كاتب ومؤلف
11-20-2013, 12:58 PM
لا تنسون تدعولي
البحث :
المقدمة
بحث حجية المصالح المرسلة بحث أصولي مختلف فيه قديماً وحديثاً، إلا أن هنالك فرقاً واضحاً بين اختلاف الأئمة والأصوليين في العصور الأولى، عصور كثرة العلماء وازدهار العلم والفقه وسيادة الإسلام، وبين اختلاف الكتاب في الأصول في العصور المتأخرة، أي عصور ندرة العلماء، واعتبارهم بحملهم للشهادات.
فالعصور الأولى كان الأكثرون -من العلماء- فيها على أن المصالح المرسلة ليست دليلاً. أما العصور المتأخرة -مثل عصرنا- فإنك لا تكاد تجد من يبحث فيها بحثاً شرعياً صحيحاً، ولا تكاد تجد من يردها.
بل وأكثر من ذلك ، فإنك تجد في هذه العصور -الأخيرة- وهي عصور انحسار الإسلام، وخضوع المسلمين لعدوهم، وإبدال مفاهيم الإسلام بمفاهيم غربية أو شرقية منبثقة عن الكفر، تجد من العلماء عملاء للكفر وسلاطينه، تربعوا في مواقع العلم والإفتاء، يغيّرون أحكام الله ويُفتون بالحلال حراماً، بحجة المصلحة وتغيّر العصر، وبحجة أن للشريعة مقاصد يجب الحفاظ عليها، ولا يهم كيفية هذا الحفاظ. ولذلك ترى الربا يصير مباحاً، وأحكام العقوبات تتغير، ولا ضير في ذلك طالما أن المقصود هو الزجر والمنع، فيمكننا أن نزجر بغير الطريقة القديمة، ويصبح الاختلاط مما عمت به البلوى، وتصبح الاستعانة بالكفار لقتال المسلمين عملاً شرعياً، ويصبح الصلح مع اليهود والاعتراف بسيادتهم على بلاد المسلمين أمراً يحثّ عليه الإسلام، إذ يحث على السلم.
المصالح المرسلة
لقد مرّ معنا تعبير الآمدي عنها بالمناسب المرسل، والتعبيران الشائعان هما: المصالح المرسلة، والاستصلاح. ومر معنا كذلك أن المصالح المرسلة هي المصالح التي لم يشهد لها الشرع بالاعتبار ولا بالإلغاء. وهي الأفعال التي يقصد بها جلب مصلحة أو دفع مفسدة وليس لها دليل من الشرع. قال الشوكاني( ): "وقال ابن برهان هي ما تستند إلى أصل كلي ولا جزئي". والاستصلاح قيل طلب الإصلاح وقيل طلب الصلاح. وهو في الاصطلاح الأصولي الاستدلال بالمصحلة على الحكم الشرعي، يضاف إليهما أن تكون المصلحة داخلة في مقاصد الشارع. وقال الشوكاني( ): "سماها بعضهم "بالاستدلال بالمرسل" وأطلق إمام الحرمين وابن السمعاني عليها اسم الاستدلال".
وفيما سبق من هذا البحث كفاية لبيان كيفية الاستدلال للقول بالمصالح المرسلة، وفيما يلي ملخص القول، وهو بمثابة دليل على حجية المصالح المرسلة.
إن للشريعة مقاصد، وهذه المقاصد ثبت الاستقراء أنها جلب المصالح ودرء المفاسد. وإذا ثبت هذا باستقراء نصوص الشريعة فإنه يكون أصلاً كلياً، ويجري تطبيقه على الجزئيات التي ليس فيها نص أو دليل خاص، أي على ما لم يكن من ضمن ما استقرئ. فإن المسائل التي ليس فيها نص أو إجماع يُنظر فيها بحسب ما ينتج عنها من مصالح أو مفاسد، ويعطى الحكم الشرعي لها بناءً على هذا النظر، وغياب الدليل التفصيلي الدال على الحكم لا يعني أن الحكم المبني على جلب مصلحة أو درء مفسدة ليس شرعياً، إذ له دليل قد يكون أقوى من الدليل التفصيلي، وهو الدليل الكلي المستنبط بالاستقراء. وهذا الفهم هو عمدة قول كل القائلين بحجية المصالح المرسلة. ثم بعد ذلك يحاولون الاستدلال ببعض أعمال الصحابة رضوان الله عليهم، على أنها كانت استدلالاً منهم -أي الصحابة- بالمصلحة المرسلة.
أما الاستقراء الذي يتحدثون عنه، فقد أورد أمثلة منه الشاطبي، وسأعرضها كما وردت عنده. يقول ( ): "والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد، استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره. فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهو الأصل [رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل]( ). [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين]( ). وقال في أصل الخلقة: [وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً]( ). [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون]( ). [الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً]( ) ... وإذا دلّ -والكلام ما زال للشاطبي- الاستقراء على هذا وكان في مثل هذه القضية مفيداً للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمرٌّ في جميع تفاصيل الشريعة..."( ). فهذه أمثلة من الجزئيات المستقرأة لتدل على أن المصالح المرسلة دليلٌ شرعي.
وكذلك يورد أحد المعاصرين ( ) أدلة على مراعاة الشريعة للمصالح، نذكر بعضها. يقول: "قوله تعالى: [إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون]"( ). ثم يقول: "وحقيقة العدل بين شيئين أو شخصين المعادلة والموازنة بينهما في أمر ما، فالمقصود به إذاً مراعاة التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كل شيء. وليس حقيقة انتظام مصالح الناس وتناسقها مع بعض إلا خطاً مستقيماً يفصل بين طرفي الإفراط والتفريط في شؤونهم. وهما طرفان ينتهيان بالمفسدة لا محالة...". ويستدل كذلك بقوله تعالى: [هذا بصائر للناس وهدىً ورحمة لقوم يوقنون]( )، وبقوله تعالى: [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين]( ).
وملخص هذا الشرح أن يقال إن الشارع قد جعل جنس الوصف في جنس الأحكام ولما كان الوصف هو المصلحة، وهو وصف مشترك في كل الأحكام، -حسب قولهم- قالوا إن الشارع قد جعل جنس المصلحة في جنس الأحكام. وكان دليل حجية المصالح المرسلة –وهو الشرح الذي أوردناه قبل قليل- هو أن الشارع قد جعل جنس المصالح في جنس الأحكام.
أدلة القائلين بالمصالح المرسلة
فيما يلي أدلتهم كما هي مبثوثة في كتب الأصول سواء عند الأئمة أو عند المعاصرين، وإيراد أقوال بعض المعاصرين إنما هو لتمام البحث، كي لا يقال ثمة أدلة أخرى. ولذلك حاولت أن ألخص كل ما استُدِلَّ به على المصالح المرسلة.
1- عماد الأدلة عندهم هو أن الشارع قد جعل جنس المصالح في جنس الأحكام. وبناءً على هذا الدليل قال أحد المعاصرين( ): "وأما إذا لم يوجد نص ولا إجماع في الحكم على الواقعة ولا قياس عليها -وكان فيها مصلحة- غلب الظن أنها مطلوبة للشرع -لأنه حيثما وجدت المصلحة فثَمَّ شرع الله تعالى- وتأخذ هذه الواقعة حكماً شرعياً بناءً على ما يتوخى فيها من مصلحة".
2- "إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهاد معاذ بالرأي لما بعثه قاضياً، وسأله عما يقضي به إذا عرض له أمر ولم يجد حكمه في الكتاب أو السنة وقوله: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول اله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي الله"( ) .
3- إن مجال العمل بالاستصلاح إنما هو في المعاملات ونحوها مما هو من قبيل العادات. والأصل في هذا النوع من التكليفات الالتفات إلى المعاني والبواعث التي بنيت عليها الأحكام فهي إذن مصالح معقولة يدرك العقل بها حسن ما طالب به الشرع وقبح ما نهى عنه. والله سبحانه وتعالى أوجب علينا ما تدرك عقولنا نَفْعَهُ وحرّم علينا ما تدرك عقولنا ضرره.."( )
4- إن الواقع يتغير ويتطور باستمرار والمستجدات مما يحتاج إلى أحكام لا نهاية لها ولا حصر. أما النصوص أو الأصول الجزئية فهي محدودة متناهية، والمتناهي لا يفي بغير المتناهي، فلزم وجود طريق لإثبات الأحكام الجزئية، وهذا الطريق هو المصالح استناداً إلى مقاصد الشرع على نحو كلي. ويقول بعض المحدثين( ): "قد يؤدي تغيير أخلاق الناس وذممهم وأحوالهم إلى أن يصير مفسدة ما كان مصلحة. فلو لم يفتح للمجتهدين باب التشريع بالاستصلاح لضاقت الشريعة الإسلامية عن مصالح العباد، وقصرت عن حاجاتهم، ولم تصلح لمسايرة مختلف الأماكن والأزمان والبيئات والأحوال. وهذا خلاف المعهود فيها من المرونة والشمول والاتساع"( ).
