عدالة تقهر الظلم
07-13-2011, 10:35 PM
هيئة المحكمة: الرئيس الحسيني الكناني والمستشاران الصديق أبو الحسن وإمام البدري.
- 1 -
سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والأقوال فيها والترجيح بينها والأخذ البعض منها وإطراح البعض الآخر.
- 2 -
عدم إلزام المحكمة بتعقب الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم والرد عليها استقلالا طالما أن قيام الحقيقة المقتنعة بها فيها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال.
- 3 -
عدم اعتبار تناقض روايات شهادة الشهود في بعض تفصيلاتها معيبا للحكم أو مقدحا في سلامته طالما أن استخلاص الحكم من أقوالهم هو استخلاصا سائغا لا تناقض فيه.
- 4 -
اعتبار القتل نوعان عمدا وخطأ وفق المذهب المالكي المعمول به.
- 5 -
اشتراط كون إتيان الفعل المؤدي للموت عمدا عدونا دون قصد اللهو واللعب لتوفر ركن القتل العمد وركن القصد فيه.
- 6 -
حق محكمة التمييز الإثارة في الطعن المسائل المتعلقة بالنظام العام عند تعلقها بالحكم المطعون فيه وعند توافر لها عناصر الفصل فيها.
- 7 -
تحديد نطاق الجرائم والعقوبات وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
- 8 -
سلطة محكمة الموضوع في تقدير العقوبة التعزيرية في نطاق الحدين الأعلى والأدنى المقررين في القانون.
- 9 -
كيفية تحديد مقدار دية القتل العمد وحالات استحقاقها.
الوقائع
بعد الإطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الواقعة على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق تتحصل في أن النيابة العامة أسندت إلى الطاعن ... ـ في القضية رقم 4795/2002 جنايات الشارقة أنه في يوم 10/7 / 2002 بدائرة الشارقة
1 - قتل عمداً المجني عليه ... بأن طعنه بآلة حادة سكيناً ـ قاصداً من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بالصفة التشريحية والتي أودت بحياته .
2 - وهو مسلم عاقل بالغ شرب الخمر دون ضرورة تبيح له ذلك .
وطلبت عقابه طبق أحكام الشريعة الإسلامية .
وبجلسة 20/5/2003 حكمت محكمة أول درجة بالإجماع بإدانته بما نسب إليه ومعاقبته بالقتل قصاصاً عن الجريمتين . وبمصادرة السكين أداة الجريمة . فاستأنف برقم 695/2003 واستأنفت النيابة العامة ـ بقوة القانون ـ برقم 677/2003 جزاء الشارقة . وبجلسة 3/9 / 2005 حكمت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الاستئناف 677/2003 المرفوع من النيابة العامة برفضه وفي الاستئناف 695/2003 المرفوع من الطاعن بتعديل الحكم المستأنف بمعاقبته بالسجن لمدة خمسة عشرة سنة تعزيراً ومصادرة السكين . وإلزامه بأن يؤدي لورثة المجني عليه ديته الشرعية مائتي ألف درهم عن الجريمة الأولى وبجلده ثمانين جلده حداً عن الجريمة الثانية . فطعن بالنقض الماثل 547/27 بطلب تقدم به لمدير إدارة المنشآت الإصلاحية والعقابية مؤرخ 5/9 / 2005 فأودع المحامي المنتدب صحيفته بتاريخ 23/10/2005 كما طعنت النيابة العامة بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة في 14/9 / 2005 .
أولاً : في الطعن 547/27 المقام من .
حيث توجز الواقعة بالقدر اللازم على ما يبين من الأوراق والحكم المطعون فيه أنه بتاريخ 10/7 / 2002 كان المتهم ـ الطاعن ، وآخرون يحضرون حفلاً في أحد الأعراس بالشارقة والمجني عليه ..... من بين الحاضرين والطاعن بحالة سكر بيّن فحاول أحد الحاضرين إبعاده عن العرس فتشابك معه بالأيدي . وتدخل الآخرون لفض الاشتباك وبينهم المجني عليه . وتم إخراج الطاعن إلى الطريق العام . إلا أنه بعد فترة عاد وبيده سكين طعن بها المجني عليه في رقبته . فسقط على إثرها أرضاً وتم نقله إلى أحد المستشفيات وتوفي . وقد فر الجاني إثر الحادث وبعد البلاغ حضر رجال الشرطة ومشطوا المنطقة ، منزله ومنزل أحد أقربائه ومنزل شقيقته وشاهدته الدورية الثالثة ـ من الدوريات التي وزعها الضابط المسئول عن المنازل الثلاثة ـ على سطح منزل شقيقته متجهاً نحو منزل أحد أقربائه وهو يتسلق الجدران وتم إبلاغ النقيب ... وتمت محاصرة المكان فوراً وبعد صدور أمر التفتيش من وكيل النيابة المناوب فسمح للدورية بمداهمة المكان شفهياً وأمر رئيس القسم بالمداهمة حيث شاهده العريف ... وهو يحاول الفرار حتى تمكن من القبض عليه وبالبحث بالمنطقة عن أداة الجريمة وجدت الشرطة أداة الجريمة في مكان الحادث بصندوق القمامة كما وجدت بقع دم بمكان الحادث فاستدعي الخبير البيولوجي وخبير البصمة والمصور الجنائي وتم أخذ المتهم إلى مستشفى القاسمي لأخذ عينة من دمه ثم سلم لمركز الشرطة ودونت الشرطة إفادات كل من ... الذي أفاد بأنه شاهد المتهم فوق سطح المنزل وسأله عمن بالخارج فأخبره بأنهم رجال المكافحة فرمى إليه السكين من فوق الجدار وقام ـ ... ـ بأخذها ودسها خلف المنزل تحت الأرض ولم يخبر بها الشرطة لخوفه ثم من بعد أرشد إليها رجال التحريات ـ كما دونت الشرطة إفادة ... ـ وليس بالأوراق ما يفيد أخذ أقوال الطاعن لدى الشرطة وجاء بإفادته بتحقيقات النيابة العامة أنهم يسكنون أم خنور وخرج من البيت فجاءه ... و ... وعرضا عليه الذهاب إلى العرس فذهبوا وجلسوا في سكة العرس وشربوا الخمر ومعهم .... . وتضارب مع ... و ... و ... وصفعه ... على وجهه وكان بيده سكيناً ضربه بها على يده ـ وعصا وحاول أخذ السكين ولكنهم كانوا كثيرين ومعهم سيوف وسكاكين وقال لهم سأبلغ الشرطة وشرد منهم وتسلق الجدار وكانوا ينتظرونه لينزل من الجدار فجاءت الشرطة وهربوا وركب مع الشرطة . وأن ما هو منسوب إليه غير صحيح . ولم تكن بيده سكين وأن سبب المشاجرة بينه وبين ..... مشكلة قديمه . وقرر