محمد ابراهيم البادي
04-29-2010, 12:33 PM
تعريف الجريمة: تعرف الجرائم في الشريعة الإسلامية بأنها محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير. والمحظورات هي: إما إتيان فعل منهي عنه، أو ترك فعل مأمور به، وقد وصفت المحظورات بأنها شرعية، إشارة إلى أنه يجب في الجريمة أن تحظرها الشريعة.
فالجريمة إذن هي إثيان فعل محرم معاقب علي فعله، أو ترك فعل محرم الترك معاقب على تركه، أو هي فعل أو ترك نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه.
ويتبين من تعريف الجريمة أن الفعل أو الترك لا يعتبر جريمة إلا إذا تقررت عليه عقوبة، ويعبر الققهاء عن العقوبات بالأجزية، ومفردها جزاء، فإن لم تكن على الفعل أو الترك عقوبة فليس بجريمة.
الجريمة والجناية : كثيرا ما يعبرالفقهاء عن الجريمة بلفظ الجناية، والجناية في الاصطلاح الفقهي : اسم لفعل محرم شرعا، سواء وقع الفعل على نفس أو مال أو غير ذلك. لكن أكثر الفقهاء تعارفوا على إطلاق لفظ الجناية على الأفعال الواقعة على نفس الإنسان أو أطرافه، وهي القتل والجرح والضرب والإجهاض بينما يطلق بعضهم لفظ الجناية على جرائم الحدود والقصاص. وإذا نظرنا إلى تعاريف الفقهاء وجدنا أن إطلاق لفظ الجناية في الاصطلاح الفقهي مرادف للفظ الجريمة.
علة التحريم والعقاب: الأفعال المعتبرة جرائم يؤمر بها أو ينهى عنها ، لأن في إتيانها أو في تركها ضرر بنظام الجماعة أو عقائدها، أو بحياة أفرادها، أو بأموالهم، أو بأعراضهم، أو بمشاعرهم، أو بغير ذلك من شتى الاعتبارات التي تستوجب حال الجماعة صيانتها وعدم التفريط فيها.
وقد شرع العقاب على الجريمة لمنع الناس من اقترافها، لأن النهي عن الفعل أو الأمر بإتيانه، لا يكفي وحده لحمل الناس على إتيان الفعل أو الانتهاء عنه، ولولا العقاب لكانت الأوامر والنواهي أمورا ضائعة وضربا من العبث، فالعقاب هو الذي يحمل للأمر والنهي معنى مفهوما ونتيجة مرجوة، وهو الذي يزجر الناس عن الجرائم، ويمنع الفساد في الأرض ويحمل الناس على الابتعاد عما يضرهم، أو فعل مافيه خيرهم وصلاحهم.
والعقوبات وإن شرعت للمصلحة العامة فإنها ليست في ذاتها مصالح بل هي مفاسد، ولكن الشريعة أوجبتها لأنها تؤدي إلى مصالح الجماعة الحقيقية، وإلى صيانة هذه المصلحة. وربما كانت الجرائم مصالح، ولكن الشريعة نهت عنها لا لكونها مصالح، بل لأدائها إلى المفاسد، فالزنا وشرب الخمر والنصب واختلاس مال الغير وهجر الأسرة والامتناع عن إخراج الزكاة: كل ذلك قد يكون فيه مصلحة للأفراد، ولكنها مصالح ليس لها اعتبار في نظر الشارع، وقد نهى عنها لا لكونها مصالح، بل لأنها تؤدي إلى إفساد الجماعة.
كون الشريعة من عند الله: يترتب على كون الشريعة من عند الله نتيجتان هامتان:
النتيجة الأولى: ثبات القواعد الشرعية واستمرارها، ولو تغير الحكام أو اختلفت أنظمة الحكم، فيستوي أن تكون الهيئة الحاكمة محافظة أو مجددة، ويستوي أن يكون نظام الحكم جمهوريا أو ملكيا، فإن ذلك لن يؤثر على القواعد الشرعية في شيئ ما، لأن القواعد الشرعية لا ترتبط بالهيئة الحاكمة ولا بنظام الحكم وإنما ترتبط بالدين الإسلامي الذي لا يتغير ولا يتبدل، والذي يؤمن به كل حاكم ويستخدم له كل نظام.
النتيجة الثانية: احترام القواعد الشرعية احتراما تاما، بحيث يستوي في هذا الفريق الحاكم، والفريق المحكوم، لأن كليهما يعتقد أنها من عند الله، وأنها واجبة الاحترام، وهذا الاعتقاد بالذات يحمل الأفراد على طاعة القواعد الشرعية، لأن الطاعة تقربهم من الله طبقا لقواعد الدين الإسلامي، ولأن العصيان يؤدى إلى العقوبة في الدنيا وإلى ما هو شر من العقوبة في الآخرة.
الجريمة المدنية: عرف الفقهاء الإسلاميون موضوع الجريمة المدنية : بأن الأصل في الشريعة أن الأموال والنفوس معصومة، وكل فعل ضار بالإنسان أو بماله مضمون على فاعله إذا لم يكن له حق فيه، والضمان إما عقوبة جنائية إذا كان الفعل الضار معاقبا عليه، وإما تعويض مالي إذا لم يكن معاقبا عليه فلا يعتبر جريمة، ولا يسمى بهذا الاسم، وإنما هو فعل ضار، وإذن فلا مناسبة تجمع بين الجريمة والفعل الضار إلا أن كليهما مضمون على فاعله.
وقد يكون الفعل جريمة يستحق الجاني عليها العقاب، ثم يكون الفعل في الوقت نفسه فعلا ضارا فيضمنه الجاني للمجنى عليه، كاستهلاك صيد مملوك في الحرم، وشرب خمر الذمي، فإن الفاعل في هاتين الحالتين يعاقب على الصيد والشرب، وعليه قمية الصيد والخمر لصالحبيهما.
أنواع الجريمة ، تتفق الجرائم جميعا في أنها فعل محرم معاقب عليه، ولكنها تتنوع وتختلف إذا نظرنا إليها من غير هذه الوجهة. وعلى هذا يمكننا أن نقسم الجرائم أقساما متنوعة تختلف باختلاف وجهة النظر إليها:
التقسيم المبني على جسامة العقوبة: (الحدود ، القصاص والدية ـ التعازير) وهي على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: جرائم الحدود: وهي الجرائم المعاقب عليها بحد. والحد هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى ومعنى العقوبة أنها محددة معينة فليس لها حد أدنى ولا حد أعلى، ومعنى أنها حق لله أنها لا تقبل الإسقاط لا من الأفراد ولا من الجماعة.
وتعتبر العقوبة حقا لله في الشريعة كلما استوجبتها المصلحة العامة، وهي دفع الفساد عن الناس وتحقيق الصيانة والسلامة لهم، وكل جريمة يرجع فسادها إلى العامة، وتعود منفعة عقوبتها عليهم، تعتبر العقوبة المقررة عليها حقا لله تعالى تأكيدا لتحصيل المنفعة، وتحقيقا لدفع الفساد والمضرة إذ اعتبار العقوبة حقا لله يؤدي إلى عدم إسقاط الأفراد أو الجماعة لها.
وجرائم الحدود معينة ومحدودة وهي سبع جرائم: 1) الزنا 2) القذف 3) شرب المسكر 5) الحرابة 6) الردة 7) البغي. ويسميها الفقهاء الحدود دون إضافة لفظ جرائم إليها، وعقوباتها تسمى الحدود ايضا ولكنها تميز بالجريمة التى فرضت عليها فيقال حد السرقة، وحد الشرب ، ويقصد من ذلك عقوبة السرقة وعقوبة الشرب.
القسم الثاني: جرائم القصاص والدية: وهي الجرائم التي يعاقب عليها بقصاص أودية، وكل من القصاص والدية عقوبة مقدرة حقا للأفراد، ومعنى أنها مقدرة أنها ذات حد واحد، فليس لها حد أعلى وحد أدنى تتراوح بينهما، ومعنى أنها حق للأفراد أن للمجنى عليه أن يعفو عنها إذا شاء، فإ‘ذا عفا أسقط العفو العقوبة المعفو عنها.
وجرائم القصاص والدية خمس : 1) القتل العمد 2) القتل شبه العمد 3) القتل الخطأ 4) الجناية على ما دون النفس عمدا 5) الجناية على مادون النفس خطأ. ومعنى الجناية على ما دون النفس الإعتداء الذي لا يؤدى للموت كالجرح والضرب.
القسم الثالث: جرائم التعازير: هي الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعزير ومعنى التعزير التأديب، وقد جرت الشريعة عل عدم تحديد عقوبة كل جريمة تعزيرية، واكتفت بتقرير مجموعة من العقوبات لهذه الجرائم تبدأ بأخف العقوبات وتنتهي بأشدها، وتركت للقاض أن يختار العقوبة أو العقوبات في كل جريمة بما يلائم ظروف الجريمة وظروف المجرم فالعقوبات في جرائم التعزير غير مقدرة.
وجرائم التعزير غير محدودة كما هو الحال في جرائم الحدود أو جرائم القصاص والدية. وليس في الإمكان تحديدها. وقد نصت الشريعة على بعضها وهو ما يعتبر جريمة في كل وقت كالربا وخيانة الأمانة والسب والرشوة، وتركت لأولي أمر النص على بعضها الآخر، وهو القسم الأكبر من جرائم التعازير، ولكن الشريعة لم تترك لأولى الأمر الحرية في النص على هذه الجرائم بل أوجبت أن يكون التحريم بحسب ما تقتضيه حال الجماعة وتنظيمها والدفاع عن صوالحها ونظامها، وأن لا يكون مخالفا لنصوص الشريعة ومبادئها العامة.
وقد قصدت الشريعة من إعطاء أولى الأمر حق التشريع في هذه الحدود لتمكينهم من تنظيم الجماعة وتوجيهها الوجهات الصحيحة، وتمكينهم من المحافظة على صوالح الجماعة والدفاع عنها ومعالجة الظروف الطارئة.
والفرق بين الجريمة التي نصت عليها الشريعة والعمل الذي يحرمه أولي الأمر أن ما نصت عليه الشريعة محرم دائما فلا يصح أن يعتبر فعلا مباحا، أما ما يحرمه أولو الأمر اليوم فيجوز أن يباح غدا إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة.
أهمية التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى حدود، وقصاص، أو دية ، وتعازير من عدة وجوه:
أولا: من حيث العقو: جرائم الحدود لا يجوز فيها العفو مطلقا، سواء من المجنى عليه أو ولي الأمر أي الرئيس الأعلى للدولة، فإذا عفا أحدهما كان عفوه لغوا لا أثر له على الجريمة ولا على العقوبة.
أما في جرائم القصاص فالعفو جائز من المجنى عليهن فإذا عفا ترتب على العفو أثره، فللمجنى عليه أن يعفو عن القصاص مقابل الدية، وله أن يعفو عن الدية أيضا، فإذا عفا عن أحدهما أعفى منه الجاني. وليس لرئيس الدولة الأعلى أن يعفو عن العقوبة في جرائم القصاص بصفته هذه، لأن العفو عن هذا النوع من الجرائم مقرر للمجنى عليه أو وليه، لكن إذا كان المجنى عليه قاصرا ولم يكن له أولياء كان الرئيس الأعلى للدولة وليه، إذ القاعدة الشرعية أن السلطان ولي من لا ولي له، وفي هذه الحالة يجوز لرئيس الدولة العفو بصفته ولي المجنى عليه، لا بأي صفة أخرى، وبشرط ألا يكون العفو مجانا.
وأما في جرائم التعازير لولي الامر أي رئيس الدولة الأعلى حق العفو عن الجريمة، وحق العفو عن العقوبة، فإذا عفا كان لعفوه أثره بشرط أن لا يمس عفوه حقوق المجنى عليه الشخصية. وليس للمجنى عليه أن يعفو في التعازير إلا عما يمس حقوقه الشخصية المحضة . ولما كان الجرائم تمس الجماعة فإن عفو المجنى عليه من العقوبة أو الجريمة لا يكون نافذا وإن أدى في الواقع إلى تخفيف العقوبة على الجاني، لأن للقاض سلطة واسعة في جرائم التعازير من حيث تقدير الظروف المخففة، وتخفيف العقوبة. ولا شك أن عفو المجنى عليه يعتبر ظرفا مخففا.
