محمد ابراهيم البادي
09-18-2010, 01:33 PM
بحث في قانون الشفعة وقانون التسجيل
على أثر صدور القانون الخاص بالتسجيل قضى بعض المحاكم بعدم قبول دعاوى الشفعة التي لم يسجل المشترون فيها عقودهم مع إلزام رافعيها بالمصاريف وحفظ الحق لهم في العودة إلى الطلب في ظرف خمسة عشر يومًا من التاريخ الذي يسجل فيه المشتري عقده، وهذا بحجة أن القانون المذكور نص على عدم انتقال الملكية حتى بالنسبة للمتعاقدين إلا بالتسجيل وهذا رأي خطأ معطل لحق الشفعة الذي أقره الشرع والقانون معًا ومخالف للمبادئ والنصوص القانونية الصريحة، ويظهر هذا للقارئ بأجلي وضوح من البيانات الآتية:
( أ ) أن البيع شيء وانتقال الملكية للمشتري شيء آخر، فالبيع هو اتفاق إرادتي البائع والمشتري أحدهما على البيع والآخر على الشراء مع توافقهما على المبيع وثمنه. وأما انتقال الملكية للمشتري فهو نتيجة للبيع الذي يتم بتوفر أركانه المذكورة أي أنه ليس منه ولا ركنًا فيه بل ولا شرط صحة، وهذا متفق عليه من العلماء أجمع فضلاً عن النص عليه صريحًا في المادتين (236) و(266) مدني حيث بينت الأولى أركان البيع ونصت الثانية على أن انتقال الملكية للمشتري إنما هو نتيجة للبيع، ومن هذا يظهر خطأ المحاكم المذكورة مجسمًا فيما ذهبت إليه من تعليق الحكم بالشفعة على انتقال الملكية للمشتري بتسجيله عقده لأن الشفعة إنما تترتب على البيع وتوجد بوجوده لا على نتيجته التي هي انتقال الملكية ولا عن الاثنين مجتمعين كما ستراه بعد، ولو فرقت بينهما طبقًا لأحكام القانون وللمبادئ المتفق عليها من علماء الدنيا وتعرفت من طريق الشرع والقانون أن حق الشفعة يوجد من حيث يوجد البيع لا من حيث يوجد التسجيل الذي هو من عمل المشتري وحده لما وقعت فيما وقعت فيه من الخطأ.
(ب) كان انتقال الملكية يحصل بالنسبة للمتعاقدين بمجرد العقد وبالنسبة للغير بالتسجيل فجاء قانون التسجيل مسويًا بين الجميع في الحكم حيث نص على عدم انتقال الملكية حتى بالنسبة للمتعاقدين إلا بالتسجيل. وهذا النص لا يفهم منه البتة أن الشارع أراد أن يزيد على أركان البيع المعروفة ركنًا آخر جديدًا لا يتم ولا يقع بدونه وهو التسجيل حتى كان يصح القول بعدم وجود حق الشفعة لعدم وجود البيع بفقدانه ركنًا من أركانه، بل الذي يفهم منه هو أن الشارع أراد تعليق انتقال الملكية للمشتري على قيامه هو بتسجيل عقده أي أنه أراد تعليق نتيجة البيع على التسجيل حثًا للمشتري على التسجيل حتى تمتنع المنازعات التي كانت تنشأ من عدم التسجيل أو نقل، ويؤيد هذا من القانون المذكور أنه لم يحدد موعدًا للتسجيل بل ترك المشتري حرًا في اختيار الوقت الذي يسجل فيه عقده، ومعنى هذا أن البيع تام وحصل من قبل التسجيل وإلا لما أباح له التسجيل في الوقت الذي يختاره أو لحتم حصول التسجيل في مجلس العقد، على أن جواز التسجيل للمشتري في أي وقت شاء معناه أن التسجيل ليس ركنًا في البيع وأن انتقال الملكية بالتسجيل شيء غير البيع، وإذًا تكون المحاكم المذكورة مخطئة في رأيها لأن الشفعة مترتبة كما تقدم على البيع لا على انتقال لملكية.
(جـ) أن تعليق حق الشفيع على تسجيل المشتري خطأ لأنه في حالة القضاء له بالشفعة يعتبر متلقيًا للعين المشفوعة عن البائع لا عن المشتري وكل ما له من الضمانات القانونية يثبت له قانونًا على البائع دون المشتري ويكون حكمه بمثابة عقد بيع مبتدأ صادر له من البائع ومتى سجل هذا الحكم انتقلت الملكية إليه سواء كان المشتري سجل عقده أو لم يسجله.
