القانونيه
03-08-2010, 01:27 PM
المقدمة
يقصد بتنازع القوانين في القانون الدولي الخاص التزاحم الذي يكون بين قانونين أو أكثر من أجل حكم العلاقة القانونية، لا يُقصد من هذا التعريف المصارعة و الغلبة لأحد القوانين بل نعني به التنازع بين القوانين أي مفاضلة و اختيار أنسب القوانين بحكم العلاقة القانونية التي موضوع نزاعها ذات عنصر أجنبي.
ساد هذا المنهج منذ القرون الوسطى و هو معتمد في جل الأنظمة القانونية الوطنية فهذا المنهج يقوم على فكرة الإسناد التي مقتضاها يتم إسناد العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي و المتنازع بشأنها، إلى قواعد التنازع الخاصة بها في القانون الوطني، لكي يتحدد فيما أي القانون الواجب التطبيق عليها مثال: أن يتقدم زوج فرنسي بطلب التطليق من زوجته الألمانية أمام القضاء الجزائري فعلى القاضي الجزائري أن يخضع الطلاق إلى قانون الزوج وقت رفع الدعوى عملاً بقاعدة الإسناد م 12من ق.م «القاضي ملزم بالرجوع إلى قواعد الإسناد في قانونه الوطني »
وأهم المناهج المتبعة حالياً هي المنهج تنازعي هو أن القاضي الوطني يرجع إلى قواعد الإسناد التي وضعها المشرع الوطني لمعرفة القانون الواجب التطبيق على العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي.
و مثال ذلك اللجوء إلى المواد من 9-24 من ق.م ج، أي أن القاضي الجزائري ما إذا عرض عليه نزاع أحد أطرافه أجنبي، فلمعرفة القانون الواجب التطبيق فإنه يرجع مباشرة إلى قواعد الإسناد الجزائرية المحددة بالمواد من 9-24 ق.م.ج.
أما المنهج الموضوعي و جاء هذا المنهج نتيجة تشابك العلاقات التجارية الدولية أي أنه خاص بالتجارة الدولية حسب فئة تجار الدول وصفوا قواعد موضوعية تطبيق على علاقات التجارة الدولية مباشرة دون الرجوع إلى قواعد الإسناد و القاضي ملزم بتطبيقها.
وغيرها من المناهج و الإتجاهات التي تم التطرق إليها في هذا البحث، و من هنا يثور التساؤل حول ما هو نوع المنهج المتبع في التطرف إلى مسألة فض النزاع الدولي الذي يشتمل على عنصر أجنبي.
[/size]
المقدمة.
المبحث الأول:ماهية التكيف.
المطلب الأول: المقصود بالتكييف وأهميته.
المطلب الثاني: أصل التكيف.
المبحث الثاني: الاتجاهات المختلفة بشأن القانون الذي يحكم التكييف و موقف المشرع الجزائري منها.
المطلب الأول: الاتجاهات المختلفة بشأن القانون الذي يحكم التكيف.
المطلب الثاني: موقف المشرع في مسألة التكيف.
الخاتمة.
المبحث الأول: ماهية التكيف:
إن مرحلة التكيف هي أول ما يتعرض له القاصي عندما يتقدم له مسألة مشتملة على عنصر أجنبي، إذ يجب عليه قبل كل شيء أن يُدخل العلاقة المعروضة عليه في نظام من النظم القانونية حتى يعرف ما هو القانون الذي يسند إليه حكمها، أي أن مرحلة التكيف تسبق بالضرورة مرحلة الإسناد.
حيث أن وظيفة قاعدة التكيف تنحصر في تركيز العلاقة القانونية وتحديد القانون الواجب التطبيق تبعا لذلك فان قاعدة التكيف ـ في الأصل العام ـ ليس لها مضمون موضوعي، بمعنى أنها تقوم بتحديد القانون الواجب التطبيق على العلاقة فقط، وتنتهي وظيفتها عند هذا الحد فهي لا تتكفل مباشرة بإعطاء الحل النهائي للنزاع.
المطلب الأول: المقصود بالتكييف وأهميته:
الفرع الأول: المقصود بالتكييف:
إن أول ما يتصدى له القاضي وهو بصدد الفصل في نزاع ذي طابع دولي هو تحديد الوصف القانوني للمسألة أو العلاقة موضوع النزاع بقصد إدراجها في أحد الطوائف التي خصها مشرعه بقاعدة إسناد، وتسمى هذه العملية بالتكييف
وهكذا يمكن تعريف التكييف في القانون الدولي الخاص بأنه « تحديد طبيعة المسألة التي تنازعها القوانين لوضعها في نطاق طائفة من النظم القانونية لكي يسند حكمها إلى قانون معين».
ولذا ارتبطت مشكلة التكييف بمشكلة تحديد قاعدة الإسناد الواجبة التطبيق، فإذا عرض على القاضي نزاع بصدد مسألة معينة تحتم عليه أولا تحديد الطبيعة القانونية لهذه المسألة أو تحديد الوصف القانوني لها، هل هي من مسائل الشكل وبالتالي يتعين عليه تطبيق قاعدة الإسناد التي اختص بها المشرع طائفة الإشكال القانونية، أم أن هذه المسألة تعد من مسائل الأهلية وبالتالي يتعين عليه تطبيق قاعدة الإسناد الخاصة بطائفة الأحوال الشخصية(1).
الفرع الثاني: أهمية التكيف و صعوبته:
أولاً: أهمية التكيف: لا تبدو أهمية مشكلة التكييف QUALIFICATION
في القانون الدولي الخاص فقط ولكنها تفرض نفسها على القاضي في مختلف فروع القانون الأخرى.
........................
(1) – د/ علي سليمان علي، مذكرات في القانون الدولي الخاص ديوان المطبوعات الطبعة الرابعة – ساحة المركزية بن عكنون . الجزائر سنة 2006 ، ص 39.
فمشكلة التكييف تواجه القاضي الجنائي وهو بصدد وصف الفعل الذي ارتكبه المتهم لمعرفة ما إذا كان يعد من قبيل السرقة أو النصب أو خيانة الأمانة.......الخ. وهى تواجه القاضي المدني أيضا عندما يتصدى لتحديد الوصف الذي يلحقه القانون بالرابطة العقدية المطروحة أمامه لينهى إلى كون العقد محل النزاع هو عقد إيجار أو عقد بيع أو هبة......الخ.
وإذا كانت عملية التكييف تتسم بأهميتها في نطاق القانون الداخلي فان أهميتها هذه تزداد بصفة خاصة في مجال القانون الدولي الخاص. وتتأتى هذه الأهمية في أن المشرع بصدد تنظيم الحياة الخاصة الدولية عن طريق منهج الإسناد لا يقوم بوضع قاعدة إسناد خاصة لكل مسألة أو لكل علاقة قانونية على حدى، إذ أنه يستحيل عليه عمل حصر هذه المسائل أو العلاقات مقدماً (1). لذلك يقتصر المشرع على ضم كل مجموعة من المسائل أو العلاقات التي تتشابه في أوصافها ضمن طائفة قانونية يخصها بقاعدة إسناد معينة.
ثانياً: صعوبة التي تواجه عند التكيف: أن صعوبة التكييف تتعاظم في القانون الدولي الخاص عنها في أي فرع من فروع القانون الأخرى، وتنجم هذه الصعوبات اختلاف النظم القانونية فيما بينها في تحديد الأوصاف القانونية للمسائل، والى اختلافها في تحديد الطوائف التي يمكن رد هذه المسائل إليها، فما يُعد وفق لقانون دولة ما من آثار الزواج الشخصية قد يعد وفق لقانون دولة أخرى من الأهلية، وما قد يعتبر في دولة ما من الشروط الموضوعية للزواج قد يعد في دولة أخرى من الشروط الشكلية للزواج.
ويترتب على اختلاف النظم القانونية في تحديد الوصف القانوني لنفس المسألة أن تكتب مشكلة تنازع القوانين التي قد تثور بصدد هذه المسألة بعدا إضافيا أو صعوبة إضافية، ذلك إن النزاع ذو الطابع الدولي الذي يثور بصدد هذه المسألة لا يثير تنازعا بين قوانين الدول حول القانون الذي يتعين أن تخضع له هذه المسألة بل أنه يثير أيضا تنازعا بين هذه القوانين حول القانون الذي يتعين أن يتحدد بمقتضاه الوصف القانوني لها، والذي يتم عن طريق رد المسألة إلى طائفة قانونية معينة خصها المشرع بقاعدة إسناد.
المطلب الثاني: أصل التكيف:
وقد يترتب على حسم النزاع الأخير لمصلحة هذا القانون أو ذلك لاختلاف قواعد الإسناد المطبقة في فض هذا النزاع،تكون مختلف وذلك إستناد على هذه القواعد التي تكون مختلفة.
