المحامي المشاكس
11-26-2010, 12:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
المحكمة الدستورية
بالجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ 3 من ربيع الآخر 1427 هـ الموافق الأول من مايو 2006 م
رئيــس المحكمــة راشـد عبد المحسن الحماد / برئاسة السيد المستشـــار
فيصل عبد العزيز المرشـد و يوسـف غنـام الرشيــد / وعضوية السادة المستشارين
راشد يعقـوب الشــراح و كاظم محمــد المزيــدي و
أمين سـر الجلســة علــي حمــد الصقــر / وحضــور السيــــد
صـدر الحكم الآتى :
في الدعوى المحالة من المحكمة الكلية ( دائرة الجنح ) رقم 223 لسنة 2004 حصر الأحمدي ( 9 لسنة 2004 جنح المباحث ) :
المقامة مـن : النيابـة العامــة .
ضــــــد : 1ـ ......................... .
2ـ ...........................
والمقيدة بسجل المحكمة الدستورية برقم (1) لسنة 2005 " دستوري " .
الوقائــع
حيث إن حاصـل الوقائـع ـ حسبما يبين من حكـم الإحالة وسائر الأوراق ـ أن النيابة العامـة أقامـت الدعـوى الجزائية رقـم 223 لسنة 2004 جنح الأحمدي ضـد : 1ـ ............ 2ـ .................. ، لأنهما في يومي 19و20/3/2004 بدائـرة مخفـري شرطـة الظهــر والأنـدلس بمحافظة الأحمدي أعلنا ، ورعيا ، ونظما ، وعقدا اجتماعاً عاماً لمناقشة موضوعات عامة حضره أكثـر من 20 شخصاً بدون ترخيص من الجهة المختصة وذلـك بالمخالفة لنصوص المواد (1) و(4) و(5/1) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات ، وطلبت النيابة العامة معاقبتهما طبقاً لنص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (16) منه .
وأثناء نظـر الدعـوى أمـام المحكمة مثل المتهم الأول بشخصه أمامها ، ودفع المحاميان الحاضران معه بعدم دستورية نص المادتين (4) و (16) من المرسوم بقانون المشار إليه لمخالفتها المادة (44) من الدستور ، كما قدم المحامي الحاضر عن المتهم الثاني ـ الذي لم يحضر الجلسة المشار إليها ـ مذكرة ضمنها ذات الدفع، كما دفع بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 برمته لصدوره متعارضاً مع المادة (50) من الدستور ، وبالمخالفة للمادة (79) منه .
وبجلسة 25/10/2004 بعد أن تراءى للمحكمة جدية الدفع المبدى بعدم الدستورية قضت بوقف الدعوى ، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية نص المادتين (4) و(16) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات .
وقـد ورد ملـف الدعوى إلى إدارة كتاب هذه المحكمة حيث قيدت بسجلها برقم (1) لسنة 2005 " دستوري " وجرى إخطار ذوي الشأن بذلك ، وأودع كل من المتهمين مذكرة ردد فيها ما سبق توجيهه إلى المرسوم بقانون سالف الذكر من مثالب دستورية ، وصمم كل منهما فيها على طلباته ، وأودعت إدارة الفتوى والتشريع نيابة عن الحكومة ـ باعتبارها من ذوي الشأن طبقاً للمادة (25) من لائحة المحكمة الدستورية ـ مذكرة انتهت فيها إلى طلب الحكم برفض الدعوى ، كما أودعت النيابة العامة ـ باعتبارها من ذوي الشأن طبقاً للمادة (15) من لائحة المحكمة الدستورية لتعلق الدعوى الماثلة بنصوص جزائية ، وبوصفها الأمينـة على الدعـوى العموميـة والخصـم الأصيل فيها ـ مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدعوى .
ونظرت هذه المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحاضر جلساتها ، وقررت إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع المرافعة ، وبعد المداولة .
حيث إنه من المقرر ـ في قضاء هذه المحكمة ـ أن ولايتها في الرقابة القضائية على دستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى طبقاً للأوضاع الإجرائية الخاصة بنظام التداعي أمامها ، ومن خلال الوسائل التي حددتها المادة الرابعة من قانون إنشاء المحكمة رقم (14) لسنة 1973 ، ومن بينها الإحالة من إحدى المحاكم بناء على دفع مبدى من أحد أطراف النزاع ـ سواء بنفسه أو بواسطة محاميه الموكل عنه ـ بعدم دستورية نص تشريعي ، بعد أن تقدر المحكمة جدية هذا الدفع ، ولزومه للفصل في الدعوى الموضوعية ، وترجيح الظن بمخالفة النص التشريعي لأحكام الدستور ، على أنه يتعين ـ وحسبما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ لصحة اتصال الدعوى بها، وكشرط لقبولها ، أن يكون القرار الصادر بالإحالة متضمناً ما ينبئ عن تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع ، دالاً على تحديد المسألة الدستورية التي يراد الفصل فيها ، كاشفاً عن ماهيتها ، وتحديد نطاقها بما ينفي التجهيل بها ، وإنه وإن كان لمحكمة الموضوع الاختصاص في تقدير مدى جدية الدفع إلا أن هذه المحكمة بما لها من سلطة الإشراف على إجراءات الدعوى الدستورية هـي التي تتولى تقدير مدى توافر شرائط قبولها ، والتثبت من جديتها .
ولما كان ذلك ، وكان الحاصل انه أثناء نظر محكمة الموضوع للقضية بجلستها المنعقدة في 11/10/2004 ـ على النحو الثابت بمحضرها ـ مثل المتهم الأول بشخصه أمامها ، حيث دفع المحاميان الحاضران معه بعدم دستورية المادتين (4) و(16) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات لمخالفتها المادة (44) من الدستور ، وذلك في حضوره وبغير اعتراض منه، وهو ما يتحقق به توافر شرط الصفة المتطلبة في إبداء الدفع ، هذا وقد تضمنت المذكرتان المقدمتان إلى المحكمة من المتهم ما يساند أوجه النعي على هاتين المادتين ، كما اشتملت المذكرة المقدمة ـ بذات الجلسة ـ من الحاضر عن المتهم الثاني على بيان بالمخالفات الشكلية والموضوعية الموجهة إلى المرسوم بقانون سالف الذكر ، والنصوص الدستورية المدعى بمخالفتها ، وأوجه هذه المخالفات ، وحاصلها أن المرسوم بقانون صدر خلال فترة تعطيل الحياة النيابية مما كان يستوجب عرضه على مجلس الأمة عند انعقاده ـ بعد عودة الحياة النيابية ـ لإقراره ، باعتبار أن المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة مجلس الأمة تبقى إعمالاً للدستور بإرادة المجلس ، فله أن يبقي ما يبقي ويذر ما يذر ، وهو ما لم يتم بالنسبة إلى هذا المرسوم بقانون ، بما يصمه بعدم الدستورية من الناحية الشكلية لصدوره متعارضاً مع مبدأ فصل السلطات المقـرر طبقاً للمادة (50) من الدستور ، وبالمخالفة للمادة (79) منه التي نصت على أن لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة ، كما انطوت المذكرة سالفة الذكر على ذات الدفع المثار من المتهم الأول والذي انصرف إلى النعي بعدم دستورية المادة (4) من المرسوم بقانون المشار إليه ، وذلك فيما فرضته من قيود وإجراءات يتحتم على الأفراد اتخاذها في خصوص الاجتماعات العامة ، من شأنها التضييق عليهم في ممارسة حرياتهم الأساسية في الاجتماع والتعبير المستمدة أصلاً من الدستور ، فضلاً عن تقويض الحق في الاجتماع ذاته تحت ستار هذه القيود وتلك الإجراءات من خلال تنظيمه، إذ جعل نص تلك المادة الأصل في الاجتماع العام هو المنع ، ومن عقد هذا الاجتماع وتنظيمه فعلاً مؤثماً ، وفي الدعوة إليه أو الإعلان عنه أو نشر أو إذاعة أنباء بشأنه أمراً محظوراً، ومنح سلطة الإدارة الحق في منعه وفضه في حالة عدم تقيد الأفراد باتباع الإجراءات المفروضة وعدم الحصول على الترخيص اللازم من الجهة المختصة والتي عهد إليها الموافقة أو عدم الموافقة على إصداره ، مع ملاحقتهم بالعقاب بمقتضى نص المادة (16) بما ينال من حرياتهم في الاجتماع والتعبير عن آرائهم ، في حين أن حق الاجتماع ليس منحة من الإدارة تمنعها أو تمنحها كما تشاء ، بل هو في الأساس أمر مباح ، وحق أصيل للأفراد متى كانت أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب حسبما نصت عليه المادة (44) من الدستور ، وإذ جـاء قضاء محكمة الموضوع بالإحالة ـ ترتيباً على ذلك ـ وعلى نحو ما تضمنه من وقائع بحسب ترابطها المنطقي منبئاً عن جدية الدفع المثار في شأن المادتين (4) و(16) من المرسوم بقانون المشار إليه ، ومنصرفاً إلى هاتين المادتين ، كاشفاً بذلك عن ماهية المسألة الدستورية وتحديد نطاقها ، كمـا جاء وقف المحكمة للدعوى تبعاً لذلك ـ نتيجة لتقديرها جدية هذا الدفع ـ دالاً على لزوم الفصل في المسألة الدستورية قبل الفصل في الدعوى الموضوعية المطروحة عليها دون ما حاجة إلى دليل آخر لإثبات ذلك ، بما يعد أمراً كافياً يتحقق به اتصال الدعوى بهذه المحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع الإجرائية المقررة، فمن ثم يغدو الدفع المثار من إدارة الفتوى والتشريع والنيابة العامة بعدم قبول الدعوى المبني على القول بعدم اتصالها بهذه المحكمة اتصالاً صحيحاً ، وورود قرار الإحالة قاصراً عما يفيد إعمال المحكمة تقديرها لجدية الدفع وتحديد المسألة الدستورية ، هو دفع في غير محله ، متعيناً رفضه .
