محمد ابراهيم البادي
04-29-2010, 12:32 PM
أ ـ مالك جابر حميدي الخزاعي
جامعة القادسية
2009
المقدمة
من المعروف أنه إذا توافرت أركان المسؤولية المدنية من خطأ وضرر ورابطة سببية تجمع بينهما , فقد حقت المسؤولية على الفاعل وألزم بتعويض ما لحق المضرور من ضرر تعويضا عينيا أو تعويضا بمقابل على حسب الأحوال , ومن المعروف كذلك أن الهدف من المسؤولية المدنية هو تعويض المضرور عما أصابه من ضرر وليس عقاب الفاعل على فعله , ومن هنا يقدر التعويض على مقدار الضرر الذي لحق بالمضرور وليس على مقدار الخطأ الذي اقترفه الفاعل , لكن هذا الحكم العام قد يلحقه وصف يعدل منه بعض التعديل فتكون للتعويض صورة خاصة غير هذه الصورة العامة العادية . ويقع هذا في حالات ثلاث , الأولى حالة اتفاق الطرفين قبل تحقق المسؤولية على تعديل أحكامها وهذا هو موضوع بحثنا , والحالة الثانية حالة التأمين من المسؤولية المحتملة قبل تحققها كذلك , والحالة الثالثة حالة ما إذا انفتح أمام المضرور طريقان للتعويض عن الضرر الذي أصابه , طريق العقد الذي وقع الإخلال بالتزام من التزاماته , وطريق الفعل الضار ونعني بهذه الحالة مسألة الخيرة بين المسؤوليتين , كما أن العقد وليد الإرادة , فلها أن تضمنه ما تشاء من شروط والتزامات , إلا ما يخالف منها النظام العام والآداب العامة , وللعقد قوة ملزمة تلزم المدين الوفاء بالتزامه طبقا لما نص عليه العقد , فأن قصر أو تعدى قامت مسؤوليته العقدية , ولكن لا يمنع أن يتفق المتعاقدان على عدم مسؤولية المدين أو تحديدها عن إخلاله بالتزامه العقدي إذا أهمل في ذلك دون أن يتعمد أو يرتكب خطأ جسيما , ويعني هذا أن يقع على الدائن عبئ إثبات غش المدين حتى يرفع عنه شرط الإعفاء . أن سبب اختيارنا لهذا الموضوع والبحث فيه , هو إنني لم أجد بحثا - على حد علمي – مفصلا فيه , وإنما نجده في ثنايا شروحات مصادر الالتزام في كل المؤلفات التي وقعت تحت يدي , وقد يمر المؤلف عليه دون التعمق فيها , ولأهمية الموضوع آثرنا أن نتناوله بمقدمة وبفصلين نتناول في الفصل الأول اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية ومن خلال بحثين , نخصص المبحث الأول إلى ماهية اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية وبمطلبين , المطلب الأول يخصص إلى تمييز اتفاقات الإعفاء من المسؤولية عن غيرها من الأنظمة المشابهة لها , والمطلب الثاني إلى موقف المشرع العراقي من اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية , أما المبحث الثاني فسنتكلم فيه عن نطاق اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية .
أما الفصل الثاني فسنخصصه أن شاء الله إلى صور اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية والآثار المترتبة عليها , ومن خلال مبحثين أيضا , نتناول في المبحث الأول صور اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية . والمبحث الثاني عن آثار اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية .
وسنختم البحث بحصيلة ما تناولناه وبأهم الملاحظات والمقترحات والنتائج التي تم استنتاجها من خلال البحث , كما حرصنا أن يتخلل البحث إشارات للفقه والقانون المقارن ما سمحت لنا المصادر التي حصلنا عليها .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الباحث
الفصل الأول
اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
المبحث الأول
ماهية اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
تمثل اتفاقات المسؤليه بشكل عام سواء كانت في صورة إعفاء أو تخفيف أو تشديد تغييرا وتنظيما لآثار المسؤولية على غير الوجه الذي نظمت عليه في القانون .
فالتشديد في المسؤولية يتمثل في أقامة المسؤولية على المدين حتى لو وقع الضرر بسبب أجنبي لا يد له فيه , فهو ملزم هنا بتعويض الشخص المضرور (1) , وأما تخفيف المسؤولية فهو الاتفاق على بقاء هذه المسؤولية على عاتق المدين لكن يصبح أثرها ضئيلا تجاهه , فهو لا يلتزم إلا بدفع تعويضا جزئيا عن الإضرار التي لحقت بالدائن(2) .
أما فيما يخص اتفاقات الإعفاء من المسؤولية والتي تمثل مناط بحثنا هذا فيقصد بها اتفاق الطرفين على رفع آثار المسؤولية عن المدين , فلا تترتب هذه الآثار في ذمته على الرغم من توافر جميع عناصر المسؤولية العقدية من خطا وضرر وعلاقة سببية تجمع بينهما , وعليه فان المدين بموجب هذا الاتفاق لا يكون ملزما بدفع تعويض للدائن والحقيقة إن اتفاقات الإعفاء بهذا الوصف قد تشابه بعض الأنظمة القانونية مثل التأمين من المسؤولية او حالات الاتفاق على تحديد مضمون العقد بحذف التزام ناشئ عنه او تخفيفه , لذا فأننا سنركز في هذا المبحث على التمييز بين كل من اتفاقات الإعفاء من المسؤولية وبين هذه الانظمة , مخصصين لها المطلب الاول , اما المطلب الثاني فسنخصصه لبيان موقف كل من المشرع العراقي وبعض التشريعات الاخرى من هذه الاتفاقات .
المطلب الأول
تمييز اتفاقات الإعفاء من المسؤولية عن غيرها من الأنظمة المشابهة لها
كما بينا سابقا ان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية تهدف الى رفع الاثار الناجمة عن المسؤولية من كاهل المدين (3) فيتخلص بذلك من دفع التعويض للدائن مما جعل هذا الاثر يتشابه الى حد بعيد مع الاثار الناجمة عن بعض العقود والاتفاقات كعقد التأمين من المسؤولية والاتفاق على حذف الالتزام او تخفيض التزام ناجم عن عقد معين ففي كل من هذه الاحوال يتخلص المدين من عبئ دفع التعويض الى الشخص المضرور .
لكن هذا التشابه في الاثار لا يلغي من وجود بعض الفروقات الجوهرية بين كل من اتفاقات الاعفاء وهذه الأنظمة , وعليه فأننا سنحاول التمييز بين كل من اتفاقات الاعفاء من المسؤولية والتامين منها أولا ثم نميز بين اتفاقات الاعفاء من المسؤولية وتحديد مضمون العقد ثانيا وعلى الشكل التالي :-
أولا :- التمييز بين اتفاقات الاعفاء من المسؤولية والتامين منها :-
أ- أوجه الشبه :- يتلاقى كل من الإعفاء من المسؤولية والتامين منها في نقطة واحدة وهي تخليص المدين من اعباء دفع التعويض الى الشخص المضرور , فالشخص الذي يلجا الى إبرام عقد التامين من المسؤولية مع شركة التامين يهدف من وراء ذلك إلى إلغاء عبئ دفع التعويض على عاتق هذه الشركة , اما بالنسبة إلى الشخص الذي يلجا إلى إبرام اتفاق الإعفاء من المسؤولية يهدف إلى التخلص نهائيا من دفع التعويض إلى الشخص المضرور .
فالمدين في كل من الحالة الاولى والثانية يهدف من وراء عقد هذه الاتفاقات وعقد التامين إلى التخلص من اعباء دفع التعويض إلى الشخص المضرور , وهذا ما يحصل عادة في التامين على البضاعة(4) .
ب- أوجه الاختلاف :- الا انه وعلى الرغم من وجود النقطة التي يلتقي عندها هذين النظامين الا ان هناك جملة من الفروق العمليه والنظرية التي تفصل بينهما والتي يجعل كل منهما يشكل نظاما قانونيا قائما بذاته ومستقلا عن الاخر .
ومن هذه الفروق :-
1- في التامين من المسؤولية يحصل الشخص المضرور على حقه في التعويض ويكون حقه مضمونا , بينما في الإعفاء منها يحرم المضرور من هذا الحق لذلك نرى ان المشرع اجاز التامين من المسؤولية في حالة المسؤولية التقصيرية , ولم يجز الاتفاق على الإعفاء منها , ومن الامثلة على التامين من المسؤولية , ما اقدم عليه المشرع العراقي من فرض التامين من المسؤولية عن حوادث السيارات بمقتضى القانون رقم 205 لسنة 1964 الذي الغي ليحل محله قانون التامين الالزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 .
2- يعتبر عقد التامين من المسؤولية عقدا احتماليا اذ يعتبر عنصر الاحتمال عنصرا أساسيا في العقد , وبخلافه يعتبر العقد باطلا (5) , ولا وجود لعنصر الاحتمال بالنسبة للاتفاقات بوجه عام .
3- تباشر عمليات التامين من المسؤولية دائما شركات التامين فيكون طرفا عقد التامين شركة التامين و فرد من الافراد او شخصا معنويا , اما بالنسبة لاتفاقات الإعفاء فيكون الاطراف فيها من الافراد او من الاشخاص المعنوية .
4- يغطي التامين من المسؤولية في عقود النقل نقل الاشخاص ونقل الاشياء , بينما لم يجز قانون النقل العراقي اتفاق الإعفاء من المسؤولية في كلتا الصورتين ( نقل الاشخاص ونقل الاشياء ) , فقد ابطلت الفقرة الاولى من المادة (10) من قانون النقل الاتفاق على اعفاء الناقل من المسؤولية التي تصيب الراكب اعفاءا كليا او جزئيا , وجاءت الفقرة (2) من المادة (45) من هذا القانون بنص مماثل بالنسبة لنقل الاشياء .
ثانيا :- التمييز بين اتفاقات الإعفاء من المسؤولية واتفاقات تحديد مضمون العقد :-
كثيرا ما يصرح المشرع , وهو ينظم عقدا من العقود , بان هذا الالتزام او ذاك يقع على طرف من اطرافه ثم يردف ذلك بقوله (( مالم يتفق الطرفان على خلاف ذلك )) والحقيقة ان هناك كثير من الامثلة على هذه النصوص , نذكر منها :
نص المادة 541 من القانون المدني العراقي (6) التي تقضي (( بان مطلق عقد البيع يقضي بتسليم المبيع في محل وجوده وقت التعاقد ثم تقرر في فقرتها الثانية بانه ( اذا اشترط العقد تسليم المبيع في محل معين لزم البائع تسليمه في المحل المذكور )) ومن هذا القول بانه يجوز للمتعاقدين في غير حالة القواعد الامره والتي تعتبر من النظام العام ان يحددا مدى التزامهما , فاللمدين من التزام ان يتفق مع دائنه على تظييق دائرة التزامه فيعفى بذلك من المسؤولية عن كل اخلال يخرج عن حدود هذه الدائرة , والقاعدة العامة تؤكد ان المتعاقدين احرار في استبعاد هذا الالتزام او ذاك من نطاق التزاماتهما التعاقدية , فقد يشترط المستأجر عدم التزامه بالترميمات الطفيفة التي يلقيها العرف على عاتقه (7) , فهذه الاتفاقات صحيحة ولا يحد منها الا القواعد الامره والقواعد المتعلقة بالنظام العام والاداب العامة .