أن السكين التي عرضتها عليه الشرطة تعود لـ...... . واستمعت النيابة العامة إلى أقوال شهود الواقعة على ... و ... و ... و ... .... وقد أفاد ... أن المتهم رمى له السكين من فوق الجدار فقام بدفنها ـ وقد سبق ذكر روايته ـ وقد كان بالبيت . وأفاد ..... أن المتهم وقت الواقعة كان يرقص أمام خيمة العروس وبيده زجاجة خمر وكان سكراناً وحصلت بينهما مشكلة لأنه كان يريد أن يبعده عن مكان العرس . فتضايق منه ودفعه وأخذ يصرخ وجاء ....... وتفاهم معه فذهب ... من الطريق فأخرج السكين وقال (من فيكم الرجل) فسار إليه ..... ووقف معه وتكلم معه وجهاً لوجه فضربه ..... في رقبته وكان ينزف من الطعنة من جهة اليسار وهرب وكان .... سكراناً وأفاد كذلك ... بأن المتهم طعن المجني عليه بالسكين في رقبته من جهة اليسار ـ وأفاد ... أنه حضر بعد نقل الجثة وأفاد ... مثل إفادة .... وأنه شاهد السكين في يد المتهم وأنه طعن المجني عليه في رقبته ولا يتذكر الجهة وكان ينزف من فمه ورقبته وأفاد الطاعن أمام أول درجة أنه حصلت مضاربة بينه وبين المجني عليه ولم يطعنه بالسكين وليس بينه وبين المجني عليه عداوة وأنه شرب الخمر في حفلة واستمعت أول درجة إلى شهادة الشهود بعد أداء اليمين فشهد ... بأن الطاعن كان يشرب الخمر في حفلة العرس فحاول ... أن ينهاه عن ذلك فتشاجرا وفرق الموجودون بينهما فخرج خارج خيمة العرس ثم عاد وبيده سكين قام الموجودون بتخليصها منهما فخرج إلى الطريق وعاد ومعه سكين أخرى وحاول ضرب ... بها فتدخل المجني عليه بينهما ولا يدري ما تم بينهما وقد ضرب المتهم ـ الطاعن ـ المجني عليه بالسكين تحت رقبته ولا يتذكر إن كانت الضربة جهة اليمين أو اليسار وحاول ضرب ... إلا أن أحد الأشخاص أمسك بيده وحاول الموجودون تخليص السكين منه وكان يهددهم وهو بحالة سكر. وشهد ... بعد القسم بأن المتهم كان شارباً وأمسك به وحصلت مشادة كلامية وفرق بينهما الموجودون فخرج إلى الطريق وعاد بيده سكين وقام بتمزيق ثيابه واتجه نحو المجني عليه الذي لاقاه وكان سكراناً أيضاً فضربه المتهم بالسكين في أسفل رقبته في الجهة اليسرى ثم هرب وشهد مثل شهادته بعد أن حلف الشاهد ... وذكر أنه طعنه في جهة اليمين وهرب. واستمعت إلى شهادة ... بعد اليمين فنفى أقواله التي أدلى بها لدى الشرطة والنيابة وأنه أدلى بها بسبب الخوف وأن المتهم لم يعطه سكيناً وأنه وجد السكين بمسرح الجريمة بل قرب منزلهم. وأن والد المجني عليه الثابت إرثه بصك حصر الإرث الصادر الشارقة الشرعية رقم 404/2002 بتاريخ 2/11/2002 فيه وفي أمه مريم دون سواهما صمم على القصاص.
واستمعت محكمة الاستئناف إلى شهادة ... فشهد بعد القسم بمثل شهادته أمام أول درجة بأن الطاعن ضرب المجني عليه بالسكين في رقبته طعنه واحدة وسال منه الدم ولم يقصد قتله وكانت مشاجرة عادية وقد حضر جرياً إلى ... وضربه وعقب المتهم على الشهادة بأن ما ذكر غير صحيح كما استمعت إلى شهادة ... بعد القسم وشهد بمثل شهادته السابقة بأن المتهم ضرب المجني عليه بالسكين في رقبته وسقط الأخير على الأرض ـ وهرب المتهم . واكتفى الدفاع بهذا القدر من الشهود . وسألت محكمة الاستئناف والد المجني عليه ولي دمه عما إذا كان يتنازل عن القصاص فتنازل عنه مقابل حصوله على الدية الشرعية وقرر أن ابنه المجني عليه شاب لم يتزوج وأفاد المتهم بأنه علم بأنه تم دفع الدية وإيداعها لدى الشرطة لدفعها للورثة . وأثبت تقرير الطب الشرعي أنه بتوقيع الكشف على جثة ... 1 - وجد جرح طعني بطول حوالي 2 سم به غرز جراحية ـ رأس أسفل يسار مقدم العنق 2 - جرح قطعي طوله حوالي 3 سم به غرز ، جراحي مائل موجود أعلى الجنب الأيسر 3 - علامات حقن وريدي متعد ـ ويعزى حدوث الجرح الطعني رقم (1) إلى الطعن بالطرف المستدق لآلة حادة كسكين أو ما يشبهه. ويعزى حدوث الجرح الطعني رقم (2) والحقن الوريدي إلى محاولات إسعاف المذكور بالمستشفى وتعزى الوفاة إلى حدوث هبوط حاد بالدورية الدمية والتنفس نتيجة الجرح الطعني المذكور وما صاحبه بتهتك بالرئة اليسرى والأوعية الدموية ونزف بالتجويف الصدري وأن الوفاة جنائية.
وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت بالأوراق ويقول في شرح ذلك أنه أنكر في جميع المراحل قتل المجني عليه أو رؤيته له على مسرح الجريمة وقت وقوعها ووجود أداة الجريمة وعدم وجود بصمات عليها وتمسك بدفاعه بتناقض شهادة الشهود الذي عول الحكم على شهادتهم في إدانته وفيما أدلوا به لدى الشرطة وأن تقرير الطب الشرعي عن شكل الجرح الطعني من أعلى يثبت أن الجاني أطول قامة من المجني عليه وهو لا يتفق مع قامة الطاعن مما يؤكد عدم قيامه بهذا الفعل . وعلى الفرض الجدلي نسبة الفعل إليه فإنه لا يتوفر القصد الجنائي في هذه الواقعة لأن الثابت أن هناك طعنه واحدة . وأنه في حال ثبوت الجريمة فرضاً فإنها تنطبق عليها المادة 336 عقوبات وليس المادة 332 من ذات القانون . وقد خالف الحكم هذا النظر بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير قويم ذلك أنه من المقرر قضاءً أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والأقوال فيها والترجيح بينها . والأخذ بما تراه راجحاً منها. ولا رقيب عليها في ذلك ، طالما لم تعتمد على واقعة بلا سند . وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأقامت دليلها. وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
وليس عليها من بعد أن تتعقب الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم. وأن ترد عليها استقلالاً مادام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والطلبات والحجج.
