محمد ابراهيم البادي
02-01-2010, 12:09 PM
الطعن بالتمييز رقم86/2004 جزاء
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الموافق 3/7/2004
برئاسة محمد محمود راسم رئيــس المحكمـــــــــة
وعضوية السادة القضاة الدكتور علي إبراهيم الإمام و محمد نبيل محمد رياض و احمد عبدالرحمن الزواوى و محمد سعيد الناصر
التفسير
(1) براءة. محكمة الموضوع "سلطتها في البراءة".
سلطة محكمة الموضوع في القضاء بالبراءة متى تشككت في صحة اسناد التهمة الى المتهم او عدم كفاية ادلة الثبوت او لقيام سبب من اسباب الاباحة وموانع العقاب. شرطه.
(2) مسئولية "مسئولية جنائية: اركانها: الخطأ".
الاهمال كصورة من صور الخطأ المستوجب للمسئولية الجنائية. ماهيته. تحققه بوقوف المتهم موقف سلبي ازاء اجراء معين كان ينبغي عليه مباشرته لابعاد الضرر او باحجامه عن اتخاذ مسلك توجب قواعد الخبرة اتيانه توقيا للنتائج الضارة.
(3) مسئولية "مسئولية جنائية: اركانها: الخطأ".
تعدد الاخطاء العمدية مع غير العمدية. القول باستغراق الخطأ العمدي للخطأ غير العمدي كقاعدة عامة. غير صحيح. وجوب خضوع تقدير علاقة السببية بين الخطأ و النتيجة الى المعيار العادي الذي يجب اعماله في جميع الحالات مع بيان السند. انتهاء المحكمة الى ان خطأ المتهم ليس هو السبب المحدث للنتيجة. وجوب بيانها كيفية تصوره وقوع الحادث بغير تدخل الخطأ المنسوب للمتهم.
المبدأ القانوني
1- ان كان لمحكمة الموضوع ان تقضى بالبراءة متى تشككت في صحة اسناد التهمة الى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت أو لقيام سبب من أسباب الاباحة وموانع العقاب الا ان ذلك مشروط بان تلتزم المحكمة بالحقائق الثابتة بالأوراق وبان يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الاثبات وان يكون حكمها قد خلا من الخطأ في تطبيق القانون وعيوب التسبيب.
2- الاهمال باعتباره صوره من صور الخطأ المستوجب للمسئولية الجنائية هو اخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وقد يتمثل في تفريط يقف منه المتهم موقفا سلبيا ازاء اجراء معين كان ينبغى عليه مباشرته درءا لما يسفر عنه الضرر بالغير كما قد يقوم باحجام الجاني عـن اتخاذ مسلك توجب قواعــد الخبرة الانسانية أتيانه توقيا للنتائج الضارة التي قد تترتب على عدم اتخاذه.
3- من المقرر ايضا انه متى تعددت الأخطاء وكان بعضها عمديا والأخر غير عمدى فانه لا يصح القول كقاعدة عامة ان الخطأ العمدى يستغرق الخطأ غير العمدى وانما ينبغى ان يخضع تقدير علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة الى المعيار العادي الذي يجب اعماله في جميع الحالات وهو امكان التوقع حسب المجرى العادي لسير الأمور فاذا ما خلصت المحكمة الى انتفاء علاقة السببية بين الخطأ والضرر وجب عليها ان تبين سندها في ذلك مدللة عليه بأسباب سائغة تؤدى اليه ، واذا ما ذهبت الى ان خطأ المتهم ليس هو السبب المحدث للنتيجة كان عليها ان تبين كيف كان يمكن تصور وقوع الحادث على النحو الذي وقع به بغير تدخل الخطأ المنسوب للمتهم.
حكم المحكمة
أصدرت الحكم التالي
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص الذي أعده السيد القاضي محمد نبيل رياض وسماع المرافعة والمداولة قانوناً.