وحيـث إن هـذه المحكمة لاحظـت من مطالعتها للمرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات ـ على نحو ما ورد بديباجته ـ أنه صدر خلال تعطيل الحياة النيابية بالبلاد استناداً إلى الأمر الصادر بتاريخ 4 من رمضـان سنـة 1396 هـ الموافـق 29 أغسطس سنة 1976 م بتنقيح الدستـور ـ والذي تضمن هذا الأمر ـ حل مجلس الأمة ، وتولي الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة بموجب الدستور ، وإصدار القوانين بمراسيم أميرية ، مع جواز إصدارها بأوامر أميرية عند الضرورة ، كما تبين لها من مطالعة مضبطة مجلـس الأمة بالجلسة ( الثالثة / أ ) المنعقدة يوم الثلاثاء الموافق 17/11/1981 أنه قد جرى عرض المرسوم بقانون المشار إليه على مجلس الأمة حيث تمت مناقشته في جلسة سرية ، ثم وافق المجلس بالجلسة رقم ( 419/أ ) على التقرير الثامن عشر للجنة الشئون الداخلية والدفاع الخاص بالمرسوم بقانـون رقم 65 لسنة 1979 وإبـلاغ الحكومة بـذلك ، كما لاحظت أيضاً أن هذا المرسوم بقانون قد جرى العمل به وتطبيقه باعتباره تشريعاً نافذاً بالبلاد .
ولما كان ذلك ، وكان من المقرر ـ وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة ـ أن نطاق الدعوى الدستورية ـ في حالة الإحالة عن طريق الدفع الفرعي ـ إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع ، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته ، وإذ كان نطاق هذا الدفع قد انصب ـ أساساً ـ على المادتين (4) و(16) من المرسوم بقانون المشار إليه ـ على نحو ما ورد بقرار الإحالة ـ فإن نطاق الدعوى الماثلة يكون منصرفاً إلى هاتين المادتين ، محدداً بهذا النطاق ، إلا أنه مما هو غني عن البيان في هذا المقام أن هذه المحكمة لدى إعمال ولايتها وممارسة اختصاصها في تقرير قيام المخالفة الدستورية التي علقت بالنص التشريعي المدعى بعدم دستوريته أو نفيها ، عليها ـ في إطار ما وسده إليها الدستور وقانون إنشائها ـ أن تقيم المخالفة الدستورية إذا ما ثبت صحتها على ما يتصل بها من نصوص الدستور ، كما عليها أيضاً أن تنزل قضاءها على النصوص التشريعية التي ترتبط بالنص التشريعي المختصم متى كان ارتباطها به ارتباط لزوم لا انفصام فيه ، طالما أن نطاق الدعوى الدستورية المطروحة عليها يمتد تبعاً إلى شمولها لزوماً .
وحيث إن مبنى النعي على المادتين سالفتي الذكر ، حاصله أن المادة (4) جعلت الأصل في الاجتماع العام هو المنع ، ومنحت سلطة الإدارة إزاء الاجتماعات العامة سلطات واسعة دون ضابط أو قيد وفي إطلاق يتأباه كون حرية الاجتماع وحرية التعبير من الحريات العامة التي كفلها الدستور ، متطلبة هذه المادة الحصول على ترخيص من السلطة المختصة ، والذي عمد المرسوم بقانون إلى الإسراف في وضع القيود عليه ، كما منحت سلطة الإدارة الحق في منع الاجتماع وفضه ، بما مؤداه التضييق على الأفراد في استعمالهم لحرياتهم في الاجتماع والتعبير عن الرأي ، كما لم يكتف المرسوم بقانون بتقرير المسئولية على إساءة استعمال الأفراد لحرياتهم ، وإنما فرض العقاب عليهم بمقتضى المـادة (16) منه بما يناقض الأغـراض المقصـودة مـن إرسائها .
وحيث إن الدستور أفرد باباً خاصاً هو الباب الثالث منه للحقوق والواجبات العامة إكباراً لها وتقديراً لأهميتها وإعلاءً لشأوها ، وأحاطها بسياج من الضمانات كافلاً صونها وحمايتها ، وقد جمع هذا الباب نوعين من الحقوق : الأول : المساواة ، والثاني : الحريات المختلفة وقرن إلى ذلك بعض ما يرتبط بهما من أحكام ، ويستخلص من النصوص التي جاءت في هذا الشأن أنها وضعت في جانب منها قيداً على سلطة المشرع فيما يسنه من قوانين تنظيماً لها ، بألا يجاوز الحدود والضوابط التي فرضتها هذه النصوص ، أو ينال من أصل الحق ، أو يحد من ممارسته ، أو يحيد عن الغاية من تنظيمه على الوجه الذي لا ينقض معه الحق أو ينتقص منه ، كما وضعت هذه النصوص في جانب آخر قيداً عاماً على الأفراد في ممارسة حقوقهم وحرياتهم بوجوب مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة ، باعتبار ذلك واجباً عليهم ، فجرى نص المادة (30) الـواردة بهذا الباب على أن" الحرية الشخصية مكفولة " ، كما نصت المادة (36) على أن " حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو غيرهما ، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون " ، ونصت المـادة (44) على أن " للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطـار سابـق ، ولا يجـوز لأحـد من قـوات الأمن حضور اجتماعاتهـم الخاصـة.
والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب ." .
وقد أوردت المذكرة التفسيرية للدستـور فيما يتعلق بهذا الشـأن أن هذه المادة << تحفظ لاجتماعات الناس الخاصة حريتها فلا يجوز للقانون ـ ولا للحكومة من باب أولى ـ أن توجب الحصول على إذن بهذه الاجتماعات أو إخطار أي جهة عنها مقدماً ، كما لا يجوز لقوات الأمن إقحام نفسها على تلك الاجتماعات ، ولكن هذا لا يمنع الأفراد أنفسهم من الاستعانة برجال الشرطة وفقاً للإجراءات المقررة لكفالة النظام أو ما إلى ذلك من أسباب أما الاجتماعات العامة سواء كانت في صورتها المعتادة في مكان معين لذلك أو أخذت صورة مواكب تسير في الطريق العام ، أو تجمعات يتلاقى فيها الناس في ميدان عام مثلا ، فهذه على اختلاف صورها السابقة لا تكون إلا " وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون " وبشرط " أن تكون أغراض الاجتماع ( أو الموكب أو التجمع ) ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب " وتحديد المعنى الدقيق للاجتماع العام والمعيار الذي يفرق بينه وبين الاجتماع الخاص أمر يبينه بالتفصيل اللازم القانون الذي يصدر بهذا الخصوص . ولا يخفي كذلك أن ضمانات " الاجتماع الخاص " التي نصت عليها هذه المادة لا تعني السماح باستغلال هذه الحرية لارتكاب جريمة أو تآمر يحظره القانون ، فهذه الحالة يضع لها القانون الجزائي وقانون الإجراءات الجزائية الأحكام اللازمة لضمان أمن الدولة وسلامة الناس بما تتضمنه هذه الأحكام من عقوبات وإجراءات وقائية تحول دون ارتكاب الجريمة وتعقب مرتكبها ولو كان شخصاً واحداً معتصماً بمسكنه وليس اجتماعاً خاصاً في هذا المسكن >> .
كما أوردت المذكرة التفسيرية في مجال الحقوق والحريات بصفة عامة << أن الحريات تلتزم بقيد عام لا يحتاج لنص خاص ، وإن ورد النص عليه صراحة في المادة (49) من الدستور ، وهو أن يراعي الناس في ممارسة ما لهم من حقوق وحريات النظام العام والآداب >> .
وحيث إنه باستقراء أحكام المرسوم بقانون المشار إليه يبين أن الباب الأول منه قد أشتمل على الأحكام المتعلقة بالاجتماعات العامة ، حيث نصـت المادة (1) منه على أن " يعتبر اجتماعاً عاماً في تطبيق أحكام هذا القانون كل اجتماع يحضره أو يستطيع حضوره عشرون شخصاً على الأقل للكلام أو لمناقشة موضوع أو موضوعات عامة أو أمور أو مطالبات تتعلق بفئات معينة " ، وبينت المادة (2) ما لا يعتبر اجتماعاً عاماً في تطبيق أحكام هذا القانون وحصرته في الاجتماعات الدينية المحضة التي تتم في دور العبادة ، والاجتماعات التي تنظمها أو تدعو إليها الجهات الحكومية المختصة ، والاجتماعات التي تعقدها الهيئات النظامية المعترف بها كالنقابات واتحاد أصحاب الأعمال والجمعيات ذات النفع العام والأندية والجمعيات التعاونية والهيئات الرياضية واتحادات هذه الهيئات والشركات التجارية لمناقشة المسائل التي تدخل في اختصاصها طبقاً لنظامها الأساسي ، كما نصت ذات المادة على أنه إذا خرجت هذه الاجتماعات إلى مناقشة موضوعات خارجة عن النطاق السابق اعتبرت اجتماعات عامة وسرت عليها أحكام هذا القانون ، وأفردت المادة (3) لبيان حكم ما جرى به العرف من اجتماعات في الدواوين الخاصة داخل المنازل أو أمامها فنصت على عدم اعتبارها من الاجتماعات العامة إذا كانت للكلام في موضوعات متفرقة دون دعوة عامة لبحث موضوع عام محدد بالذات ، ونصت المادة (4) على انه " لا يجوز عقد اجتماع عام أو تنظيمه إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من المحافظ الذي سيعقد الاجتماع في دائرة اختصاصه ويمنع ويفض كل اجتماع عام عقد دون ترخيص . ويحظر الدعوة إلى أي اجتماع عام أو الإعلان عنه أو نشر أو إذاعة أنباء بشأنه قبـل الحصـول على هذا الترخيـص . " وتكفلت المادتان (5) و(6) بسرد البيانات والتوقيعات التي يجب أن يشتمل عليها طلب الترخيص ، وميعاد تقديم الطلب ، حيث تطلبتا أن يتم تقديمه إلى المحافظ قبل الموعد المحدد لعقد الاجتماع بخمسة أيام على الأقل ، وأن يكون الطلب موقعاً من عدد لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة من المواطنين المقيدين بجداول الانتخاب تبين فيه أسماؤهم ، ومهنهم ، وصفاتهم ، ومحل إقامة كل منهم ، والمكان والزمان المحددان للاجتماع ، والغرض منه ، وإذا لم يخطر المحافظ مقدميه بموافقته على عقده قبل الموعد المحدد له بيومين ، اعتبر ذلك رفضاً للترخيص في عقده، وبينت المادة (7) أحكام الاجتماعات العامة الانتخابية ، وتناولت المادة (8) تجريم حمل السلاح للمشتركين في الاجتماع العام حتى ولو كان هذا السلاح مرخصاً بحمله ، ثم عرفت السلاح في ضوء أحكام هذا القانون ، كما نصت المادة (9) على عدم جواز امتداد الاجتماعات العامة إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة مساء إلا بإذن خاص من المحافظ ، وأوجبت المادة (10) أن يكون لكل اجتماع عام لجنة نظام أبانت دورها ، ونصت على أنه في حالة عدم إتمام انتخاب اللجنة في بدء الاجتماع ، اعتبرت مؤلفة من موقعي طلب عقده حتى ولو لم يحضروا الاجتماع ، وأباحت المادة (11) لرجال الشرطة الحق في حضور الاجتماع وفضه ، كما احتوى الباب الثالث من المرسوم بقانون على بيان بالعقوبات المقررة على مخالفة أحكامه ، ونصت المادة (16) الواردة بهذا الباب على أن " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نظم أو عقد اجتماعاً عاماً . . . دون ترخيـص وكـل مـن دعا إلى ذلك .
ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أو بإحدى هاتيـن العقوبتين كل مـن أعلن أو نشر بأي وسيلة مـن وسائـل النشر دعوة لاجتماع عام . . . دون أن يكون مرخصاً فيه .
ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تتجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اشترك في اجتماع عام . . . غير مرخص فيه . " .
وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون سالف الذكر فيما يتعلق بنص المادة (4) منه << أنه جعل الأصل هو منع الاجتماع العام متى لم يصدر به ترخيص ، وأضاف هذا النص حظر الدعوة إلى اجتماع عام أو الإعلان عنه أو النشر عنه إلا بعد صدور الترخيص بعقده لأن علم الجمهور بموعد الاجتماع ومكانه قد يترتب عليه أثر غير محمود لدى الجمهور إذا ما منع بعد ذلك خاصة وأن كثيرين قد يتوجهون إلى مكان الاجتماع دون علمهم برفض الترخيص بعقده مما يسبب حدوث اضطرابات عند صرف الحاضرين للاجتماع >> .
ولما كان ما تقدم ، وكان الأصل في النصوص القانونية التي ينتظمها موضوع واحد، هو امتناع فصلها عن بعضها ، باعتبار أنها تمثل فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها ، وتتضافر معانيها ، وتتحدد توجهاتها ، وأنه وإن كان لكل نص مضمون مستقل إلا أنه يتداخل مع باقي النصوص ، فلا ينعزل عنها ، بل يُكَوّنُ معها نسيجاً متآلفا، وكان ما ورد بالمادة (4) من المرسوم بقانون من عدم جواز عقد الاجتماع العام وتنظيمه دون الحصول على ترخيص بذلك من السلطة المختصة ، وحظر الدعوة إلى هذا الاجتماع أو الإعلان عنه قبل الحصول على هذا الترخيص ، وما اشتملت عليه المادة (16) من تقرير العقوبة الجزائية على مخالفة هذه الأحكام ، مترتباً على ما تضمنته المادة (1) من بيان بالمقصود ـ في تطبيق أحكام المرسوم بقانون ـ بالاجتماع العام ، والذي يعتبر تعيينه مفترضاً أولياً لانطباق أحكام المادة (4) وإعمال المادة (16) ، وإسباغ الوصف على الاجتماع بأنه اجتماع عام أو انحسار هذا الوصف عنه ، فإن نص المادة (1) يكون مرتبطاً بنص المادتين (4و16) ارتباط لزوم غير قابل للتجزئة أو الفصل ، وإذ تناول الطعن الماثل أحكام هاتين المادتين متوخياً إبطالها ، وكان نص المادة (1) دائراً في إطارها ، فمن ثم يكون داخلاً ـ بحكم الاقتضاء ـ في نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها .
وحيث إنه متى كان ما تقدم جميعه ، وكان الأصل أن حريـات وحقـوق الإنسان لا يستقل أي مشرع بإنشائها ، بل انه فيما يضعه من قواعد في شأنها لا يعدو أن يكون كاشفاً عن حقـوق طبيعية أصيلة، ولا ريب في أن الناس أحرار بالفطرة ، ولهم آراؤهم وأفكارهم ، وهم أحرار في الغدو والرواح ، فرادى ومجتمعين ، وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم ما دام عملهم لا يضر بالأخرين ، وقد غدت حريات وحقوق الإنسان جزءاً من الضمير العالمي واستقرت في الوجدان الإنساني ، وحرصت النظم الديمقراطية على حمايتها وتوفير ضماناتها ، كما درجت الدساتير على إيرادها ضمن نصوصها تبصيراً للناس بها ، ويكون ذلك قيداً على المشرع لا يتعداه فيما يسنه من أحكام ، وقد تطورت هذه الحريات فأضحت نظاماً اجتماعياً وحقاً للأفراد ضرورياً للمجتمعات المدنية لا يجوز التفريط فيه أو التضحية به إلا فيما تمليه موجبات الضرورة ومقتضيات الصالـح المشترك للمجتمع ، والحاصل أن الحريات العامة إنما ترتبط بعضها ببعض برباط وثيق بحيث إذا تعطلت إحداها تعطلت سائر الحريات الأخرى ، فهي تتساند جميعاً وتتضافر ولا يجوز تجزئتها أو فصلها أو عزلها عن بعضها ، كما أن ضمانها في مجموع عناصرها ومكوناتها لازم ، وهي في حياة الأمم أداة لارتقائها وتقدمها ، ومن الدعامات الأساسية التي لا يقوم أي نظام ديمقراطي بدونها ، كما تؤسس الدول على ضوئها مجتمعاتها ، دعماً لتفاعـل مواطنيها معها ، بما يكفـل توثيـق روابطها ، وتطويـر بنيانها ، وتعميق حرياتها.
وحيث إن الدستور فيما نص عليه في المادة (6) من أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي والسيادة فيه للأمة ، ردد في نصوص مواده وفي أكثر من موضع الأحكام والمبادئ التي تحدد مفهوم الديمقراطية التي تلمس طريقها خياراً ، وتشكل معالم المجتمع الذي ينشده سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية وهي جوهر الديمقراطية ، أو بكفالة الحريات والحقوق العامة وهى هدفها ، أو بالمشاركة في ممارسة السلطة وهى وسيلتها ، كما ألقت المذكرة التفسيرية للدستور بظلالها على دور رقابة الرأي العام ، وأن الحكم الديمقراطي يأخذ بيدها ، ويوفر مقوماتها وضماناتها ، وأن هذه الرقابة تمثل العمود الفقري في شعبية الحكم ، حيث أوردت المذكرة التفسيرية في هذا المقام أن<< هذه المقومات والضمانات في مجموعها هي التي تفيء على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية ، فتكفل لهم ـ إلى جانب حق الانتخاب السياسي ـ مختلف مقومات الحرية الشخصية ( في المواد 30و31و32و33و34 من الدستور ) وحرية العقيدة (المادة 35) وحرية الرأي (المادة36) وحريـة الصحافـة والطباعـة والنشر (المادة 37) وحرية المراسلة (المادة 39) وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة43) وحرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات (المادة 44) وحق تقديم العرائض إلى السلطات العامة (المادة 45) وفي جو مليء بهذه الحريات ينمو حتماً الوعي السياسي ويقوي الرأي العام . . . >> .
وإذ كان الأمر كذلك ، وكان مبدأ السيادة الشعبية ـ جوهـر الديمقراطية وعمادها ـ لازمه أن يكون للشعب ممثلاً في نوابه بالمجلس النيابي الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن يكون لأفراد الشعب أيضاً رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر ، مما يغدو معه الحق في الرقابة الشعبية فرعاً من حرية التعبير ، ونتاجاً لها ، فلا يجوز والأمر كذلك وضع قيود على هذا الحق على غير مقتض من طبيعته ومتطلبات ممارسته ، ومصادرة هذه الحرية أو فصلها عن أدواتها ووسائل مباشرتها ، وإلا عد ذلك هدماً للديمقراطية في محتواها المقرر في الدستور .
وحيث إن حق الاجتماع بما يعنيه من مكنة الأفراد في التجمع في مكان ما فترة من الوقـت للتعبير عن أرائهـم فيمـا يعـن لهـم من مسائـل تهمهم ، وما يـرمي إليه ـ بالوسائل السلمية ـ من تكوين إطار يضمهم لتبادل الفكر وتمحيص الرأي بالحوار أو النقاش أو الجـدال توصلاً من خلال تفاعل الآراء إلى أعظمها سداداً ونفعاً ، هذا الحق سواء كان مستقلاً عن غيره من الحقوق ، أو بالنظر إلى أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلاً لأهم قنواتها محققاً من خلالها أهدافها ، فإنه لا يجوز نقضه لما من شأن ذلك أن يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستنداً إلى الإرادة الشعبية .