ولكن يختلف اتفاق الإعفاء من المسؤولية عن تحديد مضمون العقد في ان المدين يبقى مثقلا في الالتزام ويجب عليه الوفاء به , وفي حالة عدم تنفيذ المدين لالتزامه لا يكون مسؤولا تجاه الدائن عن الاخلال بالالتزام ولذلك فهو لايلتزم بدفع تعويض عن الضرر الذي يلحق الدائن من من جراء عدم التنفيذ .
اما بالنسبة لاتفاقات تحديد مضمون العقد بحذف التزام فان المدين لا يكون ملتزما على الاطلاق بالالتزام المحذوف ومن ومن ثم لا تنعقد مسؤوليته اصلا (8) فالمدين هنا لا يتحمل أي التزام لان الاتفاق اعفاه منه والقاه على عاتق الطرف الاخر , ولهذا فلا يسأل عن تنفيذ الالتزام الذي تخلص منه , اما بالنسبة لاتفاق الإعفاء من المسؤولية فان المدين لم يتخلص منه كله وانما نفى عن نفسه المسؤولية الناجمة عن اخلاله اليسير بهذا الالتزام الا انه لا يستطيع ان ينفي عن نفسه الاخلال المتعمد او الخطأ الجسيم (9) .
المطلب الثاني
موقف المشرع العراقي من اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
لقد أجاز التشريع العراقي اتفاقات الإعفاء من المسؤولية حيث نصت المادة (259) من القانون المدني العراقي (10) على (( 1- يجوز الاتفاق على ان يتحمل المدين نتيجة الحادث الفجائي والقوة القاهرة . 2- يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من كل مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي الا التي تنشا عن غشه او خطئه ومع ذلك يجوز للمدين ان يشترط عدم مسؤوليته عن الغش او الخطأ الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه . 3- يقع باطلا كل اتفاق شرط يقضي بالاعفاء من المسؤولية التي تترتب على العمل غير المشروع )) .
ونصت المادة (556) على انه (( 1- يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص ان يزيدا من ضمان الاستحقاق او ان ينقصانه او ان يسقطا هذا الضمان ويقع باطلا كل شرط يسقط الضمان او ينقصه اذا كان البائع قد تعمد اخفاء حق للمستحق )) .
وبالنسبة لعقد الهبة فقد نص المشرع في المادة (614) على انه (( 1- لا يضمن الواهب استحقاق الموهوب الا اذا تعمد اخفاء سبب الاستحقاق او الا اذا كانت الهبه بعوض , وفي الحالة الاخيرة لايضمن الواهب الاستحقاق الا بقدر ما اداه الموهوب له من عوض , كل هذا مالم يتفق على غيره )) .
وبالنسبة لقدر الايجار فقد نصت المادة (756) بمسؤولية المؤجر عن خلو العين من الصفات التي تعهد للمستأجر صراحه بتوافرها فيها او عن خلوها من صفات يقتضيها الانتفاع بهذه العين الا اذا اتفق الطرفان بخلاف ذلك .
ولم يجز المشرع العراقي اتفاق الاطراف على الإعفاء من المسؤولية في بعض النصوص القانونية ومنها ما نصت عليه المادة (759) من القانون المدني (( ببطلان كل اتفاق على الحد او الإعفاء , من ضمان التعرض او ضمان العيب اذا كان المؤجر قد اخفى عن غش سبب هذا الضمان)).
اما بالنسبة لقانون النقل فقد بينا سابقا انه قضى بابطال أي اتفاق على الإعفاء من المسؤولية في حالة نقل الاشخاص او الاشياء , وقد نصت المادة (46/ف2) من القانون المذكور على ابطال كل شرط يقضي باعفاء الناقل من المسؤولية الناجمة عن هذه المسؤولية اذا نشأت عن افعال تابعية , ومن قبلها القت الفقرة الاولى من هذه المادة مسؤولية هلاكه او تلفه على الناقل ولم تجز له التخلص من المسؤولية الا باثبات القوة القاهرة او خطأ المرسل او المرسل اليه او العيب الذاتي في الشئ المنقول , واجازت المادة (50) من هذا القانون الاتفاق على اعفاء الناقل من المسؤولية عن التاخير اذا كان لهذا التاخير مبرر ضمن الحد المعقول .
المبحث الثاني
نطاق اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
إذا كان المبدأ السائد في القانون هو جواز اتفاق المتعاقدين على الإعفاء من المسؤولية التعاقدية فإلى أي مدى يتسع هذا المبدأ وهل من الممكن أن يضيق نطاق هذا المبدأ فيحدد المشرع من نطاق تطبيقه , وبمعنى آخر متى تعتبر هذه الاتفاقات صحيحة و متى لا تكون كذلك؟
وللإجابة على هذه التساؤلات والوقوف على مدى بطلان او صحة هذه الالتزامات نقول بان المشرع العراقي أورد نصوصا حدد فيها صحة هذه الاتفاقات وبطلانها , فقد نصت المادة (259) في الفقرة الثانية على انه (( كذلك يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من كل مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي الا التي تنشأ عن غشه او خطئه (11) ,ومع ذلك يجوز للمدين ان يشترط عدم مسؤوليته عن الغش او الخطا الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه , وكما هو واضح من النص المذكور فان المشرع العراقي توسع في نطاق اتفاقات الإعفاء مالم يكن الخطأ الذي نجم عنه الضرر وقع بسبب غش المدين او خطائه الجسيم , كما انه يبرئ المدين من أي مسؤولية وعد اتفاق الإعفاء منها صحيحا في حالة كون المسؤولية نجمت عن خطأ جسيم أو غش وقع من قبل الاشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ التزامه .
ولتحديد مدى صحة او بطلان هذه الاعتراضات نقول ان هذه الاتفاقات تكون مقيدة بقيد ان يكون هذا الضرر ناجما عن الغش اوالخطأ الجسيم للمدين , اما إذا كان منصبا على غش أو الخطا الجسيم لغير المدين وكان سببا في عدم تنفيذ العقد فانه لا يجوز الاتفاق على إعفاءه (12) . فأذا كان التزام المدين بتحقيق نتيجة فانه يسأل عن عدم التنفيذ ايا كان سببه ولا تخلى مسؤوليته الا باثبات السبب الاجنبي , كما يمكن الاتفاق على تخفيف هذه المسؤولية وذلك بالاتفاق على عدم مسؤوليته عن فعله المجرد من الخطأ , وفي هذه الحالة ينقلب التزامه من التزام بتحقيق نتيجة إلى التزام ببذل عناية , ولا يسأل هذا المدين الا إذا اثبت الدائن ارتكاب المدين لخطا ادى إلى عدم التنفيذ .
وقد يحدث الاتفاق على التخفيف بأعفاء المدين حتى من تبعه الخطا التافه اليسير , فلا يعد مسؤولا إذا اثبت الدائن ارتكاب المدين للخطا الجسيم او الغش , على انه لا يجوز الاتفاق على إعفاءه على من تبعه الخطا العمدي او الجسيم الا إذا كان هذا الخطا راجعا الى الغير واتفق على الإعفاء منه , كما ذكرنا .
اما إذا كان التزام المدين هو التزام ببذل عناية , فان درجة العناية المطلوبة كما بينا هي عناية الرجل المعتاد , مالم ينص القانون على خلاف ذلك , ولهذا لا يكون المدين مسؤولا عن السبب الاجنبي ولا عن فعله المجرد من الخطأ ولا عن الخطأ التافه , وانما يعد مسؤولا عن فعله العمدي او خطأه الجسيم وقد يحدث الاتفاق على تشديد هذه المسؤولية فيصبح المدين مسؤولا بمقتضى هذا الاتفاق حتى عن الخطا اليسير او التافه او عن فعله المجرد عن الخطا , وعندئذ ينقلب التزامه إلى التزام بتحقيق نتيجة بعد ان كان التزامه ببذل عنايه , وقد يحدث الاتفاق على التخفيف من مسؤوليته بأن يتفق على عدم مسؤولية المدين عن الخطأ اليسير بما يبقى مسؤولا عن الخطا الجسيم او العمدي مالم يكن هذا الخطأ الاخير راجعا إلى فعل الغير (13) .
الفصل الثاني
صور اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية والآثار المترتبة عليها
المبحث الأول
صور اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
الاتفاقات التي تحدد دائرة التزام المدين تكون بصور شتى , فقد تكون بالاتفاق على زوال او رفع الصفة التي يتحمل المدين بسببها هذا الالتزام , وقد يكون الاتفاق على استبعاد التزام معين من الالتزامات التي يرتبها العقد عادة , وقد يكون الاتفاق على تخفيف الالتزام بان يتفق مع الطرف الاخر على ان يجعل هذا الالتزام التزاما بوسيلة بعد ان كان بالاصل التزاما بنتيجة .
وفيما يلي شرح لكل صورة من هذه الصور :-
الصورة الاولى :- الاتفاق على ازالة الصفة التي تحمل المدين بسببها الالتزام :
القاعدة في القانون المدني الفرنسي , كما كانت في القانون الروماني(14) , (( ان الهلاك على المالك )) و اما بالنسبة للتشريع العراقي فأن تبعه الهلاك لا ترتبط بانتقال الملكية وانما ترتبط (بالتسليم) , فمع ان المشتري يصبح مالكا للمبيع المعين بالذات بمجرد انعقاد العقد , الا ان العين تبقى في ضمان البائع حتى يتم تسليمها إلى المشتري (15) , ولما كانت تبعة الهلاك مرتبطة بمعظم القوانين بتسليم المبيع , فان المتعاقدين كثيرا ما يعمدان إلى تنظيم التسليم وتحديد مكانه مثال ذلك الاتفاق على ان يتم التسليم في محطة القيام , وهو ما يجعل تبعة الهلاك على المشتري من الوقت الذي اتم فيه البائع توصيل البضاعة سالمة إلى هذه المحطة , او على ان يتفقا على ان يتم التسليم في ميناء الشحن متى تم ايصال البضاعة إلى ظهر السفينة ( وهو ما يسمى ببيع الفوب ) (16) .
وبذلك يتحمل المشتري تبعة المخاطر التي تتعرض لها البضاعة اعتبار من الوقت الذي يجتاز فيه حاجز السفينة من الميناء المحدد للشحن .
ولما كان تحديد وقت انتقال الملكية او تحديد تمام التسليم وطريقة حصوله من المسائل التي لا مساس لها بالنظام العام فانه يجوز للافراد الاتفاق عليها بكامل حريتهم , ومع ان لهذه الاتفاقات من الاثر ما يشبه الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية , الا انها تختلف عن هذه الاتفاقات الاخيرة اختلافا واضحا في طبيعتها , فالمدين هنا لا يتحمل أي التزام لان الاتفاق اعفاه منه والقاه على عاتق الطرف الاخر ولهذا لا يسأل هذا المدين عن تنفيذ هذا الالتزام الذي تخلص منه .
اما بالنسبة للاتفاق على الإعفاء من المسؤولية فان المدين لا يتخلص من الالتزام كله وانما نفى عن نفسه المسؤولية الناجمة عن اخلاله اليسير بهذا الالتزام ويبقى بعد هذا مسؤولا عن الاخلال المتعمد او الاخلال الناجم عن الخطأ الجسيم .
