سعيد مرزوق
10-08-2010, 08:19 PM
هي القضايا أعطاهم لنا الدكتور وهذا كان حلي لها ^^
أتمنى أن تكون مفيده لكم
القضية الأولى:
أثناء مرور أحد مأموري الضبط القضائي بأحد الشوارع لتفقد حالة الأمن، وجد شخص مسرع الخطى وكان ذلك في الساعة 3 ظهراً فقام باستيقافهِ وسؤالهِ عن اسمهِ ومهنتهِ ووجهتهِ وطلب منهُ إبراز بطاقة تحقيق الشخصية، فأخرجها لهُ وأعطاها إياه، وعند ذلك سقطة منها لفافة سلوفانية مغلقة، ما إن وصلت إلى الأرض حتى انفرطت، وظهرت منها مادة تشبه الحشيش، فالتقطها مأمور الضبط، وقام بالقبض على المتهم وتفتيشهِ، فعثر معهُ على سلاح تبين أنهُ بدون ترخيص، فقام باصطحابهِ إلى مسكنهِ، وأثناء تفتيشهِ عثر بهِ على صناديق ذخيرة غير مرخصة.
وضح مدى صحة القبض على المتهم وتفتيشهُ وضبط السلاح بدون ترخيص، وكذلك تفتيش مسكنهُ وضبط الذخيرة الغير مرخصة.
الحـــــل:
ملخص الواقعة:
قيام مأمور الضبط القضائي عند مرورهِ بأحد الشوارع لتفقد حالة الأمن،باستيقاف شخص شاهدهُ مسرع الخطى، وكان ذلك في الساعة 3 ظهراً.
وقام بسؤالهِ عن اسمهِ ومهنتهِ ووجهتهِ وطلب منهُ إبراز بطاقة تحقيق الشخصية، وعند إخراج الشخص البطاقة لمأمور الضبط القضائي، سقطة منهُ لفافة سلوفانية.
وعند سقوطها على الأرض انفرطت وظهرت منها مادة تشبه الحشيش، وعلى أثرها قام مأمور الضبط القضائي بالتقاطها والقبض على المتهم وتفتيشهِ.
وعند تفتيشهِ عثر في حوزتهِ على سلاح تبين أنهُ غير مرخص، وبعدها قام مأمور الضبط القضائي باصطحاب المتهم لمسكنهِ، وعند تفتيشهِ للمسكن عثر بهِ على صناديق ذخيرة غير مرخصة.
تثير الواقعة عدة مسائل وهي:
مدى صحة الاستيقاف وشروطهِ.
مدى صلاحية مأمور الضبط القضائي باستيقاف الأشخاص في وضح النهار عند الساعة الثالثة ظهراً، بمجرد رؤيتهِ مسرع الخطى.
مدى صحة الإجراءات التي تلت واقعة الاستيقاف من قبض وتفتيش، وكذلك اقتياد الشخص من أجل تفتيش مسكنهُ.
مدى توافر حالة من حالات التلبس وشروطهِ.
مدى صحة توجيه تهمة حيازة سلاح بدون ترخيص، وكذلك حيازة ذخيرة بدون ترخيص.
للإجابة على هذهِ التساؤلات نقوم أولاً بتوضيح معنى الاستيقاف وشروطهِ وحالاتهِ والمظاهر التي توحي لمأمور الضبط القضائي في القيام بإجراء الاستيقاف:
معنى الاستيقاف:
من المعلوم أن الاستيقاف هو إجراء بمقتضاه يحق لمأمور الضبط القضائي أن يوقف الشخص ليسأله عن هويتهُ وعن حرفتهِ وعن محل إقامتهِ ووجهتهِ إذا اقتضى الحال، وهو ليس من إجراءات التحقيق إذ لا يتضمن أي حجز على حرية الشخص، كما أنهُ ليس من إجراءات جمع الاستدلالات، وإنما هو من إجراءات التحري.
كما أنهُ لا يوجد للاستيقاف سند في نصوص قانون الإجراءات الجزائية وإنما هو من صنع القضاء الذي استخلصهُ من وظيفة الضبط الإداري، ودورهُ في المحافظة على النظام والأمن العام ومنع وقوع الجرائم والتدخل للاستفسار في كل حالة يضع الشخص نفسهُ بإرادتهِ في موضع الشك والريبة للوقوف على حقيقة أمرهِ. لذلك مُنح كل رجل من رجال السلطة العامة الحق في استيقاف أي شخص تتوافر فيهِ شروط الاستيقاف القانونية والتي يكون لها مسوغ من واقع الحال، فإذا انتفى هذا المسوغ كان الاستيقاف من قبيل القبض الباطل.
والاستيقاف قانوناً لا يعدوا أن يكون إيقاف إنسان وضع نفسهُ موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيتهِ، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاتهِ تعرضاً مادياً للمستوقف يمكن أن يكون فيهِ مساس بحريتهِ الشخصية أو اعتداء عليها، ما لم يترتب على الاستيقاف من مستجدات أخرى تسمح بذلك المساس.
حيث يشترط الاستيقاف توافر حالة الشك والريبة، وشبهة لا تصل إلى مرتبة الدلائل الكافية على الاتهام التي يستلزمها القبض، ولا يشترط أن تكون في جريمة معينة، كما لا يشترط أن تكون هنالك جريمة قد وقعت أساساً.
