محمد ابراهيم البادي
04-14-2010, 02:34 PM
تمهيد:
أدى التطور الكبير في طرق الإثبات الطبية إلى التخلي عن الطرق التقليدية التي كانت تعتمد على تحليل فصيلة الدم وفحص بصمة الأصابع ، كي ُتفسح المجال إلى البصمة الوراثية التميز بطابع التأكيد ، ولا تفتح باب الاحتمال كما هو الحال في تحليل فصيلة الدم ، كما أن فحص بصمة الأصابع ليس متاحة دائماً ، حيث يحاول الكثير من الجناة استخدام قفاز لكي يخفى معالمها ، بالإضافة إلى حساسيتها في وسائلا لرفع وسهولة إزالة آثارها.
أما في حالة تحليل البصمة الوراثية ابتداء من بقعة الدم ، فإنه يكفى وجود بقعة صغيرة ، كما أن تلك البقعة تصلح لتحليل البصمة الوراثية حتى ولو كانت قد جفت ومضى عليها عدة أشهر، ولا يحول دون دقة الفحص أن تختلط عينة شخص بعينة شخص آخر ، كما لو أختلط دم القاتل بدم القتيل في بقعة واحدة من الدم أثناء التماسك بينهما قبل ارتكاب الجريمة.
ولا شك أن البصمة تدل علىَ هوية صاحبها ، وهى وسيلة عملية للتحقق من الشخصية ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص عن غيره ، وُيمكن الاستدلال من خلال نتيجة البصمة الوراثية الـ DNA على مرتكبي الجرائم ومعرفة الجناة عند الاشتباه فيهم في الجرائم المختلفة.
وُتعد البصمة الوراثية كذلك قرينة مادية قاطعة على اتهام الشخص بارتكاب الجريمة لاتصالها بالركن المادي للجريمة ، كما تنقل عبء الإثبات من الادعاء إلى المتهم في القانون الوضعي ، لذا فهي تنقض أصل البراءة للمتهم ، وعليه أن ُيثبت أن تواجده كان لسبب مشروع أو وجود مانع من موانع المسئولية ، بالإضافة إلى ذلك فإن للبصمة الوراثية دوراً إيجابياً وهام في الكشف عن بعض الجرائم الغامضة والوصول إلى مرتكب الجريمة منذ اكتشافها ، بالإضافة إلى أنها ساهمت في الكشف عن جرائم وقعت قبل اكتشافها.
وسنعرض لبعض القضايا التي ارتكبت وكانت البصمة الوراثية دليل الإدانة أو البراءة فيها:
أولاً : ُتعتبر هذه القضية هي أول قضية جنائية ُتستخدم فيها تقنية الـ DNA ففي 21/11/1983م بإحدى ضواحي منطقة " لستر شيد " ببريطانيا ارتكبت جريمة بشعة ضد فتاة ُتدعى " ليندامان " تبلغ من العمر خمسة عشر سنة ، حيث قام الجاني بقتل الفتاة بعد اغتصابها ، وكان الدليل الوحيد مسحة مهبلية من المجني عليها ، وأثبتت التحاليل أن نسبة 10% من المجتمع تشترك في نفس الصفات.
وفى 8/8/1986م ، وفى منطقة قريبة ارتكبت جريمة أخرى بنفس الأسلوب ، وكانت الضحية هذه المرة تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً وُتدعى " دون أشورت " ، وبتحقيقات الشرطة قُبض على شخص ُيدعى " ريتشارد بكلاند " ويبلغ من العمر سبعة عشر عاماً ، ووظيفته عامل بمستشفى نفسي ، وقد ُعرف عنه سلوك جنسي يتفق مع الأسلوب المرتكب في الجريمتين وكان على صلة بالمجني عليها " دون اشورت " ، ولكنب استخراج الحمض النووي الـ DNA من الحيوانات المنوية على المسحات المهبلية المرفوعة من المجني عليها ومقارنتها بدم المتهم ُوجد بأنها تختلف تماماً ، إلا أنه تبين أن مرتكب الحادثتين شخص واحد لتطابق العينتين ، ولذلك تمت تبرئته ، ولم تهدأ القضية فأخذت عينات دم من رجال في نفس المنطقة بلغ عددهم 3653 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 16-34 سنة تقريباً ، وقورنت عينات الدم بالعينات المرفوعة من مكان الجريمتين ، وتم استبعاد الذين اختلفت فصائل دمائهم مع تلك العينات وُأجرى على البعض الآخر تحاليل الـ DNA ، وقورنت بالعينات المرفوعة من مكان الحادثتين ، ولكن تبين أن أحدهم وُ يدعـى " كولين بيتشغورك " أرسل زملائه لأخذ عينة بدلاً منه ، حيث قام زميله بالإبلاغ عن ذلك عندما علم بأن الغرض من أخذ العينات هو الكشف عن مرتكب تلك الجرائم البشعة ، وقد أظهرت نتيجة التحاليل أن العينات المرفوعة من الفتاتين تخصه ، وقد كان ذلك السبب في اعترافه بجرائمه وجرائم أخرى ،وقد تم فحص هذه القضية بمختبر الدكتور " أليك جفري " بجامعة ليستر ببريطانيا ، وبذلك كانت هذه القضية أول قضية جنائية ُيستخدم فيها الحمض النووي الـDNA.
