محمد ابراهيم البادي
05-13-2010, 12:06 PM
الركن المعنوي للجريمة ( القصد الجرمي )
بحث جامعي سوري جميل اتمنى ان ينال اعجابكم
مقدمة :
لم يكن في المراحل التاريخية الأولى لتطور الحقوق الجزئية من شيء يسمى الركن المعنوي للجريمة فالشخص عندما يقترف فعل مادي مجرم حسب الشريعة التي تحكم مجتمعه كان يعتبر مجرما وتوقع بحقه العقوبة المقررة لذلك الجرم بل أحيانا كانت تفرض بحقه عقوبات جزافية حسب ما يريده الحاكم أو السلطة صاحبة الحق في العقاب , ودون تميز بين عاقل وبين مجنون أو إنسان وحيوان ، ولكن في المراحل التالية لتلك الحقبة أخذت التشريعات الجزائية بالتطور شيئا فشيئا فبدأت تبحث وتهتم بشخصية مقترف الجرم , حتى وصلت إلى مرحلة من التطور حددت فيها الجريمة بثلاث أركان . الركن الأول الركن الشرعي للجريمة ويتمثل بالقاعدة القانونية التي تحدد النموذج القانوني للجريمة حسب ما يضعه المشرع الركن الثاني هو الركن المادي ويتمل بالأفعال المادية المجرمة حسب ما تنص عليه القاعدة القانونية الركن الثالث الركن المعنوي للجريمة وهو الحالة النفسية والذهنية للفاعل أثناء اقترافه للجريمة . فلم تعد التشريعات الجزائية تكتفي بوجود فعل مادي مجرم لقيام المسؤولية الجزائية بحق الفاعل بل لابد من التعرف على الحالة النفسية للفاعل المرافقة لاقترافه الجرم والتي من خلالها يستطيع القاضي التعرف إلى مدى خطورة الفاعل والعقوبة المناسبة للحد من خطورته إصلاح حاله إن أمكن .
مفهوم الركن المعنوي و أهميته :
يمكننا أن نتعرف على مفهوم الركن المعنوي من خلال المثال التالي :
إذا فرضنا أنه لدينا قاتلين الأول أقدم على قتل رئيسه في العمل ليحتل موقعه الوظيفي والثاني قتل شخص آخر كان يهدده في حياته بشكل مباشر وحال ولم يكن أمامه من سبيل للمحافظة على حياته سوا أن يعاجل مهدده بضربة فقتله .
ليس من المنطقي أن نعتبر كل من القاتلين قاتلين من نفس الدرجة ونفرض بحقهم نفس العقوبة فهذا بعيد كل البعد عن منطق العدالة فالقاتل الأول تنم جريمته عن حاله نفسية وذهنية غير سليمة وليست طبيعية فالإنسان الطبيعي لا يقدم على قتل رئيسه في العمل ليتولى منصبه الوظيفي بل يثبت نفسه من خلال كفائتة وقدراته وانه أجدر من غيره بهذا المنصب ومن هنا لابد من بحث حالته النفسية والذهنية ومعالجتها بالوسائل المناسبة وعقوبته بالتأكيد ستكون مختلفة تماما عن عقوبة القاتل الثاني الذي أقدم على قتل المجني دفاعا عن النفس وهذا سلوك طبيعي لكل إنسان فكل منا يسعى للحفاظ على حياته بكل الوسائل المتاحة لديه حتى لو أقدم على قتل آخر وجميع القوانين الجزائية تحفظ له هذا الحق .
نخلص إذا إلى أنه لابد من التميز بين المسؤولية الجزائية للجناة كل حسب حالته النفسية والذهنية المرافقة لارتكابه للجرم ومن هنا يكون للركن المعنوي أهمية خاصة تتمثل في تحقيق العدالة بالعقوبات المفروض والأحكام الصادرة عن القضاء والكشف عن المجرمين الخطرين وتصنيفهم في فئات كل حسب خطورته للتميز في معاملتهم سواء في الأماكن التي يسجنون فيها أو أساليب العلاج لأن عدم التمييز في هذه الأمور ستؤدي لارتفاع درجة خطورة فئة المجرمين الأقل خطورة
تعريف الركن المعنوي :
غالبية القوانين المعاصرة لم تتصد لتعريف حالات الركن المعنوي بل تركت هذه المهمة للفقه والاجتهاد يتنازع تحديد جوهر الركن المعنوي للجريمة نظريتان هما النظرية النفسية و النظرية المعيارية .
النظرية النفسية : وتحصر الركن المعنوي في العلاقة النفسية بين الفرد وبين السلوك الذي يسبب في نتيجة إرادية أو غير إرادية ولو لم يكن توقعها طالما أنها يمكن توقعها .أما النظرية المعيارية فترى أن الركن المعنوي يتألف بالإضافة إلى العناصر النفسية المتمثلة بالإرادة من عناصر معيارية تتمثل في القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها التي تعطي تلك الإرادة الصفة الجرمية .
تقيم النظريتين من وجهة نظر د. علي عبد القادر القهوجي : يعتقد د. قهوجي بأن( النظرية النفسية تتميز بالبساطة والوضوح كما أنها تتفق وحقيقة الركن المعنوي . فالقانون الجنائي - والكلام للدكتور قهوجي- لا يعاقب على ما يجيش في النفوس من نوايا إجرامية إنما يتدخل حينما تتجسد تلك النوايا في أعمال مادية ملموسة أي أن هذه الأعمال انعكاس للحالة النفسية ومنها تستمد تلك الحالة صفتها الإجرامية . ويضاف إلى ذلك أن تكييف الإرادة أو وصفها بأنها غير مشروعة يضيف إلى الركن المعنوي ما ليس منه . كما أن منطق النظرية المعيارية يقود إلى اعتبار الأهلية الجنائية عنصر من عناصر الركن المعنوي ,ومن المعلوم أن الأهلية الجنائية ومعها المسؤولية الجزائية على اعتبار أن الأهلية الجنائية شرط لازم لقيام المسؤولية الجزائية لا يتم البحث فيهما إلا بشكل تال لوقوع الجريمة وتوافر ركنيها المادي والمعنوي ولهذا يتعين الفصل بين الركن المعنوي والأهلية الجنائية فلا تدخل الثانية ضمن عناصر الأولى ) .
عرف د. علي عبد القادر القهوجي الركن المعنوي بأنه : الرابطة النفسية بين السلوك الإجرامي و نتائجه وبين الفاعل الذي ارتكب هذا السلوك . بتعبير آخر للدكتور قهوجي : هو العناصر النفسية لماديات الجريمة والسيطرة عليها .
عرف الدكتور عبد العزيز الحسن الركن المعنوي بأنه : نشاط ذهني نفسي جوهره الإرادة الجرمية.
تعريف د. حسن ربيع : هو الإرادة الجرمية التي تسيطر على ماديات الجريمة وتبعثها إلى الوجود .
وهناك رأي للدكتور عبد الوهاب حومد يقول فيه : طالما أن الفعل المادي ثمرة الركن المعنوي في العادة فإن تحديد المراد به -الفعل المادي - أمر جوهري لتحديد المساءلة المعنوية وتحديد العقوبة . فيمكننا القول بأن الركن المعنوي هو السبب المنشئ للسلوك المادي الإجرامي ومعيار أساسي في تحديد المسؤولية الجزائية وتحديد العقوبة .
التميز بين الركن المعنوي للجريمة ومعنويات الجريمة :
الركن المعنوي جزء من معنويات الجريمة فمعنويات الجريمة تشمل كل ماله ارتباط بالحالة العقلية والنفسية للجاني وتتكومن معنويات الجريمة من :
• الركن المعنوي : وهو العناصر العقلية والنفسية التي يعينها المشرع في النموذج القانوني للجريمة
• شرطي المسؤولية الجزائية : الإدراك والاختيار
1. الإدراك : حالة عقلية تتعلق بسلامة العقل أو ضعفه أو اعتلاله
2. حرية الاختيار : حالة نفسية تتعلق بمدى استقلال الإرادة عن القوى الخارجية المؤثرة فيها
والركن المعنوي للجريمة يتم البحث فيه وقت وقوع الجريمة أما المسؤولية الجزائية فيتم البحث عنها بعد وقوع الجريمة لتحديد ما إذا كان الفاعل أهل للمسؤولية الجزائية أم لا .
من مجمل التعاريف السابقة نجد أن الركن المعنوي ليس إلا الحالة النفسية و الذهنية للفاعل عند ارتكابه لجريمته فإذا كانت حالته الذهنية والنفسية متجهه لارتكاب الجريمة يكون قد ارتكب جريمة مقصودة يتخذ ركنها صورة القصد أما إذا لم تك متجهه لارتكابها وكان الفاعل قد أقدم على ارتكابها خطأ فتكون جريمته غير مقصودة ويتخذ ركنها المعنوي صورة الخطأ .
صورتي الركن المعنوي :
الصورة الأولى :
القصد الجرمي
القاعدة أن تكون الجرائم مقصودة والاستثناء على هذه القاعدة الجرائم غير المقصودة والقسم الأهم من الجرائم هي الجرائم المقصودة نظرا لما يظهر منها من خطورة على سلامة الأفراد والمجتمع على حد سواء . فلدراسة القصد الجرمي بعناصره وصوره أهمية بالغة .
- مفهوم القصد الجرمي : الفقه الجنائي منقسم في شأن مفهومه للقصد الجرمي على نظريتين : نظرية الإرادة و نظرية العلم .
نظرية الإرادة :ترى أن القصد الجرمي لا يقوم إلا إذا توافرت للفاعل إرادة الفعل الإجرامي و إرادة النتيجة على حد سواء مع العلم بكافة العناصر التي يتكون منها الركن المادي للجريمة .
نظرية العلم : وترى أنه يكفي لقيام القصد الجرمي أن يريد الفاعل الفعل الجرمي مع توافر علمه بكافة العناصر الأخرى المشكلة للركن المادي للجريمة . أي أن هذه النظرية تستبعد إرادة النتيجة من عناصر القصد الجرمي وتكتفي بمجرد العلم بعناصر الركن المادي ومنها النتيجة بطبيعة الحال إلى جانب إرادة الفعل فقط . مثال : في جريمة القتل يتألف القصد الجرمي من العلم بأن محل الجريمة إنسان حي وبأن من شأن الفعل إحداث الوفاة فأقصى ما يتألف منه القصد الجرمي في هذا المثال هو إرادة فعل القتل دون أن تشمل تلك الإرادة الوفاة ولا يغني عن ذلك توافر علم الجاني حتى لو كان علمه يقنيا بأن من شأن فعله إحداث الوفاة لأن العلم اليقيني لا يحل محل الإرادة بل كل ما هنالك أن القصد يصبح مباشرا حيث أنه إذا كان هذا العلم توقعا صار به القصد احتماليا أو غير مباشر .
وجه الخلاف الحقيقي بين النظريتين ينحصر في تتطلب نظرية الإرادة ثبوت اتجاه الإرادة إلى إحداث النتيجة وإلى الوقائع المشكلة للركن المادي للجريمة بينما لتتطلب نظرية العلم ذلك و تكتفي بعلم الفاعل بأن من شأن الفعل الذي يقدم عليه إحداث النتيجة الجرمية ولاتشترط ثبوت اتجاه إرادته لإحداث النتيجة . ويرجع سبب الخلاف على عدم اتفاق أنصار كل من النظريتين على تحديد مفهوم الإرادة فأنصار نظرية الإرادة يرون بأن الإرادة هي نشاط نفساني يوجهه صاحبه إلى غاية معينة دون أن يتطلب ذلك السيطرة على سبل تحقيق هذه الغاية , بينما يرى أنصار نظرية العلم أن الإرادة هي السبب المنشئ للفعل والإرادة بهذا المعنى تفترض امتلاك صاحبها السيطرة على سبل تحقيق الفعل أي قدرته على إحداثه من عدمه.
مبررات كل من النظريتين من وجهة نظر أنصارهما :
يقول الدكتور أحمد أبو الروس وهو من أنصار نظرية العلم : ( الإرادة يمكن أن يكون لها السيطرة على إحداث الفعل عن طريق التأثير على أعضاء الجسم ودفعه إلى إتيان الحركات العضوية التي يتطلبها إحداث الفعل , أما النتيجة فلا تملك الإرادة القدرة على إحداثها من عدمه لأن حدوثها إنما هو - وهنا يستشهد بقول للدكتور نجيب الحسيني في إحدى مقالاته - (( ثمرة لتفاعل قوانين طبيعية حتمية لا سيطرة لإرادة الإنسان عليها )) ولأن القول باتجاه الإرادة إلى إحداث النتيجة - د. حسيني - ((قول يفترض إثبات سيطرة الجاني على القوانين الطبيعية وهو إثبات يستحيل على العقل تصوره )) اللهم إلا إذا فهمت الإرادة بمعنى الرغبة وهو قول خطير لأنه يؤدي إلى عدم مسؤولية الجناة عن النتائج التي لا يرغبون فيها مسؤولية عمدية (قصدية ) وهومايتعارض مع ما استقر عليه الفقه والقضاء . فمن ينسف سفينة في عرض البحر ليحصل على مبلغ التأمين عليها فيترتب على فعلته هلاك المسافرين يسأل عن وفاتهم مسؤولية عمدية ( قصدية ) ولو لم يكن راغبا في إهلاكهم .كما أن إدخال النتيجة كعنصر في القصد من شأنه إعجاز فكرة القصد الجنائي عن استيعاب صفة العمد ( القصد ) في الجرائم التي يكون فيها محل التجريم هو السلوك المجرد (الجرائم عير ذات نتيجة ) كحمل سلاح غير مرخص وهنا تظهر عدم سلامة نظرية الإرادة فصلاحيتها تقف عند حدود الجرائم ذات النتيجة
أما بالنسبة للوقائع الأخرى التي تدخل في تركيب الركن المادي فلا يجوز منطقيا اعتبارها موضوع لإرادة الجاني .إذ كيف يستساغ القول بأن إرادة الجاني قد اتجهت إلى إحداث هذه الوقائع وهي سابقة في وجودها على الفعل بل وأحيانا على وجود الجاني )
ويخلص د . أبو الروس إلى النتيجة التالية : ( والواقع أن النشاط المادي الفعل أو الامتناع هو وحده الذي يصلح لكي يكون محل للإرادة فمن يطلق عيارا ناريا في صدر أخر يريد ولا شك إطلاق العيار و أما الوفاة الناتجة عن هذا الفعل فليست محلا للإرادة و إن كانت غرضا أو غاية من الفعل . ولا يقال أنه مادامت الإرادة وراء الفعل ومادام الفعل سبب الوفاة تكون الإرادة سبب النتيجة لأن نية القتل – في المثال السابق – شيء وإرادة الفعل الذي سبب القتل شيء آخر والقول بأن الوفاة محلا للإرادة إذا كان الفعل الذي سببها إراديا سيؤدي إلى هدم الحدود بين القتل العمد ( القصد ) والقتل الخطأ لأن الفعل والامتناع المؤدي إلى الوفاة هو إرادي في الجريمتين ) .
يقول د. علي عبد القادر القهوجي وهو من أنصار نظرية الإرادة : ( الواقع أن نظرية الإرادة تفضل على نظرية العلم لأنها تضفي على فكرة القصد الجنائي وضوحا لا يتوفر بالنسبة لنظرية العلم , إذ تسمح بالتمييز بين القصد والخطأ غير المقصود , فضلا عن أن الإرادة نشاط نفسي يمكن وصفه بمخالفة القانون أما العلم سكون لا يستساغ وصفه بمخالفة القانون ) .
- تعريف القصد الجرمي :
عرف الأستاذ غارسون القصد الجرمي – وهو مصدر التعريف الذي أخذ به المشرع السوري - بأنه : إرادة ارتكاب فعل يعرف الفاعل أنه ممنوع في القانون الجزائي أو الامتناع عن فعل يعرف الفاعل أن القانون يأمر بفعله .
عرف د . عبد الوهاب حومد القصد الجنائي : المراد به النية وهو توجيه إرادة الفاعل نحو ارتكاب فعل أو امتناع يدرك تماما أنه ينتهك به حرمة النصوص القانونية .
عرّفه د . علي عبد القادر القهوجي بأنه : العلم بعناصر الجريمة كما هي محددة في نموذجها القانوني و إرادة متجهه إلى تحقيق هذه العناصر أو قبولها .
عرّفه د . أحمد أبو الروس : اتجاه الإرادة إلى إحداث الفعل الجرمي, مع علمه بالعناصر الأخرى المكونة للركن المادي للجريمة .