ثانيا: من حيث سلطة القاضي: في جرائم الحدود إذا ثبتت الجريمة وجب عل القاضي أن يحكم بعقوبتها المقررة لا ينقص منها شيئا ولا يزيد عليها شيئا، وليس له أن يستبدل بالعقوبة المقررة عقوبة أخرى، ولا أن يوقف تنفيذ العقوبة فسلطة القاضي في جرائم الحدود قاصرة على النطق بالعقوبة المقررة للجريمة.
وفي جرائم القصاص سلطة القاضي قاصرة على توقيع العقوبة المقررة إذا كانت الجريمة ثابتة قبل الجاني، فإذا كانت العقوبة قصاص وعفا المجنى عليه عن القصاص أو تعذر الحكم به لسبب شرعي وجب على القاضي أن يحكم بالدية ما لم يعف المجنى عليه عنها؛ فإذا عفا كان على القاضي أن يحكم بعقوبة تعزير.
أما في جرائم التعازير فللقاضي فيها سلطة واسعة في اختيار نوع العقوبة ومقدارها فله أن يختار عقوبة شديدة أو خفيفة بحسب ظروف الجريمة والمجرم، وله أن ينزل بالعقوبة إلى أدنى درجاتها، وله أن يرتفع بها إلى حدها الأقصى، وله أن يأمر بتنفيذ العقوبة أو إيقاف تنفيذها.
ثالثا: من حيث قبول الظروف المخففة: ليس للظروف المخففة أي أثر على جرائم الحدود والقصاص والدية، فالعقوبة المقررة لازمة مهما كانت ظروف الجاني، أما في جرائم التعازير فللظروف المخففة أثرها على نوع العقوبة ومقدارها فللقاضي ان يختار عقوبة خفيفة، وأن ينزل بها إلى أدنى حدودها، وله أن يوقف تنفيذها.
رابعا: من حيث إثبات الجريمة: تشترط الشريعة إثبات جرائم الحدود والقصاص عددا معينا من الشهود إذا لم يكن دليل إلا الشهادة، فجريمة الزنا لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود يشهدون الجريمة وقت وقوعها، وبقية جرائم الحدود والقصاص لا تثبت إلا بشهادة شاهدين على الأقل. أما جرائم التعازير فتثبت بشهادة شاهد واحد.
تقسيم الجرائم بحسب قصد الجاني: (الجرائم المقصودة - والجرائم غير المقصودة) تنقسم الجرائم بحسب قصد الجاني إلى جرائم مقصودة وجرائم غير مقصودة:
أولا: الجرائم المقصودة: هي التي يتعمد الجاني فيها إتيان الفعل المحرم وهو عالم بأنه محرم، وهذا هو المعنى العام للعمد في الجرائم المقصودة أو الجرائم العمدية، وللعمد معنى خاص في القتل ، وهو تعمد الفعل المحرم وتعمد نتيجته، فإن تعمد الجاني الفعل دون نتئجة كان الفعل فتلا شبه عمد.
ثانيا: الجرائم غير المقصودة: هي التي لا ينوي فيها الجاني إتيان الفعل المحرم ولكن يقع الفعل المحرم نتيجة خطأ منه، والخطأ على نوعين:
النوع الأول: هو ما يقصد فيه الجاني الفعل الذي أدى للجريمة ولا يقصد الجريمة ولكنه مع ذلك يخطئ: إما في نفس الفعل كمن يرمي حجرا ليتخلص فيصيب أحد المارة، أو يرمي صيدا فيخظئه ويصيب آدميا. وإما أن يكون الخطأ في ظنه كمن يرى ما يظنه حيوانا فإذ هو إنسان، أو يرى من يظنه جنديا من جنود الأعداء فإذا هو أحد المواطنين.
النوع الثاني: هو ما لا يقصد فيه الجاني الفعل ولا الجريمة ، ولكن يقع الفعل نتيجة لإهماله أو عدم احتياطه، كمن ينقلب وهو نائم على آخر بجواره فيقتله ، وكمن يحفر بئرا في طريق ولا يتخذ احتياطته لمنع سقوط المارة فيه.
آهمية هذ التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى مقصودة وغير مقصودة من وجهين:
أولا: أن الجريمة المقصودة تدل على روح إجرامية لدى الجاني، أما غير المقصودة فليس فيها ما يدل على ميل الفاعل للإجرام، ومن ثم كانت عقوبة الجريمة المقصودة شديدة وعقوبة الجريمة غير المقصودة خفيفة.
ثانيا: يمتنع العقاب على الجريمة المقصودة إذا لم يتوفر ركن العمد، أما الجريمة غير المقصودة فيعاقب عليها لمجرد الإهمال أو عدم التثبت.
تقسيم الجرائم بحسب وقت كشفها: جرائم متلبس بها ـ وجرائم لا تلبس فيها:
أولا: الجريمة المتلبس بها: هي الجريمة التي تكشف وقت إرتكابها، أو عقب ذلك ببرهة يسيرة، وهي رؤيته حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرحة يسيرة، ويعتبر أن الجاني شوهد متلبسا بالجناية إذا تبعه من وقعت عليه الجناية عقب وقوعها منه بزمن قريب أو تبعته العامة مع الصياح، أو وجد في ذلك الزمن حاملا لآلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقا أو أشياء آخرى يستدل منها علة أنه مرتكب الجناية أو مشارك في فعلها.
ثانيا: الجريمة التي لا تلبس فيها: هي التي لا تكشف وقت ارتكابها، أو التي يمضى بين ارتكابها وكشفها زمن غير يسير.
والمعروف لدى فقهاء الشريعة أن التلبس هو كشف الجريمة وقت ارتكابها والمقصود من اعتبار هذه الحالة قائمة هو تسهيل الإجراءات لكشف الحقيقة.
أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية هذا التقسيم في الشريعة من وجهين:
أولا: من حيث الإثبات: إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود وكان الدليل عليها هو شهادة الشهود فيجب أن يكون الشهود قد شهدوا بأنفسهم الحادث وقت وقوعهن ورأوا الجاني وهو يرتكب الجريمة.
ثانيا: من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذا شوهد الجاني وهو يرتكب الجناية كان لأي شخص أن يمنعه بالقوة عن ارتكاب الجريمة وأن يستعمل القوة اللآزمة لمنعه سواء كانت الجريمة اعتداء على حقوق الأفراد كالسرقة، أو اعتداء على حقوق الجماعة كشرب الخمر والزنا وهذا ما يسمى : حق الدفاع الشرعي العام.
تقسيم الجرائم إلى جريمة إيجابية وجريمة سلبية:
تنقسم الجرائم إلى إيجابية وسلبية بحسب ما إذا كان الفعل قد ارتكب بطريق الإيجاب أو السلب ، أو بحسب ما إذا كان الفعل مأمورا به أو منهيا عنه.
والجريمة الإيجابية : تتكون من إتبان فعل منهي عنه كالسرقة والزنا والضرب.
والجريمة السلبية: تتكون من الامتناع عن إتيان فعل مأمور به، كالمتناع الشاهد عن أداء الشهادة والامتناع عن إخراج الزكاة. وأكثر الجرائم إيجابية وأقلها الجرائم السلبية.
الجريمة الإيجابية تقع بطريق السلب. ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن الجريمة الإيجابية قد تقع بطريق السلب، فإذا وقعت على هذا الوجه استحق فاعلها العقوبة، فمن حبس إنسانا ومنعه الطعام أو الشراب أو الدفء في الليالي الباردة حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا فهو قاتل عمدا إن قصد بالمنع فتله.
فالمنع عند استيلاء الجوع والعطش والبرد على الممنوع يكون إهلاكا له والأم التي تمنع ولدها الرضاع قاصدة قتله تعتبر قاتلة عمدا، ولو أنها لم تأت بعمل إيجابي.
تقسيم الجرائم بحسب كيفية ارتكابها: (جرائم بسيطة ـ وجرائم اعتباد)
تنقسم الجرائم في الشريعة بحسب كيفية ارتكاب الجاني لها إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد:
أولا: الجريمةالبسيطة: هي التي تتكون من فعل واحد كالسرقة والشرب، ويستوي أن تكون الجريمة مؤقتة أو مستمرة، وجرائم الحدود والقصاص أو الدية كلها جرائم بسيطة.
ثانيا: جرائم الاعتياد: هي التي تتكون من تكرر وقوع الفعل، أي أن الفعل بذاته لا يعتبر جريمة، ولكن الاعتياد على ارتكابه هو الجريمة. وجرائم الاعتياد توجد بين جرائم التعازير. ويستدل عليها من النص المحرم للفعل، فإن كان يشترط للعقاب اعتياد الفعل فالجريمة جريمة عادة، وإن كان يكتفي بمجرد وقوع الفعل فالجريمة بسيطة.
أهمية التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد من الوجوه الآتية:
أولا: من حيث مبدأ سريان التقادم: في الجرائم البسيطة تبدأ المدة المسقطة للدعوى من يوم ارتكاب الجريمة إن كانت مؤقتة، ومن يوم انتهاء الحالة المحرمة إن كانت غير مؤقتة. أما في جرائم العادة فالمدة المسقطة تبدأ من تاريخ وقوع الفعل الأخيرالمكون للعادة.
ثانيا: من حيث القصاص: يكون الاختصاص في الجريمة البسيطة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة إذا كانت الجريمة مؤقتة، إن كانت مستمرة أو متجددة فالاختصاص لكل محكمة استمر في دائرتها الفعل أو تجدد. ويكون الاختصاص في جريمة العادة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الأخير المكون للعادة.
ثالثا: من حيث تطبيق قواعد التدخل : الحكم في جريمة عادة يمنع من محاكمة الجاني على الأفعال السابقة ولو لم تدخل في المحاكمة الأولى، لأن قواعد الشريعة لا تسمح بتعدد العقوبة على الجرائم التي من نوع واحد والتي لم يحكم فيها بعد وتكتفي بعقوبة واحدة عنها جميعا طبقا لقواعد التداخل.
تقسيم الجرائم بحسب كيفية ارتكابها: (حرائم مؤقتة ـ جرائم غير مؤقتة)
فالظاهر من تتبع جرائم التعازير أنها تنقسم بحسب الوقت الذي يستغرقه وقوعها إلى جرائم مؤقتة وجرائم غير مؤقتة:
فالجرائم المؤقتة: هي التي تتكون من فعل أو إمتناع يحدث في وقت محدود ولا يستغرق وقوعها أكثر من الوقت اللازم لوقوع الفعل أو قيام حالة الامتناع، مثل جريمة السرقة فإنها تتم بمجرد وقوع الفعل أي أخذ الشيئ خفية، ومل جريمة الشرب فإنها تتم بمجرد شرب الخمر، ومثل جريمة كتمان الشهادة فإنها تتم بمجرد الامتناع عن أداء الشهادة.
والجرائم غير المؤقتة: هي التي تتكون من فعل أو أمتناع قابل للتجدد أو الاستمرار فيستغرق وقوعها كل الوقت الذي تتجدد فيه الجريمة أو تستمر، ولا تعتبر الجريمة منتهية إلا بأنتهاء حالة التجدد أو الاستمرار. ومثال ذلك حبس شخص دون حق، والامتناع عن إخراج الزكاة، والامتناع عن تسليم إلى حاضنه، والامتناع عن أداء الدين مع القدرة عليه.
مقياس التمييز بين الجريمة المؤقتة وغير المؤقتة: نصوص الشارع هي وحدها التي تبين إن كانت الجريمة مؤقتة أم غير مؤقتة، لأن هذه النصوص تعرف الجريمة وتبين ركنها المادي فتميزها بذلك عن غيرها، فإن كان الفعل أو الأمتناع يقع وينتهي بمجرد ارتكاب الفعل أو قيام حالة الامتناع فالجريمة مؤقتة، وإن كان الفعل أو الامتناع يكون حالة مستمرة الحدوث أو التجدد فالجريمة غير مؤقتة.
