واحد من الناس
05-16-2011, 08:24 AM
مطلوب التعليق على هذا الحكم للاهمية
من اجلكم
تنازع القوانين
[الطاعن رقم (184) - لسنة 19 ق - تاريخ الجلسة 11/ 7/ 1998 - مكتب فني 20 - صـ 833]
جلسة السبت الموافق 11 من يوليو 1998م
برئاسة السيد القاضي/ محمد الرطل البناني - رئيس الهيئة، وعضوية السادة القضاة/
د/ محمد الدردابي، والصديق أبو الحسن.
(147)
الطعن رقم (184) لسنة 19 القضائية (شرعي)
1 - تنازع القوانين - نظام عام (المسائل غير المتعلقة بالنظام العام).
قواعد الإسناد - عدم تعلقها بالنظام العام - مؤدى ذلك - التزام الخصوم بأن يتمسكوا أمام محكمة الموضوع بتطبيق القانون الأجنبي وأن يقدموا الدليل على القاعدة القانونية التي يريدون تطبيقها - مناقشة الطاعن موضوع الدعوى دون أن يثير الدفع بطلب تطبيق القانون الأجنبي - مفاده - رضاه بتطبيق قانون دولة الإمارات على موضوع الدعوى.
2 - إثبات (قوة الأمر المقضي) - دفوع (الدفع بسابقة الفصل في الموضوع).
المنع من إعادة نظر الدعوى لسبق الفصل فيها - شرطه - اتحاد الخصوم والموضوع والسبب في كل من الدعويين - وأن يصدر في الدعوى المقضى فيها حكم قطعي نهائي في مسألة أساسية لا تتغير وأن يكون الطرفان قد تناقشا في هذه المسألة واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول - مثال في حكم بتقرير نفقة مؤقتة صادر من جمهورية مصر العربية.
3 و4 - أحوال شخصية [(النفقة)، (الطاعنة)] - نفقة - محكمة الموضوع (سلطتها).
3 - عدم طاعة الزوجة التي تسقط بها النفقة - مناطها - أن يستصدر الزوج حكمًا عليها بطاعته فتمتنع عن تنفيذه - إقرار الزوج الطاعن بعدم رغبته في عودة زوجته معه إلى دولة الإمارات وادعائه امتناعها عن الدخول في طاعته في حين أنها رفضت أن تسكن مع أهله في مصر وهي لا تلتزم بذلك شرعًا - لا يسقط به حقها في النفقة.
4 - تقدير النفقة - من سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغًا له أصله في الأوراق.
1 - إذ كان الدفع بعدم اختصاص محاكم الدولة بنظر النزاع غير سديد، ذلك أن مؤدى نص المادة (20) من قانون الإجراءات المدنية اختصاص محاكم الدولة بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الدولة، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن يقيم بالعين ويعمل مهندسًا بالأشغال العسكرية، فإن محاكم الدولة تكون مختصة بنظر النزاع....، كما استقر قضاء هذه المحكمة على أن قواعد الإسناد لا تتعلق بالنظام العام، ذلك أن الأصل هو تطبيق قانون القاضي، فيتعين على الخصوم أن يتمسكوا أمام محكمة الموضوع بتطبيق القانون الأجنبي الذي تحدد قاعدة الإسناد, وعليهم في هذه الحالة أن يقدموا الدليل على تضمنه القاعدة القانونية المراد تطبيقها، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فهي أن جلسة سماع الدعوى أمام محكمة أول درجة عقدت يوم 29/ 4/ 1997 وفيها أجاب الطاعن على الدعوى تفصيلاً، ولم يثرِ أي دفع بوجوب تطبيق القانون المصري، وهي أول جلسة حضر فيها أمام المحكمة بل دخل مع وكيل المطعون ضدها على بنود الدعوى وحجزت للحكم ثم تنصل منه، ثم عاد ودفع بذات الدفع، بمذكرته المؤرخة 20/ 5/ 1997 والتي لا تحمل ما يفيد عرضها على قاضي الموضوع والتأشير عليها، ولم يقدم دليلاً على تطبيق قواعد القانون الذي يتمسك به، مما مفاده أنه حين أجاب على الدعوى تفصيلاً من غير أن يثير الدفع بتطبيق القانون المصري قبل الدخول في الإجابة على تفاصيل الدعوى أنه ارتضى تطبيق قواعد قانون الإمارات العربية المتحدة الذي يقضي في مسائل الأحوال الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية مما يجعل نعيه بهذا السبب قائمًا على غير أساس.
2 - إنه يشترط لمنع إعادة نظر الدعوى بسبب سبق الفصل في موضوعها أن يتحد الخصوم والموضوع والسبب في كلا الدعويين، وأن يصدر في الدعوى المقضي فيها حكم قطعي ونهائي في مسألة أساسية لا تتغير وأن يكون الطرفان قد تناقشا في المسألة في ذات الدعوى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا، بحيث تكون هي الأساس فيما يدعيه المدعي بالدعوى الثانية من أي من الطرفين قبل الآخر، كما أنه من المقرر شرعًا أن النفقة مسألة متجددة تتغير بتغير ظروف المنفق والمنفق عليه عسرًا ويسرًا ولظروف المعيشة في الزمان والمكان، وسن المنفق عليه حسب حالته في الصغر والكبر، فتزيد وتنقص بحسب هذه الأحوال، ولا تستقر على حال واحد.
