محمد الخاجه
12-18-2016, 10:02 AM
قطعت دولة الامارات العربية المتحدة العهد على نفسها بأن لا تنمية بدون تنمية الانسان أولا ومن هنا كان مسعاها نحو العمل بكل جهد وإخلاص من أجل كفالة حقوق الانسان وصيانة حريته ورفاهيته وتوفير كل السبل الممكنة للنهوض بقدراته نحو الافضل وهيأت كل المستلزمات التي تمكن من أن يكون هذا الانسان في مقدمة خططها الآنية والمستقبلية وسنت لهذا الغرض العديد من القوانين الدستورية والقوانين ذات الاختصاص من أجل ذلك الهدف. وكان الهاجس الأول لصاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله هو تنمية الانسان وحماية حقوقة وحرياته ، فكان دستور حمايته ورفاهيته وصيانة مكتسباته حاضراً في ذهنه منذ زمن بعيد وقبل أن يوضع دستور مكتوب فقد عمل وبكل تفان وإخلاص من أجل أن ينهض بهذا الشعب نحو العزة والوحدة.
وقد جاء دستور دولة الامارات العربية المتحدة معبراً حقيقياً عن كرامة الانسان فقد حرم التعذيب والمعاملة القاسية احتراماً لكيان هذا الانسان ورفض الاستعباد وفرض العمل بالقوة وحق الحرية والسلامة الشخصية والاقامة والانتقال وحق المساواة أمام القضاء وفق القانون وأنصف دستور دولة الامارات الانسان أيما إنصاف فقد كفل حريته الخاصة في المنزل والمراسلات والفكر والضمير والديانة والحق في الرأي والتعبير وحق العائلة في التمتع بالحماية في المجتمع والدولة والمساواة المطلقة أمام القانون وحظر استبعاده عن بلاده ومصادرة أمواله وحقه في الجنسية والعقوبة الشخصية وحرية المسكن.
وجاء قانون العقوبات مكملاً لنصوص الدستور لحماية حقوق المجتمع والمواطن، إذ يهدف إلى حماية المجتمع على نحو يضمن تحقيق الأمن حتى يمكن للمواطنين ممارسة حقوقهم وحرياتهم بصورة كاملة، فقانون العقوبات على هذا النحو يكفل- بما يفرضه من جزاء جنائي- حماية حقوق الإنسان والحريات الفردية في مواجهة مختلف أنواع السلوك التي تعتبر اعتداء عليها، فيعاقب مثلاً الإعتداء على الحق في الحياة والشرف والإعتبار، فيضمن بذلك حماية هذه الحقوق.
أولاً: ماهية الحقوق والحريات الشخصية في الدستور الإماراتي:
يعرف مصطلح حقوق الإنسان عند المعاصرون بأنها " الحقوق التي وجدت للإنسان وتقررت له لمجرد كونه إنساناً أي بشراً، فهي لازمة لوجوده والحفاظ على كيانه وحماية شخصه والقيم اللصيقة به، وهي حقوق لا تثبت إلا للشخص الطبيعي لإرتباطها له ولصفة الإنسانية فيه" .
ويعرفها بعضهم بأنها " مجموعة الحقوق والحريات التي ينبغي الإعتراف بها للإنسان ، لكونه إنساناً، وبغض النظر عن إنتمائه العرقي، أو الديني، أو اللغوي، إلخ...، أما القانون الدولي لحقوق الإنسان فهو القانون الذي يعني ببيان هذه الحقوق وسبل حمايتها" .
ويذهب البعض الآخر في تعريفها بأنها " تلك الرخص والمكنات والحريات التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان أينما كان وتؤدي إلى إشباع حاجاته الخاصة وتسهم دون شك في إفادة وتطوير المجتمع الذي يحيا فيه " . بينما اتجه جانب آخر في تعريفها بأنها " تلك الحقوق التي وهبها الله للإنسان بموجب إنسانيته ويتساوى فيها الجميع دون تمييز ، وتكفل للإنسان ممارسة حياته الكريمة في إطار مجتمعه، ويمكن تحديدها وحمايتها والمحافظة عليها عن طريق التشريعات والأنظمة والقوانين على المستوى الوطني والإقليمي والدولي" .
وهكذا من التعريفات السابقة نجد أن حقوق الإنسان هي الحقوق الطبيعية التي تولد مع الإنسان دون أن يشترط لذلك اعتراف الدولة بها قانوناً تمييزاً بينها وبين الحريات العامة والتي تعتبر جزء من حقوق الإنسان التي تعترف بها الدولة وتنظمها وتحميها. وتعتبر حقوق الإنسان وحرياته وليدة إجتماع العديد من العوامل والعناصر والقيم الحضارية والدينية والبيئية المعبرة عن فلسفة العصر والروح السائدة فيه.وتتميز هذه الحقوق بعدد من الخصائص، منها:
حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث، فهى ببساطة ملك الناس، لأنهم بشر فحقوق الإنسان متأصلة في كل فرد.
حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين.
حقوق الإنسان لا يمكن إنتزاعها فليس من حق أحد أن يحرم شخصاً من حقوقه كأنسان جتى ولو لم تعترف بها قوانين بلده أو عندما تنتهكها تلك القوانين، فحقوق الإنسان ثابته وغير قابلة للتصرف.
كي يعيش جميع الناس بكرامة فإنه يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن وبمستويات معيشة لائقة فحقوق الإنسان غير قابلة للتجزؤ.
وتأسيساً على ما سبق، نوضح لأهم الحقوق والحريات الشخصية التي تضمنها دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما يلي:
1- الحق في الأمن والمساواة : يعتبر حق الإنسان في الأمن هو من أهم عناصر الحقوق والحريات الشخصية، وتعتبر حماية أمن الأشخاص والأموال هي إحدى المباديء الدستورية، ولذلك يأتي حق الأمن في مقدمة الحريات الشخصية والتي يقع على عاتق الدولة واجب حمايتها. فقد نص الدستور الإماراتي في المادة (14) على أن "المساواة، والعدالة الإجتماعية، وتوفير الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين، من دعامات المجتمع، والتعاضد والتراحم صلة وثقى بينهم".ثم أكد في المادة ( 25 ) على أن "جميع الأفراد لدى القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي".
2- الحق في سيادة القانون : يعني مبدأ سيادة القانون المشروعية ، كما يعني خضوع الدولة للقانون أو ما يسمى بالدولة القانونية . كما يعني الإطار الشرعي لسلطة الدولة بحيث لا تتجاوزه أو تتعداه في مواجهة الأفراد . ومبدأ سيادة القانون هو ما يميز الدولة القانونية عن الدولة ذات الحكم المطلق ، إذ تحمي الدولة القانونية كافة مصالح الأفراد ومن بينها الحقوق والحريات. وفي هذا الإطار تنص المادة ( 10) من دستور دولة الإمارات على أن حماية حقوق وحريات شعب الإتحاد هدف من أهداف الإتحاد.
3- الحق في حرمة المسكن : من حق كل إنسان أن يؤمن مسكنه حيث يجد فيه السكينة والطمأنينة والراحة، فلا يجوز إقتحامة أو تفتيشة إلا في الحالات والإجراءات التي حددها القانـــــون . فقد نص الدستور فى المادة (26) على أن " الحرية الشخصية مكفولة لجميع المواطنين، ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه إلا وفق أحكام القانون، ولا يعرض أي انسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة" وهذا يعنى انه لا يجوز القبض على احد او تفتيشه الا فى حالتين الأولى أن يكون هناك حالة تلبس والثانيه ان يكون هناك اذن من النيابه بذلك. كما نصت المادة ( 36) على الآتي " للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها بغير إذن أهلها إلا وفق أحكام القانون وفي الأحوال المحددة فيه".