الصورة الثانية : - الاتفاق على استبعاد التزام معين :
إذا سلمنا ان القاعدة هي ان لا يجبر انسان على التعاقد , فهل يجب التسليم كذلك بان المتعاقد لا يتحمل من الالتزامات الا تلك التي اراد ادخالها في دائرة تعاقده , وبذلك يثور سؤال وهو هل المتعاقد حر في ان يوسع في دائرة العقد او ان يضيق منها كما يحلو له ؟
وللجواب على هذا التساؤل يمكن القول ان هنالك حدا ادنى من الالتزامات لا يمكن النزول عنها , فلو كان العقد من العقود التي لا ينشا عنها غير التزام واحد , فلا يمكن تفريغ هذا العقد من هذا الالتزام , اذ يصبح العقد لغوا لا معنى له , مثال ذلك عقد القرض – بدون فائدة – فان الالتزام الناشئ عن هذا العقد هو التزام المقترض برد ما اقترضه , ولا يمكن تفريغ العقد من هذا الالتزام الوحيد و الا انقلب إلى عقد آخر وهو عقد الهبة (17) .
وفي عقد البيع – مثلا – يلتزم المشتري بدفع الثمن وسبب التزامه هو نقل البائع ملكية العين المبيعة له , فلو اجيز للمتعاقدين الاتفاق على استبعاد التزام البائع بنقل الملكية انهار العقد , لانهيار سبب التزام المشتري , ول اجيز لهما الاتفاق على استبعاد التزام المشتري بدفع الثمن لانهار العقد لانعدام سبب التزام البائع , ولكن لو صرفنا النظر عن تلك الالتزامات الاساسية , لقلنا ان القاعدة انه ليس هناك ما يمنع المتعاقدين الاتفاق على استبعاد أي التزام من تلك الالتزامت القانونية التي يرتبها العقد عادة والتي لا صله لها بالنظام العام , مثال ذلك الالتزام بحفظ الاشياء , اذ كثيرا ما يترك احد المتعاقدين اشياء مملوكة له لدى المتعاقد الاخر , فيترك نزيل الفندق متاعه في الفندق ويترك المسافر حقائبه لدى متولي النقل , ويضع العامل ملابسه في المصنع ...... وألخ , ويجب ان نبين هنا اننا امام عقد وديعة إلى جانب العقد الاصلي (18) , وان هذا العقد لا يتوقف على هذه الوديعة ,وعلى هذا الاساس يجوز لصاحب الفندق - مثلا – ان يشترط على النزيل عدم مسؤوليته عن حفظ هذه الامتعة الا إذا سلمت اليه , فمثل هذا الشرط يعفيه من المسؤولية , الا إذا قدم النزيل الدليل على صدور خطأ من صاحب الفندق او احد تابعيه ومن اهم المجالات لتطبيق هذا الالتزام هو عقد البيع , اذ يلتزم البائع بضمان الاستحقاق وبضمان العيوب الخفية , فبالنسبة لضمان الاستحقاق فقد اجاز المشرع للمتعاقدين الاتفاق على زيادة هذا الضمان او على الانقاص منه او على اسقاطه , لكن الاتفاق على اسقاط هذا الضمان لا يكون صحيحا إذا كان البائع قد تعمد اخفاء حق المستحق ( 19) , اما بالنسبة لضمان العيوب الخفية فقد اجاز المشرع الاتفاق على استبعاده(20) .
ويفهم مما سبق انه يشترط لصحة الاتفاق على هذا الضمان او على تحديده ان يكون البائع حسن النية لم يتعمد اخفاء العيوب .
الصورة الثالثة : - اتفاقات التخفيف من المسؤولية :
يجوز للمدين ان يشترط عدم مسؤوليته عن عدم تنفيذه لالتزامه , سواء اكان ذلك راجعا إلى خطأه ام إلى خطأ الاشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ التزامه , ولكن لايجوز له ان يشترط إعفاءه من المسؤولية الناشئه عن غشه او خطه الجسيم (21) , ومثال اشتراط التخفيف من المسؤولية العقدية اشتراط البائع براءته من العيوب الخفية (22) , فالاصل ان يضمن البائع العيوب الخفية الموجودة في المبيع , ولكن يجوز له ان يخفف من هذا الضمان فيشترط عدم ضمانه لهذه العيوب , ومن ذلك ايضا (23) ان البائع ضامن لاستحقاق المبيع ولكن يجوز له ان يشترط انقاص هذا الضمان او اسقاطه .
واذا كان الاصل في هذه الاتفاقات انها صحيحة , الا ان الحالات التي قرر المشرع فيها بطلان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية يسري حكمها على اتفاقات التخفيف منها , ولكن يتبين لنا ان هذه الاتفاقات تاخذ صورة تحديد نسبة معينة من مقدار الضرر الحقيقي الذي لحق المضرور , وقد تاخذ تحديد حد اعلى لمسائلة الفاعل .
المبحث الثاني
اثار اتفاقات الإعفاء من المسؤولية التعاقدية
قد يبدو من الغريب – بعض الشئ – ان تخصص بحثا بعينه لهذا العنوان , فالاثار كما يبدو مفروغا منه , فالقواعد العامة تقضي بان ك اتفاق صحيح يرتب اثاره التي انصرفت اليها ارادة الطرفين , ومعنى هذا القول ان اثر هذا الاتفاق هو اعفاء المدين من المسؤولية عندما يكون الاتفاق صحيحا واعتباره كان لم يكن عندما يكون باطلا .
وبذلك فانه إذا كان شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية صحيحا , فانه يعفي المدين من المسؤولية بالقدر الذي يتسع له الشرط , ويبقى المدين مسؤولا فيما وراء ذلك . ولكن القضاء الفرنسي – واقتدى به القضاء المصري (24) – يضيق من اثر شرط الإعفاء , فعنده ان المسؤولية التقصيرية تجتمع مع المسؤولية العقدية , وللدائن الخيرة بين هاتين المسؤوليتين , فاذا كان هناك شرط يعفي من المسؤولية العقدية , بقيت المسؤولية التقصيرية , وعلى الدائن ان يثبت خطا في جانب المدين حتى يطالبه بالتعويض , لا على اساس المسؤولية العقدية وقد اعفى المدين منها بل على اساس المسؤولية التقصيرية وشرط الإعفاء من المسؤولية التقصيرية يتعارض مع النظام العام , فكان شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية لم يفعل الا ان نقل عبئ الاثبات من المدين إلى الدائن .
وهذه النتيجة تلزم من يقول بالخيرة بين المسؤوليتين التقصيرية والعقدية , اما الاستاذ السنهوري (25) فلا يقول بالخيرة بل يرى ان شرط الإعفاء إذا كان صحيحا اعفى المدين من المسؤولية العقدية , ولا محل للمسؤولية التقصيرية اذ ان هذه لاتجتمع مع تلك .
وعلى المدين الذي يتمسك بشرط الإعفاء ان يثبت وجود هذا الشرط ويصعب في كثير من الاحوال على المدين اثبات ان الدائن قبل شرط الإعفاء .
اما إذا كان شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية باطلا وفقا للقواعد التي تم ذكرها فشرط الإعفاء وحده هو الذي يبطل ويبقى العقد قائما دون شرط الإعفاء , وفي الوقت الحاضر فان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية متى كانت صحيحة فانها تعفي من اشترطت لمصلحته من المسؤولية اعفاءا تاما ايا كانت طبيعة هذه المسؤولية أي سواء كان نتيجة فعل المسؤول نفسه او نتيجة فعل الحيوان او نتيجة فعل الغير الذين يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه هذا الا إذا نص القانون على خلاف ذلك .
ولكن صحة هذه الاتفاقات مقيدة من ناحيتبن :
الاولى : ان لا يكون الضرر نتيجة غش او خطأ جسيم :
اذ ان المشرع وفي حالات معينة يذهب إلى تحريم شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية او تحديدها لدوافع مختلفة ومتباينة منها حماية المصلحة العامة او مصلحة احد الطرفين او لان شرط الإعفاء او التخفيف من المسؤولية يمس النظام العام والاداب العامة وقد اولت التشريعات المدنية الحديثة (26) اهمية للغش والخطأ الجسيم في التصرفات القانونية لان الاصل في العقود حسن النية في انعقادها وفي تنفيذها (27) , فاذا ارتكب المدين غشا او خطأ جسيما يكون قد خالف مبدأ حسن النية الواجب في العقد لهذا السبب اعتبر الغش و الخطا الجسيم من قبيل الاخطاء غير العقدية اي من الاخطاء الناشئة عن الفعل الضار , وبالتالي لا يجوز اشتراط الإعفاء منها او تحديد المسؤولية فيها , وذلك طبقا للقواعد العامة للمسؤولية عن الفعل الضار التي تحرم الإعفاء من المسؤولية لانها من النظام العام .
والغش هو كل فعل او امتناع عن فعل يقع من المدين بالتزام عقدي او من تابعيه بقصد احداث الضرر (28) , اما الخطا الجسيم فهو كل فعل او امتناع عن فعل يقع من المدين بالتزام عقدي او من تابعيه بطيش مقرون بعلم لما قد ينجم عنه من ضرر (29) , (( فقطع صاحب الارض الماء عن الزرع الذي قام بزراعته المدعي بموجب عقد بينهما , يعد خطا جسيما يوجب الحكم بقيمة الضرر وان جاوز مبلغ التعويض المتفق عليه )) (30) .
ويجب عدم الخلط بين التغرير الذي يحصل عند ابرام العقد , والغش او التغرير عند تنفيذ العقد , فالاول يعطي الحق للدائن المطالبة بفسخ العقد (31) , وتنشأ به نية الاضرار عند ابرام العقد , في حين ان الغش فيه نية الاضرار عند تنفيذ العقد وبالرجوع إلى القانون المدني العراقي (32) نجد انه يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من كل مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي الا التي تنشأ عن غشه او عن خطأه الجسيم , ومع ذلك يجوز للمدين ان يشترط عدم مسؤوليته عن الغش او الخطأ الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه .
والناحية الثانية : ان لا ينصب الضرر على شخص الانسان او شرفه او سمعته ولا يثير القيد الأول اية مشكلة فهو محل اجماع الفقه والقضاء اما بالنسبة للقيد الثاني فان الفكرة السائدة هي ان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية الناجمة عن الاضرار التي تلحق جسم الانسان او صحته او شرفه او سمعته , اتفاقات باطلة لمخالفتها للنظام العام وللاداب فذات الانسان محترمة لا يجوز المساس بها , ولا يسوغ ان تكون محلا للتصرف (33) , ومع هذا فانه قد يقال ان الاتفاق هنا لم ينصب على ( شخص الانسان او شرفه او كرامته ) وانما نحن امام اتفاق انصب على (المال) تنازل بمقتضاه الشخص عن المطالبة ( بتعويض ) عما لحقه من ضرر او اذى من جسمه او من شرفه , والتنازل عن مبلغ من المال امر لا مخالفه فيه للاداب او للنظام العام.
ان هذا الاتفاق لا يعني مطلقا ان يسمح الانسان لغيره بايقاع الضرر او الاذى بجسمه او شرفه وانما هو تنازل عن المطالبة بتعويض عن ضرر غير متعمد اصابه به المتعاقد معه .
وهذا الذي نجده عادة في حالة التعاقد مع الطبيب , فانه على الرغم من ان الامر يتصل بجسم الانسان وسلامته الا ان عبئ اثبات الخطا يقع على عاتق المريض .
نخلص من كل ما تقدم ان الاصل في هذه الاتفاقات ان تكون صحيحة منتجة لاثارها فالعقد ( او الاتفاق ) باعتباره امرا واقعا يمكن الاحتجاج او التمسك به بالنسبه للناس جميعا , اما الاثار التي يرتبها فانها ذات طبيعة نسبية قاصرة على اطرافها ومن هنا نصت الفقرة الاولى من المادة (142) مدني عراقي على انه (( ينصرف اثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام ... )) .