ثانياً : الجريمة الثانية هي جريمة قتل حدثت في مساء ليلة التاسع من يونيو 1986م حيث انصرفت السيدة " سوزان دايفس " من عملها في مقاطعة كولومبيا متجهة إلى منزلها مستقلة سيارتها من نوع فورد " حمراء اللون " ولم ُيشاهدها أحد بعد ذلك ، حيث كانت هذه السيدة على خلاف مع زوجها " رولف " وكانت بينهما مشاكل عائلية ، سيما وأن الزوجة " سوزان " قد كسبت حضانة أولادها ، وأخذت تعهد على زوجها بعدم التعرض لها بالاعتداء جسدياً ، وفى نفس التاريخ كان الزوج قد اشترى بندقية من محل أسلحة ، وبعد اختفاء الزوجة مُنح الزوج حضانة الأطفال وُحكم له غيابياً بالطلاق ، وفى 7 مارس 1988م ، قام أحد الضباط بإجراء جرد على محتويات أحد المحلات بسبب التخلف عن دفع الإيجار ، وفى مخزن المحل شوهدت سيارة فورد حمراء اللون عليها بقع دموية من الداخل وآثار طلقات نارية وأنسجة بشرية وأجزاء عظام ، وبالرجوع لسجلات المرور ومعرفة صاحب السيارة وبإجراء تحاليل الـ DNA على الدم الموجود داخل السيارة ومقارنتها بعينات الزوج والأطفال اتضح بأن العينات المرفوعة لأم الأطفال ، ومن ثم فقد ُأدين السيد " رولف " بأنه هو الذي قتل مطلقته السيدة " سوزان " في سيارتها ليكسب حضانة الأطفال واعترف بارتكابه الجريمة.
ثالثاً : تم مؤخراً تبرئة محكوم عليه بالإعدام بعد 18 عاماً من خلال الحمض النووي، فقد أعلن مصدر تابع لسلطات السجون في ولاية إيداهو، شمال شرق الولايات المتحدة، أن أمريكياً محكوماً عليه بالإعدام وينتظر في ممر الموت منذ 18عاماً، ُبريء وأطلق سراحه بعد إجراء تحاليل لمادة DNA ، وكان قد ُحكم على " تشارلز فاين " بالإعدام في العام 1982م بتهمة اغتصاب وقتل طفلة في التاسعة من العمر.
وفي تلك الفترة قال مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه ُوجد على الضحية بعض الشعرات اعتبرت أنها له ، وقال المتحدث باسم سلطات السجون في إيداهو مارك كارنوبيس أن تحاليل مادة DNA أثبتت براءته ، وأوضح أنه ُأطلق سراح " فاين " بعد ظهر الخميس المنصرم بعد أقل من ساعتين من تلقي القاضي نتائج تحاليل مادة DNA (الحمض الريبي النووى) لمقارنة شعر " فاين " بالشعر الذي ُعثر عليه على الضحية ، وأضاف أن الإثبات الأساسي ضد فاين كان الشبه بين شعره والشعرالذي عثر على الضحية.
