ام بسام
10-08-2010, 09:22 PM
السؤال:
فضيلة الشيخ،
الله، عز وجل هو من خلق الكون و الإنسان، وهو الذي قدر الأقدار.
نجد في هذه الدنيا الغني والفقير، السعيد والشقي، السلم والحرب، الشبعان والجائع، الصحيح والسقيم، الظالم والمظلوم، أناس تعيش حياة سعيدة وآخرون يعيشون في فقر وحرمان وعذاب.
تصادفنا الكثير من المشاكل التي تقلب حياتنا رأسا على عقب، نخرج من هم لنقع بآخر....
هل كل هذا بقدر من الله عز وجل ؟؟؟ لماذا خلقنا الله، أليعذبنا في هذه الدنيا؟ و بما أن كل شيئ بقدر من الله، فإن الإنسان مسير وليس مخير؟؟ إذا إن هذا الإله ظالم (تعالى الله عن ذلك).
كثير من الناس الذين يفكرون بهذه الأشياء، كيف وبماذا نجيبهم؟؟
وهناك من تكلم معي في هذه الأمور، و صارحني بأنه قد ترك الصلاة منذ زمن، ولا يريد الإعتراف بوجود إله، فقد تعب من التفكير بهذه الأمور، وقد تركها بعد أن واجهته مشاكل عديدة في حياته، وبعد أن أمضى الليالي الطوال في الدعاء والصلاة وسماع الدروس الدينية، ولكن مشكلته ما زالت على حالها؟؟
وكما يقول: بعد أن تركت الصلاة كل شيئ بقي على حاله ولكني مرتاح حاليا من الناحية النفسية أكثر لأني لم أعد أفكر بهذه الأمور.
كيف نستطيع إجابته؟؟؟
جزاكم الله عنا كل خير.
ملاحظة: هو لا ينكر وجود الله، ولكنه لا يريد أن يفكر به ، يريد أن يحيى حياة علمانية، فقد تعب من التفكير وخاصة في مسأله الظلم و عدم العدل بين البشر.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم السائل عن سبب خلق الله للناس، وهل خلقهم ليعذبهم، وهل يقع الظلم من الله، وهل الإنسان مخير أم مسير...الخ
كنا قد أجبنا عن معظم هذه الأسئلة في فتوى سابقة بعنوان: (تساؤلات غلام حول الله والكون (http://forum.qalamoun.com/showthread.php?t=11939)). فأرى أن ترجع اليها.
ومع ذلك فسنعرض بعجالة أمورا بحاجة الى التذكرة.
يتعجب الإنسان اليوم عندما يرى اناسا في زمن كثر فيه العلم والاطلاع والثقافة والاكتشافات، ورأينا بأم أعيينا كيف أن كبار العلماء من الغرب والشرق خضعوا لعزة الله وأقروا بعظمته بعد أن رأوا تنظيم هذا الكون وما فيه من عجائب المخلوقات كيف يسير حسب قواعد غاية في الدقة يعجزعن فهمها الإنسان، فضلا عن معرفة كنهها رغم ما توصل إليه من علوم واكتشافات.
ثم نسي بعد ذلك أناس يتحدثون عن الخالق وكأنهم يحاسبونه، ونسوا أنهم هم المحاسبون. يتحدثون عن الخالق العظيم ويسألون لماذا فعل ولماذا لم يفعل، ونسوا أنهم لا يساوون ذرة من هذا الكون الهائل الذي خلقه الله، يتحدثون عن القوي ونسوا أنهم الضعفاء، يتحدثون عن الغني ونسوا أنهم الفقراء، يتحدثون عمن هو غني عنهم وهم الفقراء اليه، ويقولون لماذا وكأنهم هم السائلون مع أنهم هم المسؤولون.
إعلم أخي الكريم أننا نحن الفقراء الى الله وهو الغني الحميد، نحن الضعفاء وهو القوي المتين، نحن المذنبون وهو الغفار، نحن الظالمون وهو الرحمن الرحيم.
