محمد ابراهيم البادي
10-14-2010, 03:01 PM
تعليق على حكم للمحكمة الاتحادية العليا بشأن اجماع الاراء كشرط للحكم بعقوبة الاعدام
الدكتور رفعت رشوان أستاذ القانون الجنائي المشارك بكلية الحقوق جامعة بني سويف وكلية شرطة ابو ظبي
إجماع الآراء كشرط للحكم بعقوبة الإعدام
اتهمت النيابة العامة (ج . ع) بأنه قتل عمداً المجني عليه (أ . ح) بأن طعنه بسكين في العضد الأيمن وفي يمين الصدر وطلبت معاقبته طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وقانون العقوبات الاتحادي .
وفي الجلسة المحددة لنظر الواقعة قضت محكمة أول درجة بإجماع الآراء بالإعدام قصاصاً من الجاني مع عرض الأوراق على صاحب السمو رئيس الدولة للتصديق على الحكم قبل تنفيذه ، وعلى أن يتم التنفيذ بحضور أولياء الدم إن أمكن .
استأنف المحكوم عليه هذا الحكم ، كما استأنفته النيابة العامة ، فقضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفض استئناف المحكوم عليه وبقبول استئناف النيابة العامة ومعاقبة المحكوم عليه بقتله قصاصاً بالوسيلة المتاحة .
طعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ، كما طعن عليه المحكوم عليه ، فقضت المحكمة الاتحادية العليا بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف التي أصدرته للفصل فيه مجدداً بهيئة أخرى وذلك لصدوره بقتل المحكوم عليه قصاصاً دون النص فيه على قاعدة الإجماع .
وبالجلسة المحددة من قبل محكمة الإحالة قضت بإلغاء عقوبة الإعدام وبمعاقبة المحكوم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات عن تهمة القتل العمد لتنازل ولي الدم عن طلب القصاص مع إلزام المحكوم عليه بأن يدفع لورثة المجني عليه مبلغ الدية الشرعية المتفق عليها وقدرها
" ثلاثمائة وخمسون ألف درهم " .
طعن المحكوم عليه للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض ناعياً عليه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، وذلك لأن الطاعن قد تمسك بانتفاء وصف العمد في الجريمة إذ أن وفاة المجني عليه لم تحدث نتيجة الطعن مباشرة بل أن هذا الأخير قد خرج من بيته مشياً على الأقدام عقب الحادث مباشرة وقام الشخص الثالث الذي كان معهما بنقله إلى المستشفى،وكان ينزف طوال الوقت ،وقد فارق الحياة بعد أكثر من ساعتين ، مما يعني أن هناك عوامل أخرى تداخلت في إحداث الوفاة مما يتعين معه تعديل أمر الإحالة ليكون ضرباً أفضي إلى الموت ، كما أدلت النيابة العامة بمذكرة التمست فيها نقض الحكم المطعون فيه جزئياً في خصوص قضائه بعقاب الطاعن بالسجن ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
وحيث أن الطعن بالنقض للمرة الثانية فان المحكمة الاتحادية العليا تصدت للفصل في الموضوع حيث أكدت إدانة المحكوم عليه عن جريمة القتل العمدي ، مع نقض الحكم المطعون فيه جزئياً في خصوص ما قضي به من سجن الطاعن لمدة عشر سنوات عن جريمة القتل العمد المسندة إليه والاكتفاء بمعاقبته عنها تعذيرا بالحبس لمدة ثلاث سنوات إعمالاً لنص المادة (332 /3 ) من قانون العقوبات التي تنص على أن " ( تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا عفا أولياء الدم عن حقهم في القصاص في أي مرحلة من مراحل الدعوى أو قبل تمام التنفيذ " وهو النص الواجب التطبيق على واقعة الدعوى باعتباره القانون الأصلح للطاعن لصدوره بعد الطعن وقبل الفصل فيه بحكم بات
تعليق
وتعليقاً على هذا الحكم يقول الدكتور رفعت رشوان أستاذ القانون الجنائي بكلية الشرطة أن الحكم الماثل أمامنا يثير العديد من المبادئ القانونية المتعلقة بالضمانات التي وضعها المشرع الاتحادي للحكم بعقوبة الإعدام من ناحية ، والقصد الجنائي في جريمة القتل العمد من ناحية ثانية، ورجعية القانون الأصلح للمتهم من ناحية ثالثة
فمن ناحية أولى
نظراً لخطورة عقوبة الإعدام وعدم إمكانية إصلاح الخطأ الذي يصاحب الحكم بها أو تنفيذها ، أحاطها المشرع الجنائي الإماراتي بمجموعة من الضمانات سواء في مرحلة المحاكمة أو في مرحلة تنفيذ العقوبة ولعل من أهم هذه الضمانات هي صدور حكم الإعدام بإجماع آراء قضاة المحكمة، وذلك إعمالا للمادة (218) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي التي تنص على أن " يجمع الرئيس الآراء ويبدأ بأحدث القضاة فالأقدم ثم يبدى رأيه وتصدر الأحكام بأغلبية الآراء فيما عدا الأحكام الصادرة بالإعدام فيجب أن تصدر بإجماع الآراء وعند عدم تحققه تستبدل بعقوبة الإعدام عقوبة السجن المؤبد "
ومن ناحية ثانية
فأن جريمة القتل العمدي يتحقق الركن المعنوي فيها بتوافر القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة حيث ينبغي أن يعلم الجاني جيداً بأن فعله من شأنه أن يؤدي إلى وفاة المجني عليه مع اتجاه إرادته إلى تحقيق هذه النتيجة " المادة 38 من قانون العقوبات الاتحادي"، ولما كان القصد الجنائي أمر خفي يبطنه الجاني فأنه يستدل عليه من إمارات خارجية تدل عليه ، وهو ما انتهي إليه الحكم الماثل عندما اعتبر استخدام الجاني للسكين في ارتكاب جريمته مؤشراً على توافر قصد القتل لديه وخاصة أن المجني عليه قد فارق الحياة متأثراً بجروحه الناتجة من فعل المحكوم عليه .
