نائب المدير العام
تاريخ التسجيل: Oct 2009
الدولة: دولة الامارات العربية المتحدة ـ دبي
المشاركات: 15,606
الطعن المصري رقم 19 لسنة 8 قضائية " دستورية
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 18أبريل سنة 1992 م .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر رئيسالمحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمدولى الدين جلال وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبدالواحد والدكتورعبدالمجيد فياض
وحضور السيد المستشار / السيد عبدالحميد عمارةالمفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر
أصدرتالحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 8 قضائية " دستورية " .
الإجراءات
فى الثالث من أغسطس سنة 1986 أودعالمدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية المواد 63، 64 ، 162 ، 210 ، 232 من قانون الإجراءات الجنائية .
وقدمت هيئة قضاياالدولة مذكرة ، طلبت فيها رفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئةالمفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ،وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعدالاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفةالدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام ضد وزير الثقافة الدعوى رقم 4133 لسنة 1983 مستعجل القاهرة طالباً الحكم بصفة مستعجلة بندب الخبير المختصلإثبات حالة أفلام الماستر فيديو التى قام تابعو الوزير بمحو تسجيلاتها ، وتقديرقيمة ما أصابه من ضرر من جراء ذلك ، فأصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فى 7نوفمبر سنة 1983 حكماً تمهيدياً بندب خبير مختص فى المرئيات والصوتيان لمعاينةالأفلام المشار إليها وإثبات حالتها وتقدير قيمتها مسجلة وخالية وقيمة الضرر الناجمعن محوها ، وكلفت المدعى إيداع أمانة قدرها مائة جنيه أتعاباً للخبير ، فقام المدعىبذلك ، إلا أن مكتب خبراء جنوب القاهرة أخطأ بتكليفه أحد خبراء الجدول من المهندسينالمعماريين بمباشرة المأمورية التى فصلها الحكم التمهيدى ، وقد اعترض المدعى علىقيام هذا المهندس بالمأمورية لعدم خبرته فى مجال الصوتيات والمرئيات ، إلا أنه مضىفى مباشرتها وقام بقبض الأمانة ، فتقدم المدعى بشكوى اتهم فيها ذلك المهندس باختلاسالمال العام والاستيلاء عليه وانتحال صفة الخبير ذى الحق فى اقتضاء الأمانة ، ومنثم ارتكابه الجرائم المنصوص عليها فى المواد 112 ، 113 ، 211 من قانون العقوبات ،وقامت النيابة العامة بتحقيق هذه الشكوى بسماع أقوال وكيل المدعى الذى ادعى مدنياًمطالباً إلزام المشكو ضده بتعويضه مؤقتاً بما مقداره واحد وخمسون جنيهاً . وإذأصدرت النيابة العامة قرارها بحفظ الأوراق وقيدها بدفتر الشكاوى الإدارية برقم 5664لسنة 1985 إدارى عابدين ، فقد تظلم الشاكى – بصفته مدعياً بالحقوق المدنية – من هذاالقرار ، ونظر تظلمه أمام محكمة جنيايات القاهرة منعقدة فى غرفة المشورة ، حيث دفعبجلسة 15 يونية 1986 بعدم دستورية المواد 63 ، 64 ، 162 ، 210 من قانون الإجراءاتالجنائية ، فصرحت باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية المواد المشار إليها والمادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية ، فأقام دعواه الماثلة .