رابعاً : وفى الإمارات العربية المتحدة تقدمت فتاة تبلغ من العمر 18 عاماً إلى أحد مراكز الشرطة ، وأفادت بأنها تعرفت على شخص بواسطة الهاتف وكونت معه علاقة ووعدها بالزواج، وعلى ذلك خرجت معه ولكنه اغتصبها وحملت منه ، إلا أنها لم تكتشف الحمل إلا في الشهر الرابع وأخبرته بذلك ولكنه طلب منها الإجهاض فلم توافق ، وتجاهلها إلى أن أصبحت في الشهر الثامن وأبلغت ولى أمرها وأبلغا الشرطة ، فتم استدعاء المتهم ولكنه أنكر التهمة ، وُأجريت الفحوصات المخبرية في مختبر دبي لفحص الحمض النووي الـ DNA لكل منهم ، وكانت النتيجة أن الشاكية هي الأم الحقيقية للطفل لاشتراكها في نصف الصفات الوراثية الموجودة لدى الطفل ، أما المتهم فلم يشترك مع الطفل في أي صفات وراثية ، وعلى ذلك فإن المتهم ليس أباً لذلك الطفل وأن هناك رجل آخر أباً للطفل.
وفى إمارة دبي ورد إلى الشرطة بلاغ بحدوث جريمة قتل امرأة عربية متزوجة ، وبالانتقال إلى مكان الحادث لمعاينته ، عثرت الشرطة على قطعة ملابس داخلية رجالي بجوار الجثة عليها مكونات لدماء غزيرة من الإمام والخلف ، وبإجراء تحاليل الـ DNA عليها اتضح بأن بعض الدماء الموجودة على قطعة الملابس يعود للمجني عليها بعد أن قورنت مع عينة من دمها ، وفى نفس الوقت اتضح أن هناك بقع دموية أخرى في نفس هذه القطعة على شكل قطرات ، وبإجراء تحاليل الـ DNA عليها اتضح أنها تخص الزوج ، وبمواجهة الزوج بذلك اعترف بجريمة القتل ضد زوجته ، وأفاد بأنه حاول قطع عروق يده اليسرى بقصد الانتحار.
خامساًً : وفى الإمارات أيضاً تقدم زوج امرأة أسيوية ببلاغ إلى الشرطة مفاده أن شخصاً من الجنسية الأسيوية قد اغتصب زوجته في شقتهم التي يقيمون بها ، وبرفع مسحات مهبلية من المرأة وفحص عينات لتلوثات منوية من سجادة بأرضية الغرفة التي وقع فيها فعل الاغتصاب ، تبين أنها تعود لشخص واحد مختلفة عن عينات الزوج ، وبعد ثلاثة أشهر تبين بمقارنة البصمات المرفوعة من المكان بجهازالكمبيوتر أنها تعود لشخص أسيوي ، وبمقارنة عينة الـ DNA لذلك الشخص مع الحيوانات المنوية المرفوعة من المرأة وللسجادة تبين أنها تخص هذا الشخص المشتبه به.
سادساً : تم الاستعانة بالبصمة الوراثية ، ليس فقط في إثبات الجرائم ، وإنما أيضاً في التوصل إلى براءة بعض المتهمين الذين كانت أدلة الاتهام ُتحيط بهم ، بل إن كثيراً من الحالات ما ُحكم فيها بالإدانة ثم ُألغى الحكم وُبرّىء المتهم بعد الاستعانة بالبصمة الوراثية كما حدث في قضية Andrson ، حيث حكم على هذا المتهم بعقوبة السجن لمدة 15 سنة للاغتصاب في سنة 1982م ، وطلب تطبيق فحص البصمة DNA بمقتضى قانون ولاية Verginia الذي أدخل نظام الفحص ، وقد أدى تطبيق هذا الفحص إلى إظهار براءة المتهم ، والكشف عن تورط متهمين آخرين في تلك الجريمة.
وفى قضية أخرى في إحدى الدول العربية ورد بلاغ بشأن قتل امرأة في بيتها واتهام زوجها وأخيه بقتلها ، وقد وردت مع القضية عينات مناديل ورقية عليها تلوثات منوية رفعت من منزل القتيلة ، وبأخذ عينات قياسية من الزوج وأخيه ومن القتيلة ، تبين أن التلوثات المنوية لا تعود للزوج وأخيه ، مما يوحى بأن القتل بسبب وجودها فى خلوة شرعية مع شخص ما.
سابعاً : في المملكة العربية السعودية أعلن الطبيب السعودي الدكتور نصر نديم البرير أن المعلومات التي حملها الجينوم البشرى ، أتاحت للطب الشرعي أن ينجح في الكشف عن شخصية المجرمين وبراءة آخرين ، حيث اتهم أحد المغاربة بقتل إحدى السيدات الفرنسيات ، وأحاطت كثيرمن الشبهات به ، ولم ينجو من التهمة إلا بسبب عدم تطابق بصمته الجينية مع الدماء التي وجدت بمكان الحادث.