5- "إن أصحاب النبي عملوا أموراً كثيرة لم يتقدم لها شاهد بالاعتبار، وإنما عملوها لمطلق ما وجدوا فيها من مصلحة، ... بل إنهم شرعوا لهذه الحوادث (والأحكام) ما رأوا أن فيه تحقيق المصلحة مما يجلب النفع، أو يدفع الضرر، حسبما أدركته عقولهم"( ).
ومن هذه الأمور التي يُدّعى أنه قد عملها الصحابة استدلالاً بالمصلحة المرسلة:
أ- اتفاقهم رضي الله عنهم على جمع الصحف المتفرقة التي كتب فيها القرآن في مصحف واحد لما كثر القتل بحفظة القرآن في موقعة اليمامة في عهد أبي بكر بإشارة من عمر رضي الله عنهما، لما رآه من المصلحة في هذا الجمع.
ب- استخلاف أبي بكر لعمر وترشيحه لولاية الأمر من بعده، وليس له من سند ظاهر سوى المصلحة التي راعاها.
ج- ترك عمر الخلافة شورى بين ستة من كبار الصحابة، فلم يترك الأمر كما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعهد لواحد كما فعل أبو بكر، وليس لذلك من سند سوى المصلحة.
د- إنشاء عمر الدواوين وترتيبها وتنظيمها بحيث تشمل كل مصالح الدولة، واتخاذه السجن وتأريخه بالهجرة.
هـ- تضمين الصناع. يقول الشاطبي: "إن الخلفاء الراشدين قضوا بتضمين الصناع، وإن علياً رضي الله عنه قال: لا يصلح الناس إلا ذاك.
و- اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده على حد شارب الخمر ثمانين جلدة مستندين في ذلك إلى المصالح.
ز- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشاطر الولاة الذين يتهمهم في أموالهم، لاختلاط أموالهم الخاصة بأموالهم التي استفادوها بسلطان الولاية. وذلك من باب المصلحة المرسلة.
ح- رُوِيَ عن عمر رضي الله عنه أنه أراق اللبن المغشوش بالماء تأديباً للغاشّ، وذلك من باب المصلحة العامة كي لا يغشّ البائعون الناس.
ط- رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في قتله، لأن المصلحة تقتضي ذلك. إذ لا نص في الموضوع.
ي- عدم تقسيم عمر رضي الله عنه للأراضي التي افتتحها المسلمون عنوة، وهي أرض العراق والشام ومصر، وقد طلب منه بعض الصحابة أن يقسم هذه الأراضي التي أفاءها الله عليهم بأسيافهم كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر حين افتتحها.
ك- ما أورده البوطي كمثال من أعمال التابعين على الأخذ بالاستصلاح، وهو "جملة مما حكم به عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إبان خلافته. فمن ذلك... أمره الولاة بإقامة الخانات بطريق خراسان ليأوي إليها المسافرون خلال سفرهم وترحالهم. وهو عمل لم يعرف في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينفق على مثل ذلك في وقته شيء من بيت مال المسلمين، وإنما هو أمر استدعته مصلحة المسافرين الذين أصبحت الطريق تمتلئ بهم في ذلك العصر الذهبي.."( ).
موقف العلماء من المصالح المرسلة
كدت قبل وضع هذا العنوان أن أضع بدلاً منه، رد العلماء للمصالح المرسلة. إذ لا يسلم بنسبة القول به إلى أحد. وإنما كثر من ينسبونه إلى مالك والمالكية، وكثر من يقول بها في عصرنا. يقول الدكتور البغا( ): "تكاد كلمة الأصوليين تلتقي على أن القول بالاستصلاح أمر مختلف فيه، وأن الراجح من الآراء أنه لا يصلح الاستدلال به، إذ لا دليل على اعتباره وإنه لم يذهب إلى القول به إلا الإمام مالك رحمه الله تعالى".
ويذهب بعض المعاصرين ممن يقول بالاستصلاح إلى أن الأئمة الأربعة قد استصلحوا وإن وردت عنهم الأخبار برد الاستصلاح -إلا مالكاً- وكذلك أن الصحابة قد استصلحوا. يقول البوطي( ): "المصالح المرسلة مقبولة باتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة". وتتناقض هذه الاستنتاجات والآراء مع المنقول، فأين الصواب؟ بل وتتناقض استنتاجات المعاصرين مع الواضح الصريح من المنقول عن الأئمة، كما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل، بل ومع ما قالوه بأنفسهم كالغزالي في المستصفى، فما هو الصواب؟
الصواب أنه إذا نقل عن أحدهم نقلاً صحيحاً قوله إنه لا يأخذ المصالح المرسلة أن نقرر ما قاله، إلا إذا تبين بوضوح أنه ترك قوله. أما أن نعمد إلى فروعه الفقهية فنبحث عن بعض الأحكام، فإذا وقعنا على بعضها مما لا نعرف دليله فيها، نسرع إلى القول: كان دليله المصلحة المرسلة، فهذا ليس صواباً ألبتة، بل وليس له من صحة النظر حظ. وقول من يقول: "المصالح المرسلة مقبولة باتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة" قول فيه جرأة لا مُسَوِّغَ لها سوى الاستهتار بالعلم والمجازفة في الإدلاء بالرأي.
وبعداً عن الغموض فسأعرض فيما يلي من حديثي بعضاً مما يوضح آراء العلماء، وسأعرض المواقف التي يُدّعَى أن الصحابة رضوان الله عليهم أخذوا فيها بالمصالح المرسلة.
أما بالنسبة لمواقف الأئمة والعلماء، فالجمهور على أن المصالح المرسلة ليست دليلاً شرعياً. فقد رد القول بها الإمام الشافعي رضي الله عنه. نقل ذلك عنه الآمدي. وكذلك نقل ردها عن كثير من علماء الشافعية كالآمدي والغزالي وعز الدين بن عبد السلام. ومما اشتهر عن الشافعي قوله: من استحسن فقد شَرَّع. وهذا الاستحسان المذموم عند الشافعي يتضمن الاستصلاح المقصود بالمصالح المرسلة عند المالكية.
يقول الإمام الشافعي في الرسالة: "وإنما الاستحسان تلذذ"، ثم يقول: "على العالِم أن لا يقول إلا من جهة العلم، وجهة العلم الخبر اللازم بالقياس بالدلائل على الصواب، حتى يكون صاحب العلم أبداً متبعاً خبراً، وطالب الخبر بالقياس"، ثم قال: "ولو قال بلا خبر لازم ولا قياس كان أقرب من الإثم من الذي قال وهو غير عالم..."، وقال: "ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله، وجهة العلم بَعْدُ الكتابُ والسنةُ والإجماعُ والآثارُ وما وصفت من القياس عليها"( ).
من هذه الأقوال للإمام الشافعي رضي الله عنه نفهم أنه يشدّد النكير على المصالح المرسلة كما يشدد النكير على الاستحسان، بل إن الأولى داخلة عنده في الثانية، لأنها ليست من خبر لازم ولا من قياس إذ هي مرسلة. ولذلك فإن الغزالي قال نفس ما قاله الشافعي. قال: "بل من استصلح فقد شرَّع كما أن من استحسن فقد شرّع"( ).
والمصالح المرسلة غير معتبرة عند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وليس لها ذكر بين الأصول التي اعتمدها، وقد ردها العلماء ممن هم على مذهبه كابن تيمية وابن قدامة المقدسي. أما ما يدّعيه بعض المعاصرين من القول إنه يلي الإمام مالكاً في الأخذ بها( )، فكلام لم ترد له حج. وربما نقله المعاصرون عما ذكره الشوكاني نقلاً عن ابن دقيق العيد( ): "الذي لا شك فيه أن لمالك ترجيحاً على غيره من الفقهاء في هذا النوع ويليه أحمد بن حنبل ولا يكاد يخلو غيرهما من اعتباره". وقد قال القرافي( ): "هي عند التحقيق في جميع المذاهب".
فمثل هذا الكلام لا يثبت عن الإمام أحمد، لأن أصوله ليس من بينها المصالح المرسلة، ومذهبه في العلة بعيد كل البعد عن المناسب المرسل. أما ما ينقل عن بعض الأئمة أنها موجودة في جميع المذاهب، فسنفصل القول فيه إذ إن الذين يأخذون بها لا يقصدون أنها مرسلة بإطلاق، بل يقصدون أنها مرسلة من الدليل الخاص، وليس من الدليل العام أو الكلي.