حيث ان الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون
وحيث إن النيابة العامة اتهمت 1) --------- 2) --------- 3) --------- 4) -------- 5) ---------- 6) ---------- 7) --------- في الجنحة رقم 8827/2002 بأنهم في يوم 29/11/2000 بدائرة مركز شرطة بر دبي ، تسببوا خطأ في موت كل من ------- و ------- و -------- و -------- و-------- و------ و -------- و -------- و -------- و ---------- و --------- و------ و --------- واصابة كل من ---------- و ---------- وكان ذلك ناشئا من اهمالهم وعدم احترازهم أو اتخاذهم الاحتياطات اللازمة التي يدعو اليها الحذر والتي كان من شأنها ان تحول دون حدوث النتيجة وذلك بان أصدر المتهم الأول تعليماته الفورية أثر تلقيه بلاغ الحريق في المكان المخصص للحبس الاحتياطي للضابط المناوب ومساعديه بعدم فتح أبواب الزنزانات الداخلية عن الموقوفين مرجئا ذلك لحين حضوره مما أعاق دخول رجال الدفاع المدني للقيام بواجباتهم وحمل المتهمين الثاني والثالث الى الامتناع عن اصدار التعليمات الى باقي المتهمين الموكل اليهم خدمة وحراسة التوقيف في استخدام المفتاح الرئيسي الذي كان بحوزتهم والقيام بواجبهم في انقاذ المحبوسين احتياطيا وتمكينهم من الخروج من زنزاناتهم وذلك بفتح الابواب المغلقة عليهم والسعي لانقاذ حياتهم رغم استغاثة وصراخ الموقوفين وانتظارهم صدور هذه التعليمات حتى انتشر الدخان وانطفأت الانوار فهرع كافة المتهمين حينها مسرعين بالخروج مـن الـعنبر ونكلوا عن تقديم العون والمساعدة للموقوفين الذين بداخل الزنزانات المغلقة وتركوهم يلاقون مصيرهم لوحدهم ويموتون بالاختناق على النحو الثابت بالأوراق وطلبت عقابهم بالمادتين 342/3/4 ، 342 عقوبات والمادة 241 من قانون العقوبات الدبوي.
وبتاريخ 25/2/2003 حكمت محكمة أول درجة بمعاقبة كل من المتهمين ---------- و ---------- و ------------ بالحبس لمدة ثلاث سنوات وخمسة آلاف درهم غرامة عما اسند اليهم والزامهم متضامنين بأن يؤدوا الدية الشرعية بمقدار 150 ألف درهم عن كل متوفي وبراءة كل من --------- و --------- و --------- و ------- مما نسب اليهم .
لم ترتض النيابة العامة هذا الحكم فطعنت عليه بالاستئناف رقم 657/2003 كما طعن عليه كل من المحكوم عليهم ---------- و ----------- و --------- بالاستئناف رقم 696/2003 وبتاريخ 24/1/2004 حكمت المحكمة في الاستئناف رقم 657/2003 المقام من النيابة العامة برفضه وتأييد الحكم المستأنف وفي الاستئناف رقم 696/2003 المقام من المحكوم عليهم بالغاء ما قضى به الحكم المستأنف والقضاء ببراءة المتهمين ---------- و ------ و--------- مما اسند اليهم .
طعنت النيابة العامة على هذا الحكم بالتمييز المـــاثل بموجب تقرير مــؤرخ 23/2/2004 مرفق به مذكرة بأسباب الطعن موقع عليها من رئيس نيابة التمييز طلبت فيها نقضه وقدم المطعون ضدهم مذكرة طلبوا فيها رفض الطعن .
وحيث ان النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه القصور فـي التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون ذلك ان الحكم قد تساند في قضائه ببراءة المتهمين على خلو الأوراق من دليل يقيني على ارتكابهم لخطأ أدى مباشرة أو ساهم في حدوث الوفاة وارتبط بها ارتباط السبب بالمسبب أخذا من ان الموقوفين المحكوم عليهم في الجناية رقم 11926/2001 قد اتفقوا فيما بينهم على ارتكاب جريمة اضرام النار عمدا في التوقيف مما أدى الى وفاة المجني عليهم ، وأغفل الحكم اقتراف المطعون ضدهم للجريمة السلبية حسبما يقضى القانون بعد ان تحققت في حقهم بكافة شروطها القانونية عن طريق الامتناع كما أغفل الحكم ما قرره الشهود الموقوفين --------- و ---------- و -------- و -------------- و ------------ والملازم ----------- والطبيب الشرعي ----------- وما ورد بأقوال المتهمين الخامس والسادس والسابع و ---------- وما ثبت بتقرير الطبيب الشرعي ومعاينة النيابة العامة ومحكمة أول درجة لمكان الواقعة وما ورد بتقرير المختبر الجنائي وما قرره الدكتور ----------- والتقرير الاستشاري المقدم منه وما أورده الحكم الابتدائي في شأن ادانة كل من المتهمين -------- و ---------- و --------- واذ كان الثابت من معاينة النيابة العامة والمحكمة الابتدائية لمكان الحادث يسر وسهولة الحركة بين مبنى التوقيف ومبنى المركز والأماكن المخصصة للضباط وقربها مما لا يعوق احاطة الضباط المناوبين بأحداث أماكن التوقيف وما يجري بداخلها مما يؤكد مسئولية كل من الضابط المناوب -------- ومساعده ---------- وان الأول أمر بعدم فتح الأبواب ومنع أفراد الدفاع المدني من ادخال أنابيب اطفاء الحريق ومما شهد به الملازم ------------- من ان الملازم ------------ منعه من أداء واجبه بمقولة ان لديه تعليمات من مدير المركز بعدم فتح أبواب التوقيف لحين حضوره شخصيا مما يبين منه ان فعل المطعون ضدهم بالامتناع قد ساهم مع الفعل الايجابي للمحكوم عليهم في الجناية رقم 11926/2001 في احداث الوفاة كما شهد الملازم ---------- ان ابلاغ المتهم الأول تم حالة اندلاع الحريق الا انه طلب منه عدم اخراج الموقوفين كما ان المتهم عمران الرشيد كان مرتبا للحراسة داخل عنبر الاحداث مع المتهم ---------- وتوانى عن مسئوليته بمجرد مشاهدته الدخان حالة اقراره بحيازته لمفتاح أبواب الزنزانات مما ترتب عليه مساهمته مع باقى المتهمين في وفاة المجني عليهم وهو ما أغفله الحكم المطعون فيه الأمر الذي ينبئ عن ان المحكمة لم تمحص الدعوى وتحيط بظروفها واذ استدل الحكم ضمن ما استدل عليه للقضاء ببراءة المتهمين أنهم لم يكونوا يعلمون بوقوع الحريق الا بعد ان اشتد سعير النار وحتى يرغموا الحراس على فتح الأبواب وهو ما لا أصل له في الأوراق ويكون الحكم قد حاد بالدليل الذي أورده في هذا الخصوص عما هو ثابت بالأوراق مما يشوب الحكم بالفساد في الاستدلال والتعسف في الاستنتاج ولا يغنى عن ذلك ما ذكره الحكم من أدلة أخرى اذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث انه من المقرر انه وان كان لمحكمة الموضوع ان تقضى بالبراءة متى تشككت في صحة اسناد التهمة الى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت أو لقيام سبب من أسباب الاباحة وموانع العقاب الا ان ذلك مشروط بان تلتزم المحكمة بالحقائق الثابتة بالأوراق وبان يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الاثبات وان يكون حكمها قد خلا من الخطأ في تطبيق القانون وعيوب التسبيب لما كان ذلك وكان الثابت من مطالعة الأوراق ان الملازم ------------ قد شهد بتحقيقات النيابة العامة انه عند وصوله الى مكان الحادث وجد الباب الرئيسي للموقوفين مغلقا وأمامه الملازم ----------- وعدد من أفراد الشرطة وانه طلب منه الدخول الى التوقيف والى داخل الزنزانات خوفا من التأخر في اخراج الموقوفين واختناقهم الا انه رفض فتح الباب لحين حضور مدير المركز وفي هذه الاثناء كانت مجموعة من الموقوفين يصرخون بقوة ويستنجدون وبعد مدة حضر مدير المركز المتهم الأول وطلب منه الدخول لانقاذ الموقوفين فوافقه على ان يقوم باحضار انبوب الماء كي يدخله من باب التوقيف الموجود داخل المركز الا انه رفض لأن ذلك يأخذ وقتا وانه حاول تسلق سقف التوقيف قاصدا الدخول من أي منفذ الا انه لم يجد أي منفذ للدخول وقرر بان الحادث كان نتيجة تقصير رجال الشرطة وعدم تمكينه من الدخول الى مكان اشتعال النيران بالسرعة الممكنة وعدم تبصيره بأماكن الدخول والخروج التي تمكنه من انجاز مهمته وانه طلب من الضابط المناوب تمكينه من الدخول فلم يعره انتباها وانه سمع المتهم الثاني يقول ( خليهم يموتون ) وشهد كل من ---------------- الملازم بالدفاع المدني والعريف --------- و ------------ بالدفاع المدني بمضمون ما شهد به الشاهد السابق الا ان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذه الأدلة واجتزأ من شهادة ---------- والملازم ------ بما يفرغ شهادتهما عن مضمونها كما ان الحكم لم يعرض لما شهد به ------------- خبير الحرائق بالمختبر الجنائي من انه كان يمكن الدخول الى العنبر وقت نشوب الحريق وخلال عشرة دقائق والسيطرة عليه ولما شهد به عبد النبى دوحى من ان النيران استمرت لحوالى نصف ساعة وان المتهمين الخامس ------- و -------- رفضا فتح الأبواب ولما شهد به ----- من ان الموقوفين