حجماً وأكثر حمولة بتكلفة مرتفعة لا تمتلكها ثروة الفرد الواحد وتبعاً لذلك تراجعت الملكية الفردية لتظهر بدلاً منها الملكية على الشيوع حيث يشترك أكثر من شخص في ملكية سفينة واحدة " "
والملكية الشائعة للسفينة تعني اشتراك شخصين أو أكثر في ملكية سفينة باعتبار ان السفينة من الأموال التي لا تقبل القسمة بطبيعتها وبالتالي فلا يمكن ان يكون لكل مالك حصة مفرزة فيها " "
بل لكل واحد من الشركاء عدد من الحصص بنسبة المشاركة في الثمن " "
فالشيوع البحري إذن هو اشتراك أكثر من مالك في ملكية سفينة دون ان تكون حصة كل منهم مفرزة " "
وتنقسم ملكية السفينة إلى 24 قيراط واستناداً إلى العرف تنقسم على الملاك بحيث يمتلك كل شريك قيراط واحد أو أكثر وهذا التقسيم ليس له أي قيمة قانونية أما القانون الانكليزي فيقسم السفينة إلى 64 قيراط توزع على 64 مالك بحيث لكل واحد منهم قيراط واحد وذلك ضرورياً لتسجيل السفينة ولا يوجد مانع من ان يملك شخص واحد جزء من قيراط بشرط ان يتفق أصحاب القرار بها على شخص معين بجعل القيراط باسمه " "
ويعتبر كل شريك مالكا للحصة التي تخصه فاذا سكت العقد او سند التمليك عن تحديد حصة كل منهم اعتبروا مالكين على التساوي ( م 780 قانون بحري سوري )
ويتميز الشيوع البحري عن الشيوع المدني القديم بإتباع قاعدة الأغلبية في الأول وقاعدةالإجماع في الثاني ، وقد اتبعت قاعدة الأغلبية كذلك في الشيوع المدني الحديث وبالتالي زال ذلك القانون " "
أما ما حيث طبيعة الشيوع البحري فأن الفقه والقضاء في فرنسا قد اتجه في الأغلبية إلى ان الشيوع البحري شركة تجارية . في حين يرفض الفقه المصري في غالبيته هذا التوجه باعتبار ان الشيوع البحري يفتقد ركناً أساسيا من أركان عقد الشركة وهويته الاشتراك إذا كان الشيوع إجبارا كما في حالة إذا ما آلت إلى أكثر من شخص ملكية سفينة بالإرث أو الوصية بالإضافة إلى ان كل شريك في الشيوع يعتبر مالكاً لحصته ويكون من حقه التصرف فيها بالرهن أو البيع " "
والمشرع ينظر إلى الشيوع في القانون المدني إلى انه وضع غير طبيعي للاستغلال ولذلك يشجع على الخروج منه في حين ينظر إلى الشيوع في القانون البحري بعين الارتياح ويضع له نظاماً مستمراً غير ان الشيوع أصبح لا يتلاءم مع ظروف الملاحة البحرية لذلك نقلص كثيراً واقتصر على الملاحة الساحلية وملاحة الصيد " "
أما مشروع القانون البحري العراقي فقد تناول ملكية السائق للسفينة في (م/ 34) والتي اقتصرت على وضع قواعد مجملة ومن ثم يتعين الرجوع إلى الأحكام المنظمة للملكية الشائعة الواردة في القانون المدني العراقي بالنسبة لكل ما لم يرد بشأنه نص خاص في مشروع القانون البحري العراقي ( المواد من 1061 إلى 1081- القانون المدني ) وقد نظم مشروع القانون البحري العراقي الملكية الشائعة في المواد (48 إلى 53) " "
المطلب الرابع
ملكية الدولة للسفن
ان من أهم صور ملكية السفن في العصر الحديث والمعاصر هي ملكية الدولة للسفن . فقد أدت الأهمية الإستراتيجية للأساطيل إلى اتجاه العديد من الدول وعلى الأخص بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى إلى تملك السفن سواء المستخدم منها للأغراض العسكرية أو للأغراض التجارية " "
فقد تمتلك الدولة أساطيل حربية الغاية منها حماية الدولة آو صد هجمات الحدود ، إضافة إلى هذه السفن قد تملك الدولة سفن مخصصة للخدمة العامة كسفنً التفتيش وسفن الحجر الصحي وسفن البوليس ، بالإضافة إلى هذه الأنواع من السفن تمتلك بعض الدول سفن تجارية تستخدمها للنشاط التجاري " "