كما أنه من المقرر أن تناقض روايات شهادة الشهود في بعض تفصيلاتها. على فرض حصوله ـ لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته مادام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه بما يكفي لتكوين عقيدته دون أن يكون ملزماً ببيان تفاصيل هذه الأقوال.
كما أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القتل وفق المذهب المالكي المعمول به ، نوعان عمد وخطأ.
ويشترط لتوفر ركن القتل العمل وركن القصد فيه أن يكون إتيان الفعل المؤدي للموت عمداً عدواناً . ولم يكن بقصد اللهو واللعب. ولا عبرة بما إذا كانت الآلة أو الوسيلة التي استعملت فيه قاتلة أو غير قاتلة. يقول ابن جزي في كتابه ـ القوانين الفقهية صـ 339 (فأما العمد فهو أن يقصد القاتل إلى القتل بضرب بمحدد أو بمثقل أو بإحراق أو تغريق أو خنق أو سم أو غير ذلك فيجب فيه القود ) وفي شرح الزرقاني على متن خليل 8 : 7 ( وإن قصد ـ أي تعمد ـ القاتل ضرباً وإن بقضيب أو نحوه مما لا يقتل غالباً وفعل ذلك بغضب أو عداوة يقتص منه).
لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أحاط بواقعة الدعوى وظروفها وملابساتها بما تتحقق به عناصر الواقعة الموضوعية والقانونية ويشكل جريمة القتل العمد الموجب للقصاص وفق تصور الفقه المالكي ـ القتل العمد العدوان بالضرب بمحدد ـ سكيناً ـ وأدان بها الطاعن على ما أورده بأسبابه معللاً بأن محكمة أول درجة سايرت النيابة العامة في خصوص أن الواقعة قتل عمد وانتهت إلى القضاء بقتل الجاني ... قصاصاً لقتله المجني عليه . وأن هذه المحكمة ـ محكمة الاستئناف ـ تساير النيابة فيما ذهبت إليه من أن الواقعة المطروحة كما حملتها الأوراق تشكل في صحيح القانون جناية القتل العمد من غير ترصد أو سبق إصرار . أي أن الطاعن ... كان يحضر حفل عرس صحبة آخرين منهم الشهود ... و ... و ...، والمجني عليه . وأن الطاعن كان ثملاً من تعاطي الخمر . كما أن المجني عليه كان ثملاً كذلك . ونظراً لحالة الطاعن التي كان عليها أراد الشاهد ... علي أن يخرجه من الحفل فتشابك معه الأول وتدخل آخرون لفض الاشتباك . فحصلت مشادة كلامية وتماسك بالأيدي فخرج الطاعن ثم عاد مرة أخرى . ثم أُخرج . إلا أنه في المرة الأخيرة عاد ومعه السكين . وتوجه للمجني عليه ـ ... ـ وطعنه بالسكين في رقبته وسقط على إثرها أرضاً . ونقل لأحد المستشفيات حيث فارق الحياة لا لسبب ارتكبه سوى مشاركته في فض الشجار ومحاولة إخراج الطاعن من الحفل حتى لا يفسده . الأمر الذي ترى معه المحكمة أن الواقعة على ذلك النحو هي واقعة قتل عمد . وأن نية القتل متوافر فيها ولا أدل على ذلك من إحضاره السكين وتوجهه مباشرة للمجني عليه وطعنه بها في مقتل الأمر الذي لا يرقى إليه شك في أن نية القتل العمد متوافرة من جميع شروطها القانونية وهو ما تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به وتقضي على سند منه . ولتنازل ولي الدم ـ أب المجني عليه عن القصاص بعوض هو قبوله الدية الشرعية فتدرأ المحكمة القصاص عن الجاني وتعزره عملاً بالمادة 331 من قانون العقوبات وتطبق عليها العقوبة التعزيرية وفق المادة 332 عقوبات باعتبارها قتل عمد مجرد من أي ظرف من الظروف المشددة وفيما يتعلق بالإسناد فإن الحكم المستأنف في محله للأسباب التي بني عليها وتأخذ بها أسباباً لها . وتضيف أن الثابت من شهادة كل من الشاهدين ... و ... التي سمعتها أن الطاعن ـ المستأنف ـ طعن المجني عليه بالسكين في رقبته بعد أن أُخرج من الحفل وعاد بيده تلك السكين الأمر الذي يتضح منه بجلاء صحة الواقعة وصحة نسبتها إليه . وقام الدليل القاطع عليها والذي تطمئن إليه وتأخذ به ركيزة لقضائها ومن ثم تؤيد الحكم المستأنف في هذا الخصوص مع تعديله بإسقاط القصاص والقضاء بالدية الشرعية لتنازل ولي الدم مقابلها مع العقوبة التعزيرية . وهذه أسباب سائغة لها أصلها من الشرع والقانون ومادون بالأوراق وتكفي لحمل قضاء الحكم ـ إذ الثابت من الأوراق على نحو ما سلف بسطه بالواقعات أن الشرطة أخذت في محضرها إفادة الذين كانوا على مسرح الجريمة .... وإفادة ...... الذي أفاد أن المتهم رمى له السكين من فوق الجدار ثم غير أقواله لدى النيابة كما استمعت النيابة العامة إلى شهادة ... و ... و ... و ... و ... واستمعت محكمة أول درجة بعد أداء اليمين إلى شهادة كل من ... و ... و ... و ... كما استمعت محكمة الاستئناف إلى شهادة ..... و.... ومعظم الشهود شهدوا بأن الطاعن طعن المجني عليه في رقبته . وإذ أثبت تقرير الطب الشرعي أن الوفاة جنائية وسببها الجرح الطعني بآلة حادة . ومن ثم يكون إسناد قتل الطاعن للمجني عليه عمداً عدواناً ثابت بيقين ولا ينال من ذلك أنه أتى الفعل في حالة سكر إذ أنه وإن كان مناط المسئولية في الشريعة الإسلامية العقل والبلوغ فإنه لا يرفع عنه شرب الخمر والسكر به المسئولية في الجنايات وقد أدخل السكر على نفسه بطوعة واختياره ، دون ضرورة شرعية . وهو مسلم عالم بحرمته . لما جاء في البهجة شرح التحفة لابن عاصم :
لا يلزم السكران إقرار عقود بل ما جنى، عقد ، طلاق ، وحدود
وهو ما يتفق ونص المادة 61/1 من قانون العقوبات الاتحادي 3/1987 على أنه ( إذا كان فقد الإدراك أو الإرادة ناتجاً عن عقاقير ، أو مواد مخدرة ، أو مسكرة تناولها الجاني باختياره وعلمه عوقب على الجريمة التي وقعت . ولو كانت تتطلب قصداً جنائياً خاصاً . كما لو كانت قد وقعت بغير تخدير أو سكر ..) ومن ثم يضحى النعي على غير أساس متعين الرفض .