أما ما يذكره الدكتور البوطي في كتاب (ضوابط المصلحة) من أن عدم ذكر المصالح المرسلة بين الأصول التي اعتمدها الإمام أحمد لا يمنع أنها كانت معتبرة عنده، فلا أراه كلاماً يستقيم، وعلى فرض أن ذلك لا يمنع، فما إثبات أنها معتبرة عنده. إن البحث في فقهياته لا يسوغ دعوى أنه يعتبر المصالح المرسلة، إذ وجود مسألة لا نقف على دليله فيها ليس كافياً لادعاء أنه يستدل بالمصلحة المرسلة عليها.
وما يحاول البعض قوله: إن القول بالمصلحة يدخل ضمن المعنى الواسع للقياس، فهذا كلام لا فائدة منه، إذ القياس غير الاستصلاح، وإذا كان الاستدلال على الحكم بالمصلحة داخلاً ضمن القياس بطل كل ما قيل في تقسيم المناسب إلى معتبر وملغى ومرسل، وبالتالي بطل الاستصلاح. فهذا كلام غير مبني على فهم للموضوع: فالقياس معتبر لأنه دل عليه الدليل القاطع. والمصالح المرسلة لا تدخل ضمن القياس، وهذا ما قرره الأئمة الذين قالوا بالمصالح المرسلة. ولا حاجة للتطويل في هذا، فمن أراده فليراجع على سبيل المثال قول الشاطبي في الاعتصام، وسنأتي على ذكره عند مناقشة رأي الشاطبي.
أما الحنفية فالمشهور عنهم أنهم لا يأخذون بالاستصلاح، ولا يعتبرونه. وقد نقل الآمدي ردهم للمصالح المرسلة هم والشافعية( ).
ويقول البغا( ) نقلاً عن الدكتور عبد الوهاب خلاف من كتابه (مصادر التشريع الإسلامي): "فالمشهور في بعض الكتب أنهم لا يأخذون بالاستصلاح ولا يعتبرونه دليلاً شرعياً". وهنا أيضاً نقف على محاولة للقول إن الحنفية يقولون بالاستصلاح، فيقول خَلاف( ): "... فمن البعيد أن يأخذوا بالاستحسان وينكروا الاستصلاح..". وهذه وجهة نظر قوية إذ الاستصلاح والاستحسان متداخلان. وإلى هذا أيضاً يذهب الدكتوران البغا والبوطي، ويذهبان مع خَلاف إلى أن "حظ المصلحة في فقهه (أي أبي حنيفة) يكمن في دليلين من أهم الأدلة... هما الاستحسان والعرف"( ). والواضح في ما نقل عنه أنه لا يأخذ بالمصلحة، وإن تداخلت مع الاستحسان. فقول الحنفية بالاستحسان إنما هو لأنه قام عندهم الدليل عليه، وردهم للاستصلاح لأنه لا دليل يدل عليه. هذا هو الموضوع، وليس هو قرب أحدهما من الآخر أو بعده عنه. والأمثلة التي يؤتى بها للدلالة على وجود الاستصلاح في فقه الحنفية، دليلها عندهم الاستحسان والله أعلم، وليس الاستصلاح.
وبالنسبة لما نقل عن الإمام مالك رضي الله عنه، فالأقوال متفقة تقريباً على اعتباره للمصلحة المرسلة، وقد أنكر ذلك القرطبي كما سنبين. وهناك اختلاف في الحد الذي يذهب إليه في قوله بها. فنقل الشاطبي عنه في الاعتصام أنه استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية، ثم قال: "حتى لقد استشنع العلماء كثيراً من وجوه استرساله. وقال الشوكاني( ): "إن المحكيّ عن مالك جواز القول بها مطلقاً". وقال( ): "قال الجويني في البرهان وأفرط (أي مالك) في القول بها حتى جره إلى استحلال القتل وأخذ المال لمصالح يقتضيها في غالب الظن وإن لم يجد لها مستنداً".
وقال ابن قدامة المقدسي( ): "كما حكي أن مالكاً قال يجوز قتل الثلث من الخلق لاستصلاح الثلثين..". ومما ينقل عن مالك بخلاف ذلك ما نسبَ إلى القرطبي مثلاً. قال الشوكاني( ): "وقد أنكر جماعة من المالكية ما نسب إلى مالك من القول بها ومنهم القرطبي وقال ذهب الشافعي ومعظم أصحاب أبي حنيفة إلى عدم الاعتماد عليها وهو مذهب مالك، قال وقد اجترأ إمام الحرمين الجويني وجازف فيما نسبه إلى مالك من الإفراط في هذا الأصل. وهذا لا يوجد في كتب مالك ولا في شيء من كتب أصحابه" فالقرطبي ينكر أن يكون مالك أو أحد من أصحابه قال بها.
ويورد البوطي نقلاً عن أتباع مالك كالشاطبي والقرافي، أنه رحمه الله (أي مالك) أخذ بالاستصلاح حيث اتفق ذلك مع مقاصد الشرع الحكيم( ).
والحق أنه إذا ثبتت نسبة القول بالمصالح المرسلة إلى مالك، فلا يثبت بحال -على ما عرف من حاله وتشدده في الاتباع ورد الابتداع- أن يقول بها في مناقضة النصوص. بل إنه إن قالها فلا يخرج استناده إليها عما أورده أتباعه. ويمكننا فهم حقيقة رأيه عند تفصيل القول في فهم الشاطبي والقرافي للمصلحة المرسلة. أما الغزالي وقد أشرت فيما سبق إلى الاضطراب في معرفة رأيه. فالبعض أشكلت عليه أقوال الغزالي فظن أنه يقول بالاستصلاح في حالات.
والواقع أن قوله في المستصفى واضح، ولا داعي للدوران حول النصوص. ففي المستصفى العنوان كالتالي( ): "ثمّ ما يُظَنُّ أنه من الأصول وليس منها وهو أيضاً أربعة: شرع مَن قبلنا، وقول الصحابي، والاستحسان، والاستصلاح". وقال أيضاً( ): "فبهذه الشروط التي ذكرناها يجوز اتباع المصالح، ويتبين أن الاستصلاح ليس أصلاً خامساً برأسه، بل من استصلح فقد شرّع كما أن من استحسن فقد شرّع". أما الالتباس الذي قد يقع فيه البعض نتيجة مثل قوله: "فبهذه الشروط التي ذكرناها يجوز اتباع المصالح"، فيجب أن لا يتخذ ذريعة للقول إنه يقول بالاستصلاح. إذ إن اتباع المصالح أمر طبيعي في الإنسان، والإنسان يسلك بطبعه إلى مصالحه. ولكن موضوع البحث هو في الدليل على الفعل الذي يُقام به قصداً للمصلحة، هل الدليل هو المصلحة ذاتها؟ فالقول بالمصلحة هو اعتبار لشرعية الفعل بناء على كونه مصلحة، وهذا ما يرده الغزالي. أما إذا دل الشرع على جواز الفعل، فليس ثمة ما يمنع من القيام به بقصد المصلحة. ودلالة الشرع آتية من الأدلة الشرعية وليس من كون المصلحة مصلحة. وهذا -إذن- هو معنى كلامه "يجوز اتباع المصالح". وقوله "الاستصلاح ليس أصلاً خامساً برأسه"، وقوله: "بل من استصلح فقد شرع". وعليه فالاستصلاح غير معتبر عند الغزالي. وكذلك رد الاستصلاحَ الآمديّ في الإحكام فقال( ): "إن المصالح تنقسم باعتبار شهادة الشرع لها إلى معتبرة وإلى ملغاة وإلى ما لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا إلغاء. وهذا الأخير هو المعَبَّر عنه بالمناسب المرسل". وقال( ) -أي عن المناسب المرسل-: "وهذا القسم متردد بين ذينك القسمين، وليس إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر، فامتنع الاحتجاج به دون شاهد بالاعتبار يعرف أنه من قبيل المعتبر دون الملغى".
وكذلك رده الإمام عز الدين بن عبد السلام. قال( ): "وكذلك لا حكم إلا له (أي لله) فأحكامه مستفادة من الكتاب والسنة والإجماع والأقيسة الصحيحة والاستدلالات المعتبرة، فليس لأحد أن يستحسن ولا أن يستعمل مصلحة مرسلة، ولا أن يقلد أحداً لم يؤمر بتقليده".
ويرد المصالح المرسلة أيضاً ابن قدامة المقدسي. قال( ): "... فَيُسَمَّى ذلك مصلحة مرسلة ولا نسميه قياساً، لأن القياس يرجع إلى أصل معين، والصحيح أن ذلك ليس بحجة لأنه ما عرف من الشارع المحافظة على الدماء بكل طريق، ولذلك لم يشرع المثلة وإن كانت أبلغ الردع والزجر، ولم يشرع القتل في السرقة وشرب الخمر، فإذا أثبت حكماً لمصلحة من هذه المصالح لم يعلم أن الشرع حافظ على تلك المصلحة بإثبات ذلك الحكم، كان وضعاً للشرع بالرأي وحكماً بالعقل المجرد". وهذا قول نفيس. وكذلك ردها مجد الدين بن تيمية. قال في المسودة( ): "المصالح المرسلة لا يجوز بناء الأحكام عليها، قاله الباقلاني وجماعة المتكلمين".
