المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حيثيات حكم قتل عمد صادر من مملكة البحرين


محمد ابراهيم البادي
04-11-2010, 07:59 PM
باسم صاحب الجلالة ملك مملكة البحرين
الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة
بالجلسة المنعقدة بمحكمة الاستئناف العليا الجنائية – الغرفة الأولى -
بتاريخ ----
برئاسـة الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة رئيس المحكمة
وعضوية المستشار صلاح الدين عبد السميع وكيل المحكمة
وعضوية المستشار ثروت طه القاضي بالمحكمة
وبحضور أمين السر محمد الشنو
صدر الحكم التالي
في الاستئناف: -------
في الدعوى: -----
المستأنف:------ ضد النيابة العامة.
عنوانـــه:------
ضـــــــــــــــــــــــــــــد
المستأنف:النيابة العامة ضد ----
بعد الإطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص وبعد سماع المرافعة والمداولة:
أسندت النيابة العامة إلى المتهم / ----: المستأنف في الاستئناف رقم --- لسنة ----. انه في يوم ---- بدائرة امن منطقة ---
1- قتل عمدا. مع سبق الإصرار / ---- بان بيت النية وعقد العزم على قتله, واستدرجه إلى مكان الواقعة, وجهز سلاحه الغير مرخص له به, وما أن ظفر به حتى أطلق عليه عيارا ناريا, قاصدا قتله, فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته.
2- حاز وأحرز سلاح بغير ترخيص سلاحا ناريا ((مسدس ))
3- حاز وأحرز بقصد التعاطي. موادا مخدره. مورفين وحشيش. في غير الأحوال المصرح بها قانونا.
وطلبت معاقبته بمقتضى حكم المادة 333 من قانون العقوبات, والمواد 7/1 بند أ , 11 , 18 /2 , 4 من المرسوم بقانون رقم 16 لسنة 1976 , والمواد 1 , 2 , 24 / 1 , 27 من المرسوم بقانون رقم 4 لسنة 1973 المعدل والجدول رقم 1 الملحق به .
ومحكمة أول درجة بجلسة ---- حكمت حضوريا بمعاقبة المتهم. المستأنف. بالسجن المؤبد عما اسند إليه في التهم الأولى والثانية والثالثة, وبمعاقبته لمدة سنة واحدة وتغريمه ألف دينار عما اسند إليه في التهمة الرابعة وأمرت بمصادرة السلاح والذخيرة المضبوطة.
طعنت النيابة العامة في الحكم المتقدم بالاستئناف رقم ---- لسنة ----بتاريخ ---- بطلب:
الحكم بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بتصحيح الحكم المستأنف والقضاء بعقوبة الاعدام, وتنعي المستأنفة على الحكم المتقدم بالقصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق قولا منها بتوافر ظرف سبق الإصرار لدى المتهم باستفزازه المجني عليه لإخراجه من منطقته ومن بين ذويه وهو ما حدث بالفعل حيث تبعه المجني عليه وسار بعيدا حتى انفرد به المتهم وسبقه بسيارته, وإذ نزل المجني عليه من سيارته واتجه صوب المتهم وأطلق عليه عيارا ناريا في صدره قاصدا قتله فاردا قتيلا بما يتوافر معه سبق الإصرار ولا سيما وان الفترة الزمنية التي انقضت بين المشادة الكلامية وبين وصلهما إلى المكان الذي وقعت فيه الجريمة كانت كافية تماما لان يهدا نفسيا ويفكر في الأمر بترو وهو ما فعله المتهم.. الأمر الذي خلصت معه النيابة العامة. المستأنفة. إلى طلب القضاء بما سبق بيانه.