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
وحيث إن للمحكمة العليا أن تثير في الطعن المسائل المتعلقة بالنظام العام متى تعلقت بالحكم المطعون فيه . وتوافرت لها عناصر الفصل فيها .
وكان نص المادة 13/1 من قانون العقوبات الاتحادي 3/1987 أنه ( إذا صدر بعد وقوع الجريمة وقبل الفصل فيها بحكم بات قانون أصلح للمتهم ، فهو الذي يطبق دون غيره) والنص في المادة 332/1 من القانون 34/2005 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات على أن تكون عقوبة القتل عمداً الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا عفا أولياء الدم عن حقهم في القصاص في أي مرحلة من مراحل الدعوى ، أو قبل تمام التنفيذ ـ وكان النص في المادة الأولى من قانون العقوبات على أن تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدية أحكام الشريعة الإسلامية . وتحدد الجرائم والعقوبات التعزيرية وفق أحكام هذا القانون والقوانين العقابية الأخرى . وإذ عفا ولي الدم عن القصاص مقابل الدية . وقد عاقب الحكم الطاعن بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً. وإذ كانت القضية صالحة للحكم فإن المحكمة تتصدى عملاً بالمادة 249 ـ إجراءات جزائية وتقضي بتعديل العقوبة المقضي بها إلى الحبس وفق المادة 332/1 المعدلة بالقانون سالف الذكر . مع جلد الطاعن مائة جلدة وفق المذهب المالكي في حالة العفو عن القصاص لقول خليل (وعليه مطلقاً جلد مائة وحبس سنة ...) وأخذا بقاعدة : إن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على وجهها الصحيح لا يضر أحداً . وعلى أن تكون العقوبة التي سيقضى بها من تاريخ صدور الحكم الابتدائي في 20/5 / 2003 .
مع الأخذ في الاعتبار أن تقدير العقوبة التعزيرية متروك لتقدير المحكمة في نطاق الحدين الأعلى والأدنى المقررين في القانون . مما يقتضي نقض الحكم المطعون فيه جزئياً في هذا الخصوص والقضاء بمقتضى ما سلف ذكره .
ثانياً : في الطعن 499/27 المقام من النيابة العامة .
حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية ، والقانون . وتقول في بيان ذلك أن الحكم قضى بعد سقوط القصاص بالدية مائتي ألف درهم وهي دية القتل الخطأ بينما دية القتل العمد مغلظة ودية القتل الخطأ مخففة . فأخطأ بقضائه بالدية المخففة . مما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي غير سديد ، ذلك أن من المقرر شرعاً وفق المذهب المالكي المعمول به أن دية قتل العمد ـ إذا عفا ولي الدم ـ غير محددة المقدار شرعاً وتجوز بما تراضى عليه الورثة مستحقوا القصاص مع القاتل ، قليلاً أو كثيراً . فإن لم يحددوا مقداراً معيناً ، وجهل مقدارها فتكون بقدر دية القتل الخطأ . لما جاء في كتاب القوانين الفقهية لابن جزي صـ 342 ( وأما دية العمد فهي غير محددة فيجوز ما تراضوا عليه من قليل أو كثير . فإن انبهمت كانت مثل دية الخطأ ) مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا كان المستحقون للقصاص صغاراً فإنه لا يجوز العفو بأقل من الدية كاملة صوناً للصغير ومصلحته . ووفق المذهب المذكور إن الدية تغلظ في شبه العمد . والمقصود به الفعل المباح المأذون به ، ويتجاوز فاعله القدر المأذون فيه . كضرب الزوج زوجته تأديباً . وضرب المعلم التلميذ لإصلاحه ، وتأديبه .
فيؤدى ذلك إلى تلفه قال خليل بن اسحاق ، المالكي ( كدية غُلِّظت ) كما جاء بمواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب الرعيني 8 : 347 باب الدماء (" ودية غُلِّظت " قال في المسائل الملقوطة : الدية المغلظة تكون في شبه العمد : وهو ضرب الزوج والمؤدب والأب في ولده ، والأم والأجداد . وفعل الطبيب ، والخاتن . وهو كل مَنْ جاز فعله شرعاً . وقيل : اللطمة والوكزة والرمية بالحجر ، والضرب بعصاه متعمداً . فهذا شبه العمد لايقتص منه . وتكون فيه دية مغلظه ) أ . هـ وانظر حاشية الدسوقي 4: 283 لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن ولي الدم ـ والد المجني عليه قد عفا عن القصاص مقابل الدية الشرعية ، ولم يحدد مقداراً معيناً فتنصرف إرادته إلى مقدار دية القتل الخطأ المعمول بها مائتي ألف درهم المقدرة قانوناً ووفق القواعد الفقهية على ما انتهى إليه ابن جزي ، كما سلف بيانه . ويكون النعي على غير أساس متعين الرفض .
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
لهذه الأسباب ،
حكمت المحكمة:
أولاً : في الطعن 547/27 ـ المقدم من ...... بنقض الحكم المطعون فيه جزئياً في خصوص قضائه بسجن الطاعن خمس عشرة سنة.
ثانياً : وفي موضوع الاستئنافين المقامين من الطاعن والنيابة العامة 677 لسنة 2003 و695 لسنة 2003 الشارقة بتعديل العقوبة المقضي بها على الطاعن ..... عن تهمة قتله المجني عليه ... عمداً عدواناً وبحبسه مدة ثلاث سنوات ابتداءً من 20/5 / 2003 تاريخ صدور الحكم المستأنف . وبجلده مائة جلده تعزيراً . وبرفض الطعن فيما عدا ذلك وألزمت الطاعن الرسم والمصاريف عند تحقق يساره. وقدرت للمحامي المنتدب ألفين وخمسمائة درهم تؤدى إليه من خزانة وزارة العدل
ثالثاً : في الطعن المقام من النيابة العامة برفضه.