4- الحق في سلامة النفس والبدن : يعتبر حق الإنسان في الحياة وسلامة نفسه وبدنه ضد كل أصناف العنف والتعذيب والقهر أو المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة ، من الحقوق الهامة التي عنيت القواعد الدولية والتشريعات الوطنية بإبرازها. فقد نصت المادة (26) من الدستور الإماراتي بأن " لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه إلا وفق أحكام القانون ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة". كما نصت المادة (28) نصت على أن "العقوبة شخصية والمتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية وعادلة وللمتهم الحق في أن يوكل من يملك القدرة للدفاع عنه اثناء المحاكمة، ويبين القانون الأحوال التي يتعين فيها حضور محام عن المتهم، وإيذاء المتهم جسمانيا اومعنويا محظور".
5- قرينة البراءة: يعتبر مبدأ براءة المتهم من المبادئ الدستورية التي تهتم كافة الدساتير بالنص عليها لضمان المحاكمة العادلة. فقد نص الدستور في المادة ( 28) على افتراض براءة المتهم حيث جاء فيها أن" العقوبة الشخصية والمتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة ".
6- الحق في سرية المراسلات: تعد الرسائل بجميع أنواعها ترجمة للأفكار الشخصية وتعبيرآ عن مسائل خاصة لايجوز للغير الإطلاع عليها دون موافقة أصحابها، وتعبيرآ عن حق الإنسان في الخصوصية فقد أفردت التشريعات والدساتير المختلفة حق الانسان في سرية مراسلاته الخاصة. فقد نصت المادة (31) من الدستور على أن " حرية المراسلات البريدية والبرقية وغيرها من وسائل الإتصال وسريتها مكفولتان وفقاً للقانون".
7- الحق في حرية التنقل. حرية التنقل هـي التي تسمح للفرد بالإنتقال من مكان إلى مكان آخر داخل بلاده، ومن ثم يحظر تحديد إقامته إلآ لأسباب قهرية طبقآ للقانون. فقد نصت المادة (29) من الدستور على أن " حرية التنقل والإقامة مكفولة للمواطنين في حدود القانون".
8- الحق في حرية التعبير عن الرأي: حرية الرأي هي التي تكفل لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو بغير ذلك من الوسائل، وذلك لأن حرية الرأي مسألة داخلية كامنه في النفس البشرية لاتحتاج إلى نص أو حماية فهي حرية مطلقة. فقد نصت المادة (30) من الدستور على أن " حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون".
9- الحق في حرية العمل: يقصد بها هو حق كل إنسان في إختيار العمل أو المهنه التي يريد الإشتغال بها أو مزاولتها، وعدم إجبارة على ممارسة عمل بذاته أو إحتراف حرفة معينة لايريد مزاولتها أو ممارستها. فقد نص الدستور في المادة (34) " كل مواطن حر في إختيار عمله أو مهنته أو حرفته في حدود القانون، وبمراعاة التشريعات المنظمة لبعض هذه المهن والحرف. ولا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلا في الأحوال الإستثنائية التي ينص عليها القانون، وبشرط التعويض عنه".
10- حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية: أقر دستور دولة الإمارات العربية المتحدة حرية الإعتقاد وممارسة الشعائر الدينية وكفلت ممارستها ضمن حدود القانون. فقد نصت المادة (32) من الدستور الإمارتي " حرية القيام بشعائر الدين طبقا للعادات المرعية مصونة، على ألا يخل ذلك بالنظام العام، أو ينافي الآداب العامة " .
ونص الدستور على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة والشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع فيه، فقد نصت المادة (7) من الدستور لدولة الإمارات العربية المتحدة بأن " الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه، ولغة الاتحاد الرسمية هي اللغة العربية " .
ولقد نص على أن حرية القيام بشعائر الدين طبقاً للعادات المرعية مصونة على أن لا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب العام. إلا أن نص الدستور الإماراتي على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام لا يعني التفرقة بين المسلم وغير المسلم أو إباحة اضطهاد غير المسلمين، ذلك أن الدستور قد نص على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ومتساوون لدى الأصل أو اللغة أو الدين. كما أن ذلك لا يعني أيضاً أن تقتصر مزاولة الحقوق العامة على المسلمين دون سواهم، ولا أن الدولة لا تحمي إلا الدين الإسلامي ولا تحترم إلا شعائره وأنها تترك الأديان الأخرى بغير حماية.
فقد نص الدستور الإماراتي في المادة (25) " أن جميع الأفراد لدى القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الإجتماعي" .
ويستفاد من نص الدستور لدولة الإمارات العربية المتحدة التى يقضي بأن الإسلام دين الدولة الرسمي أن ذلك ليس إلا تصويراً للواقع الذي يقول أن الغالبية العظمى من السكان مسلمون. وأهم أثر يمكن أن يترتب عليه في مجال النظم السياسية أن مناصب الولاية العامة يجب أن يليها مسلم ، فرئيس الدولة ورئيس الوزراء ومن في مستواهم يجب أن يكونوا من المسلمين ، وكذلك يجب عدم التطبيق أى تشريع يتعارض مع الدين الإسلامي . كما أن كون الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع لا يعني أن تطبق على المسيحين وغيرهم من أهل الكتاب نفس الأحكام التى تطبق على المسلمين، ولا يعني إلزامهم بما يلزم به الذميون من أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة للمسيحين وغيرهم من أهل الكتاب أحكاماً تختلف عما يطبق على المسلمين وألزمتهم بالتزامات تختلف عما يلتزم به المسلمون.
وقد قيد دستور دولة الإمارات العربية المتحدة ممارسة حرية القيام بشعائر الدين بقيد النظام العام أو الآداب العامة وذلك من أجل حماية المجتمع من الأفكار التى تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
وتعنى حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية المتصلة بهذه العقيدة التى أقرها الدستور وحمى ممارستها : تعبير الفرد في المجتمع عن معتقداته الدينية والممارسة الفعلية للشعائر الدينية، وتشمل ذلك حرية العقيدة التى تبيح للإنسان أن يعتنق ديناً وحرية العبادة في إقامة الشعائر الدينية.
وهكذا تنطوي الحرية الدينية على حريتين جوهريتين: أولاهما: حرية العقيدة وثانيهما: حرية ممارسة الشعائر الدينية المتصلة بالعقيدة.
فحرية العقيدة : حرية مطلقة لا يرد عليها أى قيد ، فلكل إنسان أن يعتنق الدين الذي يقتنع به، فالعقيدة أمر داخلى محله القلب. أما ممارسة الشعائر الدينية : فلها مظهر خارجي كإقامة الصلوات أو العبادات التى تتطلبها العقيدة ، ومن ثم تخضع للتنظيم القانوني الذي يقيدها ببعض القيود حفاظاً على الآداب العامة ، وضماناً لعدم الإخلال بالنظام العام .
10- حق حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات : تعتبر حرية اجتماع الشخص مع غيره من الافراد احد المظاهر الرئيسية لممارسة حرية الرأي والتعبير عنه وذلك بالاجتماع مع من يريد ومناقشته وتبادل الرأي معه سواء تم ذلك في مكان خاص أو مكان عام. فقد نص الدستور في المادة (33) على أن " حرية الإجتماع، وتكوين الجمعيات، مكفولة في حدود القانون".
11- حق الاستعانة بمحام : من الحقوق التي ينبغي أن يعرفها كل شخص يقبض عليه ، أو يحتجزه أو توجه له تهمة ، حقه في الإستعانة بمحام للدفاع عنه . ويجب أن يخطر بذلك فور القبض عليه أو احتجازه أو عندما يوجه له الإتهام بارتكاب جريمة . نص الدستور في المادة ( 28) على حق كل متهم في أن يوكل من يملك القدرة على الدفاع عنه ويبين القانون الأحوال التي ينص فيها حضور محام عن المتهم.
12- حقوق العمال : الدستور بإعتباره القانون الاساسي الذي قامت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة بإماراتها السبع وهو مصدر كل السلطات والمظلة القانونية الرئيسية.. يجب أن لا تتعارض التشريعات والقرارات الوزارية مع اي حكم من أحكامه ..وعليه فإن أحكامه حول قضية مثل حقوق العمالة تأخذ اسبقية على ما عداها من أحكام قانونية أخرى.. وبما أن دولة الامارات العربية المتحدة تسعى لتحقيق تقدم مطرد في كافة المجالات فإن نصوصا دستورية محددة حول حقوق العمالة تصبح ذات مغزى على نحو متزايد وعلى وجه الخصوص ما يأتي:
يقر الدستور تحديدا بتطبيق المعايير الدولية .. فوفقا للمادة (20) يجب أن تدعم التشريعات والقوانين حقوق العمال والموظفين بما ينسجم مع المعايير الدولية المتقدمة.