كما طعن المحكوم عليه في الحكم المتقدم بالاستئناف الرقم --- لسنة --- في ---- والدفاع الحاضر معه قدم مذكرة خلص فيها إلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءة المتهم مما اسند إليه, وتعديل القيد والوصف إلى جعله ضربا مفضي إلى موت.. واحتياطيا استعمال الرأفة مع المتهم قولا منه بأنه إذ كان تحت تأثير المخدر وهو ما تنقطع به الأوراق ومن ثم ينتفي القصد الخاص اللازم توافره في جريمة القتل وهو ((نية إزهاق الروح)) ومن ثم يكون القدر المتيقن في حق المتهم هو انه ارتكب جريمة ضرب أفضى إلى موت. فضلا عن مكان إطلاق الرصاصة لم يكن في مقتل بما تنتفي معه نية القتل، كما دفع بعدم توافر ظرف سبق الإصرار لدى المتهم لأنه كان في حالة من الغضب الشديد بسبب ما وقع من شجار بينه وبين المجني عليه، و بتوافر عنصر الاستفزاز الذي جاء من جانب المجني عليه مما افقد المتهم سيطرته على أعصابه وهو عذر يخفف العقوبة الأمر الذي خلص معه المتهم إلى طلب القضاء بما سبق بيانه.
نظرت المحكمة الاستئنافين على النحو المبين بمحاضر الجلسات وقررت النطق بالحكم فيهما بجلسة اليوم.
وحيث أن الاستئنافين أقيما في الميعاد المحدد وقد حاز كل منهما أوضاعه المقررة قانونا ومن ثم فهما مقبولان شكلا.
وحيث انه عن موضوع الاستئنافين فلما كانت الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها ضميرها وارتاح لها وجدانها.
تتحصل في انه بتاريخ---- وأثناء مرور المتهم بالقرب من " --------، خرج المجني عليه بسيارته على مساره مما سبب غضبه فحدثت مشادة بينهما تجمع على أثرها عدة أشخاص، ولما ذكر لهم المتهم أنهم جميعا قد تجمعوا له بالتعدي عليه حال كونه بمفرده، قرر له المجني عليه انه على استعداد للذهاب معه حيثما كان، ثم استقل المتهم السيارة وقرر لمرافقيه بأنه سيريهما ماذا يفعل بالمجني عليه وتبعه الأخير بسيارته، ثم تجاوزه واخذ باستعمال المكابح لاستفزاز المتهم وإذ تمكن المتهم من تجاوز المجني عليه ووقف بصورة مفاجئة أمامه مما اجبر المجني عليه على التوقف، وقام بفتح نافذة السيارة وسب المجني عليه، فنزل الأخير من سيارته ومشى بسرعة في اتجاه المتهم الذي كان يجلس على مقعد القيادة وما أن أصبحت المسافة حوالي نصف المتر قام المتهم بإخراج سلاح ناري غير مرخص له بحمله وأطلق منه عيارا ناريا على المجني عليه بقصد قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته.
وحيث أن الواقعة على النحو السالف بيانه قد قام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهم أخذا باعترافه في التحقيقات، ومن شهادة كل من ----، ---- والنقيب ----، ---- و----، و----و---- بالتحقيقات وما ثبت من كل من تقرير الصفة التشريحية وتقرير مختبر البحث الجنائي، وذلك على النحو المبين بأسباب الحكم المستأنف والذي تحيل إليه المحكمة في هذا الشأن.
وحيث عن الاستئناف رقم ---- لسنة ---- المقام من النيابة العامة والذي تنعى فيه على الحكم المستأنف بالقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق قولا منها بتوافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهم على النحو المبين سلفا فمردود بداءة بما تضمنته أسباب الحكم المستأنف في هذا الشأن تفصيلا وهو ما تحيل إليه هذه المحكمة والتي خلصت أيضا أن جريمة القتل التي ارتكبها المتهم كانت وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج المتهم عن طوره فأطلق عياره الناري قبل الخلود إلى التروي والتفكير المطمئن فيم هو مقدم عليه.. وهو ما تخلص معه هذه المحكمة إلى تأييد الحكم المستأنف فيما خلص إليه في هذا الشأن من عدم توافر ظرف سبق الإصرار وهو ما استنتجته المحكمة كمحكمة موضوع من ظروف الدعوى وملابستها الأمر الذي يكون معه هذا الاستئناف في غير محله إذ الأمر في النهاية مرجعه إلى قاضي الموضوع- ومن ثم أضحى هذا الاستئناف خليقا بالرفض.
