محمد ابراهيم البادي
11-02-2010, 07:02 PM
متى يحق للفرد استعمال الدفاع الشرعي ؟
د. حميد فرحان محمد السيد*
*مستشار قانوني
لقد كثرت الاجتهادات بخصوص الدفاع الشرعي، ولكل حجته الا ان المتفق عليه فقها وقانونا، ان الدفاع الشرعي هو استعمال، القوة اللازمة لرد او دفع خطر حال في جريمة على النفس او المال، يهدد بالايذاء حقا يحميه القانون،
كذلك يرى الاستاذ الدكتور محمد مصطفى القللي، في المسؤولية الجنائية ”ان الدفاع الشرعي لازم بحكم طبيعته، وكل العلل التي يسوقها دعاة النظريات المختلفة تسهم في تبرير مشروعيته فهو حق بل واجب تفرضه الطبيعة البشرية، وتمليه الضرورة التي يوجد فيها المعتدى عليه، وليس من مصلحة المجتمع ولا من العدل معاقبة المدافع فلا يسوغ اذن لمعاقبته، فهو يؤازر المجتمع في صوت الأمن ومقاومة الجريمة ومحاربة المجرمين والحد من نشاطهم، ثم ان المجتمع لا يستطيع في تلك الساعة، ساعة الاعتداء النهوض لحمايته فكيف بعد هذا يؤاخذه وباي حق يعاقبه؟ وبالعكس ان من مصلحة المجتمع اقرار الدفاع الشرعي بل التوسع في اباحته، والواقع ان المجرم يخشى دفاع المجنى عليه، ودفاع الناس اكبر مما يخشى شبح العقاب الذي يهدده به القانون ولو دقق المجرم من المجنى عليه سيدافع عن نفسه او عن ماله وعرضه وسيؤازره الناس في ذلك فقلما يقدم على جريمته وبالعكس لو تيقن من ان المجنى عليه لا يسمح له القانون بان يدافع او يرد اعتداءه فان هذا يكون اكبر مشجع له على الاجرام، اذن فالدفاع الشرعي ليس بجائز فقط بل هو واجب لا لمصلحة المعتدى عليه، فحسب بل وللمصلحة العامة ايضا، ولذلك تجد العلامة ”يرتج“ يقول ان مقياس شعور الناس بحقهم وبحرمة القانون يتوقف على مقدار ثورتهم للذود عن حقوقهم اذا ما اعتدى عليه معتد.
يتضح من التعريف السابق وراي الاستاذ محمد، بان القانون لا يطلب من الشخص الذي يقع عليه خطر او يتهدده الخطر ان يتحمله ثم يبلغ السلطات المختصة بوقوعه لتقتص من فاعله، وانما يخوله حق دفعه بنفسه ليحول دون وقوعه قبل البدء فيه او ليحول دون الاستمرار فيه، اذا ما كان قد بدأ فعلا.
وبالرغم من الاختلاف بين الشراح حول الحقائق التي تقوم عليها فكرة الدفاع الشرعي الا اننا مع الرأي القائل بأنه مانع من موانع المسؤولية الجنائية، وهنا نحن مع الموقف المبني على فكرة الاكراه الادبي، وعلى الافتعال الذي يستولي على نفس المجنى عليه فيدفعه الى رد الاعتداء للمحافظة على النفس والمال والحقوق مثل الكرامة وغيرها الا ان هناك رأيا اخر يرى ان الافعال التي تتطلب افعال الدفاع الشرعي قد توجد وتكون مشروعة ولو وقعت بهدوء بال، وبغير انفعال وبذلك تتوفر في فعل المدافع حرية اختياره التي هي اساسا لمشروعية افعال الدفاع الشرعي او الدفاع عن النفس او المال مع ان افعال الدفاع الشرعي عند الغير جائز بنصوص القانون.