وبذلك يؤخذ الاستيقاف بمعناه الضيق المتمثل في الإيقاف والسؤال، باعتبارهِ إجراء وقائي من إجراءات الضبط الإداري و التحري وحفظ الأمن والنظام العام.
ويشترط في الاستيقاف توافر الشروط التالية:
1. أن الاستيقاف إجراء يقوم بهِ رجل السلطة العامة يسوغهُ اشتباه تبرره الظروف.
2. أن الاستيقاف مجرد إيقاف إنسان وضع نفسهُ موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيتهِ، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاتهِ تعرضاً مادياً للمتحرى عنهُ، يمكن أن يكون فيها مساس بحريتهِ الشخصية أو اعتداء عليها.
3. أن يضع المشتبه بهِ نفسهُ موضع الشك والريبة، ويكون ذلك بإتيان سلوك يتمثل في فعل أو قول يخلق ويشكل وضعاً أو ظرفا غير طبيعي يؤدي إلى حالة من الشك والريبة في ذهن رجل السلطة العامة، مما يدفعهُ إلى التدخل ليتحرى ويكشف عن الحقيقة، وتتمثل نتيجة ذلك التصرف في علامات خارجية وشبهات ظاهرة على المشتبه بهِ مصحوبة بارتباك شديد، بحيث أن كل من يراه يستوحي منهُ أن هناك أمراً غير عادي، وربما أن هناك جريمة قد ارتكبت.
4. أن يكون ذلك التصرف بطوع واختيار المشتبه بهِ، أي أنهُ لم يكن مضطراً لإتيان ذلك التصرف بسبب إكراههِ عليهِ أو تهديدهِ بإتيانهِ، كاضطرارهِ للجلوس بجانب منزل معين بوقت متأخر من الليل لكونهِ مريضاً وينتظر من يسعفهُ.وإن كان هذا الشرط لا يعد شرطاً لاتخاذ إجراء الاستيقاف ولكنهُ شرطٌ لصحة ما يتخذ بناءً على الاستيقاف، لأن رجل السلطة العامة لن يكشف ذلك إلا بعد أن ينفذ الاستيقاف بسؤالهِ والطلب منهُ إزالة حالة الشك التي خلقها موقفهُ الذي كان عليهِ.
وعليهِ فإن الاستيقاف يعد من الوسائل المشروعة في كشف حالة التلبس بالجريمة، في حالة مشاهدة الجريمة نتيجة لإجراء الاستيقاف، فإذا تم استيقاف المتهم وتحققت فيهِ شروط الاستيقاف القانونية، وأسفر هذا الاستيقاف عن قيام حالة التلبس،كان ضبط الجريمة في هذهِ الحالة صحيحاً منتجاً لآثارهِ القانونية.
ولما كان الثابت من الواقعة أن المتهم لم يضع نفسهُ موضع الشك والريبة، وأن مأمور الضبط القضائي قام باستيقافهِ لمجرد رؤيتهِ مسرع الخطى في وضح النهار حيث شاهدهُ في الساعة الثالثة ظهراً، فإن هذهِ المظاهر لا تدل على الشك والريبة التي تبرر استيقاف الأشخاص وسؤالهم.
حيث أن ما قام بهِ الشخص بأنهُ كان مسرع الخطى في وقت الظهيرة وهي الساعة الثالثة ظهراً من الأمور المألوفة التي لا تعتبر من العلامات الخارجية والشبهات الظاهرية التي تبرر قيام مأمور الضبط القضائي بإجراء الاستيقاف وسؤالهِ عن اسمهِ ومهنتهِ ووجهتهِ أو أن يطلب منهُ إبراز بطاقة تحقيق الشخصية.
حيث يحق لمأمور الضبط القضائي إجراء الاستيقاف عند توافر علامات خارجية وظروف ظاهرية وشبهات يستوحي منها أن هنالك أمراً غير عادياً يحيط بالشخص، أو يدل على أن هنالك جريمة قد ارتكبت.
كما أنهُ عند قيام مأمور الضبط القضائي بسؤال المتهم عن أسمه ومهنتهِ ووجهتهِ وطلب منهُ إبراز تحقيق الشخصية، لم تظهر على المتهم حالة الريبة و الخوف أو التعنت أو المماطلة التي توحي بارتباكهِ مما يبرر حالة الشك.
وبالتالي لا يحق لمأمور الضبط القضائي إجراء الاستيقاف لعدم توافر شروط الاستيقاف القانونية والتي يكون لها مُسّوغ من واقع الحال، فإن انتفاء مسوغ إجراء الاستيقاف يعدُ من قُبيل القبض الباطل.
ويكون الإجراء الذي قام بهِ مأمور الضبط القضائي من استيقاف للشخص، قد شابهً عيب حيث لم توجد غاية أو مبرر لهُ للقيام بهذا الإجراء. وهذا ما أكدهُ المشرع في نص المادة( 221) من قانون الإجراءات الجزائية بقولهِ " يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانهِ أو إذا شابهُ عيب لم يتحقق بسببهِ الغاية من الإجراء"
كما أن الفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفهِ هو من اختصاص محكمة الموضوع، يستقل بهِ القاضي بغير معقب مادام لاستنتاجهِ وجه يسوغهُ.