وحيث أن الاستئناف رقم ---- لسنة ---- المقام من المتهم وإذ ينعى المستأنف على الحكم المستأنف بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه بمقولة انه كان تحت تأثير مخدر ومن ثم ينتفي لديه القصد الخاص- نية إزهاق الروح- ومن ثم يكون القدر المتيقن في حقه هو جريمة ضرب أفضى إلى موت- فمردود بأنه لما كان الحكم المستأنف قد خلص صائبا إلى توافر نية القتل لدى المتهم على النحو المبين بأسبابه والتي تحيل إليها هذه المحكمة وإذ جرى نص المادة 34/1 من قانون العقوبات على انه " لا مسئولية على الشخص إذا كان فقد الإدراك وقت اقتراف الفعل راجعا إلى حالة سكر أو تخدير ناتجة عن مواد مسكرة أعطيت له قهرا عنه أو أخذها على غير علم منه، فان كان ذلك باختياره وعلمه عوقب كما لو كان الفعل قد وقع منه بغير سكر أو تخدير.
لما كان ذلك وكان المتهم هو من تناول المخدر بإرادته ومن ثم فان جريمة القتل التي ارتكبها تتحقق بها مسئوليته كما لو كانت قد ارتكبت بغير سكر أو تخدير ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا المنحى غير سديد.
وحيث كان ما تقدم وإذ خلص الحكم المستأنف – صائبا – إلى إدانة المتهم وأقام قضاءه على أسباب سائغة تأخذ بها هذه المحكمة مع هذه الأسباب وإذ خلت أسباب الاستئناف في ضوء ما تقدم مما ينال من الحكم المستأنف الأمر الذي تقضي معه المحكمة برفض الاستئناف.
وحيث انه في مجال تقدير العقوبة فان المحكمة تقضي بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للتهم الأولى والثانية الثالثة بجعل العقوبة السجن لمدة خمس عشرة سنة بدلا من السجن المؤبد عن التهم الثلاث سالفة البيان، وتأييد الحكم فيما عدا ذلك على النحو المبين بمنطوق الحكم.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة أولا: بقبول الاستئنافين شكلا.
ثانيا: في موضوع الاستئناف رقم ---- لسنة ---- المقام من النيابة العامة برفضه.
ثالثا: في موضوع الاستئناف رقم ---- لسنة ---- المقام من المتهم بتعديل الحكم المستأنف بمعاقبة المتهم / ----- بالسجن لمدة خمس عشرة سنة عن التهم الأولى والثانية والثالثة وتأييده فيما عدا ذلك.

عقد القانون
04-11-2010, 11:23 PM
ألف شكر أخوي البادي ..

جهد جميل تشكر عليه ..

محمد ابراهيم البادي
04-12-2010, 01:31 PM
الف شكر لسموك استاذة

hmoud
05-09-2010, 05:19 PM
مساهمة ممكن تستفيدوا منها اصدقائي

القتل العمد
قتل الزوج لزوجتة عند مفاجأته مع شركها بجريمة الزنا
عناصر العقاب على القتل العمد.
تعاقب اغلب التشريعات على جريمة القتل العمد بصورتها البسيطة بالسجن المؤبد ، والواضح ان هذة العقوبة ذات حد واحد مما يؤدي الى التقييد من سلطة القاضي بحيث لايبقى امامه الا النزول في تخفيف العقوبة طبقا لما يراه من ملابسات ارتكاب الجريمة او درجة اجرام المتهم او حالة تمتع الجاني بهذة الظروف ، فيقوم بتخفيف العقوبة للسجن الى عشر سنين .
ولما كان القتل العمد جريمة جنائية كان ثمة عقوبات إضافية تطبق على مرتكبها إما بصفة وجوبية أو اختيارية ،هذا ويلاحظ أن جرائم القتل العمد لا تثير لدى الرأي العام درجة واحدة من الاستهجان، فإذا كان بعضها مما يهتز له الشعور العام بقوة ويبدي بشأنه مزيدا من السخط والتقزز واعتبارا لما صاحب الجريمة من ملابسات تفصح عن مدى استفحال الجريمة لدى الفاعل أو بالنظر إلى الصفة الوحشية للوسائل المستعملة في التنفيذ مثله فإن بعضها الأخر في ظروف ينم تحليلها عن خضوع الفاعل لقوى معينة دفعته إلى الجريمة دفعا مما يستدعي التخفيف من مسؤوليته .