وبالتالي اختلاف الحل النهائي للنزاع، ومن شأن الأمثلة الواقعية الآتية والمستمدة من القضاء الفرنسي إيضاح ذلك:
أولاً: قضية وصية الهولندي: وتتلخص وقائع هذه القضية في أن هولنديا حرر في فرنسا وصية في الشكل العرفي ـ أي بخطه وتوقيعه ـ بالرغم من المادة 992 من القانون المدني الهولندي تمنع الهولنديين من تحرير الإيصال في الشكل العرفي حتى ولو كانوا في الخارج، وتلزمهم بإفراغ وصاياهم في الصورة الرسمية، وتختلف هذه القاعدة الموضوعية للقانون الهولندي عن القاعدة التي يتضمنها القانون الفرنسي في هذا الصدد، والتي تجيز الوصايا المحررة بخط اليد.
عقب وفاه الموصى أثير النزاع إمام المحاكم الفرنسية حول صحة الوصية، والصعوبة في هذه القضية يثيرها اختلاف تكييف كل من القانون الهولندي والقانون الفرنسي لمسألة حظر تحرير الإيصال في الشكل العرفي، فوفقاً للقانون الهولندي يعد منع الموطنين من إبرام وصاياهم في الشكل العرفي- الأمر يتعلق بأهليتهم- آية ذلك أنه يسرى في مواجهتهم حتى ولو كانوا خارج هولندا، فهو منع يقصد به حماية إرادة الموصى ولتأكد من عدم تسرعه عند إبرام الوصية.
أما القانون الفرنسي فهو يعتبر هذا المنع مسألة تتعلق بإشكال التصرفات على أساس أنه لامس بجوهر إرادة الموصى، وإنما هو أمر يتعلق أساساً بالوسيلة التي يجب إتباعها لإظهار الإرادة إلى العالم الخارجي، يترتب على ذلك أنه لو تم تكييف المنع وفقا للقانون الهولندي على أنه قيد على أهلية الموصى في إبرام وصيته لأدى ذلك إلى بطلان الوصية، إذ أن قواعد الإسناد الفرنسية تخضع الأهلية لقانون الجنسية. ولما كان الموصى هولندي الجنسية فإن القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هو القانون الهولندي الذي يقضى ببطلان الوصية، أما لو تم تكييف الحظر على أنه من مسائل إشكال التصرفات
ـ وهذا ما فعلته المحكمة الفرنسية بطريقة ضمنيةـ لترتب على ذلك صحة الوصية، ذلك أن قاعدة الإسناد الفرنسية تخضع شكل الوصية لقانون محل إبرامها، وهو في هذه القضية القانون الفرنسي الذي يقرر صحة الوصية في الشكل العرفي (1).
ثانياً: التفرق الجثماني: رفعت دعوى أمام المحاكم الفرنسية بطلب التفرق الجثماني لزوجين إسبانيين، فقال الدفاع أن المحاكم الفرنسية غير مختصة بالنظر في هذا الطلب لتعلق التفرق الجثماني بالحالة الشخص، و هذه الأخيرة أي حالة الشخص تخضع لقانون جنسيته، وذلك طبقاً للقانون الفرنسي
......................................
(1)_.د/أعراب بلقاسم: ق.د.خ الجزائري الجزء الأول "تنازع القوانين" طبعة 2005، دار هومة للطباعة و النشر و التوجيه.ص 55.
أو الإسباني، ولما كان القانون الإسباني يجعل مثل هذا الطلب من اختصاص المحكمة الكنيسة، و يعتبر التفرق الجثماني مسألة موضوعية مثلها مثل الزواج أو الطلاق، فيجب رفع هذا الطلب إلى المحاكم الكنيسة في إسبانيا، و لكن محكمة استئناف بباريس قضت في 09 يناير 1934 بأن القانون الفرنسي يكيف إجراءات التفرق الجثماني بإعتبارها تدخل في نظام المرافعات، وتكون بالتالي مسألة مستقلة تماماً عن الموضوع، أي تخضع للقانون الفرنسي.
ثالثاً: بطلان زواج اليونانيين: رفعت دعوى أمام المحاكم الفرنسية بطلب بطلان زواج أحد اليونانيين لأن تم قي شكل مدني، في حين أن القانون اليوناني - هو قانون جنسيته- يعتر إشهار الزواج في شكل ديني مسألة موضوعية و يدخلها في نظام الأحوال الشخصية، و لكون محكمة النقض الفرنسية قضت في 22 جوان 1955 بأن القانون الفرنسي هو القانون المختص بالتكيف، الذي يعتبر مسألة إشهار الزواج في شكل ديني هي مسألة شكلية- لا موضوعية- و بالتالي تخضع لقانون المكان الذي تم فيه إبرام عقد الزواج.
رابعاً: قضية الزوج المحتاج: تتلخص وقائع هده القضية في أن زوجيين من أصل مالطي حيث تزوجا بمالطا و أقاما بها مدة من الزمن، و بعد زواجهما انتقلا لإقامة في الجزائر، حيث اكتسب الزوج عقارات ثم توفي الزوج بالجزائر. فتقدمت أرملته أما القضاء الفرنسي في الجزائر أبدان الإستعمار. وطلبت منه تمتعها بما سبب بحصة الزوج المحتاج و هو نظام معروف في القانون الأنجومالطي – و قانون ممزوج بين القانون الانجليزي و الأعراف الموجودة بمالطا- لتطبيقه و هو نظام مجهول في القانون الفرنسي.
و هنا وجد القاضي الفرنسي نفسه مضطراً إلى إعطاء وصف للنظام القانوني المعرض أمامه أي تحديد ما إذا كان هدا الطلب يندرج صمن النظام المالي للزوجيين أم أنه يُعتبر من قبيل الميراث.
فالأنظمة المالية للزوجين إما يكون هذا النظام إتفاقياً أي مصدره إنفاق الزوجين، و ذلك وقت إبرام عقد الزواج أو في وقت لاحق، و من هنا فإن الأمر يتعلق بالعقد، من ثم فإنه يخضع لنفس قاعدة الإسناد التي تحكم العقد، و قاعدة Locus بالنسبة للشكل، و قانون الإرادة بالنسبة للموضوع
(القانون الذي يتفق الطرفان على تطبيقه)، و فيما يتعلق بالنظام المالي القانوني فإنه يلجأ إليه في حالة عدم وجود نظام مالي إنفاقي و المعمول به هنا لدى القضاء الفرنسي، هو إخضاعه لقانون أول موطن مشترك للزوجيين بعد الزواج.
مما يتعلق بالميراث فإن القضاء الفرنسي يميز بين الميراث في العقار و المنقول، فيخضع النوع الأول إلى لقانون موقع العقار و يخضع النون الثاني إلى لقانون آخر و هو قانون موطن المتوفى، و إذا رجعنا إلى قضية الحال، فإننا سنلاحظ ما يلي:
· إذا اعتبرنا طلب الأرملة من قبيل الميراث فسنخضعه للقانون الفرنسي – تركة عقارية – و هن فإن القضاء الفرنسي لن يستجيب لطلب الأرملة.
· أما إذا اعتبرنا الطلب من قبيل النظام المالي للزوجين فإننا سنخضعه لقانون أول موطن المشترك للزوجين بعد الزواج لأنهما لم يتفقا على نظام مالي معين، أي سنخضع طلب الأرملة للقانون الأنجلومالطي و بالتالي سيستجيب القضاء لطلبها(1).
من هذه القضايا يتضح لنا أن نفس المسألة قد يختلف وصفها القانوني أو تكييفها من دولة لأخرى، وأن هذا الاختلاف في التكييف ينجم عنه اختلاف قاعدة الإسناد التي تنطبق وهذا يؤدى إلى اختلال في الأحكام، إذا كانت القوانين تختلف فيما بينها بشأن تحديد الوصف القانوني للمسألة والعلاقة محل النزاع، كان من الطبيعي أن نتساءل عن القانون الذي يرتبط بتلك المسألة أو العلاقة والذي يحكم التكييف.
المبحث الثاني : الاتجاهات المختلفة بشأن القانون الذي يحكم التكييف و موقف المشرع منها:
بما أن التكيف أمر أساسي و أولي لحل تنازع القوانين من أجل تحديد قاعدة الإسناد
و بالتالي القانون الواجب التطبيق يعتمد على تعيين طبيعة العلاقة و إدخالها ضمن صنف قانوني معين، أُقتُرحت لهذا الغرض إتجاهات مختلفة، كل منها يسند التكيف لقانون معين و هي كالتالي:
المطلب الأول: الاتجاهات المختلفة بشأن القانون الذي يحكم التكييف:
ذهب فريق من الفقه إلى إخضاع التكييف لقانون القاضي، في حين ذهب فريق ثان إلى إخضاعه للقانون المختص بحكم النزاع، و نادى فريق أخير بإخضاع التكييف للقانون المقارن.
