شموخ دبي
08-07-2011, 06:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التنفيذ العقابي في ضوء السياسة العقابية المعاصرة
(دراسة تحليلية تأصيلية لقانون الإجراءات الجزائي الفلسطيني)
الاستاذ / احمد براك
باحث دكتوراة في القانون الجنائي
رئيس النيابة العامة
تمهيد:-
مما لا شك فيه ان كافة الدول تصدت للظاهرة الاجرامية المتفشية محاولاً قمعها فكان للسياسة الجنائية التي تضعها الدولة خير وسيلة لذلك ووضعها موضوع التنفيذ حيث تطابقت السياسة التنفيذية والتشريعية والقضائية من اجل هذا الغرض وحينما تعجز عن التصدي للظاهرة الاجرامية فأن هناك فعلاً ازمة للسياسة الجنائية (1) .
وان كانت تعاقبت المدارس العقابية للبحث عن الهدف الاساسي للعقوبة من تغليب تحقيق الردع العام او الردع الخاص او تحقيق العدالة وان كانت في النهاية وطبقاً للسياسة العقابية الحديثة اخذت معظم الدول بأولوية الردع الخاص بمعنى اعادة تأهيل المحكوم عليه واعادة دمجه مع المجتمع واصلاحه (2) وان كان لا يخفى دور الردع العام في بعض الحالات مثل اقرار بعد الدول لعقوبة الاعدام في الجرائم الخطيرة وحينما عجزت العقوبة عن تحقيق اهدافها ظهر ما يسمى بأزمة العقوبة (3).فظهرت التدابير الاحترازية لمعالجة هذه الأزمة لمعالجة الخطورة الاجرامية سواء قبل وقوع الفعل ام بعد وقوعه كما هو واضح في المدونات العقابية للدول المختلفة.
وان كانت السياسة العقابية الحديثة تسعى الى تحقيق الردع الخاص كهدف اساسي وحيث ان الاصل في التنفيذ العقابي هو ان يتم جبراً وليس اختياراً وان الدولة لا تستطيع ان توقع العقاب الا بموجب حكم قضائي من محكمة مختصة والسؤال ما هو اتجاه المشرع الفلسطيني في ضوء الاتجاهات الحديثة في السياسة العقابية وهل اعتبر ان مرحلة التنفيذ هي مرحلة ادارية ام مرحلة قضائية وعليه فأن البحث سوف يتناول النقاط التالية:
المبحث الاول :مفهوم التنفيذ العقابي .
المبحث الثاني : تنفيذ عقوبة الاعدام .
المبحث الثالث : الاكراه البدني .
المبحث الرابع : اشكالات التنفيذ العقابي .
المبحث الخامس :اسباب سقوط العقوبة وزوال اثارها.
المبحث الأول:
مفهوم التنفيذ العقابي
تقسيم :
سوف نتناول مفهوم التنفيذ العقابي بالشرح والتحليل محددين التعريف بالتنفيذ العقابي وانواع التنفيذ واهداف التنفيذ العقابي والطبيعة القانونية لروابط التنفيذ والسند التنفيذي واثر العيوب الاجرائية والسلطة المنوط بها التنفيذ العقابي واحوال ارجاء التنفيذ وذلك على النحو التالي :
1. التعريف بالتنفيذ العقابي:
يقصد بالتنفيذ العقابي اقتضاء حق الدولة في العقاب عن طريق تطبيق الحكم الصادر بالادانة في مواجهة المحكوم عليه (4) .وعليه فإن التنفيذ العقابي يتصف بالقوة الجبرية ويتم بعيداً عن ارادة المحكوم عليه فإن ذلك هو نتيجة منطقية لمبدأ لا عقوبة دون حكم بالإدانة وبعد اتباع الاجراءات المنصوص عليها قانوناً وهو ما نص عليه القانون الاساسي المعدل في المادة 15 والمادة 393 من قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2..1 والتي تقضي بأنه " لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة الا بمقتضى حكم صادر من محكمة مختصة " .
والحكم الصادر بالادانة لا يخاطب المحكوم عليه وانما يخاطب الاجهزة المنوطة بها اقتضاء حق الدولة في العقاب ومن اجل ذلك فان التنفيذ الاختياري غير جائز في محيط التنفيذ العقابي ومع ذلك فقد اورد المشرع الفلسطيني استثناء على القاعدة السابقة وهو الاعتراف بدور للمحكوم عليه في التنفيذ وهي العقوبات الصادرة بالحبس البسيط لمدة لا تتجاوز الثلاثة اشهر فقد نصت المادة 399 .أ.ج (5) على هذا العمل خارج السجن مادام لم ينص الحكم على خلاف ذلك ولكن يؤخذ على المشرع الفلسطيني انه لم يحدد قواعد هذه الاعمال من حيث جهة العمل وساعاته ...الخ وهو امر يمس بالشرعية الاجرائية ويعطل الفائدة من النص المذكور.
2. انواع التنفيذ( الاحكام الواجبة التنفيذ):-
ينقسم التنفيذ العقابي الى انواع ثلاثة :
اولاً : التنفيذ الاصلي .
ثانياً : التنفيذ المؤقت .
ثالثاً : التنفيذ الاحتياطي .
وحيث ان قانون الاجراءات الفلسطيني رقم 3 لسنة 2..1 قد خلى من التنفيذ المؤقت بل جعل كقاعدة عامة التنفيذ للاحكام النهائية طبقاً للمادة 394 والتي تقضي " لا تنفذ الاحكام الصادرة من المحاكم الجزائية الا اذا اصبحت نهائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " وحيث ان القانون لم ينص على استثناء وعليه فإنه لا يوجد في القانون تنفيذ مؤقت.
اولاً : التنفيذ الاصلي:
وعليه فانه ينصب على العقوبة الصادر بها حكم بالادانة النهائي والحكم النهائي هو الذي لا يقبل الطعن بالطرق العادية وهي المعارضة والاستئناف.
ثانياً : التنفيذ الاحتياطي
يقصد بالتنفيذ الاحتياطي ذلك الذي ينصب على امر صادر بالتوقيف الاحتياطي فمما لا شك فيه ان الحبس الاحتياطي لا يعتبر عقوبة دائمه بل هو اجراء يقصد به وضع المتهم في ظروف تمنعه من التأثير على الادلة في مرحلة التحقيق او من الهرب عند صدور حكم بالادانة واجب التنفيذ ولكن يلاحظ من ناحية اخرى ان المشرع الفلسطيني يعتد بمدة الحبس الاحتياطي في التنفيذ وتستنزل من مدة العقوبة المحكوم بها اذا كانت سالبة لحرية او تستنزل من قيمة الغرامة اذا كان الحكم صادراً بالغرامة وهو ما نصت عليه المواد 397 و4.. من قانون الاجراءات الجزائية. ومن اجل تلك الاعتبارات الاخيرة يميل الراجح في الفقه (6) الى ادخال تنفيذ الحبس الاحتياطي في نفاذ التنفيذ العقابي بوصفه تنفيذاً احتياطياً للعقوبة التي قد يصدر بها حكم في الدعوى الجنائية ونحن نؤيد ذلك ودليل ورود تنفيذ قواعد خاصة بالتوقيف الاحتياطي في الباب الرابع الخاص بالتنفيذ من قانون الاجراءات وهو ما يوضح موقف المشرع الفلسطيني بجلاء (7) ونظراً لأن التنفيذ العقابي يتحدد بحسب الغرض من الاجراء موضوع التنفيذ فان قواعد معاملة المحبوسين احتياطياً تختلف عن تلك التي يخضع لها المحكوم عليه بالعقوبة كما نصت عليه المادة 25 من قانون رقم 6 لسنة 1998 بشأن مراكز الاصلاح والتأهيل ( السجون) .
3. اهداف التنفيذ العقابي :
ان اهداف التنفيذ العقابي تتحدد على اساس الاهداف والاغراض التي تتوخاها العقوبة . فإذا كانت العقوبة تهدف الى الايلام والزجر فلا بد وان يتضمن التنفيذ العقابي الوسائل والسبل التي تشعر المحكوم عليه بالم العقوبة . وينعكس ذلك على نظام المعاملة العقابية داخل المؤسسة العقابية وايضاً على كيفية تنفيذ العقوبة اما اذا انحصر غرض العقوبة في الاصلاح فيتعين التخفيف من عنصر الايلام والتركيز على التأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه .وقد رأينا ان المشرع الفلسطيني قد اخذ بفكرة الزجر والإيلام في العقوبة كقاعدة ، وهذا يظهر في تنوع العقوبات السالبة للحرية تنوع المعاملة العقابية لكل نوع منها ، كما راعى ايضاً هدفها في الاصلاح والتأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه بالتخفيف التدريجي من القيود التي يتطلبها سلب الحرية والإشعار بالألم وقسوة العقوبة . ومع ذلك فهناك عقوبات راعى فيها المشرع المصري الزجر والإيلام فقط ، كما هو الشأن في عقوبة الاعدام ، وهناك عقوبات يراعى فيها جانب الاصلاح بصفة رئيسية كما هو الشأن في العقوبات والتدابير التي تطبق على الاحداث طبقاً للقانون رقم 16 لسنة 1954 الاردني.
