سعود المطوع
06-08-2017, 12:58 AM
إنَّ الأُسْرةَ هي اللبنة الأولى في المجتمع وأساسُها، وأشبه ما تكون بالخليّة التي تتكوّن من جماعِها الأعضاءُ التي تقوم على الجسد، فلو صحّتْ وسَلِمتْ كلُّ خليةٍ فيه ومعها الأعضاء، لكان الجسد في كامل عافيته وقوّته، وهذا هو مطلب الأديان السماوية كلّها، وهو غاية الحُكّام جميعُهم والقادة السياسيين وأولي الأمر.
ومن هُنا جاء اهتمام الشريعة والتشريع بالعناية بالأسرة، حفاظًا على انسجام أفرادها معنويًا وماديًا وولاءً، فرتّب حقوقًا للزوجين والأبناء، وللأجداد والإخوة والأعمام، وقد تم تقسيم الأسرة هَرمَيًا كما دَرَجْتْ عليه كُتُب الفقه، فكانت الأصول والفروع والحواشي.
ابتدأتُ بهذه التوطئة المختزلة، لأمهّدَ لإشكالية قانونية، حيث تنصّ المادة رقم: (10) الواردة بقانون الإجراءات الجزائية الاتحادي رقم: (35) لسنة 1992م وفقًا لآخر تعديلات القانون، على أنه لا يجوز أن ترفع الدعوى الجزائية إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو ممن يقوم مقامه قانونًا في الجرائم التي حَصَرها في بنودٍ الخمسة.
وما يعنينا هو البند الأول منها، حيث أوردَ المشرّع في البند الأول من المادة الآنفة، أن جرائم السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة وإخفاء الأشياء المتحصلة منها لا يجوز أن ترفع فيها الدعوى الجزائية إذا كان المجني عليه زوجًا للجاني أو أحد أصوله أو فروعه، وفقًا للضوابط المحددة بشأن جرائم الشكوى.
وغنيٌ عن البيان، أنّ المشرّع إنّما أولى بذلك عنايةً خاصة للأسرة وأفرادها على اعتبار ديمومة ترابطها وتآلفها رغم ما قد يعترضها من عقبات، فكانت العلّة التشريعية في هذا المقام أن المحافظة على ترابط الأسرة مقدّمٌ على المصلحة العامة، إذا ما دارت الجريمة وانحصرت أبعادها بين أفرادها. ولستُ في هذا الطرح أعني رابطة الزوجيّة، بل مسألة الأصول والفروع.
من المقرر قضاءً وفقهًا، أن الأصول هم الوالدان، وآباؤهما مهما علوا، أي: الأبُ والأمُ، وأبُ الأبِ وأمِّه، وأبُ الأمِّ وأمِّها، وهكذا، وأن الفروع، هم الابن وابن الابن مهما نزلوا، وأن الحواشي هم الإخوة والأعمام، وأبناؤهم، فجليٌ مُراد التشريع في الفئات التي حصرها.
الإشكال يثور إذا ما علمنا أن الألفاظ عند الأصوليين لها معانٍ، فاللفظ له قد يكون له معنى ظاهر وخفي في آنٍ واحدٍ، وقد يكون نصًا في معناه، أو مجملاً، وقد يدور بين ذلك باختلاف حقيقة اللفظ، بين معناه اللغوي أو الاصطلاحي أو العُرفي، فما المقصود بالأصول والفروع في هذا المقام؟ أيقصد المشرّع الأصول والفروع بالنسب حصرًا، فيكون اللفظ نصًا في معناه؟ أم بالرضاعة أو بيولوجيًا أو بالتبني أيضًا، فيكون مُجْمَلاً بحاجة إلى بيانٍ؟ المُسلَّمُ به أنه لا اجتهاد في مورد النص قطعيِّ الدلالة، ولكن اللفظان ليسا نصًا في معناهما برأيي.
فلو افترضنا أن ابنًا بالرضاعة سرق من جدته بالرضاعة، وأنَّ ابنًا بالتّبني خان أمانة والده بالتبنّي، وأنّ ابنًا لم يثبت نسبه لأبيه، احتالُ أبوه عليه، هل يُمْكِنُ القولُ أنّ هذه الجرائم الثلاث تدخل في عداد جرائم الشكوى؟ وتسري عليها بالتالي أحكامها؟ وهي كما يلي:
1. وجوب توفّر الصفة في مُقدِّم الشكوى.