- 1 -
سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والأقوال فيها والترجيح بينها والأخذ البعض منها وإطراح البعض الآخر.
- 2 -
عدم إلزام المحكمة بتعقب الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم والرد عليها استقلالا طالما أن قيام الحقيقة المقتنعة بها فيها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال.
- 3 -
عدم اعتبار تناقض روايات شهادة الشهود في بعض تفصيلاتها معيبا للحكم أو مقدحا في سلامته طالما أن استخلاص الحكم من أقوالهم هو استخلاصا سائغا لا تناقض فيه.
- 4 -
اعتبار القتل نوعان عمدا وخطأ وفق المذهب المالكي المعمول به.
- 5 -
اشتراط كون إتيان الفعل المؤدي للموت عمدا عدونا دون قصد اللهو واللعب لتوفر ركن القتل العمد وركن القصد فيه.
- 6 -
حق محكمة التمييز الإثارة في الطعن المسائل المتعلقة بالنظام العام عند تعلقها بالحكم المطعون فيه وعند توافر لها عناصر الفصل فيها.
- 7 -
تحديد نطاق الجرائم والعقوبات وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
- 8 -
سلطة محكمة الموضوع في تقدير العقوبة التعزيرية في نطاق الحدين الأعلى والأدنى المقررين في القانون.
- 9 -
كيفية تحديد مقدار دية القتل العمد وحالات استحقاقها.
الوقائع
بعد الإطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الواقعة على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق تتحصل في أن النيابة العامة أسندت إلى الطاعن ... ـ في القضية رقم 4795/2002 جنايات الشارقة أنه في يوم 10/7 / 2002 بدائرة الشارقة
1 - قتل عمداً المجني عليه ... بأن طعنه بآلة حادة سكيناً ـ قاصداً من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بالصفة التشريحية والتي أودت بحياته .
2 - وهو مسلم عاقل بالغ شرب الخمر دون ضرورة تبيح له ذلك .
وطلبت عقابه طبق أحكام الشريعة الإسلامية .
وبجلسة 20/5/2003 حكمت محكمة أول درجة بالإجماع بإدانته بما نسب إليه ومعاقبته بالقتل قصاصاً عن الجريمتين . وبمصادرة السكين أداة الجريمة . فاستأنف برقم 695/2003 واستأنفت النيابة العامة ـ بقوة القانون ـ برقم 677/2003 جزاء الشارقة . وبجلسة 3/9 / 2005 حكمت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الاستئناف 677/2003 المرفوع من النيابة العامة برفضه وفي الاستئناف 695/2003 المرفوع من الطاعن بتعديل الحكم المستأنف بمعاقبته بالسجن لمدة خمسة عشرة سنة تعزيراً ومصادرة السكين . وإلزامه بأن يؤدي لورثة المجني عليه ديته الشرعية مائتي ألف درهم عن الجريمة الأولى وبجلده ثمانين جلده حداً عن الجريمة الثانية . فطعن بالنقض الماثل 547/27 بطلب تقدم به لمدير إدارة المنشآت الإصلاحية والعقابية مؤرخ 5/9 / 2005 فأودع المحامي المنتدب صحيفته بتاريخ 23/10/2005 كما طعنت النيابة العامة بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة في 14/9 / 2005 .
أولاً : في الطعن 547/27 المقام من .
حيث توجز الواقعة بالقدر اللازم على ما يبين من الأوراق والحكم المطعون فيه أنه بتاريخ 10/7 / 2002 كان المتهم ـ الطاعن ، وآخرون يحضرون حفلاً في أحد الأعراس بالشارقة والمجني عليه ..... من بين الحاضرين والطاعن بحالة سكر بيّن فحاول أحد الحاضرين إبعاده عن العرس فتشابك معه بالأيدي . وتدخل الآخرون لفض الاشتباك وبينهم المجني عليه . وتم إخراج الطاعن إلى الطريق العام . إلا أنه بعد فترة عاد وبيده سكين طعن بها المجني عليه في رقبته . فسقط على إثرها أرضاً وتم نقله إلى أحد المستشفيات وتوفي . وقد فر الجاني إثر الحادث وبعد البلاغ حضر رجال الشرطة ومشطوا المنطقة ، منزله ومنزل أحد أقربائه ومنزل شقيقته وشاهدته الدورية الثالثة ـ من الدوريات التي وزعها الضابط المسئول عن المنازل الثلاثة ـ على سطح منزل شقيقته متجهاً نحو منزل أحد أقربائه وهو يتسلق الجدران وتم إبلاغ النقيب ... وتمت محاصرة المكان فوراً وبعد صدور أمر التفتيش من وكيل النيابة المناوب فسمح للدورية بمداهمة المكان شفهياً وأمر رئيس القسم بالمداهمة حيث شاهده العريف ... وهو يحاول الفرار حتى تمكن من القبض عليه وبالبحث بالمنطقة عن أداة الجريمة وجدت الشرطة أداة الجريمة في مكان الحادث بصندوق القمامة كما وجدت بقع دم بمكان الحادث فاستدعي الخبير البيولوجي وخبير البصمة والمصور الجنائي وتم أخذ المتهم إلى مستشفى القاسمي لأخذ عينة من دمه ثم سلم لمركز الشرطة ودونت الشرطة إفادات كل من ... الذي أفاد بأنه شاهد المتهم فوق سطح المنزل وسأله عمن بالخارج فأخبره بأنهم رجال المكافحة فرمى إليه السكين من فوق الجدار وقام ـ ... ـ بأخذها ودسها خلف المنزل تحت الأرض ولم يخبر بها الشرطة لخوفه ثم من بعد أرشد إليها رجال التحريات ـ كما دونت الشرطة إفادة ... ـ وليس بالأوراق ما يفيد أخذ أقوال الطاعن لدى الشرطة وجاء بإفادته بتحقيقات النيابة العامة أنهم يسكنون أم خنور وخرج من البيت فجاءه ... و ... وعرضا عليه الذهاب إلى العرس فذهبوا وجلسوا في سكة العرس وشربوا الخمر ومعهم .... . وتضارب مع ... و ... و ... وصفعه ... على وجهه وكان بيده سكيناً ضربه بها على يده ـ وعصا وحاول أخذ السكين ولكنهم كانوا كثيرين ومعهم سيوف وسكاكين وقال لهم سأبلغ الشرطة وشرد منهم وتسلق الجدار وكانوا ينتظرونه لينزل من الجدار فجاءت الشرطة وهربوا وركب مع الشرطة . وأن ما هو منسوب إليه غير صحيح . ولم تكن بيده سكين وأن سبب المشاجرة بينه وبين ..... مشكلة قديمه . وقرر أن السكين التي عرضتها عليه الشرطة تعود لـ...... . واستمعت