4. الطبيعة القانونية لروابط التنفيذ :
يترتب على التنفيذ العقابي نشوء رابطة اجرائية بين الدولة وبين المحكوم عليه ومؤدى هذه الرابطة نشوء حقوق والتزامات لكل طرف من اطرافها حيال الاخر وينظم قانون الاجراءات وقانون السجون الحقوق والالتزامات التي يتمتع بها المحكوم عليه ويلتزم بها .
وقد اختلف الفقهاء حول الطبيعة القانونية لرابطة التنفيذ .فذهب البعض الى اعتبارها من روابط قانون العقوبات باعتبار انها تتصل بالحق الموضوعي في العقاب ولذلك فإن اي سبب من الاسباب المتصلة بحق الدولة في العقاب يمكن ان ينهي تلك الرابطة ولو طرأ بعد التنفيذ اي بعد قيامها قانوناً ، كما هو الشأن في العفو العام او العفو عن العقوبة .ولكن يلاحظ ان رابطة التنفيذ لا تقتصر فقط على تنظيم سلطة أو حق الدولة في العقاب وانما تشمل ايضاً مراكز قانونية اخرى ناشئة عن الوضع داخل المؤسسة العقابية والنظم المتبعة فيها والتي لا علاقة لها بالحق العقابي عملاً من اعمال الادارة وليس من الاعمال القضائية على عكس ما يرى البعض الاخر .الا ان طبيعة الروابط الاجرائية التي تنشأ في محيط التنفيذ العقابي تسمح بالتمييز بين ما يعتبر منها داخلاً في نطاق الاعمال القضائية ، كما هو الشأن في نظام ادارة المؤسسات العقابية ذاتها وإخضاع المحكوم عليه لنوع معين من المعاملة العقابية(8) .
5. السند التنفيذي:
ان التنفيذ العقابي يتحدد في جوهره ومضمونه بالسند التنفيذي الذي يبين نوع العقوبة وكمها ، وهذا السند التنفيذي يتمثل في الحكم او القرار المشمول بالقوة التنفيذية . فإذا لم يكن الحكم مشمولاً بتلك القوة فلا يمكن البدء في التنفيذ . وهذه القاعدة هي تطبيق لمبدأ الشرعية الذي ينعكس على اجراءات المحاكمة واجراءات التنفيذ معاً والسند التنفيذي هو الذي عناه المشرع في المادة 393 اجراءات بالنص على انه "لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة ، الا بمقتضى حكم صادر من محكمة مختصة " فإذا كانت العقوبة لا تتقرر الا بنص،فإن توقيعها لا يتم الا بمقتضى حكم يمثل السند التنفيذي لها . فإذا لم يتوافر هذا السند فتوقيعها يعد جريمةكما في نطاق الجريمة المنصوص عليها في المواد 178 و179 من قانون العقوبات الاردني حيث تنص المادة 178 " كل موظف اوقف او حبس شخصاً في غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى سنة " والمادة 179 " اذا قبل مدير وحراس السجون أو المعاهد التأديبية أو الاصلاحيات وكل من اضطلع بصلاحيتهم من الموظفين – شخصاً دون مذكرة قضائية أو قرار قضائي أو استبقوه الى ابعد من الاجل المحدد، يعاقبون بالحبس من شهر الى سنة " كما نظم المشرع قواعد للتفتيش على السند التنفيذي والتثبت من مضمونه وحدوده وذلك في المادة 126أ.ج "للنيابة العامة ورؤساء محاكم البداية والاستئناف تفقد مراكز الاصلاح والتأهيل (السجون) وأماكن التوقيف الموجودة في دوائرهم للتأكد من عدم وجود نزيل او موقوف بصفة غير قانونية ، ولهم ان يطلعوا على سجلات المركز وعلى اوامر التوقيف والحبس وأن يأخذوا صوراً منها وأن يتصلوا بأي موقوف أو نزيل ويسمعوا منه أي شكوى يبديها لهم ، وعلى مديري ومأموري المراكز أن يقدموا لهم كل مساعدة للحصول على المعلومات التي يطلبونها " .والمادة 128 أ.ج لكل من علم بوجود موقوف أو نزيل بصفة غير قانونية أو في المكان المخصص لذلك ان يخطر النائب العام أو احد مساعديه بذلك، الذي يأمر بإجراء التحقيق والإفراج عن الموقوف أو المحبوس بصفة غير قانونية، ويحرر محضراً بذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وهذه الاحكام تضمنتها ايضاً المادتين 6 و11 /4 من قانون السجون والسند التنفيذي لازم ايضاً بالنسبة للتنفيذ الاحتياطي فالمادة 125أ.ج تنص على انه "لا يجوز توقيف او حبس اي انسان الا في مراكز الاصلاح والتأهيل (السجون) وأماكن التوقيف المخصصة لذلك بموجب القانون.ولا يجوز لمأموري الضبط اي مركز قبول اي انسان فيه الا بمقتضى امر موقع من السلطة المختصة ولا يجوز له ان يبقيه بعد المدة المحددة لهذا الأمر.
6. اثر العيوب الإجرائية على السندات التنفيذية :
ان السند التنفيذي بوصفه عملاً قضائياً ،سواء تمثل في حكم أو قرار ، يجب ان يراعى فيه الشروط الشكلية والموضوعية اللازمة لصحته وإنتاج اثاره .فإذا تخلف شرط من تلك الشروط كان السند التنفيذي مشوباً بعيب من العيوب الإجرائية والتي قد يكون جزاؤها هو البطلان أو الانعدام بحسب الاحوال ، والقاعدة العامة هو ان البطلان لا يؤثر على فاعلية السند التنفيذي في انتاج اثره ، سواء أكان باتاً أم مؤقتاً. فالحكم متى صار باتاً وحائزاً لقوة الشيء المقضي فإنه يصحح أي بطلان يكون قد شابه حتى ولو كان بطلاناً مطلقاً .والدليل على ذلك أن المشرع جعل البطلان من اسباب الطعن بالنقض(9)، ونص صراحة في المادة 398 أ.ج على انه لا يترتب على الطعن بطريق النقض ايقاف التنفيذ الا اذا كان الحكم صادراً بالاعدام .
اما اذا شاب الحكم عيباً يرتب الانعدام فإن السند التنفيذي يفقد مقوماته ولا يجوز التنفيذ استناداً اليه ويتحقق الانعدام في الفروض التي لا تنشأ فيها الرابطة الاجرائية بين القاضي والنيابة العامة كأن لم يكون من اصدر الحكم ليست له ولاية القضاء الجنائي، أو ان تكون النيابة العامة لم ترفع هي الدعوى الجنائية وإنما رفعت تلك الاخيرة عن غير طريقها وفي الاحوال التي لا يجيز فيها القانون ذلك . وعلى ذلك لا يندرج تحت الانعدام ايضاً مخالفة قواعد الاختصاص النوعي أو المكاني(1.).كما لا يندرج تحته ايضاً مخالفة القانون بالحكم بعقوبة غير منصوص عليها او بعقوبة تزيد عن الحد الاقصى المقرر قانوناً لها اذ في مثل تلك الاحوال يصحح العيب إما عن طريق القواعد التي رسمها القانون لتصحيح الخطأ المادي في الاحكام وإما عن طريق الاستشكال في التنفيذ الذي يرفع الى المحكمة التي اصدرت الحكم .
7. التثبت من شخصية المحكوم عليه وأهليته للتنفيذ :
ان التنفيذ العقابي ينصب على الشخص الصادر في شأنه الحكم بوصفه مرتكباً للجريمة ولكن قد يحدث ان يكون هناك اختلافاً بين الاسم الحقيقي وبين الاسم الصادر به السند التنفيذي ، كأن يكون المتهم قد انتحل اسما مختلفاً عن اسمه الحقيقي كما قد يحدث ان يكون هناك تشابهاً بين الاسماء .والعبرة في هذا كله بتفريد شخصية المحكوم عليه والتثبت من انه هو المقصود بالحكم بوصفه مرتكباً للجريمة .وقد نظم قانون الاجراءات الجنائية حالة النزاع في شخصية المحكوم عليه بوصفه اشكالاً في التنفيذ يفصل فيه بالكيفية والأوضاع المقررة لاشكالات التنفيذ ويكون للمحكمة المختصة بالفصل في الاشكال وايضاً للنيابة العامة قبل تقديم النزاع الى المحكمة ان توقف تنفيذ الحكم مؤقتاً المادة 422 أ ج.ولايكفي للتنفيذ العقابي ان يفرد المحكوم عليه في شخصه وإنما يلزم كذلك ان تكون لديه اهلية التنفيذ وتتمثل تلك الاهلية في توافر الظروف الصحية والعقلية اللازمة لكي تحقق العقوبة أو التدابير الاحترازية الغرض منها .ويجب ان تستمر تلك الاهلية من بدء التنفيذ حتى نهايته ومن اجل ذلك نصت المادة 4.4 أ.ج"اذا اصيب المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية بجنون، على النيابة العامة ان تأمر بوضعه في احد المحال المعدة للامراض العقلية حتى يبرأ ،وفي هذه الحال تستنزل المدة التي يقضيها في هذا المحل من العقوبة المحكوم بها " .