أما لماذا خلق الله الانسان: أخي الكريم؛ المنكر لوجود الله يعلن حيرته فيقول كما قال ايليا أبو ماضي:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست ادري
ولماذا لست أدري
فمثل هذا الانسان يعيش في فوضى فكرية وقلق نفسي، فهو لايدري من أوجده ولماذا وجد، ثم ما هي غايته من الحياة، وما هو مصيره بعد ذلك.
والإسلام أعطانا الإجابات الواضحة المريحة لنفس الانسان.
قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) (58) الذاريات
كما خلقهم للإبتلاء قال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (2) الملك
وبين لنا تعالى أن الدنيا قسمين: الحياة الدنيا وهي دار ابتلاء، والحياة الآخرة وهي دار الجزاء، وأخبرنا أن الموت هو الانتقال من دار الإبتلاء الى دار الجزاء.
قال تعالى عن الحياة الدنيا: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) (165) الأنعام
فوجود القوي والضعيف والغني والفقير والصحيح والسقيم في المجتمع ليس من باب الظلم، وانما هو من باب الحكمة التي أرادها الله في اختبار عباده، قال تعالى: ( وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ). إنه محط ابتلاء للناس من يشكر ومن يكفر، ومن يحسن ومن يسيء، من يرحم ومن يظلم، ثم يكون الحساب بعد ذلك.
والأرض دار ابتلاء وامتحان للإنسان، يستخلف الله الانسان في الحياة لمدة محدودة وأجل معلوم، فيبين فيها المؤمن من الكافر، والمطيع من العاصي، حتى يكون الجزاء في الآخرة على ما قدم الإنسان من عمل في الدنيا، ألم تر إلى الذي خلقك وأخرجك الى الدنيا وأنت لا تملك شيئا ثم وهب لك ماشاء من الأموال والأولاد والعلم والمنصب، ثم يسترد بالموت كل الودائع وتخرج من الدنيا كما دخلت إليها، قال تعالى: ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (94) الأنعام
والله أرسل للناس الرسل وطلب منهم أن يخضعوا لأمره وأن يطيعوه باختيارهم في المهلة المعطاة لهم على الأرض، قال تعالى: ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) (29) الكهف
كيف يتحقق الامتحان، أخبر تعالى أن الدنيا دار امتحان وهي دار فانية. وأن الآخرة دار البقاء، قال تعالى: ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (60) القصص
وأخبر تعالى أن ما في الأرض لا يدوم لأصحابه، قال تعالى : ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (64) العنكبوت
وقال تعالى: ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29) الدخان
نتيجة الإختبار الدنيوي: قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) (185) آل عمران
ومن أبى الامتثال لأمر الله وأصر على العصيان فقد ضل وغوى، قال تعالى: ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمْ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (26) الزمر
الموت نهاية مطاف الانسان في الحياة.
قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (57) العنكبوت
حال الكافر بعد الموت: قال تعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ) (68) العنكبوت
أما حال المؤمن بعد الموت: قال تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (59) العنكبوت
أما قولك أنك وجدت راحة بعد تركك للصلاة، فاعلم أن هذا من تلبيس ابليس عليك، فإن الصلاة تجلب الراحة، والبعد عنها يجلب التعب وعدم الاطمئنان، قال تعالى: ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (28) الرعد
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبلال رضي الله عنه: (أرحنا بها يا بلال)
رواه أحمد وأبوداود
أي أقم الصلاة لنجد راحتنا بها، وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (جعلت قرة عيني في الصلاة) رواه أحمد والنسائي
وترك الصلاة مجلبة للتعاسة وعدم الراحة النفسية، قال تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه
قال ابن عباس رضي الله عنه (الضنك) : هو الشقاء
وقال ابن كثير رحمه الله: الضنك هو عدم الطمأنينة والقلق والحيرة والشك.
أما قولك هل الله يظلم، فهذا قمة البهتان في حق الله تبارك وتعالى، وهو القائل: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) (40) النساء
وقال تعالى: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) (47) الأنبياء
وفي الحديث القدسي: ( يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )
الى أن يقول: ( يا عبادي انما هي أعمالكم احصيها لكم ثم أفيكم اياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ) أخرجه مسلم
جعلنا الله ممن يجدون الخير عند الحساب ووقانا الله شر العذاب
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المفتي الشيخ الدكتور أحمد عبيد حفظه الله
فضيلة الشيخ،
الله، عز وجل هو من خلق الكون و الإنسان، وهو الذي قدر الأقدار.
