مشاهدة النسخة كاملة : ممكن مساعده؟؟
قلب هادف
12-06-2010, 08:25 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشحالكم اخواتي واخواني فالمنتدى؟؟
بدخل ف الموضوع ع طول عندي تقديم بحث عن مكانة العقل في الاسلام بدأت ولله الحمد فيه ولكن تنقصي بعض الافكار والمعلومات فيه
اباكم اتساعدوني لو تقدرون طبعا هو لمادة اصول الفقه:)
محمد ابراهيم البادي
12-07-2010, 05:49 PM
ما دري استاذي
بس يمكنك الاستعانة بالملا سعيد مرزوق لربما تجد عند مقصدك
سعيد مرزوق
12-08-2010, 01:55 AM
3. منزلة العقل في الإسلام:
إن الإسلام كرم العقل أيما تكريم، كرمه حين جعله مناط التكليف عند الإنسان، والذي به فضله الله على كثير ممن خلق تفضيلا، وكرمه حين وجهه إلى النظر والتفكير في النفس، والكون، والآفاق: اتعاظاً واعتباراً، وتسخيراً لنعم الله واستفادة منها، وكرمه حين وجهه إلى الإمساك من الولوج فيما لايحسنه، ولايهتدي فيه إلى سبيل ما، رحمة به وإبقاء على قوته وجهده. وتفصيل هذه الجمل في الآتي:
1. خص الله أصحاب العقول بالمعرفة لمقاصد العبادة، والوقوف على بعض حكم التشريع، فقال سبحانه بعد أن ذكر جملة أحكام الحج {واتقون يا أولي الألباب }
[البقرة: 197].
وقال عقب ذكر أحكام القصاص: {ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب }
[البقرة: 179].
2. قصر سبحانه وتعالى الانتفاع بالذكر والموعظة على أصحاب العقول، فقال عز وجل: {ومايذكر إلا أولوا الألباب } [البقرة: 269].
وقال عز وجل: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [يوسف: 111]. وقال
عز وجل: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون } [العنكبوت: 35].
3. ذكر الله أصحاب العقول، وجمع لهم النظر في ملكوته، والتفكير في آلائه، مع دوام ذكره ومراقبته وعبادته، قال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض } إلى قـوله عـز وجل: {إنك لاتخلف الميعاد }
[آل عمران: 190-194].
وهذا بخلاف ما عليه أصحاب المذاهب الضالة في العقل، فمنهم من اعتمد العقل طريقاً إلى الحق واليقين، مع إعراضه عن الوحي بالكلية كما هو حال الفلاسفة، أو إسقاط حكم الوحي عند التعارض -المفترَى - كما هو حال المتكلمين، ومنهم من جعل الحق والصواب فيما تشرق به نفسه، و تفيض به روحه، وإن خالف هذا النتاج أحكام العقل الصريحة، أو نصوص الوحي الصحيحة، كما هو حال غلاة الصوفية.
أما أهل العلم والإيمان فينظرون في ملكوت خالقهم، نظراً يستحضر عندهم قوة التذكر والاتعاظ، وصدق التوجه إلى الخالق البارئ سبحانه، من غير أن يخطر ببال أحدهم ثمة تعارض بين خلق الله وبين كلامه، قال عز وجل: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } [الأعراف: 54].
4. ذم الله عز وجل المقلدين لآبائهم، وذلك حين ألغوا عقولهم وتنكروا لأحكامها رضاً بما كان يصنع الآباء والأجداد، قال عز وجل: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنآ أو لو كان آباؤهم لايعقلون شيئاً ولايهتدون ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } [البقرة: 170-171].
5. حرم الإسلام الاعتداء على العقل بحيث يعطله عن إدراك منافعه.
- فمثلاً: حرم على المسلم شراب المسكر والمفتر وكل مايخامر العقل ويفسده، قال عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } [المائدة: 90].
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ ) رواه أبوداود، وصححه الحافظ العراقي.
6. وجعل الإسلام الدية كاملة في الاعتداء على العقل وتضييع منفعته بضرب ونحوه، قال عبدالله بن الإمام أحمد: "سمعت أبي يقول: في العقل دية، يعني إذا ضرب فذهب عقله " قال ابن قدامة: "لانعلم في هذا خلافاً ".
7. شدد الإسلام في النهي عن تعاطي ماتنكره العقول وتنفر منه، كالتطير والتشاؤم بشهر صَفَر ونحوه، واعتقاد التأثير في العدوى والأنواء وغيرها، وكذا حرم إتيان الكهان وغيرهم من أدعياء علم الغيب، وحرم تعليق التمائم وغيرها من الحروز.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىالله عليه وسلم قال: (لاعدوى ولاطيرة ) رواه البخاري.
الطيرة: التشاؤم بالشيء.
وفي رواية عن جابر رضي الله عنه: (لاعدوى ولاغول ولاصفر ) رواه مسلم.
غول: جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس، وتضلهم عن الطريق، فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم.
صفر: كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها الصفر تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه، فأبطل الإسلام ذلك.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: (مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَاد ) رواه أبوداود وابن ماجه، وصححه الحافظ العراقي، والنووي.
والمراد: النهي عن اعتقاد أن للنجوم ـ في سيرها واجتماعها وتفرقها ـ تأثيراً على الحوادث الأرضية، وهو ما يسمى بعلم التأثير، أما علم التسيير وهو الاستدلال ـ عن طريق المشاهدة ـ بسير النجوم على جهة القبلة ونحو ذلك فلا شيء فيه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ . قَالَتْ: قُلْتُ لِمَ تَقُولُ هَذَا، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي، فَإِذَا رَقَانِي سَكَنَتْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا ذَاكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ، كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا ) رواه أبوداود، وصححه السيوطي والألباني.
التولة: ضرب من السحر يحبب المرأة إلى زوجها، جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يفعل خلاف ما قدر الله.
هذا مع أمر الشارع العبد أن يأخذ بالأسباب ويتوكل على خالق الأسباب، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان ) رواه مسلم.
سعيد مرزوق
12-08-2010, 01:57 AM
قيمة العقل في الإسلام
لا يوجد دين غير الإسلام كرم العقل والفكر وأشاد بأولي الألباب والنهي، ودعا إلى النظر والتفكر، وحرض على التعقل والتدبر، وقرأ الناس في كتابه: (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة: 44)، و (أَفَلا يَنْظُرُونَ) (الغاشية: 17)، و (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة: 73)، و (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة: 219)، و (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) (الأعراف: 185)، و (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) (الروم: 8)، و (لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: 164)، و (لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس: 24).
ومن أروع ما جاء في القرآن قوله: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (سبأ: 46). ومعناه: أنه لا يطلب منهم إلا خصلة واحدة، وهي أن يتوجهوا بعقولهم وقلوبهم إلى الله الذي يؤمنون به، وبخالقيته للكون وتدبيره لأمره، مخلصين في طلب الهداية إلى الحقيقة، بعيدًا عن تأثير " العقل الجمعي "، وعن الخوف من الناس أو المجاملة لهم، كل فرد مع صديقه ممن يثق به، ويطمئن إليه، أو يفكر وحده، وهو معنى قوله: (مثنى وفرادى)، ثم يتفكروا في أمر النبوة، وسيهديهم فكرهم الحر إلى الحق.
وقد اعتبر علماؤه أن العقل مناط التكليف، ومحور الثواب والعقاب، كما قرروا أن العقل أساس النقل، إذ لو لم يثبت وجود الله بالعقل، ويثبت صدق النبي بالعقل، ما ثبت الوحي، فالعقل هو الذي يثبت النبوة، ويثبت صدق النبي عن طريق المعجزة الدالة على صدقه دلالة عقلية، ثم بعد ذلك يعزل العقل نفسه، ليتلقى عن الوحي الذي هو سلطة أعلى منه.
ومن هنا قرر المحققون من علماء الإسلام: أن إيمان المقلد المطلق غير مقبول، لأنه لم يؤسس على برهان، ولم يقم على حجة بينة، بل على تقليد محض: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف: 23).
والقرآن يطالب كل ذي دعوى بإقامة البرهان على دعواه، وإلا اطرحت ورفضت، ولهذا قال في محاورة المشركين: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (النمل: 64)، (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) (الأنبياء: 24).
وقال في محاجة أهل الكتاب: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 111).
فالعقائد لا بد أن تؤسس على البراهين اليقينية، لا على الظنون والأوهام. ولهذا عاب الله المشركين بقوله: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (الجاثية: 32)، (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ) (الجاثية: 24).
ليس في الإسلام إذن ما عرف في بعض الأديان الأخرى من اعتبار الإيمان شيئًا خارج منطقة العقل ودائرة التفكير، وإنما يؤخذ بالتسليم المطلق، وإن لم يرتضه العقل، أو يسانده البرهان، حتى شاع عندهم مثل هذا القول: " اعتقد وأنت أعمى !" أو " أغمض عينيك ثم اتبعني !".
ويحرم على المسلم أن يتبع الظنون والأوهام، معطلاً الأدوات التي وهبه الله إياها لتحصيل المعرفة الصحيحة، وهي: السمع والبصر والفؤاد، قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) (الإسراء: 36) قال العلماء في تفسير هذه الآية: إن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، وفي الصحيحين: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) (متفق عليه عن أبي هريرة)، وفي سنن أبي داود وغيره: (بئس مطية الرجل: زعموا) (رَواهُ أحمدُ وأبو داود عن حذيفة - صحيح الجامع الصغير (2846).
إن تعطيل السمع والبصر والفؤاد ينزل بالإنسان من أفق الإنسانية العاقلة إلى حضيض البهيمية الغافلة، بل يجعل الإنسان أضل سبيلاً من الأنعام؛ لأنها لم تؤت ما أوتى من قوى التمييز والإدراك، فكان جديرًا أن يكون من حطب جهنم: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف: 179).
لقد عاب القرآن على المشركين اتباعهم للظن في تكوين العقائد التي لا يغني فيها إلا اليقين القائم على البصيرة والبرهان. وفي ذلك بخطابهم فيقول في شأن آلهتهم: (إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ) (النجم: 23)، ويقول في هذا السياق نفسه: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (النجم: 28).
