محمد ابراهيم البادي
04-14-2011, 11:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار عزيز بشاى سيدهم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة د/ محمد جودت الملط وثروت عبد الله أحمد ومحمد معروف محمد وفريد نزيه تناغو. المستشارين.
إجراءات الطعن
فى يوم الأحد الموافق 26 من مايو سنة 1985 ، اودع الأستاذ / ……… المحامى بصفته وكيلا عن السيدة/ …… قلم كتاب المحكمة الادارية العليا ، تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2338 لسنة 31 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالاسكندرية بجلسة 30 من مارس سنة 1985 فى الدعوى رقم 78 لسنة 26 القضائية المقامة من النيابة الادارية ضد السيدة / ……… القاضى بمجازاتها بالفصل من الخدمة .
وطلبت الطاعنة للاسباب بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بالغاء هذا الحكم وببراءتها من المخالفة المسندة اليها مع الزام الجهة المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين .
واعلن تقرير الطعن الى الجهة المطعون ضدها على الوجه المبين بالأوراق .
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه واعادة تقدير الجزاء بما يتناسب صدقا وعدلا مع ما ثبت فى حق الطاعنة .
وعين لنظر الطعن امام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 28 من يناير سنة 1987 ، وبجلسة 10 من فبراير سنة 1988 قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا (الدائرة الرابعة) لنظره بجلسة 13 من فبراير سنة 1988 ، وبهذه الجلسة قررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة اليوم ، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع الايضاحات ، وبعد المداولة .
من حيث ان الطعن قد استوفى اوضاعه الشكلية .
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - فى أنه بتاريخ 11 من ديسمبر سنة 1983 اودعت النيابة قلم كتاب المحكمة التأديبية بالاسكندرية أوراق الدعوى التأديبية التى قيدت بسجل المحكمة تحت رقم 78 لسنة 26 القضائية مرفقا بها تقرير اتهام ضد السيدة/ ……… الكيمائية بمديرية الشئون الصحية بالاسكندرية بالدرجة الثالثة ، لانها خلال شهر يناير سنة 1983 لم تحافظ على كرامة وظيفتها وسلكت فى تصرفاتها مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب بأن وضعت نفسها موضع الريب والشبهات بتواجدها بشقة أحد المواطنين مما عرضها للضبط بمعرفة مباحث الآداب واتهامها فى قضية مخلة بالشرف على النحو المبين بالاوراق ، وبذلك تكون العاملة المذكورة قد ارتكبت مخالفة الادارية المنصوص عليها فى المادتين 76/3 و 78/1 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
وطلبت النيابة الادارية محاكمتها طبقا للمادتين سالفتى الذكر والمادتين 80 و 82 من القانون رقم 47 لسنة 1978 المشار اليه والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية والمادتين 15 و 19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة .
وبجلسة 30 من مارس سنة 1985 اصدرت المحكمة حكمها بمجازاة السيدة المذكورة بالفصل من الخدمة .
واقامت المحكمة قضاءها على ان المحالة ضبطت بمعرفة مباحث الاداب فى شقة احد المواطنين واتهمت فى قضية مخلة بالشرف وحكم عليها ابتدائيا فى هذه القضية بالحبس مع الشغل ثلاثة اشهر مع وقف التنفيذ ووضعها تحت مراقبة الشرطة ثم الغى هذا الحكم استئنافيا وقضى ببراءتها مما نسب اليها تأسيسا على عدم توافر ركن الاعتياد فى مباشرة الفحشاء باعتباره احد اركان جريمة الدعارة .
واضافت المحكمة ان مباحث الآداب قامت بمهاجمة الشقة المنوه عنها وضبطت المحالة مع رجلين لاتربطهما بها صلة مشروعة وقد ضبطت فى الشقة شرائط فيديو تحتوى على عروض مخلة بالاداب وقد تبين من أقوال المحالة فى تحقيق النيابة الادارية ان المقاول صاحب الشقة يتخذها مصيفا له ويقيم فيها بمفرده بعيدا عن أسرته المقيمة بالقاهرة وان زوج المحالة غير موجود بالمدينة حيث يعمل بالخارج فان مثل هذه الظروف والملابسات بالاضافة الى تلك التحريات التى دفعت مباحث الآداب الى مهاجمة الشقة المذكورة مما ادى الى ضبط الواقعة على النحو السالف ذكره مما يثير غبارا قاتما حول تصرفات المحالة ويؤثر فى سمعتها بين الناس بما يمس سلوكها الوظيفى ويعد اخلالا بحسن السير والسلوك وخروجا على مقتض الواجب الوظيفى الأمر الذى يفقدها شروط الصلاحية للبقاء فى الوظيفة .
ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون واخطأ فى تطبيقه وتأويله فضلا عما شابه من قصور فى التسيب واخلال بحقوق الدفاع للأسباب الآتية :
1- اخطأ الحكم المطعون فيه حين استنتج من مجرد حصول التحريات ضد شخص المقاول ومن مجرد قيام المباحث بمهاجمة شقته ، ان الطاعنة لها صلة بهذا المقاول وقد تبين انه يتخذ من هذه الشقة مكتبا ومركزا له يباشر فيه تعاقداته بدليل أنه جاء فى اسباب الحكم المطعون فيه ان الطاعنة كان يوجد معها فى نفس الوقت اشخاص آخرون لا تربطها بهم صلة وهذا قاطع فى الدلالة فى نفى أى صلة سيئة بينها وبين المقاول المذكور .
2- كما أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى الاستنتاج حين رتب على المقولات التى أوردها انها تثير غبارا حول تصرفات الطاعنة وتؤثر فى سمعتها بين الناس اذ أن ما أورده الحكم المطعون فيه متعلقا بشقة المقاول وما وجد بهذه الشقة من شريط فيديو وما حصل بشأن هذه الشقة من تحريات امر يخص المقاول فقط ، فلا يصح ان يستنج منه أمر يمس سمعة الطاعنة اذ لا علاقة لها بهذا المقاول سوى مجرد الرغبة فى الحصول على شقة وهى رغبة مشروعة.
3- اخل الحكم المطعون فيه بحقوق الطاعنة فى الدفاع فقد أودعت الطاعنة حافظة مستندات تضمنت شهادة رسمية من واقع جدول الجنح المستأنفة فى القضية رقم 3511لسنة 1983 تفيد صدور حكم لصالحها ببراءتها من التهمة المسندة اليها وكان يتعين احترام حجية هذا الحكم ، يضاف الى ذلك ان الطاعنة قدمت شهادة من الجهة الادارية تفيد أنها حسنة السير والسلوك وانها لم تكن فى اعمالها موضع ريبة أو شبهة خلافا لما تدعيه النيابة الادارية ، واذ التفتت المحكمة عن دفاع الطاعنة فان حكمها يكون مخالفا للقانون مستوجبا الالغاء .
4- القاعدة العامة فى المسئولية الجنائية والادارية ان الشخص يسأل عن سلوكه وفعله ، ولا يسأل عن سلوك وفعل غيره ، وقد خالف الحكم المطعون فيه هذه القاعدة وادان الطاعنة بناء على افعال وسلوكيات المقاول .
5- اتسم الحكم المطعون فيه بالمبالغة والقسوة فى توقيع الجزاء اذ أن جزاء فصل الطاعنة من الخدمة لا يتناسب مع ما هو منسوب اليها .
ومن حيث ان الاحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة بما فصلت فيه ويعتبر الحكم عنوان الحقيقة فيما قضى به . والذى يحوز الحجية من الحكم هو منطوقه والأسباب الجوهرية المكملة له . والقضاء الادارى لا يرتبط بالحكم الجنائى الا فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريا . أى ان القضاء الادارى بتقيد بما أثبته القضاء الجنائى فى حكمه من وقائع وكان فصله فيها لازما دون ان يتقيد بالتكيف القانونى لهذه الوقائع فقد يختلف التكييف من الناحية الادارية عنه من الناحية الجنائية . فالمحاكمة الادارية تبحث فى مدى اخلال الموظف بواجبات وظيفته حسبما يستخلص من مجموع التحقيقات ، أما المحاكمة الجنائية فانها ينحصر أثرها فى قيام جريمة من جرائم القانون العام وقد يصدر حكم بالبراءة فيها ومع ذلك فان ما يقع من المتهم يشكل ذنبا اداريا يجوز مساءلته عنه تأديبيا .
ومن حيث ان الثابت من الأوراق ان السيدة / ……… الموظفة الكيميائية بمديرية الشئون الصحية بالاسكندرية من الدرجة الثالثة ضبطت بمعرفة مباحث الاداب بالاسكندرية فى 21/3/1983 فى شقة احد المواطنين وحقق معها بمعرفة النيابة العامة فى القضية رقم 3511 لسنة 1983 وقدمتها النيابة العامة الى المحاكمة بتهمة الاعتياد على ممارسة الدعارة وفى 16/5/1983 حكمت محكمة جنح الاداب حضوريا بحبسها مدة ثلاثة اشهر مع الشغل والايقاف الشامل والمراقبة مدة مساوية الا ان محكمة الجنح المستأنفة قضت بجلسة 19/6/1983 بالغاء الحكم المستأنف وببراءتها من التهمة المنسوبة اليها تأسيسا على عدم توفر ركن الاعتياد .