وأمام هذا الاختلاف البين في الحالات المعروضة لا يجد المشرع الوضعي بدا من تنويع الجزاءات المستحقة وفق ما يقتضيه مبدأ تفريد العقاب .
وهكذا وتطبيقا لهذا المبدأ فقد نص المشرع في حالات محددة من القتل العمد على بعض الأعذار القانونية المخففة يترتب عن توافر شروط تطبيقها تقرير عقوبة أخف من السجن المؤبد كما نص في حالات أخرى على بعض الظروف المشددة ترفع بها العقوبة من السجن المؤبد إلى الإعدام.

المطلب الأول : الظروف المشددة في القتل العمد.

قد تقترن جريمة القتل العمد بإحدى ظروف التشديد فتشدد تبعا لذلك العقوبة فتكون هي الإعدام وليس السجن المؤبد. وترجع أسباب هذا التشديد إما إلى اقتران القتل العمد بجناية أو ارتباط القتل بجناية أو جنحة وقد يرجع هذا التشديد إلى نفسـية الجـاني وقصده ونعني به سبق الإصـرار وقد يرجع هذا التشديد إلى نفسية الجاني وقصده ونعني به سبق الإصرار وقد يتعلق بكيفية تنفيذ القتل ويندرج في هذا النوع الترصد والتسميم كما قد يرجع هذا التشديد إلى صفة المجني عليه : قتل الأصول وقتل الأطفال الذين يقل سنهم عن الثانية عشرة بالضرب أو الجرح أو العنف أو الإيذاء أو يتعمد حرمانهم من التغذية أو العناية
الفقرة الأولى : اقتران القتل بجناية . concomitance du meurte avec
un crime.
عاقب المشرع بالسجن المؤبد القاتل عمدا إلا أنه شدد عليه العقوبة في نفس الفصول إذا أقرنه بجناية حيث قال ” لكن يعاقب بالإعدام في الحالتين الآتيتين:
إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى … ”
وحالة اقتران القتل العمد بجناية والتي قرر لها المشرع عقوبة الإعدام – تشكل في الحقيقة استثناء من الأحكام العامة في تعدد الجرائم والتي يقضي الجاني في هذه الحالة بالعقوبة المقررة للجناية الأشد وعلة تشديد هذا الظرف تبدو جلية فالشخص الذي لا يتورع عن ارتكاب جريمتين خطيرتين خلال فترة زمنية محدودة يكشف بذلك عن شخصية إجرامية خطيرة لا تبالي بارتكاب أشد الجرائم خطورة خلال وقت قصير .
ولكي تشدد عقوبة جريمة القتل العمد في هذه الحالة ينبغي أن يقترن القتل العمد المرتكب من طرف الجاني بجناية الاقتران معناه المصاحبة الزمنية (الاقتران الزمني) بين ارتكاب الجاني للقتل العمد وارتكابه لجناية أخرى سواء قبل إنجاز القتل أو أثناءه أو بعده.
وتقتضي المصاحبة الزمنية توفر رابطة زمنية بين جريمة القتل العمد والجناية الأخرى التي اقترنت بها وتطلب هذه الرابطة الزمنية يتفق وعلة تغليظ العقاب في هذه الحالة لأن إقدام الجاني على اقتراف جريمتين في فترة قصيرة من الزمن إنما يدل على انحراف واضح في السلوك وخطورة مؤكدة على سلامة التعايش الاجتماعي.لم يحدد القانون طول الفترة الزمنية لذلك فإن تقديرها متروك لقاضي الموضوع غير أن المنطق يقتضينا القول بأنه كلما كان تقارب في الزمن بين القتل والجناية فإن الاقتران يكون أوضح وكلما بعد الزمن بينهما كان هناك شكوك حول
عرافة الفاعل في الإجرام الخطير وقامت قرينة بسيطة على العكس
ومادام النص يشترط اقتران القتل العمد بجناية أخرى فلا بد أن ترتكب جناية القتل العمد مستوفية لأركانها وعناصرها القانونية ثم أن يقترن هذا القتل بجناية أخرى وهذا هو مناط التشديد وأن تكون هذه الجناية مستقلة عن القتل العمد في جميع أركانها فلو ارتكبت جناية خطف قاصر عمدا شددت عقوبته إلى الإعدام لأن خطف قاصر يصبح بالنسبة للقتل سببا مشددا .