يحظر الدستور بجلاء العمل الاجباري من أي نوع بما في ذلك الاسترقاق والاستعباد كما نص المادة (34) "..... لا يجوز إستعباد أي إنسان".
يضيف الدستور حقوقاً أخرى للعمالة الاجنبية في الدولة فالمادة ( 40) تربط حقوق العمال الاجانب تحديداً بالمعايير الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية .
يؤكد الدستور بجلاء على حق أي فرد في أن يتقدم بشكاوى .. فالمادة (41) تحدد السلطات المختصة بما فيها المحاكم كجهة واختصاص لإقامة الدعاوى.
13-كفالة حق التقاضي:
أعطى الدستور للمتهم حق الشكوى ومخاطبة السلطات العامة تأكيداً على ضمان حماية الحقوق والحريات. فقد نص الدستور في المادة (41) على أنه " لكل إنسان أن يتقدم بالشكوى إلى الجهات المختصة بما في ذلك الجهات القضائية من امتهان الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الباب". وهكذا فإن هذه المبادئ بوصفها ضمانات دستورية اساسية تمثل القيم الراسخة والجوهرية لدولة الامارات العربية المتحدة.
13- استقلال القضاء :
يعتبر مبدأ استقلال القضاء من المبادئ الهامة التي تقوم عليها الدولة . وهو ركيزة أساسية لمبدأ حق التقاضي، وبدونه ينهدم مبدأ سيادة القانون. ونسبة لهذه الأهمية فقد اهتمت به كافة الدساتير ومواثيق حقوق الإنسان ، حيث ينص الدستور في المادة ( 94) على أن " العدل أساس الملك والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في أداء واجبهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين المرعية وضمائرهم ".
14- الرقابة القضائية على دستورية القوانين :
تعني الرقابة القضائية تصدي المحاكم لأي قانون أو تشريع من شأنه مخالفة الدستور أو المساس بالحقوق والحريات المكفولة والمقررة. بموجب الدستور وأن تحكم ببطلانه. وتعد الرقابة القضائية على دستورية القوانين تأكيداً لسمو الدستور، واستقلال القضاء وسيادة حكم القانون. وبذلك تعتبر ضمانة فاعلة وحقيقة للمحافظة على الحقوق والحريات. وتأكيداً لدور الرقابة القضائية. فقد نص الدستور في المادة ( 90) على اختصاص المحكمة الإتحادية العليا في الرقابة القضائية على دستورية القوانين.
ثانياً: مظاهر حماية الحقوق والحريات الشخصية في قانون العقوبات الإتحادي
تنفيذاً للمبادئ العامة التي جاء بها الدستور جاء قانون العقوبات الإتحادي رقم 3 لسنة 1997 وتعديلاته مكملة ومرتبطة إرتباطاً وثيقاً للحقوق والحريات الشخصية، فقد احتوى هذا القانون على العديد من المبادئ الأساسية التي تعمل على حفظ وصيانة حقوق الإنسان، ومن بين هذه المبادئ :
الحـــق في الحيــــــاة :
يحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي. وقد نص قانون العقوبات الإتحادي على حماية هذا الحق من الإعتداء عليه بوضع عقوبة مشددة لمن تسول له نفسه قتل نفس وقد ترواحت هذه العقوبة ما بين الإعدام والسجن المؤبد والسجن من سنة إلى عشرين سنة.وذلك في نصوص المواد (333،334،335، 336، 337،338،339).
كما أن قانون العقوبات الإتحادي كفل الحق في الحياة حتى للجنين الذي في بطن أمه، مما جعل جريمة الإجهاض جريمة معاقب عليها بنص المادة (340).
المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
حيث نصت المادة (2) من قانون العقوبات الإتحادي على أنه " لا يؤخذ إنسان بجريمة غيره. والمتهم برئ حتى تثبت إدانته وفقاً للقانون ".
مبدأ شخصية العقوبة وتجريم الأفعال المتعلقة باستغلال الوظائف وإساءة استعمال السلطة.
تنص المادة 240 من قانون العقوبات الاتحادي على أنه " يعاقب بالحبس كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة قبض على شخص أو حبسه أو حجزه في غير الأحوال التي ينص عليها القانون".
ويقوم الركن المادي لهذه الجريمة على عنصرين هما السلوك الإجرامي ومخالفة أحكام القانون.ويأخذ السلوك الإجرامي صورة أو أكثر من صور ثلاث هي القبض والحبس والحجز، وبالتالي يقوم السلوك الإجرامي كعنصر من عناصر الركن المادي في الجريمة محل البحث بالصور الثلاث معاً أو بإحدى الصور المشار إليها. ولا يكتمل الركن المادي للجريمة محل البحث إلا إذا كان القبض أو الحبس أو الحجز في غير الأحوال التي ينص عليها القانون، لذلك لا يتصور قيام هذه الجريمة إذا كان عضو الضبط القضائي قد قام بالقبض أو الحبس أو الحجز أداء لواجب أو إستعمال لحق.
والجريمة المنصوص عليها في المادة (240) من قانون العقوبات الإتحادي من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي الذي يقوم على عنصري العلم والإرادة، ويعد القصد الجنائي متوافراً لدى عضو الضبط القضائي في هذه الحالة إذا أتى بالسلوك عمداً مع علمه بأنه يقبض على الشخص أو يحبسه في غير الأحوال التي عليها القانون. والقانون الإماراتي اعتبر هذه الواقعة جنحة وليس جناية عضو الضبط القضائي الذي يقوم بالقبض على الأشخاص أو حبسهم أو حجزهم في غير الأحوال التي ينص عليها القانون بالحبس كعوقبة وحيده وفقاً لقانون أو حجزهم في غير الأحوال التي ينص عليها القانون بالحبس معقوبة وحيدة وفقاً لقانون العقوبات الاتحادي.
كما نصت المادة ( 245 ) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة المتحدة على أنه : "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكاف بخدمة عامة استعمل القسوة مع أحد من الناس اعتماداً على سلطة وظيفته ، فأخل بشرفه أو أحدث آلاماً ببدنه".
يتمثل الركن المادي في هذه الجريمة في إستعمال القسوة من جانب عضو الضبط القضائي إعتماداً على سلطة وظيفته ، فيخل بشرف المجني عليه أو يحدث ببدنه آلاماً أياً كانت درجة الألم ، ويدخل في حكم القسوة البصق في وجه الشخص ، أو إلقاء شئ يضايقه أو ربط عينيه أو تكميمه ، ولا يلزم أن يكون الإعتداء على درجة معينة من الجسامة .
الجريمة محل البحث من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي ، فإذا كان عضو الضبط القضائي يقوم بأعمال الضبطية العادية كالقبض أو الحبس فإنه لا يعد مستعملاً للقسوة ، وبالتالي لا تقوم في حقه جريمة إذ إنه في هذه الحالة يقوم بأداء الواجب المفروض عليه بحكم القانون.
عدم القبض على الأشخاص أو ضربهم أو تفتيشهم في غير الأحوال التي حددها القانون.
قضى المشرع الجنائي في المادة ( 241 ) من قانون العقوبات بمعاقبة كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أجرى تفتيش شخص أو مسكنه أو محله في غير الأحوال التى يقضي بها القانون أو دون مراعاة الشروط المبينه فيه على علمه بذلك بالحبس مدة لا تقل عن سنة .
وبتحليل نص المادة السابقة يتبين لنا أنها تتطلب شرطاً مفترضاً يتمثل في صفة مرتكبها بأن يكون موظفاً عاماً أو مكلفاَ بخدمة عامة ، وبالتالي فإن عضو الضبط القضائي يتعرض للمسئولية الجنائية إذا أجرى تفتيش شخص أو تفتيش مسكن او تفتيش محل الخاص في غير الأحوال التي توجب عليه أو تجيز له ذلك ، أو دون مراعاة الشروط القانونية مع علمه بذلك. يأخذ الركن المادي لهذه الجريمة صورة " التفتيش " الوارد على الشخص أو المسكن أو المحل .
