المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السبب المعقول لصرف الشيك ـ حكم صادر من السودان


محمد ابراهيم البادي
06-07-2010, 07:21 PM
المبادئ:
قانون جنائي – الاحتيال – السبب المعقول لوقف صرف الشيك – معيار السبب المعقول – المادة 362 (ب) من قانون العقوبات لسنة 1974.
قانون جنائي – الاحتيال – السبب المعقول لوقف صرف الشيك مسألة تتعلق بالوقائع البحتة لا القانون – عدم اختصاص المحاكم الجنائية بالنظر في أمر الإخلال بالالتزام وماهيته – اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الوقائع لتحديد مسئولية المتهم الجنائية – المادة 362 (ب) من قانون العقوبات لسنة 1974.
1- السبب المعقول هو الأساس الذي يعتمد عليه المتهم كشخص عاقل رشيد في وقف صرف الشيك.
2- السبب المعقول مسألة تتعلق بالوقائع البحتة ولا يتعدى ذلك القانون وليس متاحاً للمحاكم الجنائية أن تنظر في أمر الإخلال بالالتزام وماهية الالتزام من الناحية المنية لأن ذلك ليس من اختصاص المحاكم الجنائية ولكن على المحكمة الجنائية أن تنظر في الوقائع بغرض معرفة ما إذا كان المتهم قد تصرف التصرف الذي يعفيه من المسئولية الجنائية في ظروف القضية الماثلة أمامها.
الحكم:
المحكمة العليا

القضاة :
صاحب السعادة السيد خلف الله الرشيد رئيس القضاء رئيساً
سعادة السيد محمد الفضل شوقي قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد عبد المنعم الزين النحاس قاضي المحكمة العليا عضواً
حكومة السودان ضد ---------------
(م ع/ط ج/132/1978)
(الحكـــم)

