يحتل مبدأ "الأصل في الانسان البراءة "مكانة هامة في الاجراءات الجزائية ويعتبر من الضمانات الأساسية للمشتبه فيهم والمتهمين حيث تحضى باهتمام وعناية الشريعة الاسلامية وكذا القانون الوضعي ومما يؤكد مدى الاهتمام الذي يولى لهذا المبدأ تناوله للدراسة من طرف كثير من الباحثين وكان موضوع العديد من رسائل الدكتوراه.
كما أدرجته الدول الحديثة في دساتيرها واعتبرته من الحقوق الأساسية للمواطن. ولقد أدرجه الدستور الجزائري في المادة 45 ق إ ج والتي جاء فيها"كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية ادانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون "
أولا ــــ تعريف قرينة البراءة: القرينة لغة تعني المقارنة والمصاحبة واصطلاحا في الفقه الاسلامي تعني كل أمر تشير الى المطلوب على سبيل الترجيح لا اليقين. وينصرف مدلولها في الاصطلاح القانوني الى كونها استنتاج أمر مجهول من أمر معلوم والقرائن تكون قانونية وقضائية، وقرينة براءة المتهم هي القاعدة المتفرعة عن قاعدةن كلية أخرى عرفها الفقه زالاسلامي هي قاعدة والاستصحاب أي بقاء ما كان على ما كان عليه ما لم يطرأ عليه ما يغيره وهو ما يسميه أبو أحمد الغزالي (استصحاب البراءة الأصلية)
ان تقرير قاعدة براءة المتهم تعتبر ضمانة وللمشتبه فيه من باب أولى فالاشتباه دون الاتهام، فإذا كان المتهم بريئا حتى تثبت إدانته رغم وجود مبررات لإتهامه فإن المشتبه فيه يكون أحرى بلإستفادة من هذا المبدأ بإعتبار أن إتخاذ إحدى إجراءات الضبط القضائي ضده لا يجعله متهما وعلى القائم بالتحريات الأولية أن يتصرف مع الشخص الذي تحوم حوله الشبهات على أساس أنه بريء وذلك يعتبر ضمانة له من أشكال التجاوز والتعسف.
ثانيـــا ـــ أهمية مبدأ "الأصل في الإنسان البراءة" :إن قاعدة الأصل في الإنسان البراءة تتفرع عنها قرينة براءة المتهم. والمشتبه فيه تطبق فيه القاعدة الأصلية إذا ما اعتبرناه غير متهم أو القاعدة الثانية إذا اعتبرناه متهما بالمفهوم الواسع للإتهام كما هو الشأن في بعض التشريعات. ولا غرو فإن أي قاعدة عندما توضع تهدف إلى تحقيق غاية محددة ويسعى واضعوها إلى حل مشكلة ما وإلا ما كان هناك داع لوضعها. فما هي أهمية قاعدة براءة المتهم؟
تلخص أهمية هذه القاعدة في كونها تشكل إحدى التطبيقات لقاعدة شرعية الإجراءات الجزائية وتبرز هذه الأهمية فيمايلي :
1 ــ أنها تعد سياجا يقي الحريات الشخصية من أي تعسف أو تحكم من طرف أجهزة التحري عن الجرائم، فكل شخص يعد بريئا حتى تثبت إدانته وهو بذلك لا يطالب بإثبات براءته التي هي أصل وحقيقة ثابتة وعلى أعضاء الضبط القضائي الذين يباشرون تحرياتهم عند وقوع جريمة ما أن يبحثو عن الأدلة والقرائن والدلائل التي تجعل شخصا من الأشخاص مشتبها فيه وذلك باتباع الإجراءات التي ينص عليها القانون .