ولكن إذا كان الفعل نفسه يقع تحت نصين فإن الجناية المقارنة لا تعتبر مستقلة ولذلك لا تشدد عقوبة القتل فلو أطلق الجاني النار على شخص وهو ينوي قتله فأخطأه وأصاب شخصا بجواره فقتله فإن الفاعل يكون هنا في حالة اجتماع جرائم معنوية لا في حالة اقتراف جناية بقتل عمد .
والقانون استعمل عبارة ” جناية أخرى ” دون أن يحدد نوع هذه الجناية فيستوي أن تتعلق هذه الجناية بجرائم الاعتداء على الأشخاص (كمحاولة القتل مثلا أو الإيذاء العمدي المفضي إلى عاهة دائمة…) أو بالجرائم الماسة بالأموال (كالسرقة المشددة مثلا أو بجرائم المساس بأمن الدولة أو الإخلال بالثقة العامة ،كتزوير المحررات الرسمية من قبل الموظف العمومي ومن في حكمه …)
ويثور في هذا الصدد تساؤل عن الحل الواجب في ما إذا كانت عقوبة الجنائية التي اقترنت بالقتل العمد قد خففت إلى عقوبة جنحية فهل نعتبر في هذه الحالة الجرمية التي خفف عقابها جناية أم جنحة فقط في تطبيق الفصل
والجواب أنه إذا كان التخفيف لظرف من الظروف القضائية المخففة المتروكة لرأي القاضي فإن طبيعة الجريمة لا تتبدل وبالتالي تظل هذه الجناية جناية ولو خففت عقوبتها و لذلك تظل سببا مشددا للقتل العمد ولكن إذا كان التخفيف ناشئا عن عذر معف أو عذر مخفض فإن طبيعة الجناية تتبدل فلا تعود جريمة معاقبة أو تصبح جنحة.ولذلك لا تظل معتبرة ظرفا مشددا وهذا الرأي مستنتج أيضا من نص الفصل ومن هذه الأعذار القانونية المخففة عذر الاستفزاز وحداثة السن وأما فقدان الإدراك والإرادة وقت الفعل فعذر معف من المسؤولية ولكن ضعفهما يوجب المسؤولية الناقصة . وتتحقق مسؤولية القاتل الذي اقترن قتله بجناية إذا كان مساهما في القتل ومشاركا في الجناية أو كان مشاركا في القتل ومساهما في الجناية فليس مهما إذن أن يكون هو الذي باشر القتل العمد بل المهم أن تتحقق مسؤوليته في مساهمته بأي وصف كان .
والخلاصة أن الذي يرتكب جناية من الجنايات هو مجرم لا يخلو من نظر فإذا ارتكب جناية قتل عمد فإنه يعطي الدليل على شدة خطره لذلك رأى الشارع أن يخلص المجتمع منه نهائيا .
الفقرة الثانية: ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة.
Corrélation du meurtre avec un crime ou un délit
نص المشرع على سبب التشديد هذا . إذا كان الغرض منه –أي من القتل العمد –إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها أو تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من العقوبة ”
.أن الجاني لا يرتكب القتل لذاته وإنما يفارقه تحقيقا لغرض إجرامي أخر كأن يقتل الجاني المجني عليه في السرقة ليتمكن من الفرار بالمسروقات أو يقضي على من يشاهده يرتكب السرقة كي يتخلص من شاهد إثبات ضده.وأساس التشديد في هذه الحالة هو اعتبار المشرع أن الجاني الذي لا لايقف إجرامه عند جناية القتل بل يتركب إلى جوارها جريمة أخرى إنما يدل على نفسية خطرة ينبغي أن يهدد بالإعدام حتى يرتدع فإن لم يرتدع فلا مفر التخلص منه كما ترجع علة التشديد إلى دناءة الغاية التي من أجلها ارتكب جناية القتل العمد :إن القتل المرتبط بجناية أو جنحة أي المرتكب تمهيدا لها أو تسهيلا لفرار أحد المساهمين فيها أو الحيلولة بينهم وبين العقاب لا يكون مقصودا لذاته وإنما باعتباره وسيلة لارتكاب جريمة أو الخلاص من عقوبتها وفي ذلك ولاشك استخفاف بأرواح العباد واستهتار بالقيم المختلفة التي يتعرض لها الجاني بفعله.