وتقسم السفن استناداً إلى الغرض الذي تؤديه إلى نوعين : سفن عامة وسفن خاصة ، فتكون السفينة عامة إذا كانت مخصصة لإعمال حكومية غير تجارية وتكون خاصة إذا كانت مخصصة لأعمال تجارية غير حكومية وقد أخذت اتفاقية بروكسل لعام 1926 الخاصة بقواعد حصانات سفن الدولة بهذا التقسيم أما قبل ذلك فقد كانت السفن تنقسم إلى عامة وخاصة تبعاً لمالكها فالسفن المملوكة للدولة تعتبر سفناً عامة بغض النظر عن الغرض المخصصة له . أما السفن الخاصة فهي السفن المملوكة للأفراد . ولكل من نوعي السفن العامة والخاصة وصفاً قانونياً مختلفاً عن الأخر في الأجزاء المختلفة من البحار . فالسفينة العامة لها وضع قانوني مختلف عن السفينة الخاصة سواء في مناطق الولاية الوطنية للدولة الأجنبية أو في البحار " "
ولم يكن تدخل الدولة في مجال الاستغلال البحري دون صعوبات أو مشكلات قانونية دولية ، تتعلق هذه الصعوبات بمدى خضوع الملاحة البحرية التي تقوم بها سفن الدولة التجارية لقواعد القانون البحري ، وهل من شان الحصانة التي تتمتع بها الدولة ان تمنع مقاضاتها أمام محاكم الدول الأخرى إذا ما ثار نزاع يتعلق بإحدى سفنها التجارية ؟ وهل يمكن ان تكون هذه السفن محلاً للحجز ؟
اختلفت الآراء وتضاربت بهذا الصدد فقد ذهب القضاء والفقه في انكلترا ومن سار على منهجها إلى تمتع سفن الدولة بالحصانة ولا يجوز مقاضاتها أمام محاكم الدول الأخرى سواء أكانت هذه السفينة مستغلة لنشاط تجاري أو عسكري ، أما الفقه والقضاء في فرنسا ومن سار على منهجها * إلى ان سفن الدولة لا تتمتع بأي حصانة ويجوز مقاضاتها أمام المحاكم العادية إلا إدارية بصفتها مميزة ولا تقاضى أمام المحاكم التجارية لان الدولة لا تعتبر تاجراً بسبب ممارستها النشاط التجاري ولمواجهة هذه الصعوبات وضعت معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة السفن الحكومية 10-نيسان – 1926 والبروتوكول المفسر لها في 24 ايار 1934 " "
وذهبت لذلك المادة 2 من القانون البحري المصري التي فحواها ( عدا الحالات التي ورد بشانها نص خاص لا تسري احكام هذا القانون على السفن الحربية او التي تخصصها الدولة او احد الاشخاص العامة لخدمة عامة و لاغراض غير تجارية ) والحالات الخاصة التي ورد بشانها نصوص خاصة بصدد تلك السفن وهي حالة التصادم م 293 و حالة الانقاذ م 303
المبحث الثاني
النظام القانوني لملكية الدولة للسفن
ان جنسية السفينة تعني تبعيتها لدولة معينة وخضوعها لسيادتها و ان لهذه التبعية أثارها الهامة باعتبارها مسألة أولية يتعين مراجعتها لتمييز سفن الدولة عن مثيلاتها الأجنبية ، ولا شك ان لهذا التمييز أهميته البالغة سواء من حيث تمتع السفينة الوطنية بحقوق أو مزايا خاصة تمنحها الدولة لها أو من حيث خضوعها لبعض الالتزامات أو الواجبات المفروضة عليها دون غيرها " "
ولا تقتصر تلك الأهمية على مجال القانون الدولي فقط وإنما تمتد أيضا إلى مجال القانون الوطني أو الداخلي ، فعلى مستوى القانون الدولي تتمتع السفينة بحماية سلطات الدولة الدبلوماسية والقنصلية حال وجودها في المياه الأجنبية كما ان لجنسية السفينة أثرها الهام في زمن الحرب فمن خلال العلم الدال على هذه الجنسية يمكن التمييز بين سفن الدولة المحايدة وتمييزها عن سفن الدولة المحاربة تحت تطبيق قاعدة (( العلم يغطي أو يحمي البضاعة ))" "