8. السلطة المنوط بها التنفيذ العقابي:
ثار البحث عن طبيعة مرحلة التنفيذ ، وهل هي مرحلة ادارية أو مرحلة قضائية . وقد ظهرت دعوة علمية حديثة يؤيدها الفقه والمحافل الدولية الى وجوب اشراف القضاء على تنفيذ الاحكام ومن بين ما قيل تبريراً لهذه الدعوة ان تنفيذ الاحكام يتمتع بالطبيعة القضائية لانه لا يتمثل في التنفيذ المادي الحرفي لمنطوق الحكم وانما يخضع لتقدير سلطة التنفيذ في تحديد وسائله ومدته في حدود معينة من اجل تحقيق الغاية التي استهدفها قاضي الحكم . وبناء على ذلك اوصى المؤتمر الدولي العاشر لقانون العقوبات المنعقد في روما في اكتوبر سنة 1969 بأن يزاول القاضي من بين اختصاصاته تنفيذ العقوبة (11) وعليه فإن معظم الدول الاوروبية ادخلت قاضي تنفيذ العقوبة في قوانينها اما في القانون الفلسطيني فان النيابة العامة هي الجهاز المنوط به تنفيذ الاحكام وقد نص قانون الاجراءات على ذلك صراحة في المادة 395 أ ج حيث جاء بها "(تتولى النيابة العامة تنفيذ الاحكام الصادرة في الدعاوى الجزائية وفقاً لما هو مقرر بهذا القانون ولها عند اللزوم الاستعانة بقوات الشرطة مباشرة "ونحن نؤيد الاتجاه الذي ينص الداعي الى وجود قاضي تنفيذ العقوبة للاشراف عليه وبهذا يتحقق الغاية من السياسة العقابية في اصلاح المحكوم عليه (12) .
9. احوال ارجاء التنفيذ:
هناك احوال يؤجل فيها التنفيذ بالرغم من وجود السند التنفيذي المشمول بالقوة التنفيذية وفي هذه الاحوال يكون التأجيل راجعاً الى اسباب لا تتعلق بمضمون السند التنفيذي ذاته وانما لظروف تتعلق بالمحكوم عليه ولذلك فإن تأجيل التنفيذ يختلف عن فروض وقف التنفيذ بالتطبيق للمادة 284 أ.ج والتي فيها لا يتم التنفيذ لظروف تتعلق بقوة السند التنفيذي ذاته وتأجيل التنفيذ قد يكون وجوبياً في فروض وجوازياً في فروض اخرى .
فروض التأجيل الوجوبي :
1- احوال الطعن بالنقض بالنسبة للأحكام الصادرة بالاعدام فلا يجوز تنفيذ حكم الاعدام الا بعد استنفاذ طريق الطعن بالنقض طبقاً للمادة 398 اجراءات.
2- اذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مصاباً بجنون فيجب تأجيل التنفيذ حتى يبرأ ويجوز للنيابة العامة أن تأمر بوضعه في احد المحال المعدة للأمراض العقلية وفي هذه تستنزل المدة التي يقضيها في هذا المحل من مدة العقوبة المحكوم بها المادة 4.4 اجراءات.
فروض التأجيل الجوازي :
1- اذا كانت المحكوم عليها بعقوبة مقيدة للحرية حبلى جاز تأجيل التنفيذ عليها حتى تضع حملها وتمضي مدة ثلاثة شهور على الوضع . فإذا رؤى التنفيذ على المحكوم عليها أو ظهر في اثناء التنفيذ انها حبلى وجبت معاملتها في السجن معاملة المحبوسين احتياطياً حتى تمضى مدة شهرين على الوضع ( م 4.2 اجراءات) .
2- اذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مصاباً بمرض يهدد بذاته او بسبب التنفيذ حياته بالخطر جاز تأجيل تنفيذ العقوبة عليه) م 4.3 اجراءات).
3- اذا كان محكوماً على الرجل وزوجته بالحبس مدة لا تزيد على سنة ولو عن جرائم مختلفة ولم يكن مسجونين من قبل جاز تأجيل تنفيذ العقوبة على احدهما حتى يفرج عن الاخر وذلك اذا كانا يكفلان صغيراً لم يتجاوز خمس عشرة سنة كاملة وكان لها محل اقامة معروف بفلسطين م 4.5 اجراءات وللمحكمة وللنيابة العامة في الاحوال التي يجوز فيها تأجيل تنفيذ العقوبة على المحكوم عليه ان تطلب منه تقديم كفالة بان لا يفر من التنفيذ عند زوال سبب التأجيل ويقدر مبلغ الكفالة في الامر الصادر بالتأجيل. ولها ايضاً ان تشترط عند تأجيل التنفيذ ما تراه مناسباً من الاحتياطات الكفيلة بمنع المحكوم عليه من الهرب وجدير بالذكر ان حالات تأجيل التنفيذ تختلف عن حالات الامر بوقف تنفيذ الحكم والذي يصدر من المحكمة المختصة او النيابة العامة في اشكالات التنفيذ كما تختلف عن وقف تنفيذ الحكم لتصحيح خطأ قضائي كما هو الشأن في حالة الحكم على حدث بوصفه بالغاً سن الرشد الجنائي بينما هو في حقيقته ليس كذلك إذ في هذه الحالة يوقف تنفيذ الحكم ويرفع النائب العام الامر الى المحكمة التي اصدرت الحكم لاعادة النظر فيه(13) .
1.. احوال وقف التنفيذ وابدال العقوبة
لقد نص القانون الفلسطيني على حالة يتم فيها وقف تنفيذ العقوبة وابدال العقوبة وهو نص قد تم به مراعاة حقوق المحكوم عليها به وهو نص المادة 414 والتي جاء فيها "لا يجوز حكم الاعدام في المرأة الحامل فاذا وضعت مولوداً حياً تقضي المحكمة التي اصدرت الحكم بالنزول من حكم الاعدام الى عقوبة السجن المؤبد وهو ما يتطابق مع نص المادة 17 /2 من قانون العقوبات الاردني لسنة 6. والتي جاء نصها في حالة ثبوت كون المرأة المحكوم عليها حاملاً تبدل حكم الاعدام بالاشغال الشاقة المؤبدة وان كان قد حدث تعارض مع نص المادة 6. من قانون الاصلاح والتأهيل ( السجون ) الفلسطيني رقم 6 لسنة 98 التي جاء نصها يوقف تنفيذ حكم الاعدام بحق النزيلة الحامل المحكوم عليها بالاعدام الى مابعد الولادة وحتى بلوغ الطفل سنتين من العمر " حيث يفهم انه يوقف التنفيذ ولكن ينفذ بعد مرور سنتين من عمر الطفل وهو ما يتعارض مع نص المادة 414 اجراءات جزائية والمادة 17 من قانون العقوبات الاردني وهو خطأ وقع به المشرع الفلسطيني واننا نعتقد ونؤيد ان النص الواجب التطبيق هو نص المادة 414 من قانون الاجراءات حيث ان هذا قانون الاجراءات هو الشريعة العامة للاجراءات الجنائية وحيث انه صدر في العام 2..1 ويعتبر انه قد نسخ نص المادة 6. من قانون الاصلاح والتأهيل (السجون) والذي صدر في العام 1998طبقاً لقاعدة الاحدث ينسخ الاقدم
المبحث الثاني:
تنفيذ عقوبة الاعدام
تمهيد :
تعتبر عقوبة الإعدام من اقدم العقوبات التي عرفتها الانظمة العقابية وكان تنفيذها يراعى فيه تعذيب المحكوم عليه تحقيقاً لفكرة الانتقام والردع التي سيطرت على اهداف العقوبة في عصورها القديمة .
غير ان تطور الفكر العقابي وتغيرالنظر الى اهداف العقوبة ادى الى استبعاد سبل التعذيب في تنفيذ العقوبات ، ورغم ذلك بقيت عقوبة الإعدام في التشريعات العقابية التي جاءت عقب الثورة الفرنسية.