وهذا الحكم فى منطوقه والاسباب التى قام عليها يحول دون مساءلة الموظفة المذكورة عن واقعة تواجدها بمفردها وهى موظفة متزوجة فى شقة أحد المواطنين الذى تحوم حوله شبهات سوء السلوك على النحو السابق بيانه ، وهى واقعة ثابتة فى حقها تشكل ذنبا اداريا يستوجب مساءلتها تأديبيا ، ذلك ان الموظف العام لا تقتصر مسئوليته على ما يرتكبه من أعمال فى مباشرته لوظيفته الرسمية بل انه قد يسأل كذلك تأديبيا عما يصدر عنه خارج نطاق عمله ، فهو مطالب على الدوام بالحرص على اعتبار الوظيفة التى ينتمى اليها حتى ولو كان بعيدا عن نطاق اعمالها ولا يجوز ان يصدر منه ما يمكن ان يعتبر مناقضا للثقة الواجبة فيه والاحترام اللازم اذ لا ريب ان سلوك العامل وسمعته خارج نطاق عمله الوظيفى وعلى الجهاز الادارى الذى يعمل فيه .
ومن حيث ان ما جاء فى الحكم المطعون فيه من ان تحريات شرطة الاداب لا يصل اليها رجال المباحث الا بعد ان تكون قد شاعت بين الناس وان لهذه التحريات سند من الواقع هذا القول هو من قبيل القضاء بعلم المحكمة ، ولا سند له من الأوراق فى الوقائع المعروضة ولا ضرورة توجيه ، اذ ليس من الضرورى ان تكون مهاجمة شقة المقاول التى ضبطت فيها الطاعنة قد تمت بعد ان شارع بين الناس أمر فساد هذا المقاول ولم يثبت ذلك من الأوراق وليس من الضرورى ان يكون ما شاع بين الناس من امر فساد هذا المقاول - ان صح ذلك - متفقا مع الحقيقة . والثابت من الأوراق انه قد تمت مهاجمة شقة المقاول بمعرفة شرطة الآداب وانه قد تم ضبط الطاعنة مع رجلين لا تربطها بهما صلة شرعية ، وانه قد ضبطت بالشقة شرائط فيديو تحتوى على عروض مخلة بالآداب ، ولكنه لم يثبت ان المخالفة المسلكية المنسوبة الى الطاعنة كانت تجاوز مجرد التواجد المكانى مع أغراب فى شقة المقاول الأمر الذى عرضها للضبط بمعرفة مباحث الآداب وإتهامها فى قضية أداب ، اذ لم يثبت وجود أية علاقة غير شريفة للطاعنة بصاحب الشقة أو بمن كان فيها من الرجال وقت الضبط ، كما لم تثبت ان الطاعنة قد ضبطت وهى تشاهد شرائط الفيديو المخلة بالآداب ، اذ أنها كانت فى وضع مع الرجال يمكن تفسيره بأنه يخالف الآداب والعرف وحسن السمعة والسيرة الطيبة ، فضلا عن الكرامة والاحترام . وعلى ذلك فان اقل ما يمكن نسبته الى الطاعنة من أسباب الخروج على واجبات الوظيفة هو تواجدها بشقة المقاول الامر الذى عرضها للضبط والاتهام فى قضية اداب ، وهو الاتهام الذى وجهته اليها النيابة الادارية فى تقرير الاتهام ، أما قول المحكمة بأن صاحب - الشقة كان يقيم فيها بمفرده وانه يستخدم الشقة كمصيف ، وان الطاعنة يعمل زوجها بالخارج ولا يقيم فى المدينة - فهى فى جملتها اقوال تسئ الى الطاعنة بلا موجب وبلا مبرر فى مجال المساءلة التأديبية فضلا عن عدم ثبوت صحتها . اذ لم يقم دليل من الأوراق على أن صاحب الشقة يقيم فيها وحده . وان هذه الاقامة الانفرادية هى التى جذبت اليها - وهيئت الأسباب لزيارة الطاعنة للمقاول فيها ، ولم يقم دليل من الأوراق على أن المقاول يستخدم هذه الشقة كمصيف فقط وانه لا يستخدمها استخدام المقاول لمكتب يتولى فيه ادارة اعماله ، ولم يثبت من الأوراق الغرض من زيارة الطاعنة للمقاول وحقيقة صلتها به وابعاد هذه الصلة ، وليس كل تواجد فى مكان فيه رجال مما يمكن تفسيره بأنه لارتكاب الفحشاء ولممارسة الخطيئة ، بل وجود أكثر من رجل فى المكان الذى اقتحمته شرطة الآداب مما يوحى - ولا يدل - على أن وجود الطاعنة فى ذلك المكان كان لغرض لا يتصل بسلوكيات الاثم والخطيئة . كما أن غياب زوج الزوجة الطاعنة عن المدينة لم يكن سببا لتواجدها فى صحبة الرجال الأغراب عند ضبطها بمعرفة مباحث الآداب فى شقة المقاول ، اذ لا يسوغ فى العقل تفسير كل غياب للزوج عن زوجته بأنه ينتج انحرافها عن الجادة .