وكذلك ردها تقي الدين بن تيمية فقال( ): "إن المصالح المرسلة شرع في الدين بما لم يأذن به، وهي تشبه من بعض الوجوه الاستحسان، والتحسين العقلي، والرأي، ونحو ذلك". وردها كذلك ابن الحاجب المالكي. جاء في كتاب (حاشيتا التفتازاني والجرجاني على مختصر المنتهى الأصولي): "المصالح المرسلة مصالح لا يشهد لها أصل بالاعتبار في الشرع وإن كانت على سنن المصالح وتلقتها العقول بالقبول، ثم قال: لنا أن لا دليل فوجب الرد كما في الاستحسان"( ).
وردها أيضاً ابن همام الدين الإسكندري الحنفي. قال( ): "... وهذا القسم المسمى بالمصالح المرسلة، والمختار رده. إذ لا دليل على الاعتبار، وهو دليل شرعي فوجب رده. قالوا فتخلو وقائع كثيرة، قلنا نمنع الملازمة (أي لا نسلم أنه يلزم من عدم اعتبار ما ذكر أن تخلو الوقائع من الحكم) لأن العمومات والأقيسة شاملة، وبتقدير عدمه فنفي كل مدرك خاص حكمه بالإباحة الأصلية (أي إذا انتفى في حادثة وجود مأخذ من الأدلة الأربعة فعمل بموجب أصل كلي مقرر في الشرع اتفاقاً وهو الإباحة الأصلية فإنه الأصل في الأشياء)".
وكذلك رد المصالح المرسلة الإمام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور، وهو حنفي المذهب. قال( ): "فإن لم يعلم فيه أحد اعتبارات الملائم فهو الغريب من المرسل؛ وهو المسمى بالمصالح المرسلة حجة عند مالك، والمختار عند الجمهور رده. لنا: لا دليل بدون الاعتبار وإن كان على سنن العقل. قالوا: أولاً: لو لم تعتبر لخلت الوقائع. قلنا: نمنع الملازمة لأن العمومات والأقيسة عامة، وأيضاً عدم المدرك مدرك للإباحة. وثانياً: الصحابة كانوا يقنعون برعاية المصالح. قلنا: بل إنما اعتبروا ما اطلعوا على اعتبار نوعه أو جنسه".
ويرده أيضاً الشوكاني، إذ هو يرد القياس أصلاً، ولا يأخذ من القياس إلا ما كان علته منصوصة وإن كان لا يسميه قياساً. يقول( ): "وإذا عرفت ما حررناه وتقرر لديك جميع ما قررناه فاعلم أن القياس المأخوذ به هو ما وقع النص على علته وما قطع فيه بنفي الفارق وما كان من باب فحوى الخطاب أو لحن الخطاب على اصطلاح من يسمي ذلك قياساً وقد قدمنا أنه من مفهوم الموافقة. ثم اعلم أن نفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسمى قياساً وإن كان منصوصاً على علته أو مقطوعاً فيه بنفي الفارق، بل جعلوا هذا النوع من القياس مدلولاً عليه بدليل الأصل مشمولاً به مندرجاً تحته ...". وكلامه هذا يعني أنه يأخذ بالعلة المنصوصة أو التي قطع فيها بنفي الفارق ولا يأخذ بالعلة المستنبطة. فلا يأخذ بالعلة التي مسلكها المناسبة، إذ المناسبة من قبيل الاستنباط. وعدم أخذه للمصلحة المرسلة أولى، إذ هي مبنية على المناسب المرسل الذي هو ليس من قبيل الاستنباط أصلاً، بل من قبيل حكم العقل.
وقد أنكر الاستصلاح أيضاً الظاهرية والاثنا عشرية وهم لا يأخذون بالقياس أصلاً.
ويذهب الشاطبي في الموافقات وفي الاعتصام إلى الأخذ بالمصالح المرسلة وإلى أن الإمامين أبا حنيفة والشافعي قد تمسكا بها( )، وهذا بخلاف ما ذكره الآمدي( ). ويأخذ بها أيضاً الإمام شهاب الدين القرافي المالكي. يقول( ): "أما المصلحة المرسلة فالمنقول أنها خاصة بنا، وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا وجمعوا وفرّقوا بين المسألتين لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا وفرقوا بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب".
أما في عصرنا فأكثر الكاتبين في الأصول أو المتعرضين لها على القول بحجية المصالح المرسلة. ومنهم على سبيل المثال: الشيخ محمد الخضري بك( )، وجاد الحق علي جاد الحق( )، ومحمد سعيد رمضان البوطي( )، وعبد الكريم زيدان( )، والشيخ عبد الوهاب خلاف( )، ومحمد إبراهيم الحفناوي( )، وخليفة بابكر الحسن( )، ومصطفى الخن( ).
الرأي الشرعي والرأي غير الشرعي
ولا يعني قولنا إن المصالح المرسلة ليست دليلاً شرعياً أن نعدّ كل حكم دليله المصلحة المرسلة ليس إسلامياً، أو أن الآخذ به آثم. بل يظل الحكم شرعياً في حق من يتبناه إذا كان يرى أن المصالح المرسلة دليل شرعي أو إذا كان مقلداً لمن هو كذلك.
فكون المصالح المرسلة دليلاً أو ليس بدليل أمر مختلف فيه بين الأئمة المجتهدين. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر( )". فالحكم المستنبط بدليل المصلحة المرسلة شرعي في حق من استنبطه –بناء على ما رجح لديه- وفي حق من قلده. ويظل الحكم محترماً عند من لا يأخذ بالمصالح المرسلة، وإن كان لا يجوز له الأخذ به لأنه ليس حكماً شرعياً حسب اجتهاده أو حسب ما يقلد.
ولا بد من الإشارة إلى أن الرأي الذي نحترمه مع أنا نعده خطأ هو الصادر عن استدلال صحيح وعن علم ووَرَع. أما الرأي الصادر عن تزلف أو مصلحة أو تعصب، فليس رأياً معتبراً ولا محترماً.
فالذين قالوا بالمصالح المرسلة من المعاصرين، وجعلوها أدلة على الشرع وحاولوا الاستناد إلى بعض الأئمة استناداً خاطئاً، وأفتَوْا عن طريق المصالح أو جلب المصالح ودرء المفاسد، بإباحة الربا، أو مد الأيدي إلى الأنظمة الكافرة المحاربة للإسلام والتعاون معها، أو بالمشاركة في الحكم بنظام الكفر، أو بجواز العمل في المؤسسات الربوية، أو بجواز الصلح مع اليهود والاعتراف بفلسطين لهم أو بجواز الاستعانة بالكفار لقتال المسلمين أو بعدم التغيير على من يحكم بغير ما أنزل الله بحجة التعرض للأذى، وغيرها كثير، هؤلاء أقوالهم وفتاويهم مردودة وليست معتبرة في الإسلام. فهي ليست آراء إسلامية مرجوحة، وإنما هي آراء غير إسلامية، وليست هي شرعية في حق من يتبناها. وهذه الفتاوي ليست من قبيل الاجتهاد الشرعي الصحيح، وإنما هي تشريع من خارج الوحي.
الخاتمة :
فإباحة الربا مثلاً، لا يقال فيها إنها رأي إسلامي اجتهادي صاحبه معذور، لأن الربا فيه نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، محكم غير منسوخ، وغير مخصص وغير مقيد: "وحرَّم الربا"( ). وكذلك المشاركة في الحكم بالكفر،فيها نصوص قطعية لا اجتهاد معها. قال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)( )، وقال: (الكافرون) وقال: (الفاسقون). فمن يحكم أو يشارك بالحكم بالكفر، فاسق مع التأويل، كافر إن لم نتأول له. والمفتي بالجواز بناء على المصلحة، يفتري على الله الكذب.
فمثل هذه الأحكام ليست من قبيل الاختلاف المشروع في الرأي وإنما هي من قبيل التضليل في الدين، وأخذ للأحكام الشرعية من خارج دين الإسلام (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً)( ).
فهرست المصادر والمراجع
م الكتاب المؤلف المطبعة أو الدار
1 أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء د. مصطفى سعيد الخن مؤسسة الرسالة
2- أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي د. مصطفى ديب البغا دار الإمام البخاري- دمشق
3- الإحكام في أصول الأحكام علي بن محمد الآمدي المكتب الإسلامي
4 الإحكام في أصول الأحكام أبو محمد علي بن أ؛مد بن سعيد بن حزم دار الآفاق الجديدة- بيروت
5 الأدلة المختلف فيها عند الأصوليين د. خليفة بابكر الحسن مكتبة وهبة –عابدين- ط1
6- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول محمد بن علي بن محمد الشوكاني دار الفكر – بيروت
البحث :
المقدمة
بحث حجية المصالح المرسلة بحث أصولي مختلف فيه قديماً وحديثاً، إلا أن هنالك فرقاً واضحاً بين اختلاف الأئمة والأصوليين في العصور الأولى، عصور كثرة العلماء وازدهار العلم والفقه وسيادة الإسلام، وبين اختلاف الكتاب في الأصول في العصور المتأخرة، أي عصور ندرة العلماء، واعتبارهم بحملهم للشهادات.