وينبغي في هذا المقام أن نميز بين استمرار الجريمة واستمرار نتيجتها، فالسرقة تتم بأخذ الشيء خفية فهي جريمة مؤقتة، وبقاء المسروقات بعد ذلك تحت يد السارق ليس استمرار للسرقة، وإنما هو استمرار لنتيجتها، وجريمة الشرب تتم بتناول الخمر فيه جريمة مؤقتة، فإذا سكر الشارب فإن سكره لا يعتبر استمرارا للجريمة، وإنما هو استمرار لنتيجتها، إذ السكر نتيجة الشرب، ومضرب والجرح جريمة مؤقتة تتم بمجرد وقوع الضرب وحدوث الجرح، فإذا بقى المجنى عليه تحت العلاج مدة ما فذلك ليس استمرارا للجريمة، وإنما هوأثر من آثار الجريمة ونتيجة لها.
تنقسم الجرائم غير المؤقتة إلى جرائم متجددة وجرائم مستمرة:
فالجريمة المتجددة هي التي يتوقف فيها استمرار الجريمة على تدخل إرادة الجاني تدخلا متكررا مقصودا، كالامتناع عن أداء الزكاة، أو عن تسليم المحضون لحاضنه، وكإحراز سلاح دون رخصة. ففي هذه الحالات يأتي الجاني الفعل أو يمتنع عنه. ففي هذه الحالات يأتي الجاني الفعل أو يمتنع عنه. وتبقى جريمته فائمة ما بقى محرز السلاح. أو ممتنعا عن أداء الزكاة أو تسليم الطفل. ولكن بقاء الجريمة يتوقف على إرادة الجاني الذي يرى أن يبقى محرزا للسلاح دون ترخيص. أو ممتنعا عن أداء الزكاة أو تسليم الطفل لحاضنه.
والجرائم المستمرة هي التي لا يتوقف استمرار الجريمة فيها على تدخل إرادة الجاني، بل يستمر الفعل المكون للجريمة دون حاجة لتدخل إرادة الجاني. كحفر بئر في الطريق. وإقامة بناء في ملك الغير. أو خارجا عن خط التنظيم.
أهمية تقسيم الجرائم إلى مؤقة وغير مؤقتة: لهذا التقسيم أهمية من عدة وجوه كالآتية:
أولا: من حيث الإختصاص: فالمحكمة المختصة بمحاكمة الجاني على الجريمة المؤقتة هي المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة، لأن القضاء يتخصص بالزمان والمكان. أما المحكمة المختصة بمحاكمة الجاني على الجريمة غير المؤقتة، فهي كل محكمة وقع في دائرتها الفعل المتجدد أو المستمر، ولما كان من الممكن أن يقع هذا الفعل في أمكنة متعددة فمعنى ذلك أن المحاكم المختصة بنظر الجريمة غير المؤقتة يصح أن تكون أكثر من محكمة واحدة.
ثانيا: من حيث التقادم: ففي الجريمة المؤقتة تحسب المدة المسقطة للدعوى العمومية من وقت ارتكاب الجريمة، وفي الجريمة غير المؤقتة تحسب المدة من انتهاء حالة التجدد أو الاستمرار.
ثالثا: من حيث تطبيق التشريعات الجديدة: لا تسرى التشريعات الجديدة على ما يقع قبلها من الجرائم المؤقتة، ولكنها تسري على الجرائم غير المؤقتة التي بدأت قبل صدور التشريعات الجديدة، وإذا ظلت حالة التجدد أو الاستمرار قائمة إلى ما بعد العمل بهذه التشريعات.
رابعا: من حيث قوة الشيء المقضي به : يعتبر الحكم في الجريمة المؤقتة صادرا عن الواقعة التي عرضت على المحكمة، فإذا كانت هناك وقائع أخرى سابقة لم تعرض على المحكمة، فلا يعتبر الحكم شاملا لها، ولو كانت من نوع الواقعة المحكوم فيها، جاز رفع الدعوى من جديد عن الوقائع اللاحقة، وامتنع رفعها عن الوقائع السابقة، والعلة في هذه التفرقة أن قواعد التداخل تنطبق على الوقائع السابقة، وطبقا لهذه القواعد لا يجوز رفع الدعوى عن وقائع سابقة إذا كانت مماثلة للواقعة التي حكم فيها، لأن العقوبة شرعت للتأديب والزجر، ووضعت على أنها تكفي لتحقيق هذين المعنيين، فلا حاجة إذن لتعدد العقوبات إلا إذا وقعت وقائع جديدة بعد توقيع العقوبة.
أما في الجرائم غير المؤقتة ، فيعتبر الحكم شاملا لجيمع الوقائع السابقة على رفع الدعوى، ولو لم تعرض بعض هذه الوقائع على المحكمة، لأن كل الوقائع تكون جريمة واحدة، ومن ثم فلا يجوز رفع الدعوى من جديد عن الوقائع التي لم نعرض على المحكمة ما دامت سابقة على صدور الحكم. أما الوقائع اللاحقة لصدور الحكم، فهذه يجوز رفع الدعوى من جديد عنها إذا كانت من الجرائم المتجددة، ولا يجوز رفع الدعوى عنها إذا كانت من الجرائم المستمرة.
تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة: ( جرائم ضد الجماعة ـ وجرائم ضد الأفراد)
تنقسم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة إلى جرائم ضد الجماعة وجرائم ضد الأفراد.
الجرائم التي تقع ضد الجماعة: هي التي شرعت عقوبتها لحفظ صالح الجماعة، سواء وقعت الجريمة على فرد، أو على جماعة، أو على أمن الجماعة ونظامها. ويقول الفقهاء : إن عقوبة هذا النوع من الجرائم شرعت حقا لله تعالى ومعنى هذا الاصطلاح أنها شرعت لحماية الجماعة، ولكنهم يجعلون العقوبة حقا لله، إشارة إلى عدم جواز العفو عنها، أو تخفيفها، أو إيقاف تنفيذها.
والجرائم التي تقع ضد الأفراد: هي التي شرعت عقوبتها لحفظ مصالح الأفراد، ولو أن ما يمس مصلحة الأفراد هو في الوقت ذاته ماس بصالح الجماعة. وتعتبر جرائم الحدود من الجرائم الماسة بمصلحة الجماعة ، ولو أنها في الغالب تقع على أفراد معينين، وتمس مصالحهم مساسا شديدا، كالسرقة والقذف، وليس في اعتبارها ماسة بالجماعة إنكار لمساسها بالأفراد، وإنما هو تغليب لمصلحة الجماعة على مصلحة الأفراد، بحيث لو عفا الفرد لم يكن لعفوه أثر على الجريمة أو العقوبة.
وجرائم القصاص والدية من الجرائم التي تقع على الأفراد، وليس معنى ذلك أنها لا تمس الجماعة وإنما معناه تغليب حق الفرد على حق الجماعة، فللفرد أن يتنازل عن القصاص والدية، وهما العقوبتان المقررتان أصلا للجريمة، وقد أعطى له حق التنازل لأن الجريمة تمسه مساسا مباشرا، فإذا تنازل عن العقوبة لم يترك الجاني، وإنما يعاقب بعقوبة تعزيرية حفظا لمصلحة الجماعة التي مست مساسا غير مباشر.
وجرائم التعازير بعضها يمس مصلحة الجماعة، وبعضها يمس مصلحة الأفراد والجماعة على المعنى الذي شرحناه سابقا. والاصح أن كل جريمة تمس مصلحة الجماعة تمس في النهاية مصلحة الأفراد, وكل جريمة تمس مصلحة الأفراد تمس في النهاية مصلحة الجماعة ، ولو كان محل الجريمة حقا خالصا للفرد، وفي هذا يقول أحد الفقهاء: ((ما من حق لآدمي إلا ولله فيه حق، إذ من حق الله على كل مكلف ترك أذاه لغيره)) فإذا اعتبرت الشريعة بعض الجرائم ماسة بمصلحة الجماعة فذلك لأنها تمس مصلحىة الجماعة أكثر مما تمس مصلحة الفرد، وإذا اعتبرت بعض الجرائم ماسة بمصلحة الأفراد فذلك لأنها تمس مصلحة الأفراد أكثر مما تمس مصلحة الجماعة.
تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة : جرائم عادية وجرائم سياسية
فرقت الشريعة من يوم وجودها بين الجرائم العادية وجرائم البغي أي الجرائم السياسية، ولكن الشريعة راعت في هذه التفرقة مصلحة الجماعة وأمنها، والمحافظة على نظامها وكيانها، فلم تعتبر كل جريمة ارتكبت لغرض سياسي جريمة سياسية، وإن كانت قد اعتبرت بعض الجرائم العادية التي ترتكب في ظروف سياسية معينة جرائم سياسية.
ولا تختلف الجريمة السياسية عن الجريمة العادية في طبيعتها، فكلاهما تتفق مع الأخرى في المحل والنوع والوسائل وإنما يختلفان في البواعث التي تبعث عليهما فالجريمة السياسية ترتكب لتحقيق أغراض سياسية، أو تدفع إليها بواعث، سياسية، أما الجرائم العادية فالأصل فيها أن تكون بواعثها عادية، ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن تدفع إليها بواعث سياسية، ومعنى هذا أن الجريمة العادية تختلط أحيانا بالجريمة السياسية، ولهذا كان للتفريق بين الجريمتين أهمية كبرى.
متى توجد الجريمة السياسية: إنما توجد الجريمة السياسية في الظروف غير العادية ، وعلى وجه التحديد في حالة الثورة. وفي حالة الحرب الأهلية، فإذا ثار فريق من الرعية على الدولة وإذا قامت حرب بين الدولة وبين بعض رعاياها الخاريجين عليها أمكن أن توجد الجريمة السياسية إذا توفرت شروط معينة في الثوار أو المحاربين، فإذا لم تتوفر هذه الشروط، أو توفرت ولكن لم توجد حالة الثورة أو الحرب، فالجرائم التي تقع لا يمكن أن تكون جرائم سياسية ، وإنما هي جرائم عادية.
المجرمون السياسيون: تسمى الجريمة السياسية في اصطلاح الفقهاء ((البغي، ويسمى المجرمون السياسيون البغاة أو الفعئة الباغية)) والبغاة كما يعرفها الفقهاء (( هم القوم الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ ولهم منعة وشوكة))
الشروط التي يجب توفرها في المجرمين السياسيين أو البغاة:
الشروط التي يجب توفرها في المجرم وعمله ليعتبر مجرما سياسيا أو باغيا:
أولا: الغرض من الجريمة: يشترط أن يكون الغرض من الجريمة إما عزل رئيس الدولة أو الهيئة التنفيذية، وإما الامتناع عن الطاعة، فإذا توفر الغرض على هذا الوجه مع توفر الشروط الأخرى كانت الجريمة سياسية . أما إذا كانت الغرض في الجريمة إدخال نظام غير إسلامي يخالف النظام، أو تمكين دولة أجنبية من النساط على البلاد، أو إضعاف قوة الدولة أمام غيرها من الدول. فإن الجريمة لا تكون بغيا أي سياسية، وإنما هي إفساد في الأرض، ومحاربة لله ورسوله، وهي جريمة عادية قررت الشريعة عقوبة قاسية.
ثانيا: التأول: يشترط في البغاة أي المجرمين أن يكونوا متأولين، أي أن يدعوا سببا لخروجهم، ويدللوا على صحة ادعائهم، ولو كان الدليل في ذاته ضعيفا، كادعائ الخارجين على الإمام علي، بأنه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليه ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم، وكتأول بعض ما نعي الزكاة في عهد أبي بكر بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن كانت صلاته سكنا لهم.
ثالثا: الشوكة : يشترط في الباغي أي المجرم السياسي أن يكون ذا شوكة وقوة لا بنفسه بل بغيره ممن هم على رأيه، فإذا لم يكن من أهل الشوكة على هذا الوصف، فلا يعتبر مجرما سياسيا ولو كان متأولا.
رابعا: الثورة والحرب: ويشترط بعد ذلك كله أن تقع الجريمة في ثورة أو حرب أهلية اشتعلت لتنفيذ الغرض من الجريمة، فإن وقعت الجريمة في غير حالة الثورة أو الحرب الأهلية، فهي ليست بغيا أو جريمة سياسية، وإنما هي جريمة عادية، يعاقب فاعلها بالعقوبة العادية المقررة لها.
أركان الجريمة: للجريمة بصفة عامة أركان لا بد من توفرها وهذه الأركان ثلاثة:
الأول: أن يكون هناك نص يحظر الجريمة ويعاقب عليها، وهو ما نسميه بالركن الشرعي للجريمة
الثاني: إتيان العمل المكون للجريمة سواء كان فعلا أو امتناعا، وهذا ما نسميه بالركن المادي للجريمة
الثالث: أن يكون الجاني مكلفا أي مسئولا عن الجريمة، وهذا ما نسميه بالركن الأدبي.