28/8/1978:
رئيس القضاء خلف الله الرشيد :-
أصدرت محكمة جنايات سنار بعد محاكمة غير إيجازية للمتهم ------------- قراراً يوم 16/3/1978 بإدانته بجريمة إيقاف شيك بعد تسليمه تحت المادة 362 (ب) من قانون عقوبات السودان وحكمت عليه بغرامة خمسة وسبعون جنيهاً تدفع للشاكي كتعويض للشاكي أو السجن لمدة خمسة أشهر عند عدم الدفع – ولقد شطب السيد قاضي المديرية الإدانة ولكن محكمة الاستئناف بتاريخ 17/5/1977 ألغت الشطب وأيدت حكم محكمة الموضوع.
تتلخص الوقائع في أن المتهم اتفق كتابياً في مارس 1977 مع الشاكي الذي يعمل مهندساً ليقوم برسم خريطة لري أرض زراعية تخص المتهم في سنار مقابل مائة وعشرين جنيهاً سلمه منها خمسين جنيهاً ثم أعطاه مؤخراً شيكاً بالسبعين جنيهاً الباقية بعد إتمامه للعمل ، ولكن عند تقديم الشيك للصرف رفضه البنك حيث أن المتهم كان قد أمر بوقف صرفه وقد تذرع المتهم بحجة أن الخريطة لم تكن حسب المواصفات ولم تكن تفي بالغرض.
يطعن أمامنا محامي المتهم ضد قرار محكمة الاستئناف على أساس أن الشاكي فشل في القيام بالتزامه على الوجه المطلوب مما يعتبر سبباً لوقف الشيك بواسطة المتهم حسب معيار الرجل العادي . وأن الحكم بغير ذلك يعتبر مخالفاً للقانون.
مدار هذا النزاع هو عبارة (السبب المعقول) الواردة في المادة 362 (ب)(ج) من قانون العقوبات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ما هو السبب المعقول؟ هل السبب المعقول تعبير أدبي يحتمل تفسيره على عدة أوجه ؟ أم أنه تعبير له مدلول معين ؟ هل السبب المعقول مسألة قانونية تقضي الإجابة عليه البحث في تكييف الوقائع تكييفاً قانونياً لمعرفة ماهية السبب ؟ أم أن السبب يتعلق بالوقائع وبالتالي تحكمه القضية الماثلة.
الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها وما يتفرغ منها يتطلب النظر في حكمة إدخال النص الوارد في المادة 362(ب) وتطور تلك المادة . سند المادة 362(ب) في 1969 بموجب قانون رقم 23-1969 ثم أعيد سنها في سنة 1974 عندما عدل قانون العقوبات والنص الحالي لا يختلف كثيراً عن النص السابق إلا في الجملة الافتتاحية وبعض الكلمات ولكن تترتب نتائج متباينة بسبب اختلاف الجملتين الافتتاحيتين في النصين المشار إليهما . فالجملة الافتتاحية في قانون 69 تقرأ كالآتي : " كل من أعطى شخصاً شيكاً رفضه المسحوب عليه ... (أما الافتتاحية في النص الحالي تقرأ كما يلي : "كل من أعطى شخصاً شيكاً وفاء لالتزام أو بمقابل " والفرق بين الجملتين كبير بإضافة عبارتي " وفاء لالتزام أو بمقابل " فالنص الأول يجرم إعطاء شيك وفاء لالتزام أو بمقابل يرفضه المسحوب عليه لنفس الأسباب وكأنما المشرع أراد حينما سن النص الأول أن يجعل الجريمة مطلقة إلا أنه في الحالة الثانية رجع عن ذلك الموقف وسار على أساس أن الجريمة صارخة.
وقد اختلف فقهاء وشراع القانون الجنائي الإنجليزي حول الجرائم التي لا يعتمد إثبات أن القصد الجنائي وقد جاء في كتاب القانون الجنائي لـ (سمث) وهو قانون بالطبعة الثالثة أن الجرائم التي لا تتطلب عنصر القصد أو عنصر الاستهتار أو حتى عنصر الاهمال لإثبات واحد أو أكثر من أركان الفعل المجرم (Actns Reus) تعرف بجرائم المسئولية الصارمة أو في بعض الأحيان بالجرائم ذات المسئولية المطلقة Absolute Prohtbition ص 66 وما بعدها وقد فضل الشارحان عبارة المسئولية الصارمة Strit Libility لأن هذه الجرائم تتطلب إثبات إحدى عناصر المسئولية الجنائية على الأقل فيما يتعلق بواحد من أركان الجريمة ولم يثبت من التطبيق العملي أن المتهم أدين فقط لإثبات الفعل المجرم " Actns Reus " ويبدو أن المشرع السوداني قد تردد بين النظريتين فبينما حاول تبني نظرية المسئولية المطلقة في النص الأول رجع لاعتبار عدالية وعملية في ذلك الموقف واختط لنفسه خطأً أميل إلى تبني نظرية المسئولية الصارمة إلا أن المشرع لم يتخلى عن قصده الأساسي في أن تكون جريمة إعطاء شيك بلا رصيد جريمة ذات مسئولية صارمة حتى يصعب الإفلات تحقيقاً للغرض الاجتماعي من حماية للتعامل التجاري . إذ لا شك أن الغرض من سن المادة 362 (ب) هو حماية الشيك كأداة تعامل تجاري من العبث والاستهتار مضافاً لنشاط تجاري سليم وحماية الأموال ضد أساليب الاحتيال.
ونظرية المسئولية الصارمة أو المطلقة كما يراها بعض شراح القانون الجنائي ما هي إلا نتاج التشريعات الاجتماعية الحديثة التي تهدف إلى حماية المجتمع من المفاسد التي أفرزتها وتفرزها ضرورات المدنية الحديثة لذلك نرى التشريعات الحديثة التى تهدف إلى محاربة الجرائم الاجتماعية تحرص على ألا يفلت المجرم من العقاب جرياً وراء التعليق بنظرية لأن يفلت عشرة مجرمين من العقاب خير من يعاقب برئ واحد.
وقد استعملت التشريعات كلمات وعبارات مثل " وهو يعلم " بسوء قصد " بسبب معقول " إلى غير ذلك من هذه الكلمات التي تنم عن أن فعلاً إيجابياً يجب أن يؤتى به وهذا الأسلوب أثره في الحقيقة أن يجعل عبء إثبات الجرم كما قيل أخف مثل العبء المدني يعتمد على توازن الاحتمالات.