ويأخذ الركن المعنوي صورة القصد الجنائي حيث يجب أن ينصرف علم الضابط إلى أن فعله بالتفتيش على الشخص أو المسكن أو المحل وفقاً للقانون الإماراتي يكون إعتماداً منه على سلطات ومكنات وظيفته وبدون رضاء صاحبه في غير الأحوال المحددة، وأن تتجه إرادته إلى القيام بهذا الفعل، ولا يشترط القانون قصداً خاصاً في هذه الجريمة. وتتمثل المسئولية الجنائية في هذه المرحلة في عقوبة الحبس التي لا تقل عن سنة وفقاً لقانون العقوبات الإتحادي .
حظر استخدام القوة أو التهديد الذي يقع على أي شخص لحمله على الاعتراف بجريمة.
جرم المشرع الإماراتي جريمة القسوة بموجب المادة (245) من قانون العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة التي نصت على أن " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة استعمل القسوة مع أحد من الناس إعتماداً على سلطة وظيفية فأخل أو أحدث آلاماً ببدنه ".
كما تنص المادة (242) من قانون العقوبات الإتحادي على أنه: " يعاقب بالسجن المؤقت كل موظف عام استعمل التعذيب او القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الإعتراف بجريمة، أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها، أو لكتمان أمر من الأمور".
يتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في قيام عضو الضبط القضائي بأعمال التعذيب أو إستعمال القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع المتهم أو شاهد أو خبير، بهدف الحصول على اعتراف بجريمة، أو الحصول على أقوال أو معلومات في شأن الجريمة، أو لكتمان أمر من الأمور.
والجريمة المنصوص عليها في المادة (242) من قانون العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي العام الذي يقوم على عنصري العلم والإرادة، والقصد الجنائي الخاص الذي يتخذ صورة قصد التعذيب أو إستعمال القوة أو التهديد، بهدف الحصول على إعتراف أو أقوال أو معلومات، ويستوي أن يقوم عضو الضبط القضائي بأي من هذه الأعمال بنفسه أو بواسطة غيره.
عدم الخطف أو القبض أو الحجز بدون وجه حق
نص المشرع الإماراتي في المادة (344) من قانون العقوبات الإتحادي على أنه " يعاقب بالسجن المؤقت من خطف شخصاً أو قبض عليه أو حجزه أو حرمه من حريته بأية وسيلة بغير وجه قانوني، سواء أكان ذلك بنفسه أو بوساطة غيره، وتكون العقوبة السجن المؤبد في الأحوال الآتية:
1- إذا حصل الفعل بانتحال صفة عامة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو الإتصال بصفة كاذبة.
2- إذا ارتكب الفعل بطريق الحيلة أو صحبة استعمال القوة أو التهديد بالقتل أو بالأذى الجسيم أو أعمال تعذيب بدنية أو نفسية.
3- إذا وقع الفعل من شخصين فأكثر أو من شخص يحمل سلاحاً.
4- إذا زادت مدة الخطف أو القبض أو الحجز أو الحرمان من الحرية على شهر.
5- إذا كان المجني عليه أنثى أو حدثاً أو مجنوناً أو معتوهاً.
6- إذا كان الغرض من الفعل الكسب أو الإنتقام أو إغتصاب المجني عليه أو الإعتداء على عرضه أو إلحاق أذى به أو حمله على إرتكاب جريمة.
7- إذا وقع الفعل على موظف عام أثناء تأدية وظيفته أو بسبب ذلك.
وإذا أفضى الفعل إلى موت المجني عليه كانت العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد ويعاقب بالعقوبة المقررة للفاعل الأصلي كل من توسط في إرتكاب أية جريمة من الجرائم المشار إليها في هذه المادة، وكذلك كل من أخفى شخصاً مخطوفاً مع علمه بذلك. وترجع علة التجريم إلى أن الإعتداء على حرية الإنسان في الحركة والتنقل والذهاب والإياب يعد اعتداء صارخاً لأبسط قواعد السلوك الإنساني، وحرماناً لحق الإنسان من التمتع بحريته وهو حق طبيعي لا يجب أن يقيد، إلا وفقاً للإجراءات التي كفلها القانون.
عدم إرغام شخص على العمل بأجر أو بدون أجر
تنص المادة (347) من قانون العقوبات الإتحادي على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين من أرغم شخصاً على العمل بأجر أو بغير أجر لمصلحة خاصة في غير الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك.
يتضح من هذا النص أن المشرع قد كفل حرية العمل، حيث أن حرية العمل من مظاهر الحرية الشخصية، ولذلك نجد أن قانون العمل يعتبر عقد العمل عقداً رضائياً، وبالتالي لا يجوز إجبار شخص على العمل لمصلحة خاصة سواء كان ذلك بأجر أو بدون أجر إلا في الحالات التي يحددها القانون .
التعريض للخطر:
تنص المادة (348) " يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من ارتكب عمداً فعلاً من شأنه تعريض حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم أو حرياتهم للخطر. وتكون العقوبة الحبس إذا ترتب على الفعل حدوث ضرر أياً كان مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقررها القانون.
كما نصت المادة (349) " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين من عرض للخطر سواء بنفسه أو بوساطة غيره حدثاً لم يتم خمس عشر سنة أو شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو العقلية أو النفسية، وتكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة بطريق ترك الحدث أو العاجز في مكان خال من الناس أو وقعت من قبل أحد من أصول المجني عليه أو من هو مكلف بحفظه أو رعايته، فإذا نشأ عن ذلك عاهة مستديمة بالمجني عليه أو موته دون أن يكون الجاني قاصداً ذلك عوقب بالعقوبة المقررة لجريمة الإعتداء المفضي إلى عاهة مستديمة أو بعقوبة الإعتداء المفضي إلى الموت بحسب الأحوال، ويعاقب بالعقوبة ذاتها إذا كان التعريض للخطر بحرمان الحدث أو العاجز عمداً من التغذية أو العناية التي تقتضيها حالته متى كان الماجني ملتزماً شرعاً بتقديمها" .
ويرى الباحث أن قانون العقوبات في مضمونه يشير إلى أنه بمجرد وقوع الجريمة تثور مصلحتين متعارضتين مصلحة المجتمع في العقاب ومصلحة الأفراد أن تصان حقوقهم الأساسية وحرياتهم. وبالتالي فإن فإن مهمة قانون العقوبات هي كفالة إدانة المدان دون المساس بالحقوق الأساسية والحريات العامة للأفراد إلا بالقدر الضروري، وفي إطار هذا القدر الضروري تمنح للمتهم ضمانات لحصر هذا المساس في أضيق نطاق بحيث لا تهدر كرامته ولا يتم تعذيبه أو إستعمال القسوة معه لأن الأصل فيه براءته، ويقع عبء إثبات إدانته على من أدعى خلاف الأصل فالبينة على من أدعى، ويجب أن يصل هذا الإثبات إلى درجة الحزم واليقين وهي أعلى درجات الإثبات في المنازعات بينما كل شك يفسر لصالحه لأنه يؤيد أصل البراءة فيه، وبالتالي لا يتطلب منه إثبات براءته لأنها أصل فيه، ولا يجبر على الإعتراف أو تقديم دليل ضد نفسه لأنه برئ.
وهذا يعتبر مكملاً لنصوص الدستور الذي يحمي الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، حيث يلزم الدولة بضمان عدم انتهاك حرمة الانسان أو المساس بشرفه وبسلامته البدنية والمعنوية، كما تكفل الدولة بموجب هذا الدستور الحريات الشخصية للمواطنين، وتمنع تحت طائلة العقاب انتهاك حرمة الحياة الخاصة، ومنها التنصت على المراسلات والاتصالات الخاصة دون أمر معلل من السلطة القضائية.