3 - لما كان النعي غير سديد، إذ جاء في الشرح الصغير ج (2) صـ 511 (واختلف في وجوب نفقة الناشز والذي ذكره المتبطي ووقع به الحكم وهو الصحيح - أن الزوج إذا كان قادرًا على درها ولو بالحكم من المحاكم ولم يفعل فلها النفقة)، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه، قد أورد بها أن الطاعن يسكن دولة الإمارات، وقد صرح بأنه لا يريد إحضار المطعون ضدها معه، وأن الشرع لا يلزم الزوجة بالسكن مع أهل الزوج في بيت واحد، إذا طلبت عدم السكن معهم، وأنه صرح بالمشاجرة التي وقعت بينه وبينها عندما منعها من السفر إلى الإمارات، وأضاف الحكم المطعون فيه أن للزوج استصدار حكم بالطاعة على زوجته، فإن تنفذه تصبح بعد ذلك ناشزًا، ولا يحق لها المطالبة بالنفقة، أما قبل ذلك فتستحقها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استوفى وقائع الدعوى وأحاط بها، واستخلص من واقعها عدم توفر شروط الطاعة التي تقتضي احتباس الزوجة في بيت زوجها بعدم رغبته في إحضارها لمقر إقامته بالإمارات، مما يقتضي انتفاء نشوزها ويستلزم استحقاقها النفقة، فقضى وفق أحكام الشرع الإسلامي الحنيف, فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الشرع ويكون النعي على غير أساس.
4 - لما كان النعي بالمغالاة في تقدير المنفقة، فإنه مردود ذلك أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها وترجيح ما تراه راجحًا منها يدخل في سلطة محكمة الموضوع، ولا رقيب عليها متى كان استخلاصها للحقيقة سائغًا وله أصله من الأوراق.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص وبعد المداولة،
حيث إن الطعن استوفى أوضاع القانونية،
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - أن المطعون ضدها (....) ادعت بأنها زوجة شرعية للطاعن (....) بصحيح العقد الشرعي، ورزقت منه على فراش الزوجية الصحيح ببنتها (....) وعمرها أحد عشر شهرًا وهي تعمل مدرسة ويقيمان في أبو ظبي، وسافرا بالإجازة إلى جمهورية مصر العربية في 1/ 7/ 1996 على أن يعودا بعدها، فمنعها من العودة إلى الإمارات، وتركها وبنتها بمصر، ولم يترك لهما نفقة، ولم ينفق عليهما بمصر منذ 1/ 7/ 1996، ولم يعد لهما مسكنًا، وكانت بمصر تؤجر سكنًا بمبلغ 6000 جنيه مصريًا في السنة، وطلبت الحكم بنفقتها منذ 1/ 7/ 1996 وأن يعد لهما مسكنًا وأن يسدد أجر المسكن، وقيدت الدعوى بوكالة والدها بالعين برقم 165/ 1997 بدائرة الأحوال الشخصية وصادقها الطاعن على الزوجية وبنوة البنت، ودفع بأنه كان ينفق عليهما في الفترة التي ادعت عدم الإنفاق فيها بمصر وبأنها خرجت من طاعته منذ 6/ 8/ 1996، وله منزل مستقل عن منزل والده ودعاها إليه فامتنعت، وسيدفع لها النفقة إذا دخلت في الطاعة، ولا يريد إحضارها للإمارات، وبتاريخ 2/ 6/ 1997 حكمت محكمة أول درة بإلزام الطاعن بدفع ثمانمائة درهم شهريًا لزوجته وابنتها (....) نفقة شاملة لجميع متطلباتها عدا المسكن اعتبارًا من 6/ 8/ 1996 على أن يسقط عن الطاعن أي مبلغ أو صله لها بالفعل عن طريق محكمة الزقازيق الشرعية باعتباره نفقة لهما إذا قدم وصلاً من المحكمة يؤيد ذلك، وإلزامه بدفع خمسمائة درهم شهريًا عوضًا عن أجر مسكنٍ لهما اعتبارًا من 6/ 8/ 1996 ورفض طلباته إسكان المطعون ضدها مع أبويه في بيت واحد، فاستأنفت المطعون ضدها برقم 86/ 1997، واستأنف الطاعن برقم 93/ 1997، وبتاريخ 25/ 11/ 1997 حكمت المحكمة في الاستئناف 93/ 1997 بالرفض، وفي الاستئناف 86/ 1997 بتعديل مدة سريان النفقة لتصبح من 1/ 7/ 1997 وتأييد الحكم فيما عدا ذلك، فطعن المحكوم عليه بالنقض الماثل الذي أودع صحيفته قلم كتاب المحكمة بتاريخ 31/ 12/ 1997، وأودعت المطعون ضدها مذكرة بالرد طلبت فيها رفض الطعن، وأودعت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن.