وبما ان القانون اباح هذا الحق للفرد واعتبرها مشروعة لانها تقع استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون اذ من حق كل انسان ان يصون حياته ويحافظ على نفسه وماله كما من حقه ان يحافظ على نفس ومال الغير لكي يسود الامن والاستقرار ويشيع روح الاخاء والتعاون بين ابناء المجتمع، وتقلص الجريمة ما دامت ظروف الخطر الماثل لا تسمح للسلطة العامة، بالتدخل في الوقت المناسب، وهو ما اخذ به قانون العقوبات العراقي اذ اعتبر الدفاع الشرعي حقا كما اعتبر الافعال التي تقع تخفيفا له، استعمالا لهذا الحق، فهي افعال مشروعة لا عقاب عليها، وبهذا يمكن ارجاع افعال الدفاع الشرعي الى القاعدة القانونية المقررة بالمادة 41 عقوبات والتي تقول لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون..الخ.
اذن الدفاع الشرعي ارى من الضروري ان يكون سببا عاما للاباحة خاصة في ظل الظروف المضطربة كي يكون المجتمع مساعدا للسلطة العامة في مكافحة الجريمة التي يكتوي بنارها المجتمع قبل الفرد..
وهذا يشمل جميع اعضاء المجالس النيابية والمحلية والادارية والبلدية وان كان انتماؤهم اليها قد تم عن طريق الانتخاب من قبل افراد المجتمع، وان كانت مزاولة اعمالهم بالمجان كما يشمل رئيس الوزراء والوزراء كلاءهم ونوابهم، كما يشمل تعبير المكلف بخدمة عامة ايضا اشخاصا في الاصل لايزاولون عملا حكوميا كالمحكومين والخبراء والحراس القضائيين وغيرهم، يضاف الى ذلك جميع اعضاء مجالس ادارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجهات والمنظمات والمنشآت التي تسهم الحكومة في ماله بنصيب ما مثل الشركات المختلطة ومؤسسات النفع العام، مهما كانت اغراضها بشرط ان تكون الحكومة او احدى دوائرها قد أسهمت فيها باية صورة من الصور، ولا يفقد المكلف بخدمة عامة صفته تلك بناء على انتهاء وظيفته او خدمته او عمله، وتبقى له هذه الصفة اذا كانت الجريمة قد وقعت منه وهو يتمتع بها، فالانسان وحده هو المستهدف باوامر القانون ونواهيه، وان ادراك ماهية فعله. وتقدير النتائج المترتبة عليها، اما فاقد الادراك وان لم يفقد الارادة حيث لايسأل جزائيا من اكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية او معنوية لم تستطع دفعها اذن فالمسؤولية الجنائية تتطلب ”الادراك“ وحرية الاختيار.. فالقصد الجنائي والباعث لارتكاب الجريمة، يعتبران السبب لارتكاب الجريمة، حيث ان العامل النفسي الداخلي يختلف باختلاف العامل نفسه في الجريمة الواحدة ولايعتد بالباعث على ارتكاب الجريمة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وكذلك ”سوء النية“ والشك اذا حصل بحسن نية، فالقانون غايته عدم وقوع الجريمة، وهناك غرض اخر وقائي (احترازي) هو منع وقوع الجرائم..
اذن السلطة وعمالها تهدف من القيام بعملها اصلا هو حماية الفرد وحقوقه المختلفة وكذلك المكلف من عمال السلطة العامة عليهم واجبات لتنفيذ ذلك لقاء الحقوق التي يتمتعون بها اثناء الخدمة العامة، وهنا يرسم القانون العلامة بين الفرد والمكلف فقد اباح القانون له اثناء اداء الواجب بموجب المادة (39) من قانون العقوبات، فقد نص” لاجريمة اذا وقع الفعل قياما بواجب يفرضه القانون“ وكذلك المادة (40) التي تنص (لا جريمة اذا وقع الفعل من موظف او شخص مكلف بخدمة عامة) في الحالات الاتية:
اولا: اذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذا لما اقرت به القوانين او اعتقد ان اجراءه من اختصاصه.
ثانيا: اذا وقع الفعل منه تنفيذا لامر صادر اليه من رئيس يجب عليه طاعته او اعتقد بان طاعته واجبة عليه.
ثالثا: ويجب في الحالتين ان يثبت ان اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل كان مبنيا على اسباب معقولة وانه لم يرتكبه الا بعد اتخاذ الحيطة والحذر المناسبين ومع ذلك لاعقاب في الحالة الثانية اذا كان القانون لايسمح للموظف بمناقشة الامر الصادر اليه من رئيسه..
