عقد القانون
09-05-2010, 07:57 AM
http://almoslim.net/files/images/GAVEL_COURT.jpg
كانت تحمل بقلبها ألف جرح نازف ، كانت تئن أنينا بصوت خافت .. ودموعها تنزل وتنزل تحكي معاناتها .., كانت تجلس بمنآى عن الناس ، تترقب حلول تلك اللحظة الحاسمة ، اللحظة التي طالما انتظرتها وتمنتها بشوق وحنين .., إنها اللحظة التي تقف فيها أمام القاضي ، وتطلب منه أن ينصت لشكواها ، ويفسح لها مساحة حرة ، تطلق فيها العنان لصوتها ينطلق مهاجرا ، إلى حيث تتخلص من أوجاعها وآلامها , إنها اللحظة الصادقة التي تملك فيها أن ترخي دموعها وهي تبتسم ، وتتجرد من كل القيود التي تحبس الكلمة في صدرها فتخنق أنفاسها ..
حينها ستبوح ولا تنوح ، و تقدم ولا تحجم ، وستخبره بتاريخ مولد قصتها ، وسترحل معه عبر أحداثها وظروفها .., إنها لحظة الصفاء والنقاء ، لحظة الاعتراف أمام من يقف على منصة القضاء ، ويملك أن يصدر الأحكام .
وأخيرا سمعت من يزف إليها البشرى بعد طول انتظار ، وقلق يتصارع بنفسها ، إنه صوت آت من بعيد يخترق سمعها يردد إسمها ، فخفق قلبها وتسارع نبضها ، إلا أنها هذه المرة لم تشعر بخوفها ولا بخجلها المعتاد ، بل تحركت بخطى سريعة حيث انطلق ذلك الصوت ، فإذا ببوابة كبيرة تفتح أمامها ، فتتقدم إلى حيث يجلس رجل وقور ، أخذت تحدق بملامحه مليا وهو يقلب أوراقه وملفاته المتناثرة على سطح مكتبه ، ظلت صامتة وهو صامت لفترة طويلة ، بعدها رفع نظره إليها وقال لها : تفضلي أنا الآن مستعد لأسمعك ، ولكن أخبريني أولا كم تحتاجين من الوقت ..
هنا تمالكها الخجل فقالت : أظن أن ساعة من الزمن تكفيني لسرد قصتي
ثم انطلقت تحك له ، وبداخلها ألف وجع ووجع ، شعرت أثناءها بأن كل لحظة تمر ، يتحرك معها شريط ذكرياتها الماضية وتجربتها القاسية مع زوجها ، وكأنها في وصل ود بينهما وكأنها تعيشها للمرة الأولى ، وتكررها من جديد بنفس الإحساس وبنفس الألم ..
كانت كلما حاولت أن تختم قصتها وتتوقف ، تشعر بأن بداخلها ما زال هناك أوراقا متراكمة ، تحمل في طياتها ألف قصة وقصة ، وتجارب ومواقف حياة مديدة ، تحتاج عمرا آخر لتسجلها صوتا وكلمات على صفحات تاريخها ، لتدونها بحبرها على أوراق ذكرياتها ، لتنقشها على حيطان بيتها وجدرانها العتيقة ..
لقد أوشكت الساعة المحددة بأن تنتهي ويدق الجرس ، فيتحرك القاضي من مقعده فجأة ويخاطبها : يمكنك الآن أن تنصرفي .
شعرت بصدمة الزمن عندما تحين النهاية ، وما زال في القلب حكاية ، فظلت تردد بداخلها : ولكنني لا يمكنني أن أغادر الآن ، لن أنتظر من جديد اللحظة والفرصة ، وأحلم وأعيش عمري على أمل قد لا يتحقق .
ماذا سيحدث لو انقضت هذه الساعة ، وسمح لي بعدها أن أكمل تفاصيل قصتي ؟ هل يوجد هناك شخص غيري ينتظره وهو أهم عنده مني ؟ هل عرضت عليه قضايا أخرى هي أخطر وأعظم من قضيتي ؟ هل هناك من ينتظر أن أغادر هذا المكان ، ليجلس على نفس مقعدي ، وهو بحاجة شديدة لمثل هذه الساعة أكثر من احتياج نفسي لها ؟ ..
ولكن ما أحوجني لمثل هذه الساعة ، أقف خلالها أمام القاضي ، وينصت لمشاكلي ومتاعبي ، فيساندني ويساعدني على أن أبدأ من جديد ، حياة مفعمة بالأمل والفرح والسعادة ...
حدقت فيه مليا ثم استجمعت ما تبقى لها من جرأة ، ثم رفعت صوتها وقالت له : أيها القاضي لن أغادر هذا المكان حتى أكمل قصتي ..لن استسلم للزمن ولا لقانون هذه المحكمة .