وعاب على أهل الكتاب في قضية قتل المسيح ما عابه على الوثنيين فقال: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) (النساء: 157 - 158).
ولا يحل لمسلم أن يأخذ فكرته عن الوجود: مبدئه ومنتهاه، وعلته وأسراره، إلا عن رب الوجود، فكل ما يتصل بمسائل الغيب والعقيدة في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وغايات الحياة وأسرار الكون، ليس له مصدر إلا وحي الله المنزل على رسوله، المؤيد بالآيات البينات، الدالة على صدق نبوته، القاطعة بصحة رسالته.
إن من أراد أن يعرف فكرة صحيحة كاملة عن دقائق جهاز ما، وعن الغاية من صنعه، فلابد أن يأخذها من صانعه نفسه، والله تعالى هو صانع هذا الكون، علويه وسفليه،بمن فيه وما فيه، وما نبصره وما لا نبصره، وهو وحده القادر على أن يمدنا بالحقائق الصادقة عن هذا الوجود وأسراره وغاياته: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14).
وكل النظريات والفلسفات التي زعمت أنها فسرت الوجود وخباياه، والحياة وأسرارها، إنما هي فروض ظنية يضرب بعضها بعضًا: (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (النجم: 28).
سعيد مرزوق
12-08-2010, 02:01 AM
دور العقل في الإسلام
عرف العقل بأنه نقل الواقع بواسطة الإحساس إلى الدماغ ومعلومات سابقة تفسر هذا الواقع، وقد جاء الإسلام في آيات كثيرة يخاطب العقل وأصحاب العقول وأولي الألباب وأولي النُهى لعلهم يتفكرون أو يعقلون. والإسلام عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام إذ العقيدة العقلية هي التي تنبثق عن العقل ويثبت أساسها بالعقل وبالتفكير المستنير الذي يبحث في الأشياء وما حولها وعلاقاتها ببعضها بعمق واستنارة. وأساس العقيدة الإسلامية هو وجود الله وقد ثبت هذا بالعقل، وأنه خالق أزلي قديم وهذا ثابت بالعقل أيضاً، وأن الناس في حاجة إلى الرسل لتنظيم العلاقة بين الخالق والمخلوق وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا يثبت بالعقل أيضاً، ومن هنا كان لا بد أن يؤمن بما جاء عن طريق العقل أو ثبت أصله عن طريق العقل.
هذا بالنسبة إلى العقيدة الإسلامية، وأمّا ما ينبثق عنها من أحكام فإن للعقل فيها دوران، أحدهما: دور الفهم والاجتهاد بالاستنباط والقياس، وثانيهما دور التكليف فهو مناط التكليف الشرعي.
وقد التبس أمر وصف العمل عند بعض المسلمين من كونه حسناً أو قبيحاً، فعزاه البعض إلى العقل وعزاه الآخرون إلى الشرع. والحقيقة أن وصف العمل ليس آتياً من ذات العمل فهو آت من قِبل ملابسات واعتبارات خارجة عنه هي التي تصفه بالحسن أو القبح، وهذا الغير إما أن يكون العقل وحده أو الشرع وحده وإما أن يكون العقل والشرع دليل عليه أو الشرع والعقل دليل عليه. أمّا وصفها من ناحية العقل وحده فباطل لأن العقل عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض. إذ قياساته تتأثر بالبيئة التي يعيش فيها وتتفاوت وتختلف بالعصور على تعاقبها، وبهذا يكون الشيء قبيحاً عند فئة من الناس وحسناً عند آخرين أو قبيحاً في عصر وحسناً في آخر، والإسلام بوصفه المبدأ العالمي الخالد يقضي بأن يكون الوصف للعقل بالحسن أو القبح سارياً على جميع بني الإنسان في جميع العصور وذلك لا بد أن يكون هذا الوصف آتياً من قوة وراء العقل أي من الشرع. وأمّا جعل الشرع دليلاً على ما دل عليه العقل فهو يقضي بجعل العقل حَكَماً في الحسن والقبح وقد بيّنا بطلانه.
أمّا جعل العقل دليلاً على ما دل عليه الشرع فهو يقضي بجعل العقل دليلاً على الحكم الشرعي مع أن الحكم الشرعي دليله الشرع (النصوص الشرعية) لا العقل. ومهمة العقل هي كما ذكرنا سابقاً فَهم الحكم الشرعي لا جعله دليلاً أو حكماً، ومن هنا كان وصف العمل بالحسن أو بالذم شرعياً لا عقلياً.
سعيد مرزوق
12-08-2010, 02:02 AM
كيف يتعامل الإسلام مع القوى العقلية لدى الانسان؟
لم يهتم دين من الأديان ـ فيما نعلم ـ بقوى الإنسان العقلية كما اهتم الإسلام الحـنيف بها، ولقد استفاضت النصوص الصحيحة الواردة عن المعصومـين (ع) التي تتناول مسألة العقل ودوره في مسيرة الإنسان المسلم.
ولهذه الأهمية التي يوليها الإسلام لطاقة الإنسان العقلية، فقد اعتاد علماء الحديث الأقدمون أن يفتتحوا مؤلَّفاتهم بباب يُخصَّص للحديث عن العقل والجهل. أما كتاب الله العزيز فقد اهتمّ اهتماماً بالغاً بالعقل، وربط قضية الانفتاح على الرسالة وأهدافها بالقوى العقلية التي حباها الله تعالى للإنسان:
(وَمِن ثَمَراتِ النَّخيلِ والأعنابِ تَتَّخِذونَ مِنه سَكَراً وَرِزقاً حَسَناً إنّ في ذلك لآيةً لقوم يعقِلون ) .
(ثُمَّ كُلي من كلِّ الَّثمَراتِ فاسلُكي سُبُلَ ربِّك ذُلَلاً يَخرُجُ مِن بُطونِها شَرابٌ مُختلِفٌ ألوانُه فيه شِفاءٌ للنّاسِ، إنّ في ذلِكَ لآيَةً لقوم يَتَفَكَّرُون ) .
(إنّ في خلقِ السَّمواتِ والأَرضِ واختلافِ اللّيلِ والنَّهارِ لآيات لاُولي الألباب ) .
(أَفَلَمْ يَسيرُوا في الأرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يعقِلونَ بها، أو آذانٌ يَسمَعُون بِها فإنَّها لا تَعمى الأبصارُ ولكن تعمى القُلوبُ الَّتي فى الصُّدور ) .
ومن أحاديث المعصوم (ع) بهذا الشأن نذكر ما يلي:
عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) قال: لمّا خلق الله العقل استنطقه ثمّ قال له: أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبِر فأدبَر، ثمّ قال: وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إليَّ منك ولا أكملتك إلاّ فيمن أحبُّ أما إنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى وإيّاك أُعاقب وإيّاك أُثيب».
عن أحمد بن إدريس عن محمد بن حسان عن أبي محمد الرازي، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار قال:
«قال أبو عبدالله (ع): من كان عاقلاً كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنّة».
وعن أبي جعفر (ع) قال:
«إنّما يداقُّ الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدُّنيا».
وضمن عملية الاهتمام بالقوى العقلية لدى الإنسان حدّد الإسلام الحـنيف مهامّ العقل الأساسية، وأوضح مساحة دائرة الصلاحيات الممنوحة له، والحقول التي يجوز له التحرّك خلالها، وبذلك استطاع الإسلام أن يجنِّب عقل المسلم من ارتياد عوالم ومجالات يضلُّ ويزيغ بارتيادها.
فمساحة المعرفة صحيح أنّها واسعة جداً إلاّ أنّ أدوات الوصول إليها تختلف من حقل لآخر ومجال لآخر.
فمن حقول المعرفة ما يتمّ حصوله من خلال الملاحظة والتجربة واستعمال الحواسّ الخمسة، ككثير من حقول المعرفة الطبيعية في الأرض والسماء والنبات والحيوان والإنسان وما إلى ذلك.
ومن المعرفة ما لا يمكن الحصول عليه إلاّ من خلال الوحي المقدس، والإلهام والتسديد، كمعارف التشريع الإلهي، ومبادئ الرسالات والعلوم الإلهية التي يتلقاها الأنبياء وأوصياؤهم صلّى الله عليهم أجمعين، الأمر الذي لا يتسنّى للعقل ولا للتجارب العملية أن ترتاده، نعم بمقدور العقل في هذا الحقل من المعرفة أن يستوعب أو يضع خطّة لإيصال هذه المعلومات إلى الآخرين مثلاً.
ومن المعرفة ما يعتمد كلّياً على العقل، كاستخلاص النتائج، والحـكم على صحّة الوقائع أو خطئها، وتطبيق القواعد على التفصيلات والربط بين الظواهر واستنباط ما بينها من عوامل مشتركة، وأمثال ذلك.
على أنّ من الجدير ذكره أنّ نفوذ العقل حاكم على انجازات التجارب والملاحظات، كما في حالة الحكم على صحة الشيء أو خطئه، أو الربط بين الظواهر، على أ نّه مع ذلك يبقى للتجارب والملاحظات دور كبير في تحقيق الانجازات العلمية، بيد أنّها تقف عند حدود جمع المعلومات، وتحضير «موادها الخام» لتضعها بين يدي العقل ليمارس دوره في إكمال عمليات الوصول للحقائق الكبرى والنتائج العلمية!
ومن أجل ذلك فإنّ عمليات المخـتبر لا تحقّق المطلوب ما لم يتدخل العقل ليحكم على التجارب ويدير عمليات استخلاص النتائج، وتوجيه عمليات الوصول للحقائق، وهكذا فإنّ كافة الملاحظات والتجارب لا تجري أبداً دون الاعتماد على العقل، وإن كانت في بداية العمل تعتمد على ما تعتمد عليه من ملاحظات، وتجارب!
ومن هنا بمقدورنا أن نقول إنّ إسحاق نيوتن المكتشف لقانون الجاذبية لم يتوصّل إلى إنجازه العلمي المعروف بالملاحظات والتجارب فحسب، وإنّما أخضع تجاربه وملاحظاته للربط والاستنتاج، وهما أمران يباشرهما التفكير العقلي، الأمر الذي ينطبق على كافة الأعمال والانجـازات العلمية التي حققها علماء الطبيعة بالأمس وفي الحاضر وفي المستقبل!