ومع هذا ليس من حق الموظف التصرف دون التأكد والادراك والارادة والمعرفة والنية الحسنة من تصرفه اتجاه اي فرد داخل المجتمع.
والتأكد من قانونية اي فعل او عمل يقوم به، او اي اجراء يتعلق بوظيفته من جميع النواحي، وفي حالة القيام بأي عمل او فعل يجب ان يكون متأكدا من قانونيته وهل يدخل ضمن اختصاص عمله، اذن يتطلب من المكلف ان يكون متمتعا بثقافة قانونية، ودارياً ومدركا مدى اختصاص وظيفته، وعلى ان يتوفر حسن النية لأي عمل يقوم به، وان اداء الواجب هو سبب عام مطلق للاباحة فكونه (عاما) فهو انه حيثما توافرت شروطه القانونية يبيح الفعل ويخرجه من نطاق الافعال غير المشروعة، وكذلك وقوع الفعل قياما بواجب مفروض قانونا، فالاخبار عن الجرائم ودخول المنازل والمحلات بدون اذن مسبق من سلطة ذات اختصاص في حالة طلب المساعدة عاجلة، والقبض على الجناة في الجرائم المشهودة، وهي من الواجبات المقررة قانونا بالمواد (47و73و102) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، والى غير ذلك من الواجبات الاخرى المفروضة والمنصوص عليها في مختلف القوانين الجنائية وغير الجنائية، التي يتطلب المشرع بمقتضاها من الاشخاص كافة قيامهم بها تحقيقا للمصلحة العامة، والحفاظ على الامن والاستقرار داخل المجتمع.
ففي حالة قيام الموظف بعمل خارج عن حدود اختصاصه-العمل غير قانوني- فلا يحق لرجل السلطة التنفيذية، بتوقيف شخص ما لم يكن لديه امر بالقبض، من قبل سلطة مختصة وهي القضاء، ويجب أن يرافق هذا الاجراء حسن النية، ويجب ان يكون اعتقاده بمشروعية فعله، مبنيا على اسباب معقولة، فالفعل الذي اجراه الموظف الحكومي او المكلف بخدمة عامة، قد وقع تنفيذا لامر رئيس اعتقد ان طاعته واجبة عليه، العمل غير قانوني، باعتقاد ان عليه طاعته، وعلى هذا قام المرؤوس بتنفيذ امر غير قانوني صادر اليه من رئيس تجب عليه طاعته، وقام المرؤوس بتنفيذه (رغم كونه غير قانوني باعتقاد انه واجب الطاعة يملي عليه تنفيذه، اذ لا طاعة لمخلوق في معصية القانون) ومن خالف القانون وضع نفسه امام مسألة قانونية وللفقهاء اجتهادات كثيرة في هذا المجال لكن الغالبية العظمى، لا تنفي المسؤولية عن محاسبة كل من يخالف القواعد القانونية، مهما كانت صفته او عنوانه علما ان القواعد القانونية المتعارف عليها، ان على المرؤوس ان ينفذ امرا يصدر اليه من رئيسه يفترض ان يكون قانونيا وفيه عنصر حسن النية وفيه مصلحة المجتمع.. ولكن المسألة ليست بهذه السهولة، فالمرؤوس في الاغلب يعتقد ان امر الرئيس واجب عليه تنفيذه، فهو ينفذه لا لأنه امر قانوني بل لانه امر صادر اليه من رئيس تجب طاعته فيقوم بتنفيذه، فالرئيس الذي يصدر أمراً باطلا تبقى مسؤوليته قائمة ويعاقب عليه الذي اصدر الامر الباطل الذي اصدره لمرؤوسيه، ما لم يكن هو بدوره مرؤوسا لرئيس اعلى منه، عموما فان القواعد القانونية والقوانين والانظمة والبيانات هي التي تنظم العلاقات بين السلطة العامة وعمالها والمكلفين بالخدمة العامة والافراد، كلا حسب اختصاصه والقوانين المرعية في اطار الدستور والقوانين الاخرى لكي تتحقق المساواة والعدالة للفرد والمجتمع.