ثامناً : البصمة الوراثية للحيوانات ودورها في إثبات الجرائم :
لا تقتصر تطبيقات البصمة الوراثية على الإنسان فقط ، بل تمتد إلى الحيوان أيضاً ، وقد تمت الاستعانة بالبصمة الوراثية لحيوانات بغرض تجميع الأدلة في بعض الجرائم ، ومن ذلك الاستعانة بالبصمة الوراثية لشعر الكلب في إحدى القضايا في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث تعلق الأمر باتهام بسطو على منزل وشروع في اغتصاب وقع في سبتمبر 2000م ، حيث لم يتمكن المتهم من إتمام جريمة الاغتصاب بسبب مقاومة كلب بالمنزل له ، حيث هجم الكلب على المتهم بسبب صراخ المجني عليها ، فعلقت بعض شعيرات من الكلب بملابس المتهم ، وقد ساعد ذلك العدالة على تقديم دليل قوى ضد المتهم الذي كان ينكر ارتكابه للجريمة.
كما كان شعر القطة محلاً لفحص DNA في كندا في سنة 1996م ، حيث تم العثور على ذلك الشعر على جاكيت للمتهم و به بقعة من الدم في جريمة قتل زوج لزوجته ، وتم عمل DNA على عينة من دم أحد الكلاب في واشنطن في سنة 1998م في قضية قتل مزدوجة اتهم فيها شخصان بقتل زوجين وكلبهما بعد أن طلب منهما المتهمان مخدرات ونقود.
تاسعاًً : البصمة الوراثية تدين مغتصباً بنيويورك بعد 32 عاماً على جريمته :
أدان المحلفون في نيويورك رجلاً بارتكاب جريمة اغتصاب منذ نحو 32 عاماً ، وذلك استناداً على تحليل لعينة من الحامض النووي (DNA ) كانت مخبأة في ملف القضية وتبين في وقت لاحق علاقته بأحد عشر اعتداءً جنسياً آخر على الأقل ، وقد أفلت كليرنس وليامز ( 58 عاما ً) من حكم بالإدانة خلال محاكمته عام 1974م ؛ لأن الضحية كاثلين هام لم ترَ وجهه على الإطلاق وقالت أنها لا يمكنها التعرف عليه ، وهو يواجه الأن عقوبة تصل إلى السجن 50 عاماً على الاغتصاب والسرقة ، وتابعت المجني عليها قولها إنها لاتشعر أنها موصومة حيث أنها مصدومة نوعاً ما، ولأن الحامض النووي لم يتلاش وبأنه لا يكذب ، فقد حاول مايكل روبن محامى الدفاع تقويض مصداقية فحوص مركز نيويورك الطبي الذي أخذ إختبارات الحامض النووي ، وقال للمحلفين " لا يمكنكم حقاً التعويل على المختبر الذي استُخدم لإجراء اختبارات الحامض النووي " ، وقال عضو في هيئة المحلفين : أنه تم التوصل إلى الإدانة في أقل من ساعتين وبعد الموافقة في تصويت واحد بالإجماع. وقال روبرت مورجنتا و مدعى المقاطعة " الضحية لا تنسى أبداً الجريمة ، والجاني يجب ألا يسمح له بأن يتصور أنه حر في الوطن لمجرد مرور الزمن.
كما ُ أدين وليامز الذي يستعير عدة أسماء باغتصاب امرأة أخرى أيضاً في عام 1974م ، إلا أن ذلك الحكم ُأسقط لأن أجزاء من روايته للشرطة تحولت خطأ إلى دليل.ومع تعليق الحكم في القضيتين غادر وليامز نيويورك ولم يستدل على مكانه حتى عام 2004م، حينما حاول شراء بندقية في جورجيا ، وخضع لفحص سجله العائلي، وقد نبه ذلك سلطات نيويورك التي تسلمته، وقد نجم عن فحص ملف القضية وجود السروال الداخلي الذي كانت ترتديه " هام " عقب تعرضها للاغتصاب، مما سمح للمحققين استخراج عينة من الحامض النووي من آثار السائل المنوي له.