و أما القوانين الوضعية الحالية فمعظمها إن لم تك كلها فقد أخذت بنظرية الإرادة .
فقد عرف قانون الجزاء الكويتي / قانون رقم 16 لسنة 1960 / القصد الجنائي في المادة 41 : ( يعد القصد الجنائي متوافرا إذا ثبت اتجاه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة وإلى إحداث النتيجة الجرمية التي يعاقب القانون عليها في هذه الجريمة .
ولا عبرة للباعث الدافع إلى ارتكاب الفعل في توافر القصد الجنائي , إلا إذا قضى القانون بخلاف ذلك).
قانون الجزاء القطري ( قانون رقم : 11/ 2004 ) المادة 32 : [ يتكون الركن المعنوي من العمد والخطأ . يتوفر العمد باتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل أو امتناع عن فعل بقصد إحداث النتيجة التي يعاقب عليها القانون بسبب خطأ الجاني سواء كان هذا الخطأ بسبب الإهمال أو عدم الانتباه أو عدم الاحتياط أو الطيش أو عدم مراعاة القوانين أو اللوائح ]
قانون العقوبات الأردني لسنة 1960 المادة 63 : [ النية هي إرادة ارتكاب الجريمة على ماعرّفها القانون ]
قانون العقوبات اللبناني المادة 188 : [النية إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرّفها القانون ]
قانون العقوبات المصري
وأما بالنسبة لقانون العقوبات السوري : يقول د . عبد الوهاب حومد (غالبية قوانين العقوبات ابتعدت عن إعطاء تعريف محدد للقصد وفضلت أن تترك لمحاكم الموضوع مسألة استخلاصه من الوقائع المعروضة عليها . غير أن المشرع السوري خالف في ذلك , وعرف بعض عناصر الركن المعنوي كالنية ( القصد ) متأثرا في ذلك بالشارع اللبناني , فقد عرف النية في المادة 187 بأنها : ( إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون ) وهو تعريف مأخوذ عن تعريف الأستاذ غرسون .
وقد تقيدت محكمة النقض بالتعريف القانوني في أحكامها فعرفت النية الجرمية بأنها : ( يكون الجرم مقصودا عندما يقدم عليه فاعله مريدا نتائجه ) . النقض , الغرفة الجنائية , القرار رقم 189 تاريخ19/ 3/ 1962 المجموعة الجزائية رقم 1226
ومن الواضح أن التعريف الذي أخذ به مشرعنا قد قصر القصد الجرمي على الإرادة دون العلم ولكن د . قهوجي يقول في شرح م 188 ق .ع . ل المتضمنة تعريف القصد الجرمي وهو نفس التعريف الذي أخذ به القانون السوري (( التحليل الدقيق لفكرة القصد يثبت أن الإرادة لا تتوافر عقلا ولا يتاح لها أداء دورها في بنيان القصد ما لم تكن مستندة إلى العلم وهكذا يتكون القصد الجرمي من عنصرين هما العلم والإرادة )) . (( ويسلم الفقه والقضاء بأن القصد الجنائي يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة , إلا إن الفقه انقسم بشأن الدور الذي يلعبه كل من العلم والإرادة في بنيان القصد إلى نظريتين هما : نظرية العلم ونظرية الإرادة ))
العلم:
القاعدة : أنه حتى يقوم القصد الجرمي لابد أن يكون الجاني عالما بجميع العناصر القانونية للجريمة فإذا انتفى عنصر العلم بسبب الجهل أو الغلط ينتفي القصد الجرمي بدوره . وهذه القاعدة ليست مطلقة بل يرد عليها العديد من الاستثناءات . وسندرس هذه القاعدة وتلك الاستثناءات في المبحثين التاليين : المبحث الأول نخصصه لتحديد موضوع العلم الذي يقوم به القصد الجرمي و المبحث الثاني ندرس فيه أثر الجهل والغلط على العلم وبالتالي على قيام القصد الجرمي .
المبحث الأول :
موضوع العلم الذي يقوم به القصد الجنائي :قلنا سابقا أنه حتى يتوافر القصد الجرمي لدى الفاعل يجب ان يكون عالما بجميع العناصر الأساسية للجريمة فما هي العناصر التي يوجب القانون توافر علم الجاني بها حتى يقوم القصد الجرمي في جريمته وما هي تلك العناصر التي لا يؤثر عدم علمه بها على قصده الجرمي .
1 - العناصر التي يوجب القانون العلم بها : أهم هذه العناصر هي الفعل – النتيجة- الحق المعتدى عليه - والظروف التي تدخل في تكوين الجريمة
العلم بطبيعة الفعل : فمن يضع سم في طعام شخص يجب أن يعلم أن هذه المادة سم قاتل موجه إلى إنسان حي .
العلم بطبيعة النتيجة : يجب أن يعلم الفاعل أن من شأن الفعل الذي يقدم عليه أن يحدث النتيجة الجرمية فمن يطلق عيارا ناريا باتجاه آخر يجب أن يكون على علم أنه من شأن فعله هذا إزهاق روح ذلك الشخص ولا يشترط بأن يكون علمه يقينيا بل يكفي إن يتوقع النتيجة ويقبل المخاطرة .و بالنسبة للنتائج غير المباشرة فلا يؤثر عدم العلم بها على قيام القصد الجرمي فلا يشترط علم الجاني في المثال السابق بأن فعله سيؤدي إلى إلحاق أضرار مادية أو معنوية بأهل المجني عليه .
العلم بموضوع الحق المعتدى عليه : الطبيب الذي يقوم بتشريح جثة رجل ظنا منه أن صاحبها ميت وتبين فيما بعد أن الرجل كان حي إلا أنه أصيب بحالة في حالة إغماء و أن أعمال التشريح التي قام بها الطبيب كانت سبب الوفاة . فهنا لا يتوافر القصد لدى الطبيب لانتفاء علمه بصفة الحياة وإن أمكن مسألته عن جريمة قتل غير مقصودة إذا توافرت أركانها .
العلم بالظروف التي تدخل في تكوين الجريمة : وأهم هذه الظروف ظرف المكان – ظرف الزمان– صفة المجني عليه– صفة أو تكييف لبعض الوقائع – الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة .
بالنسبة لظرف المكان : بعض الجرائم يدخل في عناصرها القانونية الأساسية كما حددها المشرع صفة المكان , فلا تقوم هذه الجرائم إلا إذا ارتكبت في مكان معين يحدده المشرع . فلابد أن يكون المجرم يعلم وقت ارتكابه لجريمته أنه يقترف فعلا مجرما في هذا المكان , فالشخص الذي يعتدي على موظف في مكان عمله لابد أن يعلم أن هذا المكان هو المكان الذي يعمل فيه , أما إذا لم يكن يعلم ففي هذه الحالة ينتفي القصد الجرمي الذي تقوم به جريمة الاعتداء على موظف عام في مكان عمله و إنما يسأل عن جريمة اعتداء على شخص عادي .
الجرائم التي ترتكب في زمن معين : المادة 285 [ من قام في سورية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أ إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت ] .
هذه المادة تعاقب عل الأفعال التي تنال من هيبة الدولة والشعور القومي زمن الحرب أو عند توقع نشوبها فإذا أرتكبت هذه الأفعال من قبل شخص زمن الحرب أو عند توقع نشوبها دون أن يعلم أن البلاد في حالة حرب أو أن هناك حرب على الأبواب فلا تطبق هذه المادة على فعله لأن المادة السابقة تحدد عنصر الزمن كعنصر أساسي من عناصر هذه الجريمة .
صفة المجني عليه : يشترط في جريمة الإجهاض صفة الحمل في المجني عليها , فلا يسأل شخص عن إجهاضه امرأة حامل إلا إذا كان عالما بحملها .
صفة أو تكييف لبعض الوقائع : في جريمة السرقة يجب أن يعلم الشخص أن المال مملوك للغير فإذا ظن أن هذا المال مباح فلا يسأل عن جريمة سرقة لانتفاء القصد الجرمي لديه فمن يأخذ شيء ما وجده في الشارع ظنا منه أنه شيء مهمل فتبين فيما بعد أنه ملك لصاحب المحل المجاور لا يعتبر سارقا لانتفاء القصد الجرمي لديه . الأجنبي الذي يقبل فتاة في سورية يعتبر فعله منافيا للحياء حسب عاداتنا وتقاليدنا إلا أن عادات مجتمعه وتقاليده لا تعتبرها كذاك بالتالي ينتفي قصده الجرمي لجهله بعادات وتقاليد مجتمعنا .
الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة : تعتبر هذه الظروف من العناصر التي تدخل في تكوين الجريمة لأنها تغير من الوصف القانوني للجريمة وتنقلها إلى مجموعة أخرى من الجرائم بالتالي تخضع إلى نص قانوني مختلف عن النص الذي كانت تخضع له وهي متجردة من مثل هذه الظروف بالتالي يجب أن يعلم الجاني بالظرف المشدد حتى يتوافر القصد الجرمي لديه بالنسبة لهذا الظرف . فالسرقة البسيطة بالتكييف القانوني تعتبر جنحة إلا أنها إذا ترافقت مع العنف تغيرت طبيعتها بفعل الظرف المشدد ( العنف ) وأصبحت جناية سرقة بالعنف فالسارق الذي يقدم على حركة غير مقصودة آذى بها المجني عليه لا يسأل عن سرقة بعنف وإنما عن سرقة بسيطة
فالفاعل الذي يجهل أحد العناصر الأساسية للجريمة كما حددها المشرع في النموذج القانوني للجريمة ينتفي لديه عنصر العلم اللازم لقيام القصد الجرمي في جريمته . فلا تطبق عليه أحكام هذه الجرائم وإن كان من الممكن أن يسأل على أساس الخطأ .
2- العناصر التي لا يتطلب القانون العلم بها : وهي العناصر الثانوية التي لا تؤثر على قيام الجريمة والمسؤولية عنها وهذه العناصر يسأل عنها الجاني سواء علم بها أم لم يعلم هي :
عناصر الأهلية الجزائية : وهي الشروط التي يوجبها القانون للاعتداد بإرادة الجاني وتتمثل في عنصري الإدراك والتمييز وهذه الشروط يسأل عنها الفاعل ولو لم يعلم بها لأن عناصر الأهلية الجزائية للجاني هي أمر يتصل بالتكييف القانوني للإرادة وفقا لقواعد موضوعية يخاطب المشرع بها القاضي دون أن يكون للمتهم شأن في ذلك . فالشخص الذي يقترف جريمته وهو يعتقد أنه مصاب بالجنون وثبت للقاضي أنه مكتمل القوى العقلية فإن القصد الجرمي يعد متوافرا لديه . والمجرم الذي يعتقد أنه دون سن المسؤولية الجزائية وهو ليس كذلك يتوافر لديه القصد الجرمي أيضا .
شروط العقاب : وهي الشروط التي يجب توافرها لفرض العقوبة . لاتدخل في العناصر المكونة للجريمة .
الظروف المشددة للعقاب : ويقتصر أثرها على العقوبة ولا تدخل في العناصر المكونة للجريمة ولا تغير من وصفها القانوني . فيسأل عنها الفاعل وإن لم يعلم بها مثال ذلك حالة التكرار فالذي يرتكب جريمة سرقة مع سبق الحكم عليه بعدة عقوبات كافية لتوافر حالة التكرار في حقه تشدد عليه العقوبة حتى لو كان جاهلا وقت ارتكاب السرقة بأنه يعتبر مكررا بارتكابها .
النتائج المتجاوزة قصد الجاني : إذا قصد الجاني نتيجة معينة من جنايته ونتج عنها نتيجة أخرى تجاوزت قصده أشد جسامة. فالقانون يحمله تبعة هذه النتيجة وإن لم يتوقعها فيكفي أن يكون قد توقع النتيجة الأقل جسامة . فالجاني الذي يقدم على الاعتداء على السلامة الجسدية للمجني عليه فيتسبب بوفاته فغنه يسأل عن جريمة قتل وإن لم يتوقع وفاة المجني عليه
بقول د . عبد الوهاب حومد : على الرغم من الخلاف بين تجاوز القصد وبين حدوث نتائج مغايرة للقصد , فإنها كلها يجب أن تعامل معاملة واحدة من حيث تحميل المسؤولية مرتكب الجريمة المقصودة , وذلك بأخذ العمد أو القصد منطلقا أما النتائج فإنها لا تغيير منها شيئا .
وقد حل قانوننا هذه المسألة حلا صريحا في المادة 188 ق. ع التي تقول : (( تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة ))
فالذي يطلق النار على شخص بقصد إصابته في يده فتنحرف الرصاصة أو يتحرك الضحية فتصيب الرصاصة القلب فيموت فالفاعل يجب أن يسأل عن جريمة قتل .
المبحث الثاني :
أثر الجهل أو الغلط على توافر القصد الجرمي :
قلنا أن علم الجاني يجب أن ينصب على جميع العناصر الأساسية للجريمة وهذه العناصر يمكن أن تكون قانونية أو مادية فما هو أثر الجهل أو الغلط عندما يصيب أحد هذه العناصر على القصد الجرمي للجاني
ما هو الجهل وما هو الغلط ؟ .
الجهل : يعني انتفاء العلم بقاعدة قانونية أو واقعة مادية .
الغلط : هو انتفاء العلم بحقيقة القاعدة القانونية أو الواقعة المادية .
في البداية يجب أن نلاحظ أن قانون العقوبات السوري استعمل في القسم الثاني ( موانع العقاب ) تعبير الغلط كعنوان للفصل الأول , ثم تحدث عن الغلط القانوني ( المادة 222 ) والغلط المادي ( المادة 223) . ومع ذلك عندما تكلم عن الغلط القانوني سماه جهل القانون مما يدل على أن تعبير الغلط ينطبق على جهل القانون وعلى الغلط في الوقائع . ولذلك سنستعمل في بحثنا كلمة الغلط ونحن نقصد بها الجهل والغلط معا .
الغلط المادي : عالج المشرع موضوع الغلط المادي ( في الوقائع ) في المواد (223 - 224) من قانون العقوبات .
ويقع الغلط المادي في الجريمة المقصودة في أربع حالات :
1. غلط واقع على أحد العناصر المكونة للجريمة .
2. غلط واقع على أحد الظروف الفرعية للجريمة .
3. غلط واقع على هوية المجني عليه .
4. الغلط في النتائج .
الغلط الواقع على أحد العناصر المكونة للجريمة : وهو ما يعرف في الفقه بالغلط الجوهري وهذا الغلط ينفي وجود النية الجرمية وبالتالي يمحو المسؤولية . ولذلك فهو لا يتصور إلا في الجرائم المقصودة. فالشخص الذي يرجوه شيخ هرم بمعاونته في حمل حقيبته وهو يجهل ما فيها وتبين لاحقا أنها مسروقة , فإذا لم يمكن أن ينسب إليه أي خطأ كأن يكون كل إنسان عادي يمكن أن يقع فيما وقع فيه , فلا مسؤولية عليه , أما إذا أمكن نسبة الخطأ إليه فإنه يسأل عن نتيجة هذا الخطأ وحده .
وكذلك الصياد الذي يطلق النار على حيوان يراه من بعد فيصيب شخص كان يتجول في الجوار فيقتله فهنا ينتفي القصد لدى الصياد لأنه وقع في غلط جوهري ينصب عل أحد العناصر الداخلة في تكوين جريمة القتل وهو كون موضوع الحق المعتدى عليه حياة إنسان , وفي هذه الحالة لا يسأل الصياد عن جريمة قتل مقصود وأما إذا أمكن نسبة خطأ ما للصياد أدى إلى وقوعه في هذا الغلط الجوهري . هنا يسأل عن جريمة قتل غير مقصود . أما إذا لم تتوافر أركان الخطأ فلا يسأل الصياد أبدا لأن الغلط المتجرد من الخطأ ينفي المسؤولية غير المقصودة أيضا .
وهذا ما نصت عليه المادة 223 : [ 1- لا يعاقب كفاعل أو محرض أو متدخل في جريمة مقصودة من أقدم على الفعل بعامل غلط مادي واقع على أحد العناصر المكونة للجريمة .]
الغلط الواقع على أحد الظروف الفرعية للجريمة : كالأعذار القانونية المحلة والمخففة والأسباب المشددة . فالغلط الواقع على أحد الأعذار القانونية يستفيد منه المجرم ولو كان يجهله , وأما إذا كان الغلط واقعا على أحد الظروف المشددة فإن المجرم لا يسأل عن التشديد .
فمن يخفي صهرا له فار من وجه العدالة , وهو لا يعلم بأن القانون يعفيه من المسؤولية عن إخفاءه , يستفيد من هذا العذر بالرغم من جهله به .