الاتجاه الأول: خضوع التكييف لقانون القاضي:
وقد كان الفقيه كاهن بارتان هو أول من وضع نظرية متكاملة لمشكلة التكييف تقوم على إخضاع التكييف لقانون القاضي، وقد استند بارتان إلى دراسته للقضاء، للقول بأن تحديد الوصف القانوني للمنازعات ذات الطابع الدولي يجب أن يتم وفقا لقانون القاضي حتى و لو لم يكن هو الواجب
.......................
(1) - أ/ حبار، محاضرات في المقياس القانون الدولي الخاص ، السنة الرابعة – كلية الحقوق سنة الجامعية 2007 – 2008
التطبيق على النزاع أو حتى لم يكن الصلة به، ويبرر بارتان إخضاع التكييف لقانون القاضي بحجة مستمدة من فكره السيادة ـ بحسب أن المشرع الوطني يتنازل عن قدر من سيادته عند سماحة بتطبيق القانون الأجنبي، الأمر الذي يحتم الرجوع إلى نفس المشرع الوطني لبيان مدى هذا التنازل وحدوده، وعلى ذلك فإذا كان المشرع الفرنسي قد سمح مثلا بإخضاع أهلية الأشخاص لقانون جنسيتهم فان المنطق بالرجوع للقانون الفرنسي لتعريف المقصود بالأهلية، ذلك أن قيام قانون أخر بهذا التحديد يعنى إن هذا القانون هو الذي تمارس فيه السيادة التشريعية للدولة الفرنسية.
وبعبارة أخرى يمكن القول بان التزام القاضي بتطبيق قواعد الإسناد التي يأمره بها مشرعه الوطني سيتتبع التزامه في الوقت ذاته بتطبيق قواعد التكييف التي يأمره بها نفس المشرع لأن هذه القواعد هي التي تحدد الإطار الفعلي لتطبيق القوانين الأجنبية، أي الإطار الفعلي لسيادة الدولة التشريعية.
ويؤيد الفقه الغالب ما ذهب إليه بارتان من إخضاع التكييف لقانون القاضي LEX FORI ولكن على أساس مختلف عن الأساس الذي شيد عليه بارتان و نظريته وهو فكرة السيادة فقواعد الإسناد لا يناط بها حسم تنازع بين السيادات وإنما تهدف إلى التوصل لأكثر الحلول مناسبة للعلاقات ذات الطابع الدولي تحقيقا للتعايش المشترك بين النظم القانونية.
لذلك يستند هذا الفقه لحجج أخرى للقول بخضوع التكييف لقانون القاضي وفيما يلي أهم هذه الحجج.
v إن التكييف لا يعدو في حقيقته أن يكون تفسيرا لقاعدة الإسناد الوطنية، الأمر الذي يقتضى أن يخضع بالضرورة لقانون القاضي فإذا ما قضت قاعدة الإسناد الوطنية مثلا بإخضاع الأهلية لقانون الجنسية فإنه يجب لإمكان تطبيق القاضي لهذه القاعدة تحديد معنى الأهلية ومعرفة ما إذا كان هذا المعنى ينطبق على المسألة المثارة أمام القاضي، ومن ثم فلا غرابة في أن يتم تفسير قاعدة الإسناد الوطنية وفقاً لإحكام القانون الوطني.
v أن القاضي حينما يقوم بتكييف المسألة أو العلاقة المعروضة أمامه فهو يتأثر حتماً بحكم تكوينه الثقافي والقانوني و بالمبادئ الواردة في قانونه، وهذا ما يفسر اتجاه القضاء في غالبية الدول إلى إخضاع التكييف لقانون القاضي قبل إن يطرح بارتان نظريته في التكييف.
v ويستند الفقه الحديث أخيرا إلى حجة ذات طابع عملي للقول بإخضاع التكييف لقانون القاضي مفادها إن هذا القانون هو القانون الوحيد الذي يتصور إن يتم التكييف وفقاً له، ولا يتصور إن يتم ذلك وفقا لقانون أخر كالقانون المختص بحكم العلاقة، إذ إن تحديد هذا القانون لن يتسنى قبل تعيين قاعدة الإسناد المطبقة وهو الأمر الذي يستدعى تحديد الوصف القانوني للمسألة أو العلاقة المطروحة أمام القاضي أو بعبارة أخرى تكييف هذه المسألة أو العلاقة الأجنبية.
والتكييف التي يجب إجراؤها عقب ذلك لا يؤدى إلى تعديل هذا الاختصاص، وإنما تعمل فقط على بيان كيفية تطبيق القانون الأجنبي بالنسبة للمسألة التي ثبت له الاختصاص فعلا بحكمها.
ويتلقى الفقه الذي يقرر خضوع التكييف الأولي لقانون القاضي بحسبان إن الأمر يتعلق بتفسير قاعدة إسناده نفس النتيجة التي انتهى إليها بارتان، إذ أن التكييف الأولى أو الاختصاص وحده هو الذي يتعلق بتفسير قاعدة الإسناد.
أما التكييف اللاحقة أي الثانوي فهي لا ستثار إلا بعد تحديد القانون الواجب التطبيق وبصدد هذا التطبيق، ومن ثم فهي تخضع لهذا القانون بوصفها تفسيرا لإحكامه. ونرى في هذا الصدد أن قصر مجال إعمال قانون القاضي على التكييف الأولى أو الاختصاص يرتكز لنفس السبب الذي حدد بالقضاء إلى الاستعانة بقانون القاضي لتحديد طبيعة المسألة محل النزاع قبل طرح بارتان لنظريته فقد أدرج القضاء على الرجوع لقانونه الوطني بحسبان أنه المنهج الوحيد لتحديد قاعدة الإسناد.
وبالتالي لمعرفة القانون الذي ينعقد له الاختصاص، وعلى ذلك فمجرد معرفة هذا القانون تزول الحاجة إلى الاستعانة بقانون القاضي، وينبغي الأخذ بما يقرره القانون المختص بحكم النزاع في حسم مختلف المسائل التي قد تعرض عند تطبيق هذا القانون بما في ذلك التكييف اللاحقة أو الثانوية، فكل هذه المسائل تعد جزءا لا يتجزأ من الحكم الموضوعي الذي يتضمنه القانون الواجب التطبيق.
وقد ثار السؤال حول ما إذا كان تكييف المال يدخل ضمن مجال إعمال قاعدة خضوع التكييف لقانون القاضي.
ذهب بارتان إلى إخضاع تكييف المال ـ أي تحديد طبيعته من حيث كونه منقولا أو عقار- لقانون موقع المال وليس لقانون القاضي. ويستند هذا الاستثناء إلى أن ارتباط الأموال بإقليم الدولة يقتضى تكييف المال وفقاً لقانون موقعه حفاظاً على استقرار المعاملات وسلامتها.
غير أن الفقه الغالب لا يؤيد بارتان في هذا الاستثناء ذلك أن سلامة المعاملات واستقرارها لا يستلزم حتما الخروج على مبدأ إخضاع التكييف لقانون القاضي، كما أن تحديد طبيعة المال ومعرفة ما إذا كان عقارا أو منقولا قد يكون لازما في بعض الأحوال لتحديد قاعدة الإسناد الواجبة التطبيق، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاستعانة بقانون القاضي.
من أمثلة ذلك ما نص عليه القانون الفرنسي من خضوع الميراث في العقار لقانون موقعه وخضوع الميراث في المنقول لقانون موطن المتوفى، ويترتب على اختلاف قواعد الإسناد المتعلقة بالميراث بحسب ما إذا كان هذا الميراث قد اِشتمل على عقار أو منقول، أن يقوم القاضي أولاً بتحديد طبيعة المال، وهذا ما لا يمكن للقاضي القيام به دون الاستعانة بقانونه، فإذا حدد القاضي طبيعة المال وفقاً لقانونه أمكنه حينئذ فقط التوصل إلى قاعدة الإسناد الواجبة التطبيق على النزاع.
يضاف إلى ذلك أن المال محل النزاع قد يوجد في إقليم أكثر من دولة ومن ثم فقد تختلف طبيعته من دولة إلى أخرى، وبالتالي قد تتعدد قواعد الإسناد وتتضارب بشأن نفس النزاع، كذلك قد يكون المال محل النزاع مالاً معنوياً يتحدد موقعه في كل دولة وفقا للمبادئ القانونية السائدة فيها، فكيف السبيل حينئذ إلى تحديد موقع المال مال يكن هذا التحديد مرتبطاً بقانون دولة معينة بالذات.
ونرى مع جمهور الفقهاء المصريين عدم استثناء تكييف المال من الخضوع لقانون القاضي، ذلك أن قاعدة الإسناد قد تخضع المال سواء كان منقولاً أو عقاراً لقانون موقعه، وفى هذه الحالة لن يترتب على اختلاف القانون الذي يخضع له التكييف أي سواء كان قانون القاضي أو قانون موقع المال التأثير في القانون الواجب التطبيق، مما ينفى أي حاجة عملية إلى الخروج على مبدأ خضوع التكييف لقانون القاضي.
