الإجازات المرضية الوهمية فساد يتقاسمه الموظف والطبيب
أسباب تخص نفسية طالبها وأخرى أجواء عمله
الإجازات المرضية الوهمية فساد يتقاسمه الموظف والطبيب
تحقيق - مجدي زهرالدين:
يعد التلاعب في منح الإجازات المرضية، خصوصاً تلك التي لا تتجاوز مدتها سبعة أيام، من الظواهر التي لا يمكن ضبطها إجرائياً بشكل تام، وتعتمد صحتها على تحلي كل من الطبيب والمريض بمكارم الأخلاق والضمير الحي، وذلك لأن أي موظف غير مبال يستطيع التغيب عن عمله متى شاء، شريطة أن يكون على معرفة بطبيب مستهتر يساعده في الحصول على إجازة مرضية قصيرة بحجة معاناته من أمراض غير عضوية .
تؤكد ظاهرة الإجازات الطبية الوهمية أن الأمانة والأخلاق شرطان أساسيان لتحمل المسؤولية وإسناد سلطة القرار لأي شخص في القطاع الطبي، حيث بغيابهما تصبح القوانين والنظم الرقابية والتنظيمية مهما بلغت من الدقة عاجزة عن قطع يد الغش والتلاعب في هذا مجال .
وقد يكون من الإجحاف تحميل كامل المسؤولية للأطباء، خصوصاً مع وجود متمارضين ماهرين في التمثيل والادعاء، والذين غالباً ما يأتون إلى الطبيب مدعين أعراضاً لأمراض عصبية أو نفسية لا دلائل عضوية عليها في سبيل الحصول على إجازة يوم أو يومين .
وللتعرف إلى أهم الأسباب التي تدفع البعض للحصول على إجازات مرضية وهمية التقت “الخليج” بعدد من الموظفين العاملين بأبوظبي واستطلعت آراءهم حول هذه الظاهرة .
ويرى عبيد جمعة البلوشي (موظف)، أن ظاهرة التقارير الطبية لفئة المتمارضين تعود لغياب الضمير المهني لدى المتمارضين والطبيب المتساهل المانح للتقارير، ونتيجة قلة الوعي وانتشار الثقافة المضعفة لقيم العمل والقاتلة للإبداع، ما جعل البطالة المقنعة تنتشر في كثير من المواقع الوظيفية .
وحذر من التساهل في قضية الإجازات الوهمية في قطاع التعليم بشكل خاص، لأن ذلك يشكل تلاعباً بمستقبل الوطن وهدماً لطاقاته الشبابية، مشيراً إلى وجود بعض الأطباء الذين يوفرون حجة شرعية لطلبة المدارس والجامعات المتغيبين عن دوامهم بدون علم الأهل، بحيث تعفيهم الإجازة من سؤال إدارة المدرسة عن أسباب التغيب، كما تحول دون تواصل هذه الإدارة مع أهل الطالب لإعلامهم بتغيب ابنهم عن مدرسته .
وأوضح محمد آل سالمين، انه في بعض الأحيان يضطر الموظف إلى أخذ إجازة مرضية نتيجة للإجهاد من ضغط العمل، وعدم تساهل وتفهم المؤسسات التي يعمل بها في إعطائه إجازة إضافية، موضحاً أن بعض الموظفين يواجهون صعوبات في مواقع العمل لجهة التشديد على الدوام، وبالتالي يضطرون إلى هذا النوع من الإجازات .
وشدد على أهمية عدم التعميم على جميع الإجازات المرضية، موضحاً أن بعض الموظفين يعانون من أمراض معينة وعندما يتقدمون بالإجازة المرضية فإنها تجابه بالشكوك لفقدان الثقة من الإدارات التي يعملون بها لتكرارها من قبل الموظفين، وهذا ما يجعل الموظف الصادق في مأزق .
إعادة تأهيل
ودعا عبدالله سعيد (طالب جامعي)، إلى إعادة تأهيل الموظف المتمارض، حتى يكون شخصاً ذا قيمة يقدر المسئولية، ويهتم بعمله بعيداً عن اللهاث وراء الأعذار، واستغلال العلاقات الشخصية من أجل الحصول على رخصة طبية، يتمارض بها من أجل التهرب من العمل .