والخادم الذي يسرق من بيت سيده أشياء يظنها للضيف وهو أجنبي وتبين لاحقا أنها لسيده . لاتشدد عقوبته .
وسند هذا في القانون السوري المادة223ق.ع[ 2- إذا وقع الغلط على أحد الظروف المشددة لا يكون المجرم مسؤول عن هذا الظرف وهو بعكس ذلك يستفيد من العذر الذي يجهل وجوده ]
الغلط الواقع على هوية المجني عليه : لا يعتبر هذا الغلط غلطا جوهريا فلا يؤثر على قصد الجاني . فإذا أراد زيد قتل عمر فأصاب شخص آخر فقتله فيسأل زيد عن جريمة قتل مقصود بالنسبة للشخص الذي قتله وجريمة شروع بالقتل بالنسبة لعمر .
وسند هذا في القانون السوري المادة 205 ق . ع : [ 1- إذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد ] .
وهذا ما تبنته محكمة النقض السورية في أحكامها : [ لما كان من المتفق عليه علما و اجتهادا أن من يقصد قتل شخص بإطلاق النار عليه فيصيب شخص آخر وهو لا يريد إصابته فيقتله فإن القتل يعد مقرونا بالقصد .. ] تا 16/12 / 951 مجلة القانون صفحة 103
الغلط في النتائج : من أخرق منزل ليهدمه فتسبب في مقتل شخص كان بداخله يأل عن النتيجة سواء توقعها أم لم يتوقعها فإذا توقعه وقبل بالمخاطرة كانت جريمته مقصودة و إذا لم يتوقعه وتوافرت لديه أركان الخطأ كانت جريمته غير مقصودة .
الغلط القانوني :عالج المشرّع الغلط القانوني في المادة 222 ق.ع حيث رفض المشرع الاحتجاج بجهل القوانين الجزائية أو تأويلها بصورة مغلوطة ووضع استثناءين على هذا الرفض و ضيق من هذين الاستثناءات ولم يسمح بالتوسع بها على خلا المشرع اللبناني والقضاء المصري و الفرنسي .
فجاء في نص المادة 222 ق.ع : [ 1- لا يمكن أحد أن يحتج بجهله القانون الجزائي أو تأويله إياه تأويلا مغلوطا .
2- غير أنه يعد مانعا للعقاب :
أ - الجهل بقانون جديد إذا أقترف الجرم خلال الأيام الثلاثة التي تلت نشره .
ب - جهل الأجنبي الذي قدم سورية منذ ثلاثة أيام على الأكثر بوجود جريمة مخالفة للقوانين الوضعية لا تعاقب عليها قوانين بلاده أو قوانين البلاد التي كان مقيما فيها ] .
فالمشرع السوري افترض علم الجميع بالقانون الجزائي بعد أن أتاح الفرصة لهم بالإطلاع عليه بعد نشره في الجريدة الرسمية . فالقصد الجرمي للجاني يتوافر لديه سواء علم بنصوص القانون الجزائي أم لم يعلم بها وسواء إذا وقع في غلط بحقيقتها أم لا. ويرد على هذا استثناءين :
الجهل بالقانون الجديد : يعد الجهل بالقانون الجديد مانعا للعقاب إذا توافرت الشروط التالية :
1. يجب أن يكون القانون الجديد قد تقرر العمل به فور نشره أو خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام فإذا كان قد تقرر العمل به بعد تجاوز تلك المدة لا ينطبق هذا النص .
2. أن يكون ارتكاب الجريمة قد تم خلال الأيام الثلاثة التالية لنشر القانون الجديد ولا يشترط أن تتحقق النتيجة في تلك المدة بل يجوز أن تتحقق بعد انقضائها والمهم في الأمر أن ترتكب الأفعال المجرمة خلال المدة المحددة .
جهل الأجنبي بقا نون البلاد : حتى يستطيع الأجنبي الاحتجاج بجهله بالقانون يجب أن تتوافر الشروط التالية :
1. أن يكون الجاني أجنبيا لا يتمتع بالجنسية السورية .
2. أن يكون قد ارتكب الفعل المجرم خلا ثلاثة أيام من تاريخ وصوله إلى البلاد .
3. أن يكون الفعل غير مجرم طبقا لقانون الدولة التي يحمل جنيتها أو قانون الدولة التي قدم منها .
ويجب أن نلاحظ أن المشرع اللبناني أضاف استثناء ثالث وهو الجهل أو الغلط الواقع على شريعة مدنية أو إدارية يتوقف عليها فرض عقوبة .
وقد أخذ القضاء المصري بهذا الغلط دون وجود نص تشريعي فقد برأ القضاء المصري زوجا وشهودا شهدوا له بعدم وجود موانع تمنع زواجه , وكانوا يجهلون أنه لا يجوز لشخص أن يتزوج خالة زوجته.
وبرأت محكمة باريس عاملا وجد كنزا في عقار يملكه غيره فتملكه معتقدا أنه دخل في ملكيته وهو يجهل أن القانون يعطيه نصفه فقط .
العنصر الثاني من عناصر القصد الجرمي :
الإرادة
وجدنا سابقا أن المشرع السوري أخذ بنظرية الإرادة فيما يتعلق بالقصد الجرمي و أهمل نظرية العلم فحتى يتوافر القصد الجرمي لدى الجاني يجب أن تتجه إرادته إلى الفعل والنتيجة على السواء . والإرادة تأتي بعد العلم فالجاني بعد أن يتيقن من طبيعة الفعل الذي سيقدم عليه ويدرك أبعاده والنتائج المترتبة عليه يتخذ قرارا إراديا ببدء التنفيذ هذ ما يتعلق بالجريمة المقصودة .
عرّف د. قهوجي الإرادة بأنها : عبارة عن قوة نفسية أو نشاط نفسي يوجه كل أعضاء الجسم أو بعضها نحو تحقيق غرض غير مشروع أي نحو المساس بحق أو مصلحة يحميها القانون الجنائي .
وبعبارة أخرى فإن الإرادة هي المحرك نحو اتخاذ السلوك الإجرامي بالنسبة للجرائم ذات السلوك المجرد , وهي المحرك نحو تحقيق النتيجة – بالإضافة للسلوك الإجرامي – بالنسبة للجرائم ذات النتائج .
عرفها د . حومد بأنها : قدرة المرء النفسية على اتخاذ قرار بتوجيه أفعاله الشخصية لتحقيق غرض معين .
عرفها د . عبد العزيز الحسن : حالة نفسية يكون عليها الجاني وقت ارتكاب الجريمة . وتتجلى هذه الحالة النفسية بعزم الجاني على ارتكاب الجريمة أو اتخاذ قرار بتنفيذها ثم إصدار الأمر إلى أعضاء الجسم للقيام بالأفعال المكونة لها وقيادة هذه الأعضاء إلى أن تحقق النتيجة المطلوبة .
إرادة السلوك والنتيجة : إرادة السلوك عنصر لازم في الركن المعنوي لجميع الجرائم القصدية وغير القصدية على حد سواء فلا يسأل الشخص عن سلوكه ونتيجته إلا إذا كان هذا السلوك تعبيرا عن إرادته.
أما إرادة النتيجة فلا تكون عنصر لازم في الركن المعنوي إلا في الجرائم المقصودة أما في الجرائم غير المقصودة فيكفي أن يريد الفاعل السلوك حتى يقوم لديه الركن المعنوي للجريمة غير المقصودة .
والإرادة المعتد بها في مجال القصد الجرمي : هي الإرادة الواعية المتمتعة بالقدرة على الاختيار فإذا انتفى الوعي أو الاختيار لا يعود صاحب تلك الإرادة مسؤول فالمجنون والمكره لا يسألان عن أفعالهما لأن الجنون ينفي الوعي و الإكراه يعدم الاختيار .
الإرادة والمسؤولية الجزائية : دور الإرادة في تحديد المسؤولية الجزائية يمكن بحثه في الفقه ضمن نظريتين هما : نظرية الإرادة و نظرية التصور .
نظرية الإرادة : تقوم على التفريق بين الإرادة والقصد والإرادة لا تشترط وجود القصد دوما ولكن القصد لا يمكن أن يتحقق إلا إذا رافقته الإرادة . وقد أوضح الأستاذ Villey هذه النظرية حين فرق بين مفهوم القصد والإرادة بقوله : إن القصد هو إرادة النتيجة , وأنه ليس لازما دوما . وبتعبير أوضح إن القصد يتكون من إرادة الفعل المادي و إرادة النتيجة معا .
نظرية التصور : تنطلق من نظرة الفقيه الشهير فور باخ , والتي مؤداها و أن الشخص يسأل عن النتائج التي يحدثها بنشاطه إذا كان القانون يعاقب على هذه النتائج , حتى ولو لم يبحث عنها لذاتها , أي حتى لو لم يكن هادفا إليها وراغبا فيها . فيكفي إذا لمساءلة الفاعل أن يكون قد تصور وقوعها . وليس ضروريا أن بكون قد تصور وقوعها على شكلٍ أكيد , بل إن إمكان وقوعها بكفي . وهذه النظرية وسعت من مجال القصد الجنائي كثيرا لأنها تعتبر الفاعل مسؤول عن النتائج التي أرادها من فعله وكذلك عن كل نتيجة يمكن أن يكون تصورها حين أقدم على الفعل .
بالنسبة للمشرع السوري في قانون العقوبات فقد جعل الإرادة أساسا للمساءلة الجنائية و حين اشترط توافر الوعي والإرادة في المادة 209 : [ 1- لا يحكم على أحد بعقوبة , ما لم يكن قد أقدم على الفعل عن وعي وإرادة ......... ]
العلاقة بين القصد والإرادة : يقو ل د. حومد أن هناك ثلاث حالات تظهر الاستقلال بين القصد والإرادة:
( 1- يريد الرجل الفعل المادي ويريد الحصول على النتيجة : يسدد مسدسه ويطلقه على شخص فيقتله . فقد أراد الفعل المادي , وهو إطلاق الرصاص , وأراد النتيجة منه , وهو القتل . وجرائم هذه الزمرة كثيرة وتتصف بوجود السببية المباشرة بين الفعل و النتيجة أي أنها تتصف بوجود الإرادة والقصد معا . وعقاب هذا الرجل عقاب كامل . لأن مسؤوليته تامة وجريمته مقصودة .
2- يريد الرجل الفعل المادي ولا يريد نتائجه و ولكنه يؤاخذ على عدم توقعه إمكان حصول هذه النتائج المؤسفة , مع أنه كان في مقدوره منع حدوثها : رجل يطلق النار على طائر ليصطاده فيصيب إنسان فيقتله . فقد أراد الفعل المادي وهو إطلاق النار , ولكنه لم يرد النتيجة وهي قتل إنسان . فليس هو بقاتل خطر إلا أنه قليل الاحتراز , لأنه لم يتوقع حدوث هذه النتيجة الممكنة الوقوع . فهنا توجد الإرادة ولا توجد النية ( القصد ) . إنما يوجد الخطأ . والتشريعات المعاصرة متفقة على معاقبة هذا الشخص عقوبة خفيفة . ومن أمثلة هذه الجرائم التسبب في موت أحد الناس بالضرب أو العنف من غير قصد القتل , وعقوبة الجريمة عادة الأشغال الشاقة مدة خمس سنوات على الأقل المادة 536 ق . ع : [ من سبب موت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف أو بالشدة أو بأي عمل آخر مقصود عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل . 2-................
3- يريد الرجل الفعل المادي ولا يريد النتيجة , ولكنه يكون محاطا بظروف خاصة لا تمكنه من توقع حدوث مثل هذه النتيجة : رجل أتى بدوائين لمريضين فيغلط في صاحبيهما فيتسمم أحدهما فيموت . فقد أراد الفعل المادي وهو تقديم الدواء ولم يرد النتيجة وهي الموت غير أنه وجد في ظروف لايقدر فيها على توقع حدوث الموت و وهي الظروف الناشئة عن الغلط . فهنا توجد الإرادة ولا توجد النية ( القصد ) , وإنما يوجد غلط رافق الإرادة . وللغلط وضع خاص في القانون , لأنه في مثل هذه الحالة يعدم المسؤولية , شريطة أن يثبت أن الفعل كان حادثا عرضيا ) .
التمييز بين القصد والغرض والغاية والدافع :
هذه المصطلحات تعمل ضمن مجال واحد وهو مجال الركن المعنوي للجريمة فلابد من تحديد معانيها بدقة والتمييز بين مدلولاتها .
القصد : ويتمثل بالعلم والإرادة للعناصر الأساسية للجريمة ( الفعل والنتيجة ) وهو واحد في كل جريمة ولا يتعدد بتعدد الجناة ففي جريمة القتل مثلا إذا تعدد الجناة فالجميع يعلم بأن الفعل الذي يقومون به هو القتل وأن من شأن فعلهم هذا إزهاق روح المجني عليه وهم في نفس الوقت يريدون الفعل والنتيجة .
الغرض : وهو الهدف القريب الذي تسعى إرادة الجاني لتحقيقه وينطبق تماما على مفهوم النتيجة
فالغرض من جريمة القتل هو إزهاق روح إنسان حي والغرض واحد في جميع الجرائم فهو دائما في القتل إزهاق روح إنسان حي . وهو واحد بالنسبة لجميع الجناة في الجرائم التي يتعدد فيها الجناة .
الغاية : وهي الهدف البعيد لإرادة الجاني بعد وصولها إلى الغرض الذي يتمثل في إشباع حاجة معينة .
وتختلف الغاية من جريمة إلى أخرى وفي الجريمة الواحدة من جاني إلى آخر . فجريمة القتل قد يرتكبها شخص ليتخلص من دين كان مستحق للمجني عليه من الجاني وقد يرتكبه آخر لينتقم لموت قريب له تسبب المجني عليه في موته وآخر ليستحوز على مبلغ من المال كان في جيب المجني عليه .
الدافع : عرف القانون السوري الدافع ولم يكن موفقا في تعريفه هذا المادة 191 : [ الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها ] . فقد خلط بين الدافع والغاية والدافع هو القوة المحركة ( انعكاس نفسي للغاية ) التي توصل إلى الغاية (ذات طابع موضوعي ووجود حقيقي )
دور الدافع في التجريم والعقاب : لا دور للدافع في التجريم والعقاب إلا حينما يقرر المشرع ذلك وهذا المبدأ تبنته أغلب التشريعات الجزائية الوضعية وقد تبناه المشرع السوري في المادة 191 :[ 2- ولا يكون الدافع عنصرا من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينها القانون ] .
ففكرة الدافع تأتي كاستثناء على القاعدة التي تقول بأن الأساس المعنوي للتجريم هو القصد والخطأ وأساس العقوبة هو خطورة الفعل فلا يعمل بالاستثناء إلا عند ورود نص صريح من المشرع .
دور الدافع في التجريم : ورد في قانون العقوبات السوري العديد من المواد التي تجرم بعض الأفعال وتعتبر الدافع لارتكابها عنصر من عناصر التجريم فإذا انتفى الدافع المحدد في نص المادة انعدمت الجريمة ومنها :
1. جريمة إغواء امرأة أو فتاة : المادة 510 :[ يعاقب بالحبس ثلاث سنوات على الأقل وبغرامة لا تنقص عن ثلاثمائة ليرة من أقدم إرضاء لأهواء الغير على إغواء أو اجتذاب امرأة أو فتاة لم تتم الحادية والعشرين من عمرها ولو برضاها ............] فهذه الجريمة لا تقوم إلا إذا كان الدافع لها إرضاء أهواء الغير .
2. جريمة تسهيل إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير : المادة 512 : [ من اعتاد أن يسهل بقصد الكسب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير ............ يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثين إلى ثلاثمائة ليرة ] . والدافع في هذه الجريمة الكسب .
3. جريمة وصف وإذاعة الأساليب التي تؤدي إلى منع الحمل :المادة 523 : [ من أقدم ........... على وصف أو إذاعة الأساليب الآيلة إلى منع الحمل أو يعرضها أو يذيعها بقصد الدعاوة لمنع الحمل عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة مائة ليرة ] . والدافع الدعاوة لمنع الحمل .
وهناك العديد من المواد الأخرى في القانون السوري التي تدخل الدافع في عناصر التجريم .
دور الدافع في العقاب : تقسم الدوافع إلى دوافع مشددة للعقوبة ودوافع مخففة للعقوبة .
الدوافع المخففة للعقوبة : في القانون السوري هناك دافعين مخففين للعقوبة هما الدافع الشريف والدافع السياسي .