وحيث إنولاية هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية – وعلى ما جرى به قضاؤها – لا تقوم إلاباتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة فى قانونها ، وكان نطاق الدعوىالدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذىأثير أمام محكمة الموضوع ، وفى الحدود التى تقدر فيها جديته ، وكان المدعى – فىالدعوى الماثلة – قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المواد 63 ، 64 ، 162 ، 210 من قانون الإجراءات الجنائية ، فصرحت له برفع الدعوى بعدم دستورية تلك الموادمضيفة إليها المادة 232 من القانون ذاته دون دفع مسبق بعدم دستوريتها ، فإن الطعنبعدم دستورية هذه المادة الأخيرة يكون مجاوزاً النطاق الذى تتحدد به المسألةالدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها ، بما مؤداه انتفاء اتصال الدعوىالماثلة – فى شقها الخاص بالطعن على المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية – بالمحكمة الدستورية العليا ، اتصالاً مطابقاً للأوضاع التى رسمها قانونها ، والتىلا يجوز الخروج عليها بوصفها ضوابط جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة كى ينتظمالتداعى فى المسائل الدستورية وفقاً للقواعد التى حددها ، الأمر الذى يتعين معهالحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليها ، وليس سائغاً القول بأن المادة 232 المشارإليها والتى أضافتها محكمة الموضوع إلى المواد التى دفع المدعى أمامها بعدمدستوريتها ، تعتبر محالة منها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا ، ذلك أن البند (أ) من المادة 29 من قانون هذه المحكمة وإن خول محكمة الموضوع أن تحيل من جانبهاالنصوص التشريعية التى تقوم لديها شبهة قوية على مخالفتها أحكام الدستور ، ويكونالفصل فى دستوريتها لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحةعليها ، إلا أن مباشرة محكمة الموضوع لهذا الاختصاص يقتضيها أن تصدر بالإحالة حكماًبمعنى الكلمة يكون قاطعاً فى دلالته على انعقاد إرادتها على أن تعرض بنفسها المسألةالدستورية على المحكمة الدستورية العليا ، وأن يكون قضاؤها بالإحالة متضمناًتحديداً كافياً للنصوص التشريعية المطعون عليها ونصوص الدستور المدعى مخالفتهاوالأوجه التى تقوم عليها هذه المخالفة ، وهو ما لم يتحقق فى الدعوى الماثلة .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرةتعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية ، وإن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبينالمصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستوريةلازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع ، وكان منالمقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبرمتحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعى المطعون عليه للدستور ، بليتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد أخل بأحد الحقوق التى كفلهاالدستور على نحو ألحق به ضرراً مباشراً ، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرةفى الدعوى الدستورية مرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية ، وليس بهذهالمسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة ، وبالتالى لا تقوم هذه المصلحة إلابتوافر شرطين أوليين يحددان معاً مفهومها ، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمجفيه ، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفى تكاملهما ، وبدونهما مجتمعين لايجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية ، أولهما أن يقيمالمدعى – وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون عليه – الدليل علىأن ضرراً واقعياً – اقتصادياً أو غيره – قد لحق به ، ويتعين أن يكون هذا الضررمباشراً ، مستقلاً بعناصره ، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية ، وليسضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً ، ذلك أن إسناد الرقابة الدستورية إلى هذهالمحكمة لا يتوخى الفصل فى خصومة قضائية تكون فيها المصلحة نظرية صرفة كتلك التىتتوخى تقرير حكم الدستور مجرداً فى موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيدلوجية أودفاعاً عن قيم مثالية يرجى تثبيتها ، أو كنوع من التعبير فى الفراغ عن وجهة نظرشخصية ، أو لتوكيد مبدأ سيادة القانون فى مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلةللطاعن بها ، أو لإرساء مفهوم معين فى شأن مسألة لم يترتب عليها ضرر بالطاعن ولوكانت تثير اهتماماً عاماً ، وإنما قصد المشرع بهذه الرقابة أن تقدم المحكمة منخلالها الترضية التى تقتضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التى كفلها ،ومن ثم تكون هذه الرقابة موطئاً لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارهاالقانونية ، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها ،ثانيهما : أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه ، بمامؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئاً عن هذا النصومترتباً عليه ، فإذا لم يكن النص التشريعى قد طبق على المدعى أصلاً ، أو كان منغير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الإخلال بالحقوق التىيدعيها لا يعود إليه ، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية ، ذلك أن إبطالالنص التشريعى فى هذه الصور جميعها لم يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغيربها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها .
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم ، يبرز شرط المصلحة الشخصيةالمباشرة باعتباره محدداً لفكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية ، ومبلوراً نطاقالمسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها ، ومؤكداً ضرورة أن تكونالمنفعة التى يقررها القانون هى محصلتها النهائية ، ومنفصلاً دوماً عن مطابقة النصالتشريعى المطعون عليه للدستور أو مخالفته لأحكامه .
وحيث إنه متىكان ما تقدم ، وكان المدعى – بوصفه مدعياً بالحقوق المدنية أثناء تحقيق أجرتهالنيابة العامة – قد طعن فى القرار الصادر عنها بحفظ شكواه إدارياً ، وكان هذاالقرار لا يعدو أن يكون تصرفاً قضائياً من جانبها فى التحقيق الابتدائى الذى أجرتهمتضمناً إنهاءه وقوفاً بالدعوى الجنائية عند هذه المرحلة لانتفاء مقتضيات رفعها – بحالتها – إلى القضاء ، فإن ذلك القرار ، وإعمالاً لنص المادة 209 من قانونالإجراءات الجنائية ينحل إلى أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية يكون بذاتهمانعاً من العودة إلى التحقيق الابتدائى إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدةالمقررة لسقوط الدعوى الجنائية ، وإذ طعن المدعى بالحقوق المدنية فى هذا الأمر أماممحكمة الجنايات منعقدة فى غرفة المشورة ، وكانت الفقرة الأولى من المادة 210إجراءات جنائية معدلة بالقانون 373 لسنة 1972 – التى تخول المدعى بالحقوق المدنيةالطعن فى الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى ما لم يكن صادراًفى تهمة موجهة ضد أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أو أحد رجال الضبط لجريمةارتكبها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها من غير الجرائم المشار إليها فى المادة 123عقوبات – هى التى تحول بذاتها بين المدعى بالحقوق المدنية وبين الطعن فى قرارأصدرته النيابة العامة فى شأن اتهام موجه إلى خبير يشغل وظيفة عامة بمقولة ارتكابهجريمة أثناء تأديته لواجباتها وكان الدفع بعدم الدستورية الذى أبداه المدعى أمامالمحكمة منعقدة فى غرفة المشورة يتوخى فى حقيقة مرماه إسقاط حكم الفقرة الأولىسالفة البيان بوصفها عائقاً يحول دون انفتاح طريق الطعن أمامه فى القرار الصادر منالنيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى الإطار المتقدم ، فإن مصلحتهالشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية الماثلة تنحصر فى الطعن على هذه الفقرة وحدهاوذلك دون المواد 63 ، 64 ، 162 من قانون الإجراءات الجنائية التى ليس لها من صلةبطلباته أمام غرفة المشورة ؟ ذلك أن المادة 63 بفقراتها الأربع لا شأن لها بقراربألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية صدر عن النيابة العامة على ضوء التحقيق الابتدائىالذى أجرته وأساس ذلك أنها تنظم اختصاص النيابة العامة فى مجال تصرفها فى التهمةوفق ما أسفرت عنه أعمال الاستدلال ، وهى أعمال لابد أن يعقبها بدء التحقيقالابتدائى إذا كانت الجريمة جناية ، أما المادة 64 فتحدد الأحوال التى يجوز فيهاللنيابة العامة أن تطلب من رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاتها لمباشرة التحقيقفى جناية أو جنحة ، ولا صلة لها بالتالى بمصلحة المدعى بالحقوق المدنية فى دعواهالموضوعية التى يطعن فيها على قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائيةالصادر عنها بعد مباشرتها التحقيق بنفسها ، والأمر كذلك بالنسبة إلى المادة 162 لأنحكمها خاص بحدود حق المدعى بالحقوق المدنية فى الطعن – استئنافياً – على الأمرالصادر من قاضى التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ، ومن ثم يتعين الحكم بعدمقبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن على المواد 63 ، 64 ، 162 من قانون الإجراءاتالجنائية .
وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكانت مصلحة المدعى – فىالدعوى الماثلة – تنحصر فى الطعن على الفقرة الأولى من المادة 210 من قانونالإجراءات الجنائية فيما تضمنته من حرمان المدعى بالحقوق المدنية من الطعن فى الأمرالصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوة الجنائية إذا تعلق بتهمة موجهةإلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أو أحد رجال الضبط لجريمة ارتكبها أثناءتأدية الوظيفة أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها فى المادة 123 من قانونالعقوبات ، فقد غدا محتوماً إخضاع هذه الفقرة لما تتولاه هذه المحكمة من رقابةدستورية .
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المشار إليها مخالفتها لمبدأالمساواة أمام القانون المنصوص عليها فى المادة 40 من الدستور بمقولة أن ما سعىإليه النص المطعون عليه من تأمين شاغل الوظيفة العامة أو القائم بالخدمة العامة منشرور الإدعاء عليه ، وضمان جدية الاتهام الموجه إليه ، لا يقتضى إفراده بحصانة غيرمقررة بالنسبة إلى غيره من المواطنين ، ذلك أن المتهمين والمجرمين يخضعون لمبدأالمساواة فلا يجوز تمييزهم إذا كانوا من الموظفين أو القائمين بخدمة عامة على غيرهممن أفراد الشعب مخدومهم .
وحيث إن هذا النعى غير سديد ، ذلك أن مبدأالمساواة بين المواطنين فى الحقوق لا يعنى أن تعامل فئاتهم – على ما بينها من تباينفى مراكزهم القانونية – معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ علىمعارضة صور التمييز جميعها ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوىبالتالى على مخالفة لنص المادة 40 المشار إليها ، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنهبموجبها هو ذلك الذى يكون تحكمياً ، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصوداًلذاته ، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التى يسعىالمشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم ، فإذا كان النص المطعون عليه – بما انطوىعليه من تمييز – مصادماً لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقياً ربطه بها أو اعتبارهمدخلاً إليها ، فإن التمييز يكون تحكمياً وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية ، ومنثم مجافياً لنص المادة 40 من الدستور .
وحيث إنه إذ كان ذلك ، وكان ادعاء منلحقه ضرر من الجريمة بالحقوق المدنية أثناء تحقيق تجريه النيابة العامة لجبرالأضرار الناجمة عن جريمة ارتكبها أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أثناء تأديةوظيفته أو بسببها ، قد يحمل فى ثناياه اتهاماً كيدياً بسبب منفعة ضيعها أحدالعاملين بالدولة على المدعى بالحقوق المدنية ، أو لقيام من اتهمه من هؤلاء بعملأضر به وإن كان تنفيذاً لحكم القانون ، أو لإشباع شهوة الانتقام لضغائن شخصية أوإذكاء لنزعة النيل من الآخرين تطاولاً على سمعتهم ، وكان المشرع قد وازن بين حقالمدعى بالحقوق المدنية فى الادعاء المباشر – وهو حق ورد على خلاف الأصلالذى قررتهالمادة 70 من الدستور التى لا تجيز إقامة الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائيةفيما عدا الأحوال التى يحددها القانون – وبين ما تقتضيه إشاعة الاطمئنان بينالقائمين بالعمل العام بثاً للثقة فى نفوسهم بما يكفل قيامهم بأعباء الوظيفة أوالخدمة العامة ، دون تردد أو وجل يعوق الأداء الأكمل لواجباتها أو يدفعهم إلىالتنصل من أعبائها توقياً لمسئوليتهم عنها ، بما يثنيهم فى النهاية عن تحمل تبعاتهاويعطل قدرتهم على اتخاذ القرار الملائم ، فاقر – فى إطار هذه الموازنة – نص المادة232 إجراءات جنائية مستبعداً بموجبها الادعاء المباشر فى مجال الجرائم التى يرتكبهاالموظفون أو المستخدمون العامون أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها عدا الجرائمالمنصوص عليها فى المادة 123 من قانون العقوبات ، مؤكداً بهذا الاستبعاد ما قررتهالمذكرة الإيضاحية – للقانون رقم 121 لسنة 1956 – فى شأن هذا القيد من أن النصوصالعقابية تعامل الموظفين والمستخدمين العامين فى شأن التجريم على نحو مغاير لغيرهمسواء بتغليظ العقوبة عليهم لحملهم على الوفاء بواجباتهم التى حملتهم بها ، أوبإفرادهم بجرائم وعقوبات يختصون بها دون غيرهم ، متى كان ذلك ، وكان المشرع قد دلبالأحكام السابق بيانها على أن تخويل المدعى بالحقوق المدنية الحق فى ملاحقة هؤلاءجنائياً عن طريق الادعاء المباشر بناء على دوافع واهية تكون المخاصمة فى إطارهاشططاً إنما يلحق بالمصلحة العامة أضراراً بليغة وكان النص التشريعى المطعون فيهيحظره الطعن فى قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى تهمة موجهةإلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه ، أثناء تأديته وظيفته أوبسببها ، قد التزم اتجاه رد غائلة العدوان عن هؤلاء فى مواجهة صور من إساءة استعمالالحق فى التعويض عن الأضرار الناشئة عن الجريمة كوسيلة لملاحقة جنائية تقوم علىأدلة متخاذلة أو يكون باعثها تلك النزعة الطبيعية - عند البعض – إلى التجريح ، فإنالمشرع يكون قد رجح بالنص التشريعى المطعون عليه مصلحة أولى فى تقديره بالاعتبار هىتلك التى يمليها الأداء الأقوم للوظيفة العامة دون تردد يقعد بشاغليها عن الوفاءبأمانة المسئولية المرتبطة بها ، وتوقياً لخور يوهن عزائمهم ، ويصرفهم عن النهوضبأعبائها ، متى كان ذلك ، فإن النص التشريعى المطعون عليه يكون قد توخى – وعلى ماتقدم – حماية الوظيفة العامة من مخاطر اتهام موجه إلى شاغلها لا يقوم على أساس سواءمن ناحية الواقع أو القانون ، وهى بعد حماية لا تعنى أن قانون الإجراءات الجنائيةقد أسقط عن الموظفين أو المستخدمين العامين الحق فى ملاحقتهم لمحاسبتهم أمام القضاءعن الجرائم التى وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها ، ذلك أن الحق فى إقامةالدعوى الجنائية قبلهم فى شأن هذه الجرائم لازال قائماً كلما كانت الأدلة علىوقوعها بأركانها التى عينها القانون وعلى نسبتها إلى فاعلها كافية ، وإن كان زمامرفعها معقوداً للنائب العام أو المحامى العام أو رئيس النيابة العامة ، وذلك بالنظرإلى ضرورة تقدير التهمة وأدلتهما وفق مقاييس دقيقة تصون للوظيفة العامة حرمتهاوتكفل السير المنتظم لها فى إطار المصلحة العامة ونزولاً على موجباتها ، وبذلك تكونالواقعة محل الاتهام الجنائى وما أسفر عنه التحقيق بشأنها وحكم القانون المتعلق بهاهى العناصر الموضوعية التى يتحدد على ضوئها مسار الدعوى الجنائية ، إما وقوفاً بهاعند مرحلة التحقيق الابتدائى بإصدار النيابة العامة أمراً بألا وجه لإقامة الدعوىالجنائية ، وإما بإحالتها إلى المحكمة المختصة بنظرها على ضوء ما توافر من الأدلةالمعززة للاتهام .
وحيث إنه متى كان ذلك ، وكان النص المطعون عليهقد حظر الطعن فى قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى الإطارالمتقدم بيانه ، لا بقصد تمييز بعض المتهمين أو المذنبين على بعض ، وإنما لتحقيقغاية بعينها تتمثل فى صون الأداء الأفضل للوظيفة العامة من خلال توفير ضمانة لازمةتكفل لمن يقوم بأعبائها أن يوزن الاتهام إليه بمقاييس دقيقة لا يكون معها العملالعام موطئاً لشهوة التشهير بسمعته أو الازدراء بقدره دون أدلة كافية تظاهر الاتهاموترجحه ، فإن النص التشريعى المطعون عليه يكون محققاً لمصلحة عامة مرتكناً فىبلوغها إلى أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بأحكامهالمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليه ، ومن ثم تكون قالة الإخلال بمبدأالمساواة أمام القانون فاقدة لأساسها حرية بالرفض .