وشدد على أهمية سن ضوابط أكثر صرامة للحد من الانفلات المتمثل في استغلال العلاقات والمعارف في المراكز الصحية والمستشفيات، كواسطة للحصول على رخصة طبية تمنح الموظف المتمارض إجازة تتحكم في مدتها هذه العلاقات، من دون حول أو قوة من الطبيب المتخصص، الذي يكتفي بختم اسمه على الإجازة، رغم علمه بأن من يقف أمامه شخص كاذب حضر لعيادته من أجل الحصول على شهادة تمكنه من التهرب من مسؤوليته الوظيفية .
ويعتبر محمد خليفة المزروعي أن ما يحدث من بعض الموظفين من تغيب بداعي التمارض هو تعطيل متعمد للعمل، ويجب محاسبة المقصر بعد التحقيق معه، وحرمانه من الترقية والامتيازات، مع نقله إذا تعذرت استقامته حتى يعرف قيمة الوظيفة، أو يتركها لكثيرٍ من المنتظرين، طالما أنه في غنى عنها وعاجز عن الإيفاء بمتطلباتها .
وطالب بضرورة الضرب بيدٍ من حديد من خلال تطبيق النظام ومحاسبة القيادات العاجزة عن توقيع العقوبات بحق هؤلاء المتمارضين، لكون تصرفاتهم تندرج ضمن التلاعب الوظيفي والفساد الإداري؛ لأن هذه النوعية من القياديين أضروا بالأمانة من خلال مساعدتهم المتلاعبين من المتمارضين الذين عشقوا مخالفة النظام، إلى جانب تعطيل مصالح المراجعين وإهدار المال العام، مشيراً إلى أن العلاج يتطلب تشديد الرقابة على المستشفيات والمراكز الصحية المتساهلة مع مثل هذه النوعية من الموظفين .
تدني الإنتاجية
ويطالب خالد الكعبي (طالب جامعي) بأهمية التشدد في متابعة الإجازات المرضية والجهات المانحة لها، للحد من الإسراف فيها حتى لا ينعكس ذلك بصورة سلبية على إنتاجية الموظف، التي هي في الأصل لمثل هذه النوعية منهم متدنية، لكونهم لا يؤدون أعمالهم على النحو الأكمل بعد أن شغلوا أنفسهم بالتسابق على الإجازات المرضية، لافتاً إلى أن الحل يحتاج إلى إصلاح إداري، يعاقب المتمارض، ويقدم الحوافز للموظف المنضبط، حتى لا يشعر بالغبن عندما تسند إليه أعمال المتمارضين ليتولى إنجازها .
من جانبهم شدد عدد من الأطباء العاملين في أبوظبي، على أن التصدي لظاهرة منح الإجازات المرضية الوهمية يتوقف على الأمانة المهنية للطبيب، وولائه للقسم الطبي الذي أقسمه في بداية حياته المهنية .
وأشاروا، إلى وجود بعض الظروف الخاصة التي يقف الطبيب عاجزاً أمامها، ولا يستطيع كشف ادعاءات المتمارضين خصوصاً في حالات الأمراض النفسية والعصبية، كذلك بعض الأمراض التي لا يوجد لها عوارض عضوية مثل الصداع أو حالات التشنج العصبي، وبالتالي يجد الطبيب نفسه ملزما أن يصدق المريض وإعطاءه إجازة مرضية لمدة قصيرة تتناسب مع هذه الأمراض .
سلاح الأمانة
ويشير الدكتور حميد بن بركة، استشاري جراحة العظام، إلى حرفية بعض المتمارضين في التمثيل وادعاء الأعراض المرضية، وإلى أن هذه الفئة تعرف تماما إلى أي نوع من الأطباء المتخصصين يجب التوجه، متسلحين بالمعرفة التامة بأعراض المرض الذي يدعون معاناته، وقدرة فائقة على استثارة تعاطف الطبيب معهم .
ويميز بن بركة بين الحالات التي يحصل بها المتمارض على إجازة مرضية، الأولى يكون فيها الطبيب مقتنعا بإدعاءاته بسبب طبيعة الحالة المرضية التي لا تسعف الطبيب في التأكد من الأعراض المادية مثل حالات الصداع وبعض آلام الظهر الناتجة عن التقلصات العضلية، وهنا لا يقع اللوم على الطبيب، والحالة الثانية عندما يتعرض الطبيب لضغوط ما من قبل المسؤولين في مكان عمله لمنح احدهم إجازة مرضية، وهنا أيضاً يجب التماس العذر للطبيب الذي يخاف على لقمة عيشه، أما الثالثة فهي التي يعرف الطبيب مسبقا بزيف ادعاءات المريض ومع ذلك يمنحه إجازة مرضية وهنا تجب محاسبة الطبيب لخيانته الأمانة المهنية .