أما إذا كانت قاعدة الإسناد الوطنية تخضع المنقول لقانون آخر غير ذلك الذي تخضع له العقار كما هو الحال بالنسبة لقواعد الإسناد بشأن الميراث في فرنسا، فانه ليس هناك أدنى شك في ضرورة الاعتماد على التكييف الوارد في قانون القاضي والقبول بغير ذلك يؤدى إلى خرق قاعدة الإسناد الوطنية، لأن الاعتماد على التكييف الوارد في قانون موقع المال قد يؤدى إلى تطبيق القاضي لقاعدة إسناده في غير الحالات التي يرى المشرع الوطني تطبيقها فيها، كأن يطبق قاعدة الإسناد الخاصة بالعقار على المال يُعد من وجهه نظر المشرع الجزائري منقولاً.
الاتجاه الثاني: إخضاع التكييف للقانون المختص بحكم العلاقة:
انتقد فريق من الفقه ما قال به من إخضاع التكييف لقانون القاضي، وهو يرى إخضاع التكييف للقانون المختص بحكم العلاقة lex causae أي القانون الذي تمنحه قاعدة الإسناد الوطنية والاختصاص بحكم العلاقة، وذلك استناداً إلى أن لكل قانون تكييف وعلى ذلك إذا قضت قاعدة الإسناد الوطنية بإخضاع النزاع لقانون أجنبي معين، يجب تطبيق هذا القانون على النزاع بشكل كامل ابتداءاً من إعطاء الوصف القانوني اللازم للنزاع حتى التوصل إلى الحل النهائي لهذا النزاع، ذلك أن الأخذ بالتكييف المقرر في قانون دولة أخرى من شأنه تطبيق القانون الأجنبي حيث لا يجب تطبيقه، أو على العكس من ذلك إلى عدم تطبيق القانون الأجنبي في الوقت الذي كان يجب فيه تطبيقه وفقا لإرادة المشرع الأجنبي.
بعبارة أخرى يرى أنصار هذا الرأي أن من شأن عدم الرجوع للقانون الأجنبي المختص بحكم النزاع لتكييف المسألة خرق هذا القانون وتطبيقه في غير الحالات التي أراد المشرع الأجنبي تطبيقه فيها، فإذا كان قانون القاضي المثار أمامه النزاع يدرج المسألة محل النزاع في طائفة مسائل الأهلية ويخضعها بالتالي لقانون الجنسية، بينما كان هذا القانون الأخير يدرج نفس المسألة في طائفة مسائل الشكل،ولا يعتبرها داخله في مجال تطبيقه، فان التمسك باعتبار المسألة من مسائل الأهلية وفقا لقواعد التكييف في قانون القاضي من شأنه عقد الاختصاص للقانون الأجنبي بحكم مسألة لا يعتبر نفسه مختصاً بحكمها.
وقد وجه إلى نظرية إخضاع التكييف للقانون المختص بحكم العلاقة نقداً مفاده إن من شأن الأخذ بها الوقوع في حلقة مفرغة، فلكي يتسنى إجراء التكييف وفقاً للقانون المختص بحكم العلاقة يجب تحديد هذا القانون أولاً، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلا بعد الانتهاء من التكييف، وهكذا يعد القول بإخضاع التكييف للقانون المختص بحكم العلاقة من قبيل المصادرة على المطلوب، إذ كيف يتسنى للقاضي الرجوع للقانون الأجنبي لمعرفة طبيعة النزاع المعروض عليه من قبل أن يعرف ما إذا كان القانون الأجنبي واجب التطبيق أم لا ؟
الاتجاه الثالث: إخضاع التكييف للقانون المقارن:
نادي الفقيه رابا بعدم التقيد في تكييف مسائل القانون الدولي الخاص بقانون دولة معينة إذ أن الهدف من قواعد الإسناد هو مواجهة حاجة المعاملات الدولية وهو هدف ذو طابع دولي، ينبغي أن ينعكس على الكيفية التي يتحدد بمقتضاها مضمون هذه القواعد، بحيث يتحرر هذا المضمون من المفاهيم الجامدة والأطر الضيقة للقانون الداخلي، والتي لا تستجيب لطبيعة علاقات القانون الدولي الخاص، وينفتح على المفاهيم السائدة في معظم النظم القانونية.
لذلك يقترح رابا اللجوء إلى المنهج المقارن لاستخلاص المضامين ذات طبيعة عالمية لقواعد الإسناد، وعلى هذا النحو فإذا تصدى القاضي الألماني مثلاً لإعمال قاعدة الإسناد التي تخضع الوصاية على القاصر لقانون جنسيته فلا ينبغي عليه الرجوع إلى القواعد الموضوعية للقانون الالمانى أو لأي قانون وطني أخر، لتحديد مضمون فكره الوصاية وإنما يجب عليه أن يستخلص مفهوم مطلق لهذه الفكرة عن طريق الدراسة المقارنة لقوانين الدول المختلفة، بعبارة أخرى فإن مضمون فكرة الوصاية وفقا لقاعدة الإسناد الأساسية يجب ألا يكون امتداداً لمضمون ذات الفكرة كما تحدده القواعد الموضوعية للقانون الالمانى وإنما يجب تحديد مضمون هذه الفكرة بالرجوع إلى النظم السائدة في العالم المتمدين في هذا الصدد.
ولم تجد نظرية رابا قبول لدى القضاء لما ينطوي عليه تطبيقها من صعوبات عملية ذلك أنه من الصعب على القاضي وهو يحدد طبيعة المسألة أن يرجع إلى قوانين الدول المختلفة، كذلك فان اختلاف النظم القانونية حول الوصف القانوني للعديد من المسائل قد يقود القاضي إلى نتائج متضاربة.
المطلب الثاني: موقف المشرع في مسألة التكيف:
لقد نص المشرع في المادة 09 من القانون المدني على أنه: القانون الجزائري المرجع لتحديد»
وإذا رجعنا إلى تحليل هده المادة فإننا نلاحظ ما يلي:
1.[B] أن مشرعنا أعتمد الصياغة الأحادية في هده المادة.
2. أن أخضع كل تكيف لنزاع يثار أمام القضاء الجزائري للقانون الجزائري لوحده، أي أنه أخضعه لنظرية بارتان في التكيف.
3. أن التكيف الذي قصده مشرعنا هو التكيف الأولي دون التكيف الثانوي .
4. أن التكيف للقانون الجزائري الأولي لا يمنع القاضي من أن يستند بالقانون الأجنبي غير أن ذلك ليس مسألة وجوبية لأن على القاضي الجزائري أن يكيف دائما حسب القوانين الوطنية.
5. أن مشرعنا حين تعديله لقانون المدني في المادة 17 منه نصت على أنه:« يخضع تكيف المال سواء إن كان عقاراً أو منقول إلى قانون الدولة التي يوجد فيها» و هو في ذلك قد قنن الإسثتناء الثاني.
و الواقع أن مشرعنا قد أخطأ في تقيمه لهذا الحكم، و يجب علينا حين وصف المال أن نتطرق إلى حالتين:
v الحالة الأولى: إذا لم يكن وصف المال ضروري لتحديد القانون الواجب التطبيق، فهنا لا يهم أن نكيف هذا المال طبقاً لقانون القاضي أو لقانون موقع المال و مثال ذلك : لو تعلق الأمر بتطبيق الحكم الوارد المادة 17/1 من ق. م التي تنص على أنه: «تخضع الحقوق العينية لقانون موقع المال التي ترد عليه» فهنا العبرة ليست بوصف المال و إنما بطبيعة الحق الذي يرد على هذا المال، و بدلك فإن تكيف المال في هذه الحالة سواء تم على ضوء قانون القاضي أو على قانون موقع هذا المال لم يؤثر على تحديد القانون الواجب للتطبيق.
v الحالة الثانية: و التي يكون فيها وصف المال فيها لتحديد القانون الواجب التطبيق، و مثال ذلك ما نصت عله المادة 18 من ق.م التي فرقت بين نوعين من الالتزامات التعاقدية:
- الالتزامات العقدية المتعلقة بالمنقول: فهنا تخضع إما لقانون الإرادة، و إما لقانون الجنسية
المشتركة للمتعاقدين، و إما لقانون الموطن المشترك للمتعاقدين، و إما لقاعدة LOCUS(1).
- الالتزامات العقدية المتعلقة بالعقار: و هي تخضع لقانون موقع العقار، و نستنتج من ذلك إذ أنه لتطبيق الحكم الوارد في المادة 18 من ق.م، فإن العبرة هي بوصف المال موضوع العقد أي أن وصف المال ( عقار أو منقول) هو الذي سيتحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق ، و من ذلك أن وصف المال هنا يعتبر تكبفًا أولياً و من ثم فأنه يخضع للقانون الجزائري بإعتباره نخضعه لقانون موقع المال قانون القاصي و لا يمكن أن نُخضعه لقانون موقع المال .و من ذلك يظهر خطأ المشرع الجزائري عندما عمم القاعدة التي و ضعها في المادة 17/1 من ق.م .