ولما كان ذلك ، وكان الدستور قد كفل للأفراد حرياتهم في الاجتماعات الخاصة دون أن يخضعها لأي تنظيم لتعلقها بحرية حياتهم الخاصة ، وذلك دون حاجة لهم إلى إذن سابق ، أو إشعار أي جهة بها مقدماً ، ولا يجوز لقوات الأمن إقحام نفسها على هذه الاجتماعات إلا إذا كان الأمر متعلقاً بارتكاب جريمة من الجرائم المعاقب عليها قانوناً جرى الإبلاغ عنها ، أما بالنسبة للاجتماعات العامة فقد أباحها الدستور وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ، وأن تكون ممارسة هذا الحق في إطار التزام الأفراد بواجبهم العام بمراعاة الحفاظ على النظام العام والآداب العامة على النحو الذي تطلبه الدستور في المادة (49)، وإنه ولئن عهد الدستور جانب التنظيم في شأن هذه الاجتماعات إلى القانون ، إلا انه ينبغي ألا يتضمن هذا التنظيم الإخلال بهذا الحق أو الانتقاص منه وأن يلتزم بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور ، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحق ، أو تعطيل جوهره أو تجريده من خصائصه أو تقييد آثاره أو خرج عن الحدود والضوابط التي نص عليها الدستور وقع القانون ـ فيما تجاوز فيه دائرة التنظيم ـ مخالفاً للدستور .
وحيث إن المادة (4) من المرسوم بقانون ، وإذ جاء نصها على عدم جواز عقد اجتماع عام أو تنظيمه إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من المحافظ الذي سيعقد الاجتماع في دائرة اختصاصه ، فضلاً عن منع وفض كل اجتماع عقد دون ترخيص، وحظر الدعوة إلى أي اجتماع عام أو الإعلان عنه أو نشر أو إذاعة أنباء بشأنه قبل الحصول على هذا الترخيص ، وجعل هذا النص الأصل في الاجتماعات العامة هو المنع، وأباحها استثناء ، وأقام هذا الاستثناء على أساس واحد هو سلطة الإدارة المطلقة حيال هذه الاجتماعات دون حد تلتزمه ، أو قيد تنزل على مقتضاه ، أو معيار موضوعي منضبط يتعين مراعاته دوماً ، مخولاً لها هذا النص اختصاصاً غير مقيد لتقدير الموافقة على منح الترخيص به ، أو عدم الموافقة عليه ، وبغير ضرورة موجبة تقدر بقدرها فتدور معها القيود النابعة عنها وجوداً وعدماً ، بحيث تتمخض سلطة الإدارة ـ في نهاية المطاف ـ سلطة طليقة من كل قيد لا معقب عليها ولا عاصم منها ، ومما يزيد من تداعيات حكم هذا النص ما تناولته المادة (1) من تعريف للاجتماع العام ، والذي يعد مفترضاً أولياً للحصول على الترخيص به ، وإعمال المادة (16) فيما تضمنته من تقرير العقوبة الجزائية على مخالفة حكم المادة (4) المشار إليها ، إذ جعلت المادة (1) المعيار الذي يفرق بين الاجتماع العام والاجتماع الخاص منصباً في أمرين : أولهما : أن يعقد للكلام أو لمناقشة موضوع أو موضوعات عامة أو أمور أو مطالبات تتعلق بفئات معينة . ثانيهما : أن يحضره أو يستطيع حضوره عشرون شخصاً على الأقل ، بما مؤداه أن فيصل التفرقة بين الاجتماعات العامة والاجتماعات الخاصة هو بموضوع الاجتماع لا بالمكان ، فليس كل مكان خاص يمكن أن يكون الاجتماع فيه خاصاً ولا كل مكان عام يعتبر الاجتماع فيه عاماً ، فقد يكون الاجتماع عاماً والمكان خاصاً ، وقد يكون الاجتماع خاصاً والمكان عاماً ، وموضوع الاجتماع قد يكون عاماً وقد يكون خاصاً بفئات معينة ، كما تطلب النص لإسباغ هذا الوصف على الاجتماع أن يحضره ( عشرون شخصاً على الأقل ) ، ثم اتبع ذلك عبارة " أو يستطيع حضوره " ( عشرون شخصاً على الأقل ) بما من شأنه استغراق هذا الوصف لأي اجتماع حتى ولو كان عدد الحاضرين فيه يقل عن العدد المشار إليه ، وقد صيغت عبارات هذه المادة مرنة ، بالغة العموم والسعة، ، غير محددة المعنى ، مبهمة ، لا سيما عبارة " موضوعات عامة " وعبـارة " فئـات معينـة " والتي ليـس لهـا مدلـول محـدد ، فضـلاً عمـا تحملـه عبـارة " أو يستطيع حضوره " من معنى الاحتمال أو الظن أو التخمين ، وإمكان انصرافها إلى أي اجتماع ولو كان خاصاً ، وهو بما يجعل عبارات هذا النص في جملتها تؤول في التطبيق في إطارها الفسيح إلى إطلاق العنان لسوء التقدير ، كما يفضي عموم عباراتها واتساعها إلى إطلاق سلطة الإدارة في إسباغ وصف الاجتماع العام على أي اجتماع ، وأياً كان موضوعه أو مجاله ، وفي إطلاق يتأبى بذاته مع صحيح التقدير لما أراده الدستور حين عهد إلى القانون بتنظيم حق الاجتماع قاصداً ضمانه ، وتقرير الوسائل الملائمة لصونه وهي أكثر ما تكون لزوماً في مواجهة القيود التي تقوض هذا الحق أو تحد منه ، وأن يكون أسلوباً قويماً للتعبير عن الإرادة الشعبية من خلال الحوار العام ، ولا يتصور أن يكون قد قصد الدستـور من ذلك أن يتخـذ من هذا التنظيم ذريعة لتجريد الحق مـن لوازمه ، أو العصف به ، وإطلاق سلطة الإدارة في إخفات الآراء بقوة القانون ، أو منحها سلطة وصاية تحكمية على الرأي العام ، أو تعطيل الحق في الحوار العام ، وذلك من خـلال نصوص تتعدد تأويلاتها ، مفتقدة التحديد الجازم لضوابط تطبيقها ، مفتقرة إلى عناصر الضبط والإحكام الموضوعي ، منطوية على خفاء وغموض مما يلتبس معناها على أوساط الناس ، ويثار الجدل في شأن حقيقة محتواها بحيث لا يأمن أحد معها مصيراً ، وأن يكون هذا التجهيل موطئاً للإخلال بحقوق كفلها الدستور كتلك المتعلقة بالحرية الشخصية وحرية التعبير وحق الاجتماع ، وضمان تدفق الآراء من مصادرها المختلفة ، فسلطة التنظيم حدها قواعد الدستور ، ولازمها ألا تكون النصوص شباكاً أو شراكاً يلقيها القانون متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتهـا ولا يبصرون مواقعها ، لا سيما وقد تعلقت هذه النصوص بنصوص جزائية لا غنى عن وجوب أن يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها والوقوف على مقصودها ومجال تطبيقها فلا يكون سلوكهم مجافياً لها بل متفقاً معها ونزولاً عليها ، فلا تنال النصوص من بريء ، ولا يضار منها غير آثم أو مخطئ أو مسيء ، والحاصل أنه وإن كان غموض النصوص التشريعية عامة يعيبها ، إلا أن غموض النصوص لا سيما المتعلقة منها بنصوص جزائية خاصة يصمها بعدم الدستورية ، لما يمثله ذلك من إخلالٍ بالحقوق الجزائية ، وبقيمها ، وضوابطها ، وأهدافها ، وقواعدها الإجرائية والتي تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية والتي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية الجزائية بما تؤمنه له المادة (34) من الدستور من نظام يتوخى بأسسه صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وإذ خالف نص المادة (16) ذلك مقرراً عقوبة جزائية في شأن عدم الحصول على ترخيص في الاجتماع العام ، وجاء نص المادة (1) بالصيغة التي أفرغ فيها قاصراً عن تحديده من خلال معيار منضبط له ، ومفتقداً التحديد الجازم لضوابط تطبيقه ، فإن النص يكون بذلك قد أخل بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور ، وإذ جهل المرسوم بقانون في المادة (1) منه حدود الاجتماعات العامة التي يسري عليها والذي يعتبر تعيينها مفترضاً أولياً للترخيص به طبقاً للمادة (4) وإعمال النص الجزائي الوارد بالمادة (16) المترتب على عدم الحصول عليه ، فإن نص المادة (1) باتصاله بنص المادة (4) بإطلاقاته واستباحاته غير المقيدة وغير المحـددة يكون مجاوزاً دائرة التنظيم ، مناقضاً لأحكام الدستور لإخلاله بالحقـوق التي كفلها في مجال حرية التعبير وحق الاجتماع ، والتي وفرها الدستور للمواطنين طبقاً للمادتين (36) و(44) منه .
وحيـث إنـه ترتيبـاً على مـا تقـدم ، يتعين الحكم بعدم دستورية المادتين (1) و(4) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات لمخالفتها المواد (30) و(34) و(36) و(44) من الدستور ، ولما كانت المواد (2) و(3) و(5) و(6) و(8) و(9) و(10) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) من المرسوم بقانون المشار إليه مترتبة على المادتين (1) و(4) بما مؤداه ارتباط هذه النصوص ببعضها البعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة ، فإن عدم دستورية المادتين (1) و(4) وإبطال أثرها ، يستتبع ـ بحكم اللزوم والارتباط ـ أن يلحق هذا الإبطال النصوص المشار إليها وذلك فيما تضمنته تلك النصوص متعلقاً بالاجتماع العام ، دون أن يستطيل ذلك الإبطال لما تعلق منها بالمواكب والمظاهرات والتجمعات والتي تخرج عن نطاق الطعن الماثل .
فلهـذه الأسبــاب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم دستورية المادتين (1) و(4) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شـأن الاجتماعات العامـة والتجمعات.
ثانياً : بعـدم دستورية نصوص المواد (2) و(3) و(5) و(6) و(8) و(9) و(10) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) من المرسوم بقانون المشار إليه ، وذلك فيما تضمنته تلك النصوص متعلقاً بالاجتماع العام .