ومن ناحية ثالثة
على الرغم من أن القانون الذي خفض عقوبة القتل العمد إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة في حالة عفو أولياء الدم عن حقهم في القصاص قد صدر بعد ارتكاب الواقعة موضوع الحكم إلا أن محكمتنا العليا قد طبقته بأثر رجعي وذلك إعمالاً للمادة ( 13) من قانون العقوبات الاتحادي التي نصت على انه ( إذا صدر بعد وقوع الجريمة وقبل الفصل فيها بحكم بات قانون أصلح للمتهم فهو الذي يطبق دون غيره . وإذا صدر بعد صيرورة الحكم باتا قانون يجعل الفعل أو الترك الذي حكم على المتهم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية ما لم ينص القانون الجديد على خلاف ذلك . فإذا كان القانون الجديد مخففا للعقوبة فحسب فللمحكمة التي أصدرت الحكم البات- بناء على طلب النيابة العامة أو المحكوم عليه- إعادة النظر في العقوبة المحكوم بها في ضوء أحكام القانون الجديد)
" لمزيد من التفاصيل حول فكرة القانون الأصلح للمتهم راجع د. احمد عبد الظاهر ،رجعية القانون الأصلح للمتهم في القانون الجنائي الدستوري ،دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2004"
د. رفعت رشوان
أستاذ القانون الجنائي
كلية الشرطة
الدكتور رفعت رشوان أستاذ القانون الجنائي المشارك بكلية الحقوق جامعة بني سويف وكلية شرطة ابو ظبي
إجماع الآراء كشرط للحكم بعقوبة الإعدام
اتهمت النيابة العامة (ج . ع) بأنه قتل عمداً المجني عليه (أ . ح) بأن طعنه بسكين في العضد الأيمن وفي يمين الصدر وطلبت معاقبته طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وقانون العقوبات الاتحادي .
وفي الجلسة المحددة لنظر الواقعة قضت محكمة أول درجة بإجماع الآراء بالإعدام قصاصاً من الجاني مع عرض الأوراق على صاحب السمو رئيس الدولة للتصديق على الحكم قبل تنفيذه ، وعلى أن يتم التنفيذ بحضور أولياء الدم إن أمكن .
استأنف المحكوم عليه هذا الحكم ، كما استأنفته النيابة العامة ، فقضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفض استئناف المحكوم عليه وبقبول استئناف النيابة العامة ومعاقبة المحكوم عليه بقتله قصاصاً بالوسيلة المتاحة .
طعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ، كما طعن عليه المحكوم عليه ، فقضت المحكمة الاتحادية العليا بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف التي أصدرته للفصل فيه مجدداً بهيئة أخرى وذلك لصدوره بقتل المحكوم عليه قصاصاً دون النص فيه على قاعدة الإجماع .
وبالجلسة المحددة من قبل محكمة الإحالة قضت بإلغاء عقوبة الإعدام وبمعاقبة المحكوم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات عن تهمة القتل العمد لتنازل ولي الدم عن طلب القصاص مع إلزام المحكوم عليه بأن يدفع لورثة المجني عليه مبلغ الدية الشرعية المتفق عليها وقدرها
" ثلاثمائة وخمسون ألف درهم " .