يقصد بتنازع القوانين في القانون الدولي الخاص التزاحم الذي يكون بين قانونين أو أكثر من أجل حكم العلاقة القانونية، لا يُقصد من هذا التعريف المصارعة و الغلبة لأحد القوانين بل نعني به التنازع بين القوانين أي مفاضلة و اختيار أنسب القوانين بحكم العلاقة القانونية التي موضوع نزاعها ذات عنصر أجنبي.
ساد هذا المنهج منذ القرون الوسطى و هو معتمد في جل الأنظمة القانونية الوطنية فهذا المنهج يقوم على فكرة الإسناد التي مقتضاها يتم إسناد العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي و المتنازع بشأنها، إلى قواعد التنازع الخاصة بها في القانون الوطني، لكي يتحدد فيما أي القانون الواجب التطبيق عليها مثال: أن يتقدم زوج فرنسي بطلب التطليق من زوجته الألمانية أمام القضاء الجزائري فعلى القاضي الجزائري أن يخضع الطلاق إلى قانون الزوج وقت رفع الدعوى عملاً بقاعدة الإسناد م 12من ق.م «القاضي ملزم بالرجوع إلى قواعد الإسناد في قانونه الوطني »
وأهم المناهج المتبعة حالياً هي المنهج تنازعي هو أن القاضي الوطني يرجع إلى قواعد الإسناد التي وضعها المشرع الوطني لمعرفة القانون الواجب التطبيق على العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي.
و مثال ذلك اللجوء إلى المواد من 9-24 من ق.م ج، أي أن القاضي الجزائري ما إذا عرض عليه نزاع أحد أطرافه أجنبي، فلمعرفة القانون الواجب التطبيق فإنه يرجع مباشرة إلى قواعد الإسناد الجزائرية المحددة بالمواد من 9-24 ق.م.ج.
أما المنهج الموضوعي و جاء هذا المنهج نتيجة تشابك العلاقات التجارية الدولية أي أنه خاص بالتجارة الدولية حسب فئة تجار الدول وصفوا قواعد موضوعية تطبيق على علاقات التجارة الدولية مباشرة دون الرجوع إلى قواعد الإسناد و القاضي ملزم بتطبيقها.
وغيرها من المناهج و الإتجاهات التي تم التطرق إليها في هذا البحث، و من هنا يثور التساؤل حول ما هو نوع المنهج المتبع في التطرف إلى مسألة فض النزاع الدولي الذي يشتمل على عنصر أجنبي.
[/size]
المقدمة.
المبحث الأول:ماهية التكيف.
المطلب الأول: المقصود بالتكييف وأهميته.
المطلب الثاني: أصل التكيف.
المبحث الثاني: الاتجاهات المختلفة بشأن القانون الذي يحكم التكييف و موقف المشرع الجزائري منها.
المطلب الأول: الاتجاهات المختلفة بشأن القانون الذي يحكم التكيف.
المطلب الثاني: موقف المشرع في مسألة التكيف.
الخاتمة.
المبحث الأول: ماهية التكيف:
إن مرحلة التكيف هي أول ما يتعرض له القاصي عندما يتقدم له مسألة مشتملة على عنصر أجنبي، إذ يجب عليه قبل كل شيء أن يُدخل العلاقة المعروضة عليه في نظام من النظم القانونية حتى يعرف ما هو القانون الذي يسند إليه حكمها، أي أن مرحلة التكيف تسبق بالضرورة مرحلة الإسناد.
حيث أن وظيفة قاعدة التكيف تنحصر في تركيز العلاقة القانونية وتحديد القانون الواجب التطبيق تبعا لذلك فان قاعدة التكيف ـ في الأصل العام ـ ليس لها مضمون موضوعي، بمعنى أنها تقوم بتحديد القانون الواجب التطبيق على العلاقة فقط، وتنتهي وظيفتها عند هذا الحد فهي لا تتكفل مباشرة بإعطاء الحل النهائي للنزاع.
المطلب الأول: المقصود بالتكييف وأهميته:
الفرع الأول: المقصود بالتكييف:
إن أول ما يتصدى له القاضي وهو بصدد الفصل في نزاع ذي طابع دولي هو تحديد الوصف القانوني للمسألة أو العلاقة موضوع النزاع بقصد إدراجها في أحد الطوائف التي خصها مشرعه بقاعدة إسناد، وتسمى هذه العملية بالتكييف
وهكذا يمكن تعريف التكييف في القانون الدولي الخاص بأنه « تحديد طبيعة المسألة التي تنازعها القوانين لوضعها في نطاق طائفة من النظم القانونية لكي يسند حكمها إلى قانون معين».
ولذا ارتبطت مشكلة التكييف بمشكلة تحديد قاعدة الإسناد الواجبة التطبيق، فإذا عرض على القاضي نزاع بصدد مسألة معينة تحتم عليه أولا تحديد الطبيعة القانونية لهذه المسألة أو تحديد الوصف القانوني لها، هل هي من مسائل الشكل وبالتالي يتعين عليه تطبيق قاعدة الإسناد التي اختص بها المشرع طائفة الإشكال القانونية، أم أن هذه المسألة تعد من مسائل الأهلية وبالتالي يتعين عليه تطبيق قاعدة الإسناد الخاصة بطائفة الأحوال الشخصية(1).
الفرع الثاني: أهمية التكيف و صعوبته:
أولاً: أهمية التكيف: لا تبدو أهمية مشكلة التكييف QUALIFICATION
في القانون الدولي الخاص فقط ولكنها تفرض نفسها على القاضي في مختلف فروع القانون الأخرى.
........................
(1) – د/ علي سليمان علي، مذكرات في القانون الدولي الخاص ديوان المطبوعات الطبعة الرابعة – ساحة المركزية بن عكنون . الجزائر سنة 2006 ، ص 39.
فمشكلة التكييف تواجه القاضي الجنائي وهو بصدد وصف الفعل الذي ارتكبه المتهم لمعرفة ما إذا كان يعد من قبيل السرقة أو النصب أو خيانة الأمانة.......الخ. وهى تواجه القاضي المدني أيضا عندما يتصدى لتحديد الوصف الذي يلحقه القانون بالرابطة العقدية المطروحة أمامه لينهى إلى كون العقد محل النزاع هو عقد إيجار أو عقد بيع أو هبة......الخ.
وإذا كانت عملية التكييف تتسم بأهميتها في نطاق القانون الداخلي فان أهميتها هذه تزداد بصفة خاصة في مجال القانون الدولي الخاص. وتتأتى هذه الأهمية في أن المشرع بصدد تنظيم الحياة الخاصة الدولية عن طريق منهج الإسناد لا يقوم بوضع قاعدة إسناد خاصة لكل مسألة أو لكل علاقة قانونية على حدى، إذ أنه يستحيل عليه عمل حصر هذه المسائل أو العلاقات مقدماً (1). لذلك يقتصر المشرع على ضم كل مجموعة من المسائل أو العلاقات التي تتشابه في أوصافها ضمن طائفة قانونية يخصها بقاعدة إسناد معينة.
ثانياً: صعوبة التي تواجه عند التكيف: أن صعوبة التكييف تتعاظم في القانون الدولي الخاص عنها في أي فرع من فروع القانون الأخرى، وتنجم هذه الصعوبات اختلاف النظم القانونية فيما بينها في تحديد الأوصاف القانونية للمسائل، والى اختلافها في تحديد الطوائف التي يمكن رد هذه المسائل إليها، فما يُعد وفق لقانون دولة ما من آثار الزواج الشخصية قد يعد وفق لقانون دولة أخرى من الأهلية، وما قد يعتبر في دولة ما من الشروط الموضوعية للزواج قد يعد في دولة أخرى من الشروط الشكلية للزواج.
ويترتب على اختلاف النظم القانونية في تحديد الوصف القانوني لنفس المسألة أن تكتب مشكلة تنازع القوانين التي قد تثور بصدد هذه المسألة بعدا إضافيا أو صعوبة إضافية، ذلك إن النزاع ذو الطابع الدولي الذي يثور بصدد هذه المسألة لا يثير تنازعا بين قوانين الدول حول القانون الذي يتعين أن تخضع له هذه المسألة بل أنه يثير أيضا تنازعا بين هذه القوانين حول القانون الذي يتعين أن يتحدد بمقتضاه الوصف القانوني لها، والذي يتم عن طريق رد المسألة إلى طائفة قانونية معينة خصها المشرع بقاعدة إسناد.
المطلب الثاني: أصل التكيف:
وقد يترتب على حسم النزاع الأخير لمصلحة هذا القانون أو ذلك لاختلاف قواعد الإسناد المطبقة في فض هذا النزاع،تكون مختلف وذلك إستناد على هذه القواعد التي تكون مختلفة.