أمين سر الجلسة رئيس المحكمة
باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
المحكمة الدستورية
بالجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ 3 من ربيع الآخر 1427 هـ الموافق الأول من مايو 2006 م
رئيــس المحكمــة راشـد عبد المحسن الحماد / برئاسة السيد المستشـــار
فيصل عبد العزيز المرشـد و يوسـف غنـام الرشيــد / وعضوية السادة المستشارين
راشد يعقـوب الشــراح و كاظم محمــد المزيــدي و
أمين سـر الجلســة علــي حمــد الصقــر / وحضــور السيــــد
صـدر الحكم الآتى :
في الدعوى المحالة من المحكمة الكلية ( دائرة الجنح ) رقم 223 لسنة 2004 حصر الأحمدي ( 9 لسنة 2004 جنح المباحث ) :
المقامة مـن : النيابـة العامــة .
ضــــــد : 1ـ ......................... .
2ـ ...........................
والمقيدة بسجل المحكمة الدستورية برقم (1) لسنة 2005 " دستوري " .
الوقائــع
حيث إن حاصـل الوقائـع ـ حسبما يبين من حكـم الإحالة وسائر الأوراق ـ أن النيابة العامـة أقامـت الدعـوى الجزائية رقـم 223 لسنة 2004 جنح الأحمدي ضـد : 1ـ ............ 2ـ .................. ، لأنهما في يومي 19و20/3/2004 بدائـرة مخفـري شرطـة الظهــر والأنـدلس بمحافظة الأحمدي أعلنا ، ورعيا ، ونظما ، وعقدا اجتماعاً عاماً لمناقشة موضوعات عامة حضره أكثـر من 20 شخصاً بدون ترخيص من الجهة المختصة وذلـك بالمخالفة لنصوص المواد (1) و(4) و(5/1) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات ، وطلبت النيابة العامة معاقبتهما طبقاً لنص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (16) منه .
وأثناء نظـر الدعـوى أمـام المحكمة مثل المتهم الأول بشخصه أمامها ، ودفع المحاميان الحاضران معه بعدم دستورية نص المادتين (4) و (16) من المرسوم بقانون المشار إليه لمخالفتها المادة (44) من الدستور ، كما قدم المحامي الحاضر عن المتهم الثاني ـ الذي لم يحضر الجلسة المشار إليها ـ مذكرة ضمنها ذات الدفع، كما دفع بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 برمته لصدوره متعارضاً مع المادة (50) من الدستور ، وبالمخالفة للمادة (79) منه .
وبجلسة 25/10/2004 بعد أن تراءى للمحكمة جدية الدفع المبدى بعدم الدستورية قضت بوقف الدعوى ، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية نص المادتين (4) و(16) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات .
وقـد ورد ملـف الدعوى إلى إدارة كتاب هذه المحكمة حيث قيدت بسجلها برقم (1) لسنة 2005 " دستوري " وجرى إخطار ذوي الشأن بذلك ، وأودع كل من المتهمين مذكرة ردد فيها ما سبق توجيهه إلى المرسوم بقانون سالف الذكر من مثالب دستورية ، وصمم كل منهما فيها على طلباته ، وأودعت إدارة الفتوى والتشريع نيابة عن الحكومة ـ باعتبارها من ذوي الشأن طبقاً للمادة (25) من لائحة المحكمة الدستورية ـ مذكرة انتهت فيها إلى طلب الحكم برفض الدعوى ، كما أودعت النيابة العامة ـ باعتبارها من ذوي الشأن طبقاً للمادة (15) من لائحة المحكمة الدستورية لتعلق الدعوى الماثلة بنصوص جزائية ، وبوصفها الأمينـة على الدعـوى العموميـة والخصـم الأصيل فيها ـ مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدعوى .
ونظرت هذه المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحاضر جلساتها ، وقررت إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع المرافعة ، وبعد المداولة .
حيث إنه من المقرر ـ في قضاء هذه المحكمة ـ أن ولايتها في الرقابة القضائية على دستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى طبقاً للأوضاع الإجرائية الخاصة بنظام التداعي أمامها ، ومن خلال الوسائل التي حددتها المادة الرابعة من قانون إنشاء المحكمة رقم (14) لسنة 1973 ، ومن بينها الإحالة من إحدى المحاكم بناء على دفع مبدى من أحد أطراف النزاع ـ سواء بنفسه أو بواسطة محاميه الموكل عنه ـ بعدم دستورية نص تشريعي ، بعد أن تقدر المحكمة جدية هذا الدفع ، ولزومه للفصل في الدعوى الموضوعية ، وترجيح الظن بمخالفة النص التشريعي لأحكام الدستور ، على أنه يتعين ـ وحسبما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ لصحة اتصال الدعوى بها، وكشرط لقبولها ، أن يكون القرار الصادر بالإحالة متضمناً ما ينبئ عن تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع ، دالاً على تحديد المسألة الدستورية التي يراد الفصل فيها ، كاشفاً عن ماهيتها ، وتحديد نطاقها بما ينفي التجهيل بها ، وإنه وإن كان لمحكمة الموضوع الاختصاص في تقدير مدى جدية الدفع إلا أن هذه المحكمة بما لها من سلطة الإشراف على إجراءات الدعوى الدستورية هـي التي تتولى تقدير مدى توافر شرائط قبولها ، والتثبت من جديتها .
ولما كان ذلك ، وكان الحاصل انه أثناء نظر محكمة الموضوع للقضية بجلستها المنعقدة في 11/10/2004 ـ على النحو الثابت بمحضرها ـ مثل المتهم الأول بشخصه أمامها ، حيث دفع المحاميان الحاضران معه بعدم دستورية المادتين (4) و(16) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات لمخالفتها المادة (44) من الدستور ، وذلك في حضوره وبغير اعتراض منه، وهو ما يتحقق به توافر شرط الصفة المتطلبة في إبداء الدفع ، هذا وقد تضمنت المذكرتان المقدمتان إلى المحكمة من المتهم ما يساند أوجه النعي على هاتين المادتين ، كما اشتملت المذكرة المقدمة ـ بذات الجلسة ـ من الحاضر عن المتهم الثاني على بيان بالمخالفات الشكلية والموضوعية الموجهة إلى المرسوم بقانون سالف الذكر ، والنصوص الدستورية المدعى بمخالفتها ، وأوجه هذه المخالفات ، وحاصلها أن المرسوم بقانون صدر خلال فترة تعطيل الحياة النيابية مما كان يستوجب عرضه على مجلس الأمة عند انعقاده ـ بعد عودة الحياة النيابية ـ لإقراره ، باعتبار أن المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة مجلس الأمة تبقى إعمالاً للدستور بإرادة المجلس ، فله أن يبقي ما يبقي ويذر ما يذر ، وهو ما لم يتم بالنسبة إلى هذا المرسوم بقانون ، بما يصمه بعدم الدستورية من الناحية الشكلية لصدوره متعارضاً مع مبدأ فصل السلطات المقـرر طبقاً للمادة (50) من الدستور ، وبالمخالفة للمادة (79) منه التي نصت على أن لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة ، كما انطوت المذكرة سالفة الذكر على ذات الدفع المثار من المتهم الأول والذي انصرف إلى النعي بعدم دستورية المادة (4) من المرسوم بقانون المشار إليه ، وذلك فيما فرضته من قيود وإجراءات يتحتم على الأفراد اتخاذها في خصوص الاجتماعات العامة ، من شأنها التضييق عليهم في ممارسة حرياتهم الأساسية في الاجتماع والتعبير المستمدة أصلاً من الدستور ، فضلاً عن تقويض الحق في الاجتماع ذاته تحت ستار هذه القيود وتلك الإجراءات من خلال تنظيمه، إذ جعل نص تلك المادة الأصل في الاجتماع العام هو المنع ، ومن عقد هذا الاجتماع وتنظيمه فعلاً مؤثماً ، وفي الدعوة إليه أو الإعلان عنه أو نشر أو إذاعة أنباء بشأنه أمراً محظوراً، ومنح سلطة الإدارة الحق في منعه وفضه في حالة عدم تقيد الأفراد باتباع الإجراءات المفروضة وعدم الحصول على الترخيص اللازم من الجهة المختصة والتي عهد إليها الموافقة أو عدم الموافقة على إصداره ، مع ملاحقتهم بالعقاب بمقتضى نص المادة (16) بما ينال من حرياتهم في الاجتماع والتعبير عن آرائهم ، في حين أن حق الاجتماع ليس منحة من الإدارة تمنعها أو تمنحها كما تشاء ، بل هو في الأساس أمر مباح ، وحق أصيل للأفراد متى كانت أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب حسبما نصت عليه المادة (44) من الدستور ، وإذ جـاء قضاء محكمة الموضوع بالإحالة ـ ترتيباً على ذلك ـ وعلى نحو ما تضمنه من وقائع بحسب ترابطها المنطقي منبئاً عن جدية الدفع المثار في شأن المادتين (4) و(16) من المرسوم بقانون المشار إليه ، ومنصرفاً إلى هاتين المادتين ، كاشفاً بذلك عن ماهية المسألة الدستورية وتحديد نطاقها ، كمـا جاء وقف المحكمة للدعوى تبعاً لذلك ـ نتيجة لتقديرها جدية هذا الدفع ـ دالاً على لزوم الفصل في المسألة الدستورية قبل الفصل في الدعوى الموضوعية المطروحة عليها دون ما حاجة إلى دليل آخر لإثبات ذلك ، بما يعد أمراً كافياً يتحقق به اتصال الدعوى بهذه المحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع الإجرائية المقررة، فمن ثم يغدو الدفع المثار من إدارة الفتوى والتشريع والنيابة العامة بعدم قبول الدعوى المبني على القول بعدم اتصالها بهذه المحكمة اتصالاً صحيحاً ، وورود قرار الإحالة قاصراً عما يفيد إعمال المحكمة تقديرها لجدية الدفع وتحديد المسألة الدستورية ، هو دفع في غير محله ، متعيناً رفضه .