لكن مع ظهور المدرسة الوضعية وما أحدثته من تغيير في الفكر الجنائي حول اغراض العقوبة وانها يجب ان تهدف الى الإصلاح والتهذيب باستئصال اسباب الخطورة الإجرامية لدى الجاني ثار الجدل حول جدوى عقوبة الإعدام ، كما أثار البعض مناقشة حول مشروعيتها ، وظهرت بذلك في الفقه تيارات تنادي بالغاء عقوبة الاعدام في التشريعات الجنائية الحديثة . وقد استند الفقه في ذلك الى:
1- ان الدولة لم تمنح الفرد حق الحياة حتى يخول لها ازهاق روح انسان في شكل الاعدام.
2- جسامة الضرر الناتج عن عقوبة الاعدام والذي لا يتناسب مع جسامة الجريمة المرتكبة .
3- ان الاحكام تصدر عن بشر وهم معرضون للخطأ والذي لا يمكن جبره في حالة تنفيذ عقوبة الاعدام .
4- ان العقوبة تهدف الى اصلاح الجاني وتهذيبه ليعود عضواً صالحاً في الجماعة ، وهذا لا يتحقق بالنسبة لعقوبة الاعدام والتي تستأصل المحكوم عليه من الجماعة كلية.
ولكن هناك اتجاه قوي يبقى على عقوبة الاعدام ويرى ان الحجج السابقة لا تصلح سنداً قوياً لالغاء تلك العقوبة. ذلك انه اذا انكرنا على الدولة حقها في العقوبة بازهاق روح المحكوم عليه فانما ننكر بذلك حقها في العقاب لصالح الجماعة بما في ذلك العقوبات السالبة للحرية . فأساس حق الدولة في العقاب واحد بالنسبة لجميع انواع العقوبات .كذلك فان عقوبة الاعدام تتناسب وجسامتها عادة مع الجرائم التي توقع من اجلها واذا كانت هناك بعض التشريعات تسرف في النص على تلك العقوبة بحيث لا تتناسب وجسامة الجريمة المرتكبة ، فإن هذه ليست مشكلة عقوبة الاعدام وانما تتصل المشكلة بالسياسة الجنائية التي تقود المشرع في تحديد الافعال المعاقب عليها والعقوبات المناسبة لها . اما بالنسبة للاخطاء القضائية وعدم امكان تفادى اضرارها في حالة التنفيذ فان هذه مشكلة تخضع لها معظم العقوبات واكثرها تطبيقاً وهي العقوبات السالبة كما لو ثبتت براءة المحكوم عليه بعد ان يكون قد نفذ فعلاً العقوبة السالبة للحرية هذا فضلا عن ان النفع الاجتماعي الذي يعود على الجماعة من وجود تلك العقوبة يفوق بكثير ما يمكن ان يحدث من احوال نادرة للخطأ وعموماً فإن الضمانات التي تضعها التشريعات لتلافي الاخطاء القضائية كفيلة بان تمنع او تقلل من هذه الاخطاء ومن ناحية اخرى فان هدف العقوبة الاصلاحي انما يراعى في تنفيذها اما في تطبيقها من القاضي فيدخل في الاعتبار عوامل متعددة شخصية وموضوعية ومن بينها درجة جسامة الجريمة وعقوبة الاعدام تحقق نوعاً من الردع العام والذي يحول دون ارتكاب الجريمة من قبل الكثير من الناس واذا كان انصار الرأي المعارض يدللون على رأيهم بأن الغاء عقوبة الاعدام في بعض التشريعات لم يترتب عليه زيادة في الجرائم كما ان بقائها في البعض الاخر لم يقلل من معدل الجريمة فانه يلاحظ ان معدل الجريمة يخضع لعوامل وظروف متعددة مما يستحيل معه ربط المعدل بالغاء او الابقاء على العقوبة فضلاً عن ان الابقاء عليها من شأنه ان يقلل من معدل الجريمة بالضرورة اذا كان الجاني وقت ارتكاب الجريمة يعلم ان الاعدام اكيد الوقوع .
وعموماً فقد اثر الجدل السابق على بعض التشريعات وخاصة تلك التي ظهرت في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين فألغت عقوبة الاعدام . ومثال ذلك قانون العقوبات الايطالي لسنة 1889 ، والالماني لسنة 1933، واسبانيا سنة 1933 وان كانت قد الغيت مرة واحدة من بعضها ( مثال ذلك ايطاليا سنة 1947 ) ومع ذلك فالإلغاء السابق قاصر فقط على جرائم القانون العام اما الجرائم العسكرية فما زالت عقوبة الاعدام تحتل مكانتها من بين العقوبات المقررة(14)
اما المشرع الفلسطيني فينص على عقوبة الاعدام باعتبارها عقوبة اصلية مقررة لبعض الجنايات التي تتسم بالجسامة والخطورة ومثال ذلك بعض جنايات أمن الدولة من جهة الخارج وبعض جنايات امن الدولة من جهة الداخل .
القيود التي ترد على الحكم بعقوبة الاعدام في التشريع الفلسطيني:
لقد اورد المشرع الفلسطيني قيد على الحكم بعقوبة الاعدام وهو وجوب صدور الحكم باجماع الآراء وقد نصت على هذا القيد المادة 272 اجراءات" بعد اختتام المحاكمة تختلي المحكمة في غرفة المداولة وتدقق فيما طرح امامها من بينات وادعاءات ، وتضع حكمها بالاجماع أو بالأغلبية فيما عدا عقوبة الإعدام فتكون بإجماع الآراء" وهذا القيد يعتبر ضمانة للمحكوم عليه ضد الاخطاء القضائية ويترتب على مخالفة هذا الاجراء بطلان الحكم .
قواعد تنفيذ عقوبة الاعدام :
لقد اثرت الافكار العقابية الحديثة في التشريعات الجنائية بالنسبة لتنفيذها بأقل الوسائل ايلاماً.وقد اختلفت التشريعات في وسائل الإعدام ،فنص البعض على ان يكون التنفيذ رمياً بالرصاص والبعض الاخر ينص على الخنق بالغاز،اما المشرع الفلسطيني فقد نص على ان يكون تنفيذ العقوبة شنقاً للمدنيين ورمياً بالرصاص للعسكريين وقد نص المشرع في المادة 4.8 من قانون الاجراءات وقانون مراكز الاصلاح والتأهيل( السجون) 1998 على القواعد الخاصة بتنفيذ عقوبة الاعدام وتتلخص هذه القواعد في الآتي :
1- متى صار الحكم بالاعدام نهائياً وجب رفع اوراق الدعوى فوراً الى رئيس الدولة بواسطة وزير العدل وهذا الاجراء يعتبر ضمانة للمحكوم عليه بحيث لا يجوز تنفيذ العقوبة الا اذا لم يصدر الامر من رئيس الدولة بالعفو عن العقوبة او ابدالها بغيرها المادة( 4.9 اجراءات ).
2- تنفيذ عقوبة الاعدام داخل السجن المادة 418 اجراءات بمعنى ان التنفيذ لا يتوافر فيه العلانية على عكس التشريعات القديمة.
3- يجب ان يكون تنفيذ عقوبة الاعدام بحضور احد وكلاء النائب العام ومأمور السجن وطبيب السجن او طبيب اخر تنتدبه النيابة العامة ولا يجوز لغير من ذكروا ان يحضروا التنفيذ الا بإذن خاص من النيابة العامة ويجب دائماً ان يؤذن للمدافع عن المحكوم عليه بالحضور. ويجب ان يتلى من الحكم الصادر بالاعدام منطوقه والتهمة المحكوم من اجلها على المحكوم عليه ، وذلك في مكان التنفيذ بمسمع من الحاضرين . واذا رغب المحكوم عليه في ابداء اقوال حرر وكيل النائب العام محضراً بها( المواد 41. و413 اجراءات ) .
وعند تمام التنفيذ يحرر كاتب المحكمة محضراً بذلك يثبت فيه شهادة الطبيب بالوفاة وساعة حصولها (مادة 416 اجراءات) .
4- لا يجوز تنفيذ عقوبة الاعدام في ايام الاعياد الرسمية أو الاعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه (417 اجراءات).
5- يوقف تنفيذ عقوبة الاعدام على الحبلى الى ما بعد سنتين من وضعها (مادة 6.من قانون الاصلاح والتأهيل ( السجون ).
6- اذا كانت ديانة المحكوم عليه تفرض عليه الاعتراف او غيره من الفروض الدينية قبل الموت وجب اجراء التسهيلات اللازمة لتمكين احد رجال الدين من مقابلته (مادة 412 اجراءات).
7- يحق للمحكوم عليه بالاعدام مقابلة اقاربه قبل تنفيذ حكم الاعدام ويجب اخطارهم من السجن بذلك (المادة 411 اجراءات) .