وحيث إن الطاعن أقام طعنه على أربعة أسباب ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون لعدم الاختصاص، ويقول في بيان ذلك إن طرفي النزاع من جمهورية مصر العربية، فمحاكم دولة الإمارات لا ينعقد لها الاختصاص المحلي بنظر نزاعهما، وإعمالاً لنص المادة (13) من قانون المعاملات 5/ 1985، فإنه يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار الشخصية والمالية التي يرتبها ومنها نفقة الزوجة والمحصنون، ومن ثم فإن قانون الأحوال الشخصية المصري هو الواجب التطبيق وفق المادة السالفة الذكر مما يستوجب نقض الحكم.
وحيث إنه عن الشق الأول من النعي وهو الدفع بعدم اختصاص محاكم الدولة بنظر النزاع فهو غير سديد، ذلك أن مؤدى نص المادة (20) من قانون الإجراءات المدنية اختصاص محاكم الدولة بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الدولة، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن يقيم بالعين ويعمل مهندسًا بالأشغال العسكرية، فإن محاكم الدولة تكون مختصة بنظر النزاع ويكون النعي بهذا الشق على غير أساس.
وحيث إنه عن الشق الثاني من الدفع فهو مردود، ذلك أنه استقر قضاء هذه المحكمة على أن قواعد الإسناد لا تتعلق بالنظام العام، ذلك أن الأصل هو تطبيق قانون القاضي، فيتعين على الخصوم أن يتمسكوا أمام محكمة الموضوع بتطبيق القانون الأجنبي الذي تحدده قاعدة الإسناد، وعليهم في هذه الحالة أن يقدموا الدليل على تضمنه القاعدة القانونية المراد تطبيقها، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن جلسة سماع الدعوى أمام محكمة أول درجة عقدت يوم 29/ 4/ 1997 وفيها أجاب الطاعن على الدعوى تفصيلاً ولم يثرِ أي دفع بوجوب تطبيق القانون المصري وهي أول جلسة حضر فيها أمام المحكمة بل دخل مع وكيل المطعون ضدها على بنود الدعوى وحجزت للحكم، ثمن تنصل منه ثم عاد ودفع بذات الدفع، بمذكرته المؤرخة 20/ 5/ 1997 والتي لا تحمل ما يفيد عرضها على قاضي الموضوع والتأشير عليها، ولم يقدم دليلاً على تطبيق قواعد القانون الذي يتمسك به، مما مفاده أنه حين أجاب على الدعوى تفصيلاً من غير أن يثير الدفع بتطبيق القانون المصري قبل الدخول في الإجابة على تفاصيل الدعوى أنه ارتضى تطبيق قواعد قانون الإمارات العربية المتحدة الذي يقضي في مسائل الأحوال الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية مما يجعل نعيه بهذا السبب قائمًا على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه بالبطلان ويقول في بيان ذلك إنه دفع ابتداء بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها بحكم صادر من محاكم جمهورية مصر العربية في الدعوى 416/ 1999 شرعي بندر الزقازيق المرفوعة من المطعون ضدها، وقد قضى لهما بنفقة مؤقتة بتاريخ 17/ 11/ 1996 اعتبارًا من تاريخ رفع الدعوى، فيمتنع على المطعون ضدها إقامة دعوى أخرى بنفس المطالب أمام محاكم دولة الإمارات مع وجود دعوى أخرى مقامة منها، وقد بادر المطعون ضده بتنفيذ الحكم بهذه النفقة بإيداع المبلغ المطلوب خزانة المحكمة تحت تصرف المطعون ضدها مما يوجب نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول الدعوى الماثلة لسابقة الفصل في موضوعها.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يشترط لمنع إعادة نظر الدعوى بسبب سبق الفصل في موضوعها أن يتحدَ الخصوم والموضوع والسبب في كلا الدعويين، وأن يصدر في الدعوى المقضى فيها حكم قطعي ونهائي في مسألة أساسية لا تتغير، وأن يكون الطرفان قد تناقشا في المسألة في ذات الدعوى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا بحيث تكون هي الأساس فيما يدعيه المدعي بالدعوى الثانية من أي من الطرفين قبل الآخر، لما كان ذلك وكان من المقرر شرعًا أن النفقة مسالة متجددة تتغير بتغير ظروف المنفق والمنفق عليه عسرًا ويسرًا ولظروف المعيشة في الزمان والمكان، وسن المنفق عليه حسب حالته في الصغر والكبر، فتزيد وتنقص بحسب هذه الأحوال ولا تستقر على حال واحد.
ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن صورة الحكم الصادر في القضية رقم 416/ 1996 بجلسة 17/ 11/ 1996 شرعي بندر الزقازيق بجمهورية مصر العربية أنه حكم مؤقت، وقد قضى بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضدها من تاريخ رفع الدعوى في 6/ 8/ 1996 مبلغ أربعين جنيهًا نفقة ضرورية، ومن ذات التاريخ مبلغ عشرين جنيهًا نفقة ضرورة للطفلة (....) بكافة أنواعها، وتأجيل الدعوى لجلسة 5/ 1/ 1997 للتحري عن دخل المطعون ضده، وصرحت المحكمة للمطعون ضدها بتنفيذه، ولم تفصل المحكمة في باقي بنود الدعوة - وهي فرض نفقة لها بأنواعها مع بدل فرضها وغطائها - وفرض نفقة بنوعيها لصغيرتها مع بدل فرشها وغطائها، وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، كما يتضح كما صورة الإعلان بالدعوى السالفة الذكر، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن لم تأخذ بهذا الدفع فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه علل قضاءه بأن الحكم الذي تمسك به الطاعن حكم مؤقت في قضية قد أثبتت المطعون ضدها أنها شطبت قبل الحكم الابتدائي النهائي، وكان الشطب في 18/ 5/ 1997 قبل صدور الحكم المستأنف، ومن ثم فإن الدفع بسابقة الفصل في الدعوى في غير محله، ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه بمخالفة أحكام الشرعية الإسلامية، ويقول في بيان ذلك إن شرط استحقاق النفقة الشرعية للزوجة هو توفر طاعتها لزوجها واحتباسها بمنزل الزوجية، وقد خرجت المطعون ضدها من منزل الطاعن بدون مبررٍ شرعي إلى منزل أبيها، ولم تعد إليه وأعد لها منزلاً بالقاهرة بعيدًا عن سكن أبيه، ولم تدخل في الطاعة، فلا تستحق النفقة عليه، وقضى الحكم بنفقتها على خلاف الوجه الشرعي مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، إذا جاء في الشرح الصغير ج (2) صـ 511 (واختلف في وجوب نفقة الناشز)، والذي ذكره المتبطي ووقع به الحكم وهو الصحيح أن الزوج إذا كان قادرًا على ردها ولو بالحكم من الحاكم ولم يفعل فلها النفقة)، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه قد أورد بها أن الطاعن يسكن دولة الإمارات، وقد صرح بأنه لا يريد إحضار المطعون ضدها معه، وأن الشرع لا يلزم الزوجة بالسكن مع أهل الزوج في بيت واحد إذا طلبت عدم السكن معهم، وأنه صرح بالمشاجرة التي وقعت بينه وبينها عندما منعها من السفر إلى الإمارات، وأضاف الحكم المطعون فيه أن للزوج استصدار حكم بالطاعة على زوجته، فإن لم تنفذه تصبح بعد ذلك ناشزًا لا يحق لها المطالبة بالنفقة، أما قبل ذلك فتستحقها.
ولما كان الحكم المطعون فيه قد استوفى وقائع الدعوى وأحاط بها، واستخلص من واقعها عدم توفر شروط الطاعة التي تقتضي احتباس الزوجة في بيت زوجها بعدم رغبته في إحضارها لمقر إقامته بالإمارات، مما يقتضي انتفاء نشوزها ويستلزم استحقاقها النفقة، فقضى وفق أحكام الشرع الإسلامي الحنيف، فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الشرع، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع بالمغالاة في تقدير النفقة ابتدره بهذه العبارة، وبنى من خلال نعيه على الحكم بعدم طاعة الزوجة في بيت الزوجية الذي أعده لها بالقاهرة، وحيث إن هذا الشق من النعي تمت الإجابة عليه في الرد على السبب الثالث، فتحيل المحكمة عليه.
وحيث إنه عن المغالاة في تقدير النفقة فإنه مردود ذلك أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها وترجيح ما تراه راجحًا منها يدخل في سلطة محكمة الموضوع، ولا رقيب عليها متى كان استخلاصها للحقيقة سائغًا وله أصله من الأوراق، جاء في تحفة ابن عاصم:
وكل ما يرجع للافتراض
موكل إلى اجتهاد القاضي
بحسب الأقوات والأعيان
والسعر والزمان والمكان
لما كان ذلك وكان الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه قد أورد بمدوناته أن الطاعن معترف بأن راتبه 6.500 درهم ولا زوجات له ولا أولاد غير المدعية، وأن المحكمة تحرت في تقدير النفقة والسكن للمدعية وابنتها من المدعى عليه وسألت أهل الرأي والعدالة من أعيان بلد الطرفين، وأضاف الحكم المطعون فيه أن بخصوص المبالغة في مقادير النفقة، فإن دخل الطاعن كبير مما ترى معه المحكمة أن المقادير الواردة في صحيفة الحكم مناسبة، خاصةً وأنه لا يعول غير نفسه، ومن ثم فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقديره، فهو على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس بالأضرار الأدبية والاجتماعية التي لحقت به نتيجة تصرفات زوجية وأهلها بأن رفعت عليه بتحريض من أهلها قضية بتاريخ 10/ 7/ 1996 بمنقولات زوجية، وقامت أمها بشكوى ضده بأنه أخذ منها 200.000 جنيه على سبيل الأمانة وتبين أنها شكوى كيدية، وقامت زوجته بالاشتراك مع والدها باستخراج جواز سفر مزور تدعي فيه بأنها طالبة، وقام والدها بشكوى ضده بتهمة أنه خان زوجته واستولى منها على 150.000 جنيه، وصدر الحكم ببراءته، لأنها كلها دعاوى كيدية، وطلب في الموضوع نقض الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لا يتعلق بموضوع دعوى النفقة وغير منتجٍ فيها، فهو على غير أساس.