كما لا يجوز تفسير كل وجود لاثنى فى مجتمع الرجال بأنه وجود لارتكاب الرذيلة والاثم وعلى العموم فليست كل تحريات الشرطة صحيحة ، وليست كل تحريات الشرطة لها سند من الأوراق وليس كل ما يشيع عن الناس يصادف الحقيقة والصدق فى شأنهم ، والواقعة الواحدة قد يختلف الناس فى تفسيرها وفى رؤاهم عنها ايما اختلاف ، ولو كانت كل تحريات الشرطة صحيحة كما توهمت المحكمة التأديبية فى حكمها المطعون فيه لما قامت بالبلاد وللدنيا بأسرها حاجة الى خدمات القضاء والعدل . والثابت ان النيابة الادارية قدمت الطاعنة بتهمة التواجد فى شقة مريبة مما عرضها للقبض عليه واتهامها فى قضية اداب فان المحكمة اعتلت من الشطط فى التأثيم والعقاب واصابت الطاعنة بجراح عميقة فى مسلكها واعتبارها بلا دليل وبلا سند من الأوراق ، سوى مجرد التواجد فى شقة مريبة تدهمها الشرطة ولم يثبت من الأوراق ان الطاعنة كانت فى أى وقت على علم مسبق بحقيقة المكان وما يحيط به من شبهات وما يتصل بصاحب المكان من اسباب الارتياب فى حقه ، لذلك يكون التغليظ على الطاعنة بالتأثيم والعقاب من جانب المحكمة التأديبية فى غير محله وغير قائم على أسباب صحيحة فى جملتها ، واذا كان مجرد تواجد انثى فى مكان ترتاب فيه الشرطة ولم يثبت ان الموظفة كانت ترتاب فيه مما يجازى عنه بالفصل من الخدمة كأى جزاء يليق توقيعه بمن تضبط وهى تمارس الاثم والفحشاء والخطيئة . والثابت ان المحكمة مالت مع هذه الأسباب غير الصحيحة واستخلصت بغير موجب عدم صلاحية الطاعنة للاستمرار فى الوظيفة ، ولذلك كان على هذه المحكمة ان تصحح ما اعوج من القضاء المطعون فيه ، وان ترد العقاب المغالى فيه التأثيم فى العقاب الى نصابه الصحيح المقبول ، وان تأخذ الطاعنة بما ثبت فى حقها بالحق والصواب والتفسير الصحيح للوقائع وتقضى بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من فغصل الطاعنة من الخدمة بقيام العقاب التأديبى فيه على أساس من الغلو والشطط فى التأثيم والعقاب ، ومن ثم اتسم بعدم المشروعية وترده الى النصاب المعتدل من العقاب .
ومن حيث انه ولئن كان للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك الا أن مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها شأن أية سلطة تقديرية أخرى - الا يشوب استعمالها . غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذى تغياه القانون من التأديب وهذا الهدف هو بوجه عام تأمين نظام سير المرافق العامة ولا يتحقق هذا التأمين اذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة ففى هذه الحالة يعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء مشوبا بالغلو فيخرج التقدير من نطاق المشروعية الى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة .
ومن حيث ان حكم المحكمة التأديبية المطعون فيه قد ضرب صفحا عن الظروف التى لابست موقف السيدة / …… والملابسات التى احاطت بالواقعة وغالى فى توقيع الجزاء وعاقب الطاعنة بالفصل من الخدمة مما يصم الجزاء بعدم المشروعية ومن ثم يتعين الغاء الحكم المطعون فيه ومجازاة الطاعنة بالجزاء المناسب الذى تقدره المحكمة بتأجيل ترقيتها عند استحقاقها لمدة سنتين .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة ……… بتاجيل ترقيتها عند استحقاقها لمدة سنتين.
