عدالة تقهر الظلم
04-19-2010, 07:03 PM
برئاسة السيد القاضي / يحيـــــى جــــــلال فضـــــل رئيـــــس المحكمــــة وعضويـــــة القاضييـن / محمـــــد نـــاجــــي دربالـــــة و محمــد عبـد الرحمــن الجـــراح
اتهمت النيابة العامة ....... أنه في يوم 30 من أغسطس سنة 2006.
1ـــ صَرَفَ الزيت في البيئة البحرية بأن سرب من سفينته وقود الديزل مما أدى إلى تلوث البيئة البحرية.
2ـــ وهو ربان سفينة ناقلة للزيت لم يحتفظ فيها بسجل للزيت.
3ـــ وهو ربان سفينة ناقلة للزيت لم يجهزها بمعدات مكافحة التلوث.
4ــ وهو ربان سفينة ناقلة للزيت لم تكن بحوزته شهادة منع التلوث الدولية وبيان آخر تفريغ لمحتوياتها.
ـــ وطلبت معاقبته بمقتضى أحكام المواد 21 , 25 , 26 , 33 , 71 , 72 , 73 , 74 , 75 من القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها.
ـ بجلسة 13 من ديسمبر سنة 2006 م قضت محكمة الجنايات حضورياً بمعاقبة المتهم بالحبس لمدة سنة وتغريمه مائة وخمسين ألف درهم عن التهمة الأولى وبحبسه لمدة سنة وتغريمه مائة ألف درهم عن التهمة الثالثة وتغريمه عشرة آلاف درهم عن التهمة الرابعة.
ــ استأنف المحكوم عليه ، ومحكمة استئناف جنايات رأس الخيمة قضت حضورياً بجلسة 19 من يونيو سنة 2007 م بقبول الاستئناف شكلاً وباختصاص محكمة رأس الخيمة بنظر الدعوى وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للتهمة الأولى والغاءه وببراءة المتهم عن باقي التهم.
ـــ طعن المحكوم عليه في هذا الحكم بالنقض بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة التمييز بتاريخ 17 / 7 / 2007 م .
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تلويث البيئة البحرية وإلغاء تصريف الزيت فيها شابه الخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد و القصور في التسبيب و الفساد في الإستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه تمسك بعدم اختصاص محاكم دولة الإمارات ـــ ومن بينها محكمة جنايات رأس الخيمة ـــ ولائياً بنظر الدعوى لكون الواقعة قد حصلت بالمياه الدولية وخضوعها بالتالي لأحكام القانون الدولي ودلل على ذلك بأقوال البحارة الذين كانوا على مَتْنِ اللنشات الإيرانية , وما ثبت بمحضر الضبط وبتقارير الخبرة , وبإحداثيات تحديد موقع السفينة أنها ضبطت على بعد 21.8 ميل بحري بما يجاوز حدود البحر الإقليمي لدولة الإمارات المحدد بأثنى عشر ميلاً بحرياً , بيد أن المحكمة لم تتناول الدفع ـــ رغم جوهريته ـــ بما يدفعه مكتفيه في تبرير ذلك بالقول بأنها رجحت ما انتهى إليه تقرير الخبيرين المنتدبين من أن واقعة الضبط حَصلت بالمياه الإقتصادية الخالصة للدولة على ما انتهى إليه تقرير الخبير الاستشاري الذي أكد أن الواقعةَ حَصلت بأعالي البحار ( المياه الدولية ) ودون أن يبين أسباب ذلك الترجيح أو الأسس القانونية التي أقام عليها قضاءه بالاختصاص , وهو ما لا يكفي لاطراح الدفع واقساطه حقه في الرد , كما استند الحكم المطعون فيه إلى أقوال ضابط الواقعة في إثبات حدوث التلوث للبيئة البحرية على الرغم من أنها قامت على محض تخمينه ومجرد تقديره الشخصي ولم تستند إلى ما يستلزمه ذلك من فحص فني كيميائي مختبري للوقوف على حصول التلوث ومدى الأضرار التي سببها , كما قعد عن الرد على دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه لعدم صدور إذن من النيابة العامة و إنتفاء حالة التلبس وعلى دفعه ببطلان حجزه , كما عول الحكم في قضائه بالإدانة على أقوال ضابط الواقعة رغم إنفراده بالشهادة وحجبه أفراد القوة المصاحبة له عن الشهادة , وعلى اعتراف نسبه إلى الطاعن بتحقيقات النيابة رغم خلوها منه , ولم يلتفت إلى دفاعه بأن المتسبب في تسرب المواد البترولية هم بحارة اللنشات الإيرانية بدلالة ما قرره ضابط الواقعة من أنهم من قاموا بسحب الأنابيب ( الخراطيم ) الحاملة لتلك المواد إلى السفينة على نحو مفاجئ بقصد الفرار وقت الضبط مما أدى إلى ذلك التسرب , وأخيراً فقد امتنع الحكم المطعون فيه عن إجابته لطلبه ندب خبير آخر في الدعوى للفصل فيما أختلف فيه الخبيرين المنتدبين من ناحيةِ و الخبير الاستشاري من ناحية أخرى ودون أن يأبه بالرد على ذلك الطلب كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة تلويث البيئة البحرية وإلغاء تصريف الزيت فيها التي دان الطاعن بها , وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها استمدها من شهادة ضابط الواقعة ومن الصور الفوتوغرافية والاسطوانة المدمجة التي تحوي بياناً للتلوث الحاصل في جوانب السفينة و من إقرار المتهم بحدوث التلوث ومن ضبطه متلبساً في المياه الاقتصادية الخالصة للدولة. لما كان ذلك , وكان الأصل العام أن حدود تطبيق النص الجنائي تتفق وحدود الإقليم الخاضع لسيادة الدولة ، فهو يطبق على كل جريمة تُرتكب في هذا الإقليم , ويشمل إقليم الدولة أراضيها وبحرها الإقليمي وفضاءها الجوي بما في ذلك طبقات الأرض وإلى مركز الكرة الأرضية وطبقات الجو و المياه إلى ما لانهاية في الارتفاع , وهذا الأصل هو الذي أخذ به التشريع الجنائي لدولة الإمارات إذ نص في المادة 16/1 الواردة في الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الأول من قانون العقوبات على إنه " تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب جريمة في إقليم الدولة ويشمل إقليم الدولة أراضيها وكل مكان يخضع لسيادتها بما في ذلك المياه الإقليمية والفضاء الجوي الذي يعلوها " , كما حرص قانون العقوبات على سريان تلك القاعدة على التشريعات العقابية الأخرى إلا في حالة أن تتضمن نصاً على خلاف ذلك بما أورده في المادة الثالثة منه والتي جرى نصها على إنه " تسري أحكام الكتاب الأول من هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في القوانين العقابية الأخرى مالم يرد نص فيها على خلاف ذلك " بما مفاده أنه إذا ورد نص في أي من تلك القوانين يبسط سريانه من حيث المكان أو الأشخاص - أو غير ذلك - على ما يجاوز المكان الذي يخضع لسيادتها أو الأشخاص الذين يسري عليهم فإنه يكون نافذاً , وكذا الحال إذا قلص نص نطاق سريان القانون من حيث المكان أو الأشخاص. لما كان ذلك , وكانت إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة في 10/12/1982 في مونتي غوبى في جامايكا قد نصت في مادتيها الثانية و الثالثة على أن سيادة الدولة الساحلية تمتد خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية إلى حزام بحري ملاصق يُعرف بالبحر الإقليمي و أوكل لكل دولة تحديد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً تقاس من خطوط الأساس المقررة وفقاً للاتفاقية ( المادة 3 ) كما رهنت ممارسة الدولة لسيادتها على بحرها الإقليمي بمراعاة أحكام الاتفاقية وقواعد القانون الدولي ( المادة 1/3 ) , وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة ـــ وهي من الدول الموقعة على الاتفاقية وقت إصدارها ـــ قد التزمت بأحكام هذه الاتفاقية وحددت بحرها الإقليمي بأثنى عشر ميلاً بحرياً وفق ما ورد بالمادة الرابعة من القانون الإتحادي رقم 19 لسنة 1993 في شأن تعيين المناطق البحرية للدولة , وكانت اللجنة الرئيسية الثانية المشكلة بالدورة الأولى لمؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار المعقودة في نيويورك في الفترة من 2 حتى 24/12/1973 قد عرضت ـــ بناء على دعوة الدول النامية ـــ إلى فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة , وقد حَظيت تلك الفكرة ـــ رغم حداثتها ـــ بتأييد كبير و تسليم بأحقية الدولة الساحلية في الحصول على منطقة إقتصادية في حدود مائتي ميل بحري تُمارس عليها حقاً منفرداً لغرض استغلال الثروات الحية و غير الحية , وهو ما أفضى إلى أن تتضمن إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 هذا الحكم بما نصت عليه في الجزء الخامس المعنون " المنطقة الاقتصادية الخالصة " والذي انتظمت أحكامه المواد من 55 إلى 75 من الاتفاقية , وقد حددت هذه النصوص المنطقة الاقتصادية الخالصة بما لا يزيد على مائتي ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس منها البحر الإقليمي ( المادة 57 ) وقررت للدول الساحلية حقوق سيادية في أغراض استكشاف واستغلال وحفظ وإدارة الموارد الطبيعية الحية منها وغير الحية للمياه التي تعلو قاع البحر ولقاع البحر وباطن أرضه وكذلك فيما يتعلق بالأنشطة الأخرى للاستكشاف و الاستغلال الاقتصاديين للمنطقة كأنتاج الطاقة من المياه و التيارات و الرياح ( المادة 56/البند أ ) , كما قررت لها ولاية ـــ حددتها بأنها على الوجه المنصوص عليه في الأحكام ذات الصلة من الاتفاقية ـــ فيما يتعلق بحماية البيئة البحرية ( البند (3) من الفقرة (ب) من المادة 56 ) , كما أولت الاتفاقية حماية البيئة البحرية اهتماماً خاصاً وعناية فائقة فألزمت الدول بحمايتها و الحفاظ عليها ( المادة 192 ) وعددت تدابير منع تلوث البيئة البحرية وخفضه و السيطرة عليه أياً كان مصدره لضمان أن تجري الأنشطة الواقعة تحت ولايتها أو رقابتها بما لا يؤدي إلى إلحاق ضرر عن طريق التلوث بها أو بدول أخرى وبيئتها وأن لا ينتشر التلوث الناشئ وعن ذلك إلى خارج المناطق التي تمارس فيها حقوقاً سيادية وفقاً للاتفاقية ( المادة 194 ) وأوردت فيما عددته جميع مصادر التلوث ومن بينها التلوث الحاصل من السفن بالتصريف المتعمد أو غير المتعمد للمواد المؤدية للتلوث ( البند ( ب ) من الفقرة الثالثة من المادة 194 ) واوكلت إلى الدول الساحلية اعتماد ( إصدار ) قوانين وانظمة لمنع تلوث البيئة البحرية من السفن التي ترفع علمها ( البند ( 2 ) من المادة 211 ) ولمنع التلوث من السفن التي تتواجد في مناطقها الاقتصادية ( البند ( 5 ) من المادة 211) كما خولت للدول الساحلية عندما يتوافر دليل موضوعي واضح على أن سفينة مبحرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة قد ارتكبت انتهاكاً للقواعد و المعايير الدولية المنطبقة من أجل منع التلوث من السفن وخفضه و السيطرة عليه أو لقوانين الدولة الساحلية وأنظمتها المتمشية مع تلك القواعد و المعايير و المنفذة لها أن تقيم ـــ متى أقتضت ذلك أدلة القضية ـــ دعوى تشمل احتجاز السفينة ( الفقرتين 3 , 6 من المادة 220 ) وأجازت فرض عقوبات على المتهم بشأن الانتهاكات التي ترتكبها سفينة أجنبية خارج البحر الإقليمي للقوانين و الأنظمة الوطنية أو القواعد الدولية المنطبقة لمنع تلوث البيئة البحرية وذلك بشرط مراعاة الحقوق المعترف بها للمتهم أثناء سير الدعوى المقامة بشأن تلك الانتهاكات ( المادة 230/3) ، وقد أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها وتضمن