فالعصور الأولى كان الأكثرون -من العلماء- فيها على أن المصالح المرسلة ليست دليلاً. أما العصور المتأخرة -مثل عصرنا- فإنك لا تكاد تجد من يبحث فيها بحثاً شرعياً صحيحاً، ولا تكاد تجد من يردها.
بل وأكثر من ذلك ، فإنك تجد في هذه العصور -الأخيرة- وهي عصور انحسار الإسلام، وخضوع المسلمين لعدوهم، وإبدال مفاهيم الإسلام بمفاهيم غربية أو شرقية منبثقة عن الكفر، تجد من العلماء عملاء للكفر وسلاطينه، تربعوا في مواقع العلم والإفتاء، يغيّرون أحكام الله ويُفتون بالحلال حراماً، بحجة المصلحة وتغيّر العصر، وبحجة أن للشريعة مقاصد يجب الحفاظ عليها، ولا يهم كيفية هذا الحفاظ. ولذلك ترى الربا يصير مباحاً، وأحكام العقوبات تتغير، ولا ضير في ذلك طالما أن المقصود هو الزجر والمنع، فيمكننا أن نزجر بغير الطريقة القديمة، ويصبح الاختلاط مما عمت به البلوى، وتصبح الاستعانة بالكفار لقتال المسلمين عملاً شرعياً، ويصبح الصلح مع اليهود والاعتراف بسيادتهم على بلاد المسلمين أمراً يحثّ عليه الإسلام، إذ يحث على السلم.
المصالح المرسلة
لقد مرّ معنا تعبير الآمدي عنها بالمناسب المرسل، والتعبيران الشائعان هما: المصالح المرسلة، والاستصلاح. ومر معنا كذلك أن المصالح المرسلة هي المصالح التي لم يشهد لها الشرع بالاعتبار ولا بالإلغاء. وهي الأفعال التي يقصد بها جلب مصلحة أو دفع مفسدة وليس لها دليل من الشرع. قال الشوكاني( ): "وقال ابن برهان هي ما تستند إلى أصل كلي ولا جزئي". والاستصلاح قيل طلب الإصلاح وقيل طلب الصلاح. وهو في الاصطلاح الأصولي الاستدلال بالمصحلة على الحكم الشرعي، يضاف إليهما أن تكون المصلحة داخلة في مقاصد الشارع. وقال الشوكاني( ): "سماها بعضهم "بالاستدلال بالمرسل" وأطلق إمام الحرمين وابن السمعاني عليها اسم الاستدلال".
وفيما سبق من هذا البحث كفاية لبيان كيفية الاستدلال للقول بالمصالح المرسلة، وفيما يلي ملخص القول، وهو بمثابة دليل على حجية المصالح المرسلة.
إن للشريعة مقاصد، وهذه المقاصد ثبت الاستقراء أنها جلب المصالح ودرء المفاسد. وإذا ثبت هذا باستقراء نصوص الشريعة فإنه يكون أصلاً كلياً، ويجري تطبيقه على الجزئيات التي ليس فيها نص أو دليل خاص، أي على ما لم يكن من ضمن ما استقرئ. فإن المسائل التي ليس فيها نص أو إجماع يُنظر فيها بحسب ما ينتج عنها من مصالح أو مفاسد، ويعطى الحكم الشرعي لها بناءً على هذا النظر، وغياب الدليل التفصيلي الدال على الحكم لا يعني أن الحكم المبني على جلب مصلحة أو درء مفسدة ليس شرعياً، إذ له دليل قد يكون أقوى من الدليل التفصيلي، وهو الدليل الكلي المستنبط بالاستقراء. وهذا الفهم هو عمدة قول كل القائلين بحجية المصالح المرسلة. ثم بعد ذلك يحاولون الاستدلال ببعض أعمال الصحابة رضوان الله عليهم، على أنها كانت استدلالاً منهم -أي الصحابة- بالمصلحة المرسلة.
أما الاستقراء الذي يتحدثون عنه، فقد أورد أمثلة منه الشاطبي، وسأعرضها كما وردت عنده. يقول ( ): "والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد، استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره. فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهو الأصل [رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل]( ). [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين]( ). وقال في أصل الخلقة: [وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً]( ). [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون]( ). [الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً]( ) ... وإذا دلّ -والكلام ما زال للشاطبي- الاستقراء على هذا وكان في مثل هذه القضية مفيداً للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمرٌّ في جميع تفاصيل الشريعة..."( ). فهذه أمثلة من الجزئيات المستقرأة لتدل على أن المصالح المرسلة دليلٌ شرعي.
وكذلك يورد أحد المعاصرين ( ) أدلة على مراعاة الشريعة للمصالح، نذكر بعضها. يقول: "قوله تعالى: [إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون]"( ). ثم يقول: "وحقيقة العدل بين شيئين أو شخصين المعادلة والموازنة بينهما في أمر ما، فالمقصود به إذاً مراعاة التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كل شيء. وليس حقيقة انتظام مصالح الناس وتناسقها مع بعض إلا خطاً مستقيماً يفصل بين طرفي الإفراط والتفريط في شؤونهم. وهما طرفان ينتهيان بالمفسدة لا محالة...". ويستدل كذلك بقوله تعالى: [هذا بصائر للناس وهدىً ورحمة لقوم يوقنون]( )، وبقوله تعالى: [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين]( ).
وملخص هذا الشرح أن يقال إن الشارع قد جعل جنس الوصف في جنس الأحكام ولما كان الوصف هو المصلحة، وهو وصف مشترك في كل الأحكام، -حسب قولهم- قالوا إن الشارع قد جعل جنس المصلحة في جنس الأحكام. وكان دليل حجية المصالح المرسلة –وهو الشرح الذي أوردناه قبل قليل- هو أن الشارع قد جعل جنس المصالح في جنس الأحكام.
أدلة القائلين بالمصالح المرسلة
فيما يلي أدلتهم كما هي مبثوثة في كتب الأصول سواء عند الأئمة أو عند المعاصرين، وإيراد أقوال بعض المعاصرين إنما هو لتمام البحث، كي لا يقال ثمة أدلة أخرى. ولذلك حاولت أن ألخص كل ما استُدِلَّ به على المصالح المرسلة.
1- عماد الأدلة عندهم هو أن الشارع قد جعل جنس المصالح في جنس الأحكام. وبناءً على هذا الدليل قال أحد المعاصرين( ): "وأما إذا لم يوجد نص ولا إجماع في الحكم على الواقعة ولا قياس عليها -وكان فيها مصلحة- غلب الظن أنها مطلوبة للشرع -لأنه حيثما وجدت المصلحة فثَمَّ شرع الله تعالى- وتأخذ هذه الواقعة حكماً شرعياً بناءً على ما يتوخى فيها من مصلحة".
2- "إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهاد معاذ بالرأي لما بعثه قاضياً، وسأله عما يقضي به إذا عرض له أمر ولم يجد حكمه في الكتاب أو السنة وقوله: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول اله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي الله"( ) .
3- إن مجال العمل بالاستصلاح إنما هو في المعاملات ونحوها مما هو من قبيل العادات. والأصل في هذا النوع من التكليفات الالتفات إلى المعاني والبواعث التي بنيت عليها الأحكام فهي إذن مصالح معقولة يدرك العقل بها حسن ما طالب به الشرع وقبح ما نهى عنه. والله سبحانه وتعالى أوجب علينا ما تدرك عقولنا نَفْعَهُ وحرّم علينا ما تدرك عقولنا ضرره.."( )
4- إن الواقع يتغير ويتطور باستمرار والمستجدات مما يحتاج إلى أحكام لا نهاية لها ولا حصر. أما النصوص أو الأصول الجزئية فهي محدودة متناهية، والمتناهي لا يفي بغير المتناهي، فلزم وجود طريق لإثبات الأحكام الجزئية، وهذا الطريق هو المصالح استناداً إلى مقاصد الشرع على نحو كلي. ويقول بعض المحدثين( ): "قد يؤدي تغيير أخلاق الناس وذممهم وأحوالهم إلى أن يصير مفسدة ما كان مصلحة. فلو لم يفتح للمجتهدين باب التشريع بالاستصلاح لضاقت الشريعة الإسلامية عن مصالح العباد، وقصرت عن حاجاتهم، ولم تصلح لمسايرة مختلف الأماكن والأزمان والبيئات والأحوال. وهذا خلاف المعهود فيها من المرونة والشمول والاتساع"( ).