الركن الشرعي للجريمة ـ توجب الشريعة لاعتبار الفعل جريمة أن يكون هناك نص يحرم هذا الفعل ، ويعاقب على إتيانه. ووجود النص المحرم للفعل المعاقب عليه لا يكفي بذاته للعقاب على كل فعل وقع في أي وقت وفي أي مكان ومن أي شخص، وإنما يشترط للعقاب على الفعل المحرم أن يكون النص الذي حرمه نافذ للمفعول وقت اقتراف الفعل، وأن يكون ساريا على المكان الذي اقترف فيه الفعل ، وعلى الشخص الذي اقترفه، إذا تخلف شرط من هذه الشروط امتنع العقاب على الفعل المحرم.
الركن المادي للجريمة: إتيان الفعل المحظور سواء كانت الجريمة إيجابية أو سلبية، وقد يتم الجاني الفعل فتعتبر الجريمة تامة كمن سرق متاعا من آخر وخرج به من الحرز، وقد لا يتم الجاني الفعل فتعتبر الجريمة غير تامة، كمن يضبط قبل الخروج بالمسروقات من الحرز أو بعد دخوله مباشرة، وهذا ما نسميه بالشروع في الجريمة. وقد يرتكب الفعل المحرم أسخاص يتعاونون على ارتكابه يتفقون على الجريمة فينفذ أحدهم أو بعضهم أو يساعد بعضهم البعض الآخر ويعينه حال ارتكابها وهذا ما نسميه بالإشتراك.
الركن الأدبي للجريمة: أتيان الفعل المحرم أو متناع الفعل المأمور به للجاني المكلف ، فالشريعة تعرف محلا للمسئولية إلا الإنسان الحي المكلف، فإذا مات سقطت عنه التكاليف ولم يعد محلا للمسئولية. والشريعة تعفي الأطفال ولا تؤاخذ المكره ولا فاقد الإدراك ولا يسأل الإنسان إلا عن جنايتهن ولا يؤخذ بجناية غيره مهما كانت صلته به.
الأفعال المتصلة بالجريمة وعلاقتها بالمسئولية الجنائية: وهي ثلاثة:
أولا: مباشرة : هي ما أحدث الجريمة بذاته دون واسطة وكان علة للجريمة، كذبح شخص بسكين فإن الذبح يحدث الموت بذاته، وهو في الوقت نفسه علة الموت.
ثانيا: سبب: هو ما أحدث الجريمة لا بذاته بل بواسطة وكان علة للجريمة، كشهادة الزور على برئ بأنه قتل غيره فإنها علة للحكم على المشهود عليه بالموت ولكن الشهادة لا تحدث بذاتها الموت، وإنما يحدث الموت بوساطة فعل الجلاد الذي يتولى تنفيذ حكم القاضي الذي صدر بالموت.
ثالثا: الشرط: هو ما لا يحدث الجريمة وهو علة لها، ولكن وجوده جعل فعلا آخر محدثا للجريمة وعلة لها، ومثل ذلك أن يلقى إنسان بآخر في بئر حفره ثالث لغير غرض القتل فيموت الثاني، فإن ما أحدث الموت وكان علة له هو الالقاء في البئر لا حفر البئر، ولكن الإلقاء ما كان يمكن أن يكون له أثره الذي حدث لولا وجود البئر، فوجود البئر شرط لجريمة القتل التي وقعت بواسطة الألقاء في البئر.
العقوبة والغرض منها:
ماهية العقوبة: هي الجزاء المقرر من الشريعة لمصلحة الجماعة أو الفرد على عصيان أمر الشارع. والمقصود من فرض عقوبة على عصيان أمر الشارع هو إصلاح حال البشر، وحمايتهم من المفاسد، واستنقاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، وكفهم عن المعاصي، وبعثهم على الطاعة. فالأصول المحققة للغرض من العقوبة هي:
أولا: أن تكون العقوبة بحيث تمنع الكافة عن الجريمة قبل وقوعها، فإذا ما وقعت الجريمة كانت العقوبة بحيث تؤدب الجاني على جنايته وتزجر غيره عن التشبه به وسلوك طريقه.
ثانيا: إن حد العقوبة هو حاجة الجماعة ومصلحتها، فإذا اقتضت مصلحة الجماعة التشديد شددت العقوبة، وإذا اقتضت مصلحة الجماعة التخفيف خففت العقوبة ، فلا يصح أن تزيد العقوةب أو تقل عن حاجة الجماعة.
ثالثأ: إذا اقتضت حماية الجماعة من شر المجرم استئصاله من الجماعة أو حبس شره عنها وجب أن تكون العقوبة هي قتل المجرم أو حبسه عن الجماعة حتى يموت مالم يتب أو ينصلح حاله.
رابعا: إن كل عقوبة تؤدي لصلاح الأفراد وحماية الجماعة هي عقوبة مشروعة فلا ينبغي الاقتصار على عقوبات معينة دون غيرها.
خامسا: إن تأديب المجرم ليس معناه الانتقام منه وإنما استصلاحه، والعقوبات على اختلاف أنواعها تتفق كما يقول بعض الفقهاء في أنها ((تأديب استصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب)) والعقوبات ( إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.
شروط العقوبة: يشترط في كل عقوبة أن تتوفر فيها الشروط الآتية لتكون عقوبة مشروعة:
أولا: أن تكون العقوبة شرعية: وتعتبر العقوبة شرعية إذا كانت تستند إلى مصادر من مصادر الشريعة وهي القرآن أو السنة، أو الاجماع أو صادرة من ولي الأمر ما لا يخالف نصوص الشريعة وإلا كانت عقوبة باطلة.
ثانيا: أن تكون العقوبة شخصية: ويشترط في العقبة أن تكون شخصية تصيب الجاني ولا تتعداه إلى غيره، وهذا الشرط هو أحد الأصول التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية.
ثالثا: أن تكون العقوبة عامة: ويشترط في العقوبة أن تكون عامة تقع على كلا الناس مهما اختلفت أقدارهم بحيث يتساوى الحاكم والمحكوم والغني والفقير والمتعلم والجاهل.
أقسام العقوبة:
تنقسم العقوبات بحسب الرابطة القائمة إلى أربعة أقسام:
أولا: العقوبة الأصلية: وهي العقوبة المقررة أصلا للجريمة كا القصاص للقتل والرجم للزنا والقطع للشرقة
ثانيا: العقوبة البدلية: وهي العقوبة التي تحل محل عقوبة أصلية إ ذا امتنع تطبيق العقوبة الأصلية لسبب شرعي، ومثالها الدية إذا درئ القصاص، والتعزير إذا درئ الحد أو القصاص.
ثالثا: العقوبة التبعية: هي العقوبة التي تصيب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة الأصلية ودون حاجة للحكم بالعقوبة التبعية، وملها حرمان القاتل من الميراث.
رابعا: العقوبة التكميلية: هي العقوبة التي تصيب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة الأصلية بشرط أن يحكم بالعقوبة التكميلية.
تقسيم العقوبة من حيث سلطة القاضي في تقديرها إلى:
أولا: عقوبة ذات حد واحد وهي التي لا يستطيع القاضي أن ينقص منها أو يزيدفيها ولوكانت تقبل بطبيعتها الزيادة والنقصان كالجلد المقرر حدا.
ثانيا: عقوبة ذات حدين وهي التي لها حد أدنى وحد أعلى ويترك للقاضي أن يختار من بينهما القدر الذي يراه ملائما كالحبس والجلد في التعازير.
تقسيم العقوبة من حيث وجوب الحكم بها إلى:
أولا: عقوبة مقدرة: وهي العقوبة التي عين الشارع نوعها وحدد مقدارها وأوجب على القاضي أن ويوقعها دون أن ينقص منها أو يزيد فيها أو يستبدل بها غيرها، ويسمى هذا النوع بالعقوبة اللازمة؛ لأن ولي الأمر ليس له إسقاطها ولا العفو عنها.
ثانيا: عقوبة غير مقدرة: وهي العقوبة التي يترك للقاض اختيار نوعها من بين مجموعة من العقوبات وتقدير حاكمها بحسب ما يراه من ظروف الجريمة وحال المجرم، وتسمى هذه بالعقوبة الخيرة.
تقسيم العقوبة من حيث محلها إلى:
أولا: عقوبة بدنية: وهي العقوبة التي تقع على جسم الأنسان، كالقتل والجلد والحبس
ثانيا: عقوبة نفسية: وهي العقوبة التي تقع على نفس الإنسان دون جسمه كالنصح والتوبيخ والتهديد.
ثالثا: عقوبة مالية: وهي العقوبة التي تصيب مال الشخص كالدية والغرامة والمصادرة
تقسيم العقوبة بحسب الجرائم التي فرضت عليها إلى:
أولا: عقوبة الحدود: وهي العقوبة المقررة على الجرائم الحدود
الزنا عقوبتها : الجلد ، والتغريب، أو الرجم
القذف عقوبتها: الجلد، وعدم الأهلية للشهادة
الشرب عقوبتها: الجلد
السرقة عقوبتها: القطع
الحرابة عقوبتها: القتل، أوالقتل مع الصلب، أوالقطع، أوالنفي
الردة عقوبتها: القتل
البغي عقوبتها: القتل
ثانيا: عقوبة القصاص والدية: وهي العقوبة المقررة لجرائم القصاص والدية
القتل العمد عقوبتها: القصاص،ومعناه أن يعاقب المجرم بمثل فعله فيقتل كما قتل ويجرح كما جرح.
القتل شبه العمد عقوبتها: الدية
القتل الخطأ عقوبتها: الدية
الجرح العمد عقوبتها: القصاص
الجرح الخطأ عقوبتها: الدية
ثالثا: عقوبة الكفارات: وهي عقوبة مقررة لبعض جرائم القصاص والدية وبعض جرائم التعازير
إفساد الصيام 2) إفساد الإحرام 3) الحنث في ليمين 5) الوطء في الحيض 6) الوط ء في الظهار 7) القتل شبه العمد والخطأ
رابعا: عقوبة التعازير: وهي العقوبة المقررة لجرائم التعازير.
التعزير هو تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود. ويعاقب بالتعزير على كل الجرائم فيما عدا الحدود وجرائم القصاص والدية .
سقوط العقوبة
تسقط العقوبات في الشريعة بأسباب مختلفة، وهي:
أولا: موت الجاني: تسقط العقوبة بموت الجاني إذا كانت بدينة أو متعلقة بشخص الجاني، أما إذا كانت العقوبة مالية كالدية والغرامة والمصادرة فلا تسقط بموت الجاني؛ لأن محل العقوبة مال الجاني لا شخصه ومن الممكن تنفيذ االعقوبة على مال الجاني بعد موته.
ثانيا: فوات محل القصاص، المقصود بالقصاص هنا القصاص فيما دون النفس ومعنى فوات محل القصاص أن يذهب العضو محل القصاص مع بقاء الجاني حيا.
ثالثا: توبة الجاني ، من المتفق عليه في الشريعة أن التوبة تسقط عقوبة جريمة الحرابة المقررة جزاء على الأفعال التي تمس حقوق الجماعة|. فالمحارب إذا تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه العقوبة المقررة على الأفعال الماسة بحقوق الجماعة.
رابعا: الصلح تسقط العقوبة بسبب الصلح في القصاص والدية فقط أما ما عداهما من العقوبات فلا أثر للصلح عليهما.
خامسا: العفو تسقط العقوبة بسبب عفو من المجنى عليه أو وليه، وإما أن يكون العفو من ولي الأمر، ولكن العفو ليس على أي حال سببا عاما لأسقاط العقوبة وإنما هو سبب خاص يسقط العقوبة في بعض الجرائم دون البعض الآخر.
سادسا: إرث القصاص ، تسقط عقوبة القصاص إذا ورث القصاص من ليس له أن يقتص من الجاني، كما تسقط العقوبة إذا ورث الجاني نفسه كل القصاص أو بعضه، فمثلا إذا كان في ورثة المقتول ولد للقاتل فلا قصاص، لأن القصاص لا يتجزأ، وما دام لا يجب بالنبة لولد القاتل، لأن الولد لا يقتص من أبيه فهو لا يجب للباقيين.
