ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسانالثلاثاء ,01/03/2011
محمد خليفة بن حاضر
ليس صحيحاً ما يقوله بعض الناس من أن الإنسان متى توافرت له كامل احتياجاته المادية الأساسية في الحياة، تنعدم لديه الحاجة إلى “الثورة” أو “الانتفاضة” حيث إن الإنسان مُيّز عن الحيوان بنعمة العقل، هذه النعمة المنعدمة لدى سائر المخلوقات، كما أنه - أي الإنسان - خلقه الله خليفة في الأرض، وهذه ميزة لا يتمتع بها الحيوان، وكما أن الحيوان يأكل ويشرب، وينام ويفيق، كذلك الإنسان، ولكن شتان بين المخلوقين .
يستطيع الإنسان أن يحد من حركة الحيوان وحريته بحصره في “زريبة” أو حظيرة أو حديقة حيوان ويعكف على علفه، ومن الطبيعي أن يذعن المخلوق لذلك، لكن هل يمكن تطبيق ذلك على الإنسان من دون أن يحس بالقهر والذل والهوان؟ ومن دون أن يلجأ إلى التماس الحيلة لاستعادة حريته؟ وحرية الإنسان تبدأ بالنطق والتعبير، أي القول ومن ثم الفعل، إنها - أي الحرية - غاية الحياة السياسية والكمال المدني، ولا تكون ولا تكتمل إلا بالفضيلة، والحرية مظهر ذاتي يستعلي فيه الإنسان على جميع القيود والعقد النفسية والاجتماعية . إن الاستهانة بالعقل الإنساني التواق إلى الحرية ضرب من ضروب الجنون والهلوسة، ومهما عظمت المغريات المادية أمام الإنسان السوي فلن يقبل بها طالما بقي رهن التبعية، وهذا الرفض سواءً كان رفضاً معلناً أو خافياً، فإنه انصياع لمشيئة إلهية، إذ إن الحرية نعمة من الله، أما العبودية فنقمة من عمل الإنسان .
إن الإصلاح الذي يدعون إليه لا يعدو الإغراءات الترويضية الرامية أصلاً إلى إطالة أمد الكبت، الذي عانى منه الإنسان العربي أكثر من غيره في دول العالم، لقد بُددَتْ ثرواته على مسمع ومرأى منه، وقيدت حرية التفكير لديه، تارة أخرى بأوامر روحانية وتارة بتعليمات عليا، وهو بين هذه وتلك لا يملك سوى “الله المستعان على ما تصفون” وأيضاً لا يملك سوى الحمد والشكر لسلطان الزمان والمكان .
باختصار شديد هو عبد طالما قبل بذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . إن الحرية أحوال اجتماعية تنعدم فيها القيود التي تحول دون السعادة، و”تنازل الإنسان عن حريته: تنازله عن إنسانيته” جان جاك روسو”، وكما أن للأمم آجالاً، فإن أجل كل أمة يوم تفقد حريتها . إن “غاندي” يقول “أن أكون عبداً أطالب بحريتي خير لي من أن أكون حراً أساوي العبيد” .
إن السكوت أفضل من هذا الهراء الذي يطن في آذاننا بين الفينة والأخرى، يروّج له أولئك الذين سكروا بخمرة المصالح، وظنوا أنهم بهذا الهراء هم الأعرف بالفضيلة والأهدى إلى سبيل النجاح، ونسوا في غمرة سكرتهم بنشوة الظهور والمماحكة، أن الأمور لا تستقيم إلا على أسس صلبة أقواها الحرية . أنا الحرية: “الحق بيميني والقوة بيساري، والنور فوق جبيني، والدماء تحت قدميّ، ومن يحبونني يموتون أحياءً، وبحياتهم أموت” مكسيم غوركي .
نحن لو سلّمنا بما يقول به هؤلاء فقدنا الصلة بإنسانيتنا، وحُلّت سائر همومنا ومشاكلنا بوفرة الحاجات المادية، وماذا عن الروحية يا ترى وعلى رأسها الحرية في الاختيار والتفكير والأحلام والآمال؟ وهي كلها مفقودة لدى الحيوان . وماذا عن العقل الذي مُيّزنا به من دون سائر مخلوقات الله؟ فنحن بعقولنا فقط نستطيع أن نواجه كل شيء ونجد له حلاً . وعليه فلا يمكن لقوة فوق الأرض أن تستعبد عقل الإنسان وروحه، ورحم الله القائل “الذين يقاومون العقل بالترهات إنما يضربون الهواء النقي بسيف صدئ” .
إن الإنسان في مسيرته الحياتية كثير الأحلام بالأفضل والأحسن، لكن أحلامه هذه تصبح عديمة الجدوى عندما يُحصرُ ويُحْجَرُ على عقله، لكنها تصبح فاعلة خلاقة بالحرية فقط، التي هي النبراس الذي ينير الظلمة ويبدد المخاوف التي لا وجود لها إلا في رؤوس العبيد أهل المصالح الشخصية الضيقة، المصابين بداء الأنانية المزمن . إن غُلاً يكبل المعصم أهون من وهمٍ يكبل العقل والحرية بالطبع، ومن أقوال الإمام علي “لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً”، لذلك عليك السيطرة على المبادئ الأخلاقية، ولا تكن عبداً لها، لأن العبودية انتهاك لحرية الإنسان، وهي منطق الطغاة وعقيدة العبيد . ولو أن إنساناً قُيد بسلاسل من ذهب، وأطعم المنّ والسلوى لآثر الفرار إلى الجوع والعطش للالتحاق بحريته .
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر © 2008