5- "إن أصحاب النبي عملوا أموراً كثيرة لم يتقدم لها شاهد بالاعتبار، وإنما عملوها لمطلق ما وجدوا فيها من مصلحة، ... بل إنهم شرعوا لهذه الحوادث (والأحكام) ما رأوا أن فيه تحقيق المصلحة مما يجلب النفع، أو يدفع الضرر، حسبما أدركته عقولهم"( ).
ومن هذه الأمور التي يُدّعى أنه قد عملها الصحابة استدلالاً بالمصلحة المرسلة:
أ- اتفاقهم رضي الله عنهم على جمع الصحف المتفرقة التي كتب فيها القرآن في مصحف واحد لما كثر القتل بحفظة القرآن في موقعة اليمامة في عهد أبي بكر بإشارة من عمر رضي الله عنهما، لما رآه من المصلحة في هذا الجمع.
ب- استخلاف أبي بكر لعمر وترشيحه لولاية الأمر من بعده، وليس له من سند ظاهر سوى المصلحة التي راعاها.
ج- ترك عمر الخلافة شورى بين ستة من كبار الصحابة، فلم يترك الأمر كما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعهد لواحد كما فعل أبو بكر، وليس لذلك من سند سوى المصلحة.
د- إنشاء عمر الدواوين وترتيبها وتنظيمها بحيث تشمل كل مصالح الدولة، واتخاذه السجن وتأريخه بالهجرة.
هـ- تضمين الصناع. يقول الشاطبي: "إن الخلفاء الراشدين قضوا بتضمين الصناع، وإن علياً رضي الله عنه قال: لا يصلح الناس إلا ذاك.
و- اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده على حد شارب الخمر ثمانين جلدة مستندين في ذلك إلى المصالح.
ز- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشاطر الولاة الذين يتهمهم في أموالهم، لاختلاط أموالهم الخاصة بأموالهم التي استفادوها بسلطان الولاية. وذلك من باب المصلحة المرسلة.
ح- رُوِيَ عن عمر رضي الله عنه أنه أراق اللبن المغشوش بالماء تأديباً للغاشّ، وذلك من باب المصلحة العامة كي لا يغشّ البائعون الناس.
ط- رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في قتله، لأن المصلحة تقتضي ذلك. إذ لا نص في الموضوع.
ي- عدم تقسيم عمر رضي الله عنه للأراضي التي افتتحها المسلمون عنوة، وهي أرض العراق والشام ومصر، وقد طلب منه بعض الصحابة أن يقسم هذه الأراضي التي أفاءها الله عليهم بأسيافهم كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر حين افتتحها.
ك- ما أورده البوطي كمثال من أعمال التابعين على الأخذ بالاستصلاح، وهو "جملة مما حكم به عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إبان خلافته. فمن ذلك... أمره الولاة بإقامة الخانات بطريق خراسان ليأوي إليها المسافرون خلال سفرهم وترحالهم. وهو عمل لم يعرف في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينفق على مثل ذلك في وقته شيء من بيت مال المسلمين، وإنما هو أمر استدعته مصلحة المسافرين الذين أصبحت الطريق تمتلئ بهم في ذلك العصر الذهبي.."( ).
موقف العلماء من المصالح المرسلة
كدت قبل وضع هذا العنوان أن أضع بدلاً منه، رد العلماء للمصالح المرسلة. إذ لا يسلم بنسبة القول به إلى أحد. وإنما كثر من ينسبونه إلى مالك والمالكية، وكثر من يقول بها في عصرنا. يقول الدكتور البغا( ): "تكاد كلمة الأصوليين تلتقي على أن القول بالاستصلاح أمر مختلف فيه، وأن الراجح من الآراء أنه لا يصلح الاستدلال به، إذ لا دليل على اعتباره وإنه لم يذهب إلى القول به إلا الإمام مالك رحمه الله تعالى".
ويذهب بعض المعاصرين ممن يقول بالاستصلاح إلى أن الأئمة الأربعة قد استصلحوا وإن وردت عنهم الأخبار برد الاستصلاح -إلا مالكاً- وكذلك أن الصحابة قد استصلحوا. يقول البوطي( ): "المصالح المرسلة مقبولة باتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة". وتتناقض هذه الاستنتاجات والآراء مع المنقول، فأين الصواب؟ بل وتتناقض استنتاجات المعاصرين مع الواضح الصريح من المنقول عن الأئمة، كما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل، بل ومع ما قالوه بأنفسهم كالغزالي في المستصفى، فما هو الصواب؟
الصواب أنه إذا نقل عن أحدهم نقلاً صحيحاً قوله إنه لا يأخذ المصالح المرسلة أن نقرر ما قاله، إلا إذا تبين بوضوح أنه ترك قوله. أما أن نعمد إلى فروعه الفقهية فنبحث عن بعض الأحكام، فإذا وقعنا على بعضها مما لا نعرف دليله فيها، نسرع إلى القول: كان دليله المصلحة المرسلة، فهذا ليس صواباً ألبتة، بل وليس له من صحة النظر حظ. وقول من يقول: "المصالح المرسلة مقبولة باتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة" قول فيه جرأة لا مُسَوِّغَ لها سوى الاستهتار بالعلم والمجازفة في الإدلاء بالرأي.
وبعداً عن الغموض فسأعرض فيما يلي من حديثي بعضاً مما يوضح آراء العلماء، وسأعرض المواقف التي يُدّعَى أن الصحابة رضوان الله عليهم أخذوا فيها بالمصالح المرسلة.
أما بالنسبة لمواقف الأئمة والعلماء، فالجمهور على أن المصالح المرسلة ليست دليلاً شرعياً. فقد رد القول بها الإمام الشافعي رضي الله عنه. نقل ذلك عنه الآمدي. وكذلك نقل ردها عن كثير من علماء الشافعية كالآمدي والغزالي وعز الدين بن عبد السلام. ومما اشتهر عن الشافعي قوله: من استحسن فقد شَرَّع. وهذا الاستحسان المذموم عند الشافعي يتضمن الاستصلاح المقصود بالمصالح المرسلة عند المالكية.
يقول الإمام الشافعي في الرسالة: "وإنما الاستحسان تلذذ"، ثم يقول: "على العالِم أن لا يقول إلا من جهة العلم، وجهة العلم الخبر اللازم بالقياس بالدلائل على الصواب، حتى يكون صاحب العلم أبداً متبعاً خبراً، وطالب الخبر بالقياس"، ثم قال: "ولو قال بلا خبر لازم ولا قياس كان أقرب من الإثم من الذي قال وهو غير عالم..."، وقال: "ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله، وجهة العلم بَعْدُ الكتابُ والسنةُ والإجماعُ والآثارُ وما وصفت من القياس عليها"( ).
من هذه الأقوال للإمام الشافعي رضي الله عنه نفهم أنه يشدّد النكير على المصالح المرسلة كما يشدد النكير على الاستحسان، بل إن الأولى داخلة عنده في الثانية، لأنها ليست من خبر لازم ولا من قياس إذ هي مرسلة. ولذلك فإن الغزالي قال نفس ما قاله الشافعي. قال: "بل من استصلح فقد شرَّع كما أن من استحسن فقد شرّع"( ).
والمصالح المرسلة غير معتبرة عند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وليس لها ذكر بين الأصول التي اعتمدها، وقد ردها العلماء ممن هم على مذهبه كابن تيمية وابن قدامة المقدسي. أما ما يدّعيه بعض المعاصرين من القول إنه يلي الإمام مالكاً في الأخذ بها( )، فكلام لم ترد له حج. وربما نقله المعاصرون عما ذكره الشوكاني نقلاً عن ابن دقيق العيد( ): "الذي لا شك فيه أن لمالك ترجيحاً على غيره من الفقهاء في هذا النوع ويليه أحمد بن حنبل ولا يكاد يخلو غيرهما من اعتباره". وقد قال القرافي( ): "هي عند التحقيق في جميع المذاهب".
فمثل هذا الكلام لا يثبت عن الإمام أحمد، لأن أصوله ليس من بينها المصالح المرسلة، ومذهبه في العلة بعيد كل البعد عن المناسب المرسل. أما ما ينقل عن بعض الأئمة أنها موجودة في جميع المذاهب، فسنفصل القول فيه إذ إن الذين يأخذون بها لا يقصدون أنها مرسلة بإطلاق، بل يقصدون أنها مرسلة من الدليل الخاص، وليس من الدليل العام أو الكلي.