2. وجوب تقديم الشكوى في ميعادها القانوني، من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومُرْتَكِبِها.
3. وجوب أن تقوم النيابة العامة مقامَ ممثل المجني عليه إذا تعارضت مصلحتهما من الشكوى.
4. انقضاء حق الشكوى قبل تقديمها بوفاة المجني عليه.
5. انقضاء الدعوى الجزائية بتنازل المجني عليه، أو من ورثته جميعًا إذا توفي بعد تقديم الشكوى.
يسْتتبعُ ذلك الإشكال التالي، لو دُفِعَ أمام النيابة العامة أثناء مباشرتها سلطتها في التحقيق، أو أمام المحكمة المختصّة أثناء نظر الدعوى الجزائية، أن الجريمة موضوع الدعوى تُعدّ من جرائم الشكوى، وأنه لم يتم تقديم الشكوى من المجني عليه أو ممن يقوم مقامه قانونًا، أو أن الميعاد المحدد لتقديم الشكوى قد تم استنفاده، أو أنّ المجني عليه أو وكيله الخاص قد تنازل عن الشكوى، فهل يُعدُّ دفعًا جوهريًا يجب تحقيقه؟ أم يُعْرضُ عنه بمقالة أن المقصود هم الأصول والفروع نَسَبًا دون غيرهم؟
بالنسبة للابن من الرضاعة، فمعلومٌ من كتب الفقه أن الراضعَ تكون محارمه كمحارم الراضعِ منها، وتكون محارمها كمحارمه، فالقرابة هُنا – أي من الرضاعة – تكون كالقرابة من النسب، إذْ أن الراضع يكون فرعًا للراضع منها وتسري عليه أحكامها، هكذا ذكر العلامة محمد بن أحمد المختار الشنقيطي في مؤلّفه "شرح زاد المستقنع"، وإلى ذلك ذهب أهل الفقه. فتحرم على الراضع الذكر، أمّه وأخواته وجدّته وعمّاته وخالاته من الرضاعة، وتحرم على الراضع الأنثى زوج أمّها من الرضاعة وإخوانُها وجدّها وأعمامها وأخوالها من الرضاعة.
وبالنسبة إلى الابن بالتّبني، بالنظر إلى الأُمم التي تُبيحُ ذلك وتقومُ عليها تشريعاتُها، وما تسري بشأنها أحكام القانون الدولي الخاص، فما حالُه؟ هل يكون فرعًا لوالديه بالتّبني؟ وهل يكونان أصلاً له؟
وأما الابن الذي لم يثبت نسبه، وأخصُّ بالذكْرِ ابنُ السفاح، فما موقف التشريع منه؟ المعتمد عند عامّة أهل الفقه أنّ نسبه يثبت لأمّه دون والده، وإن أقرَّا سويًا على ذلك وإنْ ثبتُ بالدليل العِلمي من خلال البصمة الوراثيّة، وحُجَّتُهم في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، وقالوا أن النسب لا يثبت ولو بالإقرار، إلا بوجود عقد صحيح أو فاسد أو ملك يمين وشبهة ملك، فلا تنشأ علاقة الأبوّة والتزاماتُها وحقوقُها ولا يثبت النسب، وإنْ تزوّجَ الواطئُ الموطوءةَ أثناء حمْلِها أو بعده، ولكنهم أعقبوا أمرًا حريًا بالنظر والتأمّل، إذ زادوا أن أبناء السفاح يحرمون حرمةً قطعية على الواطئ وآبائه وبنيه وإخوانه وأخواله، للذكر والأنثى، كحال الحُرمة من النسب. فلو ثبت أن ابن السفاح قد احتال والدُه البيولوجي عليه (الحقيقي)، فكيف السبيل؟ وكذلك الحال بالنسبة للوالدين اللذين تخليّا عن ابنهما الحقيقي وتركاه للتبني، أيكونان أصلاً له؟
