مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة - وزارة العدل
العدد الثاني - السنة الخامسة والعشرون (2003م) - صـ 1122
جلسة السبت الموافق 10 من مايو سنة 2003م (شرعي)
برئاسة السيد القاضي: الحسيني الكناني - رئيس الدائرة, وعضوية السادة القضاة: الصديق أبو الحسن ومحمد الأمين محمد بيب.
(144)
الطعن رقم (169) لسنة 23 القضائية (شرعي)
1 - 3 - محكمة الموضوع (سلطتها) - إثبات (تقدير الأدلة) - إرادة منفردة (عيوب الإرادة) - وصية (صحتها) - أهلية - بطلان - شريعة إسلامية.
1 - تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها واستخلاص ما قد يوجد من عيوب شابت الإرادة ومنها تقدير الدليل على قيام عارض من عوارض الأهلية لدى الموصي عند صدور التصرف منه - من سلطة محكمة الموضوع متى كان قضاؤها سائغًا قائمًا على ما يحمله - مثال: في وصية لجهات البر ادعى الورثة أن مورثهم وقت إنشاء الوصية لم يكن تام العقل وهو ما لم يثبته الطاعنون فقد قام المورث بإثبات الوصية أمام المحكمة الشرعية وأشهد عليها شاهدين والتي صرحت بأنه كان في الحالة العقلية المعتبرة شرعًا - أساس ذلك شرعًا.
2 - الوصية الصادرة من الشخص وهو في حال العقل والتمييز - صحيحة ولو طرأ بعد ذلك ما يزيل عقله أو يفقده التمييز - المجنون الذي يفيق أحيانًا - تصح وصيته التي أوصى بها وقت إفاقته ولو عاوده بعد ذلك جنونه - هدم البناية التي تم الإيصاء بثلثها لجهات الخير والبر - لا أثر له في صحة الوصية لأنها تشمل الأرض فضلاً عن البناية - تبرع الدولة ببناء العمارة بموجب قرض لم يدفع الورثة أو الأوقاف منه شيئًا - تجعلهما شريكين فيها أرضًا وبناءً.
3 - طروء الجنون على الموصي بعد الوصية - لا يبطلها - ادعاء رجوعه عنها قبل موته دون دليل - لا أثر له - احتمال رجوع الموصي عن الوصية لولا أن حال مرضه دون ذلك مما فوت عليه فرصة الرجوع عنها - أمر غير متيقن لا يصح بناء حكم شرعي عليه.
1 - وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المعروضة فيها.
2 - إن لها (محكمة الموضوع) استخلاص ما قد يوجد من عيوب الإرادة وتقدير ما قدم من أدلة على أن الموصي بالوصية قد قام به عارض من عوارض الأهلية, وقت صدور التصرف الصادر منه موضوع النزاع ولا رقيب عليها في ذلك طالما كان قضاؤها سائغًا وقائمًا على ما يحمله، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الموصي مَثََََلََََ بتاريخ 5/ 9/ 1994م أمام محكمة السلع التي صرحت هي وشاهدًا وثيقة الوصية بأنه كان في الحالة المعتبرة شرعًا وأشهد على الوصية ووقع - كتابةً - على عقدها كما وقعها الشاهدان وهيئة المحكمة وأنه كان قد أُدخل المستشفى أول مرة في 17/ 4/ 1990م ولم يثبت التقرير الطبي شيئًا عن حالته العقلية في ذلك الوقت كما أُدخل المستشفى آخر مرة في 8/ 5/ 1995م وبقي فيها إلى أن توفى يوم 8/ 6/ 1995م وقد بين التقرير الطبي أن حالته العقلية عند دخول الأخير المستشفى كانت سيئة فإن التقرير الطبي الذي يعتمد عليه الطاعنون في إثبات أن الموصي كان وقت الوصية مختل العقل يكون قد سكت عن بيان الحالة العقلية للموصي خلال الفترة التي سبقت دخوله الأخير للمستشفى وهي الفترة التي وقع فيها الإشهاد بالوصية ولما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن حالة الموصي العقلية إبان الإشهاد