أما ما يذكره الدكتور البوطي في كتاب (ضوابط المصلحة) من أن عدم ذكر المصالح المرسلة بين الأصول التي اعتمدها الإمام أحمد لا يمنع أنها كانت معتبرة عنده، فلا أراه كلاماً يستقيم، وعلى فرض أن ذلك لا يمنع، فما إثبات أنها معتبرة عنده. إن البحث في فقهياته لا يسوغ دعوى أنه يعتبر المصالح المرسلة، إذ وجود مسألة لا نقف على دليله فيها ليس كافياً لادعاء أنه يستدل بالمصلحة المرسلة عليها.
وما يحاول البعض قوله: إن القول بالمصلحة يدخل ضمن المعنى الواسع للقياس، فهذا كلام لا فائدة منه، إذ القياس غير الاستصلاح، وإذا كان الاستدلال على الحكم بالمصلحة داخلاً ضمن القياس بطل كل ما قيل في تقسيم المناسب إلى معتبر وملغى ومرسل، وبالتالي بطل الاستصلاح. فهذا كلام غير مبني على فهم للموضوع: فالقياس معتبر لأنه دل عليه الدليل القاطع. والمصالح المرسلة لا تدخل ضمن القياس، وهذا ما قرره الأئمة الذين قالوا بالمصالح المرسلة. ولا حاجة للتطويل في هذا، فمن أراده فليراجع على سبيل المثال قول الشاطبي في الاعتصام، وسنأتي على ذكره عند مناقشة رأي الشاطبي.
أما الحنفية فالمشهور عنهم أنهم لا يأخذون بالاستصلاح، ولا يعتبرونه. وقد نقل الآمدي ردهم للمصالح المرسلة هم والشافعية( ).
ويقول البغا( ) نقلاً عن الدكتور عبد الوهاب خلاف من كتابه (مصادر التشريع الإسلامي): "فالمشهور في بعض الكتب أنهم لا يأخذون بالاستصلاح ولا يعتبرونه دليلاً شرعياً". وهنا أيضاً نقف على محاولة للقول إن الحنفية يقولون بالاستصلاح، فيقول خَلاف( ): "... فمن البعيد أن يأخذوا بالاستحسان وينكروا الاستصلاح..". وهذه وجهة نظر قوية إذ الاستصلاح والاستحسان متداخلان. وإلى هذا أيضاً يذهب الدكتوران البغا والبوطي، ويذهبان مع خَلاف إلى أن "حظ المصلحة في فقهه (أي أبي حنيفة) يكمن في دليلين من أهم الأدلة... هما الاستحسان والعرف"( ). والواضح في ما نقل عنه أنه لا يأخذ بالمصلحة، وإن تداخلت مع الاستحسان. فقول الحنفية بالاستحسان إنما هو لأنه قام عندهم الدليل عليه، وردهم للاستصلاح لأنه لا دليل يدل عليه. هذا هو الموضوع، وليس هو قرب أحدهما من الآخر أو بعده عنه. والأمثلة التي يؤتى بها للدلالة على وجود الاستصلاح في فقه الحنفية، دليلها عندهم الاستحسان والله أعلم، وليس الاستصلاح.
وبالنسبة لما نقل عن الإمام مالك رضي الله عنه، فالأقوال متفقة تقريباً على اعتباره للمصلحة المرسلة، وقد أنكر ذلك القرطبي كما سنبين. وهناك اختلاف في الحد الذي يذهب إليه في قوله بها. فنقل الشاطبي عنه في الاعتصام أنه استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية، ثم قال: "حتى لقد استشنع العلماء كثيراً من وجوه استرساله. وقال الشوكاني( ): "إن المحكيّ عن مالك جواز القول بها مطلقاً". وقال( ): "قال الجويني في البرهان وأفرط (أي مالك) في القول بها حتى جره إلى استحلال القتل وأخذ المال لمصالح يقتضيها في غالب الظن وإن لم يجد لها مستنداً".
وقال ابن قدامة المقدسي( ): "كما حكي أن مالكاً قال يجوز قتل الثلث من الخلق لاستصلاح الثلثين..". ومما ينقل عن مالك بخلاف ذلك ما نسبَ إلى القرطبي مثلاً. قال الشوكاني( ): "وقد أنكر جماعة من المالكية ما نسب إلى مالك من القول بها ومنهم القرطبي وقال ذهب الشافعي ومعظم أصحاب أبي حنيفة إلى عدم الاعتماد عليها وهو مذهب مالك، قال وقد اجترأ إمام الحرمين الجويني وجازف فيما نسبه إلى مالك من الإفراط في هذا الأصل. وهذا لا يوجد في كتب مالك ولا في شيء من كتب أصحابه" فالقرطبي ينكر أن يكون مالك أو أحد من أصحابه قال بها.
ويورد البوطي نقلاً عن أتباع مالك كالشاطبي والقرافي، أنه رحمه الله (أي مالك) أخذ بالاستصلاح حيث اتفق ذلك مع مقاصد الشرع الحكيم( ).
والحق أنه إذا ثبتت نسبة القول بالمصالح المرسلة إلى مالك، فلا يثبت بحال -على ما عرف من حاله وتشدده في الاتباع ورد الابتداع- أن يقول بها في مناقضة النصوص. بل إنه إن قالها فلا يخرج استناده إليها عما أورده أتباعه. ويمكننا فهم حقيقة رأيه عند تفصيل القول في فهم الشاطبي والقرافي للمصلحة المرسلة. أما الغزالي وقد أشرت فيما سبق إلى الاضطراب في معرفة رأيه. فالبعض أشكلت عليه أقوال الغزالي فظن أنه يقول بالاستصلاح في حالات.
والواقع أن قوله في المستصفى واضح، ولا داعي للدوران حول النصوص. ففي المستصفى العنوان كالتالي( ): "ثمّ ما يُظَنُّ أنه من الأصول وليس منها وهو أيضاً أربعة: شرع مَن قبلنا، وقول الصحابي، والاستحسان، والاستصلاح". وقال أيضاً( ): "فبهذه الشروط التي ذكرناها يجوز اتباع المصالح، ويتبين أن الاستصلاح ليس أصلاً خامساً برأسه، بل من استصلح فقد شرّع كما أن من استحسن فقد شرّع". أما الالتباس الذي قد يقع فيه البعض نتيجة مثل قوله: "فبهذه الشروط التي ذكرناها يجوز اتباع المصالح"، فيجب أن لا يتخذ ذريعة للقول إنه يقول بالاستصلاح. إذ إن اتباع المصالح أمر طبيعي في الإنسان، والإنسان يسلك بطبعه إلى مصالحه. ولكن موضوع البحث هو في الدليل على الفعل الذي يُقام به قصداً للمصلحة، هل الدليل هو المصلحة ذاتها؟ فالقول بالمصلحة هو اعتبار لشرعية الفعل بناء على كونه مصلحة، وهذا ما يرده الغزالي. أما إذا دل الشرع على جواز الفعل، فليس ثمة ما يمنع من القيام به بقصد المصلحة. ودلالة الشرع آتية من الأدلة الشرعية وليس من كون المصلحة مصلحة. وهذا -إذن- هو معنى كلامه "يجوز اتباع المصالح". وقوله "الاستصلاح ليس أصلاً خامساً برأسه"، وقوله: "بل من استصلح فقد شرع". وعليه فالاستصلاح غير معتبر عند الغزالي. وكذلك رد الاستصلاحَ الآمديّ في الإحكام فقال( ): "إن المصالح تنقسم باعتبار شهادة الشرع لها إلى معتبرة وإلى ملغاة وإلى ما لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا إلغاء. وهذا الأخير هو المعَبَّر عنه بالمناسب المرسل". وقال( ) -أي عن المناسب المرسل-: "وهذا القسم متردد بين ذينك القسمين، وليس إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر، فامتنع الاحتجاج به دون شاهد بالاعتبار يعرف أنه من قبيل المعتبر دون الملغى".
وكذلك رده الإمام عز الدين بن عبد السلام. قال( ): "وكذلك لا حكم إلا له (أي لله) فأحكامه مستفادة من الكتاب والسنة والإجماع والأقيسة الصحيحة والاستدلالات المعتبرة، فليس لأحد أن يستحسن ولا أن يستعمل مصلحة مرسلة، ولا أن يقلد أحداً لم يؤمر بتقليده".
ويرد المصالح المرسلة أيضاً ابن قدامة المقدسي. قال( ): "... فَيُسَمَّى ذلك مصلحة مرسلة ولا نسميه قياساً، لأن القياس يرجع إلى أصل معين، والصحيح أن ذلك ليس بحجة لأنه ما عرف من الشارع المحافظة على الدماء بكل طريق، ولذلك لم يشرع المثلة وإن كانت أبلغ الردع والزجر، ولم يشرع القتل في السرقة وشرب الخمر، فإذا أثبت حكماً لمصلحة من هذه المصالح لم يعلم أن الشرع حافظ على تلك المصلحة بإثبات ذلك الحكم، كان وضعاً للشرع بالرأي وحكماً بالعقل المجرد". وهذا قول نفيس. وكذلك ردها مجد الدين بن تيمية. قال في المسودة( ): "المصالح المرسلة لا يجوز بناء الأحكام عليها، قاله الباقلاني وجماعة المتكلمين".