فالقاعدة إذا ان الذي يستفيد من هذا الشرط هو ذلك الشخص الذي اشترطه لمصلحته وخلفه العام .
مثال ذلك انه إذا اشتمل عقد نقل الاشياء على شرط ( بتحديد ) مسؤولية الناقل عن هلاك البضاعة او تلفها او تعيبها (( وهو اتفاق تجيزه المادة (49) من قانون النقل )) فانه يجوز لمالك البضاعة او المرسل اليه على الرغم من وجود هذا الشرط – مطالبة الغير –او تابع الناقل الذي نجم الضرر عن فعله بالتعويض الكامل (34) .
الخاتمة
من القضايا التي لا يمكن ان يثور النقاش بصددها , انه لابد من وجود ضوابط للسلوك في كل مجتمع , كيما تنظم على نحو ملزم تصرفات افراده , خاصة كيفية استعمالهم لحقوقهم , سيما وان للحقوق وظائف اجتماعية تؤديها وحسم الخصومات التي تنشأ بصددها , وهذا ما يضطلع به المشرع عن طريق ما يسنه من تشريعات في هذا النطاق يتوخى فيها حماية هذه الحقوق وضمان حسن تمتع اصحابها بمزاياها في اطار المصلحة الاجتماعية للحق .
ومن المعروف ان للمسؤولية المدنية اركان ثلاثة هي الخطأ والضرر والرابطة السببية التي تجمع بينهما , واذا توافرت هذه الاركان تحققت المسؤولية على الفاعل والزم بتعويض مالحق المضرور من ضرر .
ومن خلال البحث فقد توصلنا الى ما يلي :-
1- ان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية تختلف عن التامين منها , ويستطيع كل شخص ان يؤمن على مسؤوليته العقدية , ويؤمن على كل خطأ يصدر منه عدا الفعل العمد وعلى كل خطأ يصدر من اتباعه او ممن يستخدمهم في تنفيذ التزامه حتى عن الفعل العمد .
2- قلنا ان الاصل هو حرية المتعاقدين في تعديل قواعد المسؤولية العقدية ولكن في حدود القانون والنظام العام والاداب .
3- اما المسؤولية التقصيرية فهي ليست وليدة الارادة الحرة , بل هي حكم القانون وبذلك لا يجوز تعديل قواعدها بالاتفاق , كما جاز في المسؤولية العقدية .
4- وبذلك فان الاصل هو حرية المتعاقدين ولكن النظام العام يقيد من هذه الحرية , فلا يجوز التخفيف من المسؤولية العقدية إلى حد الإعفاء من الفعل العمد او ما يلحق بالفعل العمد وهو الخطأ الجسيم .
5- ولكن قلنا انه يجوز للمدين ان يعفي نفسه من المسؤولية عن عمل الغير .
6- الاصل انه لا يجوز ان يتفق العاقدان على الإعفاء من المسؤولية العقدية عما يأتيه المدين من غش او خطأ جسيم , ومن مفهوم المخالفة يمكننا الاستنتاج بانه يجوز للعاقدين ان يتفقا على عدم مسؤولية المدين عما ياتيه من خطأ عقدي في تنفيذه لالتزامه بعيدا عن الغش والخطأ الجسيم .
ولأهمية هذا الموضوع بحثنا فيه وتم تقسيمه إلى فصلين , عالجنا في الفصل الأول ومن خلال مبحثين اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية وفرقنا بين هذه الاتفاقات وبين التامين من المسؤولية وتطرقنا إلى فوائد اتفاقات الإعفاء من المسؤولية ومضارها , وتوصلنا إلى ان فوائد هذه الاتفاقات اكثر من مضارها , ولا مانع من الاخذ بهذه الفكرة لعدم خروجها على قواعد الاداب او النظام العام , خاصة وان المشرع العراقي اجازها من خلال النصوص الواردة في القانون المدني المشار اليه في ثنايا البحث .
وكذلك عالجنا في المبحث الثاني نطاق هذه الاتفاقات .
اما الفصل الثاني تطرقنا فيه ومن خلال مبحثين ايضا إلى صور هذه الاتفاقات والاثار المترتبة على هذه الاتفاقات .
وختمنا البحث بهذه الخاتمة المتواضعة , عسى ان نكون قد وفقنا في عملنا هذا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين
وأصحابه الغر الميامين
الهوامش
1) انظر المادة (259) من القانون المدني العراقي .
2) انظر د. عدنان ابراهيم السرحان – د. نوري حمد خاطر – شرح القانون المدني الاردني – مصادر الحقوق الشخصية – دراسة مقارنة – ط1- دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – الاردن – 2005 – ص 471 .
3) انظر د. ياسين محمد الجبوري – المبسوط في شرح القانون المدني – ج2- دار الثقافة للنشر والتوزيع – بيروت – 2006 – ص 277 .
4) انظر د. عبد المجيد الحكيم – أ. عبد الباقي البكري – أ. محمد طه البشير – الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي – ج1 – طبع على نفقة جامعة بغداد – 1986- ص172 – وكذلك انظر د. حسن على الذنون ود. محمد سعيد الرحو – الوجيز في النظرية العامة للالتزامات – مصادر الالتزام – ج1-ط1- دار وائل للنشر عمان – 2002 – ص298 .
5) انظر د. عدنان ابراهيم السرحان – د. نوري حمد خاطر – المصدر السابق – ص450.
6) انظر ايضا المواد (574-585-600-756-768) من القانون المدني العراقي .
7) انظر المادة (763) من القانون المدني العراقي , فقد جاء في الفقرة الثانية منه (( على المستأجر اجراء الترميمات الطفيفة التي يقضي بها العرف )) .
8) انظر أ. عبد الفضيل محمد احمد – القانون البحري والجوي – مكتبة الجلاء – المنصورة – 1989 – ص490 .
9) انظر د. عدنان ابراهيم السرحان و د. نوري حمد خاطر – المصدر السابق – ص332-333 . وانظر كذلك د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني المصري – منشورات الحلبي – 2005 – ص 754 .
10-انظر المواد (217-211-445-453) من القانون المدني المصري, والمواد (213-164/1-358/2,1) من القانون المدني الأردني .
11-انظر المادة (217) من القانون المدني المصري, وانظر كذلك د. حسن علي الذنون – المبسوط في المسؤولية المدنية – ج1- شركة التايمس للطبع والنشر – بغداد – 1991-ص86 .
12-انظر د. مصطفى جمال – د. رمضان محمد – د. نبيل ادهم – مصادر واحكام الالتزام – دراسة مقارنة – منشورات الحلبي – بيروت – 2003-ص207 .
13-انظر د. مصطفى جمال – مصادر واحكام الالتزام – المصدر السابق – ص208.
14-انظر د. حسن علي الذنون – محاضرات القيت على طلبة الدكتوراه والماجستير- جامعة بغداد - كلية القانون – 1986- ص18 .
15-انظر المواد (547) مدني عراقي , (500) مدني اردني , (437) مدني مصري , (405) مدني سوري , (426) مدني ليبي , (396) مدني لبناني , (513) مدني مغربي .
16-انظر المادة (298) وما بعدها من قانون التجارة العراقي رقم 30 لسنة 1984.
17-انظر د. حسن علي الذنون – محاضرات – المصدر السابق – ص19 .
18-انظر المادتين (972,973) من القانون المدني العراقي .
19-انظر المادة (593) من القانون المدني العراقي .
20-انظر المادتين (567,568) من القانون المدني العراقي .
21-انظر المادة (259)من القانون المدني العراقي .
22-انظر المادة (567/1) مدني عراقي .
23-انظر المادة (556/1) مدني عراقي .
24-انظر د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط – المصدر السابق – ص761 .
25-انظر د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط – المصدر السابق – ص761 .
26-انظر د. عدنان ابراهيم السرحان , د. نوري حمد خاط – المصدر السابق – ص333 .
27-راجع المادة (202/1) من القانون المدني الاردني , وكذلك انظر في تفصيل ذلك , د. ياسين الجبوري – الوجيز في شرح القانون المدني الاردني – ج1-دار الثقافة – عمان – 2008 – ص428, وكذلك د. مصطفى الجمال – المصدر السابق – ص203 .
28-انظر المادة (17) من قانون النقل العراقي رقم 80 لسنة 1983 .
29-انظر المادة (17) من قانون النقل العراقي رقم 80 لسنة 1983 .
30-انظر قرار محكمة تمييز العراق , مشار اليه د. عبد المجيد الحكيم – مصادر الالتزام -699 , نقلا عن د. ابراهيم السرحان و د. نوري حمد خاط – المصدر السابق – ص334 .
31-انظر المادة (145) من القانون المدني الاردني .
32-انظر المادة (259) من القانون المدني العراقي والمواد (217,241) من القانون المدني المصري , والمواد (171, 225, 236) من القانون المدني السوري , والمادة (358) من القانون المدني الاردني التي اعترفت ضمنا بعدم جواز الإعفاء من المسؤولية العقدية إذا كان اخلال المدين بالتزامه العقدي ناشئ عن غش او خطأ جسيم .
33-انظر محاضرات القيت على طلبة الدراسات العليا في كلية القانون جامعة بغداد – د. حسن علي الذنون – المصدر السابق – ص25.
34-انظر بحثا للدكتور اكرم ياملكي – منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية عدد (3) ص 158 –وما بعدها حول الوكالة والوكالة بالعمولة .
مراجع البحث
1- د. اكرم ياملكي – بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية عدد (3) .
2- د د. حسن علي الذنون – المبسوط في المسؤولية المدنية – ج1 – شركة التايمس للطبع والنشر – بغداد – 1991 .. عدنان ابراهيم السرحان و د. نوري حمد خاطر – شرح القانون المدني الاردني – مصادر الحقوق الشخصية – دراسة مقارنة – ط1- دار الثقافة للنشر
3- د. حسن علي الذنون – محاضرات القيت على طلبة الدكتوراه والماجستير جامعة بغداد كلية القانون – 1986 والتوزيع – عمان – الاردن – 2005 .
4- د. حسن علي الذنون و د. محمد سعيد الرحو – الوجيز في النظرية العامة للالتزامات – مصادر الالتزام – ج1-ط1- دار وائل للنشر – عمان – الاردن – 2002 .
5- د. عبد المجيد الحكيم , و أ. عبد الباقي البكري , وأ. محمد طه البشير – الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي – ج1 – طبع على نفقة جامعة بغداد – 1986 .
6- د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني المصري – منشورات الحلبي – 2005 .
7- أ. عبد الفضيل محمد احمد – القانون البحري والجوي – مكتبة الجلاء – المنصورة – 1989 ..
8- عدنان ابراهيم السرحان –ود.نوري حمد خاطر – شرح القانون المدني الاردني –مصادر الحقوق الشخصية –دراسه مقارنه
9- د. مصطفى الجمال و د. رمضان محمد و د. نبيل ابراهيم – مصادر واحكام الالتزام – دراسة مقارنة – منشورات الحلبي – بيروت – 2003 .
10-د. ياسين محمد الجبوري – المبسوط في شرح القانون المدني – ج2 – دار الثقافة للنشر والتوزيع – بيروت – 2006 .