د. حميد فرحان محمد السيد*
*مستشار قانوني
لقد كثرت الاجتهادات بخصوص الدفاع الشرعي، ولكل حجته الا ان المتفق عليه فقها وقانونا، ان الدفاع الشرعي هو استعمال، القوة اللازمة لرد او دفع خطر حال في جريمة على النفس او المال، يهدد بالايذاء حقا يحميه القانون،
كذلك يرى الاستاذ الدكتور محمد مصطفى القللي، في المسؤولية الجنائية ”ان الدفاع الشرعي لازم بحكم طبيعته، وكل العلل التي يسوقها دعاة النظريات المختلفة تسهم في تبرير مشروعيته فهو حق بل واجب تفرضه الطبيعة البشرية، وتمليه الضرورة التي يوجد فيها المعتدى عليه، وليس من مصلحة المجتمع ولا من العدل معاقبة المدافع فلا يسوغ اذن لمعاقبته، فهو يؤازر المجتمع في صوت الأمن ومقاومة الجريمة ومحاربة المجرمين والحد من نشاطهم، ثم ان المجتمع لا يستطيع في تلك الساعة، ساعة الاعتداء النهوض لحمايته فكيف بعد هذا يؤاخذه وباي حق يعاقبه؟ وبالعكس ان من مصلحة المجتمع اقرار الدفاع الشرعي بل التوسع في اباحته، والواقع ان المجرم يخشى دفاع المجنى عليه، ودفاع الناس اكبر مما يخشى شبح العقاب الذي يهدده به القانون ولو دقق المجرم من المجنى عليه سيدافع عن نفسه او عن ماله وعرضه وسيؤازره الناس في ذلك فقلما يقدم على جريمته وبالعكس لو تيقن من ان المجنى عليه لا يسمح له القانون بان يدافع او يرد اعتداءه فان هذا يكون اكبر مشجع له على الاجرام، اذن فالدفاع الشرعي ليس بجائز فقط بل هو واجب لا لمصلحة المعتدى عليه، فحسب بل وللمصلحة العامة ايضا، ولذلك تجد العلامة ”يرتج“ يقول ان مقياس شعور الناس بحقهم وبحرمة القانون يتوقف على مقدار ثورتهم للذود عن حقوقهم اذا ما اعتدى عليه معتد.
يتضح من التعريف السابق وراي الاستاذ محمد، بان القانون لا يطلب من الشخص الذي يقع عليه خطر او يتهدده الخطر ان يتحمله ثم يبلغ السلطات المختصة بوقوعه لتقتص من فاعله، وانما يخوله حق دفعه بنفسه ليحول دون وقوعه قبل البدء فيه او ليحول دون الاستمرار فيه، اذا ما كان قد بدأ فعلا.
وبالرغم من الاختلاف بين الشراح حول الحقائق التي تقوم عليها فكرة الدفاع الشرعي الا اننا مع الرأي القائل بأنه مانع من موانع المسؤولية الجنائية، وهنا نحن مع الموقف المبني على فكرة الاكراه الادبي، وعلى الافتعال الذي يستولي على نفس المجنى عليه فيدفعه الى رد الاعتداء للمحافظة على النفس والمال والحقوق مثل الكرامة وغيرها الا ان هناك رأيا اخر يرى ان الافعال التي تتطلب افعال الدفاع الشرعي قد توجد وتكون مشروعة ولو وقعت بهدوء بال، وبغير انفعال وبذلك تتوفر في فعل المدافع حرية اختياره التي هي اساسا لمشروعية افعال الدفاع الشرعي او الدفاع عن النفس او المال مع ان افعال الدفاع الشرعي عند الغير جائز بنصوص القانون.