النيابة العامة إلى أقوال شهود الواقعة على ... و ... و ... و ... .... وقد أفاد ... أن المتهم رمى له السكين من فوق الجدار فقام بدفنها ـ وقد سبق ذكر روايته ـ وقد كان بالبيت . وأفاد ..... أن المتهم وقت الواقعة كان يرقص أمام خيمة العروس وبيده زجاجة خمر وكان سكراناً وحصلت بينهما مشكلة لأنه كان يريد أن يبعده عن مكان العرس . فتضايق منه ودفعه وأخذ يصرخ وجاء ....... وتفاهم معه فذهب ... من الطريق فأخرج السكين وقال (من فيكم الرجل) فسار إليه ..... ووقف معه وتكلم معه وجهاً لوجه فضربه ..... في رقبته وكان ينزف من الطعنة من جهة اليسار وهرب وكان .... سكراناً وأفاد كذلك ... بأن المتهم طعن المجني عليه بالسكين في رقبته من جهة اليسار ـ وأفاد ... أنه حضر بعد نقل الجثة وأفاد ... مثل إفادة .... وأنه شاهد السكين في يد المتهم وأنه طعن المجني عليه في رقبته ولا يتذكر الجهة وكان ينزف من فمه ورقبته وأفاد الطاعن أمام أول درجة أنه حصلت مضاربة بينه وبين المجني عليه ولم يطعنه بالسكين وليس بينه وبين المجني عليه عداوة وأنه شرب الخمر في حفلة واستمعت أول درجة إلى شهادة الشهود بعد أداء اليمين فشهد ... بأن الطاعن كان يشرب الخمر في حفلة العرس فحاول ... أن ينهاه عن ذلك فتشاجرا وفرق الموجودون بينهما فخرج خارج خيمة العرس ثم عاد وبيده سكين قام الموجودون بتخليصها منهما فخرج إلى الطريق وعاد ومعه سكين أخرى وحاول ضرب ... بها فتدخل المجني عليه بينهما ولا يدري ما تم بينهما وقد ضرب المتهم ـ الطاعن ـ المجني عليه بالسكين تحت رقبته ولا يتذكر إن كانت الضربة جهة اليمين أو اليسار وحاول ضرب ... إلا أن أحد الأشخاص أمسك بيده وحاول الموجودون تخليص السكين منه وكان يهددهم وهو بحالة سكر. وشهد ... بعد القسم بأن المتهم كان شارباً وأمسك به وحصلت مشادة كلامية وفرق بينهما الموجودون فخرج إلى الطريق وعاد بيده سكين وقام بتمزيق ثيابه واتجه نحو المجني عليه الذي لاقاه وكان سكراناً أيضاً فضربه المتهم بالسكين في أسفل رقبته في الجهة اليسرى ثم هرب وشهد مثل شهادته بعد أن حلف الشاهد ... وذكر أنه طعنه في جهة اليمين وهرب. واستمعت إلى شهادة ... بعد اليمين فنفى أقواله التي أدلى بها لدى الشرطة والنيابة وأنه أدلى بها بسبب الخوف وأن المتهم لم يعطه سكيناً وأنه وجد السكين بمسرح الجريمة بل قرب منزلهم. وأن والد المجني عليه الثابت إرثه بصك حصر الإرث الصادر الشارقة الشرعية رقم 404/2002 بتاريخ 2/11/2002 فيه وفي أمه مريم دون سواهما صمم على القصاص.
واستمعت محكمة الاستئناف إلى شهادة ... فشهد بعد القسم بمثل شهادته أمام أول درجة بأن الطاعن ضرب المجني عليه بالسكين في رقبته طعنه واحدة وسال منه الدم ولم يقصد قتله وكانت مشاجرة عادية وقد حضر جرياً إلى ... وضربه وعقب المتهم على الشهادة بأن ما ذكر غير صحيح كما استمعت إلى شهادة ... بعد القسم وشهد بمثل شهادته السابقة بأن المتهم ضرب المجني عليه بالسكين في رقبته وسقط الأخير على الأرض ـ وهرب المتهم . واكتفى الدفاع بهذا القدر من الشهود . وسألت محكمة الاستئناف والد المجني عليه ولي دمه عما إذا كان يتنازل عن القصاص فتنازل عنه مقابل حصوله على الدية الشرعية وقرر أن ابنه المجني عليه شاب لم يتزوج وأفاد المتهم بأنه علم بأنه تم دفع الدية وإيداعها لدى الشرطة لدفعها للورثة . وأثبت تقرير الطب الشرعي أنه بتوقيع الكشف على جثة ... 1 - وجد جرح طعني بطول حوالي 2 سم به غرز جراحية ـ رأس أسفل يسار مقدم العنق 2 - جرح قطعي طوله حوالي 3 سم به غرز ، جراحي مائل موجود أعلى الجنب الأيسر 3 - علامات حقن وريدي متعد ـ ويعزى حدوث الجرح الطعني رقم (1) إلى الطعن بالطرف المستدق لآلة حادة كسكين أو ما يشبهه. ويعزى حدوث الجرح الطعني رقم (2) والحقن الوريدي إلى محاولات إسعاف المذكور بالمستشفى وتعزى الوفاة إلى حدوث هبوط حاد بالدورية الدمية والتنفس نتيجة الجرح الطعني المذكور وما صاحبه بتهتك بالرئة اليسرى والأوعية الدموية ونزف بالتجويف الصدري وأن الوفاة جنائية.
وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت بالأوراق ويقول في شرح ذلك أنه أنكر في جميع المراحل قتل المجني عليه أو رؤيته له على مسرح الجريمة وقت وقوعها ووجود أداة الجريمة وعدم وجود بصمات عليها وتمسك بدفاعه بتناقض شهادة الشهود الذي عول الحكم على شهادتهم في إدانته وفيما أدلوا به لدى الشرطة وأن تقرير الطب الشرعي عن شكل الجرح الطعني من أعلى يثبت أن الجاني أطول قامة من المجني عليه وهو لا يتفق مع قامة الطاعن مما يؤكد عدم قيامه بهذا الفعل . وعلى الفرض الجدلي نسبة الفعل إليه فإنه لا يتوفر القصد الجنائي في هذه الواقعة لأن الثابت أن هناك طعنه واحدة . وأنه في حال ثبوت الجريمة فرضاً فإنها تنطبق عليها المادة 336 عقوبات وليس المادة 332 من ذات القانون . وقد خالف الحكم هذا النظر بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير قويم ذلك أنه من المقرر قضاءً أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والأقوال فيها والترجيح بينها . والأخذ بما تراه راجحاً منها. ولا رقيب عليها في ذلك ، طالما لم تعتمد على واقعة بلا سند . وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأقامت دليلها. وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
وليس عليها من بعد أن تتعقب الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم. وأن ترد عليها استقلالاً مادام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والطلبات والحجج.