ومن ثم يتعين رفض الطعن.
من اجلكم
تنازع القوانين
[الطاعن رقم (184) - لسنة 19 ق - تاريخ الجلسة 11/ 7/ 1998 - مكتب فني 20 - صـ 833]
جلسة السبت الموافق 11 من يوليو 1998م
برئاسة السيد القاضي/ محمد الرطل البناني - رئيس الهيئة، وعضوية السادة القضاة/
د/ محمد الدردابي، والصديق أبو الحسن.
(147)
الطعن رقم (184) لسنة 19 القضائية (شرعي)
1 - تنازع القوانين - نظام عام (المسائل غير المتعلقة بالنظام العام).
قواعد الإسناد - عدم تعلقها بالنظام العام - مؤدى ذلك - التزام الخصوم بأن يتمسكوا أمام محكمة الموضوع بتطبيق القانون الأجنبي وأن يقدموا الدليل على القاعدة القانونية التي يريدون تطبيقها - مناقشة الطاعن موضوع الدعوى دون أن يثير الدفع بطلب تطبيق القانون الأجنبي - مفاده - رضاه بتطبيق قانون دولة الإمارات على موضوع الدعوى.
2 - إثبات (قوة الأمر المقضي) - دفوع (الدفع بسابقة الفصل في الموضوع).
المنع من إعادة نظر الدعوى لسبق الفصل فيها - شرطه - اتحاد الخصوم والموضوع والسبب في كل من الدعويين - وأن يصدر في الدعوى المقضى فيها حكم قطعي نهائي في مسألة أساسية لا تتغير وأن يكون الطرفان قد تناقشا في هذه المسألة واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول - مثال في حكم بتقرير نفقة مؤقتة صادر من جمهورية مصر العربية.
3 و4 - أحوال شخصية [(النفقة)، (الطاعنة)] - نفقة - محكمة الموضوع (سلطتها).
3 - عدم طاعة الزوجة التي تسقط بها النفقة - مناطها - أن يستصدر الزوج حكمًا عليها بطاعته فتمتنع عن تنفيذه - إقرار الزوج الطاعن بعدم رغبته في عودة زوجته معه إلى دولة الإمارات وادعائه امتناعها عن الدخول في طاعته في حين أنها رفضت أن تسكن مع أهله في مصر وهي لا تلتزم بذلك شرعًا - لا يسقط به حقها في النفقة.
4 - تقدير النفقة - من سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغًا له أصله في الأوراق.
1 - إذ كان الدفع بعدم اختصاص محاكم الدولة بنظر النزاع غير سديد، ذلك أن مؤدى نص المادة (20) من قانون الإجراءات المدنية اختصاص محاكم الدولة بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الدولة، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن يقيم بالعين ويعمل مهندسًا بالأشغال العسكرية، فإن محاكم الدولة تكون مختصة بنظر النزاع....، كما استقر قضاء هذه المحكمة على أن قواعد الإسناد لا تتعلق بالنظام العام، ذلك أن الأصل هو تطبيق قانون القاضي، فيتعين على الخصوم أن يتمسكوا أمام محكمة الموضوع بتطبيق القانون الأجنبي الذي تحدد قاعدة الإسناد, وعليهم في هذه الحالة أن يقدموا الدليل على تضمنه القاعدة القانونية المراد تطبيقها، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فهي أن جلسة سماع الدعوى أمام محكمة أول درجة عقدت يوم 29/ 4/ 1997 وفيها أجاب الطاعن على الدعوى تفصيلاً، ولم يثرِ أي دفع بوجوب تطبيق القانون المصري، وهي أول جلسة حضر فيها أمام المحكمة بل دخل مع وكيل المطعون ضدها على بنود الدعوى وحجزت للحكم ثم تنصل منه، ثم عاد ودفع بذات الدفع، بمذكرته المؤرخة 20/ 5/ 1997 والتي لا تحمل ما يفيد عرضها على قاضي الموضوع والتأشير عليها، ولم يقدم دليلاً على تطبيق قواعد القانون الذي يتمسك به، مما مفاده أنه حين أجاب على الدعوى تفصيلاً من غير أن يثير الدفع بتطبيق القانون المصري قبل الدخول في الإجابة على تفاصيل الدعوى أنه ارتضى تطبيق قواعد قانون الإمارات العربية المتحدة الذي يقضي في مسائل الأحوال الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية مما يجعل نعيه بهذا السبب قائمًا على غير أساس.
2 - إنه يشترط لمنع إعادة نظر الدعوى بسبب سبق الفصل في موضوعها أن يتحد الخصوم والموضوع والسبب في كلا الدعويين، وأن يصدر في الدعوى المقضي فيها حكم قطعي ونهائي في مسألة أساسية لا تتغير وأن يكون الطرفان قد تناقشا في المسألة في ذات الدعوى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا، بحيث تكون هي الأساس فيما يدعيه المدعي بالدعوى الثانية من أي من الطرفين قبل الآخر، كما أنه من المقرر شرعًا أن النفقة مسألة متجددة تتغير بتغير ظروف المنفق والمنفق عليه عسرًا ويسرًا ولظروف المعيشة في الزمان والمكان، وسن المنفق عليه حسب حالته في الصغر والكبر، فتزيد وتنقص بحسب هذه الأحوال، ولا تستقر على حال واحد.