ومن وجهة نظري، فإنّه ليس ثمّة مسوّغ لتقييد النص، وأن المُطلق يجري على إطلاقه، فلمّا نصّ المشرع على لفظي الأصول والفروع، فإن المقصود هو الأصول والفروع حقيقةً وحُكْمًا واعتباريًا، قد يُقال أنَّ الفرض مختلف عن حالة المقصودة بالنص، إذ الفرع من الأصل الحقيقي يرثُ، والعكس صحيح، بعكس الفرع أو الأصل حُكمًا أو اعتباريًا، يُرَدُّ على ذلك أن المشرّع لم يعتدّ بمسألة الإرث ابتداءً، حُجَّة ذلك أنَّ مِن الحواشي من يرث فرضًا أو تعصيبًا، ولكن المشرع لم يجعل لمركزهم اعتبارًا، وأن ابن الابن محجوبٌ بوجود الابن، ولا يُغيّر من ذلك أحكام الوصية الواجبة، إذ أنها تدخل في نطاق الوصية، وليس الإرث. أضِفْ إلى ذلك مسألةَ اختلاف الدِّين، فلا توارث فيه، وليس من قائل أن اختلاف الدين ينفي علاقة الأصل بفرعه. من ذلك، كان الاستدلال أن التوارث ليس المعيار هُنا.
إضافةً على ذلك، فإنّ العِلَّةَ بين المسائل السابق طرحُها تدور في فلكٍ واحدٍ مع حالة النص القانوني، والعلّة مُشتركة، وهي الحفاظ على روابط الأسرة وعدم تفكُّكِها، فما المسوّغ إذا لم يُمكن إطلاق النصّ أنْ تُقاس عليه المسائل المُستجدّة باتّحاد العلّة؟
وفي الواقع، فإنني لم أجد من تعرّض لهذه المسألة من الفقهاء أو أهل الاختصاص. وأرى بأنها جديرةً بالنظر والتفكّر والتأمّل، فالإحصائيات الديموغرافية لدولة الإمارات العربية المتّحدة لعام 2005م تذكر أن الدولة تحتضن 4.1 مليون نسمة، وتقديرات مكتب الإحصاء الوطني لعام 2010م تقدّر أن العدد زاد إلى 8.2 مليون نسمة، وهذا يَدل على أن احتماليّة عرض هكذا مسألة على السلطة القضائية واردةٌ وفي زيادةٍ مستمرةٍ.
ومن هُنا جاء اهتمام الشريعة والتشريع بالعناية بالأسرة، حفاظًا على انسجام أفرادها معنويًا وماديًا وولاءً، فرتّب حقوقًا للزوجين والأبناء، وللأجداد والإخوة والأعمام، وقد تم تقسيم الأسرة هَرمَيًا كما دَرَجْتْ عليه كُتُب الفقه، فكانت الأصول والفروع والحواشي.
ابتدأتُ بهذه التوطئة المختزلة، لأمهّدَ لإشكالية قانونية، حيث تنصّ المادة رقم: (10) الواردة بقانون الإجراءات الجزائية الاتحادي رقم: (35) لسنة 1992م وفقًا لآخر تعديلات القانون، على أنه لا يجوز أن ترفع الدعوى الجزائية إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو ممن يقوم مقامه قانونًا في الجرائم التي حَصَرها في بنودٍ الخمسة.
وما يعنينا هو البند الأول منها، حيث أوردَ المشرّع في البند الأول من المادة الآنفة، أن جرائم السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة وإخفاء الأشياء المتحصلة منها لا يجوز أن ترفع فيها الدعوى الجزائية إذا كان المجني عليه زوجًا للجاني أو أحد أصوله أو فروعه، وفقًا للضوابط المحددة بشأن جرائم الشكوى.
وغنيٌ عن البيان، أنّ المشرّع إنّما أولى بذلك عنايةً خاصة للأسرة وأفرادها على اعتبار ديمومة ترابطها وتآلفها رغم ما قد يعترضها من عقبات، فكانت العلّة التشريعية في هذا المقام أن المحافظة على ترابط الأسرة مقدّمٌ على المصلحة العامة، إذا ما دارت الجريمة وانحصرت أبعادها بين أفرادها. ولستُ في هذا الطرح أعني رابطة الزوجيّة، بل مسألة الأصول والفروع.