تعريف للبيئة البحرية بأنها " المياه البحرية وما بها من ثروات طبيعية ونباتات وأسماك وكائنات بحرية أخرى وما فوقها من هواء وما هو مقام فيها من منشآت أو مشروعات ثابتة أو متحركة وتبلغ حدودها حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة " ويستخلص من هذا التعريف أن المنطقة الاقتصادية الخالصة تدخل في نطاق البيئة البحرية كما عرفها قانون حماية البيئة وتنميتها وبالتالي تكون تلك المنطقة بما لا يزيد على مائتي ميل بحري تقاس من خطوط القاعدة التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي ، أو بمعنى آخر تكون تلك المنطقة الاقتصادية الخالصة في حدود 188 ميل بحري من نهاية البحر الإقليمي للدولة بحسبان أن هذا الأخير يبلغ 12 ميل وفق نص المادتين 4 ، 12 من القانون الاتحادي رقم 19 لسنة 19993 في شأن تعيين المناطق البحرية لدولة الإمارات العربية المتحدة ، كما نص ذات القانون في المادة 17 منه الواردة في الفصل الأول المعنون " نطاق الحماية البيئية " ضمن الباب الثاني المعنون " حماية البيئة المائية " على أن " تهدف حماية البيئة المائية من التلوث إلى تحقيق الأغراض الآتية : 1-..، 2- حماية البيئة البحرية ومواردها الطبيعية الحية وغير الحية وذلك بمنع التلوث أياً كان مصدره وخفضه والسيطرة عليه . 3-......." فدل بذلك على أن نطاق تلك الحماية للبيئة المائية ـــ بما تنطوي عليه من تأثيم وعقاب ـــ إنما تمتد لتشمل كامل البيئة البحرية كما عرفها ذات القانون أو بمعنى آخر تمتد حتى نهاية حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في خصوص حماية البيئة البحرية بمنع التلوث وخفضه والسيطرة عليه ، وهو ما يتطابق مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ، كما أناط القانون سالف الذكر في المادتين 69/2 ، 90 /1 منه بموظفي الهيئة الاتحادية للبيئة والسلطات المختصة الذين تقررت لهم صفة مأموري الضبط القضائي أن يضبطوا أية مخالفة لأحكام هذا القانون وأن يحيلوا المخالف طبقاً للإجراءات المعمول بها في الدولة إلى السلطات القضائية المختصة " وللمحاكم التي تقع في دائرتها الجرائم المنصوص عليها في قانون حماية البيئة وتنميتها الفصل في تلك الجرائم إذا وقعت داخل البيئة البحرية أياً كانت جنسية أو نوع الوسيلة البحرية التي ارتكبتها وأوجبت على تلك المحاكم أن تفصل في الدعوى على وجه السرعة ". وتخلص المحكمة من جماع ذلك كله إلى أن الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام قانون حماية البيئة وتنميتها ينعقد الاختصاص بضبطها للسلطات المختصة بدولة الإمارات وينعقد الاختصاص بالتحقيق والفصل فيها للسلطات القضائية لدولة الإمارات، متى وقعت في نطاق البيئة البحرية للدولة بما في ذلك بحرها الإقليمي ومنطقتها المتاخمة ، ومنطقتها الاقتصادية الخالصة ، وهو ما يتسق مع التشريعات التي صدرت من دولة الإمارات العربية المتحدة في حدود هذه الولاية فإذا كان كل ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما حاصله أن الضابط المختص بحرس السواحل قد تلقى إبلاغاً بأن أربعة لنشات تقوم بتزويد إحدى السفن بالوقود مما تسبب في إحداث تلوث لمياه البحر ، فانتقل على الفور حيث شاهد ثلاث بقع من المياه ملوثة بوقود الديزل يصل طولها إلى ما يزيد على الكيلومتر ، وإحدى هذه البقع تلاحق السفينة " كابتن هود " بالإضافة إلى آثار تلوث الديزل على جسم السفينة ، كما شاهد أربعة لنشات إيرانية تجري عملية تزويد السفينة بالديزل وتخزينه في خزانات فوق سطحها ، وقد حاولت الفرار فور قدوم قوة الضبط مما أدى إلى سحب أنابيب السفينة ( الخراطيم ) المستخدمة في نقل الوقود مما أدى إلى تفاقم التلوث ، فقام بضبط الواقعة متلبساً بها داخل المياه الإقتصادية الخالصة للدولة على مسافة 21.8 ميل بحري من ميناء الجزيرة الحمراء ، وأقام على صحة الواقعة كما اطمأن إليها أدلة سائغة استمدها من شهادة ضابط الواقعة ، ومما أثبتته الصور الفوتوغرافية وما حوته الاسطوانة المدمجة من بيان لمظاهر التلوث على السفينة ومن إقرار الطاعن بمحضر الضبط وتحقيقات النيابة العامة ـــ على خلاف ما يدعي بأسباب طعنه ـــ من أن تلوثاً قد حدث لمياه البحر ، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى ـــ استناداً إلى ما حصله من وقائع وما أورده من تقريرات قانونية ـــ إلى رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها فإنه يكون قد التزام صحيح القانون ويكون النعي عليه في هذا الخصوص ولا محل له . لما كان ذلك وكانت المادة الأولى من قانون حماية البيئة وتنميتها قد عَرفت التلوث المائي بأنه " إدخال أية مواد أو طاقة في البيئة المائية بطريقة إرادية أو غير إرادية مباشرة أو غير مباشرة ينتج عنه ضرر بالموارد الحية وغير الحية أو يهدد صحة الإنسان أو يعوق الأنشطة المائية بما في ذلك صيد الأسماك والأنشطة السياحية أو يفسد صلاحيتها للاستعمال أو ينقص من التمتع بها أو يغير من خواصها " كما عرفت التصريف بأنه " كل تسرب أو انسكاب أو انبعاث أو تفريغ لأي نوع من المواد الملوثة أو التخلص منها في البيئة المائية أو التربة أو الهواء " كما عرفت الموارد والعوامل الملوثة بأنها " أية مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو أدخنة أو أبخرة أو روائح أو ضوضاء أو إشعاعات أو حرارة أو وهج