3 - لما كان النعي غير سديد، إذ جاء في الشرح الصغير ج (2) صـ 511 (واختلف في وجوب نفقة الناشز والذي ذكره المتبطي ووقع به الحكم وهو الصحيح - أن الزوج إذا كان قادرًا على درها ولو بالحكم من المحاكم ولم يفعل فلها النفقة)، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه، قد أورد بها أن الطاعن يسكن دولة الإمارات، وقد صرح بأنه لا يريد إحضار المطعون ضدها معه، وأن الشرع لا يلزم الزوجة بالسكن مع أهل الزوج في بيت واحد، إذا طلبت عدم السكن معهم، وأنه صرح بالمشاجرة التي وقعت بينه وبينها عندما منعها من السفر إلى الإمارات، وأضاف الحكم المطعون فيه أن للزوج استصدار حكم بالطاعة على زوجته، فإن تنفذه تصبح بعد ذلك ناشزًا، ولا يحق لها المطالبة بالنفقة، أما قبل ذلك فتستحقها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استوفى وقائع الدعوى وأحاط بها، واستخلص من واقعها عدم توفر شروط الطاعة التي تقتضي احتباس الزوجة في بيت زوجها بعدم رغبته في إحضارها لمقر إقامته بالإمارات، مما يقتضي انتفاء نشوزها ويستلزم استحقاقها النفقة، فقضى وفق أحكام الشرع الإسلامي الحنيف, فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الشرع ويكون النعي على غير أساس.
4 - لما كان النعي بالمغالاة في تقدير المنفقة، فإنه مردود ذلك أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها وترجيح ما تراه راجحًا منها يدخل في سلطة محكمة الموضوع، ولا رقيب عليها متى كان استخلاصها للحقيقة سائغًا وله أصله من الأوراق.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص وبعد المداولة،
حيث إن الطعن استوفى أوضاع القانونية،
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - أن المطعون ضدها (....) ادعت بأنها زوجة شرعية للطاعن (....) بصحيح العقد الشرعي، ورزقت منه على فراش الزوجية الصحيح ببنتها (....) وعمرها أحد عشر شهرًا وهي تعمل مدرسة ويقيمان في أبو ظبي، وسافرا بالإجازة إلى جمهورية مصر العربية في 1/ 7/ 1996 على أن يعودا بعدها، فمنعها من العودة إلى الإمارات، وتركها وبنتها بمصر، ولم يترك لهما نفقة، ولم ينفق عليهما بمصر منذ 1/ 7/ 1996، ولم يعد لهما مسكنًا، وكانت بمصر تؤجر سكنًا بمبلغ 6000 جنيه مصريًا في السنة، وطلبت الحكم بنفقتها منذ 1/ 7/ 1996 وأن يعد لهما مسكنًا وأن يسدد أجر المسكن، وقيدت الدعوى بوكالة والدها بالعين برقم 165/ 1997 بدائرة الأحوال الشخصية وصادقها الطاعن على الزوجية وبنوة البنت، ودفع بأنه كان ينفق عليهما في الفترة التي ادعت عدم الإنفاق فيها بمصر وبأنها خرجت من طاعته منذ 6/ 8/ 1996، وله منزل مستقل عن منزل والده ودعاها إليه فامتنعت، وسيدفع لها النفقة إذا دخلت في الطاعة، ولا يريد إحضارها للإمارات، وبتاريخ 2/ 6/ 1997 حكمت محكمة أول درة بإلزام الطاعن بدفع ثمانمائة درهم شهريًا لزوجته وابنتها (....) نفقة شاملة لجميع متطلباتها عدا المسكن اعتبارًا من 6/ 8/ 1996 على أن يسقط عن الطاعن أي مبلغ أو صله لها بالفعل عن طريق محكمة الزقازيق الشرعية باعتباره نفقة لهما إذا قدم وصلاً من المحكمة يؤيد ذلك، وإلزامه بدفع خمسمائة درهم شهريًا عوضًا عن أجر مسكنٍ لهما اعتبارًا من 6/ 8/ 1996 ورفض طلباته إسكان المطعون ضدها مع أبويه في بيت واحد، فاستأنفت المطعون ضدها برقم 86/ 1997، واستأنف الطاعن برقم 93/ 1997، وبتاريخ 25/ 11/ 1997 حكمت المحكمة في الاستئناف 93/ 1997 بالرفض، وفي الاستئناف 86/ 1997 بتعديل مدة سريان النفقة لتصبح من 1/ 7/ 1997 وتأييد الحكم فيما عدا ذلك، فطعن المحكوم عليه بالنقض الماثل الذي أودع صحيفته قلم كتاب المحكمة بتاريخ 31/ 12/ 1997، وأودعت المطعون ضدها مذكرة بالرد طلبت فيها رفض الطعن، وأودعت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن.