الدافع الشريف : ورد في المادة 192 : [ إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفا قضى بالعقوبات التالية:
الاعتقال المؤبد بدلا من الإعدام .
الاعتقال المؤبد أو لخمسة عشر سنة يدلا من الأشغال الشاقة المؤبدة .
الاعتقال المؤقت بدلا من الأشغال الشاقة المؤقتة .
الحبس البسيط بدلا من الحبس مع التشغيل .
وللقاضي فضلا عن ذلك أن يعفي المحكوم عليه من لصق الحكم ونشره المفروضين كعقوبة . ].
مثال على الدافع الشريف من أقدم على قتل آخر أهانه في كرامته أو شرفه اهانة بالغة لا يحتملها الشخص العادي
الدافع السياسي : ورد في المادة 195 : [ 1- الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي .
2- وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع أناني دنيء ] .
تخفف العقوبة على الجرائم المرتكبة بدافع سياسي كما ورد في المادة 197: [ 1- إذا تحقق القاضي أن للجريمة طابع سياسي قضى بالعقوبات التالية :
الاعتقال المؤبد بدلا من الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة .
الاعتقال المؤقت أو الإبعاد أو الإقامة الجبرية الجنائية أو التجريد المدني بدلا من الشغال الشاقة المؤقتة.
الحبس البسيط أو الإقامة الجبرية الجـنحـية بدلا من الحبس مع التشغيل .]
استثنى المشرع تخفيف العقوبة عن الجرائم المرتكبة بدافع سياسي إذا كانت واقعة على أمن الدولة الخارجي وهي الجرائم المحددة فالمواد [ من المادة 263 وحتى المادة 290 ] ورد هذا الاستثناء في المادة 197 :[ 2- ولكن هذه الأحكام لا تطبق على الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي ] .
الدوافع المشددة للعقوبة : وهي الدافع الشائن والدافع الأناني الدنيء ودافع الكسب
الدافع الشائن : ورد في المادة 193 :[ إذا كانت الجريمة المعاقب عليها بالاعتقال المؤبد أو المؤقت أو بالحبس البسيط قد أوحى بها دافع شائن أبدل القاضي :
من الاعتقال المؤبد الأشغال الشاقة المؤبدة .
من الاعتقال المؤقت الأشغال الشاقة المؤقتة .
من الحبس البسيط الحبس مع التشغيل . ]
مثال عن الدافع الشائن : إعطاء الطبيب لمريضه دواء من شأنه التأثير على إرادته لاستغلاله في أعمال يحقق منها مصلحة شخصية .
دافع الكسب : ورد في المادة 194 : [ إذا اقترفت بدافع الكسب جريمة غير معاقب عليها بالغرامة قضي بهذه العقوبة و بالعقوبة المنصوص عليها في القانون معا ] .
مثال : القـتل بدافع الكسب .
الدافع الأناني الدنيء : ورد في المادة 195 ف 2 ذكرت سابقا ومهما كان الدافع دنيء لا يستطيع القاضي الحكم بالإعدام فالمادة صريحة بهذا الخصوص .
صور القصد الجرمي:
كل ما ذكرناه سابقا يتعلق بالقصد الجرمي العام ولكن للقصد الجرمي عدة أشكال سندرسها فيما يلي : يتنوع القصد الجرمي إلى مباشر وغير مباشر ومحدد وغير محدد وعام وخاص وبسيط وعمد .
القصد المباشر وغير المباشر :
للقصد المباشر نوعان : وهما القصد المباشر من الدرجة الأولى والقصد المباشر من الدرجة الثانية
القصد المباشر من الدرجة الأولى : وهو علم يقيني بعناصر الجريمة واتجاه الإرادة إلى السلوك الإجرامي مع الرغبة في وقوع النتيجة الإجرامية كأثر حتمي ولازم لهذا السلوك .
القصد المباشر من الدرجة الثانية : وهو أن ترتبط بالنتيجة الإجرامية المرغوب بها نتيجة أخرى بشكل لازم وحتمي فيكون قصد الجاني بالنسبة لهذه النتيجة قصد مباشر من الدرجة الثانية .
مثال توضيحي: مالك السفينة الذي يفجر سفينته في عرض البحر للحصول على مبلغ التأمين فغرق المسافرون والبحارة , فغرق السفينة قصد مباشر من الدرجة الأولى وغرق المسافرين والبحارة قصد مباشر من الدرجة الثانية .
والتفرقة بين النوعين تفرقة فقهيه لا أثر لها في قيام المسؤولية القصدية في الحالتين .
وأما القصد الاحتمالي ( غير المباشر ) : وهو أن لا يريد الفاعل النتيجة الجرمية بأي شكل من أشكالها المعاقبة ولكنه توقعها وقبل المخاطرة واستمر في انجاز عمله . مثال : من يدس السم في طعام شخص ليقتله وهو يعلم أن شخص آخر قد يتناول الطعام معه فاستمر في تنفيذ جريمته وقبل بالمخاطرة فيكون قصده في قتل الأول مباشر أما قصده في قتل الآخر احتمالي .
محكمة النقض المصرية عرفته بأنه : ( نية ثانوية غير مؤكدة تختلج في نفس الجاني الذي يتوقع أنه قد يتعدى فعله الغرض المنوي عليه بالذات إلى غرض آخر لم ينوه من قبل أصلا فيمضي مع ذلك في تنفيذ الفعل فيصيب به الغرض غير المقصود ....)
وقد نص المشرع السوري على القصد الاحتمالي في المادة 188 :[ تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة ]
ولم يميز المشرع السوري في دور كل من القصد الاحتمالي والمباشر في قيام المسؤولية الجزائية لتساوي الخطورة الإجرامية في الحالتين
ولابد من التمييز بين القصد الاحتمالي والخطأ الشعوري (الواعي )ففي الأول الجاني يريد الفعل و يريد النتيجة الجرمية ويتوقع نتائج أخرى ويقبل المخاطرة ويقدم على الفعل أم ا الخطأ الشعوري فالجاني يريد الفعل إلا أنه لا يريد النتيجة ويتوقع حصول النتيجة ولا يقبل بها ولكنه يقدم على الفعل مراهنا على مهارته في تجنب النتيجة الجرمية .
وفي هذا يقول الدكتور عبد الوهاب حومد : الخطأ الشعوري يقع بين القصد والخطأ المجرد . وكان من العدل أن يعاقب عقوبة وسط يستحقها غير أن الشارع السوري لم يذهب مع الأسف هذا المذهب , واكتفى باعتباره مرتكبا خطأ عاديا , فقال في المادة 190 :[ تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها, وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها ] .
مثال عن الخطأ الشعوري : الطبيب الذي يجري عملية جراحية مع وجود نقص في الأدوات ومع ذلك أقدم على إجراء العملية معتمدا على مهارته وخبراته فمات المريض .
القصد المحدد والقصد غير المحدد :
القصد المحدد ويكون عندما يرد الجاني من فعله تحقيق نتيجة معينة بذاتها كأن يريد الجاني إطلاق النار على شخص معين ليزهق روحه .
وأما القصد غير المحدد ويكون عندما يرتكب الجاني فعله الجرمي ويريد إحداث النتيجة الجرمية إلا أنه لا يعرف حجم هذه النتيجة أي إن الجاني يريد النتيجة إلا أنه لا يستطيع تحديد موضوعها .
ومثاله من يطلق النار على جمع من الناس يريد أن يصيب عدد منهم دون تحديد لشخصياتهم فيكون القصد لديه غير محدد .
ولا توجد أهمية قانونية لتمييز بين النوعين فالقصد الجرمي يتوافر دوما سواء كان موضوع النتيجة محدد أو غير محدد فيكفي لتوافر القصد الجرمي العلم بكافة عناصر الجريمة مع اتجاه الإرادة إلى السلوك الجرمي والنتيجة الجرمية أو قبولها .
القصد العام والقصد الخاص :
القصد العام هو الحد الأدنى من القصد الواجب توافره حتى تكون الجريمة مقصودة ويتكون من العلم والإرادة .فهو مطلوب بجميع الجرائم المقصودة .
ولكن هناك بعض الجرائم التي يشترط المشرع لقيامها توافر قصد خاص إلى جانب القصد العام فالقصد العام وحده لا يكفي .
والقصد الخاص يتألف من علم و إرادة إلا أنه لا ينصرف إلى أركان الجريمة بل إلى وقائع خارجة عن أركان الجريمة
مثال : المادة 576 ق . ع . س : [ كل حريق أو محاولة حريق اقترف بقصد إلحاق ضرر مادي بالغير أو جر مغنم غير مشروع للفاعل أم لآخر يعاقب عليه بالحبس أو الغرامة .]
فحتى تقوم الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة لابد من توافر قصد خاص إلى جانب القصد العام موضوعه إلحاق الضرر المادي بالغير أو جلب مغنم غير مشروع للفاعل أو لآخر .
القصدالبسيط والقصدالعمد : أغلب التشريعات العربية تعبر عن مدلول كلمة القصد قانون العقوبات السوري بكلمة العمد وتعبر عن مدلول كلمة العمد في قانوننا بالعمد عن سبق الإصرار والترصد
وللتفريق بين القصد والعمد في القانون السوري أهمية من حيث العقاب فالمشرع يشدد العقاب في حالة العمد فالقتل المقصود معاقب عليه بالأشغال الشاقة من 15- 20 سنة (المادة 533 )وأما القتل العمد فعقوبته الإعدام ( المادة 535 ).
فماهو مدلول كل من القصد والعمد في القانون السوري :
القصد أو القصد البسيط : هو القصد الجرمي العام المتكون من العلم والإرادة وقد عرفه المشرع السوري في المادة 187 بأنه نية ارتكاب الجريمة على ما عرّفها القانون وقد درسناه فيما تقدم بالتفصيل .
العمد أو القصد المبيت : هو الحالة المشددة من القصد العام .
المشرع السوري لم يعرف العمد .
المشرع المصري عرفه في المادة 231 : [ الإصرار السابق (العمد ) هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جناية أو جنحة يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط ] .
د . حومد عرفه بأنه : تصميم الفاعل على ارتكاب الجريمة , بعد أن فكر فيها و اعد العدة لها , ولم يثنيه عن قراره المشؤوم خوف أو رحمة .
د . قهوجي : هو القصد الذي يتوافر بالنسبة له الهدوء النفسي للجاني والتفكير في الجريمة خلال فترة زمنية تسبق عزمه على تنفيذها .
عرفته محكمة التقض السورية : ( إن عنصر العمد في جريمة القتل لايتم إلا بعد أن يفكر الجاني فيما عزم عليه ويتدبر عواقبه ويصمم على ارتكابه و ويكون لديه متسع من الوقت يكفي لإزالة حالة التوتر والانفعال فيقدم على الجريمة مطمئن النفس هادئ البال . فإن لم يتيسر له التفكير والتدبير وارتكب الجرم تحن تأثير الطيش والغضب فلا يكون ركن العمد متوافرا ) الغرفة الجنائية العسكرية و القرار رقم 687 , تاريخ 18/ 5/1982 و المجموعة الجزائية القاعدة 4524 .
والعمد يتألف من عنصرين : 1- التصميم السابق
2- هدوء البال .
هذا ما وضحته محكمة النقض السورية في قرارها رقم 146 الصادر بتاريخ 26/2 / 1958 عن الغرفة الجنائية (المجموعة الجزائية 2337) حيث تقول : (سبق الإصرار يتكون من عنصرين : الأول التصميم السابق والثاني هدوء البال , بمعنى أن الجاني فكر فيما عزم عليه ورتب وسائله وتدبر عواقبه ثم أقدم على فعلته وهو هادئ البال بعد أن زال عنه تأثير الغضب مما يستنتج من ذلك وجوب سبق الأفعال المادية التي تؤيد العمد لحادثة القتل لا بعده . ..... )
هل العمد مفهوم قانوني وبالتالي تمتد رقابة محكمة النقض للتثبت من توافر حالة العمد أم هو مفهوم موضوعي تختص به محاكم الموضوع بالتالي لا اختصاص لمحكمة النقض بالإشراف عليه ؟
لا يوجد في القانون السوري تحديد لهذه المسألة . أما أحكام محكمة النقض فلا تخلو من التناقض ففي قرارها الصادر عن الغرفة الجنائية رقم 163 بتاريخ 22 نيسان 1950 تقول : ( لما كانت محكمة الأساس عالجت قضية العمد وقضت بثبوته على ضوء التحقيق الذي قامت به ... فإنه لا يدخل في اختصاص محكمة النقض أن تشرف على الحكم من هذه الناحية .... ) وفي قرار آخر صادر عن الهيئة العامة لمحكمة النقض تعطي لنفسها (( الحق في تمحيص الوقائع التي استندت إليها محكمة الأساس في وجود النية وخاصة في مسائل القتل )) قرار رقم 600 تاريخ 24/9 / 1952 منشور مجلة القانون1952 صفحة 760 .
ويرى الدكتور عبد الوهاب حومد أن هذا المذهب (اختصاص محكمة النقض بالإشراف على توافر حالة العمد ) جدير بالتأييد نظريا على الأقل. لأن كلمة العمد واردة في نص القانون فهي مفهوم قانوني بحاجة على تفسير سليم و لأنها كلمة لا تخلو من الغموض . ولأن الاتجاه العالمي هو في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام فلابد من رقابة دقيقة على أحكام محكمة الموضوع الصادرة بالإعدام للتقليل منها وحصرها في الحالات الخطيرة جدا من القتل .
ولابد أخيرا من الإشارة إلى أن العمد لا يكون من شأنه تشديد العقوبة إلا حيث ينص القانون على ذلك .فقد نص القانون على تشديد عقوبة القاتل إذا كان متعمدا( المادة 535 ق .ع ) أما السارق فلا تشدد عقوبته ولو خطط للسرقة وقلّب الرأي فيها لأن القانون لم ينص على ذلك .
وقت توافر القصد الجرمي وإثباته :
أولا : وقت توافر القصد الجرمي :
القاعدة أن القصد الجرمي يكون معاصرا للركن المادي للجريمة , فيجب أن يتوافر وقت السلوك الجرمي ويظل قائما حتى لحظة تحقق النتيجة الجرمية . إلا أنه هناك بعض الحالات التي تخالف هذه القاعدة :
1- القصد يعاصر السلوك دون النتيجة : في هذه الحالة يعتبر القصد الجرمي متوافرا ويسأل الجاني عن جريمة مقصودة لأن العبرة لتوافر القصد الجرمي وقت السلوك الجرمي لأنه الوقت الذي يتحقق فيه الاعتداء على الحق أو المصلحة التي يحميها القانون . فالندم اللاحق لا ينفي القصد الجرمي .
مثال : من يطلق النار على غريمه ويصيبه ثم يندم على فعلته ويسعفه إلا ان غريمه توفي فيسأل هنا عن قتل مقصود .
2- القصد الجرمي لا يتوافر وقت السلوك الجرمي ولكنه يتولد وقت تحقق النتيجة :
هنا يجب التمييز بين وضعين :
الأول : الجاني قادر على منع وقوع النتيجة الجرمية ولم يحل دون وقوعها فوقعت بالفعل يكون مسؤول مسؤولية قصدية .
الثاني : الجاني لا يستطيع منع وقوع النتيجة إما لأنها وقعت فعلا قبل طروء القصد وإما وقعت بعد ذلك ولكن كان لا يستطيع منع وقوعها فمسؤوليته غير مقصودة .
مثال : الصيدلي الذي يخطئ في تركيب الدواء فيضع فيه سم ويسلمه إلى المريض ثم يكتشف خطأه بعد ذلك ولكنه يمتنع عن تنبيه المريض فتحدث الوفاة , فهنا المسؤولية قصدية
أما إذا تنبه الصيدلي لخطأه إلا أنه لم يستطع الوصول للمريض وتنبيه فحدثت النتيجة فهنا يسأل عن جريمة غير مقصودة .
ثانيا : إثبات القصد :
القصد الجرمي أمر باطني يستحيل إثباته بطريق مباشر والسبيل الوحيد للتأكد من توافره الاستدلال على وجوده من المظاهر الخارجية التي تكشف عنه ويستعين القاضي بهذا الخصوص بالأفعال التي صدرت عن الجاني والظروف الخارجية التي أحاطت بها .
ومسألة استخلاص القصد الجرمي مسألة موضوعية بحتة تخضع لتقدير قاضي الموضوع بحسب ما يقوم لديه من الدلائل ولا رقابة لمحكمة النقض عليه طالما أن استخلاصه كان سائغا .