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار عزيز بشاى سيدهم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة د/ محمد جودت الملط وثروت عبد الله أحمد ومحمد معروف محمد وفريد نزيه تناغو. المستشارين.
إجراءات الطعن
فى يوم الأحد الموافق 26 من مايو سنة 1985 ، اودع الأستاذ / ……… المحامى بصفته وكيلا عن السيدة/ …… قلم كتاب المحكمة الادارية العليا ، تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2338 لسنة 31 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالاسكندرية بجلسة 30 من مارس سنة 1985 فى الدعوى رقم 78 لسنة 26 القضائية المقامة من النيابة الادارية ضد السيدة / ……… القاضى بمجازاتها بالفصل من الخدمة .
وطلبت الطاعنة للاسباب بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بالغاء هذا الحكم وببراءتها من المخالفة المسندة اليها مع الزام الجهة المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين .
واعلن تقرير الطعن الى الجهة المطعون ضدها على الوجه المبين بالأوراق .
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه واعادة تقدير الجزاء بما يتناسب صدقا وعدلا مع ما ثبت فى حق الطاعنة .
وعين لنظر الطعن امام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 28 من يناير سنة 1987 ، وبجلسة 10 من فبراير سنة 1988 قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا (الدائرة الرابعة) لنظره بجلسة 13 من فبراير سنة 1988 ، وبهذه الجلسة قررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة اليوم ، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع الايضاحات ، وبعد المداولة .
من حيث ان الطعن قد استوفى اوضاعه الشكلية .
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - فى أنه بتاريخ 11 من ديسمبر سنة 1983 اودعت النيابة قلم كتاب المحكمة التأديبية بالاسكندرية أوراق الدعوى التأديبية التى قيدت بسجل المحكمة تحت رقم 78 لسنة 26 القضائية مرفقا بها تقرير اتهام ضد السيدة/ ……… الكيمائية بمديرية الشئون الصحية بالاسكندرية بالدرجة الثالثة ، لانها خلال شهر يناير سنة 1983 لم تحافظ على كرامة وظيفتها وسلكت فى تصرفاتها مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب بأن وضعت نفسها موضع الريب والشبهات بتواجدها بشقة أحد المواطنين مما عرضها للضبط بمعرفة مباحث الآداب واتهامها فى قضية مخلة بالشرف على النحو المبين بالاوراق ، وبذلك تكون العاملة المذكورة قد ارتكبت مخالفة الادارية المنصوص عليها فى المادتين 76/3 و 78/1 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
وطلبت النيابة الادارية محاكمتها طبقا للمادتين سالفتى الذكر والمادتين 80 و 82 من القانون رقم 47 لسنة 1978 المشار اليه والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية والمادتين 15 و 19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة .
وبجلسة 30 من مارس سنة 1985 اصدرت المحكمة حكمها بمجازاة السيدة المذكورة بالفصل من الخدمة .
واقامت المحكمة قضاءها على ان المحالة ضبطت بمعرفة مباحث الاداب فى شقة احد المواطنين واتهمت فى قضية مخلة بالشرف وحكم عليها ابتدائيا فى هذه القضية بالحبس مع الشغل ثلاثة اشهر مع وقف التنفيذ ووضعها تحت مراقبة الشرطة ثم الغى هذا الحكم استئنافيا وقضى ببراءتها مما نسب اليها تأسيسا على عدم توافر ركن الاعتياد فى مباشرة الفحشاء باعتباره احد اركان جريمة الدعارة .
واضافت المحكمة ان مباحث الآداب قامت بمهاجمة الشقة المنوه عنها وضبطت المحالة مع رجلين لاتربطهما بها صلة مشروعة وقد ضبطت فى الشقة شرائط فيديو تحتوى على عروض مخلة بالاداب وقد تبين من أقوال المحالة فى تحقيق النيابة الادارية ان المقاول صاحب الشقة يتخذها مصيفا له ويقيم فيها بمفرده بعيدا عن أسرته المقيمة بالقاهرة وان زوج المحالة غير موجود بالمدينة حيث يعمل بالخارج فان مثل هذه الظروف والملابسات بالاضافة الى تلك التحريات التى دفعت مباحث الآداب الى مهاجمة الشقة المذكورة مما ادى الى ضبط الواقعة على النحو السالف ذكره مما يثير غبارا قاتما حول تصرفات المحالة ويؤثر فى سمعتها بين الناس بما يمس سلوكها الوظيفى ويعد اخلالا بحسن السير والسلوك وخروجا على مقتض الواجب الوظيفى الأمر الذى يفقدها شروط الصلاحية للبقاء فى الوظيفة .
ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون واخطأ فى تطبيقه وتأويله فضلا عما شابه من قصور فى التسيب واخلال بحقوق الدفاع للأسباب الآتية :
1- اخطأ الحكم المطعون فيه حين استنتج من مجرد حصول التحريات ضد شخص المقاول ومن مجرد قيام المباحث بمهاجمة شقته ، ان الطاعنة لها صلة بهذا المقاول وقد تبين انه يتخذ من هذه الشقة مكتبا ومركزا له يباشر فيه تعاقداته بدليل أنه جاء فى اسباب الحكم المطعون فيه ان الطاعنة كان يوجد معها فى نفس الوقت اشخاص آخرون لا تربطها بهم صلة وهذا قاطع فى الدلالة فى نفى أى صلة سيئة بينها وبين المقاول المذكور .
2- كما أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى الاستنتاج حين رتب على المقولات التى أوردها انها تثير غبارا حول تصرفات الطاعنة وتؤثر فى سمعتها بين الناس اذ أن ما أورده الحكم المطعون فيه متعلقا بشقة المقاول وما وجد بهذه الشقة من شريط فيديو وما حصل بشأن هذه الشقة من تحريات امر يخص المقاول فقط ، فلا يصح ان يستنج منه أمر يمس سمعة الطاعنة اذ لا علاقة لها بهذا المقاول سوى مجرد الرغبة فى الحصول على شقة وهى رغبة مشروعة.
3- اخل الحكم المطعون فيه بحقوق الطاعنة فى الدفاع فقد أودعت الطاعنة حافظة مستندات تضمنت شهادة رسمية من واقع جدول الجنح المستأنفة فى القضية رقم 3511لسنة 1983 تفيد صدور حكم لصالحها ببراءتها من التهمة المسندة اليها وكان يتعين احترام حجية هذا الحكم ، يضاف الى ذلك ان الطاعنة قدمت شهادة من الجهة الادارية تفيد أنها حسنة السير والسلوك وانها لم تكن فى اعمالها موضع ريبة أو شبهة خلافا لما تدعيه النيابة الادارية ، واذ التفتت المحكمة عن دفاع الطاعنة فان حكمها يكون مخالفا للقانون مستوجبا الالغاء .
4- القاعدة العامة فى المسئولية الجنائية والادارية ان الشخص يسأل عن سلوكه وفعله ، ولا يسأل عن سلوك وفعل غيره ، وقد خالف الحكم المطعون فيه هذه القاعدة وادان الطاعنة بناء على افعال وسلوكيات المقاول .
5- اتسم الحكم المطعون فيه بالمبالغة والقسوة فى توقيع الجزاء اذ أن جزاء فصل الطاعنة من الخدمة لا يتناسب مع ما هو منسوب اليها .
ومن حيث ان الاحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة بما فصلت فيه ويعتبر الحكم عنوان الحقيقة فيما قضى به . والذى يحوز الحجية من الحكم هو منطوقه والأسباب الجوهرية المكملة له . والقضاء الادارى لا يرتبط بالحكم الجنائى الا فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريا . أى ان القضاء الادارى بتقيد بما أثبته القضاء الجنائى فى حكمه من وقائع وكان فصله فيها لازما دون ان يتقيد بالتكيف القانونى لهذه الوقائع فقد يختلف التكييف من الناحية الادارية عنه من الناحية الجنائية . فالمحاكمة الادارية تبحث فى مدى اخلال الموظف بواجبات وظيفته حسبما يستخلص من مجموع التحقيقات ، أما المحاكمة الجنائية فانها ينحصر أثرها فى قيام جريمة من جرائم القانون العام وقد يصدر حكم بالبراءة فيها ومع ذلك فان ما يقع من المتهم يشكل ذنبا اداريا يجوز مساءلته عنه تأديبيا .
ومن حيث ان الثابت من الأوراق ان السيدة / ……… الموظفة الكيميائية بمديرية الشئون الصحية بالاسكندرية من الدرجة الثالثة ضبطت بمعرفة مباحث الاداب بالاسكندرية فى 21/3/1983 فى شقة احد المواطنين وحقق معها بمعرفة النيابة العامة فى القضية رقم 3511 لسنة 1983 وقدمتها النيابة العامة الى المحاكمة بتهمة الاعتياد على ممارسة الدعارة وفى 16/5/1983 حكمت محكمة جنح الاداب حضوريا بحبسها مدة ثلاثة اشهر مع الشغل والايقاف الشامل والمراقبة مدة مساوية الا ان محكمة الجنح المستأنفة قضت بجلسة 19/6/1983 بالغاء الحكم المستأنف وببراءتها من التهمة المنسوبة اليها تأسيسا على عدم توفر ركن الاعتياد .