الإضاءة أو اهتزازات تنتج بشكل طبيعي أو بفعل الإنسان وتؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى تلوث البيئة وتدهورها أو الإضرار بالإنسان أو بالكائنات الحية " كما عرفت الزيت بأنه " جميع أشكال النفط الخام ومنتجاته ويشمل ذلك أي نوع من أنواع الهيدروكربونات السائلة وزيوت التشحيم والوقود والزيوت المكررة وزيت الأفران والقار وغيرها من المواد المستخرجة من النفط أو مشتقاته أو نفاياته " وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها متى وجدت في عناصر الدعوى ما يكفي للفصل فيها دون حاجة للاستعانة بالخبرة الفنية ما دامت المسألة المطروحة ـــ كما هو الحال في هذه الدعوى ـــ ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها فإذا كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد في قضائه بالإدانة على ما استخلصه من أقوال ضابط الواقعة وما بينته الصور الفوتوغرافية والاسطوانة المدمجة من حصول التلوث بوقود الديزل لمياه البحر وكذا على ما أقر به المتهم بالتحقيقات من حصوله وإن أرجع السبب في ذلك لغيره فإن هذا ينبئ عن أن محكمة الموضوع قد وجدت بالدعوى من الأدلة والشواهد ما يكفي لتكوين عقيدتها التي انتهت إليها وما يتحقق به التلوث المائي بطريق التصريف لوقود الديزل على الوجه الذي يتحقق به التلوث كما تطلبه قانون حماية البيئة وتنميتها دون حاجة إلى المزيد من إجراءات الإثبات بتحقيق تجريه أو خبير تندبه ومن ثم يكون ما خلص إليه الحكم سائغاً ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله . لما كان ذلك وكانت المحكمة غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى طلب ندب خبير آخر في الدعوى ما دام أن الواقعة وضحت لديها ولم تر هي من جانبها إتخاذ هذا الإجراء وكان الطاعن قد قصر طلبه لندب خبير ثالث في الدعوى ـــ بعد أن قُدم إليها تَقرير الخبيرين المنتدبين وتقرير الخبير الاستشاري المكلف من قبل الطاعن ـــ على بيان مكان ضبط السفينة وما إذا كانت مخصصة لنقل البضائع أو نقل الزيت ومدى حاجتها للوقود وما إذا كان الديزل من المواد المسببة للتلوث وكانت كل تلك الطلبات قد سبق بيانها في التقريرين السابقين أو لا صلة لها بجوهر واقعة الاتهام ولا تؤثر على وجه الرأي في الدعوى أو مما يتصل بمسائل قانونية تختص المحكمة ـــ دون غيرها ـــ بالفصل فيها ، فإن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على ذلك الطلب اكتفاء بما يستفاد ضمناً من الأخذ بتقرير الخبيرين المنتدبين والتعويل على ما انتهيا إليه في الإدانة ـــ. لما كان ذلك وكان انفراد الضابط بالشهادة على واقعة الضبط والتفتيش لا يمنع من سلامة أقواله كدليل في الدعوى لما هو مقرر من أن وزن أقوال الشاهد وتقديرها مرجعة إلى محكمة الموضوع
تُنزلها المنزلة التي تراها وتُقدرها التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، وهي متى أخذت بشهادته بما مفاده أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها فإن ما يثيره الطاعن وما يسوقه من قرائن لتجريح أقوال الضابط لإنفراده بالشهادة وحجب باقي أفراد القوة المرافقة ، وكذا ما يثيره من أن مرتكب الجريمة شخص آخر هي كلها مما يندرج ضمن أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها . لما كان ذلك وكان الشارع قد منح ضباط وصف ضباط وأفراد حرس الحدود والسواحل الذين أسبغ عليهم القانون صفة مأموري الضبط القضائي بما نص عليه في المادة 33 من قانون الإجراءات الجزائية ـــ في أثناء تأدية وظائفهم حق تفتيش وضبط الأشخاص في نطاق عملهم إذا قامت لديهم دواعي الشك فيهم أو مظنة التهريب أو الدخول بغير إذن إلى البلاد وهو بهذه المثابة لا يعد تفتيشاً بالمعنى الذي قصده الشارع باعتباره عملاً من أعمال التحقيق يهدف إلى الحصول على دليل من الأدلة ولا تملكه إلا سلطة التحقيق أو بإذن منها وإنما هو إجراء إداري تحفظي لا ينبغي أن يختلط مع التفتيش القضائي ولا يلزم لإجرائه أدلة كافية أو إذن مسبق من سلطة التحقيق فإذا ما أسفر هذا التفتيش عن دليل يكشف عن جريمة معاقباً عليها بمقتضى القانون العام فإنه يصح الاستناد إليه كدليل قبل المتهم باعتباره ثمرة إجراء مشروع في ذاته ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة قانونية ، فإذا كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان ضبط الطاعن وتفتيشه بما يساير هذا الفهم وأقام عليه قضاءه برفضه فإنه يكون قد رد عليه ـــ في خصوص هذه الدعوى ـــ بما يكفي لدفعه ، هذا إلى أن مايثيره الطاعن ـــ بفرض صحته ـــ من نعي على الحكم المطعون فيه لعدم رده على دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه وبطلان إجراءات حجزه لتجاوز مدته القانونية قبل العرض على النيابة العامة مردود بأن الحكم قد بني قضاؤه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التي قام عليها ولم يعول على أي دليل مستمد من هذا القبض أو التفتيش أو الحجز ولم يُشر إليه في مدوناته ومن ثم فإنه ينحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على هذا الدفع ، لما كان ذلك فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهــــذه الأسبـــــاب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وألزمت الطاعن بالرسوم القضائية وأمرت بمصادرة التأمين.