(د) أن في الأخذ برأي المحاكم المذكور تعطيلاً للشفعة لأن التسجيل موكول لمشيئة المشتري، وهذا قد لا يسجل عقده حتى تمضي المواعيد المقررة لسقوط حق الشفعة وقد لا يسجل بالمرة لثقته بالبائع واكتفاءً بوضع يده حتى تمضي الخمس سنين المنصوص عليها في المادة (76) مدني فتنتقل له الملكية من هذا الطريق بدلاً من طريق التسجيل وفي كلتا الحالتين يكون حق الشفعة قد قضى نحبه.
(هـ) وفي أحكام المحاكم المذكورة مخالفة ظاهرة لقانون الشفعة وقضاء عليها حيث حفظت الحق للشفيع في العودة إلى الطلب في ظرف خمسة عشر يومًا من تاريخ التسجيل إذا حصل، ومفهوم ذلك أنه لا شفعة إذا لم يحصل التسجيل، وهذا خطأ لأن قانون التسجيل لم يشر إلى تعديل قانون الشفعة أو تقييده يقيد التسجيل، كما أنه لم يشر إلى تعديله من جهة جعل الخمسة عشر يومًا المقررة لإبداء الرغبة وعرض الثمن مبتدأة من تاريخ التسجيل بدلاً من أن تكون مبتدأة من تاريخ العلم بالبيع كما قضت المادة (19) وفي مقدور المشتري في حالة رفع الدعوى الجديدة بعد التسجيل أن يدفع بسقوط حق الشفيع في الشفعة لمضي خمسة عشر يومًا من تاريخ العلم بالبيع ولا يحولن بينه وبين هذا الدفع حفظ الحق للشفيع في الحكم السابق من رفع دعوى جديدة لأن عبارة حفظ الحق ليست من الأحكام في شيء ولا يتقيد بها القضاء في الدعوى الجديدة، ومن الخطأ في هذه الأحكام أيضًا أنها ألزمت رافعيها بالمصاريف مع أنها مرتكزة على عدم حصول التسجيل الذي هو من عمل المشتري وكان يجب لهذا السبب إلزامه بجميع المصاريف حتى غير الرسمية.
هذا ما عنَّ لي في هذا الموضوع أعرضه على حضرات المشتغلين بالقانون ليبدوا رأيهم فيه فيتبين وجه الصواب والله ولي التوفيق.
المحامي / عبد الوهاب محمد
مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة الخامسة –– يوليه سنة 1925
على أثر صدور القانون الخاص بالتسجيل قضى بعض المحاكم بعدم قبول دعاوى الشفعة التي لم يسجل المشترون فيها عقودهم مع إلزام رافعيها بالمصاريف وحفظ الحق لهم في العودة إلى الطلب في ظرف خمسة عشر يومًا من التاريخ الذي يسجل فيه المشتري عقده، وهذا بحجة أن القانون المذكور نص على عدم انتقال الملكية حتى بالنسبة للمتعاقدين إلا بالتسجيل وهذا رأي خطأ معطل لحق الشفعة الذي أقره الشرع والقانون معًا ومخالف للمبادئ والنصوص القانونية الصريحة، ويظهر هذا للقارئ بأجلي وضوح من البيانات الآتية:
( أ ) أن البيع شيء وانتقال الملكية للمشتري شيء آخر، فالبيع هو اتفاق إرادتي البائع والمشتري أحدهما على البيع والآخر على الشراء مع توافقهما على المبيع وثمنه. وأما انتقال الملكية للمشتري فهو نتيجة للبيع الذي يتم بتوفر أركانه المذكورة أي أنه ليس منه ولا ركنًا فيه بل ولا شرط صحة، وهذا متفق عليه من العلماء أجمع فضلاً عن النص عليه صريحًا في المادتين (236) و(266) مدني حيث بينت الأولى أركان البيع ونصت الثانية على أن انتقال الملكية للمشتري إنما هو نتيجة للبيع، ومن هذا يظهر خطأ المحاكم المذكورة مجسمًا فيما ذهبت إليه من تعليق الحكم بالشفعة على انتقال الملكية للمشتري بتسجيله عقده لأن الشفعة إنما تترتب على البيع وتوجد بوجوده لا على نتيجته التي هي انتقال الملكية ولا عن الاثنين مجتمعين كما ستراه بعد، ولو فرقت بينهما طبقًا لأحكام القانون وللمبادئ المتفق عليها من علماء الدنيا وتعرفت من طريق الشرع والقانون أن حق الشفعة يوجد من حيث يوجد البيع لا من حيث يوجد التسجيل الذي هو من عمل المشتري وحده لما وقعت فيما وقعت فيه من الخطأ.