التنفيذ العقابي في ضوء السياسة العقابية المعاصرة
(دراسة تحليلية تأصيلية لقانون الإجراءات الجزائي الفلسطيني)
الاستاذ / احمد براك
باحث دكتوراة في القانون الجنائي
رئيس النيابة العامة
تمهيد:-
مما لا شك فيه ان كافة الدول تصدت للظاهرة الاجرامية المتفشية محاولاً قمعها فكان للسياسة الجنائية التي تضعها الدولة خير وسيلة لذلك ووضعها موضوع التنفيذ حيث تطابقت السياسة التنفيذية والتشريعية والقضائية من اجل هذا الغرض وحينما تعجز عن التصدي للظاهرة الاجرامية فأن هناك فعلاً ازمة للسياسة الجنائية (1) .
وان كانت تعاقبت المدارس العقابية للبحث عن الهدف الاساسي للعقوبة من تغليب تحقيق الردع العام او الردع الخاص او تحقيق العدالة وان كانت في النهاية وطبقاً للسياسة العقابية الحديثة اخذت معظم الدول بأولوية الردع الخاص بمعنى اعادة تأهيل المحكوم عليه واعادة دمجه مع المجتمع واصلاحه (2) وان كان لا يخفى دور الردع العام في بعض الحالات مثل اقرار بعد الدول لعقوبة الاعدام في الجرائم الخطيرة وحينما عجزت العقوبة عن تحقيق اهدافها ظهر ما يسمى بأزمة العقوبة (3).فظهرت التدابير الاحترازية لمعالجة هذه الأزمة لمعالجة الخطورة الاجرامية سواء قبل وقوع الفعل ام بعد وقوعه كما هو واضح في المدونات العقابية للدول المختلفة.
وان كانت السياسة العقابية الحديثة تسعى الى تحقيق الردع الخاص كهدف اساسي وحيث ان الاصل في التنفيذ العقابي هو ان يتم جبراً وليس اختياراً وان الدولة لا تستطيع ان توقع العقاب الا بموجب حكم قضائي من محكمة مختصة والسؤال ما هو اتجاه المشرع الفلسطيني في ضوء الاتجاهات الحديثة في السياسة العقابية وهل اعتبر ان مرحلة التنفيذ هي مرحلة ادارية ام مرحلة قضائية وعليه فأن البحث سوف يتناول النقاط التالية:
المبحث الاول :مفهوم التنفيذ العقابي .
المبحث الثاني : تنفيذ عقوبة الاعدام .
المبحث الثالث : الاكراه البدني .
المبحث الرابع : اشكالات التنفيذ العقابي .
المبحث الخامس :اسباب سقوط العقوبة وزوال اثارها.
المبحث الأول:
مفهوم التنفيذ العقابي
تقسيم :
سوف نتناول مفهوم التنفيذ العقابي بالشرح والتحليل محددين التعريف بالتنفيذ العقابي وانواع التنفيذ واهداف التنفيذ العقابي والطبيعة القانونية لروابط التنفيذ والسند التنفيذي واثر العيوب الاجرائية والسلطة المنوط بها التنفيذ العقابي واحوال ارجاء التنفيذ وذلك على النحو التالي :
1. التعريف بالتنفيذ العقابي:
يقصد بالتنفيذ العقابي اقتضاء حق الدولة في العقاب عن طريق تطبيق الحكم الصادر بالادانة في مواجهة المحكوم عليه (4) .وعليه فإن التنفيذ العقابي يتصف بالقوة الجبرية ويتم بعيداً عن ارادة المحكوم عليه فإن ذلك هو نتيجة منطقية لمبدأ لا عقوبة دون حكم بالإدانة وبعد اتباع الاجراءات المنصوص عليها قانوناً وهو ما نص عليه القانون الاساسي المعدل في المادة 15 والمادة 393 من قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2..1 والتي تقضي بأنه " لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة الا بمقتضى حكم صادر من محكمة مختصة " .
والحكم الصادر بالادانة لا يخاطب المحكوم عليه وانما يخاطب الاجهزة المنوطة بها اقتضاء حق الدولة في العقاب ومن اجل ذلك فان التنفيذ الاختياري غير جائز في محيط التنفيذ العقابي ومع ذلك فقد اورد المشرع الفلسطيني استثناء على القاعدة السابقة وهو الاعتراف بدور للمحكوم عليه في التنفيذ وهي العقوبات الصادرة بالحبس البسيط لمدة لا تتجاوز الثلاثة اشهر فقد نصت المادة 399 .أ.ج (5) على هذا العمل خارج السجن مادام لم ينص الحكم على خلاف ذلك ولكن يؤخذ على المشرع الفلسطيني انه لم يحدد قواعد هذه الاعمال من حيث جهة العمل وساعاته ...الخ وهو امر يمس بالشرعية الاجرائية ويعطل الفائدة من النص المذكور.
2. انواع التنفيذ( الاحكام الواجبة التنفيذ):-
ينقسم التنفيذ العقابي الى انواع ثلاثة :
اولاً : التنفيذ الاصلي .
ثانياً : التنفيذ المؤقت .
ثالثاً : التنفيذ الاحتياطي .
وحيث ان قانون الاجراءات الفلسطيني رقم 3 لسنة 2..1 قد خلى من التنفيذ المؤقت بل جعل كقاعدة عامة التنفيذ للاحكام النهائية طبقاً للمادة 394 والتي تقضي " لا تنفذ الاحكام الصادرة من المحاكم الجزائية الا اذا اصبحت نهائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " وحيث ان القانون لم ينص على استثناء وعليه فإنه لا يوجد في القانون تنفيذ مؤقت.
اولاً : التنفيذ الاصلي:
وعليه فانه ينصب على العقوبة الصادر بها حكم بالادانة النهائي والحكم النهائي هو الذي لا يقبل الطعن بالطرق العادية وهي المعارضة والاستئناف.
ثانياً : التنفيذ الاحتياطي
يقصد بالتنفيذ الاحتياطي ذلك الذي ينصب على امر صادر بالتوقيف الاحتياطي فمما لا شك فيه ان الحبس الاحتياطي لا يعتبر عقوبة دائمه بل هو اجراء يقصد به وضع المتهم في ظروف تمنعه من التأثير على الادلة في مرحلة التحقيق او من الهرب عند صدور حكم بالادانة واجب التنفيذ ولكن يلاحظ من ناحية اخرى ان المشرع الفلسطيني يعتد بمدة الحبس الاحتياطي في التنفيذ وتستنزل من مدة العقوبة المحكوم بها اذا كانت سالبة لحرية او تستنزل من قيمة الغرامة اذا كان الحكم صادراً بالغرامة وهو ما نصت عليه المواد 397 و4.. من قانون الاجراءات الجزائية. ومن اجل تلك الاعتبارات الاخيرة يميل الراجح في الفقه (6) الى ادخال تنفيذ الحبس الاحتياطي في نفاذ التنفيذ العقابي بوصفه تنفيذاً احتياطياً للعقوبة التي قد يصدر بها حكم في الدعوى الجنائية ونحن نؤيد ذلك ودليل ورود تنفيذ قواعد خاصة بالتوقيف الاحتياطي في الباب الرابع الخاص بالتنفيذ من قانون الاجراءات وهو ما يوضح موقف المشرع الفلسطيني بجلاء (7) ونظراً لأن التنفيذ العقابي يتحدد بحسب الغرض من الاجراء موضوع التنفيذ فان قواعد معاملة المحبوسين احتياطياً تختلف عن تلك التي يخضع لها المحكوم عليه بالعقوبة كما نصت عليه المادة 25 من قانون رقم 6 لسنة 1998 بشأن مراكز الاصلاح والتأهيل ( السجون) .
3. اهداف التنفيذ العقابي :
ان اهداف التنفيذ العقابي تتحدد على اساس الاهداف والاغراض التي تتوخاها العقوبة . فإذا كانت العقوبة تهدف الى الايلام والزجر فلا بد وان يتضمن التنفيذ العقابي الوسائل والسبل التي تشعر المحكوم عليه بالم العقوبة . وينعكس ذلك على نظام المعاملة العقابية داخل المؤسسة العقابية وايضاً على كيفية تنفيذ العقوبة اما اذا انحصر غرض العقوبة في الاصلاح فيتعين التخفيف من عنصر الايلام والتركيز على التأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه .وقد رأينا ان المشرع الفلسطيني قد اخذ بفكرة الزجر والإيلام في العقوبة كقاعدة ، وهذا يظهر في تنوع العقوبات السالبة للحرية تنوع المعاملة العقابية لكل نوع منها ، كما راعى ايضاً هدفها في الاصلاح والتأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه بالتخفيف التدريجي من القيود التي يتطلبها سلب الحرية والإشعار بالألم وقسوة العقوبة . ومع ذلك فهناك عقوبات راعى فيها المشرع المصري الزجر والإيلام فقط ، كما هو الشأن في عقوبة الاعدام ، وهناك عقوبات يراعى فيها جانب الاصلاح بصفة رئيسية كما هو الشأن في العقوبات والتدابير التي تطبق على الاحداث طبقاً للقانون رقم 16 لسنة 1954 الاردني.