علي عبدا لله الحمادة
جامعة حلب السورية
بحث جامعي سوري جميل اتمنى ان ينال اعجابكم
مقدمة :
لم يكن في المراحل التاريخية الأولى لتطور الحقوق الجزئية من شيء يسمى الركن المعنوي للجريمة فالشخص عندما يقترف فعل مادي مجرم حسب الشريعة التي تحكم مجتمعه كان يعتبر مجرما وتوقع بحقه العقوبة المقررة لذلك الجرم بل أحيانا كانت تفرض بحقه عقوبات جزافية حسب ما يريده الحاكم أو السلطة صاحبة الحق في العقاب , ودون تميز بين عاقل وبين مجنون أو إنسان وحيوان ، ولكن في المراحل التالية لتلك الحقبة أخذت التشريعات الجزائية بالتطور شيئا فشيئا فبدأت تبحث وتهتم بشخصية مقترف الجرم , حتى وصلت إلى مرحلة من التطور حددت فيها الجريمة بثلاث أركان . الركن الأول الركن الشرعي للجريمة ويتمثل بالقاعدة القانونية التي تحدد النموذج القانوني للجريمة حسب ما يضعه المشرع الركن الثاني هو الركن المادي ويتمل بالأفعال المادية المجرمة حسب ما تنص عليه القاعدة القانونية الركن الثالث الركن المعنوي للجريمة وهو الحالة النفسية والذهنية للفاعل أثناء اقترافه للجريمة . فلم تعد التشريعات الجزائية تكتفي بوجود فعل مادي مجرم لقيام المسؤولية الجزائية بحق الفاعل بل لابد من التعرف على الحالة النفسية للفاعل المرافقة لاقترافه الجرم والتي من خلالها يستطيع القاضي التعرف إلى مدى خطورة الفاعل والعقوبة المناسبة للحد من خطورته إصلاح حاله إن أمكن .
مفهوم الركن المعنوي و أهميته :
يمكننا أن نتعرف على مفهوم الركن المعنوي من خلال المثال التالي :
إذا فرضنا أنه لدينا قاتلين الأول أقدم على قتل رئيسه في العمل ليحتل موقعه الوظيفي والثاني قتل شخص آخر كان يهدده في حياته بشكل مباشر وحال ولم يكن أمامه من سبيل للمحافظة على حياته سوا أن يعاجل مهدده بضربة فقتله .
ليس من المنطقي أن نعتبر كل من القاتلين قاتلين من نفس الدرجة ونفرض بحقهم نفس العقوبة فهذا بعيد كل البعد عن منطق العدالة فالقاتل الأول تنم جريمته عن حاله نفسية وذهنية غير سليمة وليست طبيعية فالإنسان الطبيعي لا يقدم على قتل رئيسه في العمل ليتولى منصبه الوظيفي بل يثبت نفسه من خلال كفائتة وقدراته وانه أجدر من غيره بهذا المنصب ومن هنا لابد من بحث حالته النفسية والذهنية ومعالجتها بالوسائل المناسبة وعقوبته بالتأكيد ستكون مختلفة تماما عن عقوبة القاتل الثاني الذي أقدم على قتل المجني دفاعا عن النفس وهذا سلوك طبيعي لكل إنسان فكل منا يسعى للحفاظ على حياته بكل الوسائل المتاحة لديه حتى لو أقدم على قتل آخر وجميع القوانين الجزائية تحفظ له هذا الحق .
نخلص إذا إلى أنه لابد من التميز بين المسؤولية الجزائية للجناة كل حسب حالته النفسية والذهنية المرافقة لارتكابه للجرم ومن هنا يكون للركن المعنوي أهمية خاصة تتمثل في تحقيق العدالة بالعقوبات المفروض والأحكام الصادرة عن القضاء والكشف عن المجرمين الخطرين وتصنيفهم في فئات كل حسب خطورته للتميز في معاملتهم سواء في الأماكن التي يسجنون فيها أو أساليب العلاج لأن عدم التمييز في هذه الأمور ستؤدي لارتفاع درجة خطورة فئة المجرمين الأقل خطورة
تعريف الركن المعنوي :
غالبية القوانين المعاصرة لم تتصد لتعريف حالات الركن المعنوي بل تركت هذه المهمة للفقه والاجتهاد يتنازع تحديد جوهر الركن المعنوي للجريمة نظريتان هما النظرية النفسية و النظرية المعيارية .
النظرية النفسية : وتحصر الركن المعنوي في العلاقة النفسية بين الفرد وبين السلوك الذي يسبب في نتيجة إرادية أو غير إرادية ولو لم يكن توقعها طالما أنها يمكن توقعها .أما النظرية المعيارية فترى أن الركن المعنوي يتألف بالإضافة إلى العناصر النفسية المتمثلة بالإرادة من عناصر معيارية تتمثل في القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها التي تعطي تلك الإرادة الصفة الجرمية .
تقيم النظريتين من وجهة نظر د. علي عبد القادر القهوجي : يعتقد د. قهوجي بأن( النظرية النفسية تتميز بالبساطة والوضوح كما أنها تتفق وحقيقة الركن المعنوي . فالقانون الجنائي - والكلام للدكتور قهوجي- لا يعاقب على ما يجيش في النفوس من نوايا إجرامية إنما يتدخل حينما تتجسد تلك النوايا في أعمال مادية ملموسة أي أن هذه الأعمال انعكاس للحالة النفسية ومنها تستمد تلك الحالة صفتها الإجرامية . ويضاف إلى ذلك أن تكييف الإرادة أو وصفها بأنها غير مشروعة يضيف إلى الركن المعنوي ما ليس منه . كما أن منطق النظرية المعيارية يقود إلى اعتبار الأهلية الجنائية عنصر من عناصر الركن المعنوي ,ومن المعلوم أن الأهلية الجنائية ومعها المسؤولية الجزائية على اعتبار أن الأهلية الجنائية شرط لازم لقيام المسؤولية الجزائية لا يتم البحث فيهما إلا بشكل تال لوقوع الجريمة وتوافر ركنيها المادي والمعنوي ولهذا يتعين الفصل بين الركن المعنوي والأهلية الجنائية فلا تدخل الثانية ضمن عناصر الأولى ) .
عرف د. علي عبد القادر القهوجي الركن المعنوي بأنه : الرابطة النفسية بين السلوك الإجرامي و نتائجه وبين الفاعل الذي ارتكب هذا السلوك . بتعبير آخر للدكتور قهوجي : هو العناصر النفسية لماديات الجريمة والسيطرة عليها .
عرف الدكتور عبد العزيز الحسن الركن المعنوي بأنه : نشاط ذهني نفسي جوهره الإرادة الجرمية.
تعريف د. حسن ربيع : هو الإرادة الجرمية التي تسيطر على ماديات الجريمة وتبعثها إلى الوجود .
وهناك رأي للدكتور عبد الوهاب حومد يقول فيه : طالما أن الفعل المادي ثمرة الركن المعنوي في العادة فإن تحديد المراد به -الفعل المادي - أمر جوهري لتحديد المساءلة المعنوية وتحديد العقوبة . فيمكننا القول بأن الركن المعنوي هو السبب المنشئ للسلوك المادي الإجرامي ومعيار أساسي في تحديد المسؤولية الجزائية وتحديد العقوبة .
التميز بين الركن المعنوي للجريمة ومعنويات الجريمة :
الركن المعنوي جزء من معنويات الجريمة فمعنويات الجريمة تشمل كل ماله ارتباط بالحالة العقلية والنفسية للجاني وتتكومن معنويات الجريمة من :
• الركن المعنوي : وهو العناصر العقلية والنفسية التي يعينها المشرع في النموذج القانوني للجريمة
• شرطي المسؤولية الجزائية : الإدراك والاختيار
1. الإدراك : حالة عقلية تتعلق بسلامة العقل أو ضعفه أو اعتلاله
2. حرية الاختيار : حالة نفسية تتعلق بمدى استقلال الإرادة عن القوى الخارجية المؤثرة فيها
والركن المعنوي للجريمة يتم البحث فيه وقت وقوع الجريمة أما المسؤولية الجزائية فيتم البحث عنها بعد وقوع الجريمة لتحديد ما إذا كان الفاعل أهل للمسؤولية الجزائية أم لا .
من مجمل التعاريف السابقة نجد أن الركن المعنوي ليس إلا الحالة النفسية و الذهنية للفاعل عند ارتكابه لجريمته فإذا كانت حالته الذهنية والنفسية متجهه لارتكاب الجريمة يكون قد ارتكب جريمة مقصودة يتخذ ركنها صورة القصد أما إذا لم تك متجهه لارتكابها وكان الفاعل قد أقدم على ارتكابها خطأ فتكون جريمته غير مقصودة ويتخذ ركنها المعنوي صورة الخطأ .
صورتي الركن المعنوي :
الصورة الأولى :
القصد الجرمي
القاعدة أن تكون الجرائم مقصودة والاستثناء على هذه القاعدة الجرائم غير المقصودة والقسم الأهم من الجرائم هي الجرائم المقصودة نظرا لما يظهر منها من خطورة على سلامة الأفراد والمجتمع على حد سواء . فلدراسة القصد الجرمي بعناصره وصوره أهمية بالغة .
- مفهوم القصد الجرمي : الفقه الجنائي منقسم في شأن مفهومه للقصد الجرمي على نظريتين : نظرية الإرادة و نظرية العلم .
نظرية الإرادة :ترى أن القصد الجرمي لا يقوم إلا إذا توافرت للفاعل إرادة الفعل الإجرامي و إرادة النتيجة على حد سواء مع العلم بكافة العناصر التي يتكون منها الركن المادي للجريمة .
نظرية العلم : وترى أنه يكفي لقيام القصد الجرمي أن يريد الفاعل الفعل الجرمي مع توافر علمه بكافة العناصر الأخرى المشكلة للركن المادي للجريمة . أي أن هذه النظرية تستبعد إرادة النتيجة من عناصر القصد الجرمي وتكتفي بمجرد العلم بعناصر الركن المادي ومنها النتيجة بطبيعة الحال إلى جانب إرادة الفعل فقط . مثال : في جريمة القتل يتألف القصد الجرمي من العلم بأن محل الجريمة إنسان حي وبأن من شأن الفعل إحداث الوفاة فأقصى ما يتألف منه القصد الجرمي في هذا المثال هو إرادة فعل القتل دون أن تشمل تلك الإرادة الوفاة ولا يغني عن ذلك توافر علم الجاني حتى لو كان علمه يقنيا بأن من شأن فعله إحداث الوفاة لأن العلم اليقيني لا يحل محل الإرادة بل كل ما هنالك أن القصد يصبح مباشرا حيث أنه إذا كان هذا العلم توقعا صار به القصد احتماليا أو غير مباشر .
وجه الخلاف الحقيقي بين النظريتين ينحصر في تتطلب نظرية الإرادة ثبوت اتجاه الإرادة إلى إحداث النتيجة وإلى الوقائع المشكلة للركن المادي للجريمة بينما لتتطلب نظرية العلم ذلك و تكتفي بعلم الفاعل بأن من شأن الفعل الذي يقدم عليه إحداث النتيجة الجرمية ولاتشترط ثبوت اتجاه إرادته لإحداث النتيجة . ويرجع سبب الخلاف على عدم اتفاق أنصار كل من النظريتين على تحديد مفهوم الإرادة فأنصار نظرية الإرادة يرون بأن الإرادة هي نشاط نفساني يوجهه صاحبه إلى غاية معينة دون أن يتطلب ذلك السيطرة على سبل تحقيق هذه الغاية , بينما يرى أنصار نظرية العلم أن الإرادة هي السبب المنشئ للفعل والإرادة بهذا المعنى تفترض امتلاك صاحبها السيطرة على سبل تحقيق الفعل أي قدرته على إحداثه من عدمه.
مبررات كل من النظريتين من وجهة نظر أنصارهما :
يقول الدكتور أحمد أبو الروس وهو من أنصار نظرية العلم : ( الإرادة يمكن أن يكون لها السيطرة على إحداث الفعل عن طريق التأثير على أعضاء الجسم ودفعه إلى إتيان الحركات العضوية التي يتطلبها إحداث الفعل , أما النتيجة فلا تملك الإرادة القدرة على إحداثها من عدمه لأن حدوثها إنما هو - وهنا يستشهد بقول للدكتور نجيب الحسيني في إحدى مقالاته - (( ثمرة لتفاعل قوانين طبيعية حتمية لا سيطرة لإرادة الإنسان عليها )) ولأن القول باتجاه الإرادة إلى إحداث النتيجة - د. حسيني - ((قول يفترض إثبات سيطرة الجاني على القوانين الطبيعية وهو إثبات يستحيل على العقل تصوره )) اللهم إلا إذا فهمت الإرادة بمعنى الرغبة وهو قول خطير لأنه يؤدي إلى عدم مسؤولية الجناة عن النتائج التي لا يرغبون فيها مسؤولية عمدية (قصدية ) وهومايتعارض مع ما استقر عليه الفقه والقضاء . فمن ينسف سفينة في عرض البحر ليحصل على مبلغ التأمين عليها فيترتب على فعلته هلاك المسافرين يسأل عن وفاتهم مسؤولية عمدية ( قصدية ) ولو لم يكن راغبا في إهلاكهم .كما أن إدخال النتيجة كعنصر في القصد من شأنه إعجاز فكرة القصد الجنائي عن استيعاب صفة العمد ( القصد ) في الجرائم التي يكون فيها محل التجريم هو السلوك المجرد (الجرائم عير ذات نتيجة ) كحمل سلاح غير مرخص وهنا تظهر عدم سلامة نظرية الإرادة فصلاحيتها تقف عند حدود الجرائم ذات النتيجة
أما بالنسبة للوقائع الأخرى التي تدخل في تركيب الركن المادي فلا يجوز منطقيا اعتبارها موضوع لإرادة الجاني .إذ كيف يستساغ القول بأن إرادة الجاني قد اتجهت إلى إحداث هذه الوقائع وهي سابقة في وجودها على الفعل بل وأحيانا على وجود الجاني )
ويخلص د . أبو الروس إلى النتيجة التالية : ( والواقع أن النشاط المادي الفعل أو الامتناع هو وحده الذي يصلح لكي يكون محل للإرادة فمن يطلق عيارا ناريا في صدر أخر يريد ولا شك إطلاق العيار و أما الوفاة الناتجة عن هذا الفعل فليست محلا للإرادة و إن كانت غرضا أو غاية من الفعل . ولا يقال أنه مادامت الإرادة وراء الفعل ومادام الفعل سبب الوفاة تكون الإرادة سبب النتيجة لأن نية القتل – في المثال السابق – شيء وإرادة الفعل الذي سبب القتل شيء آخر والقول بأن الوفاة محلا للإرادة إذا كان الفعل الذي سببها إراديا سيؤدي إلى هدم الحدود بين القتل العمد ( القصد ) والقتل الخطأ لأن الفعل والامتناع المؤدي إلى الوفاة هو إرادي في الجريمتين ) .
يقول د. علي عبد القادر القهوجي وهو من أنصار نظرية الإرادة : ( الواقع أن نظرية الإرادة تفضل على نظرية العلم لأنها تضفي على فكرة القصد الجنائي وضوحا لا يتوفر بالنسبة لنظرية العلم , إذ تسمح بالتمييز بين القصد والخطأ غير المقصود , فضلا عن أن الإرادة نشاط نفسي يمكن وصفه بمخالفة القانون أما العلم سكون لا يستساغ وصفه بمخالفة القانون ) .
- تعريف القصد الجرمي :
عرف الأستاذ غارسون القصد الجرمي – وهو مصدر التعريف الذي أخذ به المشرع السوري - بأنه : إرادة ارتكاب فعل يعرف الفاعل أنه ممنوع في القانون الجزائي أو الامتناع عن فعل يعرف الفاعل أن القانون يأمر بفعله .
عرف د . عبد الوهاب حومد القصد الجنائي : المراد به النية وهو توجيه إرادة الفاعل نحو ارتكاب فعل أو امتناع يدرك تماما أنه ينتهك به حرمة النصوص القانونية .
عرّفه د . علي عبد القادر القهوجي بأنه : العلم بعناصر الجريمة كما هي محددة في نموذجها القانوني و إرادة متجهه إلى تحقيق هذه العناصر أو قبولها .
عرّفه د . أحمد أبو الروس : اتجاه الإرادة إلى إحداث الفعل الجرمي, مع علمه بالعناصر الأخرى المكونة للركن المادي للجريمة .
و أما القوانين الوضعية الحالية فمعظمها إن لم تك كلها فقد أخذت بنظرية الإرادة .