أما على المستوى الوطني فتبدو أهمية جنسية السفينة واضحة فيما تمنحه الدولة من مزايا قاصرة على سفنها فقط علاوة على دعمها لهذه السفن التي تكفل النهوض بالأسطول البحري للدولة من مواجهة المنافسة الأجنبية ، كذلك تتجلى أهمية جنسية السفينة من زاوية القانون الدولي الخاص من حيث إنها تساعد على إيجاد حل لمشكلة تنازع القوانين في الموارد البحرية وتمديد القانون الواجب التطبيق على السفينة لا سيما وهي تسير في البحر العالي بعيدة عن نفوذ سيادة أي دولة
قد تمتلك الدولة أساطيل حربية الغاية منها حماية الدولة أو صد هجمات لعدو ، إضافة إلى هذه السفن تمتلك الدولة سفن مخصصة للخدمة العامة كسفن التفتيش وسفن الحجر الصحي وسفن البوليس ...الخ . وبالإضافة إلى هذه الأنواع من السفن تمتلك بعض الدول أساطيل تجارية تستخدمها للنشاط التجاري وتبعاً لذلك سوف نقوم بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في المطلب الأول النظام القانوني لسفن الدولة الحربية والمخصصة للخدمة العامة ونخصص المبحث الثاني للنظام القانوني لسفن الدولة التجارية .
المطلب الأول
النظام القانوني لسفن الدولة الحربية والمخصصة للخدمة العامة
تعرف السفن الحربية وفقاً لنص المادة 5/29 من اتفاقية قانون البحار هي تلك السفينة التي تشكل جزءاً من القوات المسلحة لدولة ما و تحمل العلامات الخارجية المميزة للسفن الحربية من ذات جنسيتها وتوضع تحت حيازة ضابط بحري لخدمة هذه الدولة ويخضع طاقم هذا النوع من السفن لقواعد نظام التأديب العسكري " "
أما السفن العامة غير الحربية فقد عرفتها المادة /26 من اتفاقية قانون البحار1982 بأنها تلك السفن العائدة للدولة أو المستخدمة من قبلها والمخصصة لأغراض حكومية غير تجارية ، كسفن التفتيش وسفن الحجر الصحي أو السفن المستخدمة كمستشفيات عائمة أو سفن الموانئ والإطفاء " "
ولا خلاف بين التشريعات الدولية المختلفة على ان عامة الأعمال التي تقع على السفينة الحربية او العامة بواسطة أفراد طاقمها تخضع لقانون علمها أي قانون الدولة التي تنتمي إليها السفينة بجنسيتها وذلك بصرف النظر عن مكان وجودها أي سواء تواجدت السفينة في أعالي البحار ام في المياه الإقليمية لدولة أخرى ، إذ من المتفق عليه ان السفينة الحربية تتمتع بحصانة شبه كاملة في مواجهة الدولة الساحلية وفي المياه الإقليمية لهذه الدولة ، ويرجع ذلك إلى ان مثل هذه السفينة تمثل سيادة الدولة التي تحمل جنسيتها كجزءاً ممتدا ًمن إقليمها في الخارج " "
أما فيما يتعلق بسلطان الدولة على السفن المارة في بحرها الإقليمي قد يقال ان سيادة الدول على بحرها الإقليمي تقتضي إخضاع التصرفات والأفعال التي تقع من سفينة أجنبية أو عليها أثناء مرورها في ذلك البحر للفضاء الإقليمي أسوة بالسفن الراسية في الموانئ وفي الحدود التي اقرها القانون الدولي بالنسبة لهذه السفن ، وإذا حدث ان خالفت أو انتهكت سفينة حربية تشريع إحدى الدول الساحلية أو أخلت بنظامها الداخلي فكل ما لهذه الدولة ان تفعله هو ان تطلب من هذه السفينة مغادرة مياهها الإقليمية على الفور وذلك هو فحوى المادة 30 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 " "