11-د. ياسين محمد الجبوري – الوجيز في شرح القانون المدني الاردني – ج1- دار الثقافة – عمان – 2008
جامعة القادسية
2009
المقدمة
من المعروف أنه إذا توافرت أركان المسؤولية المدنية من خطأ وضرر ورابطة سببية تجمع بينهما , فقد حقت المسؤولية على الفاعل وألزم بتعويض ما لحق المضرور من ضرر تعويضا عينيا أو تعويضا بمقابل على حسب الأحوال , ومن المعروف كذلك أن الهدف من المسؤولية المدنية هو تعويض المضرور عما أصابه من ضرر وليس عقاب الفاعل على فعله , ومن هنا يقدر التعويض على مقدار الضرر الذي لحق بالمضرور وليس على مقدار الخطأ الذي اقترفه الفاعل , لكن هذا الحكم العام قد يلحقه وصف يعدل منه بعض التعديل فتكون للتعويض صورة خاصة غير هذه الصورة العامة العادية . ويقع هذا في حالات ثلاث , الأولى حالة اتفاق الطرفين قبل تحقق المسؤولية على تعديل أحكامها وهذا هو موضوع بحثنا , والحالة الثانية حالة التأمين من المسؤولية المحتملة قبل تحققها كذلك , والحالة الثالثة حالة ما إذا انفتح أمام المضرور طريقان للتعويض عن الضرر الذي أصابه , طريق العقد الذي وقع الإخلال بالتزام من التزاماته , وطريق الفعل الضار ونعني بهذه الحالة مسألة الخيرة بين المسؤوليتين , كما أن العقد وليد الإرادة , فلها أن تضمنه ما تشاء من شروط والتزامات , إلا ما يخالف منها النظام العام والآداب العامة , وللعقد قوة ملزمة تلزم المدين الوفاء بالتزامه طبقا لما نص عليه العقد , فأن قصر أو تعدى قامت مسؤوليته العقدية , ولكن لا يمنع أن يتفق المتعاقدان على عدم مسؤولية المدين أو تحديدها عن إخلاله بالتزامه العقدي إذا أهمل في ذلك دون أن يتعمد أو يرتكب خطأ جسيما , ويعني هذا أن يقع على الدائن عبئ إثبات غش المدين حتى يرفع عنه شرط الإعفاء . أن سبب اختيارنا لهذا الموضوع والبحث فيه , هو إنني لم أجد بحثا - على حد علمي – مفصلا فيه , وإنما نجده في ثنايا شروحات مصادر الالتزام في كل المؤلفات التي وقعت تحت يدي , وقد يمر المؤلف عليه دون التعمق فيها , ولأهمية الموضوع آثرنا أن نتناوله بمقدمة وبفصلين نتناول في الفصل الأول اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية ومن خلال بحثين , نخصص المبحث الأول إلى ماهية اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية وبمطلبين , المطلب الأول يخصص إلى تمييز اتفاقات الإعفاء من المسؤولية عن غيرها من الأنظمة المشابهة لها , والمطلب الثاني إلى موقف المشرع العراقي من اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية , أما المبحث الثاني فسنتكلم فيه عن نطاق اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية .
أما الفصل الثاني فسنخصصه أن شاء الله إلى صور اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية والآثار المترتبة عليها , ومن خلال مبحثين أيضا , نتناول في المبحث الأول صور اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية . والمبحث الثاني عن آثار اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية .
وسنختم البحث بحصيلة ما تناولناه وبأهم الملاحظات والمقترحات والنتائج التي تم استنتاجها من خلال البحث , كما حرصنا أن يتخلل البحث إشارات للفقه والقانون المقارن ما سمحت لنا المصادر التي حصلنا عليها .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الباحث
الفصل الأول
اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
المبحث الأول
ماهية اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
تمثل اتفاقات المسؤليه بشكل عام سواء كانت في صورة إعفاء أو تخفيف أو تشديد تغييرا وتنظيما لآثار المسؤولية على غير الوجه الذي نظمت عليه في القانون .
فالتشديد في المسؤولية يتمثل في أقامة المسؤولية على المدين حتى لو وقع الضرر بسبب أجنبي لا يد له فيه , فهو ملزم هنا بتعويض الشخص المضرور (1) , وأما تخفيف المسؤولية فهو الاتفاق على بقاء هذه المسؤولية على عاتق المدين لكن يصبح أثرها ضئيلا تجاهه , فهو لا يلتزم إلا بدفع تعويضا جزئيا عن الإضرار التي لحقت بالدائن(2) .
أما فيما يخص اتفاقات الإعفاء من المسؤولية والتي تمثل مناط بحثنا هذا فيقصد بها اتفاق الطرفين على رفع آثار المسؤولية عن المدين , فلا تترتب هذه الآثار في ذمته على الرغم من توافر جميع عناصر المسؤولية العقدية من خطا وضرر وعلاقة سببية تجمع بينهما , وعليه فان المدين بموجب هذا الاتفاق لا يكون ملزما بدفع تعويض للدائن والحقيقة إن اتفاقات الإعفاء بهذا الوصف قد تشابه بعض الأنظمة القانونية مثل التأمين من المسؤولية او حالات الاتفاق على تحديد مضمون العقد بحذف التزام ناشئ عنه او تخفيفه , لذا فأننا سنركز في هذا المبحث على التمييز بين كل من اتفاقات الإعفاء من المسؤولية وبين هذه الانظمة , مخصصين لها المطلب الاول , اما المطلب الثاني فسنخصصه لبيان موقف كل من المشرع العراقي وبعض التشريعات الاخرى من هذه الاتفاقات .
المطلب الأول
تمييز اتفاقات الإعفاء من المسؤولية عن غيرها من الأنظمة المشابهة لها
كما بينا سابقا ان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية تهدف الى رفع الاثار الناجمة عن المسؤولية من كاهل المدين (3) فيتخلص بذلك من دفع التعويض للدائن مما جعل هذا الاثر يتشابه الى حد بعيد مع الاثار الناجمة عن بعض العقود والاتفاقات كعقد التأمين من المسؤولية والاتفاق على حذف الالتزام او تخفيض التزام ناجم عن عقد معين ففي كل من هذه الاحوال يتخلص المدين من عبئ دفع التعويض الى الشخص المضرور .
لكن هذا التشابه في الاثار لا يلغي من وجود بعض الفروقات الجوهرية بين كل من اتفاقات الاعفاء وهذه الأنظمة , وعليه فأننا سنحاول التمييز بين كل من اتفاقات الاعفاء من المسؤولية والتامين منها أولا ثم نميز بين اتفاقات الاعفاء من المسؤولية وتحديد مضمون العقد ثانيا وعلى الشكل التالي :-
أولا :- التمييز بين اتفاقات الاعفاء من المسؤولية والتامين منها :-
أ- أوجه الشبه :- يتلاقى كل من الإعفاء من المسؤولية والتامين منها في نقطة واحدة وهي تخليص المدين من اعباء دفع التعويض الى الشخص المضرور , فالشخص الذي يلجا الى إبرام عقد التامين من المسؤولية مع شركة التامين يهدف من وراء ذلك إلى إلغاء عبئ دفع التعويض على عاتق هذه الشركة , اما بالنسبة إلى الشخص الذي يلجا إلى إبرام اتفاق الإعفاء من المسؤولية يهدف إلى التخلص نهائيا من دفع التعويض إلى الشخص المضرور .
فالمدين في كل من الحالة الاولى والثانية يهدف من وراء عقد هذه الاتفاقات وعقد التامين إلى التخلص من اعباء دفع التعويض إلى الشخص المضرور , وهذا ما يحصل عادة في التامين على البضاعة(4) .
ب- أوجه الاختلاف :- الا انه وعلى الرغم من وجود النقطة التي يلتقي عندها هذين النظامين الا ان هناك جملة من الفروق العمليه والنظرية التي تفصل بينهما والتي يجعل كل منهما يشكل نظاما قانونيا قائما بذاته ومستقلا عن الاخر .
ومن هذه الفروق :-
1- في التامين من المسؤولية يحصل الشخص المضرور على حقه في التعويض ويكون حقه مضمونا , بينما في الإعفاء منها يحرم المضرور من هذا الحق لذلك نرى ان المشرع اجاز التامين من المسؤولية في حالة المسؤولية التقصيرية , ولم يجز الاتفاق على الإعفاء منها , ومن الامثلة على التامين من المسؤولية , ما اقدم عليه المشرع العراقي من فرض التامين من المسؤولية عن حوادث السيارات بمقتضى القانون رقم 205 لسنة 1964 الذي الغي ليحل محله قانون التامين الالزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 .
2- يعتبر عقد التامين من المسؤولية عقدا احتماليا اذ يعتبر عنصر الاحتمال عنصرا أساسيا في العقد , وبخلافه يعتبر العقد باطلا (5) , ولا وجود لعنصر الاحتمال بالنسبة للاتفاقات بوجه عام .
3- تباشر عمليات التامين من المسؤولية دائما شركات التامين فيكون طرفا عقد التامين شركة التامين و فرد من الافراد او شخصا معنويا , اما بالنسبة لاتفاقات الإعفاء فيكون الاطراف فيها من الافراد او من الاشخاص المعنوية .
4- يغطي التامين من المسؤولية في عقود النقل نقل الاشخاص ونقل الاشياء , بينما لم يجز قانون النقل العراقي اتفاق الإعفاء من المسؤولية في كلتا الصورتين ( نقل الاشخاص ونقل الاشياء ) , فقد ابطلت الفقرة الاولى من المادة (10) من قانون النقل الاتفاق على اعفاء الناقل من المسؤولية التي تصيب الراكب اعفاءا كليا او جزئيا , وجاءت الفقرة (2) من المادة (45) من هذا القانون بنص مماثل بالنسبة لنقل الاشياء .
ثانيا :- التمييز بين اتفاقات الإعفاء من المسؤولية واتفاقات تحديد مضمون العقد :-
كثيرا ما يصرح المشرع , وهو ينظم عقدا من العقود , بان هذا الالتزام او ذاك يقع على طرف من اطرافه ثم يردف ذلك بقوله (( مالم يتفق الطرفان على خلاف ذلك )) والحقيقة ان هناك كثير من الامثلة على هذه النصوص , نذكر منها :
نص المادة 541 من القانون المدني العراقي (6) التي تقضي (( بان مطلق عقد البيع يقضي بتسليم المبيع في محل وجوده وقت التعاقد ثم تقرر في فقرتها الثانية بانه ( اذا اشترط العقد تسليم المبيع في محل معين لزم البائع تسليمه في المحل المذكور )) ومن هذا القول بانه يجوز للمتعاقدين في غير حالة القواعد الامره والتي تعتبر من النظام العام ان يحددا مدى التزامهما , فاللمدين من التزام ان يتفق مع دائنه على تظييق دائرة التزامه فيعفى بذلك من المسؤولية عن كل اخلال يخرج عن حدود هذه الدائرة , والقاعدة العامة تؤكد ان المتعاقدين احرار في استبعاد هذا الالتزام او ذاك من نطاق التزاماتهما التعاقدية , فقد يشترط المستأجر عدم التزامه بالترميمات الطفيفة التي يلقيها العرف على عاتقه (7) , فهذه الاتفاقات صحيحة ولا يحد منها الا القواعد الامره والقواعد المتعلقة بالنظام العام والاداب العامة .