وحيث إن المدعى ينعى علىالنص المطعون عليه مخالفته المواد 3 ، 64 ، 65 من الدستور ، بمقولة أن الدولة هىجماع مؤسساتها التى تضم الموظفين والمستخدمين العامين كافة ، وأنه إذ نص الدستور فىالمادة 64 على أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة ، وقرر فى المادة 65 خضوعالدولة للقانون ، فإن النص التشريعى المطعون عليه إذ حال بين المدعى بالحقوقالمدنية والطعن فى قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى تهمةموجهة إلى موظف أو مستخدم عام لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته او بسببها ،يكون قد جاء مصادماً لهاتين المادتين ومخالفا كذلك للمادة 3 من الدستور التى تعقدالسيادة للشعب وحده .
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الأصل فى النصوصالدستورية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة وأنالمعانى التى تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التناقض أوالتنافر ، وكان الدستور بعد ان نص فى المادة 3 على ان السيادة للشعب وحده ، حتم أنتكون ممارستها وحمايتها على الوجه المبين فى الدستور ، بما مؤداه أن أحكامه هى التىتحدد قواعد مباشرتها وتبين تخومها وكان الدستور قد خول المحكوم له – وبوصفه مدعياًبالحقوق المدنية – الحق فى الادعاء المباشر فى حالة بذاتها هى جريمة الامتناع عنتنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها المنصوص عليها فى المادة 72منه ، وفرضالمشرع فيما عداها – وعلى ما تنص عليه المادة 70 – لتحديد الأحوال التى تقام فيهاالدعوى الجنائية عن غير طريق الجهة القضائية ويندرج تحتها الحق فى الادعاء المباشر، وكان المشرع فى إطار هذا التفويض والتزاماً بأبعاده قد استبعد من نطاق الادعاءالمباشر أى جناية أو جنحة يكون الاتهام بارتكابها أثناء تأدية الوظيفة العامة اوبسببها موجها إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين وذلك لضمان الأداء الأفضلللوظيفة العامة على ما تقدم ، وكان النص التشريعى المطعون عليه متعلقاً بجرائمالوظيفة العامة واقعاً فى إطارها مستلهماً الاعتبارات عينها التى قرر المشرع منأجلها استبعاد الادعاء المباشر فى مجال الجرائم الوظيفية ودون ما إهدار للحق فىإحالتها إلى القضاء المختص بنظرها عن طريق النائب العام أو المحامى العام أو رئيسالنيابة العامة إذا ما كانت الأدلة على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم كافية، وكان حظر الطعن الذى تضمنه النص التشريعى المطعون عليه متعلقاً بقرار بألا وجهلإقامة الدعوى الجنائية صدر عن النيابة العامة على ضوء تحقيقاتها ، وكان هذا القرارقضائياً بمعنى الكلمة ، فإن حظر الطعن فيه يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التىيملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، بما لا مخالفة فيه لأحكام المواد 3 ، 64 ، 65من الدستور .
وحيث إن المدعى ينعى على النص التشريعى المطعون عليهإخلاله بالحق فى التقاضى إذ منع المضرور من الجريمة التى ارتكبها موظف أو مستخدمعام أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ، من اللجوء إلى قاضيه الطبيعى لطلب التعويض منالمسئول عن الفعل الضار فضلاً عن القصاص منه .