4. الطبيعة القانونية لروابط التنفيذ :
يترتب على التنفيذ العقابي نشوء رابطة اجرائية بين الدولة وبين المحكوم عليه ومؤدى هذه الرابطة نشوء حقوق والتزامات لكل طرف من اطرافها حيال الاخر وينظم قانون الاجراءات وقانون السجون الحقوق والالتزامات التي يتمتع بها المحكوم عليه ويلتزم بها .
وقد اختلف الفقهاء حول الطبيعة القانونية لرابطة التنفيذ .فذهب البعض الى اعتبارها من روابط قانون العقوبات باعتبار انها تتصل بالحق الموضوعي في العقاب ولذلك فإن اي سبب من الاسباب المتصلة بحق الدولة في العقاب يمكن ان ينهي تلك الرابطة ولو طرأ بعد التنفيذ اي بعد قيامها قانوناً ، كما هو الشأن في العفو العام او العفو عن العقوبة .ولكن يلاحظ ان رابطة التنفيذ لا تقتصر فقط على تنظيم سلطة أو حق الدولة في العقاب وانما تشمل ايضاً مراكز قانونية اخرى ناشئة عن الوضع داخل المؤسسة العقابية والنظم المتبعة فيها والتي لا علاقة لها بالحق العقابي عملاً من اعمال الادارة وليس من الاعمال القضائية على عكس ما يرى البعض الاخر .الا ان طبيعة الروابط الاجرائية التي تنشأ في محيط التنفيذ العقابي تسمح بالتمييز بين ما يعتبر منها داخلاً في نطاق الاعمال القضائية ، كما هو الشأن في نظام ادارة المؤسسات العقابية ذاتها وإخضاع المحكوم عليه لنوع معين من المعاملة العقابية(8) .
5. السند التنفيذي:
ان التنفيذ العقابي يتحدد في جوهره ومضمونه بالسند التنفيذي الذي يبين نوع العقوبة وكمها ، وهذا السند التنفيذي يتمثل في الحكم او القرار المشمول بالقوة التنفيذية . فإذا لم يكن الحكم مشمولاً بتلك القوة فلا يمكن البدء في التنفيذ . وهذه القاعدة هي تطبيق لمبدأ الشرعية الذي ينعكس على اجراءات المحاكمة واجراءات التنفيذ معاً والسند التنفيذي هو الذي عناه المشرع في المادة 393 اجراءات بالنص على انه "لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة ، الا بمقتضى حكم صادر من محكمة مختصة " فإذا كانت العقوبة لا تتقرر الا بنص،فإن توقيعها لا يتم الا بمقتضى حكم يمثل السند التنفيذي لها . فإذا لم يتوافر هذا السند فتوقيعها يعد جريمةكما في نطاق الجريمة المنصوص عليها في المواد 178 و179 من قانون العقوبات الاردني حيث تنص المادة 178 " كل موظف اوقف او حبس شخصاً في غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى سنة " والمادة 179 " اذا قبل مدير وحراس السجون أو المعاهد التأديبية أو الاصلاحيات وكل من اضطلع بصلاحيتهم من الموظفين – شخصاً دون مذكرة قضائية أو قرار قضائي أو استبقوه الى ابعد من الاجل المحدد، يعاقبون بالحبس من شهر الى سنة " كما نظم المشرع قواعد للتفتيش على السند التنفيذي والتثبت من مضمونه وحدوده وذلك في المادة 126أ.ج "للنيابة العامة ورؤساء محاكم البداية والاستئناف تفقد مراكز الاصلاح والتأهيل (السجون) وأماكن التوقيف الموجودة في دوائرهم للتأكد من عدم وجود نزيل او موقوف بصفة غير قانونية ، ولهم ان يطلعوا على سجلات المركز وعلى اوامر التوقيف والحبس وأن يأخذوا صوراً منها وأن يتصلوا بأي موقوف أو نزيل ويسمعوا منه أي شكوى يبديها لهم ، وعلى مديري ومأموري المراكز أن يقدموا لهم كل مساعدة للحصول على المعلومات التي يطلبونها " .والمادة 128 أ.ج لكل من علم بوجود موقوف أو نزيل بصفة غير قانونية أو في المكان المخصص لذلك ان يخطر النائب العام أو احد مساعديه بذلك، الذي يأمر بإجراء التحقيق والإفراج عن الموقوف أو المحبوس بصفة غير قانونية، ويحرر محضراً بذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وهذه الاحكام تضمنتها ايضاً المادتين 6 و11 /4 من قانون السجون والسند التنفيذي لازم ايضاً بالنسبة للتنفيذ الاحتياطي فالمادة 125أ.ج تنص على انه "لا يجوز توقيف او حبس اي انسان الا في مراكز الاصلاح والتأهيل (السجون) وأماكن التوقيف المخصصة لذلك بموجب القانون.ولا يجوز لمأموري الضبط اي مركز قبول اي انسان فيه الا بمقتضى امر موقع من السلطة المختصة ولا يجوز له ان يبقيه بعد المدة المحددة لهذا الأمر.
6. اثر العيوب الإجرائية على السندات التنفيذية :
ان السند التنفيذي بوصفه عملاً قضائياً ،سواء تمثل في حكم أو قرار ، يجب ان يراعى فيه الشروط الشكلية والموضوعية اللازمة لصحته وإنتاج اثاره .فإذا تخلف شرط من تلك الشروط كان السند التنفيذي مشوباً بعيب من العيوب الإجرائية والتي قد يكون جزاؤها هو البطلان أو الانعدام بحسب الاحوال ، والقاعدة العامة هو ان البطلان لا يؤثر على فاعلية السند التنفيذي في انتاج اثره ، سواء أكان باتاً أم مؤقتاً. فالحكم متى صار باتاً وحائزاً لقوة الشيء المقضي فإنه يصحح أي بطلان يكون قد شابه حتى ولو كان بطلاناً مطلقاً .والدليل على ذلك أن المشرع جعل البطلان من اسباب الطعن بالنقض(9)، ونص صراحة في المادة 398 أ.ج على انه لا يترتب على الطعن بطريق النقض ايقاف التنفيذ الا اذا كان الحكم صادراً بالاعدام .
اما اذا شاب الحكم عيباً يرتب الانعدام فإن السند التنفيذي يفقد مقوماته ولا يجوز التنفيذ استناداً اليه ويتحقق الانعدام في الفروض التي لا تنشأ فيها الرابطة الاجرائية بين القاضي والنيابة العامة كأن لم يكون من اصدر الحكم ليست له ولاية القضاء الجنائي، أو ان تكون النيابة العامة لم ترفع هي الدعوى الجنائية وإنما رفعت تلك الاخيرة عن غير طريقها وفي الاحوال التي لا يجيز فيها القانون ذلك . وعلى ذلك لا يندرج تحت الانعدام ايضاً مخالفة قواعد الاختصاص النوعي أو المكاني(1.).كما لا يندرج تحته ايضاً مخالفة القانون بالحكم بعقوبة غير منصوص عليها او بعقوبة تزيد عن الحد الاقصى المقرر قانوناً لها اذ في مثل تلك الاحوال يصحح العيب إما عن طريق القواعد التي رسمها القانون لتصحيح الخطأ المادي في الاحكام وإما عن طريق الاستشكال في التنفيذ الذي يرفع الى المحكمة التي اصدرت الحكم .
7. التثبت من شخصية المحكوم عليه وأهليته للتنفيذ :
ان التنفيذ العقابي ينصب على الشخص الصادر في شأنه الحكم بوصفه مرتكباً للجريمة ولكن قد يحدث ان يكون هناك اختلافاً بين الاسم الحقيقي وبين الاسم الصادر به السند التنفيذي ، كأن يكون المتهم قد انتحل اسما مختلفاً عن اسمه الحقيقي كما قد يحدث ان يكون هناك تشابهاً بين الاسماء .والعبرة في هذا كله بتفريد شخصية المحكوم عليه والتثبت من انه هو المقصود بالحكم بوصفه مرتكباً للجريمة .وقد نظم قانون الاجراءات الجنائية حالة النزاع في شخصية المحكوم عليه بوصفه اشكالاً في التنفيذ يفصل فيه بالكيفية والأوضاع المقررة لاشكالات التنفيذ ويكون للمحكمة المختصة بالفصل في الاشكال وايضاً للنيابة العامة قبل تقديم النزاع الى المحكمة ان توقف تنفيذ الحكم مؤقتاً المادة 422 أ ج.ولايكفي للتنفيذ العقابي ان يفرد المحكوم عليه في شخصه وإنما يلزم كذلك ان تكون لديه اهلية التنفيذ وتتمثل تلك الاهلية في توافر الظروف الصحية والعقلية اللازمة لكي تحقق العقوبة أو التدابير الاحترازية الغرض منها .ويجب ان تستمر تلك الاهلية من بدء التنفيذ حتى نهايته ومن اجل ذلك نصت المادة 4.4 أ.ج"اذا اصيب المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية بجنون، على النيابة العامة ان تأمر بوضعه في احد المحال المعدة للامراض العقلية حتى يبرأ ،وفي هذه الحال تستنزل المدة التي يقضيها في هذا المحل من العقوبة المحكوم بها " .