موسم الأعياد
يقول الدكتور محمد محجوب الشيخ اختصاصي أمراض نسائية وتوليد، إن اختصاصه يجعله في منأى من التعامل مع المراجعات المتمارضات، وذلك لأن جميع الأمراض التي تندرج تحت تخصصه واضحة المعالم وتستند إلى عوارض يمكن اكتشافها خلال عملية الفحص، بما لا يدع مجالا أمام المريضة للتحايل .
وأن ظاهرة المتمارضات تنشط في الأيام التي تأتي بين عطلتين رسميتين، كأن تنتهي مثلا عطلة عيد الفطر يوم الثلاثاء، فيحاول عدد كبير من الموظفين الذين لا يملكون رصيد إجازات الحصول على إجازة مرضية خلال الأيام المتبقية من أسبوع العمل بهدف وصل الإجازة لمدة أسبوع كامل، منوهاً بأن الأطباء في هذه الفترات غالباً ما يتعرضون إلى ضغوط وأساليب تحايل بهدف توقيع إجازة مرضية .
ونوه بالنظام الإلكتروني للإجازات الذي تعتمده هيئة الصحة في أبوظبي منذ عام 2006 والذي يبين عدد الإجازات المرضية التي أصدرها كل طبيب، وهو ما يساعد على الكشف عن أي طبيب يصدر عدداً غير منطقي من الإجازات المرضية، ويتم مراقبة هذه الأرقام من قبل لجنة التدقيق في الإدارة المعنية، وفي حال تسجيل أي طبيب لأي أرقام عالية من الإجازات يتم التدقيق في طبيعة تخصصه والجنسيات الحاصلة على الإجازات، وكذلك جهة عمل المرضى، للتأكد من عدم وجود أي تلاعب في ذلك .
ويقول الدكتور محسن عرفات اختصاصي أمراض أسنان، إن ظاهرة ادعاء المرض بما يخص أمراض الأسنان تكاد تكون معدومة، لأن غالبية الأمراض والإصابات تكون مصحوبة بعوارض واضحة لا لبس فيها مثل الخراجات والالتهابات اللثوية وغيرها، وقد تكون آلام أعصاب الأسنان هي الحجة الوحيدة التي يمكن للمتمارض اللجوء إليها، وحتى هذه الحالة يستطيع طبيب الأسنان تلافي الوقوع في خطأ التقدير بها من خلال طلب استشارة طبيب مختص بالأعصاب لتوصيف الحالة .
ويؤكد أن الطبيب في حال طلب منه المريض إجازة مرضية عليه أن يكون كالقاضي الذي يحكم بالبينة والبرهان، فلا يمكن تكذيب المريض إلا بدليل، وكذلك لا يمكن تصديقه إلا استناداً للوقائع والأدلة الطبية، وعلى الطبيب تحكيم عقله وضميره عند اتخاذ قراره سواء بمنح الإجازة أو عدمه .
وتابع أنه بالقدر الذي يجب فيه على الطبيب تقديم أفضل الرعاية لمرضاه، وإظهار اكبر قدر من الاحترام لهم والتعاطف مع حالاتهم المرضية، فإنه بالمقابل مطالب بالتصدي بحزم لكل مدعٍ للمرض يريد التهرب من مهامه الوظيفية .
لنكُنْ آروَاحْ رآقيه
نَتسامْى عَنْ سَفآسِفَ الأمُورْ وَعٌنْ كُلْ مَايَخِدشُ نًقائِنا
نًحترِمْ ذآتنـَا
عِندَمٌا نتَحدثْ نتحَدثْ بِعُمِق
نٌطلبْ بـإدبْ وَنـَعتذِرْ بِـصدقْ
نٌترفع عَن آلتفِآهات
نُحِبْ بِصَمتْ وَنغَضبْ بِصَمتْ وإنْ آردنـَا الِرحِيلْ
نَرحِلْ بِصَمتْ