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ المعلومات والمبادئ التي يتلقاها النبي والوصي (ع) من خلال الوحي أو الإلهام من الله عزّوجلّ لا تحتاج إلى إعمال كبير للعقل بالنسبة للمتلقي الأوّل وهو النبي أو الإمام (ع) بيد أنّها بالنسبة للمبلَّغين من البشر تحتاج إلى الجهد العقلي من أجل استيعابها وإدراك مراميها.
وهكذا فإنّ لكلّ من الوحي والعقل والحواسّ مهماته، وحدوده وآفاقه، بيد أنّ مرجعية العقل في ضوء الإسلام تبقى متميزة في حقول المعرفة كلّها.
إنّ هذا الفهم لقضية المعرفة وأبعادها صريح في وضوحه من خلال آيات الكتاب العزيز وسنّة المعصوم (ع).
يقول تعالى حول المعرفة التي يتلقاها النبي (ص) من خلال الوحي المقدس:
(وما كانَ لِبَشَر أن يكلِّمَهُ اللهُ إلاّ وحياً أو مِن وراءِ حِجاب أو يُرسِل رَسولاً فيوحي بإذنِهِ ما يشاءُ إنّه عليٌّ حكيمٌ وكذلك أوحَينا إليك رُوحاً من أمرِنا ما كُنت تدري ما الكتابُ ولا الايمانُ ولكِن جَعلناهُ نُوراً نَهدي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا وإنّك لتهدي إلى صراط مُستَقيم ) .
ويقول الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حول درجات التلقّي من الله تعالى بالنسبة للرسول والنبي والإمام (ع):
«كتب الحسن بن العبّاس المعروفي إلى الرضا (ع): جُعِلتُ فداك ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟ قال: فكتب أو قال: الفرق بين الرسول والنبي والإمام أنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (ع)، والنبي ربّما سمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص».
وحول مفهوم الإسلام الحنيف في تحصيل المعرفة التي تأتي من طريق غير الوحي يقول تعالى:
(أفَلَمْ يَسيروا في الأرضِ فَتَكونَ لَهُم قُلوبٌ يَعقِلُونَ بِها...).
حيث تجـسّد الآية المباركة أنّ المعرفة تعتمد على التتبّع، والملاحظة والمشاهدة والتجربة واستخلاص النتائج، والربط بين الظواهر التي تلتقي معها الحواس بواسطة العقل الذي أفاضه الله عزّوجلّ على العباد وميّزهم به عن سواهم من المخلوقات.
وفوق هذا وذاك فقد وضع الإسلام ضوابط وقواعد لتعصم العقل من الإنحراف، وتخطّي الأهداف التي يرجو الإسلام تحقيقها.
فقد نأى الإسلام الحنيف بالعقل المسلم عن أشكال التقليد الأعمى، والتحجّر البغيض، وحال بينه وبين الخرافات والشعوذة وأعلن حربه وشجبه للمعطِّلين عقولهم عن التفكير الحرّ، كما هاجم أسرى التقاليد المنحرفة، وعاب على المتحجّرين جمودهم.
قال تعالى في كتابه العزيز:
(قالوا: بَل نتَّبعُ ما ألفَيْنا آباءَنا أوَ لو كانَ آباؤهُم لا يعقِلونَ شيئاً ولا يَهتَدون ) .
(إنْ يَتَّبِعونَ إلاّ الظَّنَّ، وإنَّ الظَّنَّ لا يُغني من الحقِّ شيئاً ) .
(وَلَقَد أضَلَّ مِنكُم جبِلاًّ كثيراً أفَلَمْ تَكونوا تَعقِلون ) .
وهكذا صار بمقدور الإسلام الحنيف أن يتجاوز الخطأ التأريخي الذي اقترفته المسيحية الرسمية في القرون الوسطى حين فرضت القيود على العلم والعلماء، وتبنّت مفاهيم، وتصورات أطلقت عليها اسم «الحقائق الكنسية» وبذلت كلّ وسع لِكَمِّ أفواه العلماء الذين يخالفون نظرياتها «العلمية» في أيّة قضية تمسُّ الكون والإنسان.. إلاّ أنّ الموجة «العقلية» التي اجتاحت أوروبا في بدايات النهضة الصناعية، اجتاحت متبنّيات الكنسية، وألقت بها خارج التأريخ ، كما هزّت القيم المسيحية أمام موج من التشكيك بكلّ مبادئها وآرائها بناءً على ذلك الخطأ الذي ارتكبه رجال الدين!
إلاّ أنّ طموح العقليين وهوسهم في أوروبا جعلهم يخضعون كل شيء للعقل، وتحميله فوق ما يحتمل وتكليفه بخوض أمور ليست من شأنه أن يخوضها، ممّا أوقعهم في متاهات فكرية لا طائل تحتها الأمر الذي تسبّب في نجاح الموجة الحسّية التي اجتاحت أوروبا بعد ذلك وشكّكت في كلّ شيء لا يخضع لأدواتها ممّا تسبّب في شكِّهم بالعقل ذاته لأ نّه لا يقع تحت وسائلهم المادية.
وبين تلك التيارات العديدة ـ على ما بينها من تناقض ـ بقي العقل عند المسلمين على منأى من الهزّات العنيفة التي زلزلت الذهنية الأوروبية عبر العديد من القرون فبقي محافظاً على موقعه الطبيعي في ساحة الفكر فيما أخذت التجربة والملاحظات دورها في دنيا الفكر الإسلامي كذلك.
وكان للنهج الواقعي الذي يلتزمه الإسلام في وعيه للإنسان وإدراك قواه، ومدى فاعليتها الفضل الأكبر في سلوك المسلم لأقوم السبل في تحصيل المعرفة، فلا تفريط بالحواس لحساب العقل ولا تفريط بالعقل لأجلها.
ولقد أنتج هذا النهج المسلم يومذاك ثماراً طيّبة في دنيا الإنسان منها:
1 ـ انفتاح العقل المسلم على الوجود الرحيب وانطلاقه في أرجائه بحثاً عن المعرفة دون أن تكون ثمّة منطقة محرّمة عليه، اللّهمّ إلاّ إذا كانت ليست في حدود طاقاته وإمكاناته، كحقائق علم الغيب مثلاً.
أمّا اكتشاف حقائق هذا العالم، والبحث عن القوانين التي تحكم أجزاءه والقوى الفاعلة فيه، فهي من اختصاص العقل الإسلامي ووظائفه.
وفي الكتاب العزيز الكثير من الآيات الكريمة التي تحضُّ المسلم على اكتشاف حقائق الوجود، والتفاعل معه، والإفادة منه بكلّ ما يملك من وعي وإدراك:
(أفَلا يَنْظرونَ إلى الإبلِ كَيفَ خُلِقَتْ وإلى السَّماءِ كَيفَ رُفِعَتْ وإلى الجِبالُ كَيْفَ نُصِبَتْ وإلى الأرضِ كَيفَ سُطِحَتْ ) .
(أفَلَم يَسِيرُوا فِي الأرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلوبٌ يَعقِلُونَ بِها ) .
(أَلمْ يَنْظُروا في مَلَكُوتِ السَّمواتِ والأَرضِ وَما خَلَقَ اللهُ من شَيء ) .
(أَوَلَمْ يَنْظُروا إلى الأَرض كَم أنبَتنا فيها من كلِّ زَوج كَريم ) .
2 ـ ولقد أثمرت هذه الدعوة القرآنية المفتوحة ثمارها اليانعة خلال التجربة الإسلامية ـ رغم انتكاستها بعد حين ـ فتبوّأ العقل الإسلامي مركز الريادة في دنيا الناس، حيث حقّق المسلمون عبر تجربتهم الحضارية إنجـازات فكرية وعلمية مدهشة على شتّى الأصعدة يشير إلى ذلك:
أ ـ إرساء قواعد الكثير من العلوم، كعلم أصول الفقه وعلم النحو العربي وعلم البصريات والاجتماع وغيرها.
ب ـ المساهمة في إنضاج العديد من العلوم الأخرى وإثرائها بأساليب ومعلومات وأسس جديدة، كعلم الطبّ والفلك والرياضيات والكيمياء والفلسفة والنبات وغيرها.
3 ـ ولقد كان للنهضة العلمية الرائدة التي تميّزت بها التجربة الإسلامية في كلّ من بغداد والقاهرة وقرطبة وغـيرها من مدن الإسلام الكبرى أثرها البالغ في إرساء قواعد التقدّم العلمي الرائع الذي تحظى به أوروبا اليوم، ولازالت الجامعات العلمية الكبرى في أوروبا ومؤرِّخو النهضة الحديثة يذكرون بمزيد من الاعتزاز مآثر أجيال من علماء المسلمين الذين أرسوا القواعد التي أقامت عليها أوروبا نهضتها العلمية الحاضرة، نذكر منهم على سبيل المثال:
ـ يعقوب الكندي، وابن رشد، وأبو نصر الفارابي، والصنعاني وغيرهم في الفلسفة.
ـ وأبو علي بن سينا، وأبو زكريّا الرازي، وأبوالقاسم الزهراوي، ومحمد التامير وغيرهم في الطبّ.
ـ والخوارزمي، وجابر بن حيّان، ونصير الدين الطوسي، وأبو عمر القلصاوي في الرياضيات.
ـ وجابر بن حيّان وأمثاله في الكيمياء.
ـ والحسن بن الهيثم في علم البصريّات.
ـ وابن خلدون في علم الاجتماع والفلسفة الاجتماعية.
ـ وإبراهيم الزرقاني ، وعلي بن يونس غيرهم في الفلك ... وغيرهم كثير، ولا تزال آراء بعض علماء الإسلام تحتلُّ مكاناً رفيعاً في الجامعات الأوروبية الحديثة.
ومن الطبيعي أن تؤتي شجرة النهضة الإسلامية ثمارها يانعة على أيدي أجيال من علماء الإسلام ومفكِّريه كنتيجة للنهج الإسلامي القويم في تحصيل المعرفة «الذي يدعمه العقل والملاحظة والتجربة فضلاً عن العلوم التي أتاحها الوحي المقدّس»، حيث تمثّل تلك الوسائل روافد الفكر الإنساني.