وبما ان القانون اباح هذا الحق للفرد واعتبرها مشروعة لانها تقع استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون اذ من حق كل انسان ان يصون حياته ويحافظ على نفسه وماله كما من حقه ان يحافظ على نفس ومال الغير لكي يسود الامن والاستقرار ويشيع روح الاخاء والتعاون بين ابناء المجتمع، وتقلص الجريمة ما دامت ظروف الخطر الماثل لا تسمح للسلطة العامة، بالتدخل في الوقت المناسب، وهو ما اخذ به قانون العقوبات العراقي اذ اعتبر الدفاع الشرعي حقا كما اعتبر الافعال التي تقع تخفيفا له، استعمالا لهذا الحق، فهي افعال مشروعة لا عقاب عليها، وبهذا يمكن ارجاع افعال الدفاع الشرعي الى القاعدة القانونية المقررة بالمادة 41 عقوبات والتي تقول لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون..الخ.
اذن الدفاع الشرعي ارى من الضروري ان يكون سببا عاما للاباحة خاصة في ظل الظروف المضطربة كي يكون المجتمع مساعدا للسلطة العامة في مكافحة الجريمة التي يكتوي بنارها المجتمع قبل الفرد..
وهذا يشمل جميع اعضاء المجالس النيابية والمحلية والادارية والبلدية وان كان انتماؤهم اليها قد تم عن طريق الانتخاب من قبل افراد المجتمع، وان كانت مزاولة اعمالهم بالمجان كما يشمل رئيس الوزراء والوزراء كلاءهم ونوابهم، كما يشمل تعبير المكلف بخدمة عامة ايضا اشخاصا في الاصل لايزاولون عملا حكوميا كالمحكومين والخبراء والحراس القضائيين وغيرهم، يضاف الى ذلك جميع اعضاء مجالس ادارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجهات والمنظمات والمنشآت التي تسهم الحكومة في ماله بنصيب ما مثل الشركات المختلطة ومؤسسات النفع العام، مهما كانت اغراضها بشرط ان تكون الحكومة او احدى دوائرها قد أسهمت فيها باية صورة من الصور، ولا يفقد المكلف بخدمة عامة صفته تلك بناء على انتهاء وظيفته او خدمته او عمله، وتبقى له هذه الصفة اذا كانت الجريمة قد وقعت منه وهو يتمتع بها، فالانسان وحده هو المستهدف باوامر القانون ونواهيه، وان ادراك ماهية فعله. وتقدير النتائج المترتبة عليها، اما فاقد الادراك وان لم يفقد الارادة حيث لايسأل جزائيا من اكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية او معنوية لم تستطع دفعها اذن فالمسؤولية الجنائية تتطلب ”الادراك“ وحرية الاختيار.. فالقصد الجنائي والباعث لارتكاب الجريمة، يعتبران السبب لارتكاب الجريمة، حيث ان العامل النفسي الداخلي يختلف باختلاف العامل نفسه في الجريمة الواحدة ولايعتد بالباعث على ارتكاب الجريمة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وكذلك ”سوء النية“ والشك اذا حصل بحسن نية، فالقانون غايته عدم وقوع الجريمة، وهناك غرض اخر وقائي (احترازي) هو منع وقوع الجرائم..
اذن السلطة وعمالها تهدف من القيام بعملها اصلا هو حماية الفرد وحقوقه المختلفة وكذلك المكلف من عمال السلطة العامة عليهم واجبات لتنفيذ ذلك لقاء الحقوق التي يتمتعون بها اثناء الخدمة العامة، وهنا يرسم القانون العلامة بين الفرد والمكلف فقد اباح القانون له اثناء اداء الواجب بموجب المادة (39) من قانون العقوبات، فقد نص” لاجريمة اذا وقع الفعل قياما بواجب يفرضه القانون“ وكذلك المادة (40) التي تنص (لا جريمة اذا وقع الفعل من موظف او شخص مكلف بخدمة عامة) في الحالات الاتية:
اولا: اذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذا لما اقرت به القوانين او اعتقد ان اجراءه من اختصاصه.
ثانيا: اذا وقع الفعل منه تنفيذا لامر صادر اليه من رئيس يجب عليه طاعته او اعتقد بان طاعته واجبة عليه.
ثالثا: ويجب في الحالتين ان يثبت ان اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل كان مبنيا على اسباب معقولة وانه لم يرتكبه الا بعد اتخاذ الحيطة والحذر المناسبين ومع ذلك لاعقاب في الحالة الثانية اذا كان القانون لايسمح للموظف بمناقشة الامر الصادر اليه من رئيسه..