فقد عرف قانون الجزاء الكويتي / قانون رقم 16 لسنة 1960 / القصد الجنائي في المادة 41 : ( يعد القصد الجنائي متوافرا إذا ثبت اتجاه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة وإلى إحداث النتيجة الجرمية التي يعاقب القانون عليها في هذه الجريمة .
ولا عبرة للباعث الدافع إلى ارتكاب الفعل في توافر القصد الجنائي , إلا إذا قضى القانون بخلاف ذلك).
قانون الجزاء القطري ( قانون رقم : 11/ 2004 ) المادة 32 : [ يتكون الركن المعنوي من العمد والخطأ . يتوفر العمد باتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل أو امتناع عن فعل بقصد إحداث النتيجة التي يعاقب عليها القانون بسبب خطأ الجاني سواء كان هذا الخطأ بسبب الإهمال أو عدم الانتباه أو عدم الاحتياط أو الطيش أو عدم مراعاة القوانين أو اللوائح ]
قانون العقوبات الأردني لسنة 1960 المادة 63 : [ النية هي إرادة ارتكاب الجريمة على ماعرّفها القانون ]
قانون العقوبات اللبناني المادة 188 : [النية إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرّفها القانون ]
قانون العقوبات المصري
وأما بالنسبة لقانون العقوبات السوري : يقول د . عبد الوهاب حومد (غالبية قوانين العقوبات ابتعدت عن إعطاء تعريف محدد للقصد وفضلت أن تترك لمحاكم الموضوع مسألة استخلاصه من الوقائع المعروضة عليها . غير أن المشرع السوري خالف في ذلك , وعرف بعض عناصر الركن المعنوي كالنية ( القصد ) متأثرا في ذلك بالشارع اللبناني , فقد عرف النية في المادة 187 بأنها : ( إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون ) وهو تعريف مأخوذ عن تعريف الأستاذ غرسون .
وقد تقيدت محكمة النقض بالتعريف القانوني في أحكامها فعرفت النية الجرمية بأنها : ( يكون الجرم مقصودا عندما يقدم عليه فاعله مريدا نتائجه ) . النقض , الغرفة الجنائية , القرار رقم 189 تاريخ19/ 3/ 1962 المجموعة الجزائية رقم 1226
ومن الواضح أن التعريف الذي أخذ به مشرعنا قد قصر القصد الجرمي على الإرادة دون العلم ولكن د . قهوجي يقول في شرح م 188 ق .ع . ل المتضمنة تعريف القصد الجرمي وهو نفس التعريف الذي أخذ به القانون السوري (( التحليل الدقيق لفكرة القصد يثبت أن الإرادة لا تتوافر عقلا ولا يتاح لها أداء دورها في بنيان القصد ما لم تكن مستندة إلى العلم وهكذا يتكون القصد الجرمي من عنصرين هما العلم والإرادة )) . (( ويسلم الفقه والقضاء بأن القصد الجنائي يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة , إلا إن الفقه انقسم بشأن الدور الذي يلعبه كل من العلم والإرادة في بنيان القصد إلى نظريتين هما : نظرية العلم ونظرية الإرادة ))
العلم:
القاعدة : أنه حتى يقوم القصد الجرمي لابد أن يكون الجاني عالما بجميع العناصر القانونية للجريمة فإذا انتفى عنصر العلم بسبب الجهل أو الغلط ينتفي القصد الجرمي بدوره . وهذه القاعدة ليست مطلقة بل يرد عليها العديد من الاستثناءات . وسندرس هذه القاعدة وتلك الاستثناءات في المبحثين التاليين : المبحث الأول نخصصه لتحديد موضوع العلم الذي يقوم به القصد الجرمي و المبحث الثاني ندرس فيه أثر الجهل والغلط على العلم وبالتالي على قيام القصد الجرمي .
المبحث الأول :
موضوع العلم الذي يقوم به القصد الجنائي :قلنا سابقا أنه حتى يتوافر القصد الجرمي لدى الفاعل يجب ان يكون عالما بجميع العناصر الأساسية للجريمة فما هي العناصر التي يوجب القانون توافر علم الجاني بها حتى يقوم القصد الجرمي في جريمته وما هي تلك العناصر التي لا يؤثر عدم علمه بها على قصده الجرمي .
1 - العناصر التي يوجب القانون العلم بها : أهم هذه العناصر هي الفعل – النتيجة- الحق المعتدى عليه - والظروف التي تدخل في تكوين الجريمة
العلم بطبيعة الفعل : فمن يضع سم في طعام شخص يجب أن يعلم أن هذه المادة سم قاتل موجه إلى إنسان حي .
العلم بطبيعة النتيجة : يجب أن يعلم الفاعل أن من شأن الفعل الذي يقدم عليه أن يحدث النتيجة الجرمية فمن يطلق عيارا ناريا باتجاه آخر يجب أن يكون على علم أنه من شأن فعله هذا إزهاق روح ذلك الشخص ولا يشترط بأن يكون علمه يقينيا بل يكفي إن يتوقع النتيجة ويقبل المخاطرة .و بالنسبة للنتائج غير المباشرة فلا يؤثر عدم العلم بها على قيام القصد الجرمي فلا يشترط علم الجاني في المثال السابق بأن فعله سيؤدي إلى إلحاق أضرار مادية أو معنوية بأهل المجني عليه .
العلم بموضوع الحق المعتدى عليه : الطبيب الذي يقوم بتشريح جثة رجل ظنا منه أن صاحبها ميت وتبين فيما بعد أن الرجل كان حي إلا أنه أصيب بحالة في حالة إغماء و أن أعمال التشريح التي قام بها الطبيب كانت سبب الوفاة . فهنا لا يتوافر القصد لدى الطبيب لانتفاء علمه بصفة الحياة وإن أمكن مسألته عن جريمة قتل غير مقصودة إذا توافرت أركانها .
العلم بالظروف التي تدخل في تكوين الجريمة : وأهم هذه الظروف ظرف المكان – ظرف الزمان– صفة المجني عليه– صفة أو تكييف لبعض الوقائع – الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة .
بالنسبة لظرف المكان : بعض الجرائم يدخل في عناصرها القانونية الأساسية كما حددها المشرع صفة المكان , فلا تقوم هذه الجرائم إلا إذا ارتكبت في مكان معين يحدده المشرع . فلابد أن يكون المجرم يعلم وقت ارتكابه لجريمته أنه يقترف فعلا مجرما في هذا المكان , فالشخص الذي يعتدي على موظف في مكان عمله لابد أن يعلم أن هذا المكان هو المكان الذي يعمل فيه , أما إذا لم يكن يعلم ففي هذه الحالة ينتفي القصد الجرمي الذي تقوم به جريمة الاعتداء على موظف عام في مكان عمله و إنما يسأل عن جريمة اعتداء على شخص عادي .
الجرائم التي ترتكب في زمن معين : المادة 285 [ من قام في سورية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أ إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت ] .
هذه المادة تعاقب عل الأفعال التي تنال من هيبة الدولة والشعور القومي زمن الحرب أو عند توقع نشوبها فإذا أرتكبت هذه الأفعال من قبل شخص زمن الحرب أو عند توقع نشوبها دون أن يعلم أن البلاد في حالة حرب أو أن هناك حرب على الأبواب فلا تطبق هذه المادة على فعله لأن المادة السابقة تحدد عنصر الزمن كعنصر أساسي من عناصر هذه الجريمة .
صفة المجني عليه : يشترط في جريمة الإجهاض صفة الحمل في المجني عليها , فلا يسأل شخص عن إجهاضه امرأة حامل إلا إذا كان عالما بحملها .
صفة أو تكييف لبعض الوقائع : في جريمة السرقة يجب أن يعلم الشخص أن المال مملوك للغير فإذا ظن أن هذا المال مباح فلا يسأل عن جريمة سرقة لانتفاء القصد الجرمي لديه فمن يأخذ شيء ما وجده في الشارع ظنا منه أنه شيء مهمل فتبين فيما بعد أنه ملك لصاحب المحل المجاور لا يعتبر سارقا لانتفاء القصد الجرمي لديه . الأجنبي الذي يقبل فتاة في سورية يعتبر فعله منافيا للحياء حسب عاداتنا وتقاليدنا إلا أن عادات مجتمعه وتقاليده لا تعتبرها كذاك بالتالي ينتفي قصده الجرمي لجهله بعادات وتقاليد مجتمعنا .
الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة : تعتبر هذه الظروف من العناصر التي تدخل في تكوين الجريمة لأنها تغير من الوصف القانوني للجريمة وتنقلها إلى مجموعة أخرى من الجرائم بالتالي تخضع إلى نص قانوني مختلف عن النص الذي كانت تخضع له وهي متجردة من مثل هذه الظروف بالتالي يجب أن يعلم الجاني بالظرف المشدد حتى يتوافر القصد الجرمي لديه بالنسبة لهذا الظرف . فالسرقة البسيطة بالتكييف القانوني تعتبر جنحة إلا أنها إذا ترافقت مع العنف تغيرت طبيعتها بفعل الظرف المشدد ( العنف ) وأصبحت جناية سرقة بالعنف فالسارق الذي يقدم على حركة غير مقصودة آذى بها المجني عليه لا يسأل عن سرقة بعنف وإنما عن سرقة بسيطة
فالفاعل الذي يجهل أحد العناصر الأساسية للجريمة كما حددها المشرع في النموذج القانوني للجريمة ينتفي لديه عنصر العلم اللازم لقيام القصد الجرمي في جريمته . فلا تطبق عليه أحكام هذه الجرائم وإن كان من الممكن أن يسأل على أساس الخطأ .
2- العناصر التي لا يتطلب القانون العلم بها : وهي العناصر الثانوية التي لا تؤثر على قيام الجريمة والمسؤولية عنها وهذه العناصر يسأل عنها الجاني سواء علم بها أم لم يعلم هي :
عناصر الأهلية الجزائية : وهي الشروط التي يوجبها القانون للاعتداد بإرادة الجاني وتتمثل في عنصري الإدراك والتمييز وهذه الشروط يسأل عنها الفاعل ولو لم يعلم بها لأن عناصر الأهلية الجزائية للجاني هي أمر يتصل بالتكييف القانوني للإرادة وفقا لقواعد موضوعية يخاطب المشرع بها القاضي دون أن يكون للمتهم شأن في ذلك . فالشخص الذي يقترف جريمته وهو يعتقد أنه مصاب بالجنون وثبت للقاضي أنه مكتمل القوى العقلية فإن القصد الجرمي يعد متوافرا لديه . والمجرم الذي يعتقد أنه دون سن المسؤولية الجزائية وهو ليس كذلك يتوافر لديه القصد الجرمي أيضا .
شروط العقاب : وهي الشروط التي يجب توافرها لفرض العقوبة . لاتدخل في العناصر المكونة للجريمة .
الظروف المشددة للعقاب : ويقتصر أثرها على العقوبة ولا تدخل في العناصر المكونة للجريمة ولا تغير من وصفها القانوني . فيسأل عنها الفاعل وإن لم يعلم بها مثال ذلك حالة التكرار فالذي يرتكب جريمة سرقة مع سبق الحكم عليه بعدة عقوبات كافية لتوافر حالة التكرار في حقه تشدد عليه العقوبة حتى لو كان جاهلا وقت ارتكاب السرقة بأنه يعتبر مكررا بارتكابها .
النتائج المتجاوزة قصد الجاني : إذا قصد الجاني نتيجة معينة من جنايته ونتج عنها نتيجة أخرى تجاوزت قصده أشد جسامة. فالقانون يحمله تبعة هذه النتيجة وإن لم يتوقعها فيكفي أن يكون قد توقع النتيجة الأقل جسامة . فالجاني الذي يقدم على الاعتداء على السلامة الجسدية للمجني عليه فيتسبب بوفاته فغنه يسأل عن جريمة قتل وإن لم يتوقع وفاة المجني عليه
بقول د . عبد الوهاب حومد : على الرغم من الخلاف بين تجاوز القصد وبين حدوث نتائج مغايرة للقصد , فإنها كلها يجب أن تعامل معاملة واحدة من حيث تحميل المسؤولية مرتكب الجريمة المقصودة , وذلك بأخذ العمد أو القصد منطلقا أما النتائج فإنها لا تغيير منها شيئا .
وقد حل قانوننا هذه المسألة حلا صريحا في المادة 188 ق. ع التي تقول : (( تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة ))
فالذي يطلق النار على شخص بقصد إصابته في يده فتنحرف الرصاصة أو يتحرك الضحية فتصيب الرصاصة القلب فيموت فالفاعل يجب أن يسأل عن جريمة قتل .
المبحث الثاني :
أثر الجهل أو الغلط على توافر القصد الجرمي :
قلنا أن علم الجاني يجب أن ينصب على جميع العناصر الأساسية للجريمة وهذه العناصر يمكن أن تكون قانونية أو مادية فما هو أثر الجهل أو الغلط عندما يصيب أحد هذه العناصر على القصد الجرمي للجاني
ما هو الجهل وما هو الغلط ؟ .
الجهل : يعني انتفاء العلم بقاعدة قانونية أو واقعة مادية .
الغلط : هو انتفاء العلم بحقيقة القاعدة القانونية أو الواقعة المادية .
في البداية يجب أن نلاحظ أن قانون العقوبات السوري استعمل في القسم الثاني ( موانع العقاب ) تعبير الغلط كعنوان للفصل الأول , ثم تحدث عن الغلط القانوني ( المادة 222 ) والغلط المادي ( المادة 223) . ومع ذلك عندما تكلم عن الغلط القانوني سماه جهل القانون مما يدل على أن تعبير الغلط ينطبق على جهل القانون وعلى الغلط في الوقائع . ولذلك سنستعمل في بحثنا كلمة الغلط ونحن نقصد بها الجهل والغلط معا .
الغلط المادي : عالج المشرع موضوع الغلط المادي ( في الوقائع ) في المواد (223 - 224) من قانون العقوبات .
ويقع الغلط المادي في الجريمة المقصودة في أربع حالات :
1. غلط واقع على أحد العناصر المكونة للجريمة .
2. غلط واقع على أحد الظروف الفرعية للجريمة .
3. غلط واقع على هوية المجني عليه .
4. الغلط في النتائج .
الغلط الواقع على أحد العناصر المكونة للجريمة : وهو ما يعرف في الفقه بالغلط الجوهري وهذا الغلط ينفي وجود النية الجرمية وبالتالي يمحو المسؤولية . ولذلك فهو لا يتصور إلا في الجرائم المقصودة. فالشخص الذي يرجوه شيخ هرم بمعاونته في حمل حقيبته وهو يجهل ما فيها وتبين لاحقا أنها مسروقة , فإذا لم يمكن أن ينسب إليه أي خطأ كأن يكون كل إنسان عادي يمكن أن يقع فيما وقع فيه , فلا مسؤولية عليه , أما إذا أمكن نسبة الخطأ إليه فإنه يسأل عن نتيجة هذا الخطأ وحده .
وكذلك الصياد الذي يطلق النار على حيوان يراه من بعد فيصيب شخص كان يتجول في الجوار فيقتله فهنا ينتفي القصد لدى الصياد لأنه وقع في غلط جوهري ينصب عل أحد العناصر الداخلة في تكوين جريمة القتل وهو كون موضوع الحق المعتدى عليه حياة إنسان , وفي هذه الحالة لا يسأل الصياد عن جريمة قتل مقصود وأما إذا أمكن نسبة خطأ ما للصياد أدى إلى وقوعه في هذا الغلط الجوهري . هنا يسأل عن جريمة قتل غير مقصود . أما إذا لم تتوافر أركان الخطأ فلا يسأل الصياد أبدا لأن الغلط المتجرد من الخطأ ينفي المسؤولية غير المقصودة أيضا .
وهذا ما نصت عليه المادة 223 : [ 1- لا يعاقب كفاعل أو محرض أو متدخل في جريمة مقصودة من أقدم على الفعل بعامل غلط مادي واقع على أحد العناصر المكونة للجريمة .]
الغلط الواقع على أحد الظروف الفرعية للجريمة : كالأعذار القانونية المحلة والمخففة والأسباب المشددة . فالغلط الواقع على أحد الأعذار القانونية يستفيد منه المجرم ولو كان يجهله , وأما إذا كان الغلط واقعا على أحد الظروف المشددة فإن المجرم لا يسأل عن التشديد .
فمن يخفي صهرا له فار من وجه العدالة , وهو لا يعلم بأن القانون يعفيه من المسؤولية عن إخفاءه , يستفيد من هذا العذر بالرغم من جهله به .