وهذا الحكم فى منطوقه والاسباب التى قام عليها يحول دون مساءلة الموظفة المذكورة عن واقعة تواجدها بمفردها وهى موظفة متزوجة فى شقة أحد المواطنين الذى تحوم حوله شبهات سوء السلوك على النحو السابق بيانه ، وهى واقعة ثابتة فى حقها تشكل ذنبا اداريا يستوجب مساءلتها تأديبيا ، ذلك ان الموظف العام لا تقتصر مسئوليته على ما يرتكبه من أعمال فى مباشرته لوظيفته الرسمية بل انه قد يسأل كذلك تأديبيا عما يصدر عنه خارج نطاق عمله ، فهو مطالب على الدوام بالحرص على اعتبار الوظيفة التى ينتمى اليها حتى ولو كان بعيدا عن نطاق اعمالها ولا يجوز ان يصدر منه ما يمكن ان يعتبر مناقضا للثقة الواجبة فيه والاحترام اللازم اذ لا ريب ان سلوك العامل وسمعته خارج نطاق عمله الوظيفى وعلى الجهاز الادارى الذى يعمل فيه .
ومن حيث ان ما جاء فى الحكم المطعون فيه من ان تحريات شرطة الاداب لا يصل اليها رجال المباحث الا بعد ان تكون قد شاعت بين الناس وان لهذه التحريات سند من الواقع هذا القول هو من قبيل القضاء بعلم المحكمة ، ولا سند له من الأوراق فى الوقائع المعروضة ولا ضرورة توجيه ، اذ ليس من الضرورى ان تكون مهاجمة شقة المقاول التى ضبطت فيها الطاعنة قد تمت بعد ان شارع بين الناس أمر فساد هذا المقاول ولم يثبت ذلك من الأوراق وليس من الضرورى ان يكون ما شاع بين الناس من امر فساد هذا المقاول - ان صح ذلك - متفقا مع الحقيقة . والثابت من الأوراق انه قد تمت مهاجمة شقة المقاول بمعرفة شرطة الآداب وانه قد تم ضبط الطاعنة مع رجلين لا تربطها بهما صلة شرعية ، وانه قد ضبطت بالشقة شرائط فيديو تحتوى على عروض مخلة بالآداب ، ولكنه لم يثبت ان المخالفة المسلكية المنسوبة الى الطاعنة كانت تجاوز مجرد التواجد المكانى مع أغراب فى شقة المقاول الأمر الذى عرضها للضبط بمعرفة مباحث الآداب وإتهامها فى قضية أداب ، اذ لم يثبت وجود أية علاقة غير شريفة للطاعنة بصاحب الشقة أو بمن كان فيها من الرجال وقت الضبط ، كما لم تثبت ان الطاعنة قد ضبطت وهى تشاهد شرائط الفيديو المخلة بالآداب ، اذ أنها كانت فى وضع مع الرجال يمكن تفسيره بأنه يخالف الآداب والعرف وحسن السمعة والسيرة الطيبة ، فضلا عن الكرامة والاحترام . وعلى ذلك فان اقل ما يمكن نسبته الى الطاعنة من أسباب الخروج على واجبات الوظيفة هو تواجدها بشقة المقاول الامر الذى عرضها للضبط والاتهام فى قضية اداب ، وهو الاتهام الذى وجهته اليها النيابة الادارية فى تقرير الاتهام ، أما قول المحكمة بأن صاحب - الشقة كان يقيم فيها بمفرده وانه يستخدم الشقة كمصيف ، وان الطاعنة يعمل زوجها بالخارج ولا يقيم فى المدينة - فهى فى جملتها اقوال تسئ الى الطاعنة بلا موجب وبلا مبرر فى مجال المساءلة التأديبية فضلا عن عدم ثبوت صحتها . اذ لم يقم دليل من الأوراق على أن صاحب الشقة يقيم فيها وحده . وان هذه الاقامة الانفرادية هى التى جذبت اليها - وهيئت الأسباب لزيارة الطاعنة للمقاول فيها ، ولم يقم دليل من الأوراق على أن المقاول يستخدم هذه الشقة كمصيف فقط وانه لا يستخدمها استخدام المقاول لمكتب يتولى فيه ادارة اعماله ، ولم يثبت من الأوراق الغرض من زيارة الطاعنة للمقاول وحقيقة صلتها به وابعاد هذه الصلة ، وليس كل تواجد فى مكان فيه رجال مما يمكن تفسيره بأنه لارتكاب الفحشاء ولممارسة الخطيئة ، بل وجود أكثر من رجل فى المكان الذى اقتحمته شرطة الآداب مما يوحى - ولا يدل - على أن وجود الطاعنة فى ذلك المكان كان لغرض لا يتصل بسلوكيات الاثم والخطيئة . كما أن غياب زوج الزوجة الطاعنة عن المدينة لم يكن سببا لتواجدها فى صحبة الرجال الأغراب عند ضبطها بمعرفة مباحث الآداب فى شقة المقاول ، اذ لا يسوغ فى العقل تفسير كل غياب للزوج عن زوجته بأنه ينتج انحرافها عن الجادة .