وقد طابقت عينة الحامض النووي عينات ُأخذت من تسعة اعتداءات جنسية لم ُيفصل فيها في ماريلاند واعتداءين في نيوجيرسى ، حيث ترى سلطات ماريلاند أنها قد تكون مرتبطة بإحدى وعشرين جريمة ارتكبها " مغتصب الربيع الفضي " وفقاً لما يرويه البعض
أدى التطور الكبير في طرق الإثبات الطبية إلى التخلي عن الطرق التقليدية التي كانت تعتمد على تحليل فصيلة الدم وفحص بصمة الأصابع ، كي ُتفسح المجال إلى البصمة الوراثية التميز بطابع التأكيد ، ولا تفتح باب الاحتمال كما هو الحال في تحليل فصيلة الدم ، كما أن فحص بصمة الأصابع ليس متاحة دائماً ، حيث يحاول الكثير من الجناة استخدام قفاز لكي يخفى معالمها ، بالإضافة إلى حساسيتها في وسائلا لرفع وسهولة إزالة آثارها.
أما في حالة تحليل البصمة الوراثية ابتداء من بقعة الدم ، فإنه يكفى وجود بقعة صغيرة ، كما أن تلك البقعة تصلح لتحليل البصمة الوراثية حتى ولو كانت قد جفت ومضى عليها عدة أشهر، ولا يحول دون دقة الفحص أن تختلط عينة شخص بعينة شخص آخر ، كما لو أختلط دم القاتل بدم القتيل في بقعة واحدة من الدم أثناء التماسك بينهما قبل ارتكاب الجريمة.
ولا شك أن البصمة تدل علىَ هوية صاحبها ، وهى وسيلة عملية للتحقق من الشخصية ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص عن غيره ، وُيمكن الاستدلال من خلال نتيجة البصمة الوراثية الـ DNA على مرتكبي الجرائم ومعرفة الجناة عند الاشتباه فيهم في الجرائم المختلفة.
وُتعد البصمة الوراثية كذلك قرينة مادية قاطعة على اتهام الشخص بارتكاب الجريمة لاتصالها بالركن المادي للجريمة ، كما تنقل عبء الإثبات من الادعاء إلى المتهم في القانون الوضعي ، لذا فهي تنقض أصل البراءة للمتهم ، وعليه أن ُيثبت أن تواجده كان لسبب مشروع أو وجود مانع من موانع المسئولية ، بالإضافة إلى ذلك فإن للبصمة الوراثية دوراً إيجابياً وهام في الكشف عن بعض الجرائم الغامضة والوصول إلى مرتكب الجريمة منذ اكتشافها ، بالإضافة إلى أنها ساهمت في الكشف عن جرائم وقعت قبل اكتشافها.
وسنعرض لبعض القضايا التي ارتكبت وكانت البصمة الوراثية دليل الإدانة أو البراءة فيها:
أولاً : ُتعتبر هذه القضية هي أول قضية جنائية ُتستخدم فيها تقنية الـ DNA ففي 21/11/1983م بإحدى ضواحي منطقة " لستر شيد " ببريطانيا ارتكبت جريمة بشعة ضد فتاة ُتدعى " ليندامان " تبلغ من العمر خمسة عشر سنة ، حيث قام الجاني بقتل الفتاة بعد اغتصابها ، وكان الدليل الوحيد مسحة مهبلية من المجني عليها ، وأثبتت التحاليل أن نسبة 10% من المجتمع تشترك في نفس الصفات.
وفى 8/8/1986م ، وفى منطقة قريبة ارتكبت جريمة أخرى بنفس الأسلوب ، وكانت الضحية هذه المرة تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً وُتدعى " دون أشورت " ، وبتحقيقات الشرطة قُبض على شخص ُيدعى " ريتشارد بكلاند " ويبلغ من العمر سبعة عشر عاماً ، ووظيفته عامل بمستشفى نفسي ، وقد ُعرف عنه سلوك جنسي يتفق مع الأسلوب المرتكب في الجريمتين وكان على صلة بالمجني عليها " دون اشورت " ، ولكنب استخراج الحمض النووي الـ DNA من الحيوانات المنوية على المسحات المهبلية المرفوعة من المجني عليها ومقارنتها بدم المتهم ُوجد بأنها تختلف تماماً ، إلا أنه تبين أن مرتكب الحادثتين شخص واحد لتطابق العينتين ، ولذلك تمت تبرئته ، ولم تهدأ القضية فأخذت عينات دم من رجال في نفس المنطقة بلغ عددهم 3653 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 16-34 سنة تقريباً ، وقورنت عينات الدم بالعينات المرفوعة من مكان الجريمتين ، وتم استبعاد الذين اختلفت فصائل دمائهم مع تلك العينات وُأجرى على البعض الآخر تحاليل الـ DNA ، وقورنت بالعينات المرفوعة من مكان الحادثتين ، ولكن تبين أن أحدهم وُ يدعـى " كولين بيتشغورك " أرسل زملائه لأخذ عينة بدلاً منه ، حيث قام زميله بالإبلاغ عن ذلك عندما علم بأن الغرض من أخذ العينات هو الكشف عن مرتكب تلك الجرائم البشعة ، وقد أظهرت نتيجة التحاليل أن العينات المرفوعة من الفتاتين تخصه ، وقد كان ذلك السبب في اعترافه بجرائمه وجرائم أخرى ،وقد تم فحص هذه القضية بمختبر الدكتور " أليك جفري " بجامعة ليستر ببريطانيا ، وبذلك كانت هذه القضية أول قضية جنائية ُيستخدم فيها الحمض النووي الـDNA.