ابتسم ورد عليها بصوت منخفض : لقد انقضت الساعة ، ويجب عليك أن ترحلي الآن ، قومي وعودي إلى بيتك ، واستقبلي زوجك كما ينبغي للزوجة الصالحة أن تستقبل زوجها ، فإن له عليك حقوقا فأدها كيفما يكون الحال ..
ظلت تردد : وقصتي وما اشعر به بداخلي ، وكل هذا الوقت الذي مر وأنت تنصت لي ، أتراك كنت مشغولا عني بتقليب أوراقك وملفاتك ..
رد عليها وقال بهدوء : قصتك لن تنتهي ، مثلها مثل أي قصة زوج وزوجة ، وأرى بأنك قد بالغت في تصوير معاناتك وهمومك وأحزانك ، وأرى بأنك بحاجة لكي تشغلي تفكيرك وأحاسيسك بأمور جادة هي أهم ، تنسيك مشاكلك هذه الصغيرة والبسيطة ، فهي لا تستحق كل هذا الوقت و لا كل هذا الألم ..
أنصحك بأن تكبري عقلك ، وتدركي بأنك مسؤولة أمام زوجك فاتق الله فيه ، فاتق الله فيه , فجأة ظلت هذه الجملة تتردد وتتردد وتتردد ، كأنها ناقوس يجلجل صداه في رأسها
فأمسكت حينها برأسها واتكأت على سطح المكتب لأنها أوشكت بأن تقع ، فخرس لسانها وضاعت أفكارها ، وانقطع حبل صوتها ، فقدت إحساسها بكل من حولها ، حتى بوجودها ووجود القاضي أمامها .
خرجت من مكتبه ، وقبل أن تغادر وتقفل خلفها تلك البوابة الكبيرة ، التفتت إليه فجأة وقالت : أيها القاضي لو سمحت لي ، أريد أن أختم كلامي وأقول : لقد ظلمني زوجي مرات حين لم يكن عادلا معي في مراعاة حقوقي كما أمره الله
فعندما يخذل إحساسك الجميل بصمته الدائم .. ويكسر أحلامكبقسوته..
وعندما يرحل عنك بعيدا إلى منفى ، ويتركك وحيدا تقضي ساعات عمرك بلا معنى ..
ويظل في قلبك جرح (http://majdah.maktoob.com/vb/search.php?do=process&query=جرح&mfs_type=forum&utm_source=related-search-majdah&utm_medium=related-search-links&utm_campaign=majdah-related-search&highlight=) لا يفتر يتسع ويتسع باتساع الفراغ حولك .. ثم يقرر أن يعود إليك ، ليس لأنه يحبك ، ولكن لأنه يحتاج وجودك لأنه تعود عليك ، فصرت مثل قميصه الذي لا يستغن عنه ، ومثل فنجان قهوته التي يستمتع كلما جلس يرتشف منه قطرات ، تمنحه قسطا من الراحة والحيوية و النشاط ..
وعندما تلتقي به من جديد بعد رحيله عنك سنوات ... فكيف تستقبل عودته.. وماذا ستقول له ؟
لعلك أيها القاضي تدرك الآن بأنك قد تكون قد استعجلت في إصدار حكمك ، حتى قبل أن أختم سرد قصتي
لعلك تعودت تجلس تقلب صفحات الأوراق والملفات ، وتنصت لمشاكل الناس ، ولكنك لم تجرب أن تعيش بنفس الإحساس الذي يعيش به حامل هم المعاناة ، لم تجرب أن ترحل معه عبر تاريخه مسافات طوال وأنت تمشي على قدميك إلى حيث البداية ، تتحرك معه في دوامة الحياة خطوة بخطوة فترى كيف تجري أمامك الأحداث ، وكيف تصدر الانفعالات آهات وعبرات وحركات .. فتكتشف بنفسك بأنها ليست اختيارا يختاره الواحد منا بقدر ما هي تجارب يعيشها ومواقف تضطره ليعبر عن إحساسه اتجاهها . حينها أيها القاضي هل تملك تقول لي : اتق الله فيه ؟
أذكرك أيضا ان تأمره بأن يتق الله في فطالما اتقيت الله فيه ولطالما أديت حقوقه كل حقوقه ما طلبها ومالم يطلبها بحسب ما أمرنا الله ورسوله , وبحسب ما تمليه الأخلاق والآداب والأعراف والأحكام , بل والآمال ..
ثم ابتعدت ولم تنتظر لتسمع رد القاضي أو تعليقه ، وأقفلت الباب خلفها ومضت في طريقها ، وغادرت المحكمة وهي تحمل بداخلها معاناة أشد من معاناتها الأولى .