سابعا: التقادم المقصود من التقادم هو مضي فترة معينة من الزمن على الحكم بالعقوبة دون أن تنفذ فيمتنع بمضي هذه الفترة تنفيذ العقوبة.
فالجريمة إذن هي إثيان فعل محرم معاقب علي فعله، أو ترك فعل محرم الترك معاقب على تركه، أو هي فعل أو ترك نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه.
ويتبين من تعريف الجريمة أن الفعل أو الترك لا يعتبر جريمة إلا إذا تقررت عليه عقوبة، ويعبر الققهاء عن العقوبات بالأجزية، ومفردها جزاء، فإن لم تكن على الفعل أو الترك عقوبة فليس بجريمة.
الجريمة والجناية : كثيرا ما يعبرالفقهاء عن الجريمة بلفظ الجناية، والجناية في الاصطلاح الفقهي : اسم لفعل محرم شرعا، سواء وقع الفعل على نفس أو مال أو غير ذلك. لكن أكثر الفقهاء تعارفوا على إطلاق لفظ الجناية على الأفعال الواقعة على نفس الإنسان أو أطرافه، وهي القتل والجرح والضرب والإجهاض بينما يطلق بعضهم لفظ الجناية على جرائم الحدود والقصاص. وإذا نظرنا إلى تعاريف الفقهاء وجدنا أن إطلاق لفظ الجناية في الاصطلاح الفقهي مرادف للفظ الجريمة.
علة التحريم والعقاب: الأفعال المعتبرة جرائم يؤمر بها أو ينهى عنها ، لأن في إتيانها أو في تركها ضرر بنظام الجماعة أو عقائدها، أو بحياة أفرادها، أو بأموالهم، أو بأعراضهم، أو بمشاعرهم، أو بغير ذلك من شتى الاعتبارات التي تستوجب حال الجماعة صيانتها وعدم التفريط فيها.
وقد شرع العقاب على الجريمة لمنع الناس من اقترافها، لأن النهي عن الفعل أو الأمر بإتيانه، لا يكفي وحده لحمل الناس على إتيان الفعل أو الانتهاء عنه، ولولا العقاب لكانت الأوامر والنواهي أمورا ضائعة وضربا من العبث، فالعقاب هو الذي يحمل للأمر والنهي معنى مفهوما ونتيجة مرجوة، وهو الذي يزجر الناس عن الجرائم، ويمنع الفساد في الأرض ويحمل الناس على الابتعاد عما يضرهم، أو فعل مافيه خيرهم وصلاحهم.
والعقوبات وإن شرعت للمصلحة العامة فإنها ليست في ذاتها مصالح بل هي مفاسد، ولكن الشريعة أوجبتها لأنها تؤدي إلى مصالح الجماعة الحقيقية، وإلى صيانة هذه المصلحة. وربما كانت الجرائم مصالح، ولكن الشريعة نهت عنها لا لكونها مصالح، بل لأدائها إلى المفاسد، فالزنا وشرب الخمر والنصب واختلاس مال الغير وهجر الأسرة والامتناع عن إخراج الزكاة: كل ذلك قد يكون فيه مصلحة للأفراد، ولكنها مصالح ليس لها اعتبار في نظر الشارع، وقد نهى عنها لا لكونها مصالح، بل لأنها تؤدي إلى إفساد الجماعة.
كون الشريعة من عند الله: يترتب على كون الشريعة من عند الله نتيجتان هامتان:
النتيجة الأولى: ثبات القواعد الشرعية واستمرارها، ولو تغير الحكام أو اختلفت أنظمة الحكم، فيستوي أن تكون الهيئة الحاكمة محافظة أو مجددة، ويستوي أن يكون نظام الحكم جمهوريا أو ملكيا، فإن ذلك لن يؤثر على القواعد الشرعية في شيئ ما، لأن القواعد الشرعية لا ترتبط بالهيئة الحاكمة ولا بنظام الحكم وإنما ترتبط بالدين الإسلامي الذي لا يتغير ولا يتبدل، والذي يؤمن به كل حاكم ويستخدم له كل نظام.
النتيجة الثانية: احترام القواعد الشرعية احتراما تاما، بحيث يستوي في هذا الفريق الحاكم، والفريق المحكوم، لأن كليهما يعتقد أنها من عند الله، وأنها واجبة الاحترام، وهذا الاعتقاد بالذات يحمل الأفراد على طاعة القواعد الشرعية، لأن الطاعة تقربهم من الله طبقا لقواعد الدين الإسلامي، ولأن العصيان يؤدى إلى العقوبة في الدنيا وإلى ما هو شر من العقوبة في الآخرة.
الجريمة المدنية: عرف الفقهاء الإسلاميون موضوع الجريمة المدنية : بأن الأصل في الشريعة أن الأموال والنفوس معصومة، وكل فعل ضار بالإنسان أو بماله مضمون على فاعله إذا لم يكن له حق فيه، والضمان إما عقوبة جنائية إذا كان الفعل الضار معاقبا عليه، وإما تعويض مالي إذا لم يكن معاقبا عليه فلا يعتبر جريمة، ولا يسمى بهذا الاسم، وإنما هو فعل ضار، وإذن فلا مناسبة تجمع بين الجريمة والفعل الضار إلا أن كليهما مضمون على فاعله.
وقد يكون الفعل جريمة يستحق الجاني عليها العقاب، ثم يكون الفعل في الوقت نفسه فعلا ضارا فيضمنه الجاني للمجنى عليه، كاستهلاك صيد مملوك في الحرم، وشرب خمر الذمي، فإن الفاعل في هاتين الحالتين يعاقب على الصيد والشرب، وعليه قمية الصيد والخمر لصالحبيهما.
أنواع الجريمة ، تتفق الجرائم جميعا في أنها فعل محرم معاقب عليه، ولكنها تتنوع وتختلف إذا نظرنا إليها من غير هذه الوجهة. وعلى هذا يمكننا أن نقسم الجرائم أقساما متنوعة تختلف باختلاف وجهة النظر إليها:
التقسيم المبني على جسامة العقوبة: (الحدود ، القصاص والدية ـ التعازير) وهي على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: جرائم الحدود: وهي الجرائم المعاقب عليها بحد. والحد هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى ومعنى العقوبة أنها محددة معينة فليس لها حد أدنى ولا حد أعلى، ومعنى أنها حق لله أنها لا تقبل الإسقاط لا من الأفراد ولا من الجماعة.
وتعتبر العقوبة حقا لله في الشريعة كلما استوجبتها المصلحة العامة، وهي دفع الفساد عن الناس وتحقيق الصيانة والسلامة لهم، وكل جريمة يرجع فسادها إلى العامة، وتعود منفعة عقوبتها عليهم، تعتبر العقوبة المقررة عليها حقا لله تعالى تأكيدا لتحصيل المنفعة، وتحقيقا لدفع الفساد والمضرة إذ اعتبار العقوبة حقا لله يؤدي إلى عدم إسقاط الأفراد أو الجماعة لها.
وجرائم الحدود معينة ومحدودة وهي سبع جرائم: 1) الزنا 2) القذف 3) شرب المسكر 5) الحرابة 6) الردة 7) البغي. ويسميها الفقهاء الحدود دون إضافة لفظ جرائم إليها، وعقوباتها تسمى الحدود ايضا ولكنها تميز بالجريمة التى فرضت عليها فيقال حد السرقة، وحد الشرب ، ويقصد من ذلك عقوبة السرقة وعقوبة الشرب.
القسم الثاني: جرائم القصاص والدية: وهي الجرائم التي يعاقب عليها بقصاص أودية، وكل من القصاص والدية عقوبة مقدرة حقا للأفراد، ومعنى أنها مقدرة أنها ذات حد واحد، فليس لها حد أعلى وحد أدنى تتراوح بينهما، ومعنى أنها حق للأفراد أن للمجنى عليه أن يعفو عنها إذا شاء، فإ‘ذا عفا أسقط العفو العقوبة المعفو عنها.
وجرائم القصاص والدية خمس : 1) القتل العمد 2) القتل شبه العمد 3) القتل الخطأ 4) الجناية على ما دون النفس عمدا 5) الجناية على مادون النفس خطأ. ومعنى الجناية على ما دون النفس الإعتداء الذي لا يؤدى للموت كالجرح والضرب.
القسم الثالث: جرائم التعازير: هي الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعزير ومعنى التعزير التأديب، وقد جرت الشريعة عل عدم تحديد عقوبة كل جريمة تعزيرية، واكتفت بتقرير مجموعة من العقوبات لهذه الجرائم تبدأ بأخف العقوبات وتنتهي بأشدها، وتركت للقاض أن يختار العقوبة أو العقوبات في كل جريمة بما يلائم ظروف الجريمة وظروف المجرم فالعقوبات في جرائم التعزير غير مقدرة.
وجرائم التعزير غير محدودة كما هو الحال في جرائم الحدود أو جرائم القصاص والدية. وليس في الإمكان تحديدها. وقد نصت الشريعة على بعضها وهو ما يعتبر جريمة في كل وقت كالربا وخيانة الأمانة والسب والرشوة، وتركت لأولي أمر النص على بعضها الآخر، وهو القسم الأكبر من جرائم التعازير، ولكن الشريعة لم تترك لأولى الأمر الحرية في النص على هذه الجرائم بل أوجبت أن يكون التحريم بحسب ما تقتضيه حال الجماعة وتنظيمها والدفاع عن صوالحها ونظامها، وأن لا يكون مخالفا لنصوص الشريعة ومبادئها العامة.
وقد قصدت الشريعة من إعطاء أولى الأمر حق التشريع في هذه الحدود لتمكينهم من تنظيم الجماعة وتوجيهها الوجهات الصحيحة، وتمكينهم من المحافظة على صوالح الجماعة والدفاع عنها ومعالجة الظروف الطارئة.
والفرق بين الجريمة التي نصت عليها الشريعة والعمل الذي يحرمه أولي الأمر أن ما نصت عليه الشريعة محرم دائما فلا يصح أن يعتبر فعلا مباحا، أما ما يحرمه أولو الأمر اليوم فيجوز أن يباح غدا إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة.
أهمية التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى حدود، وقصاص، أو دية ، وتعازير من عدة وجوه:
أولا: من حيث العقو: جرائم الحدود لا يجوز فيها العفو مطلقا، سواء من المجنى عليه أو ولي الأمر أي الرئيس الأعلى للدولة، فإذا عفا أحدهما كان عفوه لغوا لا أثر له على الجريمة ولا على العقوبة.
أما في جرائم القصاص فالعفو جائز من المجنى عليهن فإذا عفا ترتب على العفو أثره، فللمجنى عليه أن يعفو عن القصاص مقابل الدية، وله أن يعفو عن الدية أيضا، فإذا عفا عن أحدهما أعفى منه الجاني. وليس لرئيس الدولة الأعلى أن يعفو عن العقوبة في جرائم القصاص بصفته هذه، لأن العفو عن هذا النوع من الجرائم مقرر للمجنى عليه أو وليه، لكن إذا كان المجنى عليه قاصرا ولم يكن له أولياء كان الرئيس الأعلى للدولة وليه، إذ القاعدة الشرعية أن السلطان ولي من لا ولي له، وفي هذه الحالة يجوز لرئيس الدولة العفو بصفته ولي المجنى عليه، لا بأي صفة أخرى، وبشرط ألا يكون العفو مجانا.
وأما في جرائم التعازير لولي الامر أي رئيس الدولة الأعلى حق العفو عن الجريمة، وحق العفو عن العقوبة، فإذا عفا كان لعفوه أثره بشرط أن لا يمس عفوه حقوق المجنى عليه الشخصية. وليس للمجنى عليه أن يعفو في التعازير إلا عما يمس حقوقه الشخصية المحضة . ولما كان الجرائم تمس الجماعة فإن عفو المجنى عليه من العقوبة أو الجريمة لا يكون نافذا وإن أدى في الواقع إلى تخفيف العقوبة على الجاني، لأن للقاض سلطة واسعة في جرائم التعازير من حيث تقدير الظروف المخففة، وتخفيف العقوبة. ولا شك أن عفو المجنى عليه يعتبر ظرفا مخففا.