وحيـث إن هـذه المحكمة لاحظـت من مطالعتها للمرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات ـ على نحو ما ورد بديباجته ـ أنه صدر خلال تعطيل الحياة النيابية بالبلاد استناداً إلى الأمر الصادر بتاريخ 4 من رمضـان سنـة 1396 هـ الموافـق 29 أغسطس سنة 1976 م بتنقيح الدستـور ـ والذي تضمن هذا الأمر ـ حل مجلس الأمة ، وتولي الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة بموجب الدستور ، وإصدار القوانين بمراسيم أميرية ، مع جواز إصدارها بأوامر أميرية عند الضرورة ، كما تبين لها من مطالعة مضبطة مجلـس الأمة بالجلسة ( الثالثة / أ ) المنعقدة يوم الثلاثاء الموافق 17/11/1981 أنه قد جرى عرض المرسوم بقانون المشار إليه على مجلس الأمة حيث تمت مناقشته في جلسة سرية ، ثم وافق المجلس بالجلسة رقم ( 419/أ ) على التقرير الثامن عشر للجنة الشئون الداخلية والدفاع الخاص بالمرسوم بقانـون رقم 65 لسنة 1979 وإبـلاغ الحكومة بـذلك ، كما لاحظت أيضاً أن هذا المرسوم بقانون قد جرى العمل به وتطبيقه باعتباره تشريعاً نافذاً بالبلاد .
ولما كان ذلك ، وكان من المقرر ـ وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة ـ أن نطاق الدعوى الدستورية ـ في حالة الإحالة عن طريق الدفع الفرعي ـ إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع ، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته ، وإذ كان نطاق هذا الدفع قد انصب ـ أساساً ـ على المادتين (4) و(16) من المرسوم بقانون المشار إليه ـ على نحو ما ورد بقرار الإحالة ـ فإن نطاق الدعوى الماثلة يكون منصرفاً إلى هاتين المادتين ، محدداً بهذا النطاق ، إلا أنه مما هو غني عن البيان في هذا المقام أن هذه المحكمة لدى إعمال ولايتها وممارسة اختصاصها في تقرير قيام المخالفة الدستورية التي علقت بالنص التشريعي المدعى بعدم دستوريته أو نفيها ، عليها ـ في إطار ما وسده إليها الدستور وقانون إنشائها ـ أن تقيم المخالفة الدستورية إذا ما ثبت صحتها على ما يتصل بها من نصوص الدستور ، كما عليها أيضاً أن تنزل قضاءها على النصوص التشريعية التي ترتبط بالنص التشريعي المختصم متى كان ارتباطها به ارتباط لزوم لا انفصام فيه ، طالما أن نطاق الدعوى الدستورية المطروحة عليها يمتد تبعاً إلى شمولها لزوماً .
وحيث إن مبنى النعي على المادتين سالفتي الذكر ، حاصله أن المادة (4) جعلت الأصل في الاجتماع العام هو المنع ، ومنحت سلطة الإدارة إزاء الاجتماعات العامة سلطات واسعة دون ضابط أو قيد وفي إطلاق يتأباه كون حرية الاجتماع وحرية التعبير من الحريات العامة التي كفلها الدستور ، متطلبة هذه المادة الحصول على ترخيص من السلطة المختصة ، والذي عمد المرسوم بقانون إلى الإسراف في وضع القيود عليه ، كما منحت سلطة الإدارة الحق في منع الاجتماع وفضه ، بما مؤداه التضييق على الأفراد في استعمالهم لحرياتهم في الاجتماع والتعبير عن الرأي ، كما لم يكتف المرسوم بقانون بتقرير المسئولية على إساءة استعمال الأفراد لحرياتهم ، وإنما فرض العقاب عليهم بمقتضى المـادة (16) منه بما يناقض الأغـراض المقصـودة مـن إرسائها .
وحيث إن الدستور أفرد باباً خاصاً هو الباب الثالث منه للحقوق والواجبات العامة إكباراً لها وتقديراً لأهميتها وإعلاءً لشأوها ، وأحاطها بسياج من الضمانات كافلاً صونها وحمايتها ، وقد جمع هذا الباب نوعين من الحقوق : الأول : المساواة ، والثاني : الحريات المختلفة وقرن إلى ذلك بعض ما يرتبط بهما من أحكام ، ويستخلص من النصوص التي جاءت في هذا الشأن أنها وضعت في جانب منها قيداً على سلطة المشرع فيما يسنه من قوانين تنظيماً لها ، بألا يجاوز الحدود والضوابط التي فرضتها هذه النصوص ، أو ينال من أصل الحق ، أو يحد من ممارسته ، أو يحيد عن الغاية من تنظيمه على الوجه الذي لا ينقض معه الحق أو ينتقص منه ، كما وضعت هذه النصوص في جانب آخر قيداً عاماً على الأفراد في ممارسة حقوقهم وحرياتهم بوجوب مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة ، باعتبار ذلك واجباً عليهم ، فجرى نص المادة (30) الـواردة بهذا الباب على أن" الحرية الشخصية مكفولة " ، كما نصت المادة (36) على أن " حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو غيرهما ، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون " ، ونصت المـادة (44) على أن " للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطـار سابـق ، ولا يجـوز لأحـد من قـوات الأمن حضور اجتماعاتهـم الخاصـة.
والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب ." .
وقد أوردت المذكرة التفسيرية للدستـور فيما يتعلق بهذا الشـأن أن هذه المادة << تحفظ لاجتماعات الناس الخاصة حريتها فلا يجوز للقانون ـ ولا للحكومة من باب أولى ـ أن توجب الحصول على إذن بهذه الاجتماعات أو إخطار أي جهة عنها مقدماً ، كما لا يجوز لقوات الأمن إقحام نفسها على تلك الاجتماعات ، ولكن هذا لا يمنع الأفراد أنفسهم من الاستعانة برجال الشرطة وفقاً للإجراءات المقررة لكفالة النظام أو ما إلى ذلك من أسباب أما الاجتماعات العامة سواء كانت في صورتها المعتادة في مكان معين لذلك أو أخذت صورة مواكب تسير في الطريق العام ، أو تجمعات يتلاقى فيها الناس في ميدان عام مثلا ، فهذه على اختلاف صورها السابقة لا تكون إلا " وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون " وبشرط " أن تكون أغراض الاجتماع ( أو الموكب أو التجمع ) ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب " وتحديد المعنى الدقيق للاجتماع العام والمعيار الذي يفرق بينه وبين الاجتماع الخاص أمر يبينه بالتفصيل اللازم القانون الذي يصدر بهذا الخصوص . ولا يخفي كذلك أن ضمانات " الاجتماع الخاص " التي نصت عليها هذه المادة لا تعني السماح باستغلال هذه الحرية لارتكاب جريمة أو تآمر يحظره القانون ، فهذه الحالة يضع لها القانون الجزائي وقانون الإجراءات الجزائية الأحكام اللازمة لضمان أمن الدولة وسلامة الناس بما تتضمنه هذه الأحكام من عقوبات وإجراءات وقائية تحول دون ارتكاب الجريمة وتعقب مرتكبها ولو كان شخصاً واحداً معتصماً بمسكنه وليس اجتماعاً خاصاً في هذا المسكن >> .
كما أوردت المذكرة التفسيرية في مجال الحقوق والحريات بصفة عامة << أن الحريات تلتزم بقيد عام لا يحتاج لنص خاص ، وإن ورد النص عليه صراحة في المادة (49) من الدستور ، وهو أن يراعي الناس في ممارسة ما لهم من حقوق وحريات النظام العام والآداب >> .
وحيث إنه باستقراء أحكام المرسوم بقانون المشار إليه يبين أن الباب الأول منه قد أشتمل على الأحكام المتعلقة بالاجتماعات العامة ، حيث نصـت المادة (1) منه على أن " يعتبر اجتماعاً عاماً في تطبيق أحكام هذا القانون كل اجتماع يحضره أو يستطيع حضوره عشرون شخصاً على الأقل للكلام أو لمناقشة موضوع أو موضوعات عامة أو أمور أو مطالبات تتعلق بفئات معينة " ، وبينت المادة (2) ما لا يعتبر اجتماعاً عاماً في تطبيق أحكام هذا القانون وحصرته في الاجتماعات الدينية المحضة التي تتم في دور العبادة ، والاجتماعات التي تنظمها أو تدعو إليها الجهات الحكومية المختصة ، والاجتماعات التي تعقدها الهيئات النظامية المعترف بها كالنقابات واتحاد أصحاب الأعمال والجمعيات ذات النفع العام والأندية والجمعيات التعاونية والهيئات الرياضية واتحادات هذه الهيئات والشركات التجارية لمناقشة المسائل التي تدخل في اختصاصها طبقاً لنظامها الأساسي ، كما نصت ذات المادة على أنه إذا خرجت هذه الاجتماعات إلى مناقشة موضوعات خارجة عن النطاق السابق اعتبرت اجتماعات عامة وسرت عليها أحكام هذا القانون ، وأفردت المادة (3) لبيان حكم ما جرى به العرف من اجتماعات في الدواوين الخاصة داخل المنازل أو أمامها فنصت على عدم اعتبارها من الاجتماعات العامة إذا كانت للكلام في موضوعات متفرقة دون دعوة عامة لبحث موضوع عام محدد بالذات ، ونصت المادة (4) على انه " لا يجوز عقد اجتماع عام أو تنظيمه إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من المحافظ الذي سيعقد الاجتماع في دائرة اختصاصه ويمنع ويفض كل اجتماع عام عقد دون ترخيص . ويحظر الدعوة إلى أي اجتماع عام أو الإعلان عنه أو نشر أو إذاعة أنباء بشأنه قبـل الحصـول على هذا الترخيـص . " وتكفلت المادتان (5) و(6) بسرد البيانات والتوقيعات التي يجب أن يشتمل عليها طلب الترخيص ، وميعاد تقديم الطلب ، حيث تطلبتا أن يتم تقديمه إلى المحافظ قبل الموعد المحدد لعقد الاجتماع بخمسة أيام على الأقل ، وأن يكون الطلب موقعاً من عدد لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة من المواطنين المقيدين بجداول الانتخاب تبين فيه أسماؤهم ، ومهنهم ، وصفاتهم ، ومحل إقامة كل منهم ، والمكان والزمان المحددان للاجتماع ، والغرض منه ، وإذا لم يخطر المحافظ مقدميه بموافقته على عقده قبل الموعد المحدد له بيومين ، اعتبر ذلك رفضاً للترخيص في عقده، وبينت المادة (7) أحكام الاجتماعات العامة الانتخابية ، وتناولت المادة (8) تجريم حمل السلاح للمشتركين في الاجتماع العام حتى ولو كان هذا السلاح مرخصاً بحمله ، ثم عرفت السلاح في ضوء أحكام هذا القانون ، كما نصت المادة (9) على عدم جواز امتداد الاجتماعات العامة إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة مساء إلا بإذن خاص من المحافظ ، وأوجبت المادة (10) أن يكون لكل اجتماع عام لجنة نظام أبانت دورها ، ونصت على أنه في حالة عدم إتمام انتخاب اللجنة في بدء الاجتماع ، اعتبرت مؤلفة من موقعي طلب عقده حتى ولو لم يحضروا الاجتماع ، وأباحت المادة (11) لرجال الشرطة الحق في حضور الاجتماع وفضه ، كما احتوى الباب الثالث من المرسوم بقانون على بيان بالعقوبات المقررة على مخالفة أحكامه ، ونصت المادة (16) الواردة بهذا الباب على أن " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نظم أو عقد اجتماعاً عاماً . . . دون ترخيـص وكـل مـن دعا إلى ذلك .
ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أو بإحدى هاتيـن العقوبتين كل مـن أعلن أو نشر بأي وسيلة مـن وسائـل النشر دعوة لاجتماع عام . . . دون أن يكون مرخصاً فيه .
ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تتجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اشترك في اجتماع عام . . . غير مرخص فيه . " .
وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون سالف الذكر فيما يتعلق بنص المادة (4) منه << أنه جعل الأصل هو منع الاجتماع العام متى لم يصدر به ترخيص ، وأضاف هذا النص حظر الدعوة إلى اجتماع عام أو الإعلان عنه أو النشر عنه إلا بعد صدور الترخيص بعقده لأن علم الجمهور بموعد الاجتماع ومكانه قد يترتب عليه أثر غير محمود لدى الجمهور إذا ما منع بعد ذلك خاصة وأن كثيرين قد يتوجهون إلى مكان الاجتماع دون علمهم برفض الترخيص بعقده مما يسبب حدوث اضطرابات عند صرف الحاضرين للاجتماع >> .
ولما كان ما تقدم ، وكان الأصل في النصوص القانونية التي ينتظمها موضوع واحد، هو امتناع فصلها عن بعضها ، باعتبار أنها تمثل فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها ، وتتضافر معانيها ، وتتحدد توجهاتها ، وأنه وإن كان لكل نص مضمون مستقل إلا أنه يتداخل مع باقي النصوص ، فلا ينعزل عنها ، بل يُكَوّنُ معها نسيجاً متآلفا، وكان ما ورد بالمادة (4) من المرسوم بقانون من عدم جواز عقد الاجتماع العام وتنظيمه دون الحصول على ترخيص بذلك من السلطة المختصة ، وحظر الدعوة إلى هذا الاجتماع أو الإعلان عنه قبل الحصول على هذا الترخيص ، وما اشتملت عليه المادة (16) من تقرير العقوبة الجزائية على مخالفة هذه الأحكام ، مترتباً على ما تضمنته المادة (1) من بيان بالمقصود ـ في تطبيق أحكام المرسوم بقانون ـ بالاجتماع العام ، والذي يعتبر تعيينه مفترضاً أولياً لانطباق أحكام المادة (4) وإعمال المادة (16) ، وإسباغ الوصف على الاجتماع بأنه اجتماع عام أو انحسار هذا الوصف عنه ، فإن نص المادة (1) يكون مرتبطاً بنص المادتين (4و16) ارتباط لزوم غير قابل للتجزئة أو الفصل ، وإذ تناول الطعن الماثل أحكام هاتين المادتين متوخياً إبطالها ، وكان نص المادة (1) دائراً في إطارها ، فمن ثم يكون داخلاً ـ بحكم الاقتضاء ـ في نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها .
وحيث إنه متى كان ما تقدم جميعه ، وكان الأصل أن حريـات وحقـوق الإنسان لا يستقل أي مشرع بإنشائها ، بل انه فيما يضعه من قواعد في شأنها لا يعدو أن يكون كاشفاً عن حقـوق طبيعية أصيلة، ولا ريب في أن الناس أحرار بالفطرة ، ولهم آراؤهم وأفكارهم ، وهم أحرار في الغدو والرواح ، فرادى ومجتمعين ، وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم ما دام عملهم لا يضر بالأخرين ، وقد غدت حريات وحقوق الإنسان جزءاً من الضمير العالمي واستقرت في الوجدان الإنساني ، وحرصت النظم الديمقراطية على حمايتها وتوفير ضماناتها ، كما درجت الدساتير على إيرادها ضمن نصوصها تبصيراً للناس بها ، ويكون ذلك قيداً على المشرع لا يتعداه فيما يسنه من أحكام ، وقد تطورت هذه الحريات فأضحت نظاماً اجتماعياً وحقاً للأفراد ضرورياً للمجتمعات المدنية لا يجوز التفريط فيه أو التضحية به إلا فيما تمليه موجبات الضرورة ومقتضيات الصالـح المشترك للمجتمع ، والحاصل أن الحريات العامة إنما ترتبط بعضها ببعض برباط وثيق بحيث إذا تعطلت إحداها تعطلت سائر الحريات الأخرى ، فهي تتساند جميعاً وتتضافر ولا يجوز تجزئتها أو فصلها أو عزلها عن بعضها ، كما أن ضمانها في مجموع عناصرها ومكوناتها لازم ، وهي في حياة الأمم أداة لارتقائها وتقدمها ، ومن الدعامات الأساسية التي لا يقوم أي نظام ديمقراطي بدونها ، كما تؤسس الدول على ضوئها مجتمعاتها ، دعماً لتفاعـل مواطنيها معها ، بما يكفـل توثيـق روابطها ، وتطويـر بنيانها ، وتعميق حرياتها.
وحيث إن الدستور فيما نص عليه في المادة (6) من أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي والسيادة فيه للأمة ، ردد في نصوص مواده وفي أكثر من موضع الأحكام والمبادئ التي تحدد مفهوم الديمقراطية التي تلمس طريقها خياراً ، وتشكل معالم المجتمع الذي ينشده سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية وهي جوهر الديمقراطية ، أو بكفالة الحريات والحقوق العامة وهى هدفها ، أو بالمشاركة في ممارسة السلطة وهى وسيلتها ، كما ألقت المذكرة التفسيرية للدستور بظلالها على دور رقابة الرأي العام ، وأن الحكم الديمقراطي يأخذ بيدها ، ويوفر مقوماتها وضماناتها ، وأن هذه الرقابة تمثل العمود الفقري في شعبية الحكم ، حيث أوردت المذكرة التفسيرية في هذا المقام أن<< هذه المقومات والضمانات في مجموعها هي التي تفيء على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية ، فتكفل لهم ـ إلى جانب حق الانتخاب السياسي ـ مختلف مقومات الحرية الشخصية ( في المواد 30و31و32و33و34 من الدستور ) وحرية العقيدة (المادة 35) وحرية الرأي (المادة36) وحريـة الصحافـة والطباعـة والنشر (المادة 37) وحرية المراسلة (المادة 39) وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة43) وحرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات (المادة 44) وحق تقديم العرائض إلى السلطات العامة (المادة 45) وفي جو مليء بهذه الحريات ينمو حتماً الوعي السياسي ويقوي الرأي العام . . . >> .
وإذ كان الأمر كذلك ، وكان مبدأ السيادة الشعبية ـ جوهـر الديمقراطية وعمادها ـ لازمه أن يكون للشعب ممثلاً في نوابه بالمجلس النيابي الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن يكون لأفراد الشعب أيضاً رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر ، مما يغدو معه الحق في الرقابة الشعبية فرعاً من حرية التعبير ، ونتاجاً لها ، فلا يجوز والأمر كذلك وضع قيود على هذا الحق على غير مقتض من طبيعته ومتطلبات ممارسته ، ومصادرة هذه الحرية أو فصلها عن أدواتها ووسائل مباشرتها ، وإلا عد ذلك هدماً للديمقراطية في محتواها المقرر في الدستور .
وحيث إن حق الاجتماع بما يعنيه من مكنة الأفراد في التجمع في مكان ما فترة من الوقـت للتعبير عن أرائهـم فيمـا يعـن لهـم من مسائـل تهمهم ، وما يـرمي إليه ـ بالوسائل السلمية ـ من تكوين إطار يضمهم لتبادل الفكر وتمحيص الرأي بالحوار أو النقاش أو الجـدال توصلاً من خلال تفاعل الآراء إلى أعظمها سداداً ونفعاً ، هذا الحق سواء كان مستقلاً عن غيره من الحقوق ، أو بالنظر إلى أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلاً لأهم قنواتها محققاً من خلالها أهدافها ، فإنه لا يجوز نقضه لما من شأن ذلك أن يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستنداً إلى الإرادة الشعبية .