ثانياً : الجريمة الثانية هي جريمة قتل حدثت في مساء ليلة التاسع من يونيو 1986م حيث انصرفت السيدة " سوزان دايفس " من عملها في مقاطعة كولومبيا متجهة إلى منزلها مستقلة سيارتها من نوع فورد " حمراء اللون " ولم ُيشاهدها أحد بعد ذلك ، حيث كانت هذه السيدة على خلاف مع زوجها " رولف " وكانت بينهما مشاكل عائلية ، سيما وأن الزوجة " سوزان " قد كسبت حضانة أولادها ، وأخذت تعهد على زوجها بعدم التعرض لها بالاعتداء جسدياً ، وفى نفس التاريخ كان الزوج قد اشترى بندقية من محل أسلحة ، وبعد اختفاء الزوجة مُنح الزوج حضانة الأطفال وُحكم له غيابياً بالطلاق ، وفى 7 مارس 1988م ، قام أحد الضباط بإجراء جرد على محتويات أحد المحلات بسبب التخلف عن دفع الإيجار ، وفى مخزن المحل شوهدت سيارة فورد حمراء اللون عليها بقع دموية من الداخل وآثار طلقات نارية وأنسجة بشرية وأجزاء عظام ، وبالرجوع لسجلات المرور ومعرفة صاحب السيارة وبإجراء تحاليل الـ DNA على الدم الموجود داخل السيارة ومقارنتها بعينات الزوج والأطفال اتضح بأن العينات المرفوعة لأم الأطفال ، ومن ثم فقد ُأدين السيد " رولف " بأنه هو الذي قتل مطلقته السيدة " سوزان " في سيارتها ليكسب حضانة الأطفال واعترف بارتكابه الجريمة.
ثالثاً : تم مؤخراً تبرئة محكوم عليه بالإعدام بعد 18 عاماً من خلال الحمض النووي، فقد أعلن مصدر تابع لسلطات السجون في ولاية إيداهو، شمال شرق الولايات المتحدة، أن أمريكياً محكوماً عليه بالإعدام وينتظر في ممر الموت منذ 18عاماً، ُبريء وأطلق سراحه بعد إجراء تحاليل لمادة DNA ، وكان قد ُحكم على " تشارلز فاين " بالإعدام في العام 1982م بتهمة اغتصاب وقتل طفلة في التاسعة من العمر.
وفي تلك الفترة قال مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه ُوجد على الضحية بعض الشعرات اعتبرت أنها له ، وقال المتحدث باسم سلطات السجون في إيداهو مارك كارنوبيس أن تحاليل مادة DNA أثبتت براءته ، وأوضح أنه ُأطلق سراح " فاين " بعد ظهر الخميس المنصرم بعد أقل من ساعتين من تلقي القاضي نتائج تحاليل مادة DNA (الحمض الريبي النووى) لمقارنة شعر " فاين " بالشعر الذي ُعثر عليه على الضحية ، وأضاف أن الإثبات الأساسي ضد فاين كان الشبه بين شعره والشعرالذي عثر على الضحية.