ولقد أشاد الكثـير من عـلماء الغرب بالمنهـج الإسلامي المتبنّى في مضمار تحـصيل المعرفة، فيقول الأستاذ Briffault في كتابه: Making of hum anity :
«إنّ روج بيكون درس العلم العربي دراسةً عميقةً ، وإنّه لاينسب له ولا لسميّه الآخر أيُّ فضل في اكتشاف المنهج التجريبي في أوروبا، ولم يكن روجر بيكون في الحقيقة إلاّ واحداً من رسل العلم والمنهج الإسلامي إلى أوروبا المسيحية ، ولم يكفّ بيكون عن القول لمعاصريه بأن معرفة العرب وعلمهم هما الطريق الوحيد للمعرفة الحقّة».
ويقول سيديو:
«الحركة العلمية عند العرب تتميّز بالانتقال من المعلوم إلى المجهول والتحقيق الدقيق في ظواهر السماء ورفض كل حقيقة كونية لم تثبت إلاّ عن طريق الملاحظة الحسّية».
يقول مسيو ليبري:
«لو لم يظهر العرب على مسرح التأريخ لتأخّرت نهضة أوروبا عدّة قرون».
الأمر الذي يكشف عن مدى الآثار التي تركها الفعل الإسلامي الحضاري عموماً والعلمي خصوصاً على مسيرة الإنسان المعاصر.
4 ـ ومن ثمار المنهج الإسلامي المتبنّى في تحصيل المعرفة تعرُّف العقل الإسلامي على الكثـير من أسرار التشريع الإلهي وحكمته وتمتّعه بالقدرة على فهم الصور التطبيقية للشريعة عبر التحوّلات في حياة البشرية من ناحية وسائل المعيشة وتطوّراتها ومن ناحية التغيرات المطردة في مضمار المدنية بشتّى شعبها، في الصناعة والزراعة والتنظيمات الاجتماعية وتطوراتها وغير ذلك.
على أنّ الذي ينبغي إدراكه هنا: أنّ العقل الإسلامي حين يطرح العديد من الصور التطبيقية للشريعة الإسلامية عبر الزمن، أو حين يستنبط الحـلول لمشاكل الإنسان المستجدّة فإنّما يمارس دور المكتشف للأحكام والمفاهيم فحسب، لأ نّه يتعامل مع نصوص شاملة لجميع جوانب الحياة الإنسانية، الأمر الذي يمارسه الفقهاء المجتهدون دون سواهم، حيث أنّ المجتهد في الوعي الإسلامي إنّما يمارس دور المكتشف للحكم الشرعي الموجود بين ثنايا الكتاب
العزيز وسنّة المعصوم (ع)، وعليه فحسب أن يبذل وسعه ـ وفقاً لأسس وشروط معيّنة ـ لاستحصال الحكم أو المفهوم ذي الطبيعة الشرعية.
ومهمة المجتهد حين تحتلّ هذا الموقع وتأخذ هذه الأبعاد، فإنّ ذلك ناجم عن روح الشمول التي تمتاز بها شريعة الله الخاتمة لكلّ مشاكل الإنسان الحياتية، أما رفض الشريعة لصيغ الاجتهاد قبال نصوصها الصحيحة، فهو مبدأ ثابت في كتاب الله العزيز وسنّة المعصوم (ع)، يقول عزّوجلّ:
(وما كانَ لمؤمن ولا مؤمنة إذا قَضَى اللهُ وَرَسولُهُ أمراً أن يكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمرِهِم وَمَن يعصي اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً بعيداً ) .
ونريد أن نثبت هنا عبر هذه الإشارة إلى دور الفقيه المجتهد في الشريعة الإسلامية وما يحتلّه العقل في دنيا الفكر الإسلامي «حتى الأساسي منه» كالأحكام الشرعية والمفاهيم والمبادئ العامة والصور التطبيقية للشريعة عبر العصور، وندرك الأهمية البالغة التي يوليها الإسلام للعقل المسلم ومدى الثقة التي يمنحها إياه بناءً على التزامه بمنهج قويم في وسائله ومتبنّياته ومنطلقاته.
ولابدّ من التأكيد في نهاية المطاف حول مكانة العقل في الإسلام على أنّ المنهج الإسلامي المتبنّى في تحصيل المعرفة بقدر ما يعبّر عن سلامة خطّه وصحة مساره فإنّه يطرح بكلّ قوّة ووضوح مبدأ الواقعية التي يلتزمها الإسلام الحنيف كروح يسري في جميع متبنّياته الرسالية، ومفاهيمه وأحكامه، الأمر الذي يتجلّى من خلال رعاية الإسلام للعقل وإزاحة كلّ العقبات عن طريقه ، هذا فضلاً عن فسح المجال لوسائل المعرفة الأخرى لأداء (دورها) في دنيا الفكر الإسلامي.
وإذا كان العقل المسلم قد توقّف اليوم عن تحقيق ما تصبو إليه البشرية في عالم المعرفة، فإنّ ذلك جاء كنتيجة طبيعية لوأد التجربة الإسلامية وغياب المناخ المناسب الذي يوفّر للعقل المسلم الازدهار والنموّ والعطاء. ولنا وطيد الأمل أن يحتلّ العقل الإسلامي موقعه المناسب في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى.
روح وريحان
12-08-2010, 02:07 AM
الف شكر استاذي الفاضل سعيد
سعيد مرزوق
12-08-2010, 02:09 AM
د. حسن حنفي (http://theuaelaw.com/wajhatauthor.php?AuthorID=28&id=50518)
مكانة العقل في الإسلام
تاريخ النشر: السبت 30 يناير 2010 جريدة الإتحاد
يمثل العقل في القرآن الكريم موضوعاً أساسياً. ذكر 49 مرة. وأكثر الصيغ تكراراً (أَفَلا تَعْقِلُونَ) مما يدل على استهجان من لا يعقل ولا يحسن استخدام العقل، ثم (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) مما يدل على التمني بأن يعقل الإنسان، ثم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) صيغة الشرط التي تدل على أن العقل ممكن الاستعمال، وهو أيضاً ممكن الاستعمال بالنسبة للنظر في تاريخ الأمم السابقة والحوادث الماضية. وهو يرتبط بالبرهان والدليل والنظر والبصر والفؤاد والقلب أي كل ما يتعلق بملكات الإدراك وقوى المعرفة.
أما من حيث المضمون، فيرد الأمر بالتعقل لكلام الله ثم لليوم الآخر ولآيات الله في الكون، ثم لما يحدث في العالم من وقائع ولما في المجتمع من أحداث. وهو تعقل أيضاً للأفعال، وللوصية التي يكتبها الإنسان. فالعقل له موضوع خارجه أو أمامه وليس مجرد تعقل ذاته من أجل فهم معاني الكلام الشفاهي أو المدون أو الظواهر الاجتماعية والطبيعية.
وفي السُّنة الشريفة ورد لفظ "عقل" ومشتقاته مثل عقال أكثر من مائتي مرة. ربعها تقريباً بالمعنى الاشتقاقي وهو الربط مثل عقل البعير. والمرات الأخرى بمعنى الفهم والمسؤولية. ويكون العقل أيضاً لكلام الله وآياته. وهو مرتبط بالشهادة وبوضع المرأة وبالدية. ويكون العقل كذلك للصلاة أي لفهم مقصدها ومغزاها. وهو أساس التكليف الذي يُرفع عن الصبي حتى يعقل. وهو ملَكة للإنسان دون الحيوان والجماد. وهو الذي يعطي الشهادة صدقها. يأتي ويذهب، ويوجد ولا يوجد. ويتفاوت فيه الناس.
وقد تم تصنيف العلوم في الحضارة الإسلامية بناء على قسمة العقل والنقل. فالعلوم إما عقلية نقلية مثل الكلام والفلسفة والأصول والتصوف، أو علوم نقلية خالصة مثل القرآن الكريم والحديث الشريف والتفسير والسيرة والفقه، أو علوم عقلية خالصة مثل العلوم الرياضية، الحساب والهندسة والفلك والموسيقى، أو العلوم الطبيعة مثل الكيمياء والطبيعة والطب والصيدلة والنبات والحيوان والمعادن.
وقد تجلت معاني العقل في علم الكلام خاصة عند المعتزلة عندما جعلوا العقل أساس النقل حفاظاً على التنزيه ودرءاً للتشبيه. فاليد تعني القدرة، والعين تعني العلم، والاستواء يعني العظمة. وجعلوا الحسن والقبح العقليين ضمن قواعد العدل مثل خلق الأفعال وحرية الاختيار بين الحسن والقبيح. وجعلته الأشاعرة أيضاً دليلا يقينياً يعادل عشرات من الأدلة النقلية الظنية لأنها تخضع للتأويل. وقالوا بالواجبات العقلية، ومنها شكر المنعم، والتكليف، والخلق. وقد ثنى الله بالوحي لأن الله جواد كريم، يعطي من فضله للناس.
وقد تجلى العقل أيضاً عند الفلاسفة عندما جعلوا المنطق آلته، وآلة العلوم كلها. وجعلوا القياس مصدراً من مصادر العلم. فهو أساس العلم النظري الاستدلالي. ويقينه في البرهان. الإنسان العاقل هو الحكيم الفيلسوف الذي يترأس "المدينة الفاضلة". والعقل الخالص يستعمل البرهان والنقل يعتمد على قياس الغائب على الشاهد. الأول يخاطب الخاصة والثاني يتوجه إلى الجمهور. لذلك أعجب الحكماء بالفلسفة اليونانية، وعظموا سقراط وأفلاطون وأرسطو. وجعل "إخوان الصفا" صدق الشريعة اتفاقها مع العقل. وكتب ابن طفيل سيرة "حي بن يقظان" الذي استطاع بعقله أن يصل إلى كل حقائق الوحي. فالعقل والوحي طريقان يوصلان إلى نفس الحقيقة، منهجان متوازيان يؤديان إلى النتيجة ذاتها.
وعلى رغم أن التصوف أقرب إلى علوم الذوق منه إلى علوم النظر فإنه بعد أن تحول إلى فلسفة إلهية اعتمد على العقل كما وضح في حكمة "الإشراق" عند السهروردي فأعلى درجة هو التوغل في البحث أي في الذوق والنظر، في الكشف والاستدلال. ونقد المنطق الأرسطي الصوري ووضع منطقاً كشفياً ذوقياً إسلامياً جمعاً بين الذوق والنظر.