وبما أن سقوط اللفافة السلوفانية التي كانت في حيازة المتهم، والتي انفضت عند وقوعها وتبين بها مادة تشبه الحشيش، كان سبب المباشر لاكتشافها هو إجراء الاستيقاف، الذي أتاح لمأمور الضبط القضائي إيقاف المتهم وسؤالهِ، وقيامهِ بطلب إبراز بطاقة تحقيق الشخصية من المتهم، والتي كان يحتفظ بها في جيبهِ مع اللفافة، وما إن هم المتهم بإخراج البطاقة بناءً على طلب مأمور الضبط القضائي حتى سقطت اللفافة على الأرض وانفرطت وتبين على أثرها لمأمور الضبط القضائي أنها تحوي مادة تشبه الحشيش، مما أدى لقيام مأمور الضبط القضائي بالقبض على المتهم وتفتيشهِ، وعند تفتيشهِ عثر بحوزتهِ على سلاح غير مرخص، وقام على أثرها باصطحابهِ لمسكنهِ وقام بتفتيش المسكن بحضور المتهم وعثر بداخل المسكن على صناديق ذخيرة غير مرخصة، وقام على إثر ذلك بتوجيهِ تهمة حيازة مادة مخدرة و سلاح دون ترخيص فضلاً عن جريمة حيازة ذخائر دون ترخيص،إعلاناً بقيام حالة من حالات التلبس بارتكاب الجريمة التي تستوجب القبض والتفتيش والتي كانت ناتجة عن إجراء الاستيقاف،
وبما أن الإجراءات اللاحقة على إجراء الاستيقاف من قبض وتفتيش كانت مبنية على إجراء باطل وهو إجراء الاستيقاف، فإن جميع الإجراءات تكون باطله لبطلان إجراء الاستيقاف،
وهذا ما أكدتهُ المادة (228) من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على أنهُ" لا يترتب على بطلان الإجراء بطلان الإجراءات السابقة عليهِ والإجراءات اللاحقة إذا لم تكن مبنية عليهِ"
كما أنهُ من الثوابت في الشريعة الإسلامية، أنهُ ما بني على باطلٍ فهو باطل، فإن كافة الإجراءات التي قام بها مأمور الضبط القضائي في الكشف عن الجريمة مبنية على إجراء باطل وهو إجراء الاستيقاف الذي تم دون توافر المسوغ لإتباعها وعدم توافر شروطها القانونية التي تبرر القيام بها والأنفة الذكر.
وبناءً على ما تقدم، فإن إجراء القبض على المتهم بناءً على اللفافة السلوفانية وتفتيشهُ وواقعة ضبط السلاح بدون ترخيص وكذالك تفتيش مسكنهُ وضبط صناديق الذخيرة الغير مرخصة باطلة، مما يستوجب براءة المتهم مما نسب إليهِ من تُهم.
القضية الثانية:
أثناء مرور أحد مأموري الضبط القضائي في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، بمنطقة نائية، ليس بها مساكن، وجد مجموعة من الأشخاص يقفون في أماكن متفرقة، وما إن رأوا مأمور الضبط حتى أسرعوا بالهروب، ولكن مأمور الضبط تمكن من استيقاف أحدهم، وطلب منهُ تحقيق الشخصية، فأخرجها لهُ، وأثناء ذلك سقطة منها لفافة مغلقة، فقام مأمور الضبط بالتقاطها وفضها( فتحها)، فظهر أن بداخلها مادة تشبه المخدر ، فقبض على المتهم.
حدد مدى صحة القبض على المتهم؟
الحـــــل:
ملخص الواقعة:
أنهُ قام مأمور الضبط القضائي في الساعة الثانية بعد منتصف الليل بالمرور في منطقة نائية لا يوجد بها مساكن، وعند مرورهِ في تلك المنطقة وجد مجموعة من الأشخاص يقفون في مناطق متفرقة، وما إن رأوهُ حتى أسرعوا بالهرب، إلا أن مأمور الضبط استطاع استيقاف أحدهم، وطلب منهُ تحقيق شخصيتهُ، وأثناء أخراج الشخص تحقيق الشخصية سقطت منها لفافة مغلقة، فقام مأمور الضبط القضائي بالتقاطها وفضها، واتضح لهُ أن بداخلها مادة تشبه المخدر فقام بالقبض على المتهم.
تثير هذهِ الواقعة عدة مسائل وهي:
مدى صحة الاستيقاف وشروطهِ
مدى صحة قيام مأمور الضبط القضائي بالتقاط اللفافة وفضها.
مدى صحة القبض وشروطهُ
للإجابة على هذهِ التساؤلات نقوم أولا بإظهار صحة الاستيقاف وشروطهِ:
فالاستيقاف أمر جائز لمأمور الضبط القضائي، وهو لا يعدوا أن يكون إيقاف إنسان وضع نفسهُ موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيتهِ، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاتهِ تعرضاً مادياً للمتحرى عنهُ يمكن أن يكون فيهِ مساس بحريتهِ الشخصية أو اعتداء عليها، ما لم يترتب على الاستيقاف من مستجدات أخرى تسمح بذلك المساس.
حيث يشترط الاستيقاف توافر حالة الشك والريبة، وشبهة لا تصل إلى مرتبة الدلائل الكافية على الاتهام التي يستلزمها القبض، ولا يشترط أن تكون في جريمة معينة، كما لا يشترط أن تكون هنالك جريمة قد وقعت أساساً.