وفيما يتعلق بحصانة سفن الدولة الوطنية الحربية والمخصصة للخدمة العامة يذهب الفقه والقضاء المصري والفرنسي إلى ان تتحمل الدولة مسؤوليتها عن أخطائها ولكنها لا تساءل استناداً لقواعد القانون البحري وإنما ينطبق عليها قواعد القانون الدولي العام وعلى وجه الخصوص مسؤولية الدولة عن الأخطاء الناشئة عن إدارة المصالح العمومية وكذلك لا يجوز إيقاع الحجز ألتحفظي أو التنفيذي على هذه السفن لان الدولة مقتدرة دائماً " "
أما النظام القانوني للسفن الأجنبية الحربية والمخصصة للخدمة العامة فتتمتع هذه السفن بالحصانة أمام القضاء وذلك احتراماً لسيادة الدولة الاجنبية كسلطة عامة بحيث يتحين على الدائن إذا أراد الحصول على حقه ان يرفع دعواه أمام محاكم الدولة التابعة لها السفينة إذا كان ذلك حسب تشريعاتها وكذلك تمنع سيادة الدولة الأجنبية توقيع الحجز ألتحفظي أو التنفيذي على السفينة لما في ذلك من عرقلة لسير مصالحها العمومية " "
مطلب الثاني
النظام القانوني لسفن الدولة التجارية
تنظر الدولة عادة إلى أسطولها التجاري سواء من حيث وجوده أم تطويره بعين الأهمية ، وذلك بسبب الدور الذي يؤديه في الدفاع الوطني والارتقاء بمستوى الاقتصاد القومي ومن هذا المنطلق فهي تحرص دائماً على الدفع قدماً ببحريتها التجارية والاعتناء بها من خلال بعض المزايا التي تخص بها سفنها الوطنية ولا تمنحها للسفن الأجنبية ومن ابرز هذه المزايا امتياز الملاحة الساحلية وملاحة الصيد ويعني ذلك قصر النقل البحري بين الموانئ الوطنية والصيد في المياه الإقليمية على السفن الوطنية فقط " "
وتذهب المادة 4 من القانون التجارة البحرية اللبناني ( ان للسفن اللبنانية وحدها حق الصيد في السواحل وحق الملاحة التجارية الساحلية بين المرافئ اللبنانية وقطر السفن في دخولها الى هذه المرافئ او الخروج منها ) علاوة على ما تقدم اهتدت الكثير من الدول منذ زمن طويل على تقديم منح وأمانات مالية مباشرة للملاحة البحرية لأساطيلها التجارية تحت إشكال وطرق مختلفة وفي مصر أيضا اصدر وزير النقل عدة قرارات تتضمن منح إعانات سنوية لشركات الملاحة البحرية التابعة للدولة " "
هذا وتمارس سفن الدولة التجارية نشاطاً يماثل نشاط المجهز العادي فتخضع إلى قواعد القانون البحري كما تخضع لأحكام التامين البحري وشروطه استخدام رجال الطاقم ويجعل تأجير سفن الدولة التجارية بموجب مشارطات أو ايجاراو سندات شحن وبالرغم من ذلك فالدولة لا تعتبر تاجراً بالرغم من مزاولتها للنشاط التجاري ، فلا تخضع لطرق التنفيذ التي يخضع لها الأفراد فلا يجوز إيقاع الحجز ألتخفيضي على السفينة إذ لا محل للخوف من أعمال الدولة فهي مقتدرة دائماً " "
هذا وان الدولة وان كانت لا تعد تاجراً إلا انه من المقرر ان غير التاجر يمكن ان يقوم بأعمال تجارية وتخضع أعماله هذه للقانون التجاري ومن ثم تنطبق أحكام قانون التجارة البحرية على استغلال هذه السفن " "
المبحث الثالث
معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة
تدخل الدولة في مجال الاستغلال البحري بدون مشكلات أو صعوبات قانونية وتتعلق هذه الصعوبات بمدى خضوع الملاحة البحرية التي تقوم بها السفن التجارية والحربية والمخصصة للخدمة العامة لقواعد القانون البحري وهل من شان الحصانة القضائية التي تتمتع بها الدولة ان تمنع مقاضاتها أمام محاكم الدول الأخرى إذا ما ثار نزاع يتعلق بإحدى سفنها ؟ وأخيرا هل يمكن ان تكون هذه الأخيرة محلاً للحجز ؟
وقد أدت هذه الصعوبات المتقدمة والأسئلة المطروحة بالمشرع الدولي إلى التفكير الجدي بحلها ، وتوجيه القواعد المطبقة في هذا الشأن فكان ان برمت في بروكسل في 10 ابريل سنة 1926 المعاهدة الدولية المتعلقة بتوحيد بعض القواعد الخاصة بحصانة سفن الدولة والمعدلة ببروتوكل بروكسل الصادرة في 24مايو/1934 " "