كما أنه من المقرر أن تناقض روايات شهادة الشهود في بعض تفصيلاتها. على فرض حصوله ـ لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته مادام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه بما يكفي لتكوين عقيدته دون أن يكون ملزماً ببيان تفاصيل هذه الأقوال.
كما أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القتل وفق المذهب المالكي المعمول به ، نوعان عمد وخطأ.
ويشترط لتوفر ركن القتل العمل وركن القصد فيه أن يكون إتيان الفعل المؤدي للموت عمداً عدواناً . ولم يكن بقصد اللهو واللعب. ولا عبرة بما إذا كانت الآلة أو الوسيلة التي استعملت فيه قاتلة أو غير قاتلة. يقول ابن جزي في كتابه ـ القوانين الفقهية صـ 339 (فأما العمد فهو أن يقصد القاتل إلى القتل بضرب بمحدد أو بمثقل أو بإحراق أو تغريق أو خنق أو سم أو غير ذلك فيجب فيه القود ) وفي شرح الزرقاني على متن خليل 8 : 7 ( وإن قصد ـ أي تعمد ـ القاتل ضرباً وإن بقضيب أو نحوه مما لا يقتل غالباً وفعل ذلك بغضب أو عداوة يقتص منه).
لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أحاط بواقعة الدعوى وظروفها وملابساتها بما تتحقق به عناصر الواقعة الموضوعية والقانونية ويشكل جريمة القتل العمد الموجب للقصاص وفق تصور الفقه المالكي ـ القتل العمد العدوان بالضرب بمحدد ـ سكيناً ـ وأدان بها الطاعن على ما أورده بأسبابه معللاً بأن محكمة أول درجة سايرت النيابة العامة في خصوص أن الواقعة قتل عمد وانتهت إلى القضاء بقتل الجاني ... قصاصاً لقتله المجني عليه . وأن هذه المحكمة ـ محكمة الاستئناف ـ تساير النيابة فيما ذهبت إليه من أن الواقعة المطروحة كما حملتها الأوراق تشكل في صحيح القانون جناية القتل العمد من غير ترصد أو سبق إصرار . أي أن الطاعن ... كان يحضر حفل عرس صحبة آخرين منهم الشهود ... و ... و ...، والمجني عليه . وأن الطاعن كان ثملاً من تعاطي الخمر . كما أن المجني عليه كان ثملاً كذلك . ونظراً لحالة الطاعن التي كان عليها أراد الشاهد ... علي أن يخرجه من الحفل فتشابك معه الأول وتدخل آخرون لفض الاشتباك . فحصلت مشادة كلامية وتماسك بالأيدي فخرج الطاعن ثم عاد مرة أخرى . ثم أُخرج . إلا أنه في المرة الأخيرة عاد ومعه السكين . وتوجه للمجني عليه ـ ... ـ وطعنه بالسكين في رقبته وسقط على إثرها أرضاً . ونقل لأحد المستشفيات حيث فارق الحياة لا لسبب ارتكبه سوى مشاركته في فض الشجار ومحاولة إخراج الطاعن من الحفل حتى لا يفسده . الأمر الذي ترى معه المحكمة أن الواقعة على ذلك النحو هي واقعة قتل عمد . وأن نية القتل متوافر فيها ولا أدل على ذلك من إحضاره السكين وتوجهه مباشرة للمجني عليه وطعنه بها في مقتل الأمر الذي لا يرقى إليه شك في أن نية القتل العمد متوافرة من جميع شروطها القانونية وهو ما تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به وتقضي على سند منه . ولتنازل ولي الدم ـ أب المجني عليه عن القصاص بعوض هو قبوله الدية الشرعية فتدرأ المحكمة القصاص عن الجاني وتعزره عملاً بالمادة 331 من قانون العقوبات وتطبق عليها العقوبة التعزيرية وفق المادة 332 عقوبات باعتبارها قتل عمد مجرد من أي ظرف من الظروف المشددة وفيما يتعلق بالإسناد فإن الحكم المستأنف في محله للأسباب التي بني عليها وتأخذ بها أسباباً لها . وتضيف أن الثابت من شهادة كل من الشاهدين ... و ... التي سمعتها أن الطاعن ـ المستأنف ـ طعن المجني عليه بالسكين في رقبته بعد أن أُخرج من الحفل وعاد بيده تلك السكين الأمر الذي يتضح منه بجلاء صحة الواقعة وصحة نسبتها إليه . وقام الدليل القاطع عليها والذي تطمئن إليه وتأخذ به ركيزة لقضائها ومن ثم تؤيد الحكم المستأنف في هذا الخصوص مع تعديله بإسقاط القصاص والقضاء بالدية الشرعية لتنازل ولي الدم مقابلها مع العقوبة التعزيرية . وهذه أسباب سائغة لها أصلها من الشرع والقانون ومادون بالأوراق وتكفي لحمل قضاء الحكم ـ إذ الثابت من الأوراق على نحو ما سلف بسطه بالواقعات أن الشرطة أخذت في محضرها إفادة الذين كانوا على مسرح الجريمة .... وإفادة ...... الذي أفاد أن المتهم رمى له السكين من فوق الجدار ثم غير أقواله لدى النيابة كما استمعت النيابة العامة إلى شهادة ... و ... و ... و ... و ... واستمعت محكمة أول درجة بعد أداء اليمين إلى شهادة كل من ... و ... و ... و ... كما استمعت محكمة الاستئناف إلى شهادة ..... و.... ومعظم الشهود شهدوا بأن الطاعن طعن المجني عليه في رقبته . وإذ أثبت تقرير الطب الشرعي أن الوفاة جنائية وسببها الجرح الطعني بآلة حادة . ومن ثم يكون إسناد قتل الطاعن للمجني عليه عمداً عدواناً ثابت بيقين ولا ينال من ذلك أنه أتى الفعل في حالة سكر إذ أنه وإن كان مناط المسئولية في الشريعة الإسلامية العقل والبلوغ فإنه لا يرفع عنه شرب الخمر والسكر به المسئولية في الجنايات وقد أدخل السكر على نفسه بطوعة واختياره ، دون ضرورة شرعية . وهو مسلم عالم بحرمته . لما جاء في البهجة شرح التحفة لابن عاصم :
لا يلزم السكران إقرار عقود بل ما جنى، عقد ، طلاق ، وحدود
وهو ما يتفق ونص المادة 61/1 من قانون العقوبات الاتحادي 3/1987 على أنه ( إذا كان فقد الإدراك أو الإرادة ناتجاً عن عقاقير ، أو مواد مخدرة ، أو مسكرة تناولها الجاني باختياره وعلمه عوقب على الجريمة التي وقعت . ولو كانت تتطلب قصداً جنائياً خاصاً . كما لو كانت قد وقعت بغير تخدير أو سكر ..) ومن ثم يضحى النعي على غير أساس متعين الرفض .