ولكن يختلف اتفاق الإعفاء من المسؤولية عن تحديد مضمون العقد في ان المدين يبقى مثقلا في الالتزام ويجب عليه الوفاء به , وفي حالة عدم تنفيذ المدين لالتزامه لا يكون مسؤولا تجاه الدائن عن الاخلال بالالتزام ولذلك فهو لايلتزم بدفع تعويض عن الضرر الذي يلحق الدائن من من جراء عدم التنفيذ .
اما بالنسبة لاتفاقات تحديد مضمون العقد بحذف التزام فان المدين لا يكون ملتزما على الاطلاق بالالتزام المحذوف ومن ومن ثم لا تنعقد مسؤوليته اصلا (8) فالمدين هنا لا يتحمل أي التزام لان الاتفاق اعفاه منه والقاه على عاتق الطرف الاخر , ولهذا فلا يسأل عن تنفيذ الالتزام الذي تخلص منه , اما بالنسبة لاتفاق الإعفاء من المسؤولية فان المدين لم يتخلص منه كله وانما نفى عن نفسه المسؤولية الناجمة عن اخلاله اليسير بهذا الالتزام الا انه لا يستطيع ان ينفي عن نفسه الاخلال المتعمد او الخطأ الجسيم (9) .
المطلب الثاني
موقف المشرع العراقي من اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
لقد أجاز التشريع العراقي اتفاقات الإعفاء من المسؤولية حيث نصت المادة (259) من القانون المدني العراقي (10) على (( 1- يجوز الاتفاق على ان يتحمل المدين نتيجة الحادث الفجائي والقوة القاهرة . 2- يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من كل مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي الا التي تنشا عن غشه او خطئه ومع ذلك يجوز للمدين ان يشترط عدم مسؤوليته عن الغش او الخطأ الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه . 3- يقع باطلا كل اتفاق شرط يقضي بالاعفاء من المسؤولية التي تترتب على العمل غير المشروع )) .
ونصت المادة (556) على انه (( 1- يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص ان يزيدا من ضمان الاستحقاق او ان ينقصانه او ان يسقطا هذا الضمان ويقع باطلا كل شرط يسقط الضمان او ينقصه اذا كان البائع قد تعمد اخفاء حق للمستحق )) .
وبالنسبة لعقد الهبة فقد نص المشرع في المادة (614) على انه (( 1- لا يضمن الواهب استحقاق الموهوب الا اذا تعمد اخفاء سبب الاستحقاق او الا اذا كانت الهبه بعوض , وفي الحالة الاخيرة لايضمن الواهب الاستحقاق الا بقدر ما اداه الموهوب له من عوض , كل هذا مالم يتفق على غيره )) .
وبالنسبة لقدر الايجار فقد نصت المادة (756) بمسؤولية المؤجر عن خلو العين من الصفات التي تعهد للمستأجر صراحه بتوافرها فيها او عن خلوها من صفات يقتضيها الانتفاع بهذه العين الا اذا اتفق الطرفان بخلاف ذلك .
ولم يجز المشرع العراقي اتفاق الاطراف على الإعفاء من المسؤولية في بعض النصوص القانونية ومنها ما نصت عليه المادة (759) من القانون المدني (( ببطلان كل اتفاق على الحد او الإعفاء , من ضمان التعرض او ضمان العيب اذا كان المؤجر قد اخفى عن غش سبب هذا الضمان)).
اما بالنسبة لقانون النقل فقد بينا سابقا انه قضى بابطال أي اتفاق على الإعفاء من المسؤولية في حالة نقل الاشخاص او الاشياء , وقد نصت المادة (46/ف2) من القانون المذكور على ابطال كل شرط يقضي باعفاء الناقل من المسؤولية الناجمة عن هذه المسؤولية اذا نشأت عن افعال تابعية , ومن قبلها القت الفقرة الاولى من هذه المادة مسؤولية هلاكه او تلفه على الناقل ولم تجز له التخلص من المسؤولية الا باثبات القوة القاهرة او خطأ المرسل او المرسل اليه او العيب الذاتي في الشئ المنقول , واجازت المادة (50) من هذا القانون الاتفاق على اعفاء الناقل من المسؤولية عن التاخير اذا كان لهذا التاخير مبرر ضمن الحد المعقول .
المبحث الثاني
نطاق اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
إذا كان المبدأ السائد في القانون هو جواز اتفاق المتعاقدين على الإعفاء من المسؤولية التعاقدية فإلى أي مدى يتسع هذا المبدأ وهل من الممكن أن يضيق نطاق هذا المبدأ فيحدد المشرع من نطاق تطبيقه , وبمعنى آخر متى تعتبر هذه الاتفاقات صحيحة و متى لا تكون كذلك؟
وللإجابة على هذه التساؤلات والوقوف على مدى بطلان او صحة هذه الالتزامات نقول بان المشرع العراقي أورد نصوصا حدد فيها صحة هذه الاتفاقات وبطلانها , فقد نصت المادة (259) في الفقرة الثانية على انه (( كذلك يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من كل مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي الا التي تنشأ عن غشه او خطئه (11) ,ومع ذلك يجوز للمدين ان يشترط عدم مسؤوليته عن الغش او الخطا الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه , وكما هو واضح من النص المذكور فان المشرع العراقي توسع في نطاق اتفاقات الإعفاء مالم يكن الخطأ الذي نجم عنه الضرر وقع بسبب غش المدين او خطائه الجسيم , كما انه يبرئ المدين من أي مسؤولية وعد اتفاق الإعفاء منها صحيحا في حالة كون المسؤولية نجمت عن خطأ جسيم أو غش وقع من قبل الاشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ التزامه .
ولتحديد مدى صحة او بطلان هذه الاعتراضات نقول ان هذه الاتفاقات تكون مقيدة بقيد ان يكون هذا الضرر ناجما عن الغش اوالخطأ الجسيم للمدين , اما إذا كان منصبا على غش أو الخطا الجسيم لغير المدين وكان سببا في عدم تنفيذ العقد فانه لا يجوز الاتفاق على إعفاءه (12) . فأذا كان التزام المدين بتحقيق نتيجة فانه يسأل عن عدم التنفيذ ايا كان سببه ولا تخلى مسؤوليته الا باثبات السبب الاجنبي , كما يمكن الاتفاق على تخفيف هذه المسؤولية وذلك بالاتفاق على عدم مسؤوليته عن فعله المجرد من الخطأ , وفي هذه الحالة ينقلب التزامه من التزام بتحقيق نتيجة إلى التزام ببذل عناية , ولا يسأل هذا المدين الا إذا اثبت الدائن ارتكاب المدين لخطا ادى إلى عدم التنفيذ .
وقد يحدث الاتفاق على التخفيف بأعفاء المدين حتى من تبعه الخطا التافه اليسير , فلا يعد مسؤولا إذا اثبت الدائن ارتكاب المدين للخطا الجسيم او الغش , على انه لا يجوز الاتفاق على إعفاءه على من تبعه الخطا العمدي او الجسيم الا إذا كان هذا الخطا راجعا الى الغير واتفق على الإعفاء منه , كما ذكرنا .
اما إذا كان التزام المدين هو التزام ببذل عناية , فان درجة العناية المطلوبة كما بينا هي عناية الرجل المعتاد , مالم ينص القانون على خلاف ذلك , ولهذا لا يكون المدين مسؤولا عن السبب الاجنبي ولا عن فعله المجرد من الخطأ ولا عن الخطأ التافه , وانما يعد مسؤولا عن فعله العمدي او خطأه الجسيم وقد يحدث الاتفاق على تشديد هذه المسؤولية فيصبح المدين مسؤولا بمقتضى هذا الاتفاق حتى عن الخطا اليسير او التافه او عن فعله المجرد عن الخطا , وعندئذ ينقلب التزامه إلى التزام بتحقيق نتيجة بعد ان كان التزامه ببذل عنايه , وقد يحدث الاتفاق على التخفيف من مسؤوليته بأن يتفق على عدم مسؤولية المدين عن الخطأ اليسير بما يبقى مسؤولا عن الخطا الجسيم او العمدي مالم يكن هذا الخطأ الاخير راجعا إلى فعل الغير (13) .
الفصل الثاني
صور اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية والآثار المترتبة عليها
المبحث الأول
صور اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية
الاتفاقات التي تحدد دائرة التزام المدين تكون بصور شتى , فقد تكون بالاتفاق على زوال او رفع الصفة التي يتحمل المدين بسببها هذا الالتزام , وقد يكون الاتفاق على استبعاد التزام معين من الالتزامات التي يرتبها العقد عادة , وقد يكون الاتفاق على تخفيف الالتزام بان يتفق مع الطرف الاخر على ان يجعل هذا الالتزام التزاما بوسيلة بعد ان كان بالاصل التزاما بنتيجة .
وفيما يلي شرح لكل صورة من هذه الصور :-
الصورة الاولى :- الاتفاق على ازالة الصفة التي تحمل المدين بسببها الالتزام :
القاعدة في القانون المدني الفرنسي , كما كانت في القانون الروماني(14) , (( ان الهلاك على المالك )) و اما بالنسبة للتشريع العراقي فأن تبعه الهلاك لا ترتبط بانتقال الملكية وانما ترتبط (بالتسليم) , فمع ان المشتري يصبح مالكا للمبيع المعين بالذات بمجرد انعقاد العقد , الا ان العين تبقى في ضمان البائع حتى يتم تسليمها إلى المشتري (15) , ولما كانت تبعة الهلاك مرتبطة بمعظم القوانين بتسليم المبيع , فان المتعاقدين كثيرا ما يعمدان إلى تنظيم التسليم وتحديد مكانه مثال ذلك الاتفاق على ان يتم التسليم في محطة القيام , وهو ما يجعل تبعة الهلاك على المشتري من الوقت الذي اتم فيه البائع توصيل البضاعة سالمة إلى هذه المحطة , او على ان يتفقا على ان يتم التسليم في ميناء الشحن متى تم ايصال البضاعة إلى ظهر السفينة ( وهو ما يسمى ببيع الفوب ) (16) .
وبذلك يتحمل المشتري تبعة المخاطر التي تتعرض لها البضاعة اعتبار من الوقت الذي يجتاز فيه حاجز السفينة من الميناء المحدد للشحن .
ولما كان تحديد وقت انتقال الملكية او تحديد تمام التسليم وطريقة حصوله من المسائل التي لا مساس لها بالنظام العام فانه يجوز للافراد الاتفاق عليها بكامل حريتهم , ومع ان لهذه الاتفاقات من الاثر ما يشبه الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية , الا انها تختلف عن هذه الاتفاقات الاخيرة اختلافا واضحا في طبيعتها , فالمدين هنا لا يتحمل أي التزام لان الاتفاق اعفاه منه والقاه على عاتق الطرف الاخر ولهذا لا يسأل هذا المدين عن تنفيذ هذا الالتزام الذي تخلص منه .
اما بالنسبة للاتفاق على الإعفاء من المسؤولية فان المدين لا يتخلص من الالتزام كله وانما نفى عن نفسه المسؤولية الناجمة عن اخلاله اليسير بهذا الالتزام ويبقى بعد هذا مسؤولا عن الاخلال المتعمد او الاخلال الناجم عن الخطأ الجسيم .