وأخيراً إن أهم ما يمكن ان نصل إليه كخاتمة؛ أن هناك مجموعة من الحقوق المنصوص عليها في الدستور محمية في نصوص قانون العقوبات، وأن هذا الأخير يوفر أيضاً حماية سابقة لهذه الحقوق أي قبل وقوع الجريمة، وذلك لما يحمله من زجر وتوعد بأشد العقوبات، وحماية لاحقة تتمثل في إصلاح المجرم وعدم الإقدام على المساس بحقوق الأفراد المحمية بقانون العقوبات.
وقد جاء دستور دولة الامارات العربية المتحدة معبراً حقيقياً عن كرامة الانسان فقد حرم التعذيب والمعاملة القاسية احتراماً لكيان هذا الانسان ورفض الاستعباد وفرض العمل بالقوة وحق الحرية والسلامة الشخصية والاقامة والانتقال وحق المساواة أمام القضاء وفق القانون وأنصف دستور دولة الامارات الانسان أيما إنصاف فقد كفل حريته الخاصة في المنزل والمراسلات والفكر والضمير والديانة والحق في الرأي والتعبير وحق العائلة في التمتع بالحماية في المجتمع والدولة والمساواة المطلقة أمام القانون وحظر استبعاده عن بلاده ومصادرة أمواله وحقه في الجنسية والعقوبة الشخصية وحرية المسكن.
وجاء قانون العقوبات مكملاً لنصوص الدستور لحماية حقوق المجتمع والمواطن، إذ يهدف إلى حماية المجتمع على نحو يضمن تحقيق الأمن حتى يمكن للمواطنين ممارسة حقوقهم وحرياتهم بصورة كاملة، فقانون العقوبات على هذا النحو يكفل- بما يفرضه من جزاء جنائي- حماية حقوق الإنسان والحريات الفردية في مواجهة مختلف أنواع السلوك التي تعتبر اعتداء عليها، فيعاقب مثلاً الإعتداء على الحق في الحياة والشرف والإعتبار، فيضمن بذلك حماية هذه الحقوق.
أولاً: ماهية الحقوق والحريات الشخصية في الدستور الإماراتي:
يعرف مصطلح حقوق الإنسان عند المعاصرون بأنها " الحقوق التي وجدت للإنسان وتقررت له لمجرد كونه إنساناً أي بشراً، فهي لازمة لوجوده والحفاظ على كيانه وحماية شخصه والقيم اللصيقة به، وهي حقوق لا تثبت إلا للشخص الطبيعي لإرتباطها له ولصفة الإنسانية فيه" .
ويعرفها بعضهم بأنها " مجموعة الحقوق والحريات التي ينبغي الإعتراف بها للإنسان ، لكونه إنساناً، وبغض النظر عن إنتمائه العرقي، أو الديني، أو اللغوي، إلخ...، أما القانون الدولي لحقوق الإنسان فهو القانون الذي يعني ببيان هذه الحقوق وسبل حمايتها" .
ويذهب البعض الآخر في تعريفها بأنها " تلك الرخص والمكنات والحريات التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان أينما كان وتؤدي إلى إشباع حاجاته الخاصة وتسهم دون شك في إفادة وتطوير المجتمع الذي يحيا فيه " . بينما اتجه جانب آخر في تعريفها بأنها " تلك الحقوق التي وهبها الله للإنسان بموجب إنسانيته ويتساوى فيها الجميع دون تمييز ، وتكفل للإنسان ممارسة حياته الكريمة في إطار مجتمعه، ويمكن تحديدها وحمايتها والمحافظة عليها عن طريق التشريعات والأنظمة والقوانين على المستوى الوطني والإقليمي والدولي" .
وهكذا من التعريفات السابقة نجد أن حقوق الإنسان هي الحقوق الطبيعية التي تولد مع الإنسان دون أن يشترط لذلك اعتراف الدولة بها قانوناً تمييزاً بينها وبين الحريات العامة والتي تعتبر جزء من حقوق الإنسان التي تعترف بها الدولة وتنظمها وتحميها. وتعتبر حقوق الإنسان وحرياته وليدة إجتماع العديد من العوامل والعناصر والقيم الحضارية والدينية والبيئية المعبرة عن فلسفة العصر والروح السائدة فيه.وتتميز هذه الحقوق بعدد من الخصائص، منها:
حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث، فهى ببساطة ملك الناس، لأنهم بشر فحقوق الإنسان متأصلة في كل فرد.
حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين.
حقوق الإنسان لا يمكن إنتزاعها فليس من حق أحد أن يحرم شخصاً من حقوقه كأنسان جتى ولو لم تعترف بها قوانين بلده أو عندما تنتهكها تلك القوانين، فحقوق الإنسان ثابته وغير قابلة للتصرف.
كي يعيش جميع الناس بكرامة فإنه يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن وبمستويات معيشة لائقة فحقوق الإنسان غير قابلة للتجزؤ.
وتأسيساً على ما سبق، نوضح لأهم الحقوق والحريات الشخصية التي تضمنها دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما يلي:
1- الحق في الأمن والمساواة : يعتبر حق الإنسان في الأمن هو من أهم عناصر الحقوق والحريات الشخصية، وتعتبر حماية أمن الأشخاص والأموال هي إحدى المباديء الدستورية، ولذلك يأتي حق الأمن في مقدمة الحريات الشخصية والتي يقع على عاتق الدولة واجب حمايتها. فقد نص الدستور الإماراتي في المادة (14) على أن "المساواة، والعدالة الإجتماعية، وتوفير الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين، من دعامات المجتمع، والتعاضد والتراحم صلة وثقى بينهم".ثم أكد في المادة ( 25 ) على أن "جميع الأفراد لدى القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي".
2- الحق في سيادة القانون : يعني مبدأ سيادة القانون المشروعية ، كما يعني خضوع الدولة للقانون أو ما يسمى بالدولة القانونية . كما يعني الإطار الشرعي لسلطة الدولة بحيث لا تتجاوزه أو تتعداه في مواجهة الأفراد . ومبدأ سيادة القانون هو ما يميز الدولة القانونية عن الدولة ذات الحكم المطلق ، إذ تحمي الدولة القانونية كافة مصالح الأفراد ومن بينها الحقوق والحريات. وفي هذا الإطار تنص المادة ( 10) من دستور دولة الإمارات على أن حماية حقوق وحريات شعب الإتحاد هدف من أهداف الإتحاد.
3- الحق في حرمة المسكن : من حق كل إنسان أن يؤمن مسكنه حيث يجد فيه السكينة والطمأنينة والراحة، فلا يجوز إقتحامة أو تفتيشة إلا في الحالات والإجراءات التي حددها القانـــــون . فقد نص الدستور فى المادة (26) على أن " الحرية الشخصية مكفولة لجميع المواطنين، ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه إلا وفق أحكام القانون، ولا يعرض أي انسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة" وهذا يعنى انه لا يجوز القبض على احد او تفتيشه الا فى حالتين الأولى أن يكون هناك حالة تلبس والثانيه ان يكون هناك اذن من النيابه بذلك. كما نصت المادة ( 36) على الآتي " للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها بغير إذن أهلها إلا وفق أحكام القانون وفي الأحوال المحددة فيه".
4- الحق في سلامة النفس والبدن : يعتبر حق الإنسان في الحياة وسلامة نفسه وبدنه ضد كل أصناف العنف والتعذيب والقهر أو المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة ، من الحقوق الهامة التي عنيت القواعد الدولية والتشريعات الوطنية بإبرازها. فقد نصت المادة (26) من الدستور الإماراتي بأن " لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه إلا وفق أحكام القانون ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة". كما نصت المادة (28) نصت على أن "العقوبة شخصية والمتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية وعادلة وللمتهم الحق في أن يوكل من يملك القدرة للدفاع عنه اثناء المحاكمة، ويبين القانون الأحوال التي يتعين فيها حضور محام عن المتهم، وإيذاء المتهم جسمانيا اومعنويا محظور".