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
وحيث إن للمحكمة العليا أن تثير في الطعن المسائل المتعلقة بالنظام العام متى تعلقت بالحكم المطعون فيه . وتوافرت لها عناصر الفصل فيها .
وكان نص المادة 13/1 من قانون العقوبات الاتحادي 3/1987 أنه ( إذا صدر بعد وقوع الجريمة وقبل الفصل فيها بحكم بات قانون أصلح للمتهم ، فهو الذي يطبق دون غيره) والنص في المادة 332/1 من القانون 34/2005 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات على أن تكون عقوبة القتل عمداً الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا عفا أولياء الدم عن حقهم في القصاص في أي مرحلة من مراحل الدعوى ، أو قبل تمام التنفيذ ـ وكان النص في المادة الأولى من قانون العقوبات على أن تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدية أحكام الشريعة الإسلامية . وتحدد الجرائم والعقوبات التعزيرية وفق أحكام هذا القانون والقوانين العقابية الأخرى . وإذ عفا ولي الدم عن القصاص مقابل الدية . وقد عاقب الحكم الطاعن بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً. وإذ كانت القضية صالحة للحكم فإن المحكمة تتصدى عملاً بالمادة 249 ـ إجراءات جزائية وتقضي بتعديل العقوبة المقضي بها إلى الحبس وفق المادة 332/1 المعدلة بالقانون سالف الذكر . مع جلد الطاعن مائة جلدة وفق المذهب المالكي في حالة العفو عن القصاص لقول خليل (وعليه مطلقاً جلد مائة وحبس سنة ...) وأخذا بقاعدة : إن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على وجهها الصحيح لا يضر أحداً . وعلى أن تكون العقوبة التي سيقضى بها من تاريخ صدور الحكم الابتدائي في 20/5 / 2003 .
مع الأخذ في الاعتبار أن تقدير العقوبة التعزيرية متروك لتقدير المحكمة في نطاق الحدين الأعلى والأدنى المقررين في القانون . مما يقتضي نقض الحكم المطعون فيه جزئياً في هذا الخصوص والقضاء بمقتضى ما سلف ذكره .
ثانياً : في الطعن 499/27 المقام من النيابة العامة .
حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية ، والقانون . وتقول في بيان ذلك أن الحكم قضى بعد سقوط القصاص بالدية مائتي ألف درهم وهي دية القتل الخطأ بينما دية القتل العمد مغلظة ودية القتل الخطأ مخففة . فأخطأ بقضائه بالدية المخففة . مما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي غير سديد ، ذلك أن من المقرر شرعاً وفق المذهب المالكي المعمول به أن دية قتل العمد ـ إذا عفا ولي الدم ـ غير محددة المقدار شرعاً وتجوز بما تراضى عليه الورثة مستحقوا القصاص مع القاتل ، قليلاً أو كثيراً . فإن لم يحددوا مقداراً معيناً ، وجهل مقدارها فتكون بقدر دية القتل الخطأ . لما جاء في كتاب القوانين الفقهية لابن جزي صـ 342 ( وأما دية العمد فهي غير محددة فيجوز ما تراضوا عليه من قليل أو كثير . فإن انبهمت كانت مثل دية الخطأ ) مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا كان المستحقون للقصاص صغاراً فإنه لا يجوز العفو بأقل من الدية كاملة صوناً للصغير ومصلحته . ووفق المذهب المذكور إن الدية تغلظ في شبه العمد . والمقصود به الفعل المباح المأذون به ، ويتجاوز فاعله القدر المأذون فيه . كضرب الزوج زوجته تأديباً . وضرب المعلم التلميذ لإصلاحه ، وتأديبه .
فيؤدى ذلك إلى تلفه قال خليل بن اسحاق ، المالكي ( كدية غُلِّظت ) كما جاء بمواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب الرعيني 8 : 347 باب الدماء (" ودية غُلِّظت " قال في المسائل الملقوطة : الدية المغلظة تكون في شبه العمد : وهو ضرب الزوج والمؤدب والأب في ولده ، والأم والأجداد . وفعل الطبيب ، والخاتن . وهو كل مَنْ جاز فعله شرعاً . وقيل : اللطمة والوكزة والرمية بالحجر ، والضرب بعصاه متعمداً . فهذا شبه العمد لايقتص منه . وتكون فيه دية مغلظه ) أ . هـ وانظر حاشية الدسوقي 4: 283 لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن ولي الدم ـ والد المجني عليه قد عفا عن القصاص مقابل الدية الشرعية ، ولم يحدد مقداراً معيناً فتنصرف إرادته إلى مقدار دية القتل الخطأ المعمول بها مائتي ألف درهم المقدرة قانوناً ووفق القواعد الفقهية على ما انتهى إليه ابن جزي ، كما سلف بيانه . ويكون النعي على غير أساس متعين الرفض .
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
لهذه الأسباب ،
حكمت المحكمة:
أولاً : في الطعن 547/27 ـ المقدم من ...... بنقض الحكم المطعون فيه جزئياً في خصوص قضائه بسجن الطاعن خمس عشرة سنة.
ثانياً : وفي موضوع الاستئنافين المقامين من الطاعن والنيابة العامة 677 لسنة 2003 و695 لسنة 2003 الشارقة بتعديل العقوبة المقضي بها على الطاعن ..... عن تهمة قتله المجني عليه ... عمداً عدواناً وبحبسه مدة ثلاث سنوات ابتداءً من 20/5 / 2003 تاريخ صدور الحكم المستأنف . وبجلده مائة جلده تعزيراً . وبرفض الطعن فيما عدا ذلك وألزمت الطاعن الرسم والمصاريف عند تحقق يساره. وقدرت للمحامي المنتدب ألفين وخمسمائة درهم تؤدى إليه من خزانة وزارة العدل
ثالثاً : في الطعن المقام من النيابة العامة برفضه.