رابعاً : وفى الإمارات العربية المتحدة تقدمت فتاة تبلغ من العمر 18 عاماً إلى أحد مراكز الشرطة ، وأفادت بأنها تعرفت على شخص بواسطة الهاتف وكونت معه علاقة ووعدها بالزواج، وعلى ذلك خرجت معه ولكنه اغتصبها وحملت منه ، إلا أنها لم تكتشف الحمل إلا في الشهر الرابع وأخبرته بذلك ولكنه طلب منها الإجهاض فلم توافق ، وتجاهلها إلى أن أصبحت في الشهر الثامن وأبلغت ولى أمرها وأبلغا الشرطة ، فتم استدعاء المتهم ولكنه أنكر التهمة ، وُأجريت الفحوصات المخبرية في مختبر دبي لفحص الحمض النووي الـ DNA لكل منهم ، وكانت النتيجة أن الشاكية هي الأم الحقيقية للطفل لاشتراكها في نصف الصفات الوراثية الموجودة لدى الطفل ، أما المتهم فلم يشترك مع الطفل في أي صفات وراثية ، وعلى ذلك فإن المتهم ليس أباً لذلك الطفل وأن هناك رجل آخر أباً للطفل.
وفى إمارة دبي ورد إلى الشرطة بلاغ بحدوث جريمة قتل امرأة عربية متزوجة ، وبالانتقال إلى مكان الحادث لمعاينته ، عثرت الشرطة على قطعة ملابس داخلية رجالي بجوار الجثة عليها مكونات لدماء غزيرة من الإمام والخلف ، وبإجراء تحاليل الـ DNA عليها اتضح بأن بعض الدماء الموجودة على قطعة الملابس يعود للمجني عليها بعد أن قورنت مع عينة من دمها ، وفى نفس الوقت اتضح أن هناك بقع دموية أخرى في نفس هذه القطعة على شكل قطرات ، وبإجراء تحاليل الـ DNA عليها اتضح أنها تخص الزوج ، وبمواجهة الزوج بذلك اعترف بجريمة القتل ضد زوجته ، وأفاد بأنه حاول قطع عروق يده اليسرى بقصد الانتحار.
خامساًً : وفى الإمارات أيضاً تقدم زوج امرأة أسيوية ببلاغ إلى الشرطة مفاده أن شخصاً من الجنسية الأسيوية قد اغتصب زوجته في شقتهم التي يقيمون بها ، وبرفع مسحات مهبلية من المرأة وفحص عينات لتلوثات منوية من سجادة بأرضية الغرفة التي وقع فيها فعل الاغتصاب ، تبين أنها تعود لشخص واحد مختلفة عن عينات الزوج ، وبعد ثلاثة أشهر تبين بمقارنة البصمات المرفوعة من المكان بجهازالكمبيوتر أنها تعود لشخص أسيوي ، وبمقارنة عينة الـ DNA لذلك الشخص مع الحيوانات المنوية المرفوعة من المرأة وللسجادة تبين أنها تخص هذا الشخص المشتبه به.
سادساً : تم الاستعانة بالبصمة الوراثية ، ليس فقط في إثبات الجرائم ، وإنما أيضاً في التوصل إلى براءة بعض المتهمين الذين كانت أدلة الاتهام ُتحيط بهم ، بل إن كثيراً من الحالات ما ُحكم فيها بالإدانة ثم ُألغى الحكم وُبرّىء المتهم بعد الاستعانة بالبصمة الوراثية كما حدث في قضية Andrson ، حيث حكم على هذا المتهم بعقوبة السجن لمدة 15 سنة للاغتصاب في سنة 1982م ، وطلب تطبيق فحص البصمة DNA بمقتضى قانون ولاية Verginia الذي أدخل نظام الفحص ، وقد أدى تطبيق هذا الفحص إلى إظهار براءة المتهم ، والكشف عن تورط متهمين آخرين في تلك الجريمة.
وفى قضية أخرى في إحدى الدول العربية ورد بلاغ بشأن قتل امرأة في بيتها واتهام زوجها وأخيه بقتلها ، وقد وردت مع القضية عينات مناديل ورقية عليها تلوثات منوية رفعت من منزل القتيلة ، وبأخذ عينات قياسية من الزوج وأخيه ومن القتيلة ، تبين أن التلوثات المنوية لا تعود للزوج وأخيه ، مما يوحى بأن القتل بسبب وجودها فى خلوة شرعية مع شخص ما.
سابعاً : في المملكة العربية السعودية أعلن الطبيب السعودي الدكتور نصر نديم البرير أن المعلومات التي حملها الجينوم البشرى ، أتاحت للطب الشرعي أن ينجح في الكشف عن شخصية المجرمين وبراءة آخرين ، حيث اتهم أحد المغاربة بقتل إحدى السيدات الفرنسيات ، وأحاطت كثيرمن الشبهات به ، ولم ينجو من التهمة إلا بسبب عدم تطابق بصمته الجينية مع الدماء التي وجدت بمكان الحادث.