وفي علوم التفسير، تجلى العقل في التفسير بالمعقول في مقابل التفسير بالمنقول تأكيداً لروح القرآن الكريم في التعقل وطلب البرهان. وكان الزمخشري في "الكشاف" يمثل التفسير بالمعقول في حين كان الطبري وابن كثير يمثلان التفسير بالمنقول اعتماداً على الرواية. فأمكن تخليص التفسير من الإسرائيليات والأساطير العربية القديمة حول الأصنام وظهرت عقلانية الإسلام وتميزه على غيره من الديانات.
وفي علم مصطلح الحديث كان الاتفاق مع العقل وبداهاته ومجرى العادات وطبائع الأمور أحد شروط التواتر مثل الاتفاق مع الحس، والتواتر هو الخبر اليقيني على عكس الآحاد، الخبر الظني. فالعقل هو الذي يعطي اليقين للخبر. وعرفت الحضارة الإسلامية بأنها واضعة علم نقد الروايات.
وفي علم الفقه، العقل أساس التكليف أيضاً، فلا يجوز تكليف الصبي أو المجنون. والعقل هو المخاطب بالأمر. العبادات لها حكمة. وأركان الإسلام لها معنى. والمعاملات لها نسق. لذلك أتت المذاهب الفقهية الأربعة تعبيراً عن بنية العقل بأبعاده المختلفة. إذ تقوم الحنفية على العقل النظري والمالكية على العقل المصلحي، والشافعية على الجمع بين العقل والمصلحة، والحنبلية على العقل النصي الذي يلتزم بالنص كأمان من الهوى. لذلك جعل الفقهاء العقل والنقل صنوين كما كتب ابن تيمية في "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول".
وفي علم السيرة الحديث حاول كتاب السيرة مثل طه حسين في "على هامش السيرة" ومحمد حسين هيكل في "حياة محمد" و"في منزل الوحي" كتابة سيرة إنسانية خالصة لحياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، تقوم على العقل والبداهة بعيداً عن الخيال الشعبي والقصَص التاريخي خاصة في مواجهة هجوم المستشرقين على الجوانب التي يعتبرونها خيالية في التراث الإسلامي، ودون إحساس بالدونية أمام الثقافة الغربية العقلانية الإنسانية.
وفي معظم الحركات الإصلاحية الحديثة تم التركيز على العقل مثل محمد عبده في "رسالة التوحيد" عندما استعاد الحسن والقبح العقليين، وجعله قادراً على الإدراك. واعتمد عليه الأفغاني لإدراك سنن الله في الكون، قوانين الطبيعة والتاريخ. كما استرجعه الطهطاوي قارئاً إياه في التراث العقلاني الغربي عند فلاسفة التنوير في القانون الطبيعي وهو قانون الفطرة في الإسلام. فالقانون يقوم على العقل كما يقوم على المصالح العامة، لا فرق بين المعتزلة في الحسن والقبح العقليين وبين مونتسكيو في "روح القوانين". كما ركز عليه زكي نجيب محمود في "المعقول واللامعقول" جاعلا إياه قرين العلم وحقوق الإنسان.
إن اتهام المستشرقين منذ القرن التاسع عشر وسيادة النظرية العنصرية التي تقسم الحضارات والشعوب إلى نوعين، عقلية وأسطورية، علمية وسحرية، حضارية وبدائية، آرية وسامية، جعلت المصلحين يبرزون دور العقل في التراث الإسلامي وكيف قامت الحضارة الإسلامية على العقل والعلم. لذلك ازدهرت العلوم الرياضية والطبيعية. واكتشف المسلمون الجبر، وحساب اللامتناهي. عرف المسلمون حساب الهند، وهندسة اليونان، وشرحوهما ثم أبدعوا فيهما ونقل الغرب عنهم في العصر الوسيط. وأصبحت الرياضيات والعلوم الطبيعية إحدى المراحل المهمة في تاريخ العلم.
وفي هذا العصر الذي يسوده النقل في مناهج التعليم، والتقليد في مناهج التفكير، يبرزون العقل من أجل التحول من النقل إلى العقل، ومن النقل إلى الإبداع كما فعل القدماء. ما زال النص لدى بعضنا سلطة مكتفية بذاتها أعلى من سلطة العقل مع أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان يعتمد على العقل والقدرة على المحاجة.
وبدلا من الشعور بالدونية أمام الغرب العقلاني العلمي وتقليد عقلانيته بحدودها، صوريتها وماديتها وفصلها عن القيم وفرديتها وأحياناً حتى انعزاليتها، ينبغي إبراز دور العقل في الحضارة الإسلامية. فيقارن عقل بعقل. عقل كلي إسلامي وعقل تجزيئي غربي، عقل قيمي إسلامي، وعقل صوري. فالعقلانية تراث إنساني عام يتجلى في كل حضارة. كونفوشيوس عقلاني بالنسبة للدين الصيني القديم. وبوذا عقلاني بالنسبة للدين الهندوكي القديم. وفلاسفة اليونان عقلانيون بالنسبة لأشعار هوميروس وهزيود. والإسلام وهو آخر مراحل الوحي عقلاني، يقوم على الإقناع (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وعلى النظر في سنن الكون (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا).
والمجتمعات الكلامية الحالية في حاجة إلى "تعقيل"، تعقيل الحياة العامة وترشيد التعليم وأداء الحكومة وحركة المرور، ولماذا يبقى الغرب وحده أهل "التنظير"؟ إن العقلانية دليل على التحضر، والرأي والرأي الآخر، والحوار المتكافئ بين الأطراف، والبعد عن الميل والهوى. يزهو الغرب بثورة الاتصالات وتنظيم المعلومات ونحن ننقل عنه. العقل في حياتنا المعاصرة هو القدرة على ربط الأسباب بالمسببات في عالم تسوده الحكمة وليست الأهواء.
اقرأ المزيد : وجهات نظر | مكانة العقل في الإسلام | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد (http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=50518#ixzz17SioCwIC) http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=50518#ixzz17SioCwIC (http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=50518#ixzz17SioCwIC)
سعيد مرزوق
12-08-2010, 02:12 AM
دور العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)في الإسلام
كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر مخلوقاته بنعمة العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء70).
وقد جعل العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)مناط التكليف، فقال صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل". (أخرجه أبو داود في السنن عن علي)
وإذا تأملنا الحالات التي حط فيها الشارع القلم والحساب عن عباده، وجدنا أنها حالات كان العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)فيها غائبا؛ فالنائم في حالة غيبوبة لا يفكر، والمجنون فاقد للعقل، والصبي الذي لم يبلغ الحلم لم يكتمل عقله وبالتالي لا يحسن التفكير.
والحاصل، فإنّ الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)قد خاطب العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)وجعله مناط التكليف.
والبحث الذي نود هنا التطرق إليه هو: ما هي صلاحية العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)شرعا؟ أي ما هي الأشياء التي يكون فيها العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)حكما؟ وما هي الأشياء التي يكون فيها العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)أداة أي خادما لا حاكما؟ ويمكن اختزال هذه الأسئلة في سؤال هو: ما هو دور العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)في الإسلام؟
قبل تناول هذا الموضوع, يجدر بنا أن نسلط الضوء على ماهية العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)والفكر.
فالعقل هو نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس مع وجود معلومات سابقة يفسر بها ذلك الواقع. فهو يستلزم أربعة عناصر:
1. الواقع: فالعقل لا يبحث إلا في الواقع وما يقع عليه الحس، أما ما لا يقع عليه الحس أي ما وراء الوجود والمادة فالعقل يعجز عن الإحاطة به.
2. الحواس: وجوب وجود حواس ينقل بواسطتها صورة الواقع، فالحواس هي النوافذ التي يطل من خلالها الإنسان إلى العالم فإذا تعطلت حواسه فكأنما أغلقنا أمامه النوافذ التي ينفذ من خلالها إلى الواقع أي الوجود أو المادة.
3. الدماغ: دماغ صالح, حيث أنه إذا تعطل دماغ الإنسان تتعطل عنده عملية التفكير ويفقد العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)والتفكير.
4. المعلومات السابقة: و هي لازمة لإصدار الحكم على الواقع بعد فهمه. فالإنسان إذا لم يزود بالمعلومات اللازمة حول الواقع الذي يفكر فيه فإنه يعجز طبيعيا عن تفسير ذلك الواقع, والإنسان الأول الذي وجد في هذه الحياة هو من ناحية المعلومات مثل الولد الصغير يعجز عن تفسير مظاهر الكون من حوله, إلا إذا زودناه بالمعلومات وهذا ما حصل مع آدم عليه السلام, قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَقَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}(البقرة 31-33). فهذه الآية تدل على أن المعلومات السابقة لابد منها لفهم الواقع و التفكير فيه.
والآن بعد هذه المقدمة حول أهمية العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)وماهيته, نرجع إلى صلب الموضوع : فما هي المجالات التي يمكن للعقل أن يبحث فيها و يقرر حقيقتها، وما هي الحدود التي يجب أن يقف عندها ولا يتجاوزها لأنه يعجز عن الإحاطة بها؟
باستقراء الأدلة الشرعية نجد أن الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)خاطب العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)في مسائل الإيمان لإثباتها ولتحصيل العلم المقطوع بها في ذلك. يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِالَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(آل عمران 190-191). ويقول: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَوَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَوَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِلا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(يس 36-40). ويقول: {أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} (الغاشية 17-18).