كانوا يصرخون على المتهم الخامس ------ ويطلبون منه فتح البوابة الا انه امتنع عن ذلك وكذا ما شهد به ------------ وما قرره المتهم السادس --------- من انه لو قام بفتح الأبواب وقت نشوب الحريق لعاش جميع الموقوفين الذين وافتهم المنية وانه لم يقم بفتح الأبواب وقت نشوب الحريق لأنه لا يستطيع كسر الأوامر وما شهد به مأمون على حماد من انه طلب من المتهم الخامس فتح الأبواب فأبلغه ان المتهم الثاني الملازم ------- طلب منه عدم فتح الأبواب وانه شاهد المتهم الثاني واقفا أمام مكتب حوادث السير وهو يصرخ لا تفتحوا الأبواب (خلوهم يموتون ) وان الموقوفين ظلوا يطلبون النجدة حوالي نصف ساعة ، كما قرر المتهم الثاني ان مدير المركز طلب منه عدم اخراج الموقوفين ، وقرر المتهم الرابع -------- بانه لم يقم بفتح العنبر لأن ذلك لا يكون الا بأمر الضابط المناوب الذي أخبره بعدم فتح عنبر الاحداث واخراج الموقوفين بناء على أمر مدير المركز كما لم يعرض الحكم للمعاينة التي أجرتها محكمة أول درجة والتي يتبين منها سهولة دخول العنبر والاهمال والتراخي في مفاداة الحادث ، وما قرره المتهم الأول --------- من انه لم يكن مدركا لحجم الحادث ولم يستفسر عنه من الضابط المناوب وانه كان يتعين على الضابط المناوب الحلول مكان مدير المركز واتخاذ اللازم حسب الظروف ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لكافة أدلة الثبوت المار بيانها بالنسبة لكل منهم على حدة ويقول كلمته بشأنها على نحو يفيد انه ألم بوقائع الدعوى وظروفها وأدلة الثبوت فيها ومحصها على الوجه المطلوب فانه يكون مشوبا بالقصور في التسبيب من حيث بيانه لوقائع الدعوى وأدلة الثبوت فيها وحيث انه فضلا عن قصور الحكم على النحو السالف بيانه في الاحاطة بوقائع الدعوى وبأدلة الثبوت فيها فقد أقام قضاءه بالبراءة على سند من ان المتهمين الذين اضرموا الحريق لم يعلنوا عن وقوع الحريق الا بعد ان اشتد سعيرها وحتى يرغموا الحراس على فتح أبواب الزنزانة وهو ما لا سند له من الأوراق كما ذهب الحكم الى ان الواقعة كانت لا محالة واقعة ورتب على ذلك خلو الأوراق من دليل يقيني على مساهمة المتهمين في وفاة المجني عليهم ، لما كان ذلك وكان الاهمال باعتباره صوره من صور الخطأ المستوجب للمسئولية الجنائية هو اخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وقد يتمثل في تفريط يقف منه المتهم موقفا سلبيا ازاء اجراء معين كان ينبغى عليه مباشرته درءا لما يسفر عنه الضرر بالغير كما قد يقوم باحجام الجاني عـن اتخاذ مسلك توجب قواعــد الخبرة الانسانية إتيانه توقيا للنتائج الضارة التي قد تترتب على عدم اتخاذه ومن المقرر ايضا انه متى تعددت الأخطاء وكان بعضها عمديا والأخر غير عمدي فانه لا يصح القول كقاعدة عامة ان الخطأ العمدي يستغرق الخطأ غير العمدى وانما ينبغي ان يخضع تقدير علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة الى المعيار العادي الذي يجب اعماله في جميع الحالات وهو امكان التوقع حسب المجرى العادي لسير الأمور فاذا ما خلصت المحكمة الى انتفاء علاقة السببية بين الخطأ والضرر وجب عليها ان تبين سندها في ذلك مدللة عليه بأسباب سائغة تؤدى اليه ، واذا ما ذهبت الى ان خطأ المتهم ليس هو السبب المحدث للنتيجة كان عليها ان تبين كيف كان يمكن تصور وقوع الحادث على النحو الذي وقع به بغير تدخل الخطأ المنسوب للمتهم ، لما كان ذلك وكان الحكم قد نفي علاقة السببية بقوله بأن الوفاة كانت واقعة لا محالة نتيجة اضرام النار من المتهمين بالحريق العمد ودون ان يستظهر الخطأ المسند للمتهمين وبيان سنده في انقطاع رابطة السببية بينه وبين النتيجة التي أدى اليها بأسباب سائغة ودون ان ينفى ركن الاهمال المسند الى المتهمين وما يؤدى اليه وفقا لصحيح القانون ومن ثم فانه يكون فضلا عن قصوره في الالمام بموضوع الدعوى قد شابه القصور في نفي أركان الجريمة المسندة الى المتهمين من واقع أسبابه التي أقام عليها قضاءه مما يتعين معه نقض الحكم .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وباحالة الدعوى الى محكمة الاستئناف لتقضى في موضوعها من جديد دائرة مشكلة من قضاة آخرين .