بالوصية كانت سليمة وصحيحة بدليل ما جاء في وثيقة الإشهاد بالوصية الصادرة عن المحكمة من التصريح بذلك ولذلك فإن الوصية تكون صحيحة فإن قضاءه يكون سليمًا منسجمًا مع ما هو ثابت في الأوراق إذ لا تعارض بين ما جاء في قرار الإشهاد بالوصية من أن الموصي كان في حالة عقلية سليمة وبين ما جاء في تقرير المستشفى اللاحق من أن حالته العقلية كانت سيئة لأنهما لم يردا على زمن واحد ولذلك فالجمع بينهما ممكن ومن المعروف عند فقهاء مذهب مالك المعمول به في الدولة أن الوصية إذا صدرت من شخص له من العقل ما يميز به بين الأمور كانت صحيحة ولو طرأ بعد ذلك على ذلك الشخص ما يزيل عقله أو يفقده التمييز حتى أن المجنون الذي يفيق أحيانًا تصح وصيته التي أوصى بها وقت إفاقته ولو عاوده بعد ذلك جنونه فإن قامت بيِّنة تشهد بأنه أوصى وهو غير مدرك وعارضتها بيِّنة أخرى تشهد بأنه أوصى وهو في حال إفاقته قُدِّمَت البيِّنة الأخيرة وصحت الوصية (انظر البهجة 2 ص 311 وابن جزي ص 348) ولا ينال من قضاء الحكم المطعون فيه بصحة هذه الوصية ما أثاره الطاعنون من أن العمارة التي أوصى بها الموصي هدمت بعد موته وأقيمت مكانها أخرى لأن الوصية بثلث العمارة قد شملت الوصية بثلث الأرض أيضًا التي أقيمت عليها عملاً بما هو مقرر في الفقه المالكي من أن العقد على البناء يشمل أيضًا الأرض التي أقيم عليها قال خليل بن إسحاق في مختصره: (تتاول البناء والشجر والأرض.. إلخ وبذلك تكون الجهة الموقوف عليها والورثة صارا شريكين في الأرض وجاءت الدولة وتبرعت لهما بتجديد العمارة عن طريق القرض دون أن يدفع أي منهما شيئًا في تكاليف ذلك التجديد فبقيا شريكين في العمارة الجديدة بالنسبة التي كانا بها شريكين في الأولى بهذا الحلول العيني وليس أحدهما أولى بالاستفادة من هذا القرض من الآخر.
3 - إن المنصوص عليه في الفقه المالكي - كما سبق الإشارة إليه - هو أن طروء الجنون على الموصي بعد الوصية لا يبطلها كما أن مجرد ادعاء رجوع الموصي قبل موته عن الوصية دون وجود دليل على ثبوت هذا الرجوع لا يكفي لثبوت الرجوع أو احتمال الرجوع عنه الذي لا ينال من صحة الوصية التي أبرمها الموصي حال صحته والتي أصر عليها حتى وفاته, ولا يجوز القول بأن مرض الموصي بعد الوصية قد فوت عليه فرصة الرجوع عن الوصية طالما كان ذلك أمرًا غير متيقن فلا يصح أن يبنى عليه حكم شرعي، لما كان ذلك، وكان الطاعنون لم يقدموا أي دليل على رجوع الموصي عن الوصية فإن التفات الحكم المطعون فيه عما أثاره الطاعنون في هذا الشأن يكون في محله.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص الذي تلاه القاضي المقرر وبعد المداولة،
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية،
وحيث إن الوقائع تتلخص - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن - في أن الطاعنين ورثة (سعيد.....) أقاموا لدى محكمة أبو ظبي الشرعية الدعوى رقم 26/ 2000 شرعي أبو ظبي ضد المطعون ضده (خلفان....) طلبوا فيها الحكم بإبطال وصية مورثهم (سعيد.....) الموثقة لدى محكمة السلع الشرعية يوم 5/ 9/ 1994م التي تتضمن أنه أوقف ثلث بنايته رقم ت 1 حوض شرق 10 الواقعة بالنادي السياحي على شارع حمدان في مدينة أبو ظبي وقفًا على أوجه الخير وجعل المطعون ضده ناظرًا لهذا الوقف وبرر الورثة طلبهم إبطال الوصية بكون الموصي