وبالتالي اختلاف الحل النهائي للنزاع، ومن شأن الأمثلة الواقعية الآتية والمستمدة من القضاء الفرنسي إيضاح ذلك:
أولاً: قضية وصية الهولندي: وتتلخص وقائع هذه القضية في أن هولنديا حرر في فرنسا وصية في الشكل العرفي ـ أي بخطه وتوقيعه ـ بالرغم من المادة 992 من القانون المدني الهولندي تمنع الهولنديين من تحرير الإيصال في الشكل العرفي حتى ولو كانوا في الخارج، وتلزمهم بإفراغ وصاياهم في الصورة الرسمية، وتختلف هذه القاعدة الموضوعية للقانون الهولندي عن القاعدة التي يتضمنها القانون الفرنسي في هذا الصدد، والتي تجيز الوصايا المحررة بخط اليد.
عقب وفاه الموصى أثير النزاع إمام المحاكم الفرنسية حول صحة الوصية، والصعوبة في هذه القضية يثيرها اختلاف تكييف كل من القانون الهولندي والقانون الفرنسي لمسألة حظر تحرير الإيصال في الشكل العرفي، فوفقاً للقانون الهولندي يعد منع الموطنين من إبرام وصاياهم في الشكل العرفي- الأمر يتعلق بأهليتهم- آية ذلك أنه يسرى في مواجهتهم حتى ولو كانوا خارج هولندا، فهو منع يقصد به حماية إرادة الموصى ولتأكد من عدم تسرعه عند إبرام الوصية.
أما القانون الفرنسي فهو يعتبر هذا المنع مسألة تتعلق بإشكال التصرفات على أساس أنه لامس بجوهر إرادة الموصى، وإنما هو أمر يتعلق أساساً بالوسيلة التي يجب إتباعها لإظهار الإرادة إلى العالم الخارجي، يترتب على ذلك أنه لو تم تكييف المنع وفقا للقانون الهولندي على أنه قيد على أهلية الموصى في إبرام وصيته لأدى ذلك إلى بطلان الوصية، إذ أن قواعد الإسناد الفرنسية تخضع الأهلية لقانون الجنسية. ولما كان الموصى هولندي الجنسية فإن القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هو القانون الهولندي الذي يقضى ببطلان الوصية، أما لو تم تكييف الحظر على أنه من مسائل إشكال التصرفات
ـ وهذا ما فعلته المحكمة الفرنسية بطريقة ضمنيةـ لترتب على ذلك صحة الوصية، ذلك أن قاعدة الإسناد الفرنسية تخضع شكل الوصية لقانون محل إبرامها، وهو في هذه القضية القانون الفرنسي الذي يقرر صحة الوصية في الشكل العرفي (1).
ثانياً: التفرق الجثماني: رفعت دعوى أمام المحاكم الفرنسية بطلب التفرق الجثماني لزوجين إسبانيين، فقال الدفاع أن المحاكم الفرنسية غير مختصة بالنظر في هذا الطلب لتعلق التفرق الجثماني بالحالة الشخص، و هذه الأخيرة أي حالة الشخص تخضع لقانون جنسيته، وذلك طبقاً للقانون الفرنسي
......................................
(1)_.د/أعراب بلقاسم: ق.د.خ الجزائري الجزء الأول "تنازع القوانين" طبعة 2005، دار هومة للطباعة و النشر و التوجيه.ص 55.
أو الإسباني، ولما كان القانون الإسباني يجعل مثل هذا الطلب من اختصاص المحكمة الكنيسة، و يعتبر التفرق الجثماني مسألة موضوعية مثلها مثل الزواج أو الطلاق، فيجب رفع هذا الطلب إلى المحاكم الكنيسة في إسبانيا، و لكن محكمة استئناف بباريس قضت في 09 يناير 1934 بأن القانون الفرنسي يكيف إجراءات التفرق الجثماني بإعتبارها تدخل في نظام المرافعات، وتكون بالتالي مسألة مستقلة تماماً عن الموضوع، أي تخضع للقانون الفرنسي.
ثالثاً: بطلان زواج اليونانيين: رفعت دعوى أمام المحاكم الفرنسية بطلب بطلان زواج أحد اليونانيين لأن تم قي شكل مدني، في حين أن القانون اليوناني - هو قانون جنسيته- يعتر إشهار الزواج في شكل ديني مسألة موضوعية و يدخلها في نظام الأحوال الشخصية، و لكون محكمة النقض الفرنسية قضت في 22 جوان 1955 بأن القانون الفرنسي هو القانون المختص بالتكيف، الذي يعتبر مسألة إشهار الزواج في شكل ديني هي مسألة شكلية- لا موضوعية- و بالتالي تخضع لقانون المكان الذي تم فيه إبرام عقد الزواج.
رابعاً: قضية الزوج المحتاج: تتلخص وقائع هده القضية في أن زوجيين من أصل مالطي حيث تزوجا بمالطا و أقاما بها مدة من الزمن، و بعد زواجهما انتقلا لإقامة في الجزائر، حيث اكتسب الزوج عقارات ثم توفي الزوج بالجزائر. فتقدمت أرملته أما القضاء الفرنسي في الجزائر أبدان الإستعمار. وطلبت منه تمتعها بما سبب بحصة الزوج المحتاج و هو نظام معروف في القانون الأنجومالطي – و قانون ممزوج بين القانون الانجليزي و الأعراف الموجودة بمالطا- لتطبيقه و هو نظام مجهول في القانون الفرنسي.
و هنا وجد القاضي الفرنسي نفسه مضطراً إلى إعطاء وصف للنظام القانوني المعرض أمامه أي تحديد ما إذا كان هدا الطلب يندرج صمن النظام المالي للزوجيين أم أنه يُعتبر من قبيل الميراث.
فالأنظمة المالية للزوجين إما يكون هذا النظام إتفاقياً أي مصدره إنفاق الزوجين، و ذلك وقت إبرام عقد الزواج أو في وقت لاحق، و من هنا فإن الأمر يتعلق بالعقد، من ثم فإنه يخضع لنفس قاعدة الإسناد التي تحكم العقد، و قاعدة Locus بالنسبة للشكل، و قانون الإرادة بالنسبة للموضوع
(القانون الذي يتفق الطرفان على تطبيقه)، و فيما يتعلق بالنظام المالي القانوني فإنه يلجأ إليه في حالة عدم وجود نظام مالي إنفاقي و المعمول به هنا لدى القضاء الفرنسي، هو إخضاعه لقانون أول موطن مشترك للزوجيين بعد الزواج.
مما يتعلق بالميراث فإن القضاء الفرنسي يميز بين الميراث في العقار و المنقول، فيخضع النوع الأول إلى لقانون موقع العقار و يخضع النون الثاني إلى لقانون آخر و هو قانون موطن المتوفى، و إذا رجعنا إلى قضية الحال، فإننا سنلاحظ ما يلي:
· إذا اعتبرنا طلب الأرملة من قبيل الميراث فسنخضعه للقانون الفرنسي – تركة عقارية – و هن فإن القضاء الفرنسي لن يستجيب لطلب الأرملة.
· أما إذا اعتبرنا الطلب من قبيل النظام المالي للزوجين فإننا سنخضعه لقانون أول موطن المشترك للزوجين بعد الزواج لأنهما لم يتفقا على نظام مالي معين، أي سنخضع طلب الأرملة للقانون الأنجلومالطي و بالتالي سيستجيب القضاء لطلبها(1).
من هذه القضايا يتضح لنا أن نفس المسألة قد يختلف وصفها القانوني أو تكييفها من دولة لأخرى، وأن هذا الاختلاف في التكييف ينجم عنه اختلاف قاعدة الإسناد التي تنطبق وهذا يؤدى إلى اختلال في الأحكام، إذا كانت القوانين تختلف فيما بينها بشأن تحديد الوصف القانوني للمسألة والعلاقة محل النزاع، كان من الطبيعي أن نتساءل عن القانون الذي يرتبط بتلك المسألة أو العلاقة والذي يحكم التكييف.
المبحث الثاني : الاتجاهات المختلفة بشأن القانون الذي يحكم التكييف و موقف المشرع منها:
بما أن التكيف أمر أساسي و أولي لحل تنازع القوانين من أجل تحديد قاعدة الإسناد
و بالتالي القانون الواجب التطبيق يعتمد على تعيين طبيعة العلاقة و إدخالها ضمن صنف قانوني معين، أُقتُرحت لهذا الغرض إتجاهات مختلفة، كل منها يسند التكيف لقانون معين و هي كالتالي:
المطلب الأول: الاتجاهات المختلفة بشأن القانون الذي يحكم التكييف:
ذهب فريق من الفقه إلى إخضاع التكييف لقانون القاضي، في حين ذهب فريق ثان إلى إخضاعه للقانون المختص بحكم النزاع، و نادى فريق أخير بإخضاع التكييف للقانون المقارن.