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الموافق 3/7/2004
برئاسة محمد محمود راسم رئيــس المحكمـــــــــة
وعضوية السادة القضاة الدكتور علي إبراهيم الإمام و محمد نبيل محمد رياض و احمد عبدالرحمن الزواوى و محمد سعيد الناصر
التفسير
(1) براءة. محكمة الموضوع "سلطتها في البراءة".
سلطة محكمة الموضوع في القضاء بالبراءة متى تشككت في صحة اسناد التهمة الى المتهم او عدم كفاية ادلة الثبوت او لقيام سبب من اسباب الاباحة وموانع العقاب. شرطه.
(2) مسئولية "مسئولية جنائية: اركانها: الخطأ".
الاهمال كصورة من صور الخطأ المستوجب للمسئولية الجنائية. ماهيته. تحققه بوقوف المتهم موقف سلبي ازاء اجراء معين كان ينبغي عليه مباشرته لابعاد الضرر او باحجامه عن اتخاذ مسلك توجب قواعد الخبرة اتيانه توقيا للنتائج الضارة.
(3) مسئولية "مسئولية جنائية: اركانها: الخطأ".
تعدد الاخطاء العمدية مع غير العمدية. القول باستغراق الخطأ العمدي للخطأ غير العمدي كقاعدة عامة. غير صحيح. وجوب خضوع تقدير علاقة السببية بين الخطأ و النتيجة الى المعيار العادي الذي يجب اعماله في جميع الحالات مع بيان السند. انتهاء المحكمة الى ان خطأ المتهم ليس هو السبب المحدث للنتيجة. وجوب بيانها كيفية تصوره وقوع الحادث بغير تدخل الخطأ المنسوب للمتهم.
المبدأ القانوني
1- ان كان لمحكمة الموضوع ان تقضى بالبراءة متى تشككت في صحة اسناد التهمة الى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت أو لقيام سبب من أسباب الاباحة وموانع العقاب الا ان ذلك مشروط بان تلتزم المحكمة بالحقائق الثابتة بالأوراق وبان يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الاثبات وان يكون حكمها قد خلا من الخطأ في تطبيق القانون وعيوب التسبيب.
2- الاهمال باعتباره صوره من صور الخطأ المستوجب للمسئولية الجنائية هو اخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وقد يتمثل في تفريط يقف منه المتهم موقفا سلبيا ازاء اجراء معين كان ينبغى عليه مباشرته درءا لما يسفر عنه الضرر بالغير كما قد يقوم باحجام الجاني عـن اتخاذ مسلك توجب قواعــد الخبرة الانسانية أتيانه توقيا للنتائج الضارة التي قد تترتب على عدم اتخاذه.
3- من المقرر ايضا انه متى تعددت الأخطاء وكان بعضها عمديا والأخر غير عمدى فانه لا يصح القول كقاعدة عامة ان الخطأ العمدى يستغرق الخطأ غير العمدى وانما ينبغى ان يخضع تقدير علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة الى المعيار العادي الذي يجب اعماله في جميع الحالات وهو امكان التوقع حسب المجرى العادي لسير الأمور فاذا ما خلصت المحكمة الى انتفاء علاقة السببية بين الخطأ والضرر وجب عليها ان تبين سندها في ذلك مدللة عليه بأسباب سائغة تؤدى اليه ، واذا ما ذهبت الى ان خطأ المتهم ليس هو السبب المحدث للنتيجة كان عليها ان تبين كيف كان يمكن تصور وقوع الحادث على النحو الذي وقع به بغير تدخل الخطأ المنسوب للمتهم.
حكم المحكمة
أصدرت الحكم التالي
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص الذي أعده السيد القاضي محمد نبيل رياض وسماع المرافعة والمداولة قانوناً.