وبما أن الثابت من الواقعة أن مأمور الضبط القضائي قد شاهدة مجموعة من الأشخاص يقفون في أماكن متفرقة في منطقة نائية ليس بها مساكن وكان ذلك في الساعة الثانية بعد منتصف الليل،مما يدعوا للشك والريبة، كما أنهم ما أن رأوا مأمور الضبط حتى أسرعوا بالفرار، ويكونوا بفعلهم هذا قد وضعوا أنفسهم في محض إرادتهم موضع الشك والريبة، بان توافرت أمارات قوية تخلق وتشكل وضعاً أو ظرفا غير طبيعي يؤدي إلى حالة من الشك والريبة في ذهن مأمور الضبط، مما دفعهُ إلى التدخل ليتحرى ويكشف عن الحقيقة أمرهم، وبهذا يكون إجراء مأمور الضبط القضائي باستيقاف أحد هؤلاء الأشخاص صحيحاً ومنتجاً لما يترتب عليهِ من آثار.
وما إن استوقف مأمور الضبط أحدهم حتى طلب منهُ تحقيق الشخصية ليتأكد من شخصيتهِ، وما أن استخراج المتحرى عنهُُ بطاقة تحقيق الشخصية حتى سقطت عنهُ لفافة مغلقة، قام على أثرها مأمور الضبط بالتقاطها، ولم يتمكن من معرفة ما بداخلها حتى قام بفضها، وعلى أثر ما قام بهِ مأمور الضبط تبين لهُ أن بها مادة تشبه المخدر، وعليهِ قام مأمور الضبط بالقبض على المتهم.
وبما أن المادة (42) من قانون الإجراءات الجزائية قد نصت على أنهُ " تكون الجريمة متلبساً بها حال ارتكابها أو بعد ارتكابها ببرهة يسيرة، وتعتبر الجريمة متلبساً بها إذا اتبع المجني عليهِ مرتكبها، أو تبعتهُ العامة مع الصياح إثر وقوعها أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات أو أسلحة أو أمتاع أو أشياء يستدل منها على أنهُ فاعل أو شريك فيها أو إذا وجدت بهِ في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك"
وبذلك يكون المشرع قد حصر حالات التلبس في المادة (42) فلا يجوز الإضافة إليها ولو كان ذلك قياساً عليها أو تقريباً إليها، وعلة ذلك أن حالات التلبس تكون مصدراً لسلطاتٍ استثنائية تُخوّل لمأمور الضبط القضائي، والقاعدة أن كل نظام استثنائي لا يجوز التوسع فيهِ، بالإضافة إلى أن هذهِ السلطات الاستثنائية تمس بطبيعتها الحريات والحقوق الفردية، ولا يجوز تَقَْبُل هذا المساس فيما يُجاوز الاعتبارات التي اقتضتهُ.
كما أنهُ لا يكفي أن تكون الجريمة متلبساً بها حتى يباشر مأمور الضبط القضائي سلطتهُ الاستثنائية والقبض على من تقوم دلائل كافية على ارتكابهِ للجريمة، بل لا بد أن يتم إدراك حالة التلبس بواسطة مأمور الضبط القضائي نفسهُ وأن يكون إدراكه لحالة التلبس قد تم بطريق مشروع، أي أنهُ يلزم لكي يكون التلبس بالجريمة صحيحاً توافر شرطين أساسيين وهما:
1. أن تكون مشاهدة الجريمة المتلبس بها قد تمت بمعرفة مأمور الضبط القضائي.
2. وأن يكون إثبات التلبس قد تم بطريق مشروع، وإذا تخلف أحد هذين لشرطين لا ينتج التلبس الآثار الإجرائية التي خولها المشرع لمأمور الضبط القضائي والمتمثلة بالقبض والتفتيش.
ولما كان الواضح من الواقعة أن مأمور الضبط القضائي عند استيقافهِ للمتحرى عنهُ وطلب منهُ إبراز تحقيق الشخصية وعند إبرازها من جيبهِ سقطة منهُ لفافة مغلقة فالتقطها من الأرض وفضها فوجدها تحتوي على مادة تشبه المخدر فقام على أثرها بالقبض عليهِ، وكان الثابت أن مأمور الضبط لم يتبين محتوى اللفافة التي سقطت عرضاً من المتحرى عنهُ عند إخراجهِ لتحقيق شخصيةِ الأمر الذي لا يعتبر تخلياً منهُ عن حيازتها بل تظل رغم ذلك في حيازتهِ القانونية، وإذ كان مأمور الضبط لم يستبن محتوى اللفافة قبل فضها، فإن الواقعة على هذا النحو لا تعتبر من حالات التلبس المبينة بطريق الحصر في المادة(42) من قانون الإجراءات الجزائية،حيث يكون قد تم إثبات التلبس بطريقه غير مشروعه، كما أنهُ لم تتوافر مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع هذهِ الجريمة، وتبيح بالتالي لمأمور الضبط إجراء القبض على المتهم.
حيث يشترط في التخلي الذي يبنى عليهِ قيام حالة التلبس بالجريمة أن يكون قد وقع عن إرادة وطواعية واختيار. ومن خلال الواقعة يتبين أن التخلي تم بطريقة عرضية عند إخراج المتحرى عنه تحقيق الشخصية من جيبهِ الأمر الذي لا يعتبر تخلياً منهُ عن حيازتها بل تظل في حيازتهِ القانونية، الأمر الذي يؤدي لانعدام حالة التلبس التي نصت عليها المادة( 42) من قانون الإجراءات الجزائية والتي ذكرتها على سبيل الحصر، وبالتالي لا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يمارس سلطتهُ الاستثنائية من قبض وتفتيش.
وعليهِ فإن قيام مأمور الضبط القضائي بالقبض على المتهم يكون إجراء باطلاً، مستوجب تبرأت المتهم.