كما لا يجوز تفسير كل وجود لاثنى فى مجتمع الرجال بأنه وجود لارتكاب الرذيلة والاثم وعلى العموم فليست كل تحريات الشرطة صحيحة ، وليست كل تحريات الشرطة لها سند من الأوراق وليس كل ما يشيع عن الناس يصادف الحقيقة والصدق فى شأنهم ، والواقعة الواحدة قد يختلف الناس فى تفسيرها وفى رؤاهم عنها ايما اختلاف ، ولو كانت كل تحريات الشرطة صحيحة كما توهمت المحكمة التأديبية فى حكمها المطعون فيه لما قامت بالبلاد وللدنيا بأسرها حاجة الى خدمات القضاء والعدل . والثابت ان النيابة الادارية قدمت الطاعنة بتهمة التواجد فى شقة مريبة مما عرضها للقبض عليه واتهامها فى قضية اداب فان المحكمة اعتلت من الشطط فى التأثيم والعقاب واصابت الطاعنة بجراح عميقة فى مسلكها واعتبارها بلا دليل وبلا سند من الأوراق ، سوى مجرد التواجد فى شقة مريبة تدهمها الشرطة ولم يثبت من الأوراق ان الطاعنة كانت فى أى وقت على علم مسبق بحقيقة المكان وما يحيط به من شبهات وما يتصل بصاحب المكان من اسباب الارتياب فى حقه ، لذلك يكون التغليظ على الطاعنة بالتأثيم والعقاب من جانب المحكمة التأديبية فى غير محله وغير قائم على أسباب صحيحة فى جملتها ، واذا كان مجرد تواجد انثى فى مكان ترتاب فيه الشرطة ولم يثبت ان الموظفة كانت ترتاب فيه مما يجازى عنه بالفصل من الخدمة كأى جزاء يليق توقيعه بمن تضبط وهى تمارس الاثم والفحشاء والخطيئة . والثابت ان المحكمة مالت مع هذه الأسباب غير الصحيحة واستخلصت بغير موجب عدم صلاحية الطاعنة للاستمرار فى الوظيفة ، ولذلك كان على هذه المحكمة ان تصحح ما اعوج من القضاء المطعون فيه ، وان ترد العقاب المغالى فيه التأثيم فى العقاب الى نصابه الصحيح المقبول ، وان تأخذ الطاعنة بما ثبت فى حقها بالحق والصواب والتفسير الصحيح للوقائع وتقضى بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من فغصل الطاعنة من الخدمة بقيام العقاب التأديبى فيه على أساس من الغلو والشطط فى التأثيم والعقاب ، ومن ثم اتسم بعدم المشروعية وترده الى النصاب المعتدل من العقاب .
ومن حيث انه ولئن كان للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك الا أن مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها شأن أية سلطة تقديرية أخرى - الا يشوب استعمالها . غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذى تغياه القانون من التأديب وهذا الهدف هو بوجه عام تأمين نظام سير المرافق العامة ولا يتحقق هذا التأمين اذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة ففى هذه الحالة يعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء مشوبا بالغلو فيخرج التقدير من نطاق المشروعية الى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة .
ومن حيث ان حكم المحكمة التأديبية المطعون فيه قد ضرب صفحا عن الظروف التى لابست موقف السيدة / …… والملابسات التى احاطت بالواقعة وغالى فى توقيع الجزاء وعاقب الطاعنة بالفصل من الخدمة مما يصم الجزاء بعدم المشروعية ومن ثم يتعين الغاء الحكم المطعون فيه ومجازاة الطاعنة بالجزاء المناسب الذى تقدره المحكمة بتأجيل ترقيتها عند استحقاقها لمدة سنتين .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة ……… بتاجيل ترقيتها عند استحقاقها لمدة سنتين.