ومع هذا ليس من حق الموظف التصرف دون التأكد والادراك والارادة والمعرفة والنية الحسنة من تصرفه اتجاه اي فرد داخل المجتمع.
والتأكد من قانونية اي فعل او عمل يقوم به، او اي اجراء يتعلق بوظيفته من جميع النواحي، وفي حالة القيام بأي عمل او فعل يجب ان يكون متأكدا من قانونيته وهل يدخل ضمن اختصاص عمله، اذن يتطلب من المكلف ان يكون متمتعا بثقافة قانونية، ودارياً ومدركا مدى اختصاص وظيفته، وعلى ان يتوفر حسن النية لأي عمل يقوم به، وان اداء الواجب هو سبب عام مطلق للاباحة فكونه (عاما) فهو انه حيثما توافرت شروطه القانونية يبيح الفعل ويخرجه من نطاق الافعال غير المشروعة، وكذلك وقوع الفعل قياما بواجب مفروض قانونا، فالاخبار عن الجرائم ودخول المنازل والمحلات بدون اذن مسبق من سلطة ذات اختصاص في حالة طلب المساعدة عاجلة، والقبض على الجناة في الجرائم المشهودة، وهي من الواجبات المقررة قانونا بالمواد (47و73و102) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، والى غير ذلك من الواجبات الاخرى المفروضة والمنصوص عليها في مختلف القوانين الجنائية وغير الجنائية، التي يتطلب المشرع بمقتضاها من الاشخاص كافة قيامهم بها تحقيقا للمصلحة العامة، والحفاظ على الامن والاستقرار داخل المجتمع.
ففي حالة قيام الموظف بعمل خارج عن حدود اختصاصه-العمل غير قانوني- فلا يحق لرجل السلطة التنفيذية، بتوقيف شخص ما لم يكن لديه امر بالقبض، من قبل سلطة مختصة وهي القضاء، ويجب أن يرافق هذا الاجراء حسن النية، ويجب ان يكون اعتقاده بمشروعية فعله، مبنيا على اسباب معقولة، فالفعل الذي اجراه الموظف الحكومي او المكلف بخدمة عامة، قد وقع تنفيذا لامر رئيس اعتقد ان طاعته واجبة عليه، العمل غير قانوني، باعتقاد ان عليه طاعته، وعلى هذا قام المرؤوس بتنفيذ امر غير قانوني صادر اليه من رئيس تجب عليه طاعته، وقام المرؤوس بتنفيذه (رغم كونه غير قانوني باعتقاد انه واجب الطاعة يملي عليه تنفيذه، اذ لا طاعة لمخلوق في معصية القانون) ومن خالف القانون وضع نفسه امام مسألة قانونية وللفقهاء اجتهادات كثيرة في هذا المجال لكن الغالبية العظمى، لا تنفي المسؤولية عن محاسبة كل من يخالف القواعد القانونية، مهما كانت صفته او عنوانه علما ان القواعد القانونية المتعارف عليها، ان على المرؤوس ان ينفذ امرا يصدر اليه من رئيسه يفترض ان يكون قانونيا وفيه عنصر حسن النية وفيه مصلحة المجتمع.. ولكن المسألة ليست بهذه السهولة، فالمرؤوس في الاغلب يعتقد ان امر الرئيس واجب عليه تنفيذه، فهو ينفذه لا لأنه امر قانوني بل لانه امر صادر اليه من رئيس تجب طاعته فيقوم بتنفيذه، فالرئيس الذي يصدر أمراً باطلا تبقى مسؤوليته قائمة ويعاقب عليه الذي اصدر الامر الباطل الذي اصدره لمرؤوسيه، ما لم يكن هو بدوره مرؤوسا لرئيس اعلى منه، عموما فان القواعد القانونية والقوانين والانظمة والبيانات هي التي تنظم العلاقات بين السلطة العامة وعمالها والمكلفين بالخدمة العامة والافراد، كلا حسب اختصاصه والقوانين المرعية في اطار الدستور والقوانين الاخرى لكي تتحقق المساواة والعدالة للفرد والمجتمع.