أتمنى أن تكون مفيده لكم
القضية الأولى:
أثناء مرور أحد مأموري الضبط القضائي بأحد الشوارع لتفقد حالة الأمن، وجد شخص مسرع الخطى وكان ذلك في الساعة 3 ظهراً فقام باستيقافهِ وسؤالهِ عن اسمهِ ومهنتهِ ووجهتهِ وطلب منهُ إبراز بطاقة تحقيق الشخصية، فأخرجها لهُ وأعطاها إياه، وعند ذلك سقطة منها لفافة سلوفانية مغلقة، ما إن وصلت إلى الأرض حتى انفرطت، وظهرت منها مادة تشبه الحشيش، فالتقطها مأمور الضبط، وقام بالقبض على المتهم وتفتيشهِ، فعثر معهُ على سلاح تبين أنهُ بدون ترخيص، فقام باصطحابهِ إلى مسكنهِ، وأثناء تفتيشهِ عثر بهِ على صناديق ذخيرة غير مرخصة.
وضح مدى صحة القبض على المتهم وتفتيشهُ وضبط السلاح بدون ترخيص، وكذلك تفتيش مسكنهُ وضبط الذخيرة الغير مرخصة.
الحـــــل:
ملخص الواقعة:
قيام مأمور الضبط القضائي عند مرورهِ بأحد الشوارع لتفقد حالة الأمن،باستيقاف شخص شاهدهُ مسرع الخطى، وكان ذلك في الساعة 3 ظهراً.
وقام بسؤالهِ عن اسمهِ ومهنتهِ ووجهتهِ وطلب منهُ إبراز بطاقة تحقيق الشخصية، وعند إخراج الشخص البطاقة لمأمور الضبط القضائي، سقطة منهُ لفافة سلوفانية.
وعند سقوطها على الأرض انفرطت وظهرت منها مادة تشبه الحشيش، وعلى أثرها قام مأمور الضبط القضائي بالتقاطها والقبض على المتهم وتفتيشهِ.
وعند تفتيشهِ عثر في حوزتهِ على سلاح تبين أنهُ غير مرخص، وبعدها قام مأمور الضبط القضائي باصطحاب المتهم لمسكنهِ، وعند تفتيشهِ للمسكن عثر بهِ على صناديق ذخيرة غير مرخصة.
تثير الواقعة عدة مسائل وهي:
مدى صحة الاستيقاف وشروطهِ.
مدى صلاحية مأمور الضبط القضائي باستيقاف الأشخاص في وضح النهار عند الساعة الثالثة ظهراً، بمجرد رؤيتهِ مسرع الخطى.
مدى صحة الإجراءات التي تلت واقعة الاستيقاف من قبض وتفتيش، وكذلك اقتياد الشخص من أجل تفتيش مسكنهُ.
مدى توافر حالة من حالات التلبس وشروطهِ.
مدى صحة توجيه تهمة حيازة سلاح بدون ترخيص، وكذلك حيازة ذخيرة بدون ترخيص.
للإجابة على هذهِ التساؤلات نقوم أولاً بتوضيح معنى الاستيقاف وشروطهِ وحالاتهِ والمظاهر التي توحي لمأمور الضبط القضائي في القيام بإجراء الاستيقاف:
معنى الاستيقاف:
من المعلوم أن الاستيقاف هو إجراء بمقتضاه يحق لمأمور الضبط القضائي أن يوقف الشخص ليسأله عن هويتهُ وعن حرفتهِ وعن محل إقامتهِ ووجهتهِ إذا اقتضى الحال، وهو ليس من إجراءات التحقيق إذ لا يتضمن أي حجز على حرية الشخص، كما أنهُ ليس من إجراءات جمع الاستدلالات، وإنما هو من إجراءات التحري.
كما أنهُ لا يوجد للاستيقاف سند في نصوص قانون الإجراءات الجزائية وإنما هو من صنع القضاء الذي استخلصهُ من وظيفة الضبط الإداري، ودورهُ في المحافظة على النظام والأمن العام ومنع وقوع الجرائم والتدخل للاستفسار في كل حالة يضع الشخص نفسهُ بإرادتهِ في موضع الشك والريبة للوقوف على حقيقة أمرهِ. لذلك مُنح كل رجل من رجال السلطة العامة الحق في استيقاف أي شخص تتوافر فيهِ شروط الاستيقاف القانونية والتي يكون لها مسوغ من واقع الحال، فإذا انتفى هذا المسوغ كان الاستيقاف من قبيل القبض الباطل.
والاستيقاف قانوناً لا يعدوا أن يكون إيقاف إنسان وضع نفسهُ موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيتهِ، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاتهِ تعرضاً مادياً للمستوقف يمكن أن يكون فيهِ مساس بحريتهِ الشخصية أو اعتداء عليها، ما لم يترتب على الاستيقاف من مستجدات أخرى تسمح بذلك المساس.
حيث يشترط الاستيقاف توافر حالة الشك والريبة، وشبهة لا تصل إلى مرتبة الدلائل الكافية على الاتهام التي يستلزمها القبض، ولا يشترط أن تكون في جريمة معينة، كما لا يشترط أن تكون هنالك جريمة قد وقعت أساساً.
وبذلك يؤخذ الاستيقاف بمعناه الضيق المتمثل في الإيقاف والسؤال، باعتبارهِ إجراء وقائي من إجراءات الضبط الإداري و التحري وحفظ الأمن والنظام العام.