ثانيا: من حيث سلطة القاضي: في جرائم الحدود إذا ثبتت الجريمة وجب عل القاضي أن يحكم بعقوبتها المقررة لا ينقص منها شيئا ولا يزيد عليها شيئا، وليس له أن يستبدل بالعقوبة المقررة عقوبة أخرى، ولا أن يوقف تنفيذ العقوبة فسلطة القاضي في جرائم الحدود قاصرة على النطق بالعقوبة المقررة للجريمة.
وفي جرائم القصاص سلطة القاضي قاصرة على توقيع العقوبة المقررة إذا كانت الجريمة ثابتة قبل الجاني، فإذا كانت العقوبة قصاص وعفا المجنى عليه عن القصاص أو تعذر الحكم به لسبب شرعي وجب على القاضي أن يحكم بالدية ما لم يعف المجنى عليه عنها؛ فإذا عفا كان على القاضي أن يحكم بعقوبة تعزير.
أما في جرائم التعازير فللقاضي فيها سلطة واسعة في اختيار نوع العقوبة ومقدارها فله أن يختار عقوبة شديدة أو خفيفة بحسب ظروف الجريمة والمجرم، وله أن ينزل بالعقوبة إلى أدنى درجاتها، وله أن يرتفع بها إلى حدها الأقصى، وله أن يأمر بتنفيذ العقوبة أو إيقاف تنفيذها.
ثالثا: من حيث قبول الظروف المخففة: ليس للظروف المخففة أي أثر على جرائم الحدود والقصاص والدية، فالعقوبة المقررة لازمة مهما كانت ظروف الجاني، أما في جرائم التعازير فللظروف المخففة أثرها على نوع العقوبة ومقدارها فللقاضي ان يختار عقوبة خفيفة، وأن ينزل بها إلى أدنى حدودها، وله أن يوقف تنفيذها.
رابعا: من حيث إثبات الجريمة: تشترط الشريعة إثبات جرائم الحدود والقصاص عددا معينا من الشهود إذا لم يكن دليل إلا الشهادة، فجريمة الزنا لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود يشهدون الجريمة وقت وقوعها، وبقية جرائم الحدود والقصاص لا تثبت إلا بشهادة شاهدين على الأقل. أما جرائم التعازير فتثبت بشهادة شاهد واحد.
تقسيم الجرائم بحسب قصد الجاني: (الجرائم المقصودة - والجرائم غير المقصودة) تنقسم الجرائم بحسب قصد الجاني إلى جرائم مقصودة وجرائم غير مقصودة:
أولا: الجرائم المقصودة: هي التي يتعمد الجاني فيها إتيان الفعل المحرم وهو عالم بأنه محرم، وهذا هو المعنى العام للعمد في الجرائم المقصودة أو الجرائم العمدية، وللعمد معنى خاص في القتل ، وهو تعمد الفعل المحرم وتعمد نتيجته، فإن تعمد الجاني الفعل دون نتئجة كان الفعل فتلا شبه عمد.
ثانيا: الجرائم غير المقصودة: هي التي لا ينوي فيها الجاني إتيان الفعل المحرم ولكن يقع الفعل المحرم نتيجة خطأ منه، والخطأ على نوعين:
النوع الأول: هو ما يقصد فيه الجاني الفعل الذي أدى للجريمة ولا يقصد الجريمة ولكنه مع ذلك يخطئ: إما في نفس الفعل كمن يرمي حجرا ليتخلص فيصيب أحد المارة، أو يرمي صيدا فيخظئه ويصيب آدميا. وإما أن يكون الخطأ في ظنه كمن يرى ما يظنه حيوانا فإذ هو إنسان، أو يرى من يظنه جنديا من جنود الأعداء فإذا هو أحد المواطنين.
النوع الثاني: هو ما لا يقصد فيه الجاني الفعل ولا الجريمة ، ولكن يقع الفعل نتيجة لإهماله أو عدم احتياطه، كمن ينقلب وهو نائم على آخر بجواره فيقتله ، وكمن يحفر بئرا في طريق ولا يتخذ احتياطته لمنع سقوط المارة فيه.
آهمية هذ التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى مقصودة وغير مقصودة من وجهين:
أولا: أن الجريمة المقصودة تدل على روح إجرامية لدى الجاني، أما غير المقصودة فليس فيها ما يدل على ميل الفاعل للإجرام، ومن ثم كانت عقوبة الجريمة المقصودة شديدة وعقوبة الجريمة غير المقصودة خفيفة.
ثانيا: يمتنع العقاب على الجريمة المقصودة إذا لم يتوفر ركن العمد، أما الجريمة غير المقصودة فيعاقب عليها لمجرد الإهمال أو عدم التثبت.
تقسيم الجرائم بحسب وقت كشفها: جرائم متلبس بها ـ وجرائم لا تلبس فيها:
أولا: الجريمة المتلبس بها: هي الجريمة التي تكشف وقت إرتكابها، أو عقب ذلك ببرهة يسيرة، وهي رؤيته حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرحة يسيرة، ويعتبر أن الجاني شوهد متلبسا بالجناية إذا تبعه من وقعت عليه الجناية عقب وقوعها منه بزمن قريب أو تبعته العامة مع الصياح، أو وجد في ذلك الزمن حاملا لآلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقا أو أشياء آخرى يستدل منها علة أنه مرتكب الجناية أو مشارك في فعلها.
ثانيا: الجريمة التي لا تلبس فيها: هي التي لا تكشف وقت ارتكابها، أو التي يمضى بين ارتكابها وكشفها زمن غير يسير.
والمعروف لدى فقهاء الشريعة أن التلبس هو كشف الجريمة وقت ارتكابها والمقصود من اعتبار هذه الحالة قائمة هو تسهيل الإجراءات لكشف الحقيقة.
أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية هذا التقسيم في الشريعة من وجهين:
أولا: من حيث الإثبات: إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود وكان الدليل عليها هو شهادة الشهود فيجب أن يكون الشهود قد شهدوا بأنفسهم الحادث وقت وقوعهن ورأوا الجاني وهو يرتكب الجريمة.
ثانيا: من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذا شوهد الجاني وهو يرتكب الجناية كان لأي شخص أن يمنعه بالقوة عن ارتكاب الجريمة وأن يستعمل القوة اللآزمة لمنعه سواء كانت الجريمة اعتداء على حقوق الأفراد كالسرقة، أو اعتداء على حقوق الجماعة كشرب الخمر والزنا وهذا ما يسمى : حق الدفاع الشرعي العام.
تقسيم الجرائم إلى جريمة إيجابية وجريمة سلبية:
تنقسم الجرائم إلى إيجابية وسلبية بحسب ما إذا كان الفعل قد ارتكب بطريق الإيجاب أو السلب ، أو بحسب ما إذا كان الفعل مأمورا به أو منهيا عنه.
والجريمة الإيجابية : تتكون من إتبان فعل منهي عنه كالسرقة والزنا والضرب.
والجريمة السلبية: تتكون من الامتناع عن إتيان فعل مأمور به، كالمتناع الشاهد عن أداء الشهادة والامتناع عن إخراج الزكاة. وأكثر الجرائم إيجابية وأقلها الجرائم السلبية.
الجريمة الإيجابية تقع بطريق السلب. ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن الجريمة الإيجابية قد تقع بطريق السلب، فإذا وقعت على هذا الوجه استحق فاعلها العقوبة، فمن حبس إنسانا ومنعه الطعام أو الشراب أو الدفء في الليالي الباردة حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا فهو قاتل عمدا إن قصد بالمنع فتله.
فالمنع عند استيلاء الجوع والعطش والبرد على الممنوع يكون إهلاكا له والأم التي تمنع ولدها الرضاع قاصدة قتله تعتبر قاتلة عمدا، ولو أنها لم تأت بعمل إيجابي.
تقسيم الجرائم بحسب كيفية ارتكابها: (جرائم بسيطة ـ وجرائم اعتباد)
تنقسم الجرائم في الشريعة بحسب كيفية ارتكاب الجاني لها إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد:
أولا: الجريمةالبسيطة: هي التي تتكون من فعل واحد كالسرقة والشرب، ويستوي أن تكون الجريمة مؤقتة أو مستمرة، وجرائم الحدود والقصاص أو الدية كلها جرائم بسيطة.
ثانيا: جرائم الاعتياد: هي التي تتكون من تكرر وقوع الفعل، أي أن الفعل بذاته لا يعتبر جريمة، ولكن الاعتياد على ارتكابه هو الجريمة. وجرائم الاعتياد توجد بين جرائم التعازير. ويستدل عليها من النص المحرم للفعل، فإن كان يشترط للعقاب اعتياد الفعل فالجريمة جريمة عادة، وإن كان يكتفي بمجرد وقوع الفعل فالجريمة بسيطة.
أهمية التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد من الوجوه الآتية:
أولا: من حيث مبدأ سريان التقادم: في الجرائم البسيطة تبدأ المدة المسقطة للدعوى من يوم ارتكاب الجريمة إن كانت مؤقتة، ومن يوم انتهاء الحالة المحرمة إن كانت غير مؤقتة. أما في جرائم العادة فالمدة المسقطة تبدأ من تاريخ وقوع الفعل الأخيرالمكون للعادة.
ثانيا: من حيث القصاص: يكون الاختصاص في الجريمة البسيطة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة إذا كانت الجريمة مؤقتة، إن كانت مستمرة أو متجددة فالاختصاص لكل محكمة استمر في دائرتها الفعل أو تجدد. ويكون الاختصاص في جريمة العادة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الأخير المكون للعادة.
ثالثا: من حيث تطبيق قواعد التدخل : الحكم في جريمة عادة يمنع من محاكمة الجاني على الأفعال السابقة ولو لم تدخل في المحاكمة الأولى، لأن قواعد الشريعة لا تسمح بتعدد العقوبة على الجرائم التي من نوع واحد والتي لم يحكم فيها بعد وتكتفي بعقوبة واحدة عنها جميعا طبقا لقواعد التداخل.
تقسيم الجرائم بحسب كيفية ارتكابها: (حرائم مؤقتة ـ جرائم غير مؤقتة)
فالظاهر من تتبع جرائم التعازير أنها تنقسم بحسب الوقت الذي يستغرقه وقوعها إلى جرائم مؤقتة وجرائم غير مؤقتة:
فالجرائم المؤقتة: هي التي تتكون من فعل أو إمتناع يحدث في وقت محدود ولا يستغرق وقوعها أكثر من الوقت اللازم لوقوع الفعل أو قيام حالة الامتناع، مثل جريمة السرقة فإنها تتم بمجرد وقوع الفعل أي أخذ الشيئ خفية، ومل جريمة الشرب فإنها تتم بمجرد شرب الخمر، ومثل جريمة كتمان الشهادة فإنها تتم بمجرد الامتناع عن أداء الشهادة.
والجرائم غير المؤقتة: هي التي تتكون من فعل أو أمتناع قابل للتجدد أو الاستمرار فيستغرق وقوعها كل الوقت الذي تتجدد فيه الجريمة أو تستمر، ولا تعتبر الجريمة منتهية إلا بأنتهاء حالة التجدد أو الاستمرار. ومثال ذلك حبس شخص دون حق، والامتناع عن إخراج الزكاة، والامتناع عن تسليم إلى حاضنه، والامتناع عن أداء الدين مع القدرة عليه.
مقياس التمييز بين الجريمة المؤقتة وغير المؤقتة: نصوص الشارع هي وحدها التي تبين إن كانت الجريمة مؤقتة أم غير مؤقتة، لأن هذه النصوص تعرف الجريمة وتبين ركنها المادي فتميزها بذلك عن غيرها، فإن كان الفعل أو الأمتناع يقع وينتهي بمجرد ارتكاب الفعل أو قيام حالة الامتناع فالجريمة مؤقتة، وإن كان الفعل أو الامتناع يكون حالة مستمرة الحدوث أو التجدد فالجريمة غير مؤقتة.
وينبغي في هذا المقام أن نميز بين استمرار الجريمة واستمرار نتيجتها، فالسرقة تتم بأخذ الشيء خفية فهي جريمة مؤقتة، وبقاء المسروقات بعد ذلك تحت يد السارق ليس استمرار للسرقة، وإنما هو استمرار لنتيجتها، وجريمة الشرب تتم بتناول الخمر فيه جريمة مؤقتة، فإذا سكر الشارب فإن سكره لا يعتبر استمرارا للجريمة، وإنما هو استمرار لنتيجتها، إذ السكر نتيجة الشرب، ومضرب والجرح جريمة مؤقتة تتم بمجرد وقوع الضرب وحدوث الجرح، فإذا بقى المجنى عليه تحت العلاج مدة ما فذلك ليس استمرارا للجريمة، وإنما هوأثر من آثار الجريمة ونتيجة لها.