حيث ان الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون
وحيث إن النيابة العامة اتهمت 1) --------- 2) --------- 3) --------- 4) -------- 5) ---------- 6) ---------- 7) --------- في الجنحة رقم 8827/2002 بأنهم في يوم 29/11/2000 بدائرة مركز شرطة بر دبي ، تسببوا خطأ في موت كل من ------- و ------- و -------- و -------- و-------- و------ و -------- و -------- و -------- و ---------- و --------- و------ و --------- واصابة كل من ---------- و ---------- وكان ذلك ناشئا من اهمالهم وعدم احترازهم أو اتخاذهم الاحتياطات اللازمة التي يدعو اليها الحذر والتي كان من شأنها ان تحول دون حدوث النتيجة وذلك بان أصدر المتهم الأول تعليماته الفورية أثر تلقيه بلاغ الحريق في المكان المخصص للحبس الاحتياطي للضابط المناوب ومساعديه بعدم فتح أبواب الزنزانات الداخلية عن الموقوفين مرجئا ذلك لحين حضوره مما أعاق دخول رجال الدفاع المدني للقيام بواجباتهم وحمل المتهمين الثاني والثالث الى الامتناع عن اصدار التعليمات الى باقي المتهمين الموكل اليهم خدمة وحراسة التوقيف في استخدام المفتاح الرئيسي الذي كان بحوزتهم والقيام بواجبهم في انقاذ المحبوسين احتياطيا وتمكينهم من الخروج من زنزاناتهم وذلك بفتح الابواب المغلقة عليهم والسعي لانقاذ حياتهم رغم استغاثة وصراخ الموقوفين وانتظارهم صدور هذه التعليمات حتى انتشر الدخان وانطفأت الانوار فهرع كافة المتهمين حينها مسرعين بالخروج مـن الـعنبر ونكلوا عن تقديم العون والمساعدة للموقوفين الذين بداخل الزنزانات المغلقة وتركوهم يلاقون مصيرهم لوحدهم ويموتون بالاختناق على النحو الثابت بالأوراق وطلبت عقابهم بالمادتين 342/3/4 ، 342 عقوبات والمادة 241 من قانون العقوبات الدبوي.
وبتاريخ 25/2/2003 حكمت محكمة أول درجة بمعاقبة كل من المتهمين ---------- و ---------- و ------------ بالحبس لمدة ثلاث سنوات وخمسة آلاف درهم غرامة عما اسند اليهم والزامهم متضامنين بأن يؤدوا الدية الشرعية بمقدار 150 ألف درهم عن كل متوفي وبراءة كل من --------- و --------- و --------- و ------- مما نسب اليهم .
لم ترتض النيابة العامة هذا الحكم فطعنت عليه بالاستئناف رقم 657/2003 كما طعن عليه كل من المحكوم عليهم ---------- و ----------- و --------- بالاستئناف رقم 696/2003 وبتاريخ 24/1/2004 حكمت المحكمة في الاستئناف رقم 657/2003 المقام من النيابة العامة برفضه وتأييد الحكم المستأنف وفي الاستئناف رقم 696/2003 المقام من المحكوم عليهم بالغاء ما قضى به الحكم المستأنف والقضاء ببراءة المتهمين ---------- و ------ و--------- مما اسند اليهم .
طعنت النيابة العامة على هذا الحكم بالتمييز المـــاثل بموجب تقرير مــؤرخ 23/2/2004 مرفق به مذكرة بأسباب الطعن موقع عليها من رئيس نيابة التمييز طلبت فيها نقضه وقدم المطعون ضدهم مذكرة طلبوا فيها رفض الطعن .
وحيث ان النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه القصور فـي التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون ذلك ان الحكم قد تساند في قضائه ببراءة المتهمين على خلو الأوراق من دليل يقيني على ارتكابهم لخطأ أدى مباشرة أو ساهم في حدوث الوفاة وارتبط بها ارتباط السبب بالمسبب أخذا من ان الموقوفين المحكوم عليهم في الجناية رقم 11926/2001 قد اتفقوا فيما بينهم على ارتكاب جريمة اضرام النار عمدا في التوقيف مما أدى الى وفاة المجني عليهم ، وأغفل الحكم اقتراف المطعون ضدهم للجريمة السلبية حسبما يقضى القانون بعد ان تحققت في حقهم بكافة شروطها القانونية عن طريق الامتناع كما أغفل الحكم ما قرره الشهود الموقوفين --------- و ---------- و -------- و -------------- و ------------ والملازم ----------- والطبيب الشرعي ----------- وما ورد بأقوال المتهمين الخامس والسادس والسابع و ---------- وما ثبت بتقرير الطبيب الشرعي ومعاينة النيابة العامة ومحكمة أول درجة لمكان الواقعة وما ورد بتقرير المختبر الجنائي وما قرره الدكتور ----------- والتقرير الاستشاري المقدم منه وما أورده الحكم الابتدائي في شأن ادانة كل من