كان وقت إنشائها غير تام العقل, وبتاريخ 22/ 5/ 2000م حكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى وإلزام الطاعنين بالرسوم والمصاريف فاستأنف الورثة برقم 98/ 2000 شرعي أبو ظبي وبتاريخ 22/ 4/ 2001م حكمت محكمة الاستئناف بقبوله شكلاً ورفضه موضوعًا وبتأييد الحكم المستأنف وحملت الطاعنين الرسوم والمصروفات فطعنوا بتاريخ 30/ 5/ 2001م بالطعن الماثل وقدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها ببطلان الحكم المطعون فيه لكون إدخال النيابة العامة في الدعوى لم يكن على الوجه الصحيح قانونًا وبتاريخ 11/ 1/ 2003م حكمت المحكمة الاتحادية العليا برفض الدفع المبدى من النيابة العامة وأمرت بإعادة الملف إلى النيابة العامة لإبداء رأيها في موضوع الطعن وبتاريخ 22/ 3/ 2003م قدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه بثلاثة أسباب يقولون في الأول والثالث منها إن الحكم معيب بالقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال؛ ذلك أنهم قدموا أمام محكمة أول درجة تقريرًا طبيًا صادرًا عن قسم الأعصاب بمستشفى الجزيرة بأبو ظبي الذي كان يعالج فيه الموصي قبل وفاته وصرح التقرير المذكور بأن الموصي دخل المستشفى أول مرة في 17/ 4/ 1990م واستمر يتردد على المستشفى إلى أن دخله آخر مرة يوم 8/ 5/ 1995م وبقي فيه حتى توفي بتاريخ 8/ 6/ 1955م وجاء في هذا التقرير أن الموصي كان عند دخوله المستشفى آخر مرة مصابًا بثقل في الكلام وبشدة الاكتئاب وكان مشوش الذهن لا يدرك الوقت والمكان الموجود فيهما ولا يعرف من حوله من الأشخاص ولم يكن في حالة تسمح له بالعمل أو اتخاذ أي قرار بسبب حالته، ويدل ذلك على أن تصرفات الموصي كانت باطلة لاختلال عقله ومن ثم تكون الوصية باطلة وهذه الحالة التي وصف التقرير الطبي بها الموصي بتاريخ دخوله الأخير للمستشفى كان عليها عندما أصدر الوصية بتاريخ 5/ 9/ 1994م ولا عبرة بوصوله إلى المحكمة ليوصي ولما كان الحكم المطعون فيه قد التفت عن كل ذلك وقضى بصحة الوصية فإنه يكون معيبًا متعين النقض.
وحيث إن هذا النعي مردود, ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المعروضة فيها، كما أن لها استخلاص ما قد يوجد من عيوب الإرادة وتقدير ما قدم من أدلة على أن الوصي بالوصية قد قام به عارض من عوارض الأهلية, وقت صدور التصرف الصادر منه موضوع النزاع ولا رقيب عليها في ذلك طالما كان قضاؤها سائغًا وقائمًا على ما يحمله، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الموصي مثل بتاريخ 5/ 9/ 1994م أمام محكمة السلع التي صرحت هي وشاهدا وثيقة الوصية بأنه كان في الحالة المعتبرة شرعًا وأشهد على الوصية ووقع - كتابةً - على عقدها كما وقعها الشاهدان وهيئة المحكمة وأنه كان قد أُدخل المستشفى أول مرة في 17/ 4/ 1990م ولم يثبت التقرير الطبي شيئًا عن حالته العقلية في ذلك الوقت كما أدخل المستشفى آخر مرة في 8/ 5/ 1995م وبقي فيها إلى أن توفي يوم 8/ 6/ 1995م وقد بين التقرير الطبي أن حالته العقلية عند دخوله الأخير للمستشفى كانت سيئة فإن التقرير الطبي الذي يعتمد عليه الطاعنون في إثبات أن الموصي كان وقت الوصية مختل العقل يكون قد سكت عن بيان الحالة العقلية للموصي خلال الفترة التي سبقت دخوله الأخير للمستشفى وهي الفترة التي وقع فيها الإشهاد بالوصية