نجد في هذه الدنيا الغني والفقير، السعيد والشقي، السلم والحرب، الشبعان والجائع، الصحيح والسقيم، الظالم والمظلوم، أناس تعيش حياة سعيدة وآخرون يعيشون في فقر وحرمان وعذاب.
تصادفنا الكثير من المشاكل التي تقلب حياتنا رأسا على عقب، نخرج من هم لنقع بآخر....
هل كل هذا بقدر من الله عز وجل ؟؟؟ لماذا خلقنا الله، أليعذبنا في هذه الدنيا؟ و بما أن كل شيئ بقدر من الله، فإن الإنسان مسير وليس مخير؟؟ إذا إن هذا الإله ظالم (تعالى الله عن ذلك).
كثير من الناس الذين يفكرون بهذه الأشياء، كيف وبماذا نجيبهم؟؟
وهناك من تكلم معي في هذه الأمور، و صارحني بأنه قد ترك الصلاة منذ زمن، ولا يريد الإعتراف بوجود إله، فقد تعب من التفكير بهذه الأمور، وقد تركها بعد أن واجهته مشاكل عديدة في حياته، وبعد أن أمضى الليالي الطوال في الدعاء والصلاة وسماع الدروس الدينية، ولكن مشكلته ما زالت على حالها؟؟
وكما يقول: بعد أن تركت الصلاة كل شيئ بقي على حاله ولكني مرتاح حاليا من الناحية النفسية أكثر لأني لم أعد أفكر بهذه الأمور.
كيف نستطيع إجابته؟؟؟
جزاكم الله عنا كل خير.
ملاحظة: هو لا ينكر وجود الله، ولكنه لا يريد أن يفكر به ، يريد أن يحيى حياة علمانية، فقد تعب من التفكير وخاصة في مسأله الظلم و عدم العدل بين البشر.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم السائل عن سبب خلق الله للناس، وهل خلقهم ليعذبهم، وهل يقع الظلم من الله، وهل الإنسان مخير أم مسير...الخ
كنا قد أجبنا عن معظم هذه الأسئلة في فتوى سابقة بعنوان: (تساؤلات غلام حول الله والكون (http://forum.qalamoun.com/showthread.php?t=11939)). فأرى أن ترجع اليها.
ومع ذلك فسنعرض بعجالة أمورا بحاجة الى التذكرة.
يتعجب الإنسان اليوم عندما يرى اناسا في زمن كثر فيه العلم والاطلاع والثقافة والاكتشافات، ورأينا بأم أعيينا كيف أن كبار العلماء من الغرب والشرق خضعوا لعزة الله وأقروا بعظمته بعد أن رأوا تنظيم هذا الكون وما فيه من عجائب المخلوقات كيف يسير حسب قواعد غاية في الدقة يعجزعن فهمها الإنسان، فضلا عن معرفة كنهها رغم ما توصل إليه من علوم واكتشافات.
ثم نسي بعد ذلك أناس يتحدثون عن الخالق وكأنهم يحاسبونه، ونسوا أنهم هم المحاسبون. يتحدثون عن الخالق العظيم ويسألون لماذا فعل ولماذا لم يفعل، ونسوا أنهم لا يساوون ذرة من هذا الكون الهائل الذي خلقه الله، يتحدثون عن القوي ونسوا أنهم الضعفاء، يتحدثون عن الغني ونسوا أنهم الفقراء، يتحدثون عمن هو غني عنهم وهم الفقراء اليه، ويقولون لماذا وكأنهم هم السائلون مع أنهم هم المسؤولون.
إعلم أخي الكريم أننا نحن الفقراء الى الله وهو الغني الحميد، نحن الضعفاء وهو القوي المتين، نحن المذنبون وهو الغفار، نحن الظالمون وهو الرحمن الرحيم.