الاتجاه الأول: خضوع التكييف لقانون القاضي:
وقد كان الفقيه كاهن بارتان هو أول من وضع نظرية متكاملة لمشكلة التكييف تقوم على إخضاع التكييف لقانون القاضي، وقد استند بارتان إلى دراسته للقضاء، للقول بأن تحديد الوصف القانوني للمنازعات ذات الطابع الدولي يجب أن يتم وفقا لقانون القاضي حتى و لو لم يكن هو الواجب
.......................
(1) - أ/ حبار، محاضرات في المقياس القانون الدولي الخاص ، السنة الرابعة – كلية الحقوق سنة الجامعية 2007 – 2008
التطبيق على النزاع أو حتى لم يكن الصلة به، ويبرر بارتان إخضاع التكييف لقانون القاضي بحجة مستمدة من فكره السيادة ـ بحسب أن المشرع الوطني يتنازل عن قدر من سيادته عند سماحة بتطبيق القانون الأجنبي، الأمر الذي يحتم الرجوع إلى نفس المشرع الوطني لبيان مدى هذا التنازل وحدوده، وعلى ذلك فإذا كان المشرع الفرنسي قد سمح مثلا بإخضاع أهلية الأشخاص لقانون جنسيتهم فان المنطق بالرجوع للقانون الفرنسي لتعريف المقصود بالأهلية، ذلك أن قيام قانون أخر بهذا التحديد يعنى إن هذا القانون هو الذي تمارس فيه السيادة التشريعية للدولة الفرنسية.
وبعبارة أخرى يمكن القول بان التزام القاضي بتطبيق قواعد الإسناد التي يأمره بها مشرعه الوطني سيتتبع التزامه في الوقت ذاته بتطبيق قواعد التكييف التي يأمره بها نفس المشرع لأن هذه القواعد هي التي تحدد الإطار الفعلي لتطبيق القوانين الأجنبية، أي الإطار الفعلي لسيادة الدولة التشريعية.
ويؤيد الفقه الغالب ما ذهب إليه بارتان من إخضاع التكييف لقانون القاضي LEX FORI ولكن على أساس مختلف عن الأساس الذي شيد عليه بارتان و نظريته وهو فكرة السيادة فقواعد الإسناد لا يناط بها حسم تنازع بين السيادات وإنما تهدف إلى التوصل لأكثر الحلول مناسبة للعلاقات ذات الطابع الدولي تحقيقا للتعايش المشترك بين النظم القانونية.
لذلك يستند هذا الفقه لحجج أخرى للقول بخضوع التكييف لقانون القاضي وفيما يلي أهم هذه الحجج.
v إن التكييف لا يعدو في حقيقته أن يكون تفسيرا لقاعدة الإسناد الوطنية، الأمر الذي يقتضى أن يخضع بالضرورة لقانون القاضي فإذا ما قضت قاعدة الإسناد الوطنية مثلا بإخضاع الأهلية لقانون الجنسية فإنه يجب لإمكان تطبيق القاضي لهذه القاعدة تحديد معنى الأهلية ومعرفة ما إذا كان هذا المعنى ينطبق على المسألة المثارة أمام القاضي، ومن ثم فلا غرابة في أن يتم تفسير قاعدة الإسناد الوطنية وفقاً لإحكام القانون الوطني.
v أن القاضي حينما يقوم بتكييف المسألة أو العلاقة المعروضة أمامه فهو يتأثر حتماً بحكم تكوينه الثقافي والقانوني و بالمبادئ الواردة في قانونه، وهذا ما يفسر اتجاه القضاء في غالبية الدول إلى إخضاع التكييف لقانون القاضي قبل إن يطرح بارتان نظريته في التكييف.
v ويستند الفقه الحديث أخيرا إلى حجة ذات طابع عملي للقول بإخضاع التكييف لقانون القاضي مفادها إن هذا القانون هو القانون الوحيد الذي يتصور إن يتم التكييف وفقاً له، ولا يتصور إن يتم ذلك وفقا لقانون أخر كالقانون المختص بحكم العلاقة، إذ إن تحديد هذا القانون لن يتسنى قبل تعيين قاعدة الإسناد المطبقة وهو الأمر الذي يستدعى تحديد الوصف القانوني للمسألة أو العلاقة المطروحة أمام القاضي أو بعبارة أخرى تكييف هذه المسألة أو العلاقة الأجنبية.
والتكييف التي يجب إجراؤها عقب ذلك لا يؤدى إلى تعديل هذا الاختصاص، وإنما تعمل فقط على بيان كيفية تطبيق القانون الأجنبي بالنسبة للمسألة التي ثبت له الاختصاص فعلا بحكمها.
ويتلقى الفقه الذي يقرر خضوع التكييف الأولي لقانون القاضي بحسبان إن الأمر يتعلق بتفسير قاعدة إسناده نفس النتيجة التي انتهى إليها بارتان، إذ أن التكييف الأولى أو الاختصاص وحده هو الذي يتعلق بتفسير قاعدة الإسناد.
أما التكييف اللاحقة أي الثانوي فهي لا ستثار إلا بعد تحديد القانون الواجب التطبيق وبصدد هذا التطبيق، ومن ثم فهي تخضع لهذا القانون بوصفها تفسيرا لإحكامه. ونرى في هذا الصدد أن قصر مجال إعمال قانون القاضي على التكييف الأولى أو الاختصاص يرتكز لنفس السبب الذي حدد بالقضاء إلى الاستعانة بقانون القاضي لتحديد طبيعة المسألة محل النزاع قبل طرح بارتان لنظريته فقد أدرج القضاء على الرجوع لقانونه الوطني بحسبان أنه المنهج الوحيد لتحديد قاعدة الإسناد.
وبالتالي لمعرفة القانون الذي ينعقد له الاختصاص، وعلى ذلك فمجرد معرفة هذا القانون تزول الحاجة إلى الاستعانة بقانون القاضي، وينبغي الأخذ بما يقرره القانون المختص بحكم النزاع في حسم مختلف المسائل التي قد تعرض عند تطبيق هذا القانون بما في ذلك التكييف اللاحقة أو الثانوية، فكل هذه المسائل تعد جزءا لا يتجزأ من الحكم الموضوعي الذي يتضمنه القانون الواجب التطبيق.
وقد ثار السؤال حول ما إذا كان تكييف المال يدخل ضمن مجال إعمال قاعدة خضوع التكييف لقانون القاضي.
ذهب بارتان إلى إخضاع تكييف المال ـ أي تحديد طبيعته من حيث كونه منقولا أو عقار- لقانون موقع المال وليس لقانون القاضي. ويستند هذا الاستثناء إلى أن ارتباط الأموال بإقليم الدولة يقتضى تكييف المال وفقاً لقانون موقعه حفاظاً على استقرار المعاملات وسلامتها.
غير أن الفقه الغالب لا يؤيد بارتان في هذا الاستثناء ذلك أن سلامة المعاملات واستقرارها لا يستلزم حتما الخروج على مبدأ إخضاع التكييف لقانون القاضي، كما أن تحديد طبيعة المال ومعرفة ما إذا كان عقارا أو منقولا قد يكون لازما في بعض الأحوال لتحديد قاعدة الإسناد الواجبة التطبيق، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاستعانة بقانون القاضي.
من أمثلة ذلك ما نص عليه القانون الفرنسي من خضوع الميراث في العقار لقانون موقعه وخضوع الميراث في المنقول لقانون موطن المتوفى، ويترتب على اختلاف قواعد الإسناد المتعلقة بالميراث بحسب ما إذا كان هذا الميراث قد اِشتمل على عقار أو منقول، أن يقوم القاضي أولاً بتحديد طبيعة المال، وهذا ما لا يمكن للقاضي القيام به دون الاستعانة بقانونه، فإذا حدد القاضي طبيعة المال وفقاً لقانونه أمكنه حينئذ فقط التوصل إلى قاعدة الإسناد الواجبة التطبيق على النزاع.
يضاف إلى ذلك أن المال محل النزاع قد يوجد في إقليم أكثر من دولة ومن ثم فقد تختلف طبيعته من دولة إلى أخرى، وبالتالي قد تتعدد قواعد الإسناد وتتضارب بشأن نفس النزاع، كذلك قد يكون المال محل النزاع مالاً معنوياً يتحدد موقعه في كل دولة وفقا للمبادئ القانونية السائدة فيها، فكيف السبيل حينئذ إلى تحديد موقع المال مال يكن هذا التحديد مرتبطاً بقانون دولة معينة بالذات.
ونرى مع جمهور الفقهاء المصريين عدم استثناء تكييف المال من الخضوع لقانون القاضي، ذلك أن قاعدة الإسناد قد تخضع المال سواء كان منقولاً أو عقاراً لقانون موقعه، وفى هذه الحالة لن يترتب على اختلاف القانون الذي يخضع له التكييف أي سواء كان قانون القاضي أو قانون موقع المال التأثير في القانون الواجب التطبيق، مما ينفى أي حاجة عملية إلى الخروج على مبدأ خضوع التكييف لقانون القاضي.