تنقسم الجرائم غير المؤقتة إلى جرائم متجددة وجرائم مستمرة:
فالجريمة المتجددة هي التي يتوقف فيها استمرار الجريمة على تدخل إرادة الجاني تدخلا متكررا مقصودا، كالامتناع عن أداء الزكاة، أو عن تسليم المحضون لحاضنه، وكإحراز سلاح دون رخصة. ففي هذه الحالات يأتي الجاني الفعل أو يمتنع عنه. ففي هذه الحالات يأتي الجاني الفعل أو يمتنع عنه. وتبقى جريمته فائمة ما بقى محرز السلاح. أو ممتنعا عن أداء الزكاة أو تسليم الطفل. ولكن بقاء الجريمة يتوقف على إرادة الجاني الذي يرى أن يبقى محرزا للسلاح دون ترخيص. أو ممتنعا عن أداء الزكاة أو تسليم الطفل لحاضنه.
والجرائم المستمرة هي التي لا يتوقف استمرار الجريمة فيها على تدخل إرادة الجاني، بل يستمر الفعل المكون للجريمة دون حاجة لتدخل إرادة الجاني. كحفر بئر في الطريق. وإقامة بناء في ملك الغير. أو خارجا عن خط التنظيم.
أهمية تقسيم الجرائم إلى مؤقة وغير مؤقتة: لهذا التقسيم أهمية من عدة وجوه كالآتية:
أولا: من حيث الإختصاص: فالمحكمة المختصة بمحاكمة الجاني على الجريمة المؤقتة هي المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة، لأن القضاء يتخصص بالزمان والمكان. أما المحكمة المختصة بمحاكمة الجاني على الجريمة غير المؤقتة، فهي كل محكمة وقع في دائرتها الفعل المتجدد أو المستمر، ولما كان من الممكن أن يقع هذا الفعل في أمكنة متعددة فمعنى ذلك أن المحاكم المختصة بنظر الجريمة غير المؤقتة يصح أن تكون أكثر من محكمة واحدة.
ثانيا: من حيث التقادم: ففي الجريمة المؤقتة تحسب المدة المسقطة للدعوى العمومية من وقت ارتكاب الجريمة، وفي الجريمة غير المؤقتة تحسب المدة من انتهاء حالة التجدد أو الاستمرار.
ثالثا: من حيث تطبيق التشريعات الجديدة: لا تسرى التشريعات الجديدة على ما يقع قبلها من الجرائم المؤقتة، ولكنها تسري على الجرائم غير المؤقتة التي بدأت قبل صدور التشريعات الجديدة، وإذا ظلت حالة التجدد أو الاستمرار قائمة إلى ما بعد العمل بهذه التشريعات.
رابعا: من حيث قوة الشيء المقضي به : يعتبر الحكم في الجريمة المؤقتة صادرا عن الواقعة التي عرضت على المحكمة، فإذا كانت هناك وقائع أخرى سابقة لم تعرض على المحكمة، فلا يعتبر الحكم شاملا لها، ولو كانت من نوع الواقعة المحكوم فيها، جاز رفع الدعوى من جديد عن الوقائع اللاحقة، وامتنع رفعها عن الوقائع السابقة، والعلة في هذه التفرقة أن قواعد التداخل تنطبق على الوقائع السابقة، وطبقا لهذه القواعد لا يجوز رفع الدعوى عن وقائع سابقة إذا كانت مماثلة للواقعة التي حكم فيها، لأن العقوبة شرعت للتأديب والزجر، ووضعت على أنها تكفي لتحقيق هذين المعنيين، فلا حاجة إذن لتعدد العقوبات إلا إذا وقعت وقائع جديدة بعد توقيع العقوبة.
أما في الجرائم غير المؤقتة ، فيعتبر الحكم شاملا لجيمع الوقائع السابقة على رفع الدعوى، ولو لم تعرض بعض هذه الوقائع على المحكمة، لأن كل الوقائع تكون جريمة واحدة، ومن ثم فلا يجوز رفع الدعوى من جديد عن الوقائع التي لم نعرض على المحكمة ما دامت سابقة على صدور الحكم. أما الوقائع اللاحقة لصدور الحكم، فهذه يجوز رفع الدعوى من جديد عنها إذا كانت من الجرائم المتجددة، ولا يجوز رفع الدعوى عنها إذا كانت من الجرائم المستمرة.
تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة: ( جرائم ضد الجماعة ـ وجرائم ضد الأفراد)
تنقسم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة إلى جرائم ضد الجماعة وجرائم ضد الأفراد.
الجرائم التي تقع ضد الجماعة: هي التي شرعت عقوبتها لحفظ صالح الجماعة، سواء وقعت الجريمة على فرد، أو على جماعة، أو على أمن الجماعة ونظامها. ويقول الفقهاء : إن عقوبة هذا النوع من الجرائم شرعت حقا لله تعالى ومعنى هذا الاصطلاح أنها شرعت لحماية الجماعة، ولكنهم يجعلون العقوبة حقا لله، إشارة إلى عدم جواز العفو عنها، أو تخفيفها، أو إيقاف تنفيذها.
والجرائم التي تقع ضد الأفراد: هي التي شرعت عقوبتها لحفظ مصالح الأفراد، ولو أن ما يمس مصلحة الأفراد هو في الوقت ذاته ماس بصالح الجماعة. وتعتبر جرائم الحدود من الجرائم الماسة بمصلحة الجماعة ، ولو أنها في الغالب تقع على أفراد معينين، وتمس مصالحهم مساسا شديدا، كالسرقة والقذف، وليس في اعتبارها ماسة بالجماعة إنكار لمساسها بالأفراد، وإنما هو تغليب لمصلحة الجماعة على مصلحة الأفراد، بحيث لو عفا الفرد لم يكن لعفوه أثر على الجريمة أو العقوبة.
وجرائم القصاص والدية من الجرائم التي تقع على الأفراد، وليس معنى ذلك أنها لا تمس الجماعة وإنما معناه تغليب حق الفرد على حق الجماعة، فللفرد أن يتنازل عن القصاص والدية، وهما العقوبتان المقررتان أصلا للجريمة، وقد أعطى له حق التنازل لأن الجريمة تمسه مساسا مباشرا، فإذا تنازل عن العقوبة لم يترك الجاني، وإنما يعاقب بعقوبة تعزيرية حفظا لمصلحة الجماعة التي مست مساسا غير مباشر.
وجرائم التعازير بعضها يمس مصلحة الجماعة، وبعضها يمس مصلحة الأفراد والجماعة على المعنى الذي شرحناه سابقا. والاصح أن كل جريمة تمس مصلحة الجماعة تمس في النهاية مصلحة الأفراد, وكل جريمة تمس مصلحة الأفراد تمس في النهاية مصلحة الجماعة ، ولو كان محل الجريمة حقا خالصا للفرد، وفي هذا يقول أحد الفقهاء: ((ما من حق لآدمي إلا ولله فيه حق، إذ من حق الله على كل مكلف ترك أذاه لغيره)) فإذا اعتبرت الشريعة بعض الجرائم ماسة بمصلحة الجماعة فذلك لأنها تمس مصلحىة الجماعة أكثر مما تمس مصلحة الفرد، وإذا اعتبرت بعض الجرائم ماسة بمصلحة الأفراد فذلك لأنها تمس مصلحة الأفراد أكثر مما تمس مصلحة الجماعة.
تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة : جرائم عادية وجرائم سياسية
فرقت الشريعة من يوم وجودها بين الجرائم العادية وجرائم البغي أي الجرائم السياسية، ولكن الشريعة راعت في هذه التفرقة مصلحة الجماعة وأمنها، والمحافظة على نظامها وكيانها، فلم تعتبر كل جريمة ارتكبت لغرض سياسي جريمة سياسية، وإن كانت قد اعتبرت بعض الجرائم العادية التي ترتكب في ظروف سياسية معينة جرائم سياسية.
ولا تختلف الجريمة السياسية عن الجريمة العادية في طبيعتها، فكلاهما تتفق مع الأخرى في المحل والنوع والوسائل وإنما يختلفان في البواعث التي تبعث عليهما فالجريمة السياسية ترتكب لتحقيق أغراض سياسية، أو تدفع إليها بواعث، سياسية، أما الجرائم العادية فالأصل فيها أن تكون بواعثها عادية، ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن تدفع إليها بواعث سياسية، ومعنى هذا أن الجريمة العادية تختلط أحيانا بالجريمة السياسية، ولهذا كان للتفريق بين الجريمتين أهمية كبرى.
متى توجد الجريمة السياسية: إنما توجد الجريمة السياسية في الظروف غير العادية ، وعلى وجه التحديد في حالة الثورة. وفي حالة الحرب الأهلية، فإذا ثار فريق من الرعية على الدولة وإذا قامت حرب بين الدولة وبين بعض رعاياها الخاريجين عليها أمكن أن توجد الجريمة السياسية إذا توفرت شروط معينة في الثوار أو المحاربين، فإذا لم تتوفر هذه الشروط، أو توفرت ولكن لم توجد حالة الثورة أو الحرب، فالجرائم التي تقع لا يمكن أن تكون جرائم سياسية ، وإنما هي جرائم عادية.
المجرمون السياسيون: تسمى الجريمة السياسية في اصطلاح الفقهاء ((البغي، ويسمى المجرمون السياسيون البغاة أو الفعئة الباغية)) والبغاة كما يعرفها الفقهاء (( هم القوم الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ ولهم منعة وشوكة))
الشروط التي يجب توفرها في المجرمين السياسيين أو البغاة:
الشروط التي يجب توفرها في المجرم وعمله ليعتبر مجرما سياسيا أو باغيا:
أولا: الغرض من الجريمة: يشترط أن يكون الغرض من الجريمة إما عزل رئيس الدولة أو الهيئة التنفيذية، وإما الامتناع عن الطاعة، فإذا توفر الغرض على هذا الوجه مع توفر الشروط الأخرى كانت الجريمة سياسية . أما إذا كانت الغرض في الجريمة إدخال نظام غير إسلامي يخالف النظام، أو تمكين دولة أجنبية من النساط على البلاد، أو إضعاف قوة الدولة أمام غيرها من الدول. فإن الجريمة لا تكون بغيا أي سياسية، وإنما هي إفساد في الأرض، ومحاربة لله ورسوله، وهي جريمة عادية قررت الشريعة عقوبة قاسية.
ثانيا: التأول: يشترط في البغاة أي المجرمين أن يكونوا متأولين، أي أن يدعوا سببا لخروجهم، ويدللوا على صحة ادعائهم، ولو كان الدليل في ذاته ضعيفا، كادعائ الخارجين على الإمام علي، بأنه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليه ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم، وكتأول بعض ما نعي الزكاة في عهد أبي بكر بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن كانت صلاته سكنا لهم.
ثالثا: الشوكة : يشترط في الباغي أي المجرم السياسي أن يكون ذا شوكة وقوة لا بنفسه بل بغيره ممن هم على رأيه، فإذا لم يكن من أهل الشوكة على هذا الوصف، فلا يعتبر مجرما سياسيا ولو كان متأولا.
رابعا: الثورة والحرب: ويشترط بعد ذلك كله أن تقع الجريمة في ثورة أو حرب أهلية اشتعلت لتنفيذ الغرض من الجريمة، فإن وقعت الجريمة في غير حالة الثورة أو الحرب الأهلية، فهي ليست بغيا أو جريمة سياسية، وإنما هي جريمة عادية، يعاقب فاعلها بالعقوبة العادية المقررة لها.
أركان الجريمة: للجريمة بصفة عامة أركان لا بد من توفرها وهذه الأركان ثلاثة:
الأول: أن يكون هناك نص يحظر الجريمة ويعاقب عليها، وهو ما نسميه بالركن الشرعي للجريمة
الثاني: إتيان العمل المكون للجريمة سواء كان فعلا أو امتناعا، وهذا ما نسميه بالركن المادي للجريمة
الثالث: أن يكون الجاني مكلفا أي مسئولا عن الجريمة، وهذا ما نسميه بالركن الأدبي.