وكذلك ردها تقي الدين بن تيمية فقال( ): "إن المصالح المرسلة شرع في الدين بما لم يأذن به، وهي تشبه من بعض الوجوه الاستحسان، والتحسين العقلي، والرأي، ونحو ذلك". وردها كذلك ابن الحاجب المالكي. جاء في كتاب (حاشيتا التفتازاني والجرجاني على مختصر المنتهى الأصولي): "المصالح المرسلة مصالح لا يشهد لها أصل بالاعتبار في الشرع وإن كانت على سنن المصالح وتلقتها العقول بالقبول، ثم قال: لنا أن لا دليل فوجب الرد كما في الاستحسان"( ).
وردها أيضاً ابن همام الدين الإسكندري الحنفي. قال( ): "... وهذا القسم المسمى بالمصالح المرسلة، والمختار رده. إذ لا دليل على الاعتبار، وهو دليل شرعي فوجب رده. قالوا فتخلو وقائع كثيرة، قلنا نمنع الملازمة (أي لا نسلم أنه يلزم من عدم اعتبار ما ذكر أن تخلو الوقائع من الحكم) لأن العمومات والأقيسة شاملة، وبتقدير عدمه فنفي كل مدرك خاص حكمه بالإباحة الأصلية (أي إذا انتفى في حادثة وجود مأخذ من الأدلة الأربعة فعمل بموجب أصل كلي مقرر في الشرع اتفاقاً وهو الإباحة الأصلية فإنه الأصل في الأشياء)".
وكذلك رد المصالح المرسلة الإمام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور، وهو حنفي المذهب. قال( ): "فإن لم يعلم فيه أحد اعتبارات الملائم فهو الغريب من المرسل؛ وهو المسمى بالمصالح المرسلة حجة عند مالك، والمختار عند الجمهور رده. لنا: لا دليل بدون الاعتبار وإن كان على سنن العقل. قالوا: أولاً: لو لم تعتبر لخلت الوقائع. قلنا: نمنع الملازمة لأن العمومات والأقيسة عامة، وأيضاً عدم المدرك مدرك للإباحة. وثانياً: الصحابة كانوا يقنعون برعاية المصالح. قلنا: بل إنما اعتبروا ما اطلعوا على اعتبار نوعه أو جنسه".
ويرده أيضاً الشوكاني، إذ هو يرد القياس أصلاً، ولا يأخذ من القياس إلا ما كان علته منصوصة وإن كان لا يسميه قياساً. يقول( ): "وإذا عرفت ما حررناه وتقرر لديك جميع ما قررناه فاعلم أن القياس المأخوذ به هو ما وقع النص على علته وما قطع فيه بنفي الفارق وما كان من باب فحوى الخطاب أو لحن الخطاب على اصطلاح من يسمي ذلك قياساً وقد قدمنا أنه من مفهوم الموافقة. ثم اعلم أن نفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسمى قياساً وإن كان منصوصاً على علته أو مقطوعاً فيه بنفي الفارق، بل جعلوا هذا النوع من القياس مدلولاً عليه بدليل الأصل مشمولاً به مندرجاً تحته ...". وكلامه هذا يعني أنه يأخذ بالعلة المنصوصة أو التي قطع فيها بنفي الفارق ولا يأخذ بالعلة المستنبطة. فلا يأخذ بالعلة التي مسلكها المناسبة، إذ المناسبة من قبيل الاستنباط. وعدم أخذه للمصلحة المرسلة أولى، إذ هي مبنية على المناسب المرسل الذي هو ليس من قبيل الاستنباط أصلاً، بل من قبيل حكم العقل.
وقد أنكر الاستصلاح أيضاً الظاهرية والاثنا عشرية وهم لا يأخذون بالقياس أصلاً.
ويذهب الشاطبي في الموافقات وفي الاعتصام إلى الأخذ بالمصالح المرسلة وإلى أن الإمامين أبا حنيفة والشافعي قد تمسكا بها( )، وهذا بخلاف ما ذكره الآمدي( ). ويأخذ بها أيضاً الإمام شهاب الدين القرافي المالكي. يقول( ): "أما المصلحة المرسلة فالمنقول أنها خاصة بنا، وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا وجمعوا وفرّقوا بين المسألتين لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا وفرقوا بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب".
أما في عصرنا فأكثر الكاتبين في الأصول أو المتعرضين لها على القول بحجية المصالح المرسلة. ومنهم على سبيل المثال: الشيخ محمد الخضري بك( )، وجاد الحق علي جاد الحق( )، ومحمد سعيد رمضان البوطي( )، وعبد الكريم زيدان( )، والشيخ عبد الوهاب خلاف( )، ومحمد إبراهيم الحفناوي( )، وخليفة بابكر الحسن( )، ومصطفى الخن( ).
الرأي الشرعي والرأي غير الشرعي
ولا يعني قولنا إن المصالح المرسلة ليست دليلاً شرعياً أن نعدّ كل حكم دليله المصلحة المرسلة ليس إسلامياً، أو أن الآخذ به آثم. بل يظل الحكم شرعياً في حق من يتبناه إذا كان يرى أن المصالح المرسلة دليل شرعي أو إذا كان مقلداً لمن هو كذلك.
فكون المصالح المرسلة دليلاً أو ليس بدليل أمر مختلف فيه بين الأئمة المجتهدين. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر( )". فالحكم المستنبط بدليل المصلحة المرسلة شرعي في حق من استنبطه –بناء على ما رجح لديه- وفي حق من قلده. ويظل الحكم محترماً عند من لا يأخذ بالمصالح المرسلة، وإن كان لا يجوز له الأخذ به لأنه ليس حكماً شرعياً حسب اجتهاده أو حسب ما يقلد.
ولا بد من الإشارة إلى أن الرأي الذي نحترمه مع أنا نعده خطأ هو الصادر عن استدلال صحيح وعن علم ووَرَع. أما الرأي الصادر عن تزلف أو مصلحة أو تعصب، فليس رأياً معتبراً ولا محترماً.
فالذين قالوا بالمصالح المرسلة من المعاصرين، وجعلوها أدلة على الشرع وحاولوا الاستناد إلى بعض الأئمة استناداً خاطئاً، وأفتَوْا عن طريق المصالح أو جلب المصالح ودرء المفاسد، بإباحة الربا، أو مد الأيدي إلى الأنظمة الكافرة المحاربة للإسلام والتعاون معها، أو بالمشاركة في الحكم بنظام الكفر، أو بجواز العمل في المؤسسات الربوية، أو بجواز الصلح مع اليهود والاعتراف بفلسطين لهم أو بجواز الاستعانة بالكفار لقتال المسلمين أو بعدم التغيير على من يحكم بغير ما أنزل الله بحجة التعرض للأذى، وغيرها كثير، هؤلاء أقوالهم وفتاويهم مردودة وليست معتبرة في الإسلام. فهي ليست آراء إسلامية مرجوحة، وإنما هي آراء غير إسلامية، وليست هي شرعية في حق من يتبناها. وهذه الفتاوي ليست من قبيل الاجتهاد الشرعي الصحيح، وإنما هي تشريع من خارج الوحي.
الخاتمة :
فإباحة الربا مثلاً، لا يقال فيها إنها رأي إسلامي اجتهادي صاحبه معذور، لأن الربا فيه نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، محكم غير منسوخ، وغير مخصص وغير مقيد: "وحرَّم الربا"( ). وكذلك المشاركة في الحكم بالكفر،فيها نصوص قطعية لا اجتهاد معها. قال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)( )، وقال: (الكافرون) وقال: (الفاسقون). فمن يحكم أو يشارك بالحكم بالكفر، فاسق مع التأويل، كافر إن لم نتأول له. والمفتي بالجواز بناء على المصلحة، يفتري على الله الكذب.
فمثل هذه الأحكام ليست من قبيل الاختلاف المشروع في الرأي وإنما هي من قبيل التضليل في الدين، وأخذ للأحكام الشرعية من خارج دين الإسلام (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً)( ).
فهرست المصادر والمراجع
م الكتاب المؤلف المطبعة أو الدار
1 أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء د. مصطفى سعيد الخن مؤسسة الرسالة
2- أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي د. مصطفى ديب البغا دار الإمام البخاري- دمشق
3- الإحكام في أصول الأحكام علي بن محمد الآمدي المكتب الإسلامي
4 الإحكام في أصول الأحكام أبو محمد علي بن أ؛مد بن سعيد بن حزم دار الآفاق الجديدة- بيروت
5 الأدلة المختلف فيها عند الأصوليين د. خليفة بابكر الحسن مكتبة وهبة –عابدين- ط1
6- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول محمد بن علي بن محمد الشوكاني دار الفكر – بيروت