ثامناً : البصمة الوراثية للحيوانات ودورها في إثبات الجرائم :
لا تقتصر تطبيقات البصمة الوراثية على الإنسان فقط ، بل تمتد إلى الحيوان أيضاً ، وقد تمت الاستعانة بالبصمة الوراثية لحيوانات بغرض تجميع الأدلة في بعض الجرائم ، ومن ذلك الاستعانة بالبصمة الوراثية لشعر الكلب في إحدى القضايا في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث تعلق الأمر باتهام بسطو على منزل وشروع في اغتصاب وقع في سبتمبر 2000م ، حيث لم يتمكن المتهم من إتمام جريمة الاغتصاب بسبب مقاومة كلب بالمنزل له ، حيث هجم الكلب على المتهم بسبب صراخ المجني عليها ، فعلقت بعض شعيرات من الكلب بملابس المتهم ، وقد ساعد ذلك العدالة على تقديم دليل قوى ضد المتهم الذي كان ينكر ارتكابه للجريمة.
كما كان شعر القطة محلاً لفحص DNA في كندا في سنة 1996م ، حيث تم العثور على ذلك الشعر على جاكيت للمتهم و به بقعة من الدم في جريمة قتل زوج لزوجته ، وتم عمل DNA على عينة من دم أحد الكلاب في واشنطن في سنة 1998م في قضية قتل مزدوجة اتهم فيها شخصان بقتل زوجين وكلبهما بعد أن طلب منهما المتهمان مخدرات ونقود.
تاسعاًً : البصمة الوراثية تدين مغتصباً بنيويورك بعد 32 عاماً على جريمته :
أدان المحلفون في نيويورك رجلاً بارتكاب جريمة اغتصاب منذ نحو 32 عاماً ، وذلك استناداً على تحليل لعينة من الحامض النووي (DNA ) كانت مخبأة في ملف القضية وتبين في وقت لاحق علاقته بأحد عشر اعتداءً جنسياً آخر على الأقل ، وقد أفلت كليرنس وليامز ( 58 عاما ً) من حكم بالإدانة خلال محاكمته عام 1974م ؛ لأن الضحية كاثلين هام لم ترَ وجهه على الإطلاق وقالت أنها لا يمكنها التعرف عليه ، وهو يواجه الأن عقوبة تصل إلى السجن 50 عاماً على الاغتصاب والسرقة ، وتابعت المجني عليها قولها إنها لاتشعر أنها موصومة حيث أنها مصدومة نوعاً ما، ولأن الحامض النووي لم يتلاش وبأنه لا يكذب ، فقد حاول مايكل روبن محامى الدفاع تقويض مصداقية فحوص مركز نيويورك الطبي الذي أخذ إختبارات الحامض النووي ، وقال للمحلفين " لا يمكنكم حقاً التعويل على المختبر الذي استُخدم لإجراء اختبارات الحامض النووي " ، وقال عضو في هيئة المحلفين : أنه تم التوصل إلى الإدانة في أقل من ساعتين وبعد الموافقة في تصويت واحد بالإجماع. وقال روبرت مورجنتا و مدعى المقاطعة " الضحية لا تنسى أبداً الجريمة ، والجاني يجب ألا يسمح له بأن يتصور أنه حر في الوطن لمجرد مرور الزمن.
كما ُ أدين وليامز الذي يستعير عدة أسماء باغتصاب امرأة أخرى أيضاً في عام 1974م ، إلا أن ذلك الحكم ُأسقط لأن أجزاء من روايته للشرطة تحولت خطأ إلى دليل.ومع تعليق الحكم في القضيتين غادر وليامز نيويورك ولم يستدل على مكانه حتى عام 2004م، حينما حاول شراء بندقية في جورجيا ، وخضع لفحص سجله العائلي، وقد نبه ذلك سلطات نيويورك التي تسلمته، وقد نجم عن فحص ملف القضية وجود السروال الداخلي الذي كانت ترتديه " هام " عقب تعرضها للاغتصاب، مما سمح للمحققين استخراج عينة من الحامض النووي من آثار السائل المنوي له.
وقد طابقت عينة الحامض النووي عينات ُأخذت من تسعة اعتداءات جنسية لم ُيفصل فيها في ماريلاند واعتداءين في نيوجيرسى ، حيث ترى سلطات ماريلاند أنها قد تكون مرتبطة بإحدى وعشرين جريمة ارتكبها " مغتصب الربيع الفضي " وفقاً لما يرويه البعض