المتهمين -------- و ---------- و --------- واذ كان الثابت من معاينة النيابة العامة والمحكمة الابتدائية لمكان الحادث يسر وسهولة الحركة بين مبنى التوقيف ومبنى المركز والأماكن المخصصة للضباط وقربها مما لا يعوق احاطة الضباط المناوبين بأحداث أماكن التوقيف وما يجري بداخلها مما يؤكد مسئولية كل من الضابط المناوب -------- ومساعده ---------- وان الأول أمر بعدم فتح الأبواب ومنع أفراد الدفاع المدني من ادخال أنابيب اطفاء الحريق ومما شهد به الملازم ------------- من ان الملازم ------------ منعه من أداء واجبه بمقولة ان لديه تعليمات من مدير المركز بعدم فتح أبواب التوقيف لحين حضوره شخصيا مما يبين منه ان فعل المطعون ضدهم بالامتناع قد ساهم مع الفعل الايجابي للمحكوم عليهم في الجناية رقم 11926/2001 في احداث الوفاة كما شهد الملازم ---------- ان ابلاغ المتهم الأول تم حالة اندلاع الحريق الا انه طلب منه عدم اخراج الموقوفين كما ان المتهم عمران الرشيد كان مرتبا للحراسة داخل عنبر الاحداث مع المتهم ---------- وتوانى عن مسئوليته بمجرد مشاهدته الدخان حالة اقراره بحيازته لمفتاح أبواب الزنزانات مما ترتب عليه مساهمته مع باقى المتهمين في وفاة المجني عليهم وهو ما أغفله الحكم المطعون فيه الأمر الذي ينبئ عن ان المحكمة لم تمحص الدعوى وتحيط بظروفها واذ استدل الحكم ضمن ما استدل عليه للقضاء ببراءة المتهمين أنهم لم يكونوا يعلمون بوقوع الحريق الا بعد ان اشتد سعير النار وحتى يرغموا الحراس على فتح الأبواب وهو ما لا أصل له في الأوراق ويكون الحكم قد حاد بالدليل الذي أورده في هذا الخصوص عما هو ثابت بالأوراق مما يشوب الحكم بالفساد في الاستدلال والتعسف في الاستنتاج ولا يغنى عن ذلك ما ذكره الحكم من أدلة أخرى اذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث انه من المقرر انه وان كان لمحكمة الموضوع ان تقضى بالبراءة متى تشككت في صحة اسناد التهمة الى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت أو لقيام سبب من أسباب الاباحة وموانع العقاب الا ان ذلك مشروط بان تلتزم المحكمة بالحقائق الثابتة بالأوراق وبان يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الاثبات وان يكون حكمها قد خلا من الخطأ في تطبيق القانون وعيوب التسبيب لما كان ذلك وكان الثابت من مطالعة الأوراق ان الملازم ------------ قد شهد بتحقيقات النيابة العامة انه عند وصوله الى مكان الحادث وجد الباب الرئيسي للموقوفين مغلقا وأمامه الملازم ----------- وعدد من أفراد الشرطة وانه طلب منه الدخول الى التوقيف والى داخل الزنزانات خوفا من التأخر في اخراج الموقوفين واختناقهم الا انه رفض فتح الباب لحين حضور مدير المركز وفي هذه الاثناء كانت مجموعة من الموقوفين يصرخون بقوة ويستنجدون وبعد مدة حضر مدير المركز المتهم الأول وطلب منه الدخول لانقاذ الموقوفين فوافقه على ان يقوم باحضار انبوب الماء كي يدخله من باب التوقيف الموجود داخل المركز الا انه رفض لأن ذلك يأخذ وقتا وانه حاول تسلق سقف التوقيف قاصدا الدخول من أي منفذ الا انه لم يجد أي منفذ للدخول وقرر بان الحادث كان نتيجة تقصير رجال الشرطة وعدم تمكينه من الدخول الى مكان اشتعال النيران بالسرعة الممكنة وعدم تبصيره بأماكن الدخول والخروج التي تمكنه من انجاز مهمته وانه طلب من الضابط المناوب تمكينه من الدخول فلم يعره انتباها وانه سمع المتهم الثاني يقول ( خليهم يموتون ) وشهد كل من ---------------- الملازم بالدفاع المدني والعريف --------- و ------------ بالدفاع المدني بمضمون ما شهد به الشاهد السابق الا ان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذه الأدلة واجتزأ من شهادة ---------- والملازم ------ بما يفرغ شهادتهما عن مضمونها كما ان الحكم لم يعرض لما شهد به ------------- خبير الحرائق بالمختبر الجنائي من انه كان يمكن الدخول الى العنبر وقت نشوب الحريق وخلال عشرة دقائق والسيطرة عليه ولما شهد به عبد النبى دوحى من ان النيران استمرت لحوالى نصف ساعة وان المتهمين الخامس ------- و -------- رفضا فتح الأبواب ولما شهد به ----- من ان الموقوفين