من المقرر قضاءً وفقهًا، أن الأصول هم الوالدان، وآباؤهما مهما علوا، أي: الأبُ والأمُ، وأبُ الأبِ وأمِّه، وأبُ الأمِّ وأمِّها، وهكذا، وأن الفروع، هم الابن وابن الابن مهما نزلوا، وأن الحواشي هم الإخوة والأعمام، وأبناؤهم، فجليٌ مُراد التشريع في الفئات التي حصرها.
الإشكال يثور إذا ما علمنا أن الألفاظ عند الأصوليين لها معانٍ، فاللفظ له قد يكون له معنى ظاهر وخفي في آنٍ واحدٍ، وقد يكون نصًا في معناه، أو مجملاً، وقد يدور بين ذلك باختلاف حقيقة اللفظ، بين معناه اللغوي أو الاصطلاحي أو العُرفي، فما المقصود بالأصول والفروع في هذا المقام؟ أيقصد المشرّع الأصول والفروع بالنسب حصرًا، فيكون اللفظ نصًا في معناه؟ أم بالرضاعة أو بيولوجيًا أو بالتبني أيضًا، فيكون مُجْمَلاً بحاجة إلى بيانٍ؟ المُسلَّمُ به أنه لا اجتهاد في مورد النص قطعيِّ الدلالة، ولكن اللفظان ليسا نصًا في معناهما برأيي.
فلو افترضنا أن ابنًا بالرضاعة سرق من جدته بالرضاعة، وأنَّ ابنًا بالتّبني خان أمانة والده بالتبنّي، وأنّ ابنًا لم يثبت نسبه لأبيه، احتالُ أبوه عليه، هل يُمْكِنُ القولُ أنّ هذه الجرائم الثلاث تدخل في عداد جرائم الشكوى؟ وتسري عليها بالتالي أحكامها؟ وهي كما يلي:
1. وجوب توفّر الصفة في مُقدِّم الشكوى.
2. وجوب تقديم الشكوى في ميعادها القانوني، من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومُرْتَكِبِها.
3. وجوب أن تقوم النيابة العامة مقامَ ممثل المجني عليه إذا تعارضت مصلحتهما من الشكوى.
4. انقضاء حق الشكوى قبل تقديمها بوفاة المجني عليه.
5. انقضاء الدعوى الجزائية بتنازل المجني عليه، أو من ورثته جميعًا إذا توفي بعد تقديم الشكوى.
يسْتتبعُ ذلك الإشكال التالي، لو دُفِعَ أمام النيابة العامة أثناء مباشرتها سلطتها في التحقيق، أو أمام المحكمة المختصّة أثناء نظر الدعوى الجزائية، أن الجريمة موضوع الدعوى تُعدّ من جرائم الشكوى، وأنه لم يتم تقديم الشكوى من المجني عليه أو ممن يقوم مقامه قانونًا، أو أن الميعاد المحدد لتقديم الشكوى قد تم استنفاده، أو أنّ المجني عليه أو وكيله الخاص قد تنازل عن الشكوى، فهل يُعدُّ دفعًا جوهريًا يجب تحقيقه؟ أم يُعْرضُ عنه بمقالة أن المقصود هم الأصول والفروع نَسَبًا دون غيرهم؟
بالنسبة للابن من الرضاعة، فمعلومٌ من كتب الفقه أن الراضعَ تكون محارمه كمحارم الراضعِ منها، وتكون محارمها كمحارمه، فالقرابة هُنا – أي من الرضاعة – تكون كالقرابة من النسب، إذْ أن الراضع يكون فرعًا للراضع منها وتسري عليه أحكامها، هكذا ذكر العلامة محمد بن أحمد المختار الشنقيطي في مؤلّفه "شرح زاد المستقنع"، وإلى ذلك ذهب أهل الفقه. فتحرم على الراضع الذكر، أمّه وأخواته وجدّته وعمّاته وخالاته من الرضاعة، وتحرم على الراضع الأنثى زوج أمّها من الرضاعة وإخوانُها وجدّها وأعمامها وأخوالها من الرضاعة.