8. السلطة المنوط بها التنفيذ العقابي:
ثار البحث عن طبيعة مرحلة التنفيذ ، وهل هي مرحلة ادارية أو مرحلة قضائية . وقد ظهرت دعوة علمية حديثة يؤيدها الفقه والمحافل الدولية الى وجوب اشراف القضاء على تنفيذ الاحكام ومن بين ما قيل تبريراً لهذه الدعوة ان تنفيذ الاحكام يتمتع بالطبيعة القضائية لانه لا يتمثل في التنفيذ المادي الحرفي لمنطوق الحكم وانما يخضع لتقدير سلطة التنفيذ في تحديد وسائله ومدته في حدود معينة من اجل تحقيق الغاية التي استهدفها قاضي الحكم . وبناء على ذلك اوصى المؤتمر الدولي العاشر لقانون العقوبات المنعقد في روما في اكتوبر سنة 1969 بأن يزاول القاضي من بين اختصاصاته تنفيذ العقوبة (11) وعليه فإن معظم الدول الاوروبية ادخلت قاضي تنفيذ العقوبة في قوانينها اما في القانون الفلسطيني فان النيابة العامة هي الجهاز المنوط به تنفيذ الاحكام وقد نص قانون الاجراءات على ذلك صراحة في المادة 395 أ ج حيث جاء بها "(تتولى النيابة العامة تنفيذ الاحكام الصادرة في الدعاوى الجزائية وفقاً لما هو مقرر بهذا القانون ولها عند اللزوم الاستعانة بقوات الشرطة مباشرة "ونحن نؤيد الاتجاه الذي ينص الداعي الى وجود قاضي تنفيذ العقوبة للاشراف عليه وبهذا يتحقق الغاية من السياسة العقابية في اصلاح المحكوم عليه (12) .
9. احوال ارجاء التنفيذ:
هناك احوال يؤجل فيها التنفيذ بالرغم من وجود السند التنفيذي المشمول بالقوة التنفيذية وفي هذه الاحوال يكون التأجيل راجعاً الى اسباب لا تتعلق بمضمون السند التنفيذي ذاته وانما لظروف تتعلق بالمحكوم عليه ولذلك فإن تأجيل التنفيذ يختلف عن فروض وقف التنفيذ بالتطبيق للمادة 284 أ.ج والتي فيها لا يتم التنفيذ لظروف تتعلق بقوة السند التنفيذي ذاته وتأجيل التنفيذ قد يكون وجوبياً في فروض وجوازياً في فروض اخرى .
فروض التأجيل الوجوبي :
1- احوال الطعن بالنقض بالنسبة للأحكام الصادرة بالاعدام فلا يجوز تنفيذ حكم الاعدام الا بعد استنفاذ طريق الطعن بالنقض طبقاً للمادة 398 اجراءات.
2- اذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مصاباً بجنون فيجب تأجيل التنفيذ حتى يبرأ ويجوز للنيابة العامة أن تأمر بوضعه في احد المحال المعدة للأمراض العقلية وفي هذه تستنزل المدة التي يقضيها في هذا المحل من مدة العقوبة المحكوم بها المادة 4.4 اجراءات.
فروض التأجيل الجوازي :
1- اذا كانت المحكوم عليها بعقوبة مقيدة للحرية حبلى جاز تأجيل التنفيذ عليها حتى تضع حملها وتمضي مدة ثلاثة شهور على الوضع . فإذا رؤى التنفيذ على المحكوم عليها أو ظهر في اثناء التنفيذ انها حبلى وجبت معاملتها في السجن معاملة المحبوسين احتياطياً حتى تمضى مدة شهرين على الوضع ( م 4.2 اجراءات) .
2- اذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مصاباً بمرض يهدد بذاته او بسبب التنفيذ حياته بالخطر جاز تأجيل تنفيذ العقوبة عليه) م 4.3 اجراءات).
3- اذا كان محكوماً على الرجل وزوجته بالحبس مدة لا تزيد على سنة ولو عن جرائم مختلفة ولم يكن مسجونين من قبل جاز تأجيل تنفيذ العقوبة على احدهما حتى يفرج عن الاخر وذلك اذا كانا يكفلان صغيراً لم يتجاوز خمس عشرة سنة كاملة وكان لها محل اقامة معروف بفلسطين م 4.5 اجراءات وللمحكمة وللنيابة العامة في الاحوال التي يجوز فيها تأجيل تنفيذ العقوبة على المحكوم عليه ان تطلب منه تقديم كفالة بان لا يفر من التنفيذ عند زوال سبب التأجيل ويقدر مبلغ الكفالة في الامر الصادر بالتأجيل. ولها ايضاً ان تشترط عند تأجيل التنفيذ ما تراه مناسباً من الاحتياطات الكفيلة بمنع المحكوم عليه من الهرب وجدير بالذكر ان حالات تأجيل التنفيذ تختلف عن حالات الامر بوقف تنفيذ الحكم والذي يصدر من المحكمة المختصة او النيابة العامة في اشكالات التنفيذ كما تختلف عن وقف تنفيذ الحكم لتصحيح خطأ قضائي كما هو الشأن في حالة الحكم على حدث بوصفه بالغاً سن الرشد الجنائي بينما هو في حقيقته ليس كذلك إذ في هذه الحالة يوقف تنفيذ الحكم ويرفع النائب العام الامر الى المحكمة التي اصدرت الحكم لاعادة النظر فيه(13) .
1.. احوال وقف التنفيذ وابدال العقوبة
لقد نص القانون الفلسطيني على حالة يتم فيها وقف تنفيذ العقوبة وابدال العقوبة وهو نص قد تم به مراعاة حقوق المحكوم عليها به وهو نص المادة 414 والتي جاء فيها "لا يجوز حكم الاعدام في المرأة الحامل فاذا وضعت مولوداً حياً تقضي المحكمة التي اصدرت الحكم بالنزول من حكم الاعدام الى عقوبة السجن المؤبد وهو ما يتطابق مع نص المادة 17 /2 من قانون العقوبات الاردني لسنة 6. والتي جاء نصها في حالة ثبوت كون المرأة المحكوم عليها حاملاً تبدل حكم الاعدام بالاشغال الشاقة المؤبدة وان كان قد حدث تعارض مع نص المادة 6. من قانون الاصلاح والتأهيل ( السجون ) الفلسطيني رقم 6 لسنة 98 التي جاء نصها يوقف تنفيذ حكم الاعدام بحق النزيلة الحامل المحكوم عليها بالاعدام الى مابعد الولادة وحتى بلوغ الطفل سنتين من العمر " حيث يفهم انه يوقف التنفيذ ولكن ينفذ بعد مرور سنتين من عمر الطفل وهو ما يتعارض مع نص المادة 414 اجراءات جزائية والمادة 17 من قانون العقوبات الاردني وهو خطأ وقع به المشرع الفلسطيني واننا نعتقد ونؤيد ان النص الواجب التطبيق هو نص المادة 414 من قانون الاجراءات حيث ان هذا قانون الاجراءات هو الشريعة العامة للاجراءات الجنائية وحيث انه صدر في العام 2..1 ويعتبر انه قد نسخ نص المادة 6. من قانون الاصلاح والتأهيل (السجون) والذي صدر في العام 1998طبقاً لقاعدة الاحدث ينسخ الاقدم
المبحث الثاني:
تنفيذ عقوبة الاعدام
تمهيد :
تعتبر عقوبة الإعدام من اقدم العقوبات التي عرفتها الانظمة العقابية وكان تنفيذها يراعى فيه تعذيب المحكوم عليه تحقيقاً لفكرة الانتقام والردع التي سيطرت على اهداف العقوبة في عصورها القديمة .
غير ان تطور الفكر العقابي وتغيرالنظر الى اهداف العقوبة ادى الى استبعاد سبل التعذيب في تنفيذ العقوبات ، ورغم ذلك بقيت عقوبة الإعدام في التشريعات العقابية التي جاءت عقب الثورة الفرنسية.