وحيث إن هذا النعى مردود ،ذلك أن المشرع وإن خول من لحقه ضرر من الجريمة أن يدعى بحقوق مدنية أثناء إجراءالتحقيق ، إلا أن اللجوء إلى القضاء الجنائى للفصل فى الحقوق المدنية لا يعدو أنيكون استثناء من أصل اختصاص القضاء المدنى بنظر الدعوى المتعلقة بها ، ومن ثم كانتالدعوى المدنية المنظورة أمام القضاء الجنائى تابعة للدعوى الجنائية ، وكان المدعىبالحقوق المدنية بالخيار بين ولوج أحد الطرفين المدنى أو الجنائى إذا كان كلاهمامفتوحاً أمامه ، فإذا انغلق الطريق الاستثنائى بالنسبة إليه ، ظل حقه فى طلب تعويضالأضرار الناشئة عن الجريمة قائماً أمام القضاء المدنى ، بوصفه حقاً أصيلاً – لااستثنائياً – بما مؤداه أن الأصل هو أن يكون الفصل فى الدعوى المدنية بيد هذاالقضاء بوصفه قاضيها الطبيعى ، ومن ثم لا يكون النص التشريعى المطعون عليه قد حالدون لجوء المدعى بالحقوق المدنية إليه لجبر الضرر الذى لحقه من الجريمة التىارتكبها احد الموظفين أو المستخدمين العامين ، ذلك أن الطريق إلى اقتضاء الحقوقالمدنية أمام قاضيها الطبيعى يظل مفتوحاً ولا يسقط حقه فيه إلا بسقوط الحق فىالدعوى التى تقام لطلبها .
وحيث إنه عن الادعاء بحرمان المدعى بالحقوقالمدنية من القصاص من هؤلاء لجريمة وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها ،فمردود بأن الحق فى الادعاء المباشر ليس إلا استثناء من أصل رفع الدعوى الجنائيةبأمر من جهة قضائية ، وقد أغلق المشرع – فى حدود سلطته التقديرية ولاعتبارات تتعلقبالمصلحة العامة على ما سلف بيانه – هذا الطريق فى مجال الجرائم الوظيفية ودون ماإهدار للحق فى ملاحقة مرتكبيها جنائياً وفق مقاييس موضوعية وعلى ضوء الأدلة التىتعزز الاتهام وترجحه ، إذ كان ما تقدم ، فإن النص التشريعى المطعون عليه لا يكون قداخل بالحق فى الفصل فى الحقوق المدنية لجبر الضرر الناشئ عن الجريمة الوظيفية أوأهدر الحق فى القصاص من مرتكبها الأمر الذى يعتبر معه هذاالنعى برمته على غير أساس .
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص التشريعى المطعون عليه من انهحصن قراراً صدر عن النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بالمخالفة لنصالمادة 68 من الدستور ، مردود بأن ما قررته هذه المادة من عدم جواز النص فىالقوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ، لا ينسحب إلى القراراتالقضائية ، ويندرج تحتها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عن النيابةالعامة على ضوء التحقيق الذى أجرته ، إذ يعتبر قراراً قضائياً بمعنى الكلمة ويجوزبالتالى حظر الطعن فيه فى نطاق المسائل التى فصل فيها .
وحيث إنهمتى كان ما تقدم ، وكان النص المطعون عليه لا يخالف من أوجه أخرى أى حكم من أحكامالدستور ، فإنه يتعين والحالة هذه رفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على الفقرة الأولىمن المادة 210 من قانون الإجراءات الجنائية .
فلهذهالأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن على نصوص المواد 63 ، 64 ، 162 ، 232 من قانون الإجراءات الجنائية ، وبرفضها بالنسبة إلى الطعن علىنص الفقرة الأولى من المادة 210 من القانون ذاته ، فيما تضمنه من عدم تخويل المدعىبالحقوق المدنية حق الطعن فى أمر النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائيةالصادر فى تهمة موجهة إلى موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منهأثناء تأديته وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها فى المادة 123 منقانون العقوبات ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ، ومبلغ مائة جنيهمقابل أتعاب المحاماة
بناء الإنسان هو الهدف الأسمى الذي نبذل كل جهد من أجل تحقيقه
سيدي صاحب السمو الشيخ
خليفه بن زايد ال نهيان
رئيس دولة الامارات العربية المتحدة
حفظه الله ورعاه