ويشترط في الاستيقاف توافر الشروط التالية:
1. أن الاستيقاف إجراء يقوم بهِ رجل السلطة العامة يسوغهُ اشتباه تبرره الظروف.
2. أن الاستيقاف مجرد إيقاف إنسان وضع نفسهُ موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيتهِ، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاتهِ تعرضاً مادياً للمتحرى عنهُ، يمكن أن يكون فيها مساس بحريتهِ الشخصية أو اعتداء عليها.
3. أن يضع المشتبه بهِ نفسهُ موضع الشك والريبة، ويكون ذلك بإتيان سلوك يتمثل في فعل أو قول يخلق ويشكل وضعاً أو ظرفا غير طبيعي يؤدي إلى حالة من الشك والريبة في ذهن رجل السلطة العامة، مما يدفعهُ إلى التدخل ليتحرى ويكشف عن الحقيقة، وتتمثل نتيجة ذلك التصرف في علامات خارجية وشبهات ظاهرة على المشتبه بهِ مصحوبة بارتباك شديد، بحيث أن كل من يراه يستوحي منهُ أن هناك أمراً غير عادي، وربما أن هناك جريمة قد ارتكبت.
4. أن يكون ذلك التصرف بطوع واختيار المشتبه بهِ، أي أنهُ لم يكن مضطراً لإتيان ذلك التصرف بسبب إكراههِ عليهِ أو تهديدهِ بإتيانهِ، كاضطرارهِ للجلوس بجانب منزل معين بوقت متأخر من الليل لكونهِ مريضاً وينتظر من يسعفهُ.وإن كان هذا الشرط لا يعد شرطاً لاتخاذ إجراء الاستيقاف ولكنهُ شرطٌ لصحة ما يتخذ بناءً على الاستيقاف، لأن رجل السلطة العامة لن يكشف ذلك إلا بعد أن ينفذ الاستيقاف بسؤالهِ والطلب منهُ إزالة حالة الشك التي خلقها موقفهُ الذي كان عليهِ.
وعليهِ فإن الاستيقاف يعد من الوسائل المشروعة في كشف حالة التلبس بالجريمة، في حالة مشاهدة الجريمة نتيجة لإجراء الاستيقاف، فإذا تم استيقاف المتهم وتحققت فيهِ شروط الاستيقاف القانونية، وأسفر هذا الاستيقاف عن قيام حالة التلبس،كان ضبط الجريمة في هذهِ الحالة صحيحاً منتجاً لآثارهِ القانونية.
ولما كان الثابت من الواقعة أن المتهم لم يضع نفسهُ موضع الشك والريبة، وأن مأمور الضبط القضائي قام باستيقافهِ لمجرد رؤيتهِ مسرع الخطى في وضح النهار حيث شاهدهُ في الساعة الثالثة ظهراً، فإن هذهِ المظاهر لا تدل على الشك والريبة التي تبرر استيقاف الأشخاص وسؤالهم.
حيث أن ما قام بهِ الشخص بأنهُ كان مسرع الخطى في وقت الظهيرة وهي الساعة الثالثة ظهراً من الأمور المألوفة التي لا تعتبر من العلامات الخارجية والشبهات الظاهرية التي تبرر قيام مأمور الضبط القضائي بإجراء الاستيقاف وسؤالهِ عن اسمهِ ومهنتهِ ووجهتهِ أو أن يطلب منهُ إبراز بطاقة تحقيق الشخصية.
حيث يحق لمأمور الضبط القضائي إجراء الاستيقاف عند توافر علامات خارجية وظروف ظاهرية وشبهات يستوحي منها أن هنالك أمراً غير عادياً يحيط بالشخص، أو يدل على أن هنالك جريمة قد ارتكبت.
كما أنهُ عند قيام مأمور الضبط القضائي بسؤال المتهم عن أسمه ومهنتهِ ووجهتهِ وطلب منهُ إبراز تحقيق الشخصية، لم تظهر على المتهم حالة الريبة و الخوف أو التعنت أو المماطلة التي توحي بارتباكهِ مما يبرر حالة الشك.
وبالتالي لا يحق لمأمور الضبط القضائي إجراء الاستيقاف لعدم توافر شروط الاستيقاف القانونية والتي يكون لها مُسّوغ من واقع الحال، فإن انتفاء مسوغ إجراء الاستيقاف يعدُ من قُبيل القبض الباطل.
ويكون الإجراء الذي قام بهِ مأمور الضبط القضائي من استيقاف للشخص، قد شابهً عيب حيث لم توجد غاية أو مبرر لهُ للقيام بهذا الإجراء. وهذا ما أكدهُ المشرع في نص المادة( 221) من قانون الإجراءات الجزائية بقولهِ " يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانهِ أو إذا شابهُ عيب لم يتحقق بسببهِ الغاية من الإجراء"
كما أن الفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفهِ هو من اختصاص محكمة الموضوع، يستقل بهِ القاضي بغير معقب مادام لاستنتاجهِ وجه يسوغهُ.