فالآيات القرآنية خاطبت العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)في مسألة الإيمان ووجهت قوى الإنسان العاقلة لاستنباط سنن الكون والتدبر فيها للوصول من خلالها للخالق المدبر. فالنظام الدقيق المحكم الذي يسير الوجود لابد له من واضع, هو اللهسبحانه, والعجز والاحتياج المحسوس في الكون والإنسان والحياة يدل على أنها مخلوقة لخالق خلقها وهو الله تعالى. وقد بعث الله الأنبياء وأيدهم بمعجزات حتى يدرك الناس بعقولهم صدق المرسلين. وقد كانت معجزة محمد عليه الصلاة والسلام القرآن الذي تحدى الله العرب بأن يأتوا بمثله ليحصل عندهم الاقتناع العقلي بعد عجزهم بأن القرآن كلام الله وليس صناعة بشرية. وثبوت المعجزة يدل على صدق الرسول. وبذلك يكون الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)قد خاطب العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)في مسألة الإيمان وجعله حكما عليها وحاوره وناقشه.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌقُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم} (يس). فالخلق من لاشيء أصعب من الإحياء حيث يعتمد هدا الأخير على ما هو موجود بخلاف الخلق فهو إيجاد من عدم. فمن يقر بوجود خالق يخلق من العدم (وهو حال العرب آنذاك) يسهل عليه بل يجب عليه أن يتقبل أن الخالق قادر على الإحياء لأنه أهون عليه من الخلق.
وفي مسألة القرآن عندما زعم بعض الكفار أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن من غلام نصراني اسمه جبر رد القرآن عليهم برد عقلي مفحمحيث قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين} (النحل 103). فجبر هذا أعجمي لا يعرف العربية، والعقل يقول أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فالذي لا يعرف اللغة العربية يعجز عن الكتابة بالعربية فضلا عن أن يأتي بما يعجز عنه بلغاء العرب وفصحاؤهم.
أما مسألة الصفات فهي بحث فيما وراء الوجود, و العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)يعجز طبيعيا عن إدراكها لأن واقعها غير محسوس, والعقل لا يدرك ذات الله حتى يدرك صفاته. ولذلك جعل الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)صفات الله توقيفية أي تعتمد على الوحي (القرآن والسنة المتواترة). فالعقل أدرك وجود الله من خلال مخلوقاته اعتمادا على القاعدة العقلية: لكل أثر مؤثر ولكل نظام منظم ولكل مصنوع صانع ولكل مخلق خالق. في حين أن العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)لم يدرك ذات الله لأن الله وراء الكون والإنسان والحياة فهو يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار. قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى 11). وأخرج هناد في الزهد عن الحسن قال: "تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله".
ومع أن الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)حرم على العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)البحث في بعض المسائل المتعلقة بالعقيدة لعجزه عن إدراكها حيث أن واقعها غير محسوس لديه, إلا أنه أوجب عليه أن يأخذ هذه العقائد من مصادر قد أثبت العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)صدقها كالقرآن الكريم والحديث المتواتر،أي أن الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)لا يقبل أن يعتنق المرء العقيدة الإسلامية بالوراثة والتقليد دون إعمال للعقل وإمعان نظر بل أوجب عليه استخدام العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)ودعاه للنقاش والمحاورة. يقول الله تعالى: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين}.
أما عندما يتعلق الأمر بالتشريع أي بالأوامر والنواهي وهي معالجات لمشاكل الإنسان في الحياة الناتجة عن اندفاع الإنسان لإشباع غرائزه وحاجاته العضوية، فإن الشرع لم يقبل من الإنسان إلا الرضا والتسليم بأوامر الله ونواهيه وأن يكون ذلك نابعا من مطلق التسليم لله، وهو يدل على صدق الإيمان من عدمه، كما يعبر عن حقيقية عبوديتنا لله؛ لأنه ترجمة فعلية للغاية التي خلقنا من أجلها.قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات 56)
فالإسلام هو دين الله الذي عالج الغرائز والحاجيات العضوية بنظام دقيق من عند الله يضمن الرفاهية والاستقرار للإنسان ويحول دون فوضوية الغرائز التي تؤدي بالإنسان إلى الدرك الحيواني. وإذا أمعنا النظر نجد أن الإنسان عاجز عن أن يأتي بالنظام الصحيح الذي يشبع غرائزه وحاجيات العضوية لأنه عرضة للتفاوت والتناقض. فالإنسان في معالجته لهذه الظواهر يتناقض ويتأثر بالبيئة التي يعيش فيها فتكون أحكامه عبارة عن ردة فعل عن المحيط الذي يعيش فيه والمشاكل و الملابسات التي تعتريه. وبالتالي لا تكون صالحة وتجعل الإنسان حيوان مختبر وتؤدي به إلى الشقاء. وإلى جانب ذلك فإن غريزة التدين تعالج بعبادة الله،ونظام العبادة لا يمكن أن يأتي إلا من الخالق؛ لذلك لابد أن تكون جميع الأنظمة من الله تعالى لأنه خالق الانسان الخبير بواقعه. قال الله تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك).
فالله سبحانه هو الذي خلق الإنسان وخلق غرائزه وحاجاته العضوية وهو يعلم تركيبة نفسه, لذلك هو القادر دون غيره على الإتيان بالمعالجات الصحيحة. وبناء على ذلك نفهم لماذا شدد الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)على ضرورة التقيد بالحكم الشرعي والتسليم به في قوله تعالى:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (النساء 65).
وقد اعتبر الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)الحكم والتشريع حقا لله لا لسواه، فكل من يشرع من دون الله هو مفتر على الله. يقول الله تعالى:{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} (النحل 116).
والمسلم حينما يسمع قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِير} (المائدة 3)، وقوله{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (النساء 23)، وقوله{فَمَنشَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة 185)، وقوله {انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} (التوبة 41)، إلى آخره من الآيات، فإنه يلتزم بما فيها لاشتمالها على أمر من الله أو نهي. لذلك يلتزم بها المسلم ويسلّم بما تضمنته حتى لو خالفت عقله؛ لأنه يدرك أن عقله قاصر ومحدود و غير مؤهل للحكم والتشريع.
وقد انتشرت بين المسلمين القواعد الشريعة التي تعبر عن ضرورة الالتزام بالأحكام بصرف النظر عن اقتناع العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)من عدمه، ومن ذلك قاعدة: "الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي". إلا أنالمسلمين في هذا العصر قد ابتلوا بالحضارة الغربية التي تجعل العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)مقياسا لكل شيء وتأثروا بها, فأصبح المسلمون يناقشون في الأحكام محاولين التماس حكمة في كل أمر وفي كل نهي، فالأمر لابد أنه يجلب مصلحة والنهي لابد وأن يدرأ مفسدة. فأصبح يلتزم بالأحكام ليس بالتسليم بناء على الإيمان وإنما بناء على ما تجلبه من مصلحة أو ما تدفعه من مفسدة. وهكذا أصبحت الصلاة رياضة، وأصبح الصوم علاجا ووقاية من الأمراض، وأصبح الخنزير محرما لأنه يحوي دودة، وأصبح الذهب محرما لأن فيه مادة تقضي أو تؤثر على الهرمونات الذكورية. وهذه العقلية ظاهر فيها الخطأ؛ فهي تسلب الحكم الشرعي خاصيته باعتباره من لدن الله تعالى، وتجعل النفعية أساسا لأخذ الأحكام تأسيا بالرأسمالية. وهذا خطر لأنه يؤدي بالمسلم إلى الانفلات من الأحكام بمجرد أن يرى أن هذه الأحكام لا يترتب عليها منفعة.
وخلاصة القول لابد من أن نصحح هذا المفهوم الذي عمّت به البلوى اليوم، وذلك ببيان دور العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)في الإسلام. فالعقل يوصل إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, فإذا اقتنع بذلك ينتهي دوره كحاكم، ويصبح دوره خادما أي مجرد أداة لفهم النصوص الشرعية لمعرفة أحكام الله الواردة فيها ليلتزم بها مسلما بما فيها.ولابد أن نركز على معنى التسليم لله في الأوامر و النواهي لتحقيق عبوديتنا لله, فالقرآن عندما خاطب العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)في العقيدة جعله حكما وقبل مناقشته؛ لأنّ من حق العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)أن يدرك ويتثبت صحة العقيدة، أما الأحكام فلا يجعل العقل (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)مقياس معرفة صحتها ولا تناقش وفق المقاييس العقلية. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم بعد دخولهم الإسلام (http://www.malak-rouhi.com/vb/showthread.php?t=2849)وحصول القناعة العقلية, يسلمون لرسول الله في كل أمر ونهي؛ لذلك قالوا له كما في صحيح مسلم:"لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا ". فقد كانوا لا يناقشون أحكام الله تعالى لأنهم يدركون أنّ الأحكام نزلت للالتزام بها لا لمناقشتها.
سعيد مرزوق
12-08-2010, 02:15 AM
مفهوم العقل والعقلانية في الإسلام
في هذه الفصل نريد أن نوضح مفهوم العقل والعقلانية في الإسلام وسنحدد الدور الرئيسي الذي يلعبه هذا المفهوم في معركة الحضارة في هذا العالم المليء بالمتاهات والتشويشات والأفكار المضللة والتي غزت عالمنا العربي .
لا يمكن تحديد مفهوم العقلانية دون تحديد مفهوم العقل , ولكي نحدد مفهوم العقل لابد أن نذكر بعض الآيات لكي نتبين من خلالها مفهومه بوضوح
يقول الله - تعالى - (" وإنكم لتمرونَ عليهِم مُصبحينَ * وبالليلِّ أفلا تعقلُون ") الصافات : 138 .. (" كذلكَ يبينُ اللهُ لكُم آياتِه لعلكُم تعقِلُونَ ") البقرة : 242 .
فمفهوم العقل هو : إدراك الشيء على ما هو عليه من حقيقة في تكوينه وغاية خلقه ووجوده , وهذا المعنى يشترك فيه الجنس البشري كله.