اتهمت النيابة العامة ....... أنه في يوم 30 من أغسطس سنة 2006.
1ـــ صَرَفَ الزيت في البيئة البحرية بأن سرب من سفينته وقود الديزل مما أدى إلى تلوث البيئة البحرية.
2ـــ وهو ربان سفينة ناقلة للزيت لم يحتفظ فيها بسجل للزيت.
3ـــ وهو ربان سفينة ناقلة للزيت لم يجهزها بمعدات مكافحة التلوث.
4ــ وهو ربان سفينة ناقلة للزيت لم تكن بحوزته شهادة منع التلوث الدولية وبيان آخر تفريغ لمحتوياتها.
ـــ وطلبت معاقبته بمقتضى أحكام المواد 21 , 25 , 26 , 33 , 71 , 72 , 73 , 74 , 75 من القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها.
ـ بجلسة 13 من ديسمبر سنة 2006 م قضت محكمة الجنايات حضورياً بمعاقبة المتهم بالحبس لمدة سنة وتغريمه مائة وخمسين ألف درهم عن التهمة الأولى وبحبسه لمدة سنة وتغريمه مائة ألف درهم عن التهمة الثالثة وتغريمه عشرة آلاف درهم عن التهمة الرابعة.
ــ استأنف المحكوم عليه ، ومحكمة استئناف جنايات رأس الخيمة قضت حضورياً بجلسة 19 من يونيو سنة 2007 م بقبول الاستئناف شكلاً وباختصاص محكمة رأس الخيمة بنظر الدعوى وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للتهمة الأولى والغاءه وببراءة المتهم عن باقي التهم.
ـــ طعن المحكوم عليه في هذا الحكم بالنقض بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة التمييز بتاريخ 17 / 7 / 2007 م .
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تلويث البيئة البحرية وإلغاء تصريف الزيت فيها شابه الخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد و القصور في التسبيب و الفساد في الإستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه تمسك بعدم اختصاص محاكم دولة الإمارات ـــ ومن بينها محكمة جنايات رأس الخيمة ـــ ولائياً بنظر الدعوى لكون الواقعة قد حصلت بالمياه الدولية وخضوعها بالتالي لأحكام القانون الدولي ودلل على ذلك بأقوال البحارة الذين كانوا على مَتْنِ اللنشات الإيرانية , وما ثبت بمحضر الضبط وبتقارير الخبرة , وبإحداثيات تحديد موقع السفينة أنها ضبطت على بعد 21.8 ميل بحري بما يجاوز حدود البحر الإقليمي لدولة الإمارات المحدد بأثنى عشر ميلاً بحرياً , بيد أن المحكمة لم تتناول الدفع ـــ رغم جوهريته ـــ بما يدفعه مكتفيه في تبرير ذلك بالقول بأنها رجحت ما انتهى إليه تقرير الخبيرين المنتدبين من أن واقعة الضبط حَصلت بالمياه الإقتصادية الخالصة للدولة على ما انتهى إليه تقرير الخبير الاستشاري الذي أكد أن الواقعةَ حَصلت بأعالي البحار ( المياه الدولية ) ودون أن يبين أسباب ذلك الترجيح أو الأسس القانونية التي أقام عليها قضاءه بالاختصاص , وهو ما لا يكفي لاطراح الدفع واقساطه حقه في الرد , كما استند الحكم المطعون فيه إلى أقوال ضابط الواقعة في إثبات حدوث التلوث للبيئة البحرية على الرغم من أنها قامت على محض تخمينه ومجرد تقديره الشخصي ولم تستند إلى ما يستلزمه ذلك من فحص فني كيميائي مختبري للوقوف على حصول التلوث ومدى الأضرار التي سببها , كما قعد عن الرد على دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه لعدم صدور إذن من النيابة العامة و إنتفاء حالة التلبس وعلى دفعه ببطلان حجزه , كما عول الحكم في قضائه بالإدانة على أقوال ضابط الواقعة رغم إنفراده بالشهادة وحجبه أفراد القوة المصاحبة له عن الشهادة , وعلى اعتراف نسبه إلى الطاعن بتحقيقات النيابة رغم خلوها منه , ولم يلتفت إلى دفاعه بأن المتسبب في تسرب المواد البترولية هم بحارة اللنشات الإيرانية بدلالة ما قرره ضابط الواقعة من أنهم من قاموا بسحب الأنابيب ( الخراطيم ) الحاملة لتلك المواد إلى السفينة على نحو مفاجئ بقصد الفرار وقت الضبط مما أدى إلى ذلك التسرب , وأخيراً فقد امتنع الحكم المطعون فيه عن إجابته لطلبه ندب خبير آخر في الدعوى للفصل فيما أختلف فيه الخبيرين المنتدبين من ناحيةِ و الخبير الاستشاري من ناحية أخرى ودون أن يأبه بالرد على ذلك الطلب كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة تلويث البيئة البحرية وإلغاء تصريف الزيت فيها التي دان الطاعن بها , وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها استمدها من شهادة ضابط الواقعة ومن الصور الفوتوغرافية والاسطوانة المدمجة التي تحوي بياناً للتلوث الحاصل في جوانب السفينة و من إقرار المتهم بحدوث التلوث ومن ضبطه متلبساً في المياه الاقتصادية الخالصة للدولة. لما كان ذلك , وكان الأصل العام أن حدود تطبيق النص الجنائي تتفق وحدود الإقليم الخاضع لسيادة الدولة ، فهو يطبق على كل جريمة تُرتكب في هذا الإقليم , ويشمل إقليم الدولة أراضيها وبحرها الإقليمي وفضاءها الجوي بما في ذلك طبقات الأرض وإلى مركز الكرة الأرضية وطبقات الجو و المياه إلى ما لانهاية في الارتفاع , وهذا الأصل هو الذي أخذ به التشريع الجنائي لدولة الإمارات إذ نص في المادة 16/1 الواردة في الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الأول من قانون العقوبات على إنه " تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب جريمة في إقليم الدولة ويشمل إقليم الدولة أراضيها وكل مكان يخضع لسيادتها بما في ذلك المياه الإقليمية والفضاء الجوي الذي يعلوها " , كما حرص قانون العقوبات