5- قرينة البراءة: يعتبر مبدأ براءة المتهم من المبادئ الدستورية التي تهتم كافة الدساتير بالنص عليها لضمان المحاكمة العادلة. فقد نص الدستور في المادة ( 28) على افتراض براءة المتهم حيث جاء فيها أن" العقوبة الشخصية والمتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة ".
6- الحق في سرية المراسلات: تعد الرسائل بجميع أنواعها ترجمة للأفكار الشخصية وتعبيرآ عن مسائل خاصة لايجوز للغير الإطلاع عليها دون موافقة أصحابها، وتعبيرآ عن حق الإنسان في الخصوصية فقد أفردت التشريعات والدساتير المختلفة حق الانسان في سرية مراسلاته الخاصة. فقد نصت المادة (31) من الدستور على أن " حرية المراسلات البريدية والبرقية وغيرها من وسائل الإتصال وسريتها مكفولتان وفقاً للقانون".
7- الحق في حرية التنقل. حرية التنقل هـي التي تسمح للفرد بالإنتقال من مكان إلى مكان آخر داخل بلاده، ومن ثم يحظر تحديد إقامته إلآ لأسباب قهرية طبقآ للقانون. فقد نصت المادة (29) من الدستور على أن " حرية التنقل والإقامة مكفولة للمواطنين في حدود القانون".
8- الحق في حرية التعبير عن الرأي: حرية الرأي هي التي تكفل لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو بغير ذلك من الوسائل، وذلك لأن حرية الرأي مسألة داخلية كامنه في النفس البشرية لاتحتاج إلى نص أو حماية فهي حرية مطلقة. فقد نصت المادة (30) من الدستور على أن " حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون".
9- الحق في حرية العمل: يقصد بها هو حق كل إنسان في إختيار العمل أو المهنه التي يريد الإشتغال بها أو مزاولتها، وعدم إجبارة على ممارسة عمل بذاته أو إحتراف حرفة معينة لايريد مزاولتها أو ممارستها. فقد نص الدستور في المادة (34) " كل مواطن حر في إختيار عمله أو مهنته أو حرفته في حدود القانون، وبمراعاة التشريعات المنظمة لبعض هذه المهن والحرف. ولا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلا في الأحوال الإستثنائية التي ينص عليها القانون، وبشرط التعويض عنه".
10- حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية: أقر دستور دولة الإمارات العربية المتحدة حرية الإعتقاد وممارسة الشعائر الدينية وكفلت ممارستها ضمن حدود القانون. فقد نصت المادة (32) من الدستور الإمارتي " حرية القيام بشعائر الدين طبقا للعادات المرعية مصونة، على ألا يخل ذلك بالنظام العام، أو ينافي الآداب العامة " .
ونص الدستور على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة والشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع فيه، فقد نصت المادة (7) من الدستور لدولة الإمارات العربية المتحدة بأن " الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه، ولغة الاتحاد الرسمية هي اللغة العربية " .
ولقد نص على أن حرية القيام بشعائر الدين طبقاً للعادات المرعية مصونة على أن لا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب العام. إلا أن نص الدستور الإماراتي على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام لا يعني التفرقة بين المسلم وغير المسلم أو إباحة اضطهاد غير المسلمين، ذلك أن الدستور قد نص على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ومتساوون لدى الأصل أو اللغة أو الدين. كما أن ذلك لا يعني أيضاً أن تقتصر مزاولة الحقوق العامة على المسلمين دون سواهم، ولا أن الدولة لا تحمي إلا الدين الإسلامي ولا تحترم إلا شعائره وأنها تترك الأديان الأخرى بغير حماية.
فقد نص الدستور الإماراتي في المادة (25) " أن جميع الأفراد لدى القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الإجتماعي" .
ويستفاد من نص الدستور لدولة الإمارات العربية المتحدة التى يقضي بأن الإسلام دين الدولة الرسمي أن ذلك ليس إلا تصويراً للواقع الذي يقول أن الغالبية العظمى من السكان مسلمون. وأهم أثر يمكن أن يترتب عليه في مجال النظم السياسية أن مناصب الولاية العامة يجب أن يليها مسلم ، فرئيس الدولة ورئيس الوزراء ومن في مستواهم يجب أن يكونوا من المسلمين ، وكذلك يجب عدم التطبيق أى تشريع يتعارض مع الدين الإسلامي . كما أن كون الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع لا يعني أن تطبق على المسيحين وغيرهم من أهل الكتاب نفس الأحكام التى تطبق على المسلمين، ولا يعني إلزامهم بما يلزم به الذميون من أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة للمسيحين وغيرهم من أهل الكتاب أحكاماً تختلف عما يطبق على المسلمين وألزمتهم بالتزامات تختلف عما يلتزم به المسلمون.
وقد قيد دستور دولة الإمارات العربية المتحدة ممارسة حرية القيام بشعائر الدين بقيد النظام العام أو الآداب العامة وذلك من أجل حماية المجتمع من الأفكار التى تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
وتعنى حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية المتصلة بهذه العقيدة التى أقرها الدستور وحمى ممارستها : تعبير الفرد في المجتمع عن معتقداته الدينية والممارسة الفعلية للشعائر الدينية، وتشمل ذلك حرية العقيدة التى تبيح للإنسان أن يعتنق ديناً وحرية العبادة في إقامة الشعائر الدينية.
وهكذا تنطوي الحرية الدينية على حريتين جوهريتين: أولاهما: حرية العقيدة وثانيهما: حرية ممارسة الشعائر الدينية المتصلة بالعقيدة.
فحرية العقيدة : حرية مطلقة لا يرد عليها أى قيد ، فلكل إنسان أن يعتنق الدين الذي يقتنع به، فالعقيدة أمر داخلى محله القلب. أما ممارسة الشعائر الدينية : فلها مظهر خارجي كإقامة الصلوات أو العبادات التى تتطلبها العقيدة ، ومن ثم تخضع للتنظيم القانوني الذي يقيدها ببعض القيود حفاظاً على الآداب العامة ، وضماناً لعدم الإخلال بالنظام العام .
10- حق حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات : تعتبر حرية اجتماع الشخص مع غيره من الافراد احد المظاهر الرئيسية لممارسة حرية الرأي والتعبير عنه وذلك بالاجتماع مع من يريد ومناقشته وتبادل الرأي معه سواء تم ذلك في مكان خاص أو مكان عام. فقد نص الدستور في المادة (33) على أن " حرية الإجتماع، وتكوين الجمعيات، مكفولة في حدود القانون".
11- حق الاستعانة بمحام : من الحقوق التي ينبغي أن يعرفها كل شخص يقبض عليه ، أو يحتجزه أو توجه له تهمة ، حقه في الإستعانة بمحام للدفاع عنه . ويجب أن يخطر بذلك فور القبض عليه أو احتجازه أو عندما يوجه له الإتهام بارتكاب جريمة . نص الدستور في المادة ( 28) على حق كل متهم في أن يوكل من يملك القدرة على الدفاع عنه ويبين القانون الأحوال التي ينص فيها حضور محام عن المتهم.
12- حقوق العمال : الدستور بإعتباره القانون الاساسي الذي قامت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة بإماراتها السبع وهو مصدر كل السلطات والمظلة القانونية الرئيسية.. يجب أن لا تتعارض التشريعات والقرارات الوزارية مع اي حكم من أحكامه ..وعليه فإن أحكامه حول قضية مثل حقوق العمالة تأخذ اسبقية على ما عداها من أحكام قانونية أخرى.. وبما أن دولة الامارات العربية المتحدة تسعى لتحقيق تقدم مطرد في كافة المجالات فإن نصوصا دستورية محددة حول حقوق العمالة تصبح ذات مغزى على نحو متزايد وعلى وجه الخصوص ما يأتي:
يقر الدستور تحديدا بتطبيق المعايير الدولية .. فوفقا للمادة (20) يجب أن تدعم التشريعات والقوانين حقوق العمال والموظفين بما ينسجم مع المعايير الدولية المتقدمة.
يحظر الدستور بجلاء العمل الاجباري من أي نوع بما في ذلك الاسترقاق والاستعباد كما نص المادة (34) "..... لا يجوز إستعباد أي إنسان".