أما مقياس العقل فحده : إدراك الحكمــة التي من أجلها خُلق الكون والعقل نفســه
وإدراك هذه الغاية هو الذي يُعطي الإنسان صفة العقل الشرعي , فمن أدرك هذه الغايـة فهو عاقل ومن لم يُدركها فهو غير عاقل حيث يُعبِّر الكفـار يـوم القيامة عن هذه الحقيقة بوضوح كما جاء في القرآن العظيم (" وقالوا لو كنا نسمعُ أو نعقلُ ما كنا في أصحابِ السعير ") المُلك : 10 . فالآية لا تنفي وجود القوة العقلية عنـدهم وإلا لسقط التكليف بل تنفي إدراك الحقيقة التي لأجلها خُلق الإنسان وهي حقيقة واضحة فاستحق أولئك أن يوصفـوا بـأنهم أقـل مرتبـة مـن الحـيوان , جاء في الكتاب العزيز (" أم تحسبُ أنَّ أكثرَهُم يسمَعُونَ أو يعقلُون إن هـم إلا كالأنعامِ بل هم أضلُ سبيلاً ") الفرقان : 44 . فهم كانوا يسمعون ويبصرون ويدركون ولكنهم لم يُدركوا الحقيقة الشرعية والكونية يقـول المَلـك - تبـارك وتعالى - (" ..... وتصريفِ الرياحِ والسحابِ المسخرِّ بين السماءِ والأرضِ لآيات لقومٍ يعقلون ") البقرة : 164 . أي لقوم يُدركون الحكمةَ مـن هـذه الآيـات , وعدم إدراك الحقيقة الكونية هو ما يسميه القرآن بعمى الأبصار , أما الذين يُدركونها فهم المُبصـرون والعـاقلون وهـم أولـى الألبـاب ,
فـالعقل :- هـو البصـر الروحاني الداخلي الذي يُدرك الحقيقة كما هي ما لم تقف أمامه الحجب من هوى وعقائد فاسدة وغير ذلك ,,, فالقلب هو محل العقل والإدراك ,,, و العقل صفـة الروح , فُتسمى الروح عقلاً من باب إطلاق الصفـة على الموصوف ,وكذلك يُسمى القلب عقلا من هذا الباب , ومثال ذلك العين فهي عضـو الإبصـار , والإبصـار صفـة لهـا والشمس هي سبب حصول الرؤية , فكذلك القلب فالعقل هو صفته,
والقرآن هو شمس الحقيقة الروحانية التي تعرف بها ذاتها وربَّها ولذلك سمى الله القرآن نـورا ("..... قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مُبينٌ ") المائدة : 15 . فالقلب لا يُبصر بدون نور الشريعة , وكذلك الإنسانية لن تُبصـر بـدون شـمس الحقيقـة المُحمديـة يقول - تعالى - (" وداعياً إلى اللهِ بإذنه وسراجاً منيراً ") الأحزاب : 46 . فالسراج هو الذي استنار ثم أنار غـيره , بـه تُبصـر الكائنـات , فكمـا أن للبصر المادي شمساً حقيقية سماها الله تعالى (" وجعلَ فيها سراجاً وقمراً منيراً ") الفرقان : 61 . جعل الله لنا شمساً للقلـوب سـماها سـراجاً منـيراً وهـي الحقيقة النبوية المحمدية , فالقلب لا يهتدي بدون شمس الحقيقة القرآنية بالرغم من وجود صفة الإدراك التي هي العقل البشري , يقول الله- تعالى - (" أ فلـم يسـيروا فـي الأرض فتكونَ لهم قلوبٌ يعقلونَ بها ") الحج : 46 , فهم يمتلكون القلوب ولكن لا يعقلون بها ,
فالآية تؤكد أن القلب هو الذي يعقل ويتدبر , وبذلك لا يبقي مجـال للشـك حول تعيين مركز المعرفة والإدراك عند الإنسان , فالقلب هو مركز المعرفة والإدراك والشعور وليس الدماغ , وهذا لا يعني أن الدماغ ليس له علاقة بالوعي والحس بل هو المجمع الرئيسي للأعصاب والحواس , وهـو مرآة العقل التي يدرك القلب بواسطته عالم المادة والحس ويتصرف فيها فالقرآن لم يذكر الدماغ كمصدر للوعي ولا في أي آية من القرءان بل أكد على أنه القلب فقط (" أفرءَيتَ من اتخذَ إلههُ هواهُ وأضلهُ اللهُ على علمٍ وختمَ على سمعِه وقلبِه وجعلَ على بصرِه غشاوةً فمن يهديهِ من بعدِ اللهِ أقلا تذكرونَ ") الجاثية : 23 . فالسمع هو مفتاح الإدراك وخاصة الإدراك الشرعي ,
فالقرآن نزل على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - وسمعـه , ونقله الرسـول الكريم إلى الصحابة بواسطة السمع , فإذا سمع الإنسان الحق وأدركه بقلبه نطقَ به بلسانه فيشهد به فيكون مؤمناً , كما يحصل في عالم الشهادة فمن وُلدَ أصماً يكون بالضرورة أبكماً , وإن كان جهاز النطق سليماً لأن النطق مرتبط بالسمع فمن لا يسمع لا ينطق وبالتالي يكون محروما من اللغة التي هـي وسـيلة التفـاهم بيـن الناس
وكذلك من لم يشهد بقلبه الحقيقة المحمدية لا ينطق بها لسانه إلا منافقا
وكذلك من لا يسمع الحق الذي هو لغة الروح لا يؤمن به , لأن سماع اللفظ هو صفة السمع المادي أما السمع الروحاني فيدرك المعاني والحقائق المجردة عن اللفظ , أو إن شئت التعبير فيدرك محتوى اللفظ , فمن سمع الحق ينطق به فيكون عالماً بلغة الحق وهي لغة الكون , فحينها يكون الإنسان قـادرا عـلي تفهـم الحقيقة من خلال التأمل والنظر في الآيات المكتوبة في القرآن و الآيات المنظورة في الكون , فالسمع والبصر والقلب هي عناصر الإدراك الرئيسة فـي الإنسـان يقول تعالى - (" ومنهم من يستمعُ إليك وجعلنَا على قُلُوبِهم أكنةً أن يفقهُوه وفي ءاذانِهم وقراً ") الأنعام : 25 (" .... فنطبعُ على قلوبِهم فهم لا يسمعون ") الأعراف : 100 (" واللهُ أخرجَكم من بطونِ أُمهاتكم لا تعلمونَ شيئاً وجعلَ لكـمُ السمعَ والأبصارَ والأفئدةَ لعلكم تشكرون ") النحل : 78 .
ولما كان الإنسان يُمثل صورة مصغرة لعالمي الشهادة والملكوت فجسده يمثل عالمي الشهادة وروحه تمثـل عالم الملكوت كان من الضروري وجود نقطة اتصال بين العالمين بين الروح والجسد فجعل الله له الدماغ وجعله في الرأس لأنه الأعلى والأشرف , ولذلك يوجد في الدماغ مركزاً لكلِّ عضوٍ في الجسم الإنساني تتحكم به تلك المناطق المخصصة له في الدماغ , ويستقبل الدماغ الأحاسيس المادية عبر المنافذ الحسية للجسد , وكذلك يسـتقبل الأحاسيس الروحانيـة عـبر منافذ الإدراك الروحاني فيسجل الدماغ صورةً لكل شيء مُدرك من عالم الروح والملكوت وعالم الشهادة ""
وكذلك توجد في القلب صورة روحانية لكل شيء مُدرك من العالمَين , وبذلك يكون الدماغ هو مركز العلاقة الإدراكية المتبادلة بين الروح والجسد وبين العوالم المادية والعوالم الروحانية ,,,
وقد أدى ذلك الوضع إلى التوهم بأن الدماغ هو مركز الوعي والشعور الأساسي , فالدماغ يفنـي بفنـاء الجسـد عنـد المـوت والـروح تبقـى بخروجها من الجسد ويبقى معها الوعي والعلم ,, فلذلك فهي الأساس في الوعي وليس الدماغ كما توهم البعض , وقوله جل وتعالى يؤكد ذلك (" ... ولو ترى إذ الظالمونَ في غمراتِ الموتِ والملائكة باسطو أيديهم اخرجوا أنفسكم اليومَ تجزونَ عذابَ الهوُنِ بما كنتم تقولون على اللهِ غيرَ الحق وكنتم عن ءايتهِ تستكبرون .... ")الأنعام : 93 ..(" يا أيتها النفسُ المطمئنةُ * ارجعي إلى ربِّك راضيةً مرضيةً ") الفجر : 27-28
فالروح والقلب والنفس تأتي أحيانا بمعنى واحد, ,, وأحيانا تختلف المعـاني حسـب نظام الإسناد للمعاني , وقوله - تعالى - (" ربُّكم أعلمُ بما في نفوسِكم إن تكونوا صالحينَ فإنهُ كانِ للأوابينِ غفوراً ") الإسراء : 25 . أي أعلم بما في قلوبكم ,, (" لا يزالُ بنيانُهم الذي بَنـَوا ريبـةً فـي قلـوبِهم إلا أن تقطَّـعَ قلوبُهم واللهُ عليمٌ حكيمٌ ") التوبة : 110 . فالشك محله القلب , وتقطع القلوب هو انفصالها عن القلب المادي " أي الموت"
فالقلب الروحاني "" الحقيقة الروحانية الإنسانية "" متصل بالقلب المادي بطـريق تخـتلف عـن مفهـوم الاتصال المادي بل هو اتصال روحاني تختلف قوانينه عن القوانين المادية , فلذلك يكون الانفصال أيضا بمعني مخالف لمعني الانفصـال المـادي بالمفهوم الفيزيائي ,
والاتصـال بيـن القلب الروحاني والقلب المادي هو سر الحياة الإنسانية على الإطلاق , وهو مجهول الكيفية , لأنه ليس من عالم المفاهيم المادية , وبالتالي لا يقاس على أساس نظام المساطر الأرضية للزمان والمكان ويقول الحق جل وعلا (" فإذا سويتُه ونفختُ فيهِ من روحِي فقعـُوا لـهُ ساجدين ") الحجـر : 29 .