ولما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن حالة الموصي العقلية إبان الإشهاد بالوصية كانت سليمة صحيحة بدليل ما جاء في وثيقة الإشهاد بالوصية الصادرة عن المحكمة من التصريح بذلك ولذلك فإن الوصية تكون صحيحة فإن قضاءه يكون سليمًا منسجمًا مع ما هو ثابت في الأوراق إذ لا تعارض بين ما جاء في قرار الإشهاد بالوصية من أن الموصي كان في حالة عقلية سليمة وبين ما جاء في تقرير المستشفى اللاحق من أن حالته العقلية كانت سيئة لأنهما لم يردا على زمن واحد ولذلك فالجمع بينهما ممكن ومن المعروف عند فقهاء مذهب مالك المعمول به في الدولة أن الوصية إذا صدرت من شخص له من العقل ما يميز به بين الأمور كانت صحيحة ولو طرأ بعد ذلك على ذلك الشخص ما يزيل عقله أو يفقده التمييز حتى أن المجنون الذي يفيق أحيانًا تصح وصيته التي أوصي بها وقت إفاقته ولو عاوده بعد ذلك جنونه فإن قامت بينة تشهد بأنه أوصى وهو غير مدرك وعارضتها بينة أخرى تشهد بأنه أوصى وهو في حال إفاقته قدمت البينة الأخيرة وصحت الوصية (انظر البهجة 2 ص 311 وابن جزي ص 348) ولا ينال من قضاء الحكم المطعون فيه بصحة هذه الوصية ما أثاره الطاعنون من أن العمارة التي أوصى بها الموصي هدمت بعد موته وأقيمت مكانها أخرى لأن الوصية بثلث العمارة قد شملت الوصية بثلث الأرض أيضًا التي أقيمت عليها عملاً بما هو مقرر في الفقه المالكي من أن العقد على البناء يشمل أيضًا الأرض التي أقيم عليها قال خليل ابن إسحاق في مختصره: (تتاول البناء والشجر والأرض.. إلخ) وبذلك تكون الجهة الموقوف عليها والورثة صارا شريكين في الأرض وجاءت الدولة وتبرعت لهما بتجديد العمارة عن طريق القرض دون أن يدفع أي منهما شيئًا في تكاليف ذلك التجديد فبقيا شريكين في العمارة الجديدة بالنسبة التي كانا بها شريكين في الأولى بهذا الحلول العيني وليس أحدهما أولى بالاستفادة من هذا القرض من الآخر وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي يكون على غير أساس متعين الرفض.
السبب الثاني: مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه لأن من حق الموصي الرجوع عن الوصية قبل موته فإذا أصابه جنون قبل موته بطلب وصيته لأن هذا الجنون فوت عليه فرصة الرجوع عن وصيته فيفترض رجوعه عنها إذ لو لم يصب بذلك لأمكن رجوعه وإذ لم يفطن الحكم إلى ذلك وقضى بصحة الوصية فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير وجيه, ذلك أن المنصوص عليه في الفقه المالكي - كما سبق الإشارة إليه - هو أن طروء الجنون على الموصي بعد الوصية لا يبطلها كما أن مجرد ادعاء رجوع الموصي قبل موته عن الوصية دون وجود دليل على ثبوت هذا الرجوع لا يكفي لثبوت الرجوع أو احتمال الرجوع عنه الذي لا ينال من صحة الوصية التي أبرمها الموصي حال صحته والتي أصر عليها حتى وفاته, ولا يجوز القول بأن مرض الموصي بعد الوصية قد فوت عليه فرصة الرجوع عن الوصية طالما كان ذلك أمرًا غير متيقن فلا يصح أن يبني عليه حكم شرعي، لما كان ذلك، وكان الطاعنون لم يقدموا أي دليل على رجوع الموصي عن الوصية فإن التفات الحكم المطعون فيه عما أثاره الطاعنون في هذا الشأن يكون في محله ويكون هذا النعي بلا سند متعين الرفض.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
" الإختلاف يعطي للفكر قوته و للقانون عظمته "