في ضوء ذلك يتضح أن المادة 362 (ب) تشمل ما يسمى بالجريمة ذات المسئولية الصارمة وبحسب الخلفية الفقهية التي بنى عليها النص لا بد من إثبات (1) إتيان الفعل المجرم (2) إثبات أن المتهم قد أتى بالنشاط الذي نتج عنه الفعل المجرم أو على الأقل قام بعمل إرادي نتج عنه الفعل المجرم . ويقول الشارحان المتقدم ذكرهما : إذا كان في وسع المتهم أن يقوم بعمل شيء يمنع حدوث الجرم وأنه فشل في ذلك الصدد فيمكن القول بأنه فشل بالقيام بواجب الحرص ، ولعله واجب ذو مستوى عال ، ولذلك يعد المتهم مهملاً وعليه نرى أن ما على المتهم عمله يجب أن يحدد بإطار ما هو معقول " ص 800 من المصدر المشار إليه ".
والنص الحالي يظهر منه أن المشرع قصد به أن يخفف من غلواء النص القديم ويعطي المحاكم مجالاً يسيراً للتحرك.
أولاً : الاستخلاص للقصد الجنائي في بعض الحالات الواردة في المادة وذلك بتفسير الكلمات والعبارات المستعملة عن وعي فيها. وثانياً : لإتاحة الفرصة للمتهم أن يتقدم بالدفوع المتاحة في الحدود التي رسمها ذات النص مثل وقف صرف شيك بلا سبب معقول "م 362(ب) (ج).
والسؤال الواجب طرحه هنا كما قدمنا هو : ما هو السبب المعقول ؟ والإجابة على ذلك لا تتطلب منا أن نخوض في تفصيلات لا ضرورة لها ولكن الواضح من النص أن السبب المعقول هو الأساس الذي يعتمد عليه المتهم كشخص عاقل رشيد في وقت صرف الشيك وهذا "الأساس" قد بنى على وقائع لا على القانون فإذا كان المعيار الذي تطبقه المحاكم هو معيار الرجل المعقول الرشيد في مثل هذه الظروف فإن طبيعة المعيار تمنع بالضرورة الدخول في متاهات قانونية حول تكييف السبب المعقول من الناحية القانونية ثم تضيف الالتزام أو المقابل ومعرفة عما إذا كان الالتزام قد أخل به أو أن المقابل قد سقط أو انعدم إلى غير ذلك من المسائل القانونية الدقيقة التي يعرفها الرجل العاقل الرشيد وما ينبغي له.
إذن تقتضي المحكمة والضرورات العلمية ألا يحمل النص أكثر من مرماه ويطلب من الرجل المعقول الرشيد أن يقدر السبب من الناحية الوقائعية البحتة ولا يعقل أن يدفع رجل فلوسه بلا مقابل حسب الوقائع مهما كانت الظروف وإذا طولب المتهم بدفع قيمة الشيك رغم قيام سبب معقول نكون قد غبناه ونرى أن السؤال الذي يتحتم طرحه في مثل هذه الحالات يمكن أن يصاغ كالآتي :- هل يتضح من الوقائع الثابتة لدى المحكمة أن الأساس الذي اعتمد عليه المتهم في وقف صرف قيمة الشيك يعتبر سبباً معقولاً في مثل هذه الظروف أم لا ؟
فالسبب المعقول مسألة تتعلق بالوقائع البحتة ولا يتعدى ذلك إلى القانون كما يراها وليس متاحاً للمحكمة الجنائية أن تنظر في أمر الإخلال بالالتزام وماهية الالتزام من الناحية المدنية لأن ذلك ليس من اختصاص المحكمة الجنائية ولكن على المحكمة الجنائية أن تنظر في الوقائع بغرض معرفة ما إذا كان المتهم قد تصرف التصرف الذي يعفيه من المسئولية الجنائية في ظروف القضية الماثلة أمامها.
لقد سبق لنا سابقتان أولاهما : حكومة السودان ضد بدوي مصطفى " م ع/101/1978 " ولكن هذه السابقة لم تقرر ماهية السبب المعقول بل كان مدار النزاع مسألة الحكم بالتعويض في الإجراء الجنائي وقد رأت المحكمة في تلك القضية أن الطرفين قد تنازعا نزاعاً حقيقياً ولذلك رأت أن الحكم بالتعويض فيه ضرر على المتهم ثم أن وقائع القضية بدوي مصطفى تختلف في واقعة جوهرية هي أن الشيك المردود قد حرر بعدما تدخل الوسطاء بين الطرفين وإذن لم يقم سبب معقول في تلك الظروف.
ولا أجد أن سابقة حكومة السودان ضد فاروق محمد أحمد (1970) المجلة القضائية ص 48 ، تنطبق على هذه القضية وذلك لأن هذه السابقة مثلها مثل قضية بدوي مصطفى تدور حول التعويض لا حول ماهية السبب المعقول ولذلك فإن السابقتين لا تفيدان كثيراً في الإجابة على السؤال المطروح.
وبالنظر إلى وقائع هذه القضية فإننا نتفق مع رأي محكمة الاستئناف بالجزيرة والنيلين ومع النتيجة التي توصلت إليها من سبباً معقولاً لم يقم في ظروف القضية.
ونرى أن وقائع هذه القضية لا تثبت أن هناك سبباً معقولاً أعلن عنه المتهم في وقف صرف الشيك وذلك لأن المتهم لم يرد أن يحر الشيك فقد ساورته شكوك في صحة الخرطة ولكن الشاكي وصاحبه قد أقنعاه بصحتها ثم بعد ذلك حرر الشيك ، إذن فعملية وقف صرف الشيك قيمته بعد ذلك تشير إلى أنه قصد الاحتيال في الظاهر على الأقل ولو حرر المتهم الشيك ثم أوقفه بعد مقابلة الشاكي لكان الأمر مختلفاً وكان بوسع المتهم الامتناع عن تحرير الشيك بعد مقابلة الشاكي وصاحبه ولكن بعدما أبدى اقتناعه قام بتحرير الشيك إذن فهذه الشواهد لا تدل على حسن نيته ولذلك لا يستفيد من دفع السبب المعقول في وقفه صرف قيمة الشيك.
لهذه الأسباب نرى شطب الطعن.

عقد القانون
06-08-2010, 01:05 AM
مع كل إطلاله لك تبهريني بجمآل طروحآتك

سلمت آناملك على رووعة الآنتقاء

بلهفه الى جديدك

law student
06-08-2010, 01:52 PM
الله يعطيك العافية ،،،،،
و بارك الله فيك ،،،