ذكــر من الآيات التي تؤكد بأن القلب هو مركز الوعي والإدراك والعلم والفقه
يقول الحق جل وعلا (" إن في ذلك لذكرى لمن كانَ لهُ قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ ") ق : 37 . .وقوله : (" أفلم يسيروا في الأرضِ فتكونَ لهم قلوبٌ يعقلون بها أَو ءاذانٌ يسمعونَ بها فإنها لا تعمى الأبصارُ ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدورِ ") الحج : 46 . (" إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ") الإسراء : .46 -
ذكر من الآيات التي تؤكد بأن القلب هو الذي يتدبر هي
يقول الرب جل وعلا (" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ") محمد : 24 . وقد جعل الله له منافذ يدرك بواسطتها صور الأشياء والعلاقة بينها , وجعل له وسائل إدراك باطنية كالذاكرة تٌخزن له المعلومات , وجعل له الحس المشترك يربط بين المحسوسات في قالب واحد , وجعل له قـوة التخـيل يتخـيل بها صور المحسوسات , وجعل له التفكير وهي قوة يحصل بواسطتها على المعلومات المجهولة فيزداد علما , والتفكير غير العقل الذي هـو الإدراك والإحاطـة بقـوة القلب الروحاني , أما التفكير فهو جهاز إدراك كباقي الأجهزة الإدراكية في الدماغ ,
فالإنسان يُدرك أنه يفكر فالإدراك سابق على التفكير , والإنسان يُريد أن يفكر فإرادة التفكير سابقة على التفكير نفسه أما الإدراك فليس بإرادة الإنسان , فالروح تدرك وتعقل بدون إرادة سابقة فالعقل سابق على جميع الإدراكات البشرية , وهذا هو سر التكريم الإلهي للإنسان حينما نسب إليه الروح بقوله (" ونفخت فيه من روحي ") فليست الروح جزءا من الذات الإلهية "" لم يلد ولـم يولـد "" فـالتفكير أعُطي للإنسان ليدرك الحقيقة من وراء الحجب المادية والحسية والنفسية (" لقد كشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد ") فليس هناك حاجة للتفكير فالحقيقة تكـون واضحة مُدركة وهناك عالم الحق , فيبقى التفكير قوة أرضية مرتبطة بالدماغ يحتاجها الإنسان في عالم الغطـاء والحجاب ليقضي بها حاجاته الشخصية . ويتوصل إلى المجهول
ذكر من الآيات التي تؤكد بأن القلب هو مركز المشاعر والأحاسيس الروحانية
يقول الحق تعالى (" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ") النحل : 106 . (" سنلقي في قلوب الـذين كفروا الرعب بما أشركوا ") آل عمران : 151 . (" هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا ") الفتح : 4 (" وجعلنا في قلوب الدين اتبعوه رأفة ورحمة ") الحديد : 27
الآيات التي تؤكد بأن القلب هو مركز نزول الوحي والإلهامات الإدراكات الروحانية
يقول الحق جل وعلا (" نزل َ به الروحُ الأمين على قلبـك لتكون مـن المنـذرين ") فالقلب هو محل التنزلات الإلهية , من هنا نفهم أن أهم مبدأ في نظرية المعرفة الإسلامية هـو هـو أن القلـب هـو أسـاس المعرفـة والـوعي والإدراك والشـعور والإحساس , بذلك يكون مقياس العقل هو إدراك شمس الحقيقة المحمدية التي استنارت بنور القرآن الذي هو شمس الحقيقة الكونية وهذا هو معيار عقلانيـة الأمــة ومعيار حضارتها وتقدمها وبذلك نفهم أن غياب مفهوم العقلانية الإسلامية هو سبب تأخر الأمـة وضياعها فريسـة للأفكـار الغريبـة (' إنـا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ") فلن تكونوا عقلانيين في تفكيركم ما لم تدركوا الحكمة من نزول القرآن عربيا فانه شرف لكـم وهـدى ونـور تهتـدون بـه في ظلمـات الحيرة والجهل ومتاهات الأفكار والحضارات .
سعيد مرزوق
12-08-2010, 02:18 AM
يجى زيارة الرابط أدناه
http://www.dorar.net/enc/firq/803
سعيد مرزوق
12-08-2010, 02:25 AM
العقل الإسلامي: الأزمة والحلول...
</i>خلال عصور مضت، استطاع المسلمون أن يوظفوا عقولهم المستنيرة بالوحي الإلهي لإدراك قدرة الله عز وجل وعجائب صنعه ولاكتشاف أسرار هذا الكون البديع وخباياه التي تدل قطعا على عظمة خالقه. ولقد كان العقل المسلم في تلك العصور الزاهية عقلا مبدعا معطاء، لا يكف عن التأمل والخلق والابتكار، لكن الزمن دار دورته فتعطل هذا العقل عن العطاء ولم يعد له ذلك الحضور الفكري الذي كان يحظى به. من هنا وجب التفكير مليا من طرف المفكرين والدارسين والباحثين أن يهتموا بهذه الظاهرة لكي يجدوا سبل الخروج من أزمة العقل المسلم وتداعياتها التي تنيخ بكلكلها على واقع المسلمين ومستقبلهم. فما هو العقل المسلم وما أسباب أزمته باختصار، وهل هناك من مخرج لهذه الأزمة.
¤ العقل الإسلامي يشكل قدرة فكرية وذهنية مدركة هائلة يمكنها أن تميز بين الطيب والخبيث والحسن والسيء، والصالح والطالح، واتباع سبيل الهدى والابتعاد عن طريق الخسران والثبات على المجة البيضاء بعيدا عن ملوثات العصر من نفاق ورياء وطمع وغيرها من المعاصي. العقل الإسلامي هو عبارة عن نشاطات ذهنية وفكرية ينجزها هذا العقل مستخدما أساليب ملتزمة بفعالية وقدره على فهم الواقع وتحليله واستنتاج ما يمكن استنتاجه...
إن هذا العقل منة عظمى من الله عز وجل ولكنه أيضا مناط التكليف، فبفضل هذا العقل ميز الخالق بني آدم على سائر المخلوقات وفضلهم على غيرهم بشتى أنواع المعارف والعلوم ليتخذوها أسبابا بغية تحقيق غايات دينية واجتماعية واقتصادية حث عليها الإسلام. لقد كان العقل الإسلامي في عصور خلت متوهجا ومتدفقا عطاء ونموا، وكان مفخرة للمسلم حقا حتى أن شخصيته كانت تقاس بما قدم عقله من عطاء فكري لكن هذا التوهج انطفأ وانكفأ، وينابيع العقل نضبت.
¤ هناك قول شهير لأعرابي قال: "العبرة تدل على البعير وأثر السير يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك كله على الله اللطيف الخبير". وكلمات هذا الأعرابي ألصق بالنهج التجريبي القائم على الملاحظات وأقرب على التأثير في النفس وأقدر على إقناع العقل من أية صيغة قياسية. إن أخطر ما عرفه العقل الإسلامي نظرية الجبر المطلق القائلة بأن الإنسان مجبور لا يستطيع أن يعمل غير مما هو مقدور عليه، وأن الله تعالى يخلق أفعاله ويستدل عليها بمثل قوله تعالى: "من يظلل الله فلا هادي ونذرهم في طغيانهم يعمهون". لقد استكان كثير من المسلمين لمثل هذه الأفكار فقد كانت متنفسا عقائديا لهم عن ظروف القهر التي عاشوها وحالة التخلف الفكري والسياسي الذي كان ينخر جسده أمتهم العليلة، بل برروا بها واقعهم المرير بما فيه من انحراف عن النهج القويم وابتعاد عن الصراط المستقيم، واعتبروها مسوغات شرعية تقبله عقولهم وترضاها نفوسهم وذلك تحت غطاء المكتوب الذي لا ينفع معه هروب كما يقال. وأبرز مثال قولة أحد الطرقيين مبررا الحملة الاستعمارية الهوجاء لفرنسا شنتها لمحو الشخصية الجزائرية الإسلامية وجعل الجزائر فرنسا ثانية، قال: "إن كنا قد أصبحنا فرنسيين فقد أراد الله ذلك وهو على كل شيء قدير، فإذا أراد الله مسح الفرنسيين من هذه البلاد فعل وكان ذلك عليه أمراً يسيرا ولكنه يمدهم بالقوة لنحمد الله ولنخضع لإرادته". هذا فكر استسلامي استكاني لا يرضاه الشرع للمسلم ولا تقره حتمية التدافع التي تحدث عنها القرآن الكريم، إن الإنسان قادر على تغيير الواقع الذي يعيش فيه لكن هناك شرط أساسي لذلك ألا وهو أن يغير ما بنفسه أولا فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا بأنفسهم. إذن هناك إمكانية كبيرة لتحقيق نشاط الفرد وقدرته على الفعل والتأثير لكن شرط أن يتم ذلك عبر إرادة قوية من هذا الإنسان وتوفيق من الله.
¤ إن زماننا هذا لا يسمح للخوض في النظريات الفلسفية الدسمة التي تؤرق العقل الإسلامي منذ أمد بعيد، مثل البحث في عالم ما وراء المادة الأزلي ومناقشة الذات والصفات الإلهية والغوص في هذا البحر اللجي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا". إن التفكر في ذات الله يؤدي حتما إلى هلاك العقل والقلب. ويحق لنا التساؤل لماذا نضيع نحن المسلمين كثيرا من الجهد والطاقة في مسائل خلافية تثير الشقاق أكثر مما تدعو إلى الاتحاد.. إن الاعتقاد الصحيح لا يمكن بلوغه بسهولة ويسر اعتمادا فقط على مدارك الإنسان العقلية وإنما يلزم هذا الإنسان أن يكون مسلحا بهداية الدين القوي، فالعقل مهما بلغ سموه ونضجه الفكري، لا بد أن يسلم ويذعن للوحي خاصة في مالا يستطيع إدراكه من قضايا غيبية مثل عذاب القبر والحياة في البرزخ وغير ذلك.. إن العقل المسلم صار مجبرا اليوم أكثر من أي وقت مضى خاصة في ظل هذه التحولات الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على الانفتاح على عقول الآخرين، فالقرآن الذي هو دستور المسلمين كافة أقر في أكثر من آية على حق الاختلاف وتعدد الآراء. والرسول عليه الصلاة والسلام ألم يقض وهو قائد الأمة المسلمة وحاكمها غير ما مرة بما أشار عليه أصحابه الكرام في بعض المسائل والقضايا رغم عدم اتفاقه معهم؟ والاختلاف مع احترام عقل الآخر هو مؤشر عافية وفلاح..
سعيد مرزوق
12-08-2010, 02:32 AM
مرفق أدناه كتاب
بيانات الكتاب:
اسم الكتاب: الاسلام و العقل
اسم المؤلف: عبد الحليم محمود
التصنيف: الفلسفه الاسلاميه-علم الكلام
اتمنى أن أكون قد أفدتكم
وفقكم الله
قلب هادف
12-10-2010, 08:44 PM
الف الف شكر لك استاذي ماتقصر والله
vBulletin® v3.8.9, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.