وحيث إن الطاعن أقام طعنه على أربعة أسباب ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون لعدم الاختصاص، ويقول في بيان ذلك إن طرفي النزاع من جمهورية مصر العربية، فمحاكم دولة الإمارات لا ينعقد لها الاختصاص المحلي بنظر نزاعهما، وإعمالاً لنص المادة (13) من قانون المعاملات 5/ 1985، فإنه يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار الشخصية والمالية التي يرتبها ومنها نفقة الزوجة والمحصنون، ومن ثم فإن قانون الأحوال الشخصية المصري هو الواجب التطبيق وفق المادة السالفة الذكر مما يستوجب نقض الحكم.
وحيث إنه عن الشق الأول من النعي وهو الدفع بعدم اختصاص محاكم الدولة بنظر النزاع فهو غير سديد، ذلك أن مؤدى نص المادة (20) من قانون الإجراءات المدنية اختصاص محاكم الدولة بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الدولة، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن يقيم بالعين ويعمل مهندسًا بالأشغال العسكرية، فإن محاكم الدولة تكون مختصة بنظر النزاع ويكون النعي بهذا الشق على غير أساس.
وحيث إنه عن الشق الثاني من الدفع فهو مردود، ذلك أنه استقر قضاء هذه المحكمة على أن قواعد الإسناد لا تتعلق بالنظام العام، ذلك أن الأصل هو تطبيق قانون القاضي، فيتعين على الخصوم أن يتمسكوا أمام محكمة الموضوع بتطبيق القانون الأجنبي الذي تحدده قاعدة الإسناد، وعليهم في هذه الحالة أن يقدموا الدليل على تضمنه القاعدة القانونية المراد تطبيقها، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن جلسة سماع الدعوى أمام محكمة أول درجة عقدت يوم 29/ 4/ 1997 وفيها أجاب الطاعن على الدعوى تفصيلاً ولم يثرِ أي دفع بوجوب تطبيق القانون المصري وهي أول جلسة حضر فيها أمام المحكمة بل دخل مع وكيل المطعون ضدها على بنود الدعوى وحجزت للحكم، ثمن تنصل منه ثم عاد ودفع بذات الدفع، بمذكرته المؤرخة 20/ 5/ 1997 والتي لا تحمل ما يفيد عرضها على قاضي الموضوع والتأشير عليها، ولم يقدم دليلاً على تطبيق قواعد القانون الذي يتمسك به، مما مفاده أنه حين أجاب على الدعوى تفصيلاً من غير أن يثير الدفع بتطبيق القانون المصري قبل الدخول في الإجابة على تفاصيل الدعوى أنه ارتضى تطبيق قواعد قانون الإمارات العربية المتحدة الذي يقضي في مسائل الأحوال الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية مما يجعل نعيه بهذا السبب قائمًا على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه بالبطلان ويقول في بيان ذلك إنه دفع ابتداء بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها بحكم صادر من محاكم جمهورية مصر العربية في الدعوى 416/ 1999 شرعي بندر الزقازيق المرفوعة من المطعون ضدها، وقد قضى لهما بنفقة مؤقتة بتاريخ 17/ 11/ 1996 اعتبارًا من تاريخ رفع الدعوى، فيمتنع على المطعون ضدها إقامة دعوى أخرى بنفس المطالب أمام محاكم دولة الإمارات مع وجود دعوى أخرى مقامة منها، وقد بادر المطعون ضده بتنفيذ الحكم بهذه النفقة بإيداع المبلغ المطلوب خزانة المحكمة تحت تصرف المطعون ضدها مما يوجب نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول الدعوى الماثلة لسابقة الفصل في موضوعها.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يشترط لمنع إعادة نظر الدعوى بسبب سبق الفصل في موضوعها أن يتحدَ الخصوم والموضوع والسبب في كلا الدعويين، وأن يصدر في الدعوى المقضى فيها حكم قطعي ونهائي في مسألة أساسية لا تتغير، وأن يكون الطرفان قد تناقشا في المسألة في ذات الدعوى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا بحيث تكون هي الأساس فيما يدعيه المدعي بالدعوى الثانية من أي من الطرفين قبل الآخر، لما كان ذلك وكان من المقرر شرعًا أن النفقة مسالة متجددة تتغير بتغير ظروف المنفق والمنفق عليه عسرًا ويسرًا ولظروف المعيشة في الزمان والمكان، وسن المنفق عليه حسب حالته في الصغر والكبر، فتزيد وتنقص بحسب هذه الأحوال ولا تستقر على حال واحد.
ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن صورة الحكم الصادر في القضية رقم 416/ 1996 بجلسة 17/ 11/ 1996 شرعي بندر الزقازيق بجمهورية مصر العربية أنه حكم مؤقت، وقد قضى بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضدها من تاريخ رفع الدعوى في 6/ 8/ 1996 مبلغ أربعين جنيهًا نفقة ضرورية، ومن ذات التاريخ مبلغ عشرين جنيهًا نفقة ضرورة للطفلة (....) بكافة أنواعها، وتأجيل الدعوى لجلسة 5/ 1/ 1997 للتحري عن دخل المطعون ضده، وصرحت المحكمة للمطعون ضدها بتنفيذه، ولم تفصل المحكمة في باقي بنود الدعوة - وهي فرض نفقة لها بأنواعها مع بدل فرضها وغطائها - وفرض نفقة بنوعيها لصغيرتها مع بدل فرشها وغطائها، وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، كما يتضح كما صورة الإعلان بالدعوى السالفة الذكر، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن لم تأخذ بهذا الدفع فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه علل قضاءه بأن الحكم الذي تمسك به الطاعن حكم مؤقت في قضية قد أثبتت المطعون ضدها أنها شطبت قبل الحكم الابتدائي النهائي، وكان الشطب في 18/ 5/ 1997 قبل صدور الحكم المستأنف، ومن ثم فإن الدفع بسابقة الفصل في الدعوى في غير محله، ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه بمخالفة أحكام الشرعية الإسلامية، ويقول في بيان ذلك إن شرط استحقاق النفقة الشرعية للزوجة هو توفر طاعتها لزوجها واحتباسها بمنزل الزوجية، وقد خرجت المطعون ضدها من منزل الطاعن بدون مبررٍ شرعي إلى منزل أبيها، ولم تعد إليه وأعد لها منزلاً بالقاهرة بعيدًا عن سكن أبيه، ولم تدخل في الطاعة، فلا تستحق النفقة عليه، وقضى الحكم بنفقتها على خلاف الوجه الشرعي مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، إذا جاء في الشرح الصغير ج (2) صـ 511 (واختلف في وجوب نفقة الناشز)، والذي ذكره المتبطي ووقع به الحكم وهو الصحيح أن الزوج إذا كان قادرًا على ردها ولو بالحكم من الحاكم ولم يفعل فلها النفقة)، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه قد أورد بها أن الطاعن يسكن دولة الإمارات، وقد صرح بأنه لا يريد إحضار المطعون ضدها معه، وأن الشرع لا يلزم الزوجة بالسكن مع أهل الزوج في بيت واحد إذا طلبت عدم السكن معهم، وأنه صرح بالمشاجرة التي وقعت بينه وبينها عندما منعها من السفر إلى الإمارات، وأضاف الحكم المطعون فيه أن للزوج استصدار حكم بالطاعة على زوجته، فإن لم تنفذه تصبح بعد ذلك ناشزًا لا يحق لها المطالبة بالنفقة، أما قبل ذلك فتستحقها.
ولما كان الحكم المطعون فيه قد استوفى وقائع الدعوى وأحاط بها، واستخلص من واقعها عدم توفر شروط الطاعة التي تقتضي احتباس الزوجة في بيت زوجها بعدم رغبته في إحضارها لمقر إقامته بالإمارات، مما يقتضي انتفاء نشوزها ويستلزم استحقاقها النفقة، فقضى وفق أحكام الشرع الإسلامي الحنيف، فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الشرع، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع بالمغالاة في تقدير النفقة ابتدره بهذه العبارة، وبنى من خلال نعيه على الحكم بعدم طاعة الزوجة في بيت الزوجية الذي أعده لها بالقاهرة، وحيث إن هذا الشق من النعي تمت الإجابة عليه في الرد على السبب الثالث، فتحيل المحكمة عليه.
وحيث إنه عن المغالاة في تقدير النفقة فإنه مردود ذلك أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها وترجيح ما تراه راجحًا منها يدخل في سلطة محكمة الموضوع، ولا رقيب عليها متى كان استخلاصها للحقيقة سائغًا وله أصله من الأوراق، جاء في تحفة ابن عاصم:
وكل ما يرجع للافتراض
موكل إلى اجتهاد القاضي
بحسب الأقوات والأعيان
والسعر والزمان والمكان
لما كان ذلك وكان الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه قد أورد بمدوناته أن الطاعن معترف بأن راتبه 6.500 درهم ولا زوجات له ولا أولاد غير المدعية، وأن المحكمة تحرت في تقدير النفقة والسكن للمدعية وابنتها من المدعى عليه وسألت أهل الرأي والعدالة من أعيان بلد الطرفين، وأضاف الحكم المطعون فيه أن بخصوص المبالغة في مقادير النفقة، فإن دخل الطاعن كبير مما ترى معه المحكمة أن المقادير الواردة في صحيفة الحكم مناسبة، خاصةً وأنه لا يعول غير نفسه، ومن ثم فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقديره، فهو على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس بالأضرار الأدبية والاجتماعية التي لحقت به نتيجة تصرفات زوجية وأهلها بأن رفعت عليه بتحريض من أهلها قضية بتاريخ 10/ 7/ 1996 بمنقولات زوجية، وقامت أمها بشكوى ضده بأنه أخذ منها 200.000 جنيه على سبيل الأمانة وتبين أنها شكوى كيدية، وقامت زوجته بالاشتراك مع والدها باستخراج جواز سفر مزور تدعي فيه بأنها طالبة، وقام والدها بشكوى ضده بتهمة أنه خان زوجته واستولى منها على 150.000 جنيه، وصدر الحكم ببراءته، لأنها كلها دعاوى كيدية، وطلب في الموضوع نقض الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لا يتعلق بموضوع دعوى النفقة وغير منتجٍ فيها، فهو على غير أساس.
ومن ثم يتعين رفض الطعن.