المطلب الأول
معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة التجارية
بمقتضى نص المادة الأولى من هذه المعاهدة فأن السفن التي تمتلكها الحكومات او التي تستغلها والشحنات المملوكة لها وما تنقله هذه السفن من شحنات وركاب تخضع فيما يختص بالمطالبات المتعلقة باستغلال هذه السفن ونقل هذه الشحنات لنفس قواعد المسؤولية ونفس الالتزامات لتي تسري على السفن والشحنات الخاصة ، و تنص المادة الثانية من اتفاقية بروكسل على انه تسري على المسؤوليات والالتزامات فيما يتعلق بشأن اختصاص المحاكم والدعاوى والمرافعات نفس القواعد المقررة للسفن التجارية الخاصة
وتذهب المادة الرابعة الى انه يجوز للدولة ان تتمسك بالنسبة للدعاوى المرفوعة والناشئة عن استغلال هذه السفن بكل وسائل الدفاع والتقادم وتحديد المسؤولية التي يتمتع بها الأفراد
هذا ومن الأحكام الواردة في معاهدة بروكسل بخصوص حصانة سفن الدولة التجارية ما يلي :-
أولا :- تخضع الدولة بالنسبة لنشاطها التجاري كما هو الحال بالنسبة للأفراد في الاختصاص وإجراءات رفع الدعوى (م /2) .
ثانيً :- للدولة ان تتمسك بالنسبة للدعاوى المرفوعة عن استغلال هذه السفن بكل وسائل الدفاع والتقادم وتحديد المسؤولية التي يتمتع بها الافراد (م/114) .
ثالثاً:- يمكن حجز سفن الدولة التجارية في دولة متعاهدة أخرى ولا يجوز للدائن من دولة أخرى ان يحجز على السفينة في بلد السفينة ذاته (م/23)" ".
المطلب الثاني
معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة الحربية والمخصصة للخدمة العامة
تذهب المادة 113 فقرة 1 من المعاهدة الى انه السفن الحربية والمخصصة للخدمة العامة فتضل وفقاً لنص المعاهدة متمتعة بالحصانة وبالتالي لا يجوز مقاضاة الدولة المالكة لهذه السفن أمام محاكم دولة أجنبية ولا يجوز توقيع الحجز التخفضي عليها . على انه يجوز على سبيل المثال الاستثناء لذوي المصلحة مقاضاة الدولة المالكة أمام محاكمها المختصة دون ان يكون لها التمسك بأي حصانة وذلك فقط بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالمساعدة والإنقاذ والخسارات والدعاوى الناشئة عن الاصطلاحات أو التوريدات أو غيرها من العقود المتعلقة بالسفينة وذلك ما ذهبت له المادة 213 من المعاهدة ولكن لا يجوز رفع هذه الدعوى أمام القضاء الذي يختص بنظر دعاوى الأفراد بل تدفع القضاء أمام القضاء الإداري
والحالات التي ورد ذكرها هي على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال لما لها من صفة استثنائية ومن ثم فلا يجوز القياس عليها وقد أوردت المعاهدة في المادة (5) منها حكماً مقتضاه ، انه إذا رأت المحكمة ان هناك شكاً في الصفة الحكومية غير التجارية للسفينة فأن الاقرارالموقع عليه من الممثل الدبلوماسي للحكومة المتعاقدة صاحبة السفينة يعتبر دليلاً على ان السفينة من السفن المتمتعة بالحصانة وذلك فقط بقصد رفع ما تأمر به المحكمة من الحجوزات أو إلغاء القبض والاحتجاز " "
هذا ووفقاً لنص المادة (6) من المعاهدة فأن أحكام هذه المعاهدة تطبق في كل دولة موقعة على المعاهدة على سفن الدولة الأخرى الموقعة على المعاهدة أيضا " "
مع ملاحظة انه يجوز لكل دولة ان تطبق المعاهدة على سفن دولة أخرى غير موقعة على المعاهدة بالمثل " ".