ولما كان ذلك ، وكان الدستور قد كفل للأفراد حرياتهم في الاجتماعات الخاصة دون أن يخضعها لأي تنظيم لتعلقها بحرية حياتهم الخاصة ، وذلك دون حاجة لهم إلى إذن سابق ، أو إشعار أي جهة بها مقدماً ، ولا يجوز لقوات الأمن إقحام نفسها على هذه الاجتماعات إلا إذا كان الأمر متعلقاً بارتكاب جريمة من الجرائم المعاقب عليها قانوناً جرى الإبلاغ عنها ، أما بالنسبة للاجتماعات العامة فقد أباحها الدستور وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ، وأن تكون ممارسة هذا الحق في إطار التزام الأفراد بواجبهم العام بمراعاة الحفاظ على النظام العام والآداب العامة على النحو الذي تطلبه الدستور في المادة (49)، وإنه ولئن عهد الدستور جانب التنظيم في شأن هذه الاجتماعات إلى القانون ، إلا انه ينبغي ألا يتضمن هذا التنظيم الإخلال بهذا الحق أو الانتقاص منه وأن يلتزم بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور ، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحق ، أو تعطيل جوهره أو تجريده من خصائصه أو تقييد آثاره أو خرج عن الحدود والضوابط التي نص عليها الدستور وقع القانون ـ فيما تجاوز فيه دائرة التنظيم ـ مخالفاً للدستور .
وحيث إن المادة (4) من المرسوم بقانون ، وإذ جاء نصها على عدم جواز عقد اجتماع عام أو تنظيمه إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من المحافظ الذي سيعقد الاجتماع في دائرة اختصاصه ، فضلاً عن منع وفض كل اجتماع عقد دون ترخيص، وحظر الدعوة إلى أي اجتماع عام أو الإعلان عنه أو نشر أو إذاعة أنباء بشأنه قبل الحصول على هذا الترخيص ، وجعل هذا النص الأصل في الاجتماعات العامة هو المنع، وأباحها استثناء ، وأقام هذا الاستثناء على أساس واحد هو سلطة الإدارة المطلقة حيال هذه الاجتماعات دون حد تلتزمه ، أو قيد تنزل على مقتضاه ، أو معيار موضوعي منضبط يتعين مراعاته دوماً ، مخولاً لها هذا النص اختصاصاً غير مقيد لتقدير الموافقة على منح الترخيص به ، أو عدم الموافقة عليه ، وبغير ضرورة موجبة تقدر بقدرها فتدور معها القيود النابعة عنها وجوداً وعدماً ، بحيث تتمخض سلطة الإدارة ـ في نهاية المطاف ـ سلطة طليقة من كل قيد لا معقب عليها ولا عاصم منها ، ومما يزيد من تداعيات حكم هذا النص ما تناولته المادة (1) من تعريف للاجتماع العام ، والذي يعد مفترضاً أولياً للحصول على الترخيص به ، وإعمال المادة (16) فيما تضمنته من تقرير العقوبة الجزائية على مخالفة حكم المادة (4) المشار إليها ، إذ جعلت المادة (1) المعيار الذي يفرق بين الاجتماع العام والاجتماع الخاص منصباً في أمرين : أولهما : أن يعقد للكلام أو لمناقشة موضوع أو موضوعات عامة أو أمور أو مطالبات تتعلق بفئات معينة . ثانيهما : أن يحضره أو يستطيع حضوره عشرون شخصاً على الأقل ، بما مؤداه أن فيصل التفرقة بين الاجتماعات العامة والاجتماعات الخاصة هو بموضوع الاجتماع لا بالمكان ، فليس كل مكان خاص يمكن أن يكون الاجتماع فيه خاصاً ولا كل مكان عام يعتبر الاجتماع فيه عاماً ، فقد يكون الاجتماع عاماً والمكان خاصاً ، وقد يكون الاجتماع خاصاً والمكان عاماً ، وموضوع الاجتماع قد يكون عاماً وقد يكون خاصاً بفئات معينة ، كما تطلب النص لإسباغ هذا الوصف على الاجتماع أن يحضره ( عشرون شخصاً على الأقل ) ، ثم اتبع ذلك عبارة " أو يستطيع حضوره " ( عشرون شخصاً على الأقل ) بما من شأنه استغراق هذا الوصف لأي اجتماع حتى ولو كان عدد الحاضرين فيه يقل عن العدد المشار إليه ، وقد صيغت عبارات هذه المادة مرنة ، بالغة العموم والسعة، ، غير محددة المعنى ، مبهمة ، لا سيما عبارة " موضوعات عامة " وعبـارة " فئـات معينـة " والتي ليـس لهـا مدلـول محـدد ، فضـلاً عمـا تحملـه عبـارة " أو يستطيع حضوره " من معنى الاحتمال أو الظن أو التخمين ، وإمكان انصرافها إلى أي اجتماع ولو كان خاصاً ، وهو بما يجعل عبارات هذا النص في جملتها تؤول في التطبيق في إطارها الفسيح إلى إطلاق العنان لسوء التقدير ، كما يفضي عموم عباراتها واتساعها إلى إطلاق سلطة الإدارة في إسباغ وصف الاجتماع العام على أي اجتماع ، وأياً كان موضوعه أو مجاله ، وفي إطلاق يتأبى بذاته مع صحيح التقدير لما أراده الدستور حين عهد إلى القانون بتنظيم حق الاجتماع قاصداً ضمانه ، وتقرير الوسائل الملائمة لصونه وهي أكثر ما تكون لزوماً في مواجهة القيود التي تقوض هذا الحق أو تحد منه ، وأن يكون أسلوباً قويماً للتعبير عن الإرادة الشعبية من خلال الحوار العام ، ولا يتصور أن يكون قد قصد الدستـور من ذلك أن يتخـذ من هذا التنظيم ذريعة لتجريد الحق مـن لوازمه ، أو العصف به ، وإطلاق سلطة الإدارة في إخفات الآراء بقوة القانون ، أو منحها سلطة وصاية تحكمية على الرأي العام ، أو تعطيل الحق في الحوار العام ، وذلك من خـلال نصوص تتعدد تأويلاتها ، مفتقدة التحديد الجازم لضوابط تطبيقها ، مفتقرة إلى عناصر الضبط والإحكام الموضوعي ، منطوية على خفاء وغموض مما يلتبس معناها على أوساط الناس ، ويثار الجدل في شأن حقيقة محتواها بحيث لا يأمن أحد معها مصيراً ، وأن يكون هذا التجهيل موطئاً للإخلال بحقوق كفلها الدستور كتلك المتعلقة بالحرية الشخصية وحرية التعبير وحق الاجتماع ، وضمان تدفق الآراء من مصادرها المختلفة ، فسلطة التنظيم حدها قواعد الدستور ، ولازمها ألا تكون النصوص شباكاً أو شراكاً يلقيها القانون متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتهـا ولا يبصرون مواقعها ، لا سيما وقد تعلقت هذه النصوص بنصوص جزائية لا غنى عن وجوب أن يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها والوقوف على مقصودها ومجال تطبيقها فلا يكون سلوكهم مجافياً لها بل متفقاً معها ونزولاً عليها ، فلا تنال النصوص من بريء ، ولا يضار منها غير آثم أو مخطئ أو مسيء ، والحاصل أنه وإن كان غموض النصوص التشريعية عامة يعيبها ، إلا أن غموض النصوص لا سيما المتعلقة منها بنصوص جزائية خاصة يصمها بعدم الدستورية ، لما يمثله ذلك من إخلالٍ بالحقوق الجزائية ، وبقيمها ، وضوابطها ، وأهدافها ، وقواعدها الإجرائية والتي تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية والتي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية الجزائية بما تؤمنه له المادة (34) من الدستور من نظام يتوخى بأسسه صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وإذ خالف نص المادة (16) ذلك مقرراً عقوبة جزائية في شأن عدم الحصول على ترخيص في الاجتماع العام ، وجاء نص المادة (1) بالصيغة التي أفرغ فيها قاصراً عن تحديده من خلال معيار منضبط له ، ومفتقداً التحديد الجازم لضوابط تطبيقه ، فإن النص يكون بذلك قد أخل بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور ، وإذ جهل المرسوم بقانون في المادة (1) منه حدود الاجتماعات العامة التي يسري عليها والذي يعتبر تعيينها مفترضاً أولياً للترخيص به طبقاً للمادة (4) وإعمال النص الجزائي الوارد بالمادة (16) المترتب على عدم الحصول عليه ، فإن نص المادة (1) باتصاله بنص المادة (4) بإطلاقاته واستباحاته غير المقيدة وغير المحـددة يكون مجاوزاً دائرة التنظيم ، مناقضاً لأحكام الدستور لإخلاله بالحقـوق التي كفلها في مجال حرية التعبير وحق الاجتماع ، والتي وفرها الدستور للمواطنين طبقاً للمادتين (36) و(44) منه .
وحيـث إنـه ترتيبـاً على مـا تقـدم ، يتعين الحكم بعدم دستورية المادتين (1) و(4) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات لمخالفتها المواد (30) و(34) و(36) و(44) من الدستور ، ولما كانت المواد (2) و(3) و(5) و(6) و(8) و(9) و(10) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) من المرسوم بقانون المشار إليه مترتبة على المادتين (1) و(4) بما مؤداه ارتباط هذه النصوص ببعضها البعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة ، فإن عدم دستورية المادتين (1) و(4) وإبطال أثرها ، يستتبع ـ بحكم اللزوم والارتباط ـ أن يلحق هذا الإبطال النصوص المشار إليها وذلك فيما تضمنته تلك النصوص متعلقاً بالاجتماع العام ، دون أن يستطيل ذلك الإبطال لما تعلق منها بالمواكب والمظاهرات والتجمعات والتي تخرج عن نطاق الطعن الماثل .
فلهـذه الأسبــاب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم دستورية المادتين (1) و(4) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شـأن الاجتماعات العامـة والتجمعات.
ثانياً : بعـدم دستورية نصوص المواد (2) و(3) و(5) و(6) و(8) و(9) و(10) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) من المرسوم بقانون المشار إليه ، وذلك فيما تضمنته تلك النصوص متعلقاً بالاجتماع العام .
أمين سر الجلسة رئيس المحكمة