الصورة الثانية : - الاتفاق على استبعاد التزام معين :
إذا سلمنا ان القاعدة هي ان لا يجبر انسان على التعاقد , فهل يجب التسليم كذلك بان المتعاقد لا يتحمل من الالتزامات الا تلك التي اراد ادخالها في دائرة تعاقده , وبذلك يثور سؤال وهو هل المتعاقد حر في ان يوسع في دائرة العقد او ان يضيق منها كما يحلو له ؟
وللجواب على هذا التساؤل يمكن القول ان هنالك حدا ادنى من الالتزامات لا يمكن النزول عنها , فلو كان العقد من العقود التي لا ينشا عنها غير التزام واحد , فلا يمكن تفريغ هذا العقد من هذا الالتزام , اذ يصبح العقد لغوا لا معنى له , مثال ذلك عقد القرض – بدون فائدة – فان الالتزام الناشئ عن هذا العقد هو التزام المقترض برد ما اقترضه , ولا يمكن تفريغ العقد من هذا الالتزام الوحيد و الا انقلب إلى عقد آخر وهو عقد الهبة (17) .
وفي عقد البيع – مثلا – يلتزم المشتري بدفع الثمن وسبب التزامه هو نقل البائع ملكية العين المبيعة له , فلو اجيز للمتعاقدين الاتفاق على استبعاد التزام البائع بنقل الملكية انهار العقد , لانهيار سبب التزام المشتري , ول اجيز لهما الاتفاق على استبعاد التزام المشتري بدفع الثمن لانهار العقد لانعدام سبب التزام البائع , ولكن لو صرفنا النظر عن تلك الالتزامات الاساسية , لقلنا ان القاعدة انه ليس هناك ما يمنع المتعاقدين الاتفاق على استبعاد أي التزام من تلك الالتزامت القانونية التي يرتبها العقد عادة والتي لا صله لها بالنظام العام , مثال ذلك الالتزام بحفظ الاشياء , اذ كثيرا ما يترك احد المتعاقدين اشياء مملوكة له لدى المتعاقد الاخر , فيترك نزيل الفندق متاعه في الفندق ويترك المسافر حقائبه لدى متولي النقل , ويضع العامل ملابسه في المصنع ...... وألخ , ويجب ان نبين هنا اننا امام عقد وديعة إلى جانب العقد الاصلي (18) , وان هذا العقد لا يتوقف على هذه الوديعة ,وعلى هذا الاساس يجوز لصاحب الفندق - مثلا – ان يشترط على النزيل عدم مسؤوليته عن حفظ هذه الامتعة الا إذا سلمت اليه , فمثل هذا الشرط يعفيه من المسؤولية , الا إذا قدم النزيل الدليل على صدور خطأ من صاحب الفندق او احد تابعيه ومن اهم المجالات لتطبيق هذا الالتزام هو عقد البيع , اذ يلتزم البائع بضمان الاستحقاق وبضمان العيوب الخفية , فبالنسبة لضمان الاستحقاق فقد اجاز المشرع للمتعاقدين الاتفاق على زيادة هذا الضمان او على الانقاص منه او على اسقاطه , لكن الاتفاق على اسقاط هذا الضمان لا يكون صحيحا إذا كان البائع قد تعمد اخفاء حق المستحق ( 19) , اما بالنسبة لضمان العيوب الخفية فقد اجاز المشرع الاتفاق على استبعاده(20) .
ويفهم مما سبق انه يشترط لصحة الاتفاق على هذا الضمان او على تحديده ان يكون البائع حسن النية لم يتعمد اخفاء العيوب .
الصورة الثالثة : - اتفاقات التخفيف من المسؤولية :
يجوز للمدين ان يشترط عدم مسؤوليته عن عدم تنفيذه لالتزامه , سواء اكان ذلك راجعا إلى خطأه ام إلى خطأ الاشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ التزامه , ولكن لايجوز له ان يشترط إعفاءه من المسؤولية الناشئه عن غشه او خطه الجسيم (21) , ومثال اشتراط التخفيف من المسؤولية العقدية اشتراط البائع براءته من العيوب الخفية (22) , فالاصل ان يضمن البائع العيوب الخفية الموجودة في المبيع , ولكن يجوز له ان يخفف من هذا الضمان فيشترط عدم ضمانه لهذه العيوب , ومن ذلك ايضا (23) ان البائع ضامن لاستحقاق المبيع ولكن يجوز له ان يشترط انقاص هذا الضمان او اسقاطه .
واذا كان الاصل في هذه الاتفاقات انها صحيحة , الا ان الحالات التي قرر المشرع فيها بطلان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية يسري حكمها على اتفاقات التخفيف منها , ولكن يتبين لنا ان هذه الاتفاقات تاخذ صورة تحديد نسبة معينة من مقدار الضرر الحقيقي الذي لحق المضرور , وقد تاخذ تحديد حد اعلى لمسائلة الفاعل .
المبحث الثاني
اثار اتفاقات الإعفاء من المسؤولية التعاقدية
قد يبدو من الغريب – بعض الشئ – ان تخصص بحثا بعينه لهذا العنوان , فالاثار كما يبدو مفروغا منه , فالقواعد العامة تقضي بان ك اتفاق صحيح يرتب اثاره التي انصرفت اليها ارادة الطرفين , ومعنى هذا القول ان اثر هذا الاتفاق هو اعفاء المدين من المسؤولية عندما يكون الاتفاق صحيحا واعتباره كان لم يكن عندما يكون باطلا .
وبذلك فانه إذا كان شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية صحيحا , فانه يعفي المدين من المسؤولية بالقدر الذي يتسع له الشرط , ويبقى المدين مسؤولا فيما وراء ذلك . ولكن القضاء الفرنسي – واقتدى به القضاء المصري (24) – يضيق من اثر شرط الإعفاء , فعنده ان المسؤولية التقصيرية تجتمع مع المسؤولية العقدية , وللدائن الخيرة بين هاتين المسؤوليتين , فاذا كان هناك شرط يعفي من المسؤولية العقدية , بقيت المسؤولية التقصيرية , وعلى الدائن ان يثبت خطا في جانب المدين حتى يطالبه بالتعويض , لا على اساس المسؤولية العقدية وقد اعفى المدين منها بل على اساس المسؤولية التقصيرية وشرط الإعفاء من المسؤولية التقصيرية يتعارض مع النظام العام , فكان شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية لم يفعل الا ان نقل عبئ الاثبات من المدين إلى الدائن .
وهذه النتيجة تلزم من يقول بالخيرة بين المسؤوليتين التقصيرية والعقدية , اما الاستاذ السنهوري (25) فلا يقول بالخيرة بل يرى ان شرط الإعفاء إذا كان صحيحا اعفى المدين من المسؤولية العقدية , ولا محل للمسؤولية التقصيرية اذ ان هذه لاتجتمع مع تلك .
وعلى المدين الذي يتمسك بشرط الإعفاء ان يثبت وجود هذا الشرط ويصعب في كثير من الاحوال على المدين اثبات ان الدائن قبل شرط الإعفاء .
اما إذا كان شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية باطلا وفقا للقواعد التي تم ذكرها فشرط الإعفاء وحده هو الذي يبطل ويبقى العقد قائما دون شرط الإعفاء , وفي الوقت الحاضر فان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية متى كانت صحيحة فانها تعفي من اشترطت لمصلحته من المسؤولية اعفاءا تاما ايا كانت طبيعة هذه المسؤولية أي سواء كان نتيجة فعل المسؤول نفسه او نتيجة فعل الحيوان او نتيجة فعل الغير الذين يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه هذا الا إذا نص القانون على خلاف ذلك .
ولكن صحة هذه الاتفاقات مقيدة من ناحيتبن :
الاولى : ان لا يكون الضرر نتيجة غش او خطأ جسيم :
اذ ان المشرع وفي حالات معينة يذهب إلى تحريم شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية او تحديدها لدوافع مختلفة ومتباينة منها حماية المصلحة العامة او مصلحة احد الطرفين او لان شرط الإعفاء او التخفيف من المسؤولية يمس النظام العام والاداب العامة وقد اولت التشريعات المدنية الحديثة (26) اهمية للغش والخطأ الجسيم في التصرفات القانونية لان الاصل في العقود حسن النية في انعقادها وفي تنفيذها (27) , فاذا ارتكب المدين غشا او خطأ جسيما يكون قد خالف مبدأ حسن النية الواجب في العقد لهذا السبب اعتبر الغش و الخطا الجسيم من قبيل الاخطاء غير العقدية اي من الاخطاء الناشئة عن الفعل الضار , وبالتالي لا يجوز اشتراط الإعفاء منها او تحديد المسؤولية فيها , وذلك طبقا للقواعد العامة للمسؤولية عن الفعل الضار التي تحرم الإعفاء من المسؤولية لانها من النظام العام .
والغش هو كل فعل او امتناع عن فعل يقع من المدين بالتزام عقدي او من تابعيه بقصد احداث الضرر (28) , اما الخطا الجسيم فهو كل فعل او امتناع عن فعل يقع من المدين بالتزام عقدي او من تابعيه بطيش مقرون بعلم لما قد ينجم عنه من ضرر (29) , (( فقطع صاحب الارض الماء عن الزرع الذي قام بزراعته المدعي بموجب عقد بينهما , يعد خطا جسيما يوجب الحكم بقيمة الضرر وان جاوز مبلغ التعويض المتفق عليه )) (30) .
ويجب عدم الخلط بين التغرير الذي يحصل عند ابرام العقد , والغش او التغرير عند تنفيذ العقد , فالاول يعطي الحق للدائن المطالبة بفسخ العقد (31) , وتنشأ به نية الاضرار عند ابرام العقد , في حين ان الغش فيه نية الاضرار عند تنفيذ العقد وبالرجوع إلى القانون المدني العراقي (32) نجد انه يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من كل مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي الا التي تنشأ عن غشه او عن خطأه الجسيم , ومع ذلك يجوز للمدين ان يشترط عدم مسؤوليته عن الغش او الخطأ الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه .
والناحية الثانية : ان لا ينصب الضرر على شخص الانسان او شرفه او سمعته ولا يثير القيد الأول اية مشكلة فهو محل اجماع الفقه والقضاء اما بالنسبة للقيد الثاني فان الفكرة السائدة هي ان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية الناجمة عن الاضرار التي تلحق جسم الانسان او صحته او شرفه او سمعته , اتفاقات باطلة لمخالفتها للنظام العام وللاداب فذات الانسان محترمة لا يجوز المساس بها , ولا يسوغ ان تكون محلا للتصرف (33) , ومع هذا فانه قد يقال ان الاتفاق هنا لم ينصب على ( شخص الانسان او شرفه او كرامته ) وانما نحن امام اتفاق انصب على (المال) تنازل بمقتضاه الشخص عن المطالبة ( بتعويض ) عما لحقه من ضرر او اذى من جسمه او من شرفه , والتنازل عن مبلغ من المال امر لا مخالفه فيه للاداب او للنظام العام.
ان هذا الاتفاق لا يعني مطلقا ان يسمح الانسان لغيره بايقاع الضرر او الاذى بجسمه او شرفه وانما هو تنازل عن المطالبة بتعويض عن ضرر غير متعمد اصابه به المتعاقد معه .
وهذا الذي نجده عادة في حالة التعاقد مع الطبيب , فانه على الرغم من ان الامر يتصل بجسم الانسان وسلامته الا ان عبئ اثبات الخطا يقع على عاتق المريض .
نخلص من كل ما تقدم ان الاصل في هذه الاتفاقات ان تكون صحيحة منتجة لاثارها فالعقد ( او الاتفاق ) باعتباره امرا واقعا يمكن الاحتجاج او التمسك به بالنسبه للناس جميعا , اما الاثار التي يرتبها فانها ذات طبيعة نسبية قاصرة على اطرافها ومن هنا نصت الفقرة الاولى من المادة (142) مدني عراقي على انه (( ينصرف اثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام ... )) .