م/ن
كانت تحمل بقلبها ألف جرح نازف ، كانت تئن أنينا بصوت خافت .. ودموعها تنزل وتنزل تحكي معاناتها .., كانت تجلس بمنآى عن الناس ، تترقب حلول تلك اللحظة الحاسمة ، اللحظة التي طالما انتظرتها وتمنتها بشوق وحنين .., إنها اللحظة التي تقف فيها أمام القاضي ، وتطلب منه أن ينصت لشكواها ، ويفسح لها مساحة حرة ، تطلق فيها العنان لصوتها ينطلق مهاجرا ، إلى حيث تتخلص من أوجاعها وآلامها , إنها اللحظة الصادقة التي تملك فيها أن ترخي دموعها وهي تبتسم ، وتتجرد من كل القيود التي تحبس الكلمة في صدرها فتخنق أنفاسها ..
حينها ستبوح ولا تنوح ، و تقدم ولا تحجم ، وستخبره بتاريخ مولد قصتها ، وسترحل معه عبر أحداثها وظروفها .., إنها لحظة الصفاء والنقاء ، لحظة الاعتراف أمام من يقف على منصة القضاء ، ويملك أن يصدر الأحكام .
وأخيرا سمعت من يزف إليها البشرى بعد طول انتظار ، وقلق يتصارع بنفسها ، إنه صوت آت من بعيد يخترق سمعها يردد إسمها ، فخفق قلبها وتسارع نبضها ، إلا أنها هذه المرة لم تشعر بخوفها ولا بخجلها المعتاد ، بل تحركت بخطى سريعة حيث انطلق ذلك الصوت ، فإذا ببوابة كبيرة تفتح أمامها ، فتتقدم إلى حيث يجلس رجل وقور ، أخذت تحدق بملامحه مليا وهو يقلب أوراقه وملفاته المتناثرة على سطح مكتبه ، ظلت صامتة وهو صامت لفترة طويلة ، بعدها رفع نظره إليها وقال لها : تفضلي أنا الآن مستعد لأسمعك ، ولكن أخبريني أولا كم تحتاجين من الوقت ..
هنا تمالكها الخجل فقالت : أظن أن ساعة من الزمن تكفيني لسرد قصتي
ثم انطلقت تحك له ، وبداخلها ألف وجع ووجع ، شعرت أثناءها بأن كل لحظة تمر ، يتحرك معها شريط ذكرياتها الماضية وتجربتها القاسية مع زوجها ، وكأنها في وصل ود بينهما وكأنها تعيشها للمرة الأولى ، وتكررها من جديد بنفس الإحساس وبنفس الألم ..
كانت كلما حاولت أن تختم قصتها وتتوقف ، تشعر بأن بداخلها ما زال هناك أوراقا متراكمة ، تحمل في طياتها ألف قصة وقصة ، وتجارب ومواقف حياة مديدة ، تحتاج عمرا آخر لتسجلها صوتا وكلمات على صفحات تاريخها ، لتدونها بحبرها على أوراق ذكرياتها ، لتنقشها على حيطان بيتها وجدرانها العتيقة ..
لقد أوشكت الساعة المحددة بأن تنتهي ويدق الجرس ، فيتحرك القاضي من مقعده فجأة ويخاطبها : يمكنك الآن أن تنصرفي .
شعرت بصدمة الزمن عندما تحين النهاية ، وما زال في القلب حكاية ، فظلت تردد بداخلها : ولكنني لا يمكنني أن أغادر الآن ، لن أنتظر من جديد اللحظة والفرصة ، وأحلم وأعيش عمري على أمل قد لا يتحقق .
ماذا سيحدث لو انقضت هذه الساعة ، وسمح لي بعدها أن أكمل تفاصيل قصتي ؟ هل يوجد هناك شخص غيري ينتظره وهو أهم عنده مني ؟ هل عرضت عليه قضايا أخرى هي أخطر وأعظم من قضيتي ؟ هل هناك من ينتظر أن أغادر هذا المكان ، ليجلس على نفس مقعدي ، وهو بحاجة شديدة لمثل هذه الساعة أكثر من احتياج نفسي لها ؟ ..
ولكن ما أحوجني لمثل هذه الساعة ، أقف خلالها أمام القاضي ، وينصت لمشاكلي ومتاعبي ، فيساندني ويساعدني على أن أبدأ من جديد ، حياة مفعمة بالأمل والفرح والسعادة ...
حدقت فيه مليا ثم استجمعت ما تبقى لها من جرأة ، ثم رفعت صوتها وقالت له : أيها القاضي لن أغادر هذا المكان حتى أكمل قصتي ..لن استسلم للزمن ولا لقانون هذه المحكمة .