كانوا يصرخون على المتهم الخامس ------ ويطلبون منه فتح البوابة الا انه امتنع عن ذلك وكذا ما شهد به ------------ وما قرره المتهم السادس --------- من انه لو قام بفتح الأبواب وقت نشوب الحريق لعاش جميع الموقوفين الذين وافتهم المنية وانه لم يقم بفتح الأبواب وقت نشوب الحريق لأنه لا يستطيع كسر الأوامر وما شهد به مأمون على حماد من انه طلب من المتهم الخامس فتح الأبواب فأبلغه ان المتهم الثاني الملازم ------- طلب منه عدم فتح الأبواب وانه شاهد المتهم الثاني واقفا أمام مكتب حوادث السير وهو يصرخ لا تفتحوا الأبواب (خلوهم يموتون ) وان الموقوفين ظلوا يطلبون النجدة حوالي نصف ساعة ، كما قرر المتهم الثاني ان مدير المركز طلب منه عدم اخراج الموقوفين ، وقرر المتهم الرابع -------- بانه لم يقم بفتح العنبر لأن ذلك لا يكون الا بأمر الضابط المناوب الذي أخبره بعدم فتح عنبر الاحداث واخراج الموقوفين بناء على أمر مدير المركز كما لم يعرض الحكم للمعاينة التي أجرتها محكمة أول درجة والتي يتبين منها سهولة دخول العنبر والاهمال والتراخي في مفاداة الحادث ، وما قرره المتهم الأول --------- من انه لم يكن مدركا لحجم الحادث ولم يستفسر عنه من الضابط المناوب وانه كان يتعين على الضابط المناوب الحلول مكان مدير المركز واتخاذ اللازم حسب الظروف ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لكافة أدلة الثبوت المار بيانها بالنسبة لكل منهم على حدة ويقول كلمته بشأنها على نحو يفيد انه ألم بوقائع الدعوى وظروفها وأدلة الثبوت فيها ومحصها على الوجه المطلوب فانه يكون مشوبا بالقصور في التسبيب من حيث بيانه لوقائع الدعوى وأدلة الثبوت فيها وحيث انه فضلا عن قصور الحكم على النحو السالف بيانه في الاحاطة بوقائع الدعوى وبأدلة الثبوت فيها فقد أقام قضاءه بالبراءة على سند من ان المتهمين الذين اضرموا الحريق لم يعلنوا عن وقوع الحريق الا بعد ان اشتد سعيرها وحتى يرغموا الحراس على فتح أبواب الزنزانة وهو ما لا سند له من الأوراق كما ذهب الحكم الى ان الواقعة كانت لا محالة واقعة ورتب على ذلك خلو الأوراق من دليل يقيني على مساهمة المتهمين في وفاة المجني عليهم ، لما كان ذلك وكان الاهمال باعتباره صوره من صور الخطأ المستوجب للمسئولية الجنائية هو اخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وقد يتمثل في تفريط يقف منه المتهم موقفا سلبيا ازاء اجراء معين كان ينبغى عليه مباشرته درءا لما يسفر عنه الضرر بالغير كما قد يقوم باحجام الجاني عـن اتخاذ مسلك توجب قواعــد الخبرة الانسانية إتيانه توقيا للنتائج الضارة التي قد تترتب على عدم اتخاذه ومن المقرر ايضا انه متى تعددت الأخطاء وكان بعضها عمديا والأخر غير عمدي فانه لا يصح القول كقاعدة عامة ان الخطأ العمدي يستغرق الخطأ غير العمدى وانما ينبغي ان يخضع تقدير علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة الى المعيار العادي الذي يجب اعماله في جميع الحالات وهو امكان التوقع حسب المجرى العادي لسير الأمور فاذا ما خلصت المحكمة الى انتفاء علاقة السببية بين الخطأ والضرر وجب عليها ان تبين سندها في ذلك مدللة عليه بأسباب سائغة تؤدى اليه ، واذا ما ذهبت الى ان خطأ المتهم ليس هو السبب المحدث للنتيجة كان عليها ان تبين كيف كان يمكن تصور وقوع الحادث على النحو الذي وقع به بغير تدخل الخطأ المنسوب للمتهم ، لما كان ذلك وكان الحكم قد نفي علاقة السببية بقوله بأن الوفاة كانت واقعة لا محالة نتيجة اضرام النار من المتهمين بالحريق العمد ودون ان يستظهر الخطأ المسند للمتهمين وبيان سنده في انقطاع رابطة السببية بينه وبين النتيجة التي أدى اليها بأسباب سائغة ودون ان ينفى ركن الاهمال المسند الى المتهمين وما يؤدى اليه وفقا لصحيح القانون ومن ثم فانه يكون فضلا عن قصوره في الالمام بموضوع الدعوى قد شابه القصور في نفي أركان الجريمة المسندة الى المتهمين من واقع أسبابه التي أقام عليها قضاءه مما يتعين معه نقض الحكم .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وباحالة الدعوى الى محكمة الاستئناف لتقضى في موضوعها من جديد دائرة مشكلة من قضاة آخرين .