وبالنسبة إلى الابن بالتّبني، بالنظر إلى الأُمم التي تُبيحُ ذلك وتقومُ عليها تشريعاتُها، وما تسري بشأنها أحكام القانون الدولي الخاص، فما حالُه؟ هل يكون فرعًا لوالديه بالتّبني؟ وهل يكونان أصلاً له؟
وأما الابن الذي لم يثبت نسبه، وأخصُّ بالذكْرِ ابنُ السفاح، فما موقف التشريع منه؟ المعتمد عند عامّة أهل الفقه أنّ نسبه يثبت لأمّه دون والده، وإن أقرَّا سويًا على ذلك وإنْ ثبتُ بالدليل العِلمي من خلال البصمة الوراثيّة، وحُجَّتُهم في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، وقالوا أن النسب لا يثبت ولو بالإقرار، إلا بوجود عقد صحيح أو فاسد أو ملك يمين وشبهة ملك، فلا تنشأ علاقة الأبوّة والتزاماتُها وحقوقُها ولا يثبت النسب، وإنْ تزوّجَ الواطئُ الموطوءةَ أثناء حمْلِها أو بعده، ولكنهم أعقبوا أمرًا حريًا بالنظر والتأمّل، إذ زادوا أن أبناء السفاح يحرمون حرمةً قطعية على الواطئ وآبائه وبنيه وإخوانه وأخواله، للذكر والأنثى، كحال الحُرمة من النسب. فلو ثبت أن ابن السفاح قد احتال والدُه البيولوجي عليه (الحقيقي)، فكيف السبيل؟ وكذلك الحال بالنسبة للوالدين اللذين تخليّا عن ابنهما الحقيقي وتركاه للتبني، أيكونان أصلاً له؟
ومن وجهة نظري، فإنّه ليس ثمّة مسوّغ لتقييد النص، وأن المُطلق يجري على إطلاقه، فلمّا نصّ المشرع على لفظي الأصول والفروع، فإن المقصود هو الأصول والفروع حقيقةً وحُكْمًا واعتباريًا، قد يُقال أنَّ الفرض مختلف عن حالة المقصودة بالنص، إذ الفرع من الأصل الحقيقي يرثُ، والعكس صحيح، بعكس الفرع أو الأصل حُكمًا أو اعتباريًا، يُرَدُّ على ذلك أن المشرّع لم يعتدّ بمسألة الإرث ابتداءً، حُجَّة ذلك أنَّ مِن الحواشي من يرث فرضًا أو تعصيبًا، ولكن المشرع لم يجعل لمركزهم اعتبارًا، وأن ابن الابن محجوبٌ بوجود الابن، ولا يُغيّر من ذلك أحكام الوصية الواجبة، إذ أنها تدخل في نطاق الوصية، وليس الإرث. أضِفْ إلى ذلك مسألةَ اختلاف الدِّين، فلا توارث فيه، وليس من قائل أن اختلاف الدين ينفي علاقة الأصل بفرعه. من ذلك، كان الاستدلال أن التوارث ليس المعيار هُنا.
إضافةً على ذلك، فإنّ العِلَّةَ بين المسائل السابق طرحُها تدور في فلكٍ واحدٍ مع حالة النص القانوني، والعلّة مُشتركة، وهي الحفاظ على روابط الأسرة وعدم تفكُّكِها، فما المسوّغ إذا لم يُمكن إطلاق النصّ أنْ تُقاس عليه المسائل المُستجدّة باتّحاد العلّة؟
وفي الواقع، فإنني لم أجد من تعرّض لهذه المسألة من الفقهاء أو أهل الاختصاص. وأرى بأنها جديرةً بالنظر والتفكّر والتأمّل، فالإحصائيات الديموغرافية لدولة الإمارات العربية المتّحدة لعام 2005م تذكر أن الدولة تحتضن 4.1 مليون نسمة، وتقديرات مكتب الإحصاء الوطني لعام 2010م تقدّر أن العدد زاد إلى 8.2 مليون نسمة، وهذا يَدل على أن احتماليّة عرض هكذا مسألة على السلطة القضائية واردةٌ وفي زيادةٍ مستمرةٍ.