على سريان تلك القاعدة على التشريعات العقابية الأخرى إلا في حالة أن تتضمن نصاً على خلاف ذلك بما أورده في المادة الثالثة منه والتي جرى نصها على إنه " تسري أحكام الكتاب الأول من هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في القوانين العقابية الأخرى مالم يرد نص فيها على خلاف ذلك " بما مفاده أنه إذا ورد نص في أي من تلك القوانين يبسط سريانه من حيث المكان أو الأشخاص - أو غير ذلك - على ما يجاوز المكان الذي يخضع لسيادتها أو الأشخاص الذين يسري عليهم فإنه يكون نافذاً , وكذا الحال إذا قلص نص نطاق سريان القانون من حيث المكان أو الأشخاص. لما كان ذلك , وكانت إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة في 10/12/1982 في مونتي غوبى في جامايكا قد نصت في مادتيها الثانية و الثالثة على أن سيادة الدولة الساحلية تمتد خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية إلى حزام بحري ملاصق يُعرف بالبحر الإقليمي و أوكل لكل دولة تحديد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً تقاس من خطوط الأساس المقررة وفقاً للاتفاقية ( المادة 3 ) كما رهنت ممارسة الدولة لسيادتها على بحرها الإقليمي بمراعاة أحكام الاتفاقية وقواعد القانون الدولي ( المادة 1/3 ) , وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة ـــ وهي من الدول الموقعة على الاتفاقية وقت إصدارها ـــ قد التزمت بأحكام هذه الاتفاقية وحددت بحرها الإقليمي بأثنى عشر ميلاً بحرياً وفق ما ورد بالمادة الرابعة من القانون الإتحادي رقم 19 لسنة 1993 في شأن تعيين المناطق البحرية للدولة , وكانت اللجنة الرئيسية الثانية المشكلة بالدورة الأولى لمؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار المعقودة في نيويورك في الفترة من 2 حتى 24/12/1973 قد عرضت ـــ بناء على دعوة الدول النامية ـــ إلى فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة , وقد حَظيت تلك الفكرة ـــ رغم حداثتها ـــ بتأييد كبير و تسليم بأحقية الدولة الساحلية في الحصول على منطقة إقتصادية في حدود مائتي ميل بحري تُمارس عليها حقاً منفرداً لغرض استغلال الثروات الحية و غير الحية , وهو ما أفضى إلى أن تتضمن إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 هذا الحكم بما نصت عليه في الجزء الخامس المعنون " المنطقة الاقتصادية الخالصة " والذي انتظمت أحكامه المواد من 55 إلى 75 من الاتفاقية , وقد حددت هذه النصوص المنطقة الاقتصادية الخالصة بما لا يزيد على مائتي ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس منها البحر الإقليمي ( المادة 57 ) وقررت للدول الساحلية حقوق سيادية في أغراض استكشاف واستغلال وحفظ وإدارة الموارد الطبيعية الحية منها وغير الحية للمياه التي تعلو قاع البحر ولقاع البحر وباطن أرضه وكذلك فيما يتعلق بالأنشطة الأخرى للاستكشاف و الاستغلال الاقتصاديين للمنطقة كأنتاج الطاقة من المياه و التيارات و الرياح ( المادة 56/البند أ ) , كما قررت لها ولاية ـــ حددتها بأنها على الوجه المنصوص عليه في الأحكام ذات الصلة من الاتفاقية ـــ فيما يتعلق بحماية البيئة البحرية ( البند (3) من الفقرة (ب) من المادة 56 ) , كما أولت الاتفاقية حماية البيئة البحرية اهتماماً خاصاً وعناية فائقة فألزمت الدول بحمايتها و الحفاظ عليها ( المادة 192 ) وعددت تدابير منع تلوث البيئة البحرية وخفضه و السيطرة عليه أياً كان مصدره لضمان أن تجري الأنشطة الواقعة تحت ولايتها أو رقابتها بما لا يؤدي إلى إلحاق ضرر عن طريق التلوث بها أو بدول أخرى وبيئتها وأن لا ينتشر التلوث الناشئ وعن ذلك إلى خارج المناطق التي تمارس فيها حقوقاً سيادية وفقاً للاتفاقية ( المادة 194 ) وأوردت فيما عددته جميع مصادر التلوث ومن بينها التلوث الحاصل من السفن بالتصريف المتعمد أو غير المتعمد للمواد المؤدية للتلوث ( البند ( ب ) من الفقرة الثالثة من المادة 194 ) واوكلت إلى الدول الساحلية اعتماد ( إصدار ) قوانين وانظمة لمنع تلوث البيئة البحرية من السفن التي ترفع علمها ( البند ( 2 ) من المادة 211 ) ولمنع التلوث من السفن التي تتواجد في مناطقها الاقتصادية ( البند ( 5 ) من المادة 211) كما خولت للدول الساحلية عندما يتوافر دليل موضوعي واضح على أن سفينة مبحرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة قد ارتكبت انتهاكاً للقواعد و المعايير الدولية المنطبقة من أجل منع التلوث من السفن وخفضه و السيطرة عليه أو لقوانين الدولة الساحلية وأنظمتها المتمشية مع تلك القواعد و المعايير و المنفذة لها أن تقيم ـــ متى أقتضت ذلك أدلة القضية ـــ دعوى تشمل احتجاز السفينة ( الفقرتين 3 , 6 من المادة 220 ) وأجازت فرض عقوبات على المتهم بشأن الانتهاكات التي ترتكبها سفينة أجنبية خارج البحر الإقليمي للقوانين و الأنظمة الوطنية أو القواعد الدولية المنطبقة لمنع تلوث البيئة البحرية وذلك بشرط مراعاة الحقوق المعترف بها للمتهم أثناء سير الدعوى المقامة بشأن تلك الانتهاكات ( المادة 230/3) ، وقد أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها وتضمن تعريف للبيئة البحرية بأنها " المياه البحرية وما بها من ثروات طبيعية ونباتات وأسماك وكائنات بحرية أخرى