أما لماذا خلق الله الانسان: أخي الكريم؛ المنكر لوجود الله يعلن حيرته فيقول كما قال ايليا أبو ماضي:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست ادري
ولماذا لست أدري
فمثل هذا الانسان يعيش في فوضى فكرية وقلق نفسي، فهو لايدري من أوجده ولماذا وجد، ثم ما هي غايته من الحياة، وما هو مصيره بعد ذلك.
والإسلام أعطانا الإجابات الواضحة المريحة لنفس الانسان.
قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) (58) الذاريات
كما خلقهم للإبتلاء قال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (2) الملك
وبين لنا تعالى أن الدنيا قسمين: الحياة الدنيا وهي دار ابتلاء، والحياة الآخرة وهي دار الجزاء، وأخبرنا أن الموت هو الانتقال من دار الإبتلاء الى دار الجزاء.
قال تعالى عن الحياة الدنيا: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) (165) الأنعام
فوجود القوي والضعيف والغني والفقير والصحيح والسقيم في المجتمع ليس من باب الظلم، وانما هو من باب الحكمة التي أرادها الله في اختبار عباده، قال تعالى: ( وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ). إنه محط ابتلاء للناس من يشكر ومن يكفر، ومن يحسن ومن يسيء، من يرحم ومن يظلم، ثم يكون الحساب بعد ذلك.
والأرض دار ابتلاء وامتحان للإنسان، يستخلف الله الانسان في الحياة لمدة محدودة وأجل معلوم، فيبين فيها المؤمن من الكافر، والمطيع من العاصي، حتى يكون الجزاء في الآخرة على ما قدم الإنسان من عمل في الدنيا، ألم تر إلى الذي خلقك وأخرجك الى الدنيا وأنت لا تملك شيئا ثم وهب لك ماشاء من الأموال والأولاد والعلم والمنصب، ثم يسترد بالموت كل الودائع وتخرج من الدنيا كما دخلت إليها، قال تعالى: ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (94) الأنعام
والله أرسل للناس الرسل وطلب منهم أن يخضعوا لأمره وأن يطيعوه باختيارهم في المهلة المعطاة لهم على الأرض، قال تعالى: ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) (29) الكهف
كيف يتحقق الامتحان، أخبر تعالى أن الدنيا دار امتحان وهي دار فانية. وأن الآخرة دار البقاء، قال تعالى: ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (60) القصص
وأخبر تعالى أن ما في الأرض لا يدوم لأصحابه، قال تعالى : ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (64) العنكبوت
وقال تعالى: ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29) الدخان
نتيجة الإختبار الدنيوي: قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) (185) آل عمران
ومن أبى الامتثال لأمر الله وأصر على العصيان فقد ضل وغوى، قال تعالى: ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمْ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (26) الزمر
الموت نهاية مطاف الانسان في الحياة.
قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (57) العنكبوت
حال الكافر بعد الموت: قال تعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ) (68) العنكبوت
أما حال المؤمن بعد الموت: قال تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (59) العنكبوت
أما قولك أنك وجدت راحة بعد تركك للصلاة، فاعلم أن هذا من تلبيس ابليس عليك، فإن الصلاة تجلب الراحة، والبعد عنها يجلب التعب وعدم الاطمئنان، قال تعالى: ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (28) الرعد
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبلال رضي الله عنه: (أرحنا بها يا بلال)
رواه أحمد وأبوداود
أي أقم الصلاة لنجد راحتنا بها، وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (جعلت قرة عيني في الصلاة) رواه أحمد والنسائي
وترك الصلاة مجلبة للتعاسة وعدم الراحة النفسية، قال تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه
قال ابن عباس رضي الله عنه (الضنك) : هو الشقاء
وقال ابن كثير رحمه الله: الضنك هو عدم الطمأنينة والقلق والحيرة والشك.
أما قولك هل الله يظلم، فهذا قمة البهتان في حق الله تبارك وتعالى، وهو القائل: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) (40) النساء
وقال تعالى: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) (47) الأنبياء
وفي الحديث القدسي: ( يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )
الى أن يقول: ( يا عبادي انما هي أعمالكم احصيها لكم ثم أفيكم اياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ) أخرجه مسلم
جعلنا الله ممن يجدون الخير عند الحساب ووقانا الله شر العذاب
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المفتي الشيخ الدكتور أحمد عبيد حفظه الله