لكن مع ظهور المدرسة الوضعية وما أحدثته من تغيير في الفكر الجنائي حول اغراض العقوبة وانها يجب ان تهدف الى الإصلاح والتهذيب باستئصال اسباب الخطورة الإجرامية لدى الجاني ثار الجدل حول جدوى عقوبة الإعدام ، كما أثار البعض مناقشة حول مشروعيتها ، وظهرت بذلك في الفقه تيارات تنادي بالغاء عقوبة الاعدام في التشريعات الجنائية الحديثة . وقد استند الفقه في ذلك الى:
1- ان الدولة لم تمنح الفرد حق الحياة حتى يخول لها ازهاق روح انسان في شكل الاعدام.
2- جسامة الضرر الناتج عن عقوبة الاعدام والذي لا يتناسب مع جسامة الجريمة المرتكبة .
3- ان الاحكام تصدر عن بشر وهم معرضون للخطأ والذي لا يمكن جبره في حالة تنفيذ عقوبة الاعدام .
4- ان العقوبة تهدف الى اصلاح الجاني وتهذيبه ليعود عضواً صالحاً في الجماعة ، وهذا لا يتحقق بالنسبة لعقوبة الاعدام والتي تستأصل المحكوم عليه من الجماعة كلية.
ولكن هناك اتجاه قوي يبقى على عقوبة الاعدام ويرى ان الحجج السابقة لا تصلح سنداً قوياً لالغاء تلك العقوبة. ذلك انه اذا انكرنا على الدولة حقها في العقوبة بازهاق روح المحكوم عليه فانما ننكر بذلك حقها في العقاب لصالح الجماعة بما في ذلك العقوبات السالبة للحرية . فأساس حق الدولة في العقاب واحد بالنسبة لجميع انواع العقوبات .كذلك فان عقوبة الاعدام تتناسب وجسامتها عادة مع الجرائم التي توقع من اجلها واذا كانت هناك بعض التشريعات تسرف في النص على تلك العقوبة بحيث لا تتناسب وجسامة الجريمة المرتكبة ، فإن هذه ليست مشكلة عقوبة الاعدام وانما تتصل المشكلة بالسياسة الجنائية التي تقود المشرع في تحديد الافعال المعاقب عليها والعقوبات المناسبة لها . اما بالنسبة للاخطاء القضائية وعدم امكان تفادى اضرارها في حالة التنفيذ فان هذه مشكلة تخضع لها معظم العقوبات واكثرها تطبيقاً وهي العقوبات السالبة كما لو ثبتت براءة المحكوم عليه بعد ان يكون قد نفذ فعلاً العقوبة السالبة للحرية هذا فضلا عن ان النفع الاجتماعي الذي يعود على الجماعة من وجود تلك العقوبة يفوق بكثير ما يمكن ان يحدث من احوال نادرة للخطأ وعموماً فإن الضمانات التي تضعها التشريعات لتلافي الاخطاء القضائية كفيلة بان تمنع او تقلل من هذه الاخطاء ومن ناحية اخرى فان هدف العقوبة الاصلاحي انما يراعى في تنفيذها اما في تطبيقها من القاضي فيدخل في الاعتبار عوامل متعددة شخصية وموضوعية ومن بينها درجة جسامة الجريمة وعقوبة الاعدام تحقق نوعاً من الردع العام والذي يحول دون ارتكاب الجريمة من قبل الكثير من الناس واذا كان انصار الرأي المعارض يدللون على رأيهم بأن الغاء عقوبة الاعدام في بعض التشريعات لم يترتب عليه زيادة في الجرائم كما ان بقائها في البعض الاخر لم يقلل من معدل الجريمة فانه يلاحظ ان معدل الجريمة يخضع لعوامل وظروف متعددة مما يستحيل معه ربط المعدل بالغاء او الابقاء على العقوبة فضلاً عن ان الابقاء عليها من شأنه ان يقلل من معدل الجريمة بالضرورة اذا كان الجاني وقت ارتكاب الجريمة يعلم ان الاعدام اكيد الوقوع .
وعموماً فقد اثر الجدل السابق على بعض التشريعات وخاصة تلك التي ظهرت في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين فألغت عقوبة الاعدام . ومثال ذلك قانون العقوبات الايطالي لسنة 1889 ، والالماني لسنة 1933، واسبانيا سنة 1933 وان كانت قد الغيت مرة واحدة من بعضها ( مثال ذلك ايطاليا سنة 1947 ) ومع ذلك فالإلغاء السابق قاصر فقط على جرائم القانون العام اما الجرائم العسكرية فما زالت عقوبة الاعدام تحتل مكانتها من بين العقوبات المقررة(14)
اما المشرع الفلسطيني فينص على عقوبة الاعدام باعتبارها عقوبة اصلية مقررة لبعض الجنايات التي تتسم بالجسامة والخطورة ومثال ذلك بعض جنايات أمن الدولة من جهة الخارج وبعض جنايات امن الدولة من جهة الداخل .
القيود التي ترد على الحكم بعقوبة الاعدام في التشريع الفلسطيني:
لقد اورد المشرع الفلسطيني قيد على الحكم بعقوبة الاعدام وهو وجوب صدور الحكم باجماع الآراء وقد نصت على هذا القيد المادة 272 اجراءات" بعد اختتام المحاكمة تختلي المحكمة في غرفة المداولة وتدقق فيما طرح امامها من بينات وادعاءات ، وتضع حكمها بالاجماع أو بالأغلبية فيما عدا عقوبة الإعدام فتكون بإجماع الآراء" وهذا القيد يعتبر ضمانة للمحكوم عليه ضد الاخطاء القضائية ويترتب على مخالفة هذا الاجراء بطلان الحكم .
قواعد تنفيذ عقوبة الاعدام :
لقد اثرت الافكار العقابية الحديثة في التشريعات الجنائية بالنسبة لتنفيذها بأقل الوسائل ايلاماً.وقد اختلفت التشريعات في وسائل الإعدام ،فنص البعض على ان يكون التنفيذ رمياً بالرصاص والبعض الاخر ينص على الخنق بالغاز،اما المشرع الفلسطيني فقد نص على ان يكون تنفيذ العقوبة شنقاً للمدنيين ورمياً بالرصاص للعسكريين وقد نص المشرع في المادة 4.8 من قانون الاجراءات وقانون مراكز الاصلاح والتأهيل( السجون) 1998 على القواعد الخاصة بتنفيذ عقوبة الاعدام وتتلخص هذه القواعد في الآتي :
1- متى صار الحكم بالاعدام نهائياً وجب رفع اوراق الدعوى فوراً الى رئيس الدولة بواسطة وزير العدل وهذا الاجراء يعتبر ضمانة للمحكوم عليه بحيث لا يجوز تنفيذ العقوبة الا اذا لم يصدر الامر من رئيس الدولة بالعفو عن العقوبة او ابدالها بغيرها المادة( 4.9 اجراءات ).
2- تنفيذ عقوبة الاعدام داخل السجن المادة 418 اجراءات بمعنى ان التنفيذ لا يتوافر فيه العلانية على عكس التشريعات القديمة.
3- يجب ان يكون تنفيذ عقوبة الاعدام بحضور احد وكلاء النائب العام ومأمور السجن وطبيب السجن او طبيب اخر تنتدبه النيابة العامة ولا يجوز لغير من ذكروا ان يحضروا التنفيذ الا بإذن خاص من النيابة العامة ويجب دائماً ان يؤذن للمدافع عن المحكوم عليه بالحضور. ويجب ان يتلى من الحكم الصادر بالاعدام منطوقه والتهمة المحكوم من اجلها على المحكوم عليه ، وذلك في مكان التنفيذ بمسمع من الحاضرين . واذا رغب المحكوم عليه في ابداء اقوال حرر وكيل النائب العام محضراً بها( المواد 41. و413 اجراءات ) .
وعند تمام التنفيذ يحرر كاتب المحكمة محضراً بذلك يثبت فيه شهادة الطبيب بالوفاة وساعة حصولها (مادة 416 اجراءات) .
4- لا يجوز تنفيذ عقوبة الاعدام في ايام الاعياد الرسمية أو الاعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه (417 اجراءات).
5- يوقف تنفيذ عقوبة الاعدام على الحبلى الى ما بعد سنتين من وضعها (مادة 6.من قانون الاصلاح والتأهيل ( السجون ).
6- اذا كانت ديانة المحكوم عليه تفرض عليه الاعتراف او غيره من الفروض الدينية قبل الموت وجب اجراء التسهيلات اللازمة لتمكين احد رجال الدين من مقابلته (مادة 412 اجراءات).
7- يحق للمحكوم عليه بالاعدام مقابلة اقاربه قبل تنفيذ حكم الاعدام ويجب اخطارهم من السجن بذلك (المادة 411 اجراءات) .