والخادم الذي يسرق من بيت سيده أشياء يظنها للضيف وهو أجنبي وتبين لاحقا أنها لسيده . لاتشدد عقوبته .
وسند هذا في القانون السوري المادة223ق.ع[ 2- إذا وقع الغلط على أحد الظروف المشددة لا يكون المجرم مسؤول عن هذا الظرف وهو بعكس ذلك يستفيد من العذر الذي يجهل وجوده ]
الغلط الواقع على هوية المجني عليه : لا يعتبر هذا الغلط غلطا جوهريا فلا يؤثر على قصد الجاني . فإذا أراد زيد قتل عمر فأصاب شخص آخر فقتله فيسأل زيد عن جريمة قتل مقصود بالنسبة للشخص الذي قتله وجريمة شروع بالقتل بالنسبة لعمر .
وسند هذا في القانون السوري المادة 205 ق . ع : [ 1- إذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد ] .
وهذا ما تبنته محكمة النقض السورية في أحكامها : [ لما كان من المتفق عليه علما و اجتهادا أن من يقصد قتل شخص بإطلاق النار عليه فيصيب شخص آخر وهو لا يريد إصابته فيقتله فإن القتل يعد مقرونا بالقصد .. ] تا 16/12 / 951 مجلة القانون صفحة 103
الغلط في النتائج : من أخرق منزل ليهدمه فتسبب في مقتل شخص كان بداخله يأل عن النتيجة سواء توقعها أم لم يتوقعها فإذا توقعه وقبل بالمخاطرة كانت جريمته مقصودة و إذا لم يتوقعه وتوافرت لديه أركان الخطأ كانت جريمته غير مقصودة .
الغلط القانوني :عالج المشرّع الغلط القانوني في المادة 222 ق.ع حيث رفض المشرع الاحتجاج بجهل القوانين الجزائية أو تأويلها بصورة مغلوطة ووضع استثناءين على هذا الرفض و ضيق من هذين الاستثناءات ولم يسمح بالتوسع بها على خلا المشرع اللبناني والقضاء المصري و الفرنسي .
فجاء في نص المادة 222 ق.ع : [ 1- لا يمكن أحد أن يحتج بجهله القانون الجزائي أو تأويله إياه تأويلا مغلوطا .
2- غير أنه يعد مانعا للعقاب :
أ - الجهل بقانون جديد إذا أقترف الجرم خلال الأيام الثلاثة التي تلت نشره .
ب - جهل الأجنبي الذي قدم سورية منذ ثلاثة أيام على الأكثر بوجود جريمة مخالفة للقوانين الوضعية لا تعاقب عليها قوانين بلاده أو قوانين البلاد التي كان مقيما فيها ] .
فالمشرع السوري افترض علم الجميع بالقانون الجزائي بعد أن أتاح الفرصة لهم بالإطلاع عليه بعد نشره في الجريدة الرسمية . فالقصد الجرمي للجاني يتوافر لديه سواء علم بنصوص القانون الجزائي أم لم يعلم بها وسواء إذا وقع في غلط بحقيقتها أم لا. ويرد على هذا استثناءين :
الجهل بالقانون الجديد : يعد الجهل بالقانون الجديد مانعا للعقاب إذا توافرت الشروط التالية :
1. يجب أن يكون القانون الجديد قد تقرر العمل به فور نشره أو خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام فإذا كان قد تقرر العمل به بعد تجاوز تلك المدة لا ينطبق هذا النص .
2. أن يكون ارتكاب الجريمة قد تم خلال الأيام الثلاثة التالية لنشر القانون الجديد ولا يشترط أن تتحقق النتيجة في تلك المدة بل يجوز أن تتحقق بعد انقضائها والمهم في الأمر أن ترتكب الأفعال المجرمة خلال المدة المحددة .
جهل الأجنبي بقا نون البلاد : حتى يستطيع الأجنبي الاحتجاج بجهله بالقانون يجب أن تتوافر الشروط التالية :
1. أن يكون الجاني أجنبيا لا يتمتع بالجنسية السورية .
2. أن يكون قد ارتكب الفعل المجرم خلا ثلاثة أيام من تاريخ وصوله إلى البلاد .
3. أن يكون الفعل غير مجرم طبقا لقانون الدولة التي يحمل جنيتها أو قانون الدولة التي قدم منها .
ويجب أن نلاحظ أن المشرع اللبناني أضاف استثناء ثالث وهو الجهل أو الغلط الواقع على شريعة مدنية أو إدارية يتوقف عليها فرض عقوبة .
وقد أخذ القضاء المصري بهذا الغلط دون وجود نص تشريعي فقد برأ القضاء المصري زوجا وشهودا شهدوا له بعدم وجود موانع تمنع زواجه , وكانوا يجهلون أنه لا يجوز لشخص أن يتزوج خالة زوجته.
وبرأت محكمة باريس عاملا وجد كنزا في عقار يملكه غيره فتملكه معتقدا أنه دخل في ملكيته وهو يجهل أن القانون يعطيه نصفه فقط .
العنصر الثاني من عناصر القصد الجرمي :
الإرادة
وجدنا سابقا أن المشرع السوري أخذ بنظرية الإرادة فيما يتعلق بالقصد الجرمي و أهمل نظرية العلم فحتى يتوافر القصد الجرمي لدى الجاني يجب أن تتجه إرادته إلى الفعل والنتيجة على السواء . والإرادة تأتي بعد العلم فالجاني بعد أن يتيقن من طبيعة الفعل الذي سيقدم عليه ويدرك أبعاده والنتائج المترتبة عليه يتخذ قرارا إراديا ببدء التنفيذ هذ ما يتعلق بالجريمة المقصودة .
عرّف د. قهوجي الإرادة بأنها : عبارة عن قوة نفسية أو نشاط نفسي يوجه كل أعضاء الجسم أو بعضها نحو تحقيق غرض غير مشروع أي نحو المساس بحق أو مصلحة يحميها القانون الجنائي .
وبعبارة أخرى فإن الإرادة هي المحرك نحو اتخاذ السلوك الإجرامي بالنسبة للجرائم ذات السلوك المجرد , وهي المحرك نحو تحقيق النتيجة – بالإضافة للسلوك الإجرامي – بالنسبة للجرائم ذات النتائج .
عرفها د . حومد بأنها : قدرة المرء النفسية على اتخاذ قرار بتوجيه أفعاله الشخصية لتحقيق غرض معين .
عرفها د . عبد العزيز الحسن : حالة نفسية يكون عليها الجاني وقت ارتكاب الجريمة . وتتجلى هذه الحالة النفسية بعزم الجاني على ارتكاب الجريمة أو اتخاذ قرار بتنفيذها ثم إصدار الأمر إلى أعضاء الجسم للقيام بالأفعال المكونة لها وقيادة هذه الأعضاء إلى أن تحقق النتيجة المطلوبة .
إرادة السلوك والنتيجة : إرادة السلوك عنصر لازم في الركن المعنوي لجميع الجرائم القصدية وغير القصدية على حد سواء فلا يسأل الشخص عن سلوكه ونتيجته إلا إذا كان هذا السلوك تعبيرا عن إرادته.
أما إرادة النتيجة فلا تكون عنصر لازم في الركن المعنوي إلا في الجرائم المقصودة أما في الجرائم غير المقصودة فيكفي أن يريد الفاعل السلوك حتى يقوم لديه الركن المعنوي للجريمة غير المقصودة .
والإرادة المعتد بها في مجال القصد الجرمي : هي الإرادة الواعية المتمتعة بالقدرة على الاختيار فإذا انتفى الوعي أو الاختيار لا يعود صاحب تلك الإرادة مسؤول فالمجنون والمكره لا يسألان عن أفعالهما لأن الجنون ينفي الوعي و الإكراه يعدم الاختيار .
الإرادة والمسؤولية الجزائية : دور الإرادة في تحديد المسؤولية الجزائية يمكن بحثه في الفقه ضمن نظريتين هما : نظرية الإرادة و نظرية التصور .
نظرية الإرادة : تقوم على التفريق بين الإرادة والقصد والإرادة لا تشترط وجود القصد دوما ولكن القصد لا يمكن أن يتحقق إلا إذا رافقته الإرادة . وقد أوضح الأستاذ Villey هذه النظرية حين فرق بين مفهوم القصد والإرادة بقوله : إن القصد هو إرادة النتيجة , وأنه ليس لازما دوما . وبتعبير أوضح إن القصد يتكون من إرادة الفعل المادي و إرادة النتيجة معا .
نظرية التصور : تنطلق من نظرة الفقيه الشهير فور باخ , والتي مؤداها و أن الشخص يسأل عن النتائج التي يحدثها بنشاطه إذا كان القانون يعاقب على هذه النتائج , حتى ولو لم يبحث عنها لذاتها , أي حتى لو لم يكن هادفا إليها وراغبا فيها . فيكفي إذا لمساءلة الفاعل أن يكون قد تصور وقوعها . وليس ضروريا أن بكون قد تصور وقوعها على شكلٍ أكيد , بل إن إمكان وقوعها بكفي . وهذه النظرية وسعت من مجال القصد الجنائي كثيرا لأنها تعتبر الفاعل مسؤول عن النتائج التي أرادها من فعله وكذلك عن كل نتيجة يمكن أن يكون تصورها حين أقدم على الفعل .
بالنسبة للمشرع السوري في قانون العقوبات فقد جعل الإرادة أساسا للمساءلة الجنائية و حين اشترط توافر الوعي والإرادة في المادة 209 : [ 1- لا يحكم على أحد بعقوبة , ما لم يكن قد أقدم على الفعل عن وعي وإرادة ......... ]
العلاقة بين القصد والإرادة : يقو ل د. حومد أن هناك ثلاث حالات تظهر الاستقلال بين القصد والإرادة:
( 1- يريد الرجل الفعل المادي ويريد الحصول على النتيجة : يسدد مسدسه ويطلقه على شخص فيقتله . فقد أراد الفعل المادي , وهو إطلاق الرصاص , وأراد النتيجة منه , وهو القتل . وجرائم هذه الزمرة كثيرة وتتصف بوجود السببية المباشرة بين الفعل و النتيجة أي أنها تتصف بوجود الإرادة والقصد معا . وعقاب هذا الرجل عقاب كامل . لأن مسؤوليته تامة وجريمته مقصودة .
2- يريد الرجل الفعل المادي ولا يريد نتائجه و ولكنه يؤاخذ على عدم توقعه إمكان حصول هذه النتائج المؤسفة , مع أنه كان في مقدوره منع حدوثها : رجل يطلق النار على طائر ليصطاده فيصيب إنسان فيقتله . فقد أراد الفعل المادي وهو إطلاق النار , ولكنه لم يرد النتيجة وهي قتل إنسان . فليس هو بقاتل خطر إلا أنه قليل الاحتراز , لأنه لم يتوقع حدوث هذه النتيجة الممكنة الوقوع . فهنا توجد الإرادة ولا توجد النية ( القصد ) . إنما يوجد الخطأ . والتشريعات المعاصرة متفقة على معاقبة هذا الشخص عقوبة خفيفة . ومن أمثلة هذه الجرائم التسبب في موت أحد الناس بالضرب أو العنف من غير قصد القتل , وعقوبة الجريمة عادة الأشغال الشاقة مدة خمس سنوات على الأقل المادة 536 ق . ع : [ من سبب موت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف أو بالشدة أو بأي عمل آخر مقصود عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل . 2-................
3- يريد الرجل الفعل المادي ولا يريد النتيجة , ولكنه يكون محاطا بظروف خاصة لا تمكنه من توقع حدوث مثل هذه النتيجة : رجل أتى بدوائين لمريضين فيغلط في صاحبيهما فيتسمم أحدهما فيموت . فقد أراد الفعل المادي وهو تقديم الدواء ولم يرد النتيجة وهي الموت غير أنه وجد في ظروف لايقدر فيها على توقع حدوث الموت و وهي الظروف الناشئة عن الغلط . فهنا توجد الإرادة ولا توجد النية ( القصد ) , وإنما يوجد غلط رافق الإرادة . وللغلط وضع خاص في القانون , لأنه في مثل هذه الحالة يعدم المسؤولية , شريطة أن يثبت أن الفعل كان حادثا عرضيا ) .
التمييز بين القصد والغرض والغاية والدافع :
هذه المصطلحات تعمل ضمن مجال واحد وهو مجال الركن المعنوي للجريمة فلابد من تحديد معانيها بدقة والتمييز بين مدلولاتها .
القصد : ويتمثل بالعلم والإرادة للعناصر الأساسية للجريمة ( الفعل والنتيجة ) وهو واحد في كل جريمة ولا يتعدد بتعدد الجناة ففي جريمة القتل مثلا إذا تعدد الجناة فالجميع يعلم بأن الفعل الذي يقومون به هو القتل وأن من شأن فعلهم هذا إزهاق روح المجني عليه وهم في نفس الوقت يريدون الفعل والنتيجة .
الغرض : وهو الهدف القريب الذي تسعى إرادة الجاني لتحقيقه وينطبق تماما على مفهوم النتيجة
فالغرض من جريمة القتل هو إزهاق روح إنسان حي والغرض واحد في جميع الجرائم فهو دائما في القتل إزهاق روح إنسان حي . وهو واحد بالنسبة لجميع الجناة في الجرائم التي يتعدد فيها الجناة .
الغاية : وهي الهدف البعيد لإرادة الجاني بعد وصولها إلى الغرض الذي يتمثل في إشباع حاجة معينة .
وتختلف الغاية من جريمة إلى أخرى وفي الجريمة الواحدة من جاني إلى آخر . فجريمة القتل قد يرتكبها شخص ليتخلص من دين كان مستحق للمجني عليه من الجاني وقد يرتكبه آخر لينتقم لموت قريب له تسبب المجني عليه في موته وآخر ليستحوز على مبلغ من المال كان في جيب المجني عليه .
الدافع : عرف القانون السوري الدافع ولم يكن موفقا في تعريفه هذا المادة 191 : [ الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها ] . فقد خلط بين الدافع والغاية والدافع هو القوة المحركة ( انعكاس نفسي للغاية ) التي توصل إلى الغاية (ذات طابع موضوعي ووجود حقيقي )
دور الدافع في التجريم والعقاب : لا دور للدافع في التجريم والعقاب إلا حينما يقرر المشرع ذلك وهذا المبدأ تبنته أغلب التشريعات الجزائية الوضعية وقد تبناه المشرع السوري في المادة 191 :[ 2- ولا يكون الدافع عنصرا من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينها القانون ] .
ففكرة الدافع تأتي كاستثناء على القاعدة التي تقول بأن الأساس المعنوي للتجريم هو القصد والخطأ وأساس العقوبة هو خطورة الفعل فلا يعمل بالاستثناء إلا عند ورود نص صريح من المشرع .
دور الدافع في التجريم : ورد في قانون العقوبات السوري العديد من المواد التي تجرم بعض الأفعال وتعتبر الدافع لارتكابها عنصر من عناصر التجريم فإذا انتفى الدافع المحدد في نص المادة انعدمت الجريمة ومنها :
1. جريمة إغواء امرأة أو فتاة : المادة 510 :[ يعاقب بالحبس ثلاث سنوات على الأقل وبغرامة لا تنقص عن ثلاثمائة ليرة من أقدم إرضاء لأهواء الغير على إغواء أو اجتذاب امرأة أو فتاة لم تتم الحادية والعشرين من عمرها ولو برضاها ............] فهذه الجريمة لا تقوم إلا إذا كان الدافع لها إرضاء أهواء الغير .
2. جريمة تسهيل إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير : المادة 512 : [ من اعتاد أن يسهل بقصد الكسب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير ............ يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثين إلى ثلاثمائة ليرة ] . والدافع في هذه الجريمة الكسب .
3. جريمة وصف وإذاعة الأساليب التي تؤدي إلى منع الحمل :المادة 523 : [ من أقدم ........... على وصف أو إذاعة الأساليب الآيلة إلى منع الحمل أو يعرضها أو يذيعها بقصد الدعاوة لمنع الحمل عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة مائة ليرة ] . والدافع الدعاوة لمنع الحمل .
وهناك العديد من المواد الأخرى في القانون السوري التي تدخل الدافع في عناصر التجريم .
دور الدافع في العقاب : تقسم الدوافع إلى دوافع مشددة للعقوبة ودوافع مخففة للعقوبة .
الدوافع المخففة للعقوبة : في القانون السوري هناك دافعين مخففين للعقوبة هما الدافع الشريف والدافع السياسي .