وبما أن سقوط اللفافة السلوفانية التي كانت في حيازة المتهم، والتي انفضت عند وقوعها وتبين بها مادة تشبه الحشيش، كان سبب المباشر لاكتشافها هو إجراء الاستيقاف، الذي أتاح لمأمور الضبط القضائي إيقاف المتهم وسؤالهِ، وقيامهِ بطلب إبراز بطاقة تحقيق الشخصية من المتهم، والتي كان يحتفظ بها في جيبهِ مع اللفافة، وما إن هم المتهم بإخراج البطاقة بناءً على طلب مأمور الضبط القضائي حتى سقطت اللفافة على الأرض وانفرطت وتبين على أثرها لمأمور الضبط القضائي أنها تحوي مادة تشبه الحشيش، مما أدى لقيام مأمور الضبط القضائي بالقبض على المتهم وتفتيشهِ، وعند تفتيشهِ عثر بحوزتهِ على سلاح غير مرخص، وقام على أثرها باصطحابهِ لمسكنهِ وقام بتفتيش المسكن بحضور المتهم وعثر بداخل المسكن على صناديق ذخيرة غير مرخصة، وقام على إثر ذلك بتوجيهِ تهمة حيازة مادة مخدرة و سلاح دون ترخيص فضلاً عن جريمة حيازة ذخائر دون ترخيص،إعلاناً بقيام حالة من حالات التلبس بارتكاب الجريمة التي تستوجب القبض والتفتيش والتي كانت ناتجة عن إجراء الاستيقاف،
وبما أن الإجراءات اللاحقة على إجراء الاستيقاف من قبض وتفتيش كانت مبنية على إجراء باطل وهو إجراء الاستيقاف، فإن جميع الإجراءات تكون باطله لبطلان إجراء الاستيقاف،
وهذا ما أكدتهُ المادة (228) من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على أنهُ" لا يترتب على بطلان الإجراء بطلان الإجراءات السابقة عليهِ والإجراءات اللاحقة إذا لم تكن مبنية عليهِ"
كما أنهُ من الثوابت في الشريعة الإسلامية، أنهُ ما بني على باطلٍ فهو باطل، فإن كافة الإجراءات التي قام بها مأمور الضبط القضائي في الكشف عن الجريمة مبنية على إجراء باطل وهو إجراء الاستيقاف الذي تم دون توافر المسوغ لإتباعها وعدم توافر شروطها القانونية التي تبرر القيام بها والأنفة الذكر.
وبناءً على ما تقدم، فإن إجراء القبض على المتهم بناءً على اللفافة السلوفانية وتفتيشهُ وواقعة ضبط السلاح بدون ترخيص وكذالك تفتيش مسكنهُ وضبط صناديق الذخيرة الغير مرخصة باطلة، مما يستوجب براءة المتهم مما نسب إليهِ من تُهم.
القضية الثانية:
أثناء مرور أحد مأموري الضبط القضائي في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، بمنطقة نائية، ليس بها مساكن، وجد مجموعة من الأشخاص يقفون في أماكن متفرقة، وما إن رأوا مأمور الضبط حتى أسرعوا بالهروب، ولكن مأمور الضبط تمكن من استيقاف أحدهم، وطلب منهُ تحقيق الشخصية، فأخرجها لهُ، وأثناء ذلك سقطة منها لفافة مغلقة، فقام مأمور الضبط بالتقاطها وفضها( فتحها)، فظهر أن بداخلها مادة تشبه المخدر ، فقبض على المتهم.
حدد مدى صحة القبض على المتهم؟
الحـــــل:
ملخص الواقعة:
أنهُ قام مأمور الضبط القضائي في الساعة الثانية بعد منتصف الليل بالمرور في منطقة نائية لا يوجد بها مساكن، وعند مرورهِ في تلك المنطقة وجد مجموعة من الأشخاص يقفون في مناطق متفرقة، وما إن رأوهُ حتى أسرعوا بالهرب، إلا أن مأمور الضبط استطاع استيقاف أحدهم، وطلب منهُ تحقيق شخصيتهُ، وأثناء أخراج الشخص تحقيق الشخصية سقطت منها لفافة مغلقة، فقام مأمور الضبط القضائي بالتقاطها وفضها، واتضح لهُ أن بداخلها مادة تشبه المخدر فقام بالقبض على المتهم.
تثير هذهِ الواقعة عدة مسائل وهي:
مدى صحة الاستيقاف وشروطهِ
مدى صحة قيام مأمور الضبط القضائي بالتقاط اللفافة وفضها.
مدى صحة القبض وشروطهُ
للإجابة على هذهِ التساؤلات نقوم أولا بإظهار صحة الاستيقاف وشروطهِ:
فالاستيقاف أمر جائز لمأمور الضبط القضائي، وهو لا يعدوا أن يكون إيقاف إنسان وضع نفسهُ موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيتهِ، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاتهِ تعرضاً مادياً للمتحرى عنهُ يمكن أن يكون فيهِ مساس بحريتهِ الشخصية أو اعتداء عليها، ما لم يترتب على الاستيقاف من مستجدات أخرى تسمح بذلك المساس.
حيث يشترط الاستيقاف توافر حالة الشك والريبة، وشبهة لا تصل إلى مرتبة الدلائل الكافية على الاتهام التي يستلزمها القبض، ولا يشترط أن تكون في جريمة معينة، كما لا يشترط أن تكون هنالك جريمة قد وقعت أساساً.