2 ــ افتراض براءة الشخص تستلزم تقييد حرية الموظفين المكلفين بمهام التحريات الأولية والتحقيق في الجرائم وذلك باتباع الإجراءات التي حددها المشرع فرجل الضبط القضائي عليه أن يتقيد بالشكليات والأعمال التي نص عليها قانون الإجراءات الجزائية لتكون أعماله مشروعة، فتفتيشالمسكن مثلا لا يجب أن يتم إلا في وقت محدد وطبقا لإجراءات مضبوطة كل ذلك حرصا من المشرع على حماية حقوق المشتبه فيه .
3 ــ تساهم قرينة البراءة في الحد من الأخطاء القضائية بحيث لا يدان أي شخص الا بناءا على أدلة يقينية تثبت ارتكابه للجريمة ومسؤوليته عن وقائعها .
4 ــ القاعدة تتفق مع التعاليم الدينية والأخلاقية التي توصي برعاية الضعفاء وعدم الإعتداء عليهم والمساس بحقوقهم لله در الخليفة أبي بكر الصديق(رضي الله عنه)حين قال "القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه والضعيف قوي عندي حتى آخذ الحق له"
5 ــ عندما ترتكب جريمة ينشأ للدولة حق معاقبة المجرم حماية للنظام العام والأمن في المجتمع، ولكن البحث عن الشخص المرتكب للجريمة لا ينسيها حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، فضرورة معرفة المجرم لا تبرر إدانة البريء فهدف الإجراءات الجزائية هي الوصول إلى الحقيقة أي إثبات الوقائع ونسبتها إلى شخص بعينه على سبيل اليقين لا الشك .
ونلاحظ أن المشرع يحرص وهو يبين القواعد الاجرائية على حماية مصلحتين تبدوان في الظاهر أنهما متعارضتان مصلحة الفرد المتمثلة في أن لا يدان بريء وأن لا تنتهك حرياته وحقوقه بتمكينه طمن الدفاع عن نفسه باعتباره بريء حتى تثبت ادانته، ومصلحة المجتمع ونظامه المتأثر نتيجة ارتكاب جريمة تقتضي معاقبة مرتكبها ووسيلته في ذلك زتقرير مبدأ حرية الاثبات في المواد الجنائية طبقا للمادة 212 من قانون الاجراءات الجز ائية .
مما سبق نستخلص أن الاجراءات الجزائية الرامية الى الكشف عن ملابسات الجريمة تستلزم حدا أدنى من المساس بحقوق وحرية الأفراد لكن بالقدر الضروري واللازم زللكشف عن ظروف ارتكاب تلك الجريمة والتعرف على مقترفها، وهذا القدر تضبطه قواعد قانون الاجراءات مع مراعاة احترام مبدأ الأصل في الانسان البراءة .
إن قرينة البراءة تجعل المشرع وهو يضع القواعد الاجرائية يحتاط ولا يسمح لأعضاء الضبط القضائي المساس بحرية وحقوق الأفراد إلا بالقدر الضروري للوصول الى الحقيقة من هنا كانت قاعدة مبدأ الأصل في الانسان والبراءة تحتل مركزا هاما بالنسبة للشرعية الاجرائية بل يمكن اعتبارهاى جوهرها وبناءا على ما بيناه فإن المشرع يضع كل القيود والشكليات التي يجب مراعاتها عند تنفيذ مختلف الاجراءات الجنائية فتلك القيود والشكليات هي الضمانة الحقيقية للمشتبه فيهم وهذا ما يقرره الدكتور أحمد فتحي سرور "كل اجراء جنائي يسمح به القانون يجب أن يكون مقيدا بهذه الضمانات درءا لخطر التحكم في مباشرته والا كان مخالفا لقرينة البراءة "
من "ضمانات المشتبه فيه أثناء التحريات الأولية" لأحمد غاي
شكرا شكرا , وأثابك الله الأجر الوفير لقاء موضوعك هذا المفيد ,, لدي امتحان في الاسبوع القادم وتُطلب مني كتابة موضوع يتحدث عن مبدأ من مبادئ القانون , فجزاك الله خيراً , أفدتني كثيراً