الدافع الشريف : ورد في المادة 192 : [ إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفا قضى بالعقوبات التالية:
الاعتقال المؤبد بدلا من الإعدام .
الاعتقال المؤبد أو لخمسة عشر سنة يدلا من الأشغال الشاقة المؤبدة .
الاعتقال المؤقت بدلا من الأشغال الشاقة المؤقتة .
الحبس البسيط بدلا من الحبس مع التشغيل .
وللقاضي فضلا عن ذلك أن يعفي المحكوم عليه من لصق الحكم ونشره المفروضين كعقوبة . ].
مثال على الدافع الشريف من أقدم على قتل آخر أهانه في كرامته أو شرفه اهانة بالغة لا يحتملها الشخص العادي
الدافع السياسي : ورد في المادة 195 : [ 1- الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي .
2- وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع أناني دنيء ] .
تخفف العقوبة على الجرائم المرتكبة بدافع سياسي كما ورد في المادة 197: [ 1- إذا تحقق القاضي أن للجريمة طابع سياسي قضى بالعقوبات التالية :
الاعتقال المؤبد بدلا من الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة .
الاعتقال المؤقت أو الإبعاد أو الإقامة الجبرية الجنائية أو التجريد المدني بدلا من الشغال الشاقة المؤقتة.
الحبس البسيط أو الإقامة الجبرية الجـنحـية بدلا من الحبس مع التشغيل .]
استثنى المشرع تخفيف العقوبة عن الجرائم المرتكبة بدافع سياسي إذا كانت واقعة على أمن الدولة الخارجي وهي الجرائم المحددة فالمواد [ من المادة 263 وحتى المادة 290 ] ورد هذا الاستثناء في المادة 197 :[ 2- ولكن هذه الأحكام لا تطبق على الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي ] .
الدوافع المشددة للعقوبة : وهي الدافع الشائن والدافع الأناني الدنيء ودافع الكسب
الدافع الشائن : ورد في المادة 193 :[ إذا كانت الجريمة المعاقب عليها بالاعتقال المؤبد أو المؤقت أو بالحبس البسيط قد أوحى بها دافع شائن أبدل القاضي :
من الاعتقال المؤبد الأشغال الشاقة المؤبدة .
من الاعتقال المؤقت الأشغال الشاقة المؤقتة .
من الحبس البسيط الحبس مع التشغيل . ]
مثال عن الدافع الشائن : إعطاء الطبيب لمريضه دواء من شأنه التأثير على إرادته لاستغلاله في أعمال يحقق منها مصلحة شخصية .
دافع الكسب : ورد في المادة 194 : [ إذا اقترفت بدافع الكسب جريمة غير معاقب عليها بالغرامة قضي بهذه العقوبة و بالعقوبة المنصوص عليها في القانون معا ] .
مثال : القـتل بدافع الكسب .
الدافع الأناني الدنيء : ورد في المادة 195 ف 2 ذكرت سابقا ومهما كان الدافع دنيء لا يستطيع القاضي الحكم بالإعدام فالمادة صريحة بهذا الخصوص .
صور القصد الجرمي:
كل ما ذكرناه سابقا يتعلق بالقصد الجرمي العام ولكن للقصد الجرمي عدة أشكال سندرسها فيما يلي : يتنوع القصد الجرمي إلى مباشر وغير مباشر ومحدد وغير محدد وعام وخاص وبسيط وعمد .
القصد المباشر وغير المباشر :
للقصد المباشر نوعان : وهما القصد المباشر من الدرجة الأولى والقصد المباشر من الدرجة الثانية
القصد المباشر من الدرجة الأولى : وهو علم يقيني بعناصر الجريمة واتجاه الإرادة إلى السلوك الإجرامي مع الرغبة في وقوع النتيجة الإجرامية كأثر حتمي ولازم لهذا السلوك .
القصد المباشر من الدرجة الثانية : وهو أن ترتبط بالنتيجة الإجرامية المرغوب بها نتيجة أخرى بشكل لازم وحتمي فيكون قصد الجاني بالنسبة لهذه النتيجة قصد مباشر من الدرجة الثانية .
مثال توضيحي: مالك السفينة الذي يفجر سفينته في عرض البحر للحصول على مبلغ التأمين فغرق المسافرون والبحارة , فغرق السفينة قصد مباشر من الدرجة الأولى وغرق المسافرين والبحارة قصد مباشر من الدرجة الثانية .
والتفرقة بين النوعين تفرقة فقهيه لا أثر لها في قيام المسؤولية القصدية في الحالتين .
وأما القصد الاحتمالي ( غير المباشر ) : وهو أن لا يريد الفاعل النتيجة الجرمية بأي شكل من أشكالها المعاقبة ولكنه توقعها وقبل المخاطرة واستمر في انجاز عمله . مثال : من يدس السم في طعام شخص ليقتله وهو يعلم أن شخص آخر قد يتناول الطعام معه فاستمر في تنفيذ جريمته وقبل بالمخاطرة فيكون قصده في قتل الأول مباشر أما قصده في قتل الآخر احتمالي .
محكمة النقض المصرية عرفته بأنه : ( نية ثانوية غير مؤكدة تختلج في نفس الجاني الذي يتوقع أنه قد يتعدى فعله الغرض المنوي عليه بالذات إلى غرض آخر لم ينوه من قبل أصلا فيمضي مع ذلك في تنفيذ الفعل فيصيب به الغرض غير المقصود ....)
وقد نص المشرع السوري على القصد الاحتمالي في المادة 188 :[ تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة ]
ولم يميز المشرع السوري في دور كل من القصد الاحتمالي والمباشر في قيام المسؤولية الجزائية لتساوي الخطورة الإجرامية في الحالتين
ولابد من التمييز بين القصد الاحتمالي والخطأ الشعوري (الواعي )ففي الأول الجاني يريد الفعل و يريد النتيجة الجرمية ويتوقع نتائج أخرى ويقبل المخاطرة ويقدم على الفعل أم ا الخطأ الشعوري فالجاني يريد الفعل إلا أنه لا يريد النتيجة ويتوقع حصول النتيجة ولا يقبل بها ولكنه يقدم على الفعل مراهنا على مهارته في تجنب النتيجة الجرمية .
وفي هذا يقول الدكتور عبد الوهاب حومد : الخطأ الشعوري يقع بين القصد والخطأ المجرد . وكان من العدل أن يعاقب عقوبة وسط يستحقها غير أن الشارع السوري لم يذهب مع الأسف هذا المذهب , واكتفى باعتباره مرتكبا خطأ عاديا , فقال في المادة 190 :[ تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها, وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها ] .
مثال عن الخطأ الشعوري : الطبيب الذي يجري عملية جراحية مع وجود نقص في الأدوات ومع ذلك أقدم على إجراء العملية معتمدا على مهارته وخبراته فمات المريض .
القصد المحدد والقصد غير المحدد :
القصد المحدد ويكون عندما يرد الجاني من فعله تحقيق نتيجة معينة بذاتها كأن يريد الجاني إطلاق النار على شخص معين ليزهق روحه .
وأما القصد غير المحدد ويكون عندما يرتكب الجاني فعله الجرمي ويريد إحداث النتيجة الجرمية إلا أنه لا يعرف حجم هذه النتيجة أي إن الجاني يريد النتيجة إلا أنه لا يستطيع تحديد موضوعها .
ومثاله من يطلق النار على جمع من الناس يريد أن يصيب عدد منهم دون تحديد لشخصياتهم فيكون القصد لديه غير محدد .
ولا توجد أهمية قانونية لتمييز بين النوعين فالقصد الجرمي يتوافر دوما سواء كان موضوع النتيجة محدد أو غير محدد فيكفي لتوافر القصد الجرمي العلم بكافة عناصر الجريمة مع اتجاه الإرادة إلى السلوك الجرمي والنتيجة الجرمية أو قبولها .
القصد العام والقصد الخاص :
القصد العام هو الحد الأدنى من القصد الواجب توافره حتى تكون الجريمة مقصودة ويتكون من العلم والإرادة .فهو مطلوب بجميع الجرائم المقصودة .
ولكن هناك بعض الجرائم التي يشترط المشرع لقيامها توافر قصد خاص إلى جانب القصد العام فالقصد العام وحده لا يكفي .
والقصد الخاص يتألف من علم و إرادة إلا أنه لا ينصرف إلى أركان الجريمة بل إلى وقائع خارجة عن أركان الجريمة
مثال : المادة 576 ق . ع . س : [ كل حريق أو محاولة حريق اقترف بقصد إلحاق ضرر مادي بالغير أو جر مغنم غير مشروع للفاعل أم لآخر يعاقب عليه بالحبس أو الغرامة .]
فحتى تقوم الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة لابد من توافر قصد خاص إلى جانب القصد العام موضوعه إلحاق الضرر المادي بالغير أو جلب مغنم غير مشروع للفاعل أو لآخر .
القصدالبسيط والقصدالعمد : أغلب التشريعات العربية تعبر عن مدلول كلمة القصد قانون العقوبات السوري بكلمة العمد وتعبر عن مدلول كلمة العمد في قانوننا بالعمد عن سبق الإصرار والترصد
وللتفريق بين القصد والعمد في القانون السوري أهمية من حيث العقاب فالمشرع يشدد العقاب في حالة العمد فالقتل المقصود معاقب عليه بالأشغال الشاقة من 15- 20 سنة (المادة 533 )وأما القتل العمد فعقوبته الإعدام ( المادة 535 ).
فماهو مدلول كل من القصد والعمد في القانون السوري :
القصد أو القصد البسيط : هو القصد الجرمي العام المتكون من العلم والإرادة وقد عرفه المشرع السوري في المادة 187 بأنه نية ارتكاب الجريمة على ما عرّفها القانون وقد درسناه فيما تقدم بالتفصيل .
العمد أو القصد المبيت : هو الحالة المشددة من القصد العام .
المشرع السوري لم يعرف العمد .
المشرع المصري عرفه في المادة 231 : [ الإصرار السابق (العمد ) هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جناية أو جنحة يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط ] .
د . حومد عرفه بأنه : تصميم الفاعل على ارتكاب الجريمة , بعد أن فكر فيها و اعد العدة لها , ولم يثنيه عن قراره المشؤوم خوف أو رحمة .
د . قهوجي : هو القصد الذي يتوافر بالنسبة له الهدوء النفسي للجاني والتفكير في الجريمة خلال فترة زمنية تسبق عزمه على تنفيذها .
عرفته محكمة التقض السورية : ( إن عنصر العمد في جريمة القتل لايتم إلا بعد أن يفكر الجاني فيما عزم عليه ويتدبر عواقبه ويصمم على ارتكابه و ويكون لديه متسع من الوقت يكفي لإزالة حالة التوتر والانفعال فيقدم على الجريمة مطمئن النفس هادئ البال . فإن لم يتيسر له التفكير والتدبير وارتكب الجرم تحن تأثير الطيش والغضب فلا يكون ركن العمد متوافرا ) الغرفة الجنائية العسكرية و القرار رقم 687 , تاريخ 18/ 5/1982 و المجموعة الجزائية القاعدة 4524 .
والعمد يتألف من عنصرين : 1- التصميم السابق
2- هدوء البال .
هذا ما وضحته محكمة النقض السورية في قرارها رقم 146 الصادر بتاريخ 26/2 / 1958 عن الغرفة الجنائية (المجموعة الجزائية 2337) حيث تقول : (سبق الإصرار يتكون من عنصرين : الأول التصميم السابق والثاني هدوء البال , بمعنى أن الجاني فكر فيما عزم عليه ورتب وسائله وتدبر عواقبه ثم أقدم على فعلته وهو هادئ البال بعد أن زال عنه تأثير الغضب مما يستنتج من ذلك وجوب سبق الأفعال المادية التي تؤيد العمد لحادثة القتل لا بعده . ..... )
هل العمد مفهوم قانوني وبالتالي تمتد رقابة محكمة النقض للتثبت من توافر حالة العمد أم هو مفهوم موضوعي تختص به محاكم الموضوع بالتالي لا اختصاص لمحكمة النقض بالإشراف عليه ؟
لا يوجد في القانون السوري تحديد لهذه المسألة . أما أحكام محكمة النقض فلا تخلو من التناقض ففي قرارها الصادر عن الغرفة الجنائية رقم 163 بتاريخ 22 نيسان 1950 تقول : ( لما كانت محكمة الأساس عالجت قضية العمد وقضت بثبوته على ضوء التحقيق الذي قامت به ... فإنه لا يدخل في اختصاص محكمة النقض أن تشرف على الحكم من هذه الناحية .... ) وفي قرار آخر صادر عن الهيئة العامة لمحكمة النقض تعطي لنفسها (( الحق في تمحيص الوقائع التي استندت إليها محكمة الأساس في وجود النية وخاصة في مسائل القتل )) قرار رقم 600 تاريخ 24/9 / 1952 منشور مجلة القانون1952 صفحة 760 .
ويرى الدكتور عبد الوهاب حومد أن هذا المذهب (اختصاص محكمة النقض بالإشراف على توافر حالة العمد ) جدير بالتأييد نظريا على الأقل. لأن كلمة العمد واردة في نص القانون فهي مفهوم قانوني بحاجة على تفسير سليم و لأنها كلمة لا تخلو من الغموض . ولأن الاتجاه العالمي هو في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام فلابد من رقابة دقيقة على أحكام محكمة الموضوع الصادرة بالإعدام للتقليل منها وحصرها في الحالات الخطيرة جدا من القتل .
ولابد أخيرا من الإشارة إلى أن العمد لا يكون من شأنه تشديد العقوبة إلا حيث ينص القانون على ذلك .فقد نص القانون على تشديد عقوبة القاتل إذا كان متعمدا( المادة 535 ق .ع ) أما السارق فلا تشدد عقوبته ولو خطط للسرقة وقلّب الرأي فيها لأن القانون لم ينص على ذلك .
وقت توافر القصد الجرمي وإثباته :
أولا : وقت توافر القصد الجرمي :
القاعدة أن القصد الجرمي يكون معاصرا للركن المادي للجريمة , فيجب أن يتوافر وقت السلوك الجرمي ويظل قائما حتى لحظة تحقق النتيجة الجرمية . إلا أنه هناك بعض الحالات التي تخالف هذه القاعدة :
1- القصد يعاصر السلوك دون النتيجة : في هذه الحالة يعتبر القصد الجرمي متوافرا ويسأل الجاني عن جريمة مقصودة لأن العبرة لتوافر القصد الجرمي وقت السلوك الجرمي لأنه الوقت الذي يتحقق فيه الاعتداء على الحق أو المصلحة التي يحميها القانون . فالندم اللاحق لا ينفي القصد الجرمي .
مثال : من يطلق النار على غريمه ويصيبه ثم يندم على فعلته ويسعفه إلا ان غريمه توفي فيسأل هنا عن قتل مقصود .
2- القصد الجرمي لا يتوافر وقت السلوك الجرمي ولكنه يتولد وقت تحقق النتيجة :
هنا يجب التمييز بين وضعين :
الأول : الجاني قادر على منع وقوع النتيجة الجرمية ولم يحل دون وقوعها فوقعت بالفعل يكون مسؤول مسؤولية قصدية .
الثاني : الجاني لا يستطيع منع وقوع النتيجة إما لأنها وقعت فعلا قبل طروء القصد وإما وقعت بعد ذلك ولكن كان لا يستطيع منع وقوعها فمسؤوليته غير مقصودة .
مثال : الصيدلي الذي يخطئ في تركيب الدواء فيضع فيه سم ويسلمه إلى المريض ثم يكتشف خطأه بعد ذلك ولكنه يمتنع عن تنبيه المريض فتحدث الوفاة , فهنا المسؤولية قصدية
أما إذا تنبه الصيدلي لخطأه إلا أنه لم يستطع الوصول للمريض وتنبيه فحدثت النتيجة فهنا يسأل عن جريمة غير مقصودة .
ثانيا : إثبات القصد :
القصد الجرمي أمر باطني يستحيل إثباته بطريق مباشر والسبيل الوحيد للتأكد من توافره الاستدلال على وجوده من المظاهر الخارجية التي تكشف عنه ويستعين القاضي بهذا الخصوص بالأفعال التي صدرت عن الجاني والظروف الخارجية التي أحاطت بها .
ومسألة استخلاص القصد الجرمي مسألة موضوعية بحتة تخضع لتقدير قاضي الموضوع بحسب ما يقوم لديه من الدلائل ولا رقابة لمحكمة النقض عليه طالما أن استخلاصه كان سائغا .
علي عبدا لله الحمادة
جامعة حلب السورية