طعن المحكوم عليه للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض ناعياً عليه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، وذلك لأن الطاعن قد تمسك بانتفاء وصف العمد في الجريمة إذ أن وفاة المجني عليه لم تحدث نتيجة الطعن مباشرة بل أن هذا الأخير قد خرج من بيته مشياً على الأقدام عقب الحادث مباشرة وقام الشخص الثالث الذي كان معهما بنقله إلى المستشفى،وكان ينزف طوال الوقت ،وقد فارق الحياة بعد أكثر من ساعتين ، مما يعني أن هناك عوامل أخرى تداخلت في إحداث الوفاة مما يتعين معه تعديل أمر الإحالة ليكون ضرباً أفضي إلى الموت ، كما أدلت النيابة العامة بمذكرة التمست فيها نقض الحكم المطعون فيه جزئياً في خصوص قضائه بعقاب الطاعن بالسجن ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
وحيث أن الطعن بالنقض للمرة الثانية فان المحكمة الاتحادية العليا تصدت للفصل في الموضوع حيث أكدت إدانة المحكوم عليه عن جريمة القتل العمدي ، مع نقض الحكم المطعون فيه جزئياً في خصوص ما قضي به من سجن الطاعن لمدة عشر سنوات عن جريمة القتل العمد المسندة إليه والاكتفاء بمعاقبته عنها تعذيرا بالحبس لمدة ثلاث سنوات إعمالاً لنص المادة (332 /3 ) من قانون العقوبات التي تنص على أن " ( تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا عفا أولياء الدم عن حقهم في القصاص في أي مرحلة من مراحل الدعوى أو قبل تمام التنفيذ " وهو النص الواجب التطبيق على واقعة الدعوى باعتباره القانون الأصلح للطاعن لصدوره بعد الطعن وقبل الفصل فيه بحكم بات
تعليق
وتعليقاً على هذا الحكم يقول الدكتور رفعت رشوان أستاذ القانون الجنائي بكلية الشرطة أن الحكم الماثل أمامنا يثير العديد من المبادئ القانونية المتعلقة بالضمانات التي وضعها المشرع الاتحادي للحكم بعقوبة الإعدام من ناحية ، والقصد الجنائي في جريمة القتل العمد من ناحية ثانية، ورجعية القانون الأصلح للمتهم من ناحية ثالثة
فمن ناحية أولى
نظراً لخطورة عقوبة الإعدام وعدم إمكانية إصلاح الخطأ الذي يصاحب الحكم بها أو تنفيذها ، أحاطها المشرع الجنائي الإماراتي بمجموعة من الضمانات سواء في مرحلة المحاكمة أو في مرحلة تنفيذ العقوبة ولعل من أهم هذه الضمانات هي صدور حكم الإعدام بإجماع آراء قضاة المحكمة، وذلك إعمالا للمادة (218) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي التي تنص على أن " يجمع الرئيس الآراء ويبدأ بأحدث القضاة فالأقدم ثم يبدى رأيه وتصدر الأحكام بأغلبية الآراء فيما عدا الأحكام الصادرة بالإعدام فيجب أن تصدر بإجماع الآراء وعند عدم تحققه تستبدل بعقوبة الإعدام عقوبة السجن المؤبد "
ومن ناحية ثانية
فأن جريمة القتل العمدي يتحقق الركن المعنوي فيها بتوافر القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة حيث ينبغي أن يعلم الجاني جيداً بأن فعله من شأنه أن يؤدي إلى وفاة المجني عليه مع اتجاه إرادته إلى تحقيق هذه النتيجة " المادة 38 من قانون العقوبات الاتحادي"، ولما كان القصد الجنائي أمر خفي يبطنه الجاني فأنه يستدل عليه من إمارات خارجية تدل عليه ، وهو ما انتهي إليه الحكم الماثل عندما اعتبر استخدام الجاني للسكين في ارتكاب جريمته مؤشراً على توافر قصد القتل لديه وخاصة أن المجني عليه قد فارق الحياة متأثراً بجروحه الناتجة من فعل المحكوم عليه .
ومن ناحية ثالثة
على الرغم من أن القانون الذي خفض عقوبة القتل العمد إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة في حالة عفو أولياء الدم عن حقهم في القصاص قد صدر بعد ارتكاب الواقعة موضوع الحكم إلا أن محكمتنا العليا قد طبقته بأثر رجعي وذلك إعمالاً للمادة ( 13) من قانون العقوبات الاتحادي التي نصت على انه ( إذا صدر بعد وقوع الجريمة وقبل الفصل فيها بحكم بات قانون أصلح للمتهم فهو الذي يطبق دون غيره . وإذا صدر بعد صيرورة الحكم باتا قانون يجعل الفعل أو الترك الذي حكم على المتهم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية ما لم ينص القانون الجديد على خلاف ذلك . فإذا كان القانون الجديد مخففا للعقوبة فحسب فللمحكمة التي أصدرت الحكم البات- بناء على طلب النيابة العامة أو المحكوم عليه- إعادة النظر في العقوبة المحكوم بها في ضوء أحكام القانون الجديد)
" لمزيد من التفاصيل حول فكرة القانون الأصلح للمتهم راجع د. احمد عبد الظاهر ،رجعية القانون الأصلح للمتهم في القانون الجنائي الدستوري ،دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2004"
د. رفعت رشوان
أستاذ القانون الجنائي
كلية الشرطة