وبما أن الثابت من الواقعة أن مأمور الضبط القضائي قد شاهدة مجموعة من الأشخاص يقفون في أماكن متفرقة في منطقة نائية ليس بها مساكن وكان ذلك في الساعة الثانية بعد منتصف الليل،مما يدعوا للشك والريبة، كما أنهم ما أن رأوا مأمور الضبط حتى أسرعوا بالفرار، ويكونوا بفعلهم هذا قد وضعوا أنفسهم في محض إرادتهم موضع الشك والريبة، بان توافرت أمارات قوية تخلق وتشكل وضعاً أو ظرفا غير طبيعي يؤدي إلى حالة من الشك والريبة في ذهن مأمور الضبط، مما دفعهُ إلى التدخل ليتحرى ويكشف عن الحقيقة أمرهم، وبهذا يكون إجراء مأمور الضبط القضائي باستيقاف أحد هؤلاء الأشخاص صحيحاً ومنتجاً لما يترتب عليهِ من آثار.
وما إن استوقف مأمور الضبط أحدهم حتى طلب منهُ تحقيق الشخصية ليتأكد من شخصيتهِ، وما أن استخراج المتحرى عنهُُ بطاقة تحقيق الشخصية حتى سقطت عنهُ لفافة مغلقة، قام على أثرها مأمور الضبط بالتقاطها، ولم يتمكن من معرفة ما بداخلها حتى قام بفضها، وعلى أثر ما قام بهِ مأمور الضبط تبين لهُ أن بها مادة تشبه المخدر، وعليهِ قام مأمور الضبط بالقبض على المتهم.
وبما أن المادة (42) من قانون الإجراءات الجزائية قد نصت على أنهُ " تكون الجريمة متلبساً بها حال ارتكابها أو بعد ارتكابها ببرهة يسيرة، وتعتبر الجريمة متلبساً بها إذا اتبع المجني عليهِ مرتكبها، أو تبعتهُ العامة مع الصياح إثر وقوعها أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات أو أسلحة أو أمتاع أو أشياء يستدل منها على أنهُ فاعل أو شريك فيها أو إذا وجدت بهِ في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك"
وبذلك يكون المشرع قد حصر حالات التلبس في المادة (42) فلا يجوز الإضافة إليها ولو كان ذلك قياساً عليها أو تقريباً إليها، وعلة ذلك أن حالات التلبس تكون مصدراً لسلطاتٍ استثنائية تُخوّل لمأمور الضبط القضائي، والقاعدة أن كل نظام استثنائي لا يجوز التوسع فيهِ، بالإضافة إلى أن هذهِ السلطات الاستثنائية تمس بطبيعتها الحريات والحقوق الفردية، ولا يجوز تَقَْبُل هذا المساس فيما يُجاوز الاعتبارات التي اقتضتهُ.
كما أنهُ لا يكفي أن تكون الجريمة متلبساً بها حتى يباشر مأمور الضبط القضائي سلطتهُ الاستثنائية والقبض على من تقوم دلائل كافية على ارتكابهِ للجريمة، بل لا بد أن يتم إدراك حالة التلبس بواسطة مأمور الضبط القضائي نفسهُ وأن يكون إدراكه لحالة التلبس قد تم بطريق مشروع، أي أنهُ يلزم لكي يكون التلبس بالجريمة صحيحاً توافر شرطين أساسيين وهما:
1. أن تكون مشاهدة الجريمة المتلبس بها قد تمت بمعرفة مأمور الضبط القضائي.
2. وأن يكون إثبات التلبس قد تم بطريق مشروع، وإذا تخلف أحد هذين لشرطين لا ينتج التلبس الآثار الإجرائية التي خولها المشرع لمأمور الضبط القضائي والمتمثلة بالقبض والتفتيش.
ولما كان الواضح من الواقعة أن مأمور الضبط القضائي عند استيقافهِ للمتحرى عنهُ وطلب منهُ إبراز تحقيق الشخصية وعند إبرازها من جيبهِ سقطة منهُ لفافة مغلقة فالتقطها من الأرض وفضها فوجدها تحتوي على مادة تشبه المخدر فقام على أثرها بالقبض عليهِ، وكان الثابت أن مأمور الضبط لم يتبين محتوى اللفافة التي سقطت عرضاً من المتحرى عنهُ عند إخراجهِ لتحقيق شخصيةِ الأمر الذي لا يعتبر تخلياً منهُ عن حيازتها بل تظل رغم ذلك في حيازتهِ القانونية، وإذ كان مأمور الضبط لم يستبن محتوى اللفافة قبل فضها، فإن الواقعة على هذا النحو لا تعتبر من حالات التلبس المبينة بطريق الحصر في المادة(42) من قانون الإجراءات الجزائية،حيث يكون قد تم إثبات التلبس بطريقه غير مشروعه، كما أنهُ لم تتوافر مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع هذهِ الجريمة، وتبيح بالتالي لمأمور الضبط إجراء القبض على المتهم.
حيث يشترط في التخلي الذي يبنى عليهِ قيام حالة التلبس بالجريمة أن يكون قد وقع عن إرادة وطواعية واختيار. ومن خلال الواقعة يتبين أن التخلي تم بطريقة عرضية عند إخراج المتحرى عنه تحقيق الشخصية من جيبهِ الأمر الذي لا يعتبر تخلياً منهُ عن حيازتها بل تظل في حيازتهِ القانونية، الأمر الذي يؤدي لانعدام حالة التلبس التي نصت عليها المادة( 42) من قانون الإجراءات الجزائية والتي ذكرتها على سبيل الحصر، وبالتالي لا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يمارس سلطتهُ الاستثنائية من قبض وتفتيش.
وعليهِ فإن قيام مأمور الضبط القضائي بالقبض على المتهم يكون إجراء باطلاً، مستوجب تبرأت المتهم.