أما إذا كانت قاعدة الإسناد الوطنية تخضع المنقول لقانون آخر غير ذلك الذي تخضع له العقار كما هو الحال بالنسبة لقواعد الإسناد بشأن الميراث في فرنسا، فانه ليس هناك أدنى شك في ضرورة الاعتماد على التكييف الوارد في قانون القاضي والقبول بغير ذلك يؤدى إلى خرق قاعدة الإسناد الوطنية، لأن الاعتماد على التكييف الوارد في قانون موقع المال قد يؤدى إلى تطبيق القاضي لقاعدة إسناده في غير الحالات التي يرى المشرع الوطني تطبيقها فيها، كأن يطبق قاعدة الإسناد الخاصة بالعقار على المال يُعد من وجهه نظر المشرع الجزائري منقولاً.
الاتجاه الثاني: إخضاع التكييف للقانون المختص بحكم العلاقة:
انتقد فريق من الفقه ما قال به من إخضاع التكييف لقانون القاضي، وهو يرى إخضاع التكييف للقانون المختص بحكم العلاقة lex causae أي القانون الذي تمنحه قاعدة الإسناد الوطنية والاختصاص بحكم العلاقة، وذلك استناداً إلى أن لكل قانون تكييف وعلى ذلك إذا قضت قاعدة الإسناد الوطنية بإخضاع النزاع لقانون أجنبي معين، يجب تطبيق هذا القانون على النزاع بشكل كامل ابتداءاً من إعطاء الوصف القانوني اللازم للنزاع حتى التوصل إلى الحل النهائي لهذا النزاع، ذلك أن الأخذ بالتكييف المقرر في قانون دولة أخرى من شأنه تطبيق القانون الأجنبي حيث لا يجب تطبيقه، أو على العكس من ذلك إلى عدم تطبيق القانون الأجنبي في الوقت الذي كان يجب فيه تطبيقه وفقا لإرادة المشرع الأجنبي.
بعبارة أخرى يرى أنصار هذا الرأي أن من شأن عدم الرجوع للقانون الأجنبي المختص بحكم النزاع لتكييف المسألة خرق هذا القانون وتطبيقه في غير الحالات التي أراد المشرع الأجنبي تطبيقه فيها، فإذا كان قانون القاضي المثار أمامه النزاع يدرج المسألة محل النزاع في طائفة مسائل الأهلية ويخضعها بالتالي لقانون الجنسية، بينما كان هذا القانون الأخير يدرج نفس المسألة في طائفة مسائل الشكل،ولا يعتبرها داخله في مجال تطبيقه، فان التمسك باعتبار المسألة من مسائل الأهلية وفقا لقواعد التكييف في قانون القاضي من شأنه عقد الاختصاص للقانون الأجنبي بحكم مسألة لا يعتبر نفسه مختصاً بحكمها.
وقد وجه إلى نظرية إخضاع التكييف للقانون المختص بحكم العلاقة نقداً مفاده إن من شأن الأخذ بها الوقوع في حلقة مفرغة، فلكي يتسنى إجراء التكييف وفقاً للقانون المختص بحكم العلاقة يجب تحديد هذا القانون أولاً، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلا بعد الانتهاء من التكييف، وهكذا يعد القول بإخضاع التكييف للقانون المختص بحكم العلاقة من قبيل المصادرة على المطلوب، إذ كيف يتسنى للقاضي الرجوع للقانون الأجنبي لمعرفة طبيعة النزاع المعروض عليه من قبل أن يعرف ما إذا كان القانون الأجنبي واجب التطبيق أم لا ؟
الاتجاه الثالث: إخضاع التكييف للقانون المقارن:
نادي الفقيه رابا بعدم التقيد في تكييف مسائل القانون الدولي الخاص بقانون دولة معينة إذ أن الهدف من قواعد الإسناد هو مواجهة حاجة المعاملات الدولية وهو هدف ذو طابع دولي، ينبغي أن ينعكس على الكيفية التي يتحدد بمقتضاها مضمون هذه القواعد، بحيث يتحرر هذا المضمون من المفاهيم الجامدة والأطر الضيقة للقانون الداخلي، والتي لا تستجيب لطبيعة علاقات القانون الدولي الخاص، وينفتح على المفاهيم السائدة في معظم النظم القانونية.
لذلك يقترح رابا اللجوء إلى المنهج المقارن لاستخلاص المضامين ذات طبيعة عالمية لقواعد الإسناد، وعلى هذا النحو فإذا تصدى القاضي الألماني مثلاً لإعمال قاعدة الإسناد التي تخضع الوصاية على القاصر لقانون جنسيته فلا ينبغي عليه الرجوع إلى القواعد الموضوعية للقانون الالمانى أو لأي قانون وطني أخر، لتحديد مضمون فكره الوصاية وإنما يجب عليه أن يستخلص مفهوم مطلق لهذه الفكرة عن طريق الدراسة المقارنة لقوانين الدول المختلفة، بعبارة أخرى فإن مضمون فكرة الوصاية وفقا لقاعدة الإسناد الأساسية يجب ألا يكون امتداداً لمضمون ذات الفكرة كما تحدده القواعد الموضوعية للقانون الالمانى وإنما يجب تحديد مضمون هذه الفكرة بالرجوع إلى النظم السائدة في العالم المتمدين في هذا الصدد.
ولم تجد نظرية رابا قبول لدى القضاء لما ينطوي عليه تطبيقها من صعوبات عملية ذلك أنه من الصعب على القاضي وهو يحدد طبيعة المسألة أن يرجع إلى قوانين الدول المختلفة، كذلك فان اختلاف النظم القانونية حول الوصف القانوني للعديد من المسائل قد يقود القاضي إلى نتائج متضاربة.
المطلب الثاني: موقف المشرع في مسألة التكيف:
لقد نص المشرع في المادة 09 من القانون المدني على أنه: القانون الجزائري المرجع لتحديد»
وإذا رجعنا إلى تحليل هده المادة فإننا نلاحظ ما يلي:
1.[B] أن مشرعنا أعتمد الصياغة الأحادية في هده المادة.
2. أن أخضع كل تكيف لنزاع يثار أمام القضاء الجزائري للقانون الجزائري لوحده، أي أنه أخضعه لنظرية بارتان في التكيف.
3. أن التكيف الذي قصده مشرعنا هو التكيف الأولي دون التكيف الثانوي .
4. أن التكيف للقانون الجزائري الأولي لا يمنع القاضي من أن يستند بالقانون الأجنبي غير أن ذلك ليس مسألة وجوبية لأن على القاضي الجزائري أن يكيف دائما حسب القوانين الوطنية.
5. أن مشرعنا حين تعديله لقانون المدني في المادة 17 منه نصت على أنه:« يخضع تكيف المال سواء إن كان عقاراً أو منقول إلى قانون الدولة التي يوجد فيها» و هو في ذلك قد قنن الإسثتناء الثاني.
و الواقع أن مشرعنا قد أخطأ في تقيمه لهذا الحكم، و يجب علينا حين وصف المال أن نتطرق إلى حالتين:
v الحالة الأولى: إذا لم يكن وصف المال ضروري لتحديد القانون الواجب التطبيق، فهنا لا يهم أن نكيف هذا المال طبقاً لقانون القاضي أو لقانون موقع المال و مثال ذلك : لو تعلق الأمر بتطبيق الحكم الوارد المادة 17/1 من ق. م التي تنص على أنه: «تخضع الحقوق العينية لقانون موقع المال التي ترد عليه» فهنا العبرة ليست بوصف المال و إنما بطبيعة الحق الذي يرد على هذا المال، و بدلك فإن تكيف المال في هذه الحالة سواء تم على ضوء قانون القاضي أو على قانون موقع هذا المال لم يؤثر على تحديد القانون الواجب للتطبيق.
v الحالة الثانية: و التي يكون فيها وصف المال فيها لتحديد القانون الواجب التطبيق، و مثال ذلك ما نصت عله المادة 18 من ق.م التي فرقت بين نوعين من الالتزامات التعاقدية:
- الالتزامات العقدية المتعلقة بالمنقول: فهنا تخضع إما لقانون الإرادة، و إما لقانون الجنسية
المشتركة للمتعاقدين، و إما لقانون الموطن المشترك للمتعاقدين، و إما لقاعدة LOCUS(1).
- الالتزامات العقدية المتعلقة بالعقار: و هي تخضع لقانون موقع العقار، و نستنتج من ذلك إذ أنه لتطبيق الحكم الوارد في المادة 18 من ق.م، فإن العبرة هي بوصف المال موضوع العقد أي أن وصف المال ( عقار أو منقول) هو الذي سيتحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق ، و من ذلك أن وصف المال هنا يعتبر تكبفًا أولياً و من ثم فأنه يخضع للقانون الجزائري بإعتباره نخضعه لقانون موقع المال قانون القاصي و لا يمكن أن نُخضعه لقانون موقع المال .و من ذلك يظهر خطأ المشرع الجزائري عندما عمم القاعدة التي و ضعها في المادة 17/1 من ق.م .