الركن الشرعي للجريمة ـ توجب الشريعة لاعتبار الفعل جريمة أن يكون هناك نص يحرم هذا الفعل ، ويعاقب على إتيانه. ووجود النص المحرم للفعل المعاقب عليه لا يكفي بذاته للعقاب على كل فعل وقع في أي وقت وفي أي مكان ومن أي شخص، وإنما يشترط للعقاب على الفعل المحرم أن يكون النص الذي حرمه نافذ للمفعول وقت اقتراف الفعل، وأن يكون ساريا على المكان الذي اقترف فيه الفعل ، وعلى الشخص الذي اقترفه، إذا تخلف شرط من هذه الشروط امتنع العقاب على الفعل المحرم.
الركن المادي للجريمة: إتيان الفعل المحظور سواء كانت الجريمة إيجابية أو سلبية، وقد يتم الجاني الفعل فتعتبر الجريمة تامة كمن سرق متاعا من آخر وخرج به من الحرز، وقد لا يتم الجاني الفعل فتعتبر الجريمة غير تامة، كمن يضبط قبل الخروج بالمسروقات من الحرز أو بعد دخوله مباشرة، وهذا ما نسميه بالشروع في الجريمة. وقد يرتكب الفعل المحرم أسخاص يتعاونون على ارتكابه يتفقون على الجريمة فينفذ أحدهم أو بعضهم أو يساعد بعضهم البعض الآخر ويعينه حال ارتكابها وهذا ما نسميه بالإشتراك.
الركن الأدبي للجريمة: أتيان الفعل المحرم أو متناع الفعل المأمور به للجاني المكلف ، فالشريعة تعرف محلا للمسئولية إلا الإنسان الحي المكلف، فإذا مات سقطت عنه التكاليف ولم يعد محلا للمسئولية. والشريعة تعفي الأطفال ولا تؤاخذ المكره ولا فاقد الإدراك ولا يسأل الإنسان إلا عن جنايتهن ولا يؤخذ بجناية غيره مهما كانت صلته به.
الأفعال المتصلة بالجريمة وعلاقتها بالمسئولية الجنائية: وهي ثلاثة:
أولا: مباشرة : هي ما أحدث الجريمة بذاته دون واسطة وكان علة للجريمة، كذبح شخص بسكين فإن الذبح يحدث الموت بذاته، وهو في الوقت نفسه علة الموت.
ثانيا: سبب: هو ما أحدث الجريمة لا بذاته بل بواسطة وكان علة للجريمة، كشهادة الزور على برئ بأنه قتل غيره فإنها علة للحكم على المشهود عليه بالموت ولكن الشهادة لا تحدث بذاتها الموت، وإنما يحدث الموت بوساطة فعل الجلاد الذي يتولى تنفيذ حكم القاضي الذي صدر بالموت.
ثالثا: الشرط: هو ما لا يحدث الجريمة وهو علة لها، ولكن وجوده جعل فعلا آخر محدثا للجريمة وعلة لها، ومثل ذلك أن يلقى إنسان بآخر في بئر حفره ثالث لغير غرض القتل فيموت الثاني، فإن ما أحدث الموت وكان علة له هو الالقاء في البئر لا حفر البئر، ولكن الإلقاء ما كان يمكن أن يكون له أثره الذي حدث لولا وجود البئر، فوجود البئر شرط لجريمة القتل التي وقعت بواسطة الألقاء في البئر.
العقوبة والغرض منها:
ماهية العقوبة: هي الجزاء المقرر من الشريعة لمصلحة الجماعة أو الفرد على عصيان أمر الشارع. والمقصود من فرض عقوبة على عصيان أمر الشارع هو إصلاح حال البشر، وحمايتهم من المفاسد، واستنقاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، وكفهم عن المعاصي، وبعثهم على الطاعة. فالأصول المحققة للغرض من العقوبة هي:
أولا: أن تكون العقوبة بحيث تمنع الكافة عن الجريمة قبل وقوعها، فإذا ما وقعت الجريمة كانت العقوبة بحيث تؤدب الجاني على جنايته وتزجر غيره عن التشبه به وسلوك طريقه.
ثانيا: إن حد العقوبة هو حاجة الجماعة ومصلحتها، فإذا اقتضت مصلحة الجماعة التشديد شددت العقوبة، وإذا اقتضت مصلحة الجماعة التخفيف خففت العقوبة ، فلا يصح أن تزيد العقوةب أو تقل عن حاجة الجماعة.
ثالثأ: إذا اقتضت حماية الجماعة من شر المجرم استئصاله من الجماعة أو حبس شره عنها وجب أن تكون العقوبة هي قتل المجرم أو حبسه عن الجماعة حتى يموت مالم يتب أو ينصلح حاله.
رابعا: إن كل عقوبة تؤدي لصلاح الأفراد وحماية الجماعة هي عقوبة مشروعة فلا ينبغي الاقتصار على عقوبات معينة دون غيرها.
خامسا: إن تأديب المجرم ليس معناه الانتقام منه وإنما استصلاحه، والعقوبات على اختلاف أنواعها تتفق كما يقول بعض الفقهاء في أنها ((تأديب استصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب)) والعقوبات ( إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.
شروط العقوبة: يشترط في كل عقوبة أن تتوفر فيها الشروط الآتية لتكون عقوبة مشروعة:
أولا: أن تكون العقوبة شرعية: وتعتبر العقوبة شرعية إذا كانت تستند إلى مصادر من مصادر الشريعة وهي القرآن أو السنة، أو الاجماع أو صادرة من ولي الأمر ما لا يخالف نصوص الشريعة وإلا كانت عقوبة باطلة.
ثانيا: أن تكون العقوبة شخصية: ويشترط في العقبة أن تكون شخصية تصيب الجاني ولا تتعداه إلى غيره، وهذا الشرط هو أحد الأصول التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية.
ثالثا: أن تكون العقوبة عامة: ويشترط في العقوبة أن تكون عامة تقع على كلا الناس مهما اختلفت أقدارهم بحيث يتساوى الحاكم والمحكوم والغني والفقير والمتعلم والجاهل.
أقسام العقوبة:
تنقسم العقوبات بحسب الرابطة القائمة إلى أربعة أقسام:
أولا: العقوبة الأصلية: وهي العقوبة المقررة أصلا للجريمة كا القصاص للقتل والرجم للزنا والقطع للشرقة
ثانيا: العقوبة البدلية: وهي العقوبة التي تحل محل عقوبة أصلية إ ذا امتنع تطبيق العقوبة الأصلية لسبب شرعي، ومثالها الدية إذا درئ القصاص، والتعزير إذا درئ الحد أو القصاص.
ثالثا: العقوبة التبعية: هي العقوبة التي تصيب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة الأصلية ودون حاجة للحكم بالعقوبة التبعية، وملها حرمان القاتل من الميراث.
رابعا: العقوبة التكميلية: هي العقوبة التي تصيب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة الأصلية بشرط أن يحكم بالعقوبة التكميلية.
تقسيم العقوبة من حيث سلطة القاضي في تقديرها إلى:
أولا: عقوبة ذات حد واحد وهي التي لا يستطيع القاضي أن ينقص منها أو يزيدفيها ولوكانت تقبل بطبيعتها الزيادة والنقصان كالجلد المقرر حدا.
ثانيا: عقوبة ذات حدين وهي التي لها حد أدنى وحد أعلى ويترك للقاضي أن يختار من بينهما القدر الذي يراه ملائما كالحبس والجلد في التعازير.
تقسيم العقوبة من حيث وجوب الحكم بها إلى:
أولا: عقوبة مقدرة: وهي العقوبة التي عين الشارع نوعها وحدد مقدارها وأوجب على القاضي أن ويوقعها دون أن ينقص منها أو يزيد فيها أو يستبدل بها غيرها، ويسمى هذا النوع بالعقوبة اللازمة؛ لأن ولي الأمر ليس له إسقاطها ولا العفو عنها.
ثانيا: عقوبة غير مقدرة: وهي العقوبة التي يترك للقاض اختيار نوعها من بين مجموعة من العقوبات وتقدير حاكمها بحسب ما يراه من ظروف الجريمة وحال المجرم، وتسمى هذه بالعقوبة الخيرة.
تقسيم العقوبة من حيث محلها إلى:
أولا: عقوبة بدنية: وهي العقوبة التي تقع على جسم الأنسان، كالقتل والجلد والحبس
ثانيا: عقوبة نفسية: وهي العقوبة التي تقع على نفس الإنسان دون جسمه كالنصح والتوبيخ والتهديد.
ثالثا: عقوبة مالية: وهي العقوبة التي تصيب مال الشخص كالدية والغرامة والمصادرة
تقسيم العقوبة بحسب الجرائم التي فرضت عليها إلى:
أولا: عقوبة الحدود: وهي العقوبة المقررة على الجرائم الحدود
الزنا عقوبتها : الجلد ، والتغريب، أو الرجم
القذف عقوبتها: الجلد، وعدم الأهلية للشهادة
الشرب عقوبتها: الجلد
السرقة عقوبتها: القطع
الحرابة عقوبتها: القتل، أوالقتل مع الصلب، أوالقطع، أوالنفي
الردة عقوبتها: القتل
البغي عقوبتها: القتل
ثانيا: عقوبة القصاص والدية: وهي العقوبة المقررة لجرائم القصاص والدية
القتل العمد عقوبتها: القصاص،ومعناه أن يعاقب المجرم بمثل فعله فيقتل كما قتل ويجرح كما جرح.
القتل شبه العمد عقوبتها: الدية
القتل الخطأ عقوبتها: الدية
الجرح العمد عقوبتها: القصاص
الجرح الخطأ عقوبتها: الدية
ثالثا: عقوبة الكفارات: وهي عقوبة مقررة لبعض جرائم القصاص والدية وبعض جرائم التعازير
إفساد الصيام 2) إفساد الإحرام 3) الحنث في ليمين 5) الوطء في الحيض 6) الوط ء في الظهار 7) القتل شبه العمد والخطأ
رابعا: عقوبة التعازير: وهي العقوبة المقررة لجرائم التعازير.
التعزير هو تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود. ويعاقب بالتعزير على كل الجرائم فيما عدا الحدود وجرائم القصاص والدية .
سقوط العقوبة
تسقط العقوبات في الشريعة بأسباب مختلفة، وهي:
أولا: موت الجاني: تسقط العقوبة بموت الجاني إذا كانت بدينة أو متعلقة بشخص الجاني، أما إذا كانت العقوبة مالية كالدية والغرامة والمصادرة فلا تسقط بموت الجاني؛ لأن محل العقوبة مال الجاني لا شخصه ومن الممكن تنفيذ االعقوبة على مال الجاني بعد موته.
ثانيا: فوات محل القصاص، المقصود بالقصاص هنا القصاص فيما دون النفس ومعنى فوات محل القصاص أن يذهب العضو محل القصاص مع بقاء الجاني حيا.
ثالثا: توبة الجاني ، من المتفق عليه في الشريعة أن التوبة تسقط عقوبة جريمة الحرابة المقررة جزاء على الأفعال التي تمس حقوق الجماعة|. فالمحارب إذا تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه العقوبة المقررة على الأفعال الماسة بحقوق الجماعة.
رابعا: الصلح تسقط العقوبة بسبب الصلح في القصاص والدية فقط أما ما عداهما من العقوبات فلا أثر للصلح عليهما.
خامسا: العفو تسقط العقوبة بسبب عفو من المجنى عليه أو وليه، وإما أن يكون العفو من ولي الأمر، ولكن العفو ليس على أي حال سببا عاما لأسقاط العقوبة وإنما هو سبب خاص يسقط العقوبة في بعض الجرائم دون البعض الآخر.
سادسا: إرث القصاص ، تسقط عقوبة القصاص إذا ورث القصاص من ليس له أن يقتص من الجاني، كما تسقط العقوبة إذا ورث الجاني نفسه كل القصاص أو بعضه، فمثلا إذا كان في ورثة المقتول ولد للقاتل فلا قصاص، لأن القصاص لا يتجزأ، وما دام لا يجب بالنبة لولد القاتل، لأن الولد لا يقتص من أبيه فهو لا يجب للباقيين.
سابعا: التقادم المقصود من التقادم هو مضي فترة معينة من الزمن على الحكم بالعقوبة دون أن تنفذ فيمتنع بمضي هذه الفترة تنفيذ العقوبة.