وما فوقها من هواء وما هو مقام فيها من منشآت أو مشروعات ثابتة أو متحركة وتبلغ حدودها حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة " ويستخلص من هذا التعريف أن المنطقة الاقتصادية الخالصة تدخل في نطاق البيئة البحرية كما عرفها قانون حماية البيئة وتنميتها وبالتالي تكون تلك المنطقة بما لا يزيد على مائتي ميل بحري تقاس من خطوط القاعدة التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي ، أو بمعنى آخر تكون تلك المنطقة الاقتصادية الخالصة في حدود 188 ميل بحري من نهاية البحر الإقليمي للدولة بحسبان أن هذا الأخير يبلغ 12 ميل وفق نص المادتين 4 ، 12 من القانون الاتحادي رقم 19 لسنة 19993 في شأن تعيين المناطق البحرية لدولة الإمارات العربية المتحدة ، كما نص ذات القانون في المادة 17 منه الواردة في الفصل الأول المعنون " نطاق الحماية البيئية " ضمن الباب الثاني المعنون " حماية البيئة المائية " على أن " تهدف حماية البيئة المائية من التلوث إلى تحقيق الأغراض الآتية : 1-..، 2- حماية البيئة البحرية ومواردها الطبيعية الحية وغير الحية وذلك بمنع التلوث أياً كان مصدره وخفضه والسيطرة عليه . 3-......." فدل بذلك على أن نطاق تلك الحماية للبيئة المائية ـــ بما تنطوي عليه من تأثيم وعقاب ـــ إنما تمتد لتشمل كامل البيئة البحرية كما عرفها ذات القانون أو بمعنى آخر تمتد حتى نهاية حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في خصوص حماية البيئة البحرية بمنع التلوث وخفضه والسيطرة عليه ، وهو ما يتطابق مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ، كما أناط القانون سالف الذكر في المادتين 69/2 ، 90 /1 منه بموظفي الهيئة الاتحادية للبيئة والسلطات المختصة الذين تقررت لهم صفة مأموري الضبط القضائي أن يضبطوا أية مخالفة لأحكام هذا القانون وأن يحيلوا المخالف طبقاً للإجراءات المعمول بها في الدولة إلى السلطات القضائية المختصة " وللمحاكم التي تقع في دائرتها الجرائم المنصوص عليها في قانون حماية البيئة وتنميتها الفصل في تلك الجرائم إذا وقعت داخل البيئة البحرية أياً كانت جنسية أو نوع الوسيلة البحرية التي ارتكبتها وأوجبت على تلك المحاكم أن تفصل في الدعوى على وجه السرعة ". وتخلص المحكمة من جماع ذلك كله إلى أن الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام قانون حماية البيئة وتنميتها ينعقد الاختصاص بضبطها للسلطات المختصة بدولة الإمارات وينعقد الاختصاص بالتحقيق والفصل فيها للسلطات القضائية لدولة الإمارات، متى وقعت في نطاق البيئة البحرية للدولة بما في ذلك بحرها الإقليمي ومنطقتها المتاخمة ، ومنطقتها الاقتصادية الخالصة ، وهو ما يتسق مع التشريعات التي صدرت من دولة الإمارات العربية المتحدة في حدود هذه الولاية فإذا كان كل ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما حاصله أن الضابط المختص بحرس السواحل قد تلقى إبلاغاً بأن أربعة لنشات تقوم بتزويد إحدى السفن بالوقود مما تسبب في إحداث تلوث لمياه البحر ، فانتقل على الفور حيث شاهد ثلاث بقع من المياه ملوثة بوقود الديزل يصل طولها إلى ما يزيد على الكيلومتر ، وإحدى هذه البقع تلاحق السفينة " كابتن هود " بالإضافة إلى آثار تلوث الديزل على جسم السفينة ، كما شاهد أربعة لنشات إيرانية تجري عملية تزويد السفينة بالديزل وتخزينه في خزانات فوق سطحها ، وقد حاولت الفرار فور قدوم قوة الضبط مما أدى إلى سحب أنابيب السفينة ( الخراطيم ) المستخدمة في نقل الوقود مما أدى إلى تفاقم التلوث ، فقام بضبط الواقعة متلبساً بها داخل المياه الإقتصادية الخالصة للدولة على مسافة 21.8 ميل بحري من ميناء الجزيرة الحمراء ، وأقام على صحة الواقعة كما اطمأن إليها أدلة سائغة استمدها من شهادة ضابط الواقعة ، ومما أثبتته الصور الفوتوغرافية وما حوته الاسطوانة المدمجة من بيان لمظاهر التلوث على السفينة ومن إقرار الطاعن بمحضر الضبط وتحقيقات النيابة العامة ـــ على خلاف ما يدعي بأسباب طعنه ـــ من أن تلوثاً قد حدث لمياه البحر ، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى ـــ استناداً إلى ما حصله من وقائع وما أورده من تقريرات قانونية ـــ إلى رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها فإنه يكون قد التزام صحيح القانون ويكون النعي عليه في هذا الخصوص ولا محل له . لما كان ذلك وكانت المادة الأولى من قانون حماية البيئة وتنميتها قد عَرفت التلوث المائي بأنه " إدخال أية مواد أو طاقة في البيئة المائية بطريقة إرادية أو غير إرادية مباشرة أو غير مباشرة ينتج عنه ضرر بالموارد الحية وغير الحية أو يهدد صحة الإنسان أو يعوق الأنشطة المائية بما في ذلك صيد الأسماك والأنشطة السياحية أو يفسد صلاحيتها للاستعمال أو ينقص من التمتع بها أو يغير من خواصها " كما عرفت التصريف بأنه " كل تسرب أو انسكاب أو انبعاث أو تفريغ لأي نوع من المواد الملوثة أو التخلص منها في البيئة المائية أو التربة أو الهواء " كما عرفت الموارد والعوامل الملوثة بأنها " أية مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو أدخنة أو أبخرة أو روائح أو ضوضاء أو إشعاعات أو حرارة أو وهج الإضاءة أو اهتزازات تنتج بشكل طبيعي أو بفعل الإنسان وتؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى تلوث البيئة وتدهورها أو الإضرار بالإنسان أو بالكائنات الحية " كما عرفت الزيت بأنه " جميع أشكال النفط الخام ومنتجاته ويشمل ذلك أي نوع من أنواع الهيدروكربونات السائلة وزيوت التشحيم والوقود والزيوت المكررة وزيت الأفران والقار وغيرها من المواد المستخرجة من النفط أو مشتقاته أو نفاياته " وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها متى وجدت في عناصر الدعوى ما يكفي للفصل فيها دون حاجة للاستعانة بالخبرة الفنية ما دامت المسألة المطروحة ـــ كما هو الحال في هذه الدعوى ـــ ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها فإذا كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد في قضائه بالإدانة على ما استخلصه من أقوال ضابط الواقعة وما بينته الصور الفوتوغرافية والاسطوانة المدمجة من حصول التلوث بوقود الديزل لمياه البحر وكذا على ما أقر به المتهم بالتحقيقات من حصوله وإن أرجع السبب في ذلك لغيره فإن هذا ينبئ عن أن محكمة الموضوع قد وجدت بالدعوى من الأدلة والشواهد ما يكفي لتكوين عقيدتها التي انتهت إليها وما يتحقق به التلوث المائي بطريق التصريف لوقود الديزل على الوجه الذي يتحقق به التلوث كما تطلبه قانون حماية البيئة وتنميتها دون حاجة إلى المزيد من إجراءات الإثبات بتحقيق تجريه أو خبير تندبه ومن ثم يكون ما خلص إليه الحكم سائغاً ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله . لما كان ذلك وكانت المحكمة غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى طلب ندب خبير آخر في الدعوى ما دام أن الواقعة وضحت لديها ولم تر هي من جانبها إتخاذ هذا الإجراء وكان الطاعن قد قصر طلبه لندب خبير ثالث في الدعوى ـــ بعد أن قُدم إليها تَقرير الخبيرين المنتدبين وتقرير الخبير الاستشاري المكلف من قبل الطاعن ـــ على بيان مكان ضبط السفينة وما إذا كانت مخصصة لنقل البضائع أو نقل الزيت ومدى حاجتها للوقود وما إذا كان الديزل من المواد المسببة للتلوث وكانت كل تلك الطلبات قد سبق بيانها في التقريرين السابقين أو لا صلة لها بجوهر واقعة الاتهام ولا تؤثر على وجه الرأي في الدعوى أو مما يتصل بمسائل قانونية تختص المحكمة ـــ دون غيرها ـــ بالفصل فيها ، فإن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على ذلك الطلب اكتفاء بما يستفاد ضمناً من الأخذ بتقرير الخبيرين المنتدبين والتعويل على ما انتهيا إليه في الإدانة ـــ. لما كان ذلك وكان انفراد الضابط بالشهادة على واقعة الضبط والتفتيش لا يمنع من سلامة أقواله كدليل في الدعوى لما هو مقرر من أن وزن أقوال الشاهد وتقديرها مرجعة إلى محكمة الموضوع
تُنزلها المنزلة التي تراها وتُقدرها التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، وهي متى أخذت بشهادته بما مفاده أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها فإن ما يثيره الطاعن وما يسوقه من قرائن لتجريح أقوال الضابط لإنفراده بالشهادة وحجب باقي أفراد القوة المرافقة ، وكذا ما يثيره من أن مرتكب الجريمة شخص آخر هي كلها مما يندرج ضمن أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها . لما كان ذلك وكان الشارع قد منح ضباط وصف ضباط وأفراد حرس الحدود والسواحل الذين أسبغ عليهم القانون صفة مأموري الضبط القضائي بما نص عليه في المادة 33 من قانون الإجراءات الجزائية ـــ في أثناء تأدية وظائفهم حق تفتيش وضبط الأشخاص في نطاق عملهم إذا قامت لديهم دواعي الشك فيهم أو مظنة التهريب أو الدخول بغير إذن إلى البلاد وهو بهذه المثابة لا يعد تفتيشاً بالمعنى الذي قصده الشارع باعتباره عملاً من أعمال التحقيق يهدف إلى الحصول على دليل من الأدلة ولا تملكه إلا سلطة التحقيق أو بإذن منها وإنما هو إجراء إداري تحفظي لا ينبغي أن يختلط مع التفتيش القضائي ولا يلزم لإجرائه أدلة كافية أو إذن مسبق من سلطة التحقيق فإذا ما أسفر هذا التفتيش عن دليل يكشف عن جريمة معاقباً عليها بمقتضى القانون العام فإنه يصح الاستناد إليه كدليل قبل المتهم باعتباره ثمرة إجراء مشروع في ذاته ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة قانونية ، فإذا كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان ضبط الطاعن وتفتيشه بما يساير هذا الفهم وأقام عليه قضاءه برفضه فإنه يكون قد رد عليه ـــ في خصوص هذه الدعوى ـــ بما يكفي لدفعه ، هذا إلى أن مايثيره الطاعن ـــ بفرض صحته ـــ من نعي على الحكم المطعون فيه لعدم رده على دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه وبطلان إجراءات حجزه لتجاوز مدته القانونية قبل العرض على النيابة العامة مردود بأن الحكم قد بني قضاؤه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التي قام عليها ولم يعول على أي دليل مستمد من هذا القبض أو التفتيش أو الحجز ولم يُشر إليه في مدوناته ومن ثم فإنه ينحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على هذا الدفع ، لما كان ذلك فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهــــذه الأسبـــــاب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وألزمت الطاعن بالرسوم القضائية وأمرت بمصادرة التأمين.