ابتسم ورد عليها بصوت منخفض : لقد انقضت الساعة ، ويجب عليك أن ترحلي الآن ، قومي وعودي إلى بيتك ، واستقبلي زوجك كما ينبغي للزوجة الصالحة أن تستقبل زوجها ، فإن له عليك حقوقا فأدها كيفما يكون الحال ..
ظلت تردد : وقصتي وما اشعر به بداخلي ، وكل هذا الوقت الذي مر وأنت تنصت لي ، أتراك كنت مشغولا عني بتقليب أوراقك وملفاتك ..
رد عليها وقال بهدوء : قصتك لن تنتهي ، مثلها مثل أي قصة زوج وزوجة ، وأرى بأنك قد بالغت في تصوير معاناتك وهمومك وأحزانك ، وأرى بأنك بحاجة لكي تشغلي تفكيرك وأحاسيسك بأمور جادة هي أهم ، تنسيك مشاكلك هذه الصغيرة والبسيطة ، فهي لا تستحق كل هذا الوقت و لا كل هذا الألم ..
أنصحك بأن تكبري عقلك ، وتدركي بأنك مسؤولة أمام زوجك فاتق الله فيه ، فاتق الله فيه , فجأة ظلت هذه الجملة تتردد وتتردد وتتردد ، كأنها ناقوس يجلجل صداه في رأسها
فأمسكت حينها برأسها واتكأت على سطح المكتب لأنها أوشكت بأن تقع ، فخرس لسانها وضاعت أفكارها ، وانقطع حبل صوتها ، فقدت إحساسها بكل من حولها ، حتى بوجودها ووجود القاضي أمامها .
خرجت من مكتبه ، وقبل أن تغادر وتقفل خلفها تلك البوابة الكبيرة ، التفتت إليه فجأة وقالت : أيها القاضي لو سمحت لي ، أريد أن أختم كلامي وأقول : لقد ظلمني زوجي مرات حين لم يكن عادلا معي في مراعاة حقوقي كما أمره الله
فعندما يخذل إحساسك الجميل بصمته الدائم .. ويكسر أحلامكبقسوته..
وعندما يرحل عنك بعيدا إلى منفى ، ويتركك وحيدا تقضي ساعات عمرك بلا معنى ..
ويظل في قلبك جرح (http://majdah.maktoob.com/vb/search.php?do=process&query=جرح&mfs_type=forum&utm_source=related-search-majdah&utm_medium=related-search-links&utm_campaign=majdah-related-search&highlight=) لا يفتر يتسع ويتسع باتساع الفراغ حولك .. ثم يقرر أن يعود إليك ، ليس لأنه يحبك ، ولكن لأنه يحتاج وجودك لأنه تعود عليك ، فصرت مثل قميصه الذي لا يستغن عنه ، ومثل فنجان قهوته التي يستمتع كلما جلس يرتشف منه قطرات ، تمنحه قسطا من الراحة والحيوية و النشاط ..
وعندما تلتقي به من جديد بعد رحيله عنك سنوات ... فكيف تستقبل عودته.. وماذا ستقول له ؟
لعلك أيها القاضي تدرك الآن بأنك قد تكون قد استعجلت في إصدار حكمك ، حتى قبل أن أختم سرد قصتي
لعلك تعودت تجلس تقلب صفحات الأوراق والملفات ، وتنصت لمشاكل الناس ، ولكنك لم تجرب أن تعيش بنفس الإحساس الذي يعيش به حامل هم المعاناة ، لم تجرب أن ترحل معه عبر تاريخه مسافات طوال وأنت تمشي على قدميك إلى حيث البداية ، تتحرك معه في دوامة الحياة خطوة بخطوة فترى كيف تجري أمامك الأحداث ، وكيف تصدر الانفعالات آهات وعبرات وحركات .. فتكتشف بنفسك بأنها ليست اختيارا يختاره الواحد منا بقدر ما هي تجارب يعيشها ومواقف تضطره ليعبر عن إحساسه اتجاهها . حينها أيها القاضي هل تملك تقول لي : اتق الله فيه ؟
أذكرك أيضا ان تأمره بأن يتق الله في فطالما اتقيت الله فيه ولطالما أديت حقوقه كل حقوقه ما طلبها ومالم يطلبها بحسب ما أمرنا الله ورسوله , وبحسب ما تمليه الأخلاق والآداب والأعراف والأحكام , بل والآمال ..
ثم ابتعدت ولم تنتظر لتسمع رد القاضي أو تعليقه ، وأقفلت الباب خلفها ومضت في طريقها ، وغادرت المحكمة وهي تحمل بداخلها معاناة أشد من معاناتها الأولى .
م/ن