يضيف الدستور حقوقاً أخرى للعمالة الاجنبية في الدولة فالمادة ( 40) تربط حقوق العمال الاجانب تحديداً بالمعايير الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية .
يؤكد الدستور بجلاء على حق أي فرد في أن يتقدم بشكاوى .. فالمادة (41) تحدد السلطات المختصة بما فيها المحاكم كجهة واختصاص لإقامة الدعاوى.
13-كفالة حق التقاضي:
أعطى الدستور للمتهم حق الشكوى ومخاطبة السلطات العامة تأكيداً على ضمان حماية الحقوق والحريات. فقد نص الدستور في المادة (41) على أنه " لكل إنسان أن يتقدم بالشكوى إلى الجهات المختصة بما في ذلك الجهات القضائية من امتهان الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الباب". وهكذا فإن هذه المبادئ بوصفها ضمانات دستورية اساسية تمثل القيم الراسخة والجوهرية لدولة الامارات العربية المتحدة.
13- استقلال القضاء :
يعتبر مبدأ استقلال القضاء من المبادئ الهامة التي تقوم عليها الدولة . وهو ركيزة أساسية لمبدأ حق التقاضي، وبدونه ينهدم مبدأ سيادة القانون. ونسبة لهذه الأهمية فقد اهتمت به كافة الدساتير ومواثيق حقوق الإنسان ، حيث ينص الدستور في المادة ( 94) على أن " العدل أساس الملك والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في أداء واجبهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين المرعية وضمائرهم ".
14- الرقابة القضائية على دستورية القوانين :
تعني الرقابة القضائية تصدي المحاكم لأي قانون أو تشريع من شأنه مخالفة الدستور أو المساس بالحقوق والحريات المكفولة والمقررة. بموجب الدستور وأن تحكم ببطلانه. وتعد الرقابة القضائية على دستورية القوانين تأكيداً لسمو الدستور، واستقلال القضاء وسيادة حكم القانون. وبذلك تعتبر ضمانة فاعلة وحقيقة للمحافظة على الحقوق والحريات. وتأكيداً لدور الرقابة القضائية. فقد نص الدستور في المادة ( 90) على اختصاص المحكمة الإتحادية العليا في الرقابة القضائية على دستورية القوانين.
ثانياً: مظاهر حماية الحقوق والحريات الشخصية في قانون العقوبات الإتحادي
تنفيذاً للمبادئ العامة التي جاء بها الدستور جاء قانون العقوبات الإتحادي رقم 3 لسنة 1997 وتعديلاته مكملة ومرتبطة إرتباطاً وثيقاً للحقوق والحريات الشخصية، فقد احتوى هذا القانون على العديد من المبادئ الأساسية التي تعمل على حفظ وصيانة حقوق الإنسان، ومن بين هذه المبادئ :
الحـــق في الحيــــــاة :
يحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي. وقد نص قانون العقوبات الإتحادي على حماية هذا الحق من الإعتداء عليه بوضع عقوبة مشددة لمن تسول له نفسه قتل نفس وقد ترواحت هذه العقوبة ما بين الإعدام والسجن المؤبد والسجن من سنة إلى عشرين سنة.وذلك في نصوص المواد (333،334،335، 336، 337،338،339).
كما أن قانون العقوبات الإتحادي كفل الحق في الحياة حتى للجنين الذي في بطن أمه، مما جعل جريمة الإجهاض جريمة معاقب عليها بنص المادة (340).
المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
حيث نصت المادة (2) من قانون العقوبات الإتحادي على أنه " لا يؤخذ إنسان بجريمة غيره. والمتهم برئ حتى تثبت إدانته وفقاً للقانون ".
مبدأ شخصية العقوبة وتجريم الأفعال المتعلقة باستغلال الوظائف وإساءة استعمال السلطة.
تنص المادة 240 من قانون العقوبات الاتحادي على أنه " يعاقب بالحبس كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة قبض على شخص أو حبسه أو حجزه في غير الأحوال التي ينص عليها القانون".
ويقوم الركن المادي لهذه الجريمة على عنصرين هما السلوك الإجرامي ومخالفة أحكام القانون.ويأخذ السلوك الإجرامي صورة أو أكثر من صور ثلاث هي القبض والحبس والحجز، وبالتالي يقوم السلوك الإجرامي كعنصر من عناصر الركن المادي في الجريمة محل البحث بالصور الثلاث معاً أو بإحدى الصور المشار إليها. ولا يكتمل الركن المادي للجريمة محل البحث إلا إذا كان القبض أو الحبس أو الحجز في غير الأحوال التي ينص عليها القانون، لذلك لا يتصور قيام هذه الجريمة إذا كان عضو الضبط القضائي قد قام بالقبض أو الحبس أو الحجز أداء لواجب أو إستعمال لحق.
والجريمة المنصوص عليها في المادة (240) من قانون العقوبات الإتحادي من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي الذي يقوم على عنصري العلم والإرادة، ويعد القصد الجنائي متوافراً لدى عضو الضبط القضائي في هذه الحالة إذا أتى بالسلوك عمداً مع علمه بأنه يقبض على الشخص أو يحبسه في غير الأحوال التي عليها القانون. والقانون الإماراتي اعتبر هذه الواقعة جنحة وليس جناية عضو الضبط القضائي الذي يقوم بالقبض على الأشخاص أو حبسهم أو حجزهم في غير الأحوال التي ينص عليها القانون بالحبس كعوقبة وحيده وفقاً لقانون أو حجزهم في غير الأحوال التي ينص عليها القانون بالحبس معقوبة وحيدة وفقاً لقانون العقوبات الاتحادي.
كما نصت المادة ( 245 ) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة المتحدة على أنه : "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكاف بخدمة عامة استعمل القسوة مع أحد من الناس اعتماداً على سلطة وظيفته ، فأخل بشرفه أو أحدث آلاماً ببدنه".
يتمثل الركن المادي في هذه الجريمة في إستعمال القسوة من جانب عضو الضبط القضائي إعتماداً على سلطة وظيفته ، فيخل بشرف المجني عليه أو يحدث ببدنه آلاماً أياً كانت درجة الألم ، ويدخل في حكم القسوة البصق في وجه الشخص ، أو إلقاء شئ يضايقه أو ربط عينيه أو تكميمه ، ولا يلزم أن يكون الإعتداء على درجة معينة من الجسامة .
الجريمة محل البحث من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي ، فإذا كان عضو الضبط القضائي يقوم بأعمال الضبطية العادية كالقبض أو الحبس فإنه لا يعد مستعملاً للقسوة ، وبالتالي لا تقوم في حقه جريمة إذ إنه في هذه الحالة يقوم بأداء الواجب المفروض عليه بحكم القانون.
عدم القبض على الأشخاص أو ضربهم أو تفتيشهم في غير الأحوال التي حددها القانون.
قضى المشرع الجنائي في المادة ( 241 ) من قانون العقوبات بمعاقبة كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أجرى تفتيش شخص أو مسكنه أو محله في غير الأحوال التى يقضي بها القانون أو دون مراعاة الشروط المبينه فيه على علمه بذلك بالحبس مدة لا تقل عن سنة .
وبتحليل نص المادة السابقة يتبين لنا أنها تتطلب شرطاً مفترضاً يتمثل في صفة مرتكبها بأن يكون موظفاً عاماً أو مكلفاَ بخدمة عامة ، وبالتالي فإن عضو الضبط القضائي يتعرض للمسئولية الجنائية إذا أجرى تفتيش شخص أو تفتيش مسكن او تفتيش محل الخاص في غير الأحوال التي توجب عليه أو تجيز له ذلك ، أو دون مراعاة الشروط القانونية مع علمه بذلك. يأخذ الركن المادي لهذه الجريمة صورة " التفتيش " الوارد على الشخص أو المسكن أو المحل .