وقد تضمن مشروع القانون البحري العراقي أحكام معاهدة بروكسل في المواد (154 إلى 58 ) وقد نصت المادة (58) على ان المحكمة إذا قام لديها شك في الصفة الحكومية غير التجارية للسفينة أو الشحنة عند تطبيق (م/56) ان تطلب من الحكومة تقديم شهادة من الممثل الدبلوماسي للدولة صاحبة السفينة أو الشحنة لإثبات هذه الصفة ولا تكون هذه الشهادة المذكورة هي إلا فيما يتعلق برفع الحجز أو الضبط ولا يسري هذا الحكم إلا بشرط المعاملة بالمثل .
الخاتمة
اتضح لنا بان لملكية السفينة أربعة صور فقد تكون مملوكة لشخص واحد وهذه هي الملكية الفردية كما ان السفينة قد تكون مملوكة لمجموعة من الأشخاص على الشيوع وهنا نكون أمام شيوع بحري أو ملكية جماعية وهناك صورة أخرى وهي ملكية الشركة حينما تكون السفينة مملوكة لشركة مساهمة ولشركة أموال وقد ظهرت صورة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية وهي ملكية الدولة للسفن بنوعيها الحربية والمخصصة للخدمة العامة أو التجارية .
حيث أخذت النظريات الاشتراكية ومبدأ الاقتصاد الموجه إلى حمل الدول التي تمتلك السفن واستغلالها في ميدان التجارة البحرية .
كما ان وضع معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة والبروتوكول الملحق بها ساعد على حل الكثير من المشاكل العالقة في مجال الاستغلال البحري من قبل الدولة كما مر بنا سابقاً .
واتضح لنا كذلك كيف ان معاهدة بروكسل تفرق بين نوعين من سفن الدولة السفن الحربية التي تمتلكها الحكومات او التي تستغلها والشحنات المملوكة وما تنقله السفن الحكومية من شحنات وركاب ، وكذلك الدولة التي تمتلك هذه السفن أو تستغلها تخضع فيما يختص بالمطالبات المتعلقة باستقلال هذه السفن ونقل هذه الشحنات لنفس قواعد المسؤولية ونفس الالتزامات التي تسري على السفن و الشحنات والأمتعة المملوكة للأشخاص وعلى ذلك لا يتمتع هذا النوع من السفن بحصانة خاصة .
النوع الثاني : السفن المملوكة للدولة والتي تتمتع بالحصانة وهي فق معاهدة بروكسل السفن الحربية واليخوت الحكومية وسفن المستشفيات وسفن التموين وعيرها . كما لا تخضع هذه السفن لقواعد القانون البحري التي تطبق على السفن الخاصة كما لا تخضع هذه السفن لقواعد الاختصاص القضائي التي تسري على السفن الخاصة .
وفي نهاية هذه الدراسة نهيب بالمشرع العراقي إلى سن تشريع بتنظيم الملاحة البحرية وكذلك ينظم القواعد القانونية المطبقة على السفن الخاصة وكذلك السفن المملوكة للدولة خصوصاً وان السفن وكما رأينا سابقاً أصبحت من أهم الوسائل لنقل البضائع في الوقت الحاضر .
مصادر البحث
1- د . محمود فريد العريني ، د.محمد سيد السيد الفقي – القانون البحري والجوي – ط1 – منشورات الحلبي الحقوقية – ( لبنان ، 2005 )
2- د.كمال حمدي – القانون البحري – ط3 – منشأة المعارف – ( منشأة المعارف – (مصر ، 2007 )
3- د.محمود سمير الشرقاوي – القانون البحري – دار النهظة العربية – ( مصر ، 2008 )
4- د.ثروت عبدالرحيم - القانون البحري العراقي – ج1 – مطبعة حداد – (بغداد ، 1969 )
5- د.هشام فرعون – القانون البحري السوري – ط3 – منشورات حلب – ( سوريا ، 1995 )
6- د.مصطفى كمال طه – الوجيز في القانون البحري – ( الاسكندرية ، 1981 )
7- د.علي البارودي – مباديء القانون البحري – (مصر ، 1975 )
8- د.علي حسن يونس – القانون البحري
9- د. علي جمال الدين عوض – القانون البحري
10- حسين الماحي – القانون البحري – دار النهظة العربية – ( مصر ، 2003 )
القوانين والمتون :
• مشروع القانون البحري العراقي .
• القانون البحري المصري .
• القانون البحري السوري .
• القانون البحري اللبناني .
• معاهدة بروكسل الخاصة بحصانة سفن الدولة 1926.
• معاهدة قانون البحار 1982 .