(ب) كان انتقال الملكية يحصل بالنسبة للمتعاقدين بمجرد العقد وبالنسبة للغير بالتسجيل فجاء قانون التسجيل مسويًا بين الجميع في الحكم حيث نص على عدم انتقال الملكية حتى بالنسبة للمتعاقدين إلا بالتسجيل. وهذا النص لا يفهم منه البتة أن الشارع أراد أن يزيد على أركان البيع المعروفة ركنًا آخر جديدًا لا يتم ولا يقع بدونه وهو التسجيل حتى كان يصح القول بعدم وجود حق الشفعة لعدم وجود البيع بفقدانه ركنًا من أركانه، بل الذي يفهم منه هو أن الشارع أراد تعليق انتقال الملكية للمشتري على قيامه هو بتسجيل عقده أي أنه أراد تعليق نتيجة البيع على التسجيل حثًا للمشتري على التسجيل حتى تمتنع المنازعات التي كانت تنشأ من عدم التسجيل أو نقل، ويؤيد هذا من القانون المذكور أنه لم يحدد موعدًا للتسجيل بل ترك المشتري حرًا في اختيار الوقت الذي يسجل فيه عقده، ومعنى هذا أن البيع تام وحصل من قبل التسجيل وإلا لما أباح له التسجيل في الوقت الذي يختاره أو لحتم حصول التسجيل في مجلس العقد، على أن جواز التسجيل للمشتري في أي وقت شاء معناه أن التسجيل ليس ركنًا في البيع وأن انتقال الملكية بالتسجيل شيء غير البيع، وإذًا تكون المحاكم المذكورة مخطئة في رأيها لأن الشفعة مترتبة كما تقدم على البيع لا على انتقال لملكية.
(جـ) أن تعليق حق الشفيع على تسجيل المشتري خطأ لأنه في حالة القضاء له بالشفعة يعتبر متلقيًا للعين المشفوعة عن البائع لا عن المشتري وكل ما له من الضمانات القانونية يثبت له قانونًا على البائع دون المشتري ويكون حكمه بمثابة عقد بيع مبتدأ صادر له من البائع ومتى سجل هذا الحكم انتقلت الملكية إليه سواء كان المشتري سجل عقده أو لم يسجله.
(د) أن في الأخذ برأي المحاكم المذكور تعطيلاً للشفعة لأن التسجيل موكول لمشيئة المشتري، وهذا قد لا يسجل عقده حتى تمضي المواعيد المقررة لسقوط حق الشفعة وقد لا يسجل بالمرة لثقته بالبائع واكتفاءً بوضع يده حتى تمضي الخمس سنين المنصوص عليها في المادة (76) مدني فتنتقل له الملكية من هذا الطريق بدلاً من طريق التسجيل وفي كلتا الحالتين يكون حق الشفعة قد قضى نحبه.
(هـ) وفي أحكام المحاكم المذكورة مخالفة ظاهرة لقانون الشفعة وقضاء عليها حيث حفظت الحق للشفيع في العودة إلى الطلب في ظرف خمسة عشر يومًا من تاريخ التسجيل إذا حصل، ومفهوم ذلك أنه لا شفعة إذا لم يحصل التسجيل، وهذا خطأ لأن قانون التسجيل لم يشر إلى تعديل قانون الشفعة أو تقييده يقيد التسجيل، كما أنه لم يشر إلى تعديله من جهة جعل الخمسة عشر يومًا المقررة لإبداء الرغبة وعرض الثمن مبتدأة من تاريخ التسجيل بدلاً من أن تكون مبتدأة من تاريخ العلم بالبيع كما قضت المادة (19) وفي مقدور المشتري في حالة رفع الدعوى الجديدة بعد التسجيل أن يدفع بسقوط حق الشفيع في الشفعة لمضي خمسة عشر يومًا من تاريخ العلم بالبيع ولا يحولن بينه وبين هذا الدفع حفظ الحق للشفيع في الحكم السابق من رفع دعوى جديدة لأن عبارة حفظ الحق ليست من الأحكام في شيء ولا يتقيد بها القضاء في الدعوى الجديدة، ومن الخطأ في هذه الأحكام أيضًا أنها ألزمت رافعيها بالمصاريف مع أنها مرتكزة على عدم حصول التسجيل الذي هو من عمل المشتري وكان يجب لهذا السبب إلزامه بجميع المصاريف حتى غير الرسمية.
هذا ما عنَّ لي في هذا الموضوع أعرضه على حضرات المشتغلين بالقانون ليبدوا رأيهم فيه فيتبين وجه الصواب والله ولي التوفيق.
المحامي / عبد الوهاب محمد
مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة الخامسة –– يوليه سنة 1925