فالقاعدة إذا ان الذي يستفيد من هذا الشرط هو ذلك الشخص الذي اشترطه لمصلحته وخلفه العام .
مثال ذلك انه إذا اشتمل عقد نقل الاشياء على شرط ( بتحديد ) مسؤولية الناقل عن هلاك البضاعة او تلفها او تعيبها (( وهو اتفاق تجيزه المادة (49) من قانون النقل )) فانه يجوز لمالك البضاعة او المرسل اليه على الرغم من وجود هذا الشرط – مطالبة الغير –او تابع الناقل الذي نجم الضرر عن فعله بالتعويض الكامل (34) .
الخاتمة
من القضايا التي لا يمكن ان يثور النقاش بصددها , انه لابد من وجود ضوابط للسلوك في كل مجتمع , كيما تنظم على نحو ملزم تصرفات افراده , خاصة كيفية استعمالهم لحقوقهم , سيما وان للحقوق وظائف اجتماعية تؤديها وحسم الخصومات التي تنشأ بصددها , وهذا ما يضطلع به المشرع عن طريق ما يسنه من تشريعات في هذا النطاق يتوخى فيها حماية هذه الحقوق وضمان حسن تمتع اصحابها بمزاياها في اطار المصلحة الاجتماعية للحق .
ومن المعروف ان للمسؤولية المدنية اركان ثلاثة هي الخطأ والضرر والرابطة السببية التي تجمع بينهما , واذا توافرت هذه الاركان تحققت المسؤولية على الفاعل والزم بتعويض مالحق المضرور من ضرر .
ومن خلال البحث فقد توصلنا الى ما يلي :-
1- ان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية تختلف عن التامين منها , ويستطيع كل شخص ان يؤمن على مسؤوليته العقدية , ويؤمن على كل خطأ يصدر منه عدا الفعل العمد وعلى كل خطأ يصدر من اتباعه او ممن يستخدمهم في تنفيذ التزامه حتى عن الفعل العمد .
2- قلنا ان الاصل هو حرية المتعاقدين في تعديل قواعد المسؤولية العقدية ولكن في حدود القانون والنظام العام والاداب .
3- اما المسؤولية التقصيرية فهي ليست وليدة الارادة الحرة , بل هي حكم القانون وبذلك لا يجوز تعديل قواعدها بالاتفاق , كما جاز في المسؤولية العقدية .
4- وبذلك فان الاصل هو حرية المتعاقدين ولكن النظام العام يقيد من هذه الحرية , فلا يجوز التخفيف من المسؤولية العقدية إلى حد الإعفاء من الفعل العمد او ما يلحق بالفعل العمد وهو الخطأ الجسيم .
5- ولكن قلنا انه يجوز للمدين ان يعفي نفسه من المسؤولية عن عمل الغير .
6- الاصل انه لا يجوز ان يتفق العاقدان على الإعفاء من المسؤولية العقدية عما يأتيه المدين من غش او خطأ جسيم , ومن مفهوم المخالفة يمكننا الاستنتاج بانه يجوز للعاقدين ان يتفقا على عدم مسؤولية المدين عما ياتيه من خطأ عقدي في تنفيذه لالتزامه بعيدا عن الغش والخطأ الجسيم .
ولأهمية هذا الموضوع بحثنا فيه وتم تقسيمه إلى فصلين , عالجنا في الفصل الأول ومن خلال مبحثين اتفاقات الإعفاء من المسؤولية العقدية وفرقنا بين هذه الاتفاقات وبين التامين من المسؤولية وتطرقنا إلى فوائد اتفاقات الإعفاء من المسؤولية ومضارها , وتوصلنا إلى ان فوائد هذه الاتفاقات اكثر من مضارها , ولا مانع من الاخذ بهذه الفكرة لعدم خروجها على قواعد الاداب او النظام العام , خاصة وان المشرع العراقي اجازها من خلال النصوص الواردة في القانون المدني المشار اليه في ثنايا البحث .
وكذلك عالجنا في المبحث الثاني نطاق هذه الاتفاقات .
اما الفصل الثاني تطرقنا فيه ومن خلال مبحثين ايضا إلى صور هذه الاتفاقات والاثار المترتبة على هذه الاتفاقات .
وختمنا البحث بهذه الخاتمة المتواضعة , عسى ان نكون قد وفقنا في عملنا هذا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين
وأصحابه الغر الميامين
الهوامش
1) انظر المادة (259) من القانون المدني العراقي .
2) انظر د. عدنان ابراهيم السرحان – د. نوري حمد خاطر – شرح القانون المدني الاردني – مصادر الحقوق الشخصية – دراسة مقارنة – ط1- دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – الاردن – 2005 – ص 471 .
3) انظر د. ياسين محمد الجبوري – المبسوط في شرح القانون المدني – ج2- دار الثقافة للنشر والتوزيع – بيروت – 2006 – ص 277 .
4) انظر د. عبد المجيد الحكيم – أ. عبد الباقي البكري – أ. محمد طه البشير – الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي – ج1 – طبع على نفقة جامعة بغداد – 1986- ص172 – وكذلك انظر د. حسن على الذنون ود. محمد سعيد الرحو – الوجيز في النظرية العامة للالتزامات – مصادر الالتزام – ج1-ط1- دار وائل للنشر عمان – 2002 – ص298 .
5) انظر د. عدنان ابراهيم السرحان – د. نوري حمد خاطر – المصدر السابق – ص450.
6) انظر ايضا المواد (574-585-600-756-768) من القانون المدني العراقي .
7) انظر المادة (763) من القانون المدني العراقي , فقد جاء في الفقرة الثانية منه (( على المستأجر اجراء الترميمات الطفيفة التي يقضي بها العرف )) .
8) انظر أ. عبد الفضيل محمد احمد – القانون البحري والجوي – مكتبة الجلاء – المنصورة – 1989 – ص490 .
9) انظر د. عدنان ابراهيم السرحان و د. نوري حمد خاطر – المصدر السابق – ص332-333 . وانظر كذلك د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني المصري – منشورات الحلبي – 2005 – ص 754 .
10-انظر المواد (217-211-445-453) من القانون المدني المصري, والمواد (213-164/1-358/2,1) من القانون المدني الأردني .
11-انظر المادة (217) من القانون المدني المصري, وانظر كذلك د. حسن علي الذنون – المبسوط في المسؤولية المدنية – ج1- شركة التايمس للطبع والنشر – بغداد – 1991-ص86 .
12-انظر د. مصطفى جمال – د. رمضان محمد – د. نبيل ادهم – مصادر واحكام الالتزام – دراسة مقارنة – منشورات الحلبي – بيروت – 2003-ص207 .
13-انظر د. مصطفى جمال – مصادر واحكام الالتزام – المصدر السابق – ص208.
14-انظر د. حسن علي الذنون – محاضرات القيت على طلبة الدكتوراه والماجستير- جامعة بغداد - كلية القانون – 1986- ص18 .
15-انظر المواد (547) مدني عراقي , (500) مدني اردني , (437) مدني مصري , (405) مدني سوري , (426) مدني ليبي , (396) مدني لبناني , (513) مدني مغربي .
16-انظر المادة (298) وما بعدها من قانون التجارة العراقي رقم 30 لسنة 1984.
17-انظر د. حسن علي الذنون – محاضرات – المصدر السابق – ص19 .
18-انظر المادتين (972,973) من القانون المدني العراقي .
19-انظر المادة (593) من القانون المدني العراقي .
20-انظر المادتين (567,568) من القانون المدني العراقي .
21-انظر المادة (259)من القانون المدني العراقي .
22-انظر المادة (567/1) مدني عراقي .
23-انظر المادة (556/1) مدني عراقي .
24-انظر د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط – المصدر السابق – ص761 .
25-انظر د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط – المصدر السابق – ص761 .
26-انظر د. عدنان ابراهيم السرحان , د. نوري حمد خاط – المصدر السابق – ص333 .
27-راجع المادة (202/1) من القانون المدني الاردني , وكذلك انظر في تفصيل ذلك , د. ياسين الجبوري – الوجيز في شرح القانون المدني الاردني – ج1-دار الثقافة – عمان – 2008 – ص428, وكذلك د. مصطفى الجمال – المصدر السابق – ص203 .
28-انظر المادة (17) من قانون النقل العراقي رقم 80 لسنة 1983 .
29-انظر المادة (17) من قانون النقل العراقي رقم 80 لسنة 1983 .
30-انظر قرار محكمة تمييز العراق , مشار اليه د. عبد المجيد الحكيم – مصادر الالتزام -699 , نقلا عن د. ابراهيم السرحان و د. نوري حمد خاط – المصدر السابق – ص334 .
31-انظر المادة (145) من القانون المدني الاردني .
32-انظر المادة (259) من القانون المدني العراقي والمواد (217,241) من القانون المدني المصري , والمواد (171, 225, 236) من القانون المدني السوري , والمادة (358) من القانون المدني الاردني التي اعترفت ضمنا بعدم جواز الإعفاء من المسؤولية العقدية إذا كان اخلال المدين بالتزامه العقدي ناشئ عن غش او خطأ جسيم .
33-انظر محاضرات القيت على طلبة الدراسات العليا في كلية القانون جامعة بغداد – د. حسن علي الذنون – المصدر السابق – ص25.
34-انظر بحثا للدكتور اكرم ياملكي – منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية عدد (3) ص 158 –وما بعدها حول الوكالة والوكالة بالعمولة .
مراجع البحث
1- د. اكرم ياملكي – بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية عدد (3) .
2- د د. حسن علي الذنون – المبسوط في المسؤولية المدنية – ج1 – شركة التايمس للطبع والنشر – بغداد – 1991 .. عدنان ابراهيم السرحان و د. نوري حمد خاطر – شرح القانون المدني الاردني – مصادر الحقوق الشخصية – دراسة مقارنة – ط1- دار الثقافة للنشر
3- د. حسن علي الذنون – محاضرات القيت على طلبة الدكتوراه والماجستير جامعة بغداد كلية القانون – 1986 والتوزيع – عمان – الاردن – 2005 .
4- د. حسن علي الذنون و د. محمد سعيد الرحو – الوجيز في النظرية العامة للالتزامات – مصادر الالتزام – ج1-ط1- دار وائل للنشر – عمان – الاردن – 2002 .
5- د. عبد المجيد الحكيم , و أ. عبد الباقي البكري , وأ. محمد طه البشير – الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي – ج1 – طبع على نفقة جامعة بغداد – 1986 .
6- د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني المصري – منشورات الحلبي – 2005 .
7- أ. عبد الفضيل محمد احمد – القانون البحري والجوي – مكتبة الجلاء – المنصورة – 1989 ..
8- عدنان ابراهيم السرحان –ود.نوري حمد خاطر – شرح القانون المدني الاردني –مصادر الحقوق الشخصية –دراسه مقارنه
9- د. مصطفى الجمال و د. رمضان محمد و د. نبيل ابراهيم – مصادر واحكام الالتزام – دراسة مقارنة – منشورات الحلبي – بيروت – 2003 .
10-د. ياسين محمد الجبوري – المبسوط في شرح القانون المدني – ج2 – دار الثقافة للنشر والتوزيع – بيروت – 2006 .
11-د. ياسين محمد الجبوري – الوجيز في شرح القانون المدني الاردني – ج1- دار الثقافة – عمان – 2008