ويأخذ الركن المعنوي صورة القصد الجنائي حيث يجب أن ينصرف علم الضابط إلى أن فعله بالتفتيش على الشخص أو المسكن أو المحل وفقاً للقانون الإماراتي يكون إعتماداً منه على سلطات ومكنات وظيفته وبدون رضاء صاحبه في غير الأحوال المحددة، وأن تتجه إرادته إلى القيام بهذا الفعل، ولا يشترط القانون قصداً خاصاً في هذه الجريمة. وتتمثل المسئولية الجنائية في هذه المرحلة في عقوبة الحبس التي لا تقل عن سنة وفقاً لقانون العقوبات الإتحادي .
حظر استخدام القوة أو التهديد الذي يقع على أي شخص لحمله على الاعتراف بجريمة.
جرم المشرع الإماراتي جريمة القسوة بموجب المادة (245) من قانون العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة التي نصت على أن " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة استعمل القسوة مع أحد من الناس إعتماداً على سلطة وظيفية فأخل أو أحدث آلاماً ببدنه ".
كما تنص المادة (242) من قانون العقوبات الإتحادي على أنه: " يعاقب بالسجن المؤقت كل موظف عام استعمل التعذيب او القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الإعتراف بجريمة، أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها، أو لكتمان أمر من الأمور".
يتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في قيام عضو الضبط القضائي بأعمال التعذيب أو إستعمال القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع المتهم أو شاهد أو خبير، بهدف الحصول على اعتراف بجريمة، أو الحصول على أقوال أو معلومات في شأن الجريمة، أو لكتمان أمر من الأمور.
والجريمة المنصوص عليها في المادة (242) من قانون العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي العام الذي يقوم على عنصري العلم والإرادة، والقصد الجنائي الخاص الذي يتخذ صورة قصد التعذيب أو إستعمال القوة أو التهديد، بهدف الحصول على إعتراف أو أقوال أو معلومات، ويستوي أن يقوم عضو الضبط القضائي بأي من هذه الأعمال بنفسه أو بواسطة غيره.
عدم الخطف أو القبض أو الحجز بدون وجه حق
نص المشرع الإماراتي في المادة (344) من قانون العقوبات الإتحادي على أنه " يعاقب بالسجن المؤقت من خطف شخصاً أو قبض عليه أو حجزه أو حرمه من حريته بأية وسيلة بغير وجه قانوني، سواء أكان ذلك بنفسه أو بوساطة غيره، وتكون العقوبة السجن المؤبد في الأحوال الآتية:
1- إذا حصل الفعل بانتحال صفة عامة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو الإتصال بصفة كاذبة.
2- إذا ارتكب الفعل بطريق الحيلة أو صحبة استعمال القوة أو التهديد بالقتل أو بالأذى الجسيم أو أعمال تعذيب بدنية أو نفسية.
3- إذا وقع الفعل من شخصين فأكثر أو من شخص يحمل سلاحاً.
4- إذا زادت مدة الخطف أو القبض أو الحجز أو الحرمان من الحرية على شهر.
5- إذا كان المجني عليه أنثى أو حدثاً أو مجنوناً أو معتوهاً.
6- إذا كان الغرض من الفعل الكسب أو الإنتقام أو إغتصاب المجني عليه أو الإعتداء على عرضه أو إلحاق أذى به أو حمله على إرتكاب جريمة.
7- إذا وقع الفعل على موظف عام أثناء تأدية وظيفته أو بسبب ذلك.
وإذا أفضى الفعل إلى موت المجني عليه كانت العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد ويعاقب بالعقوبة المقررة للفاعل الأصلي كل من توسط في إرتكاب أية جريمة من الجرائم المشار إليها في هذه المادة، وكذلك كل من أخفى شخصاً مخطوفاً مع علمه بذلك. وترجع علة التجريم إلى أن الإعتداء على حرية الإنسان في الحركة والتنقل والذهاب والإياب يعد اعتداء صارخاً لأبسط قواعد السلوك الإنساني، وحرماناً لحق الإنسان من التمتع بحريته وهو حق طبيعي لا يجب أن يقيد، إلا وفقاً للإجراءات التي كفلها القانون.
عدم إرغام شخص على العمل بأجر أو بدون أجر
تنص المادة (347) من قانون العقوبات الإتحادي على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين من أرغم شخصاً على العمل بأجر أو بغير أجر لمصلحة خاصة في غير الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك.
يتضح من هذا النص أن المشرع قد كفل حرية العمل، حيث أن حرية العمل من مظاهر الحرية الشخصية، ولذلك نجد أن قانون العمل يعتبر عقد العمل عقداً رضائياً، وبالتالي لا يجوز إجبار شخص على العمل لمصلحة خاصة سواء كان ذلك بأجر أو بدون أجر إلا في الحالات التي يحددها القانون .
التعريض للخطر:
تنص المادة (348) " يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من ارتكب عمداً فعلاً من شأنه تعريض حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم أو حرياتهم للخطر. وتكون العقوبة الحبس إذا ترتب على الفعل حدوث ضرر أياً كان مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقررها القانون.
كما نصت المادة (349) " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين من عرض للخطر سواء بنفسه أو بوساطة غيره حدثاً لم يتم خمس عشر سنة أو شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو العقلية أو النفسية، وتكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة بطريق ترك الحدث أو العاجز في مكان خال من الناس أو وقعت من قبل أحد من أصول المجني عليه أو من هو مكلف بحفظه أو رعايته، فإذا نشأ عن ذلك عاهة مستديمة بالمجني عليه أو موته دون أن يكون الجاني قاصداً ذلك عوقب بالعقوبة المقررة لجريمة الإعتداء المفضي إلى عاهة مستديمة أو بعقوبة الإعتداء المفضي إلى الموت بحسب الأحوال، ويعاقب بالعقوبة ذاتها إذا كان التعريض للخطر بحرمان الحدث أو العاجز عمداً من التغذية أو العناية التي تقتضيها حالته متى كان الماجني ملتزماً شرعاً بتقديمها" .
ويرى الباحث أن قانون العقوبات في مضمونه يشير إلى أنه بمجرد وقوع الجريمة تثور مصلحتين متعارضتين مصلحة المجتمع في العقاب ومصلحة الأفراد أن تصان حقوقهم الأساسية وحرياتهم. وبالتالي فإن فإن مهمة قانون العقوبات هي كفالة إدانة المدان دون المساس بالحقوق الأساسية والحريات العامة للأفراد إلا بالقدر الضروري، وفي إطار هذا القدر الضروري تمنح للمتهم ضمانات لحصر هذا المساس في أضيق نطاق بحيث لا تهدر كرامته ولا يتم تعذيبه أو إستعمال القسوة معه لأن الأصل فيه براءته، ويقع عبء إثبات إدانته على من أدعى خلاف الأصل فالبينة على من أدعى، ويجب أن يصل هذا الإثبات إلى درجة الحزم واليقين وهي أعلى درجات الإثبات في المنازعات بينما كل شك يفسر لصالحه لأنه يؤيد أصل البراءة فيه، وبالتالي لا يتطلب منه إثبات براءته لأنها أصل فيه، ولا يجبر على الإعتراف أو تقديم دليل ضد نفسه لأنه برئ.
وهذا يعتبر مكملاً لنصوص الدستور الذي يحمي الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، حيث يلزم الدولة بضمان عدم انتهاك حرمة الانسان أو المساس بشرفه وبسلامته البدنية والمعنوية، كما تكفل الدولة بموجب هذا الدستور الحريات الشخصية للمواطنين، وتمنع تحت طائلة العقاب انتهاك حرمة الحياة الخاصة، ومنها التنصت على المراسلات والاتصالات الخاصة دون أمر معلل من السلطة القضائية.
وأخيراً إن أهم ما يمكن ان نصل إليه كخاتمة؛ أن هناك مجموعة من الحقوق المنصوص عليها في الدستور محمية في نصوص قانون العقوبات، وأن هذا الأخير يوفر أيضاً حماية سابقة لهذه الحقوق أي قبل وقوع الجريمة، وذلك لما يحمله من زجر وتوعد بأشد العقوبات، وحماية لاحقة تتمثل في إصلاح المجرم وعدم الإقدام على المساس بحقوق الأفراد المحمية بقانون العقوبات.