ويمكن تلخيص هذه الشروط في ما يلي :
- أن يتم ارتكاب جناية القتل العمد بأركانها وعناصرها كاملة كما سبق عرضها في مبحث سابق .
- أن يستهدف الجاني بهذا القتل تحقيق إحدى الغايات المنصوص عليها قانونا على سبيل الحصر وهي اتباعا:
+الإعداد والتحضير لارتكاب جناية أو جنحة أيا كنت.
+ تسهيل ارتكاب جناية أو جنحة : ويكون باتخاذ الأسباب التي تضع الفاعل في ظروف ملائمة تجعل ارتكاب ميسورا ولكنه لم يدخل بعد في مباشرة التنفيذ وهكذا يبدو واضحا أن التسهيل قريب جدا من الأعداد لأنهما مرحلتان سابقتان لتنفيذ الجريمة الثانية كمن يقتل حارس مرآب للسيارات بقصد تسهيل سرقة السيارات.
+إتمام تنفيذ الجناية أو الجنحة: يعني أن الفعل باشر تنفيذ الجناية أو الجنحة و لكنه تعثر فلم يار بدا من القتل والمثال على ذلك أن يشرع الجاني في سرقة متجر ليلا فيداهمه صاحبه أو أي شخص أخر فيقتله ويتم السرقة.
+تسهيل قرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من المسؤولية الجنائية : وتفترض هذه الصورة أن الجناة ألقوا تنفيذ الجناية أو الجنحة فلو ارتكب شخص أو أشخاص جريمة أخلاقية وحضـروا له المجنـي عليه بعد أن علم بمكان اختطافه وكان مسلحا فلم يتمكن الجناة من الفرار فقام واحد منهم أو شخص لا علاقة له بالجريمة الأخلاقية وقتله فإنه يعاقب عقوبة مشددة لأنه ينوي تسهيل فرار الجناة .
أما تخليصهم من العقوبة فيكون على الأغلب بطمس معالم الجريمة كقتل الشاهد أو إحراق الفتاة التي اعتدي على عفافها ابن القاتل مثلا حتى لا يكشف الطبيب الشرعي أدلة الجناية.
وعموما فإن ظرف الارتباط لا يتحقق إلا إذا اتخذ الجاني القتل وسيلة لتحقيق إحدى هذه الغايات فإذا لم يقم هذا الارتباط الذهني-بين القتل والجريمة الأخرى-في ذهن الجاني فلا يتحقق هذا الظرف المشدد فلو ارتكب الجاني مثلا الجناية أو الجنحة ثم اقترف القتل بعد ذلك فلا يقوم ظرف الارتباط لأن القتل هنا ليس وسيلة وإنما هدف بحد ذاته وإن كان يمكن تحقق ظرف تشديد أخر إذا توافرت عناصره وشروطه كظرف الاقتران مثلا إذا كانت الجريمة الأخرى المقترنة بالقتل تكون جناية في نظر القانون.
وعلى هذا يكون هذا الظرف المشدد سببا شخصيا لأنه متعلق بهدف الفاعل وعلمه لذلك لا تشدد عقوبة الشركاء الذين ساهموا وشاركوا في القتل إذا لم يكونوا بأنه كان ينوي من القتل الوصول إلى ارتكاب الجناية أو الجنحة حتى ولو ارتكبت بحضورهم أو بمساهمتهم .
الفقرة الثالثة : سبق الإصرار Préméditation
شدد المشرع عقوبة القتل العمد إذا كان مرفوقا بظرف سبق الإصرار وعرف هذا الأخير سبق الإصرار هو العزم المصمم عليه قبل وقوع الجريمة على الاعتداء على شخص معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف حتى ولو كان هذا العزم معلق على ظرف أو شر ط :”
ومن خلال التعريف السابق يظهر الفرق الجلي بين القتل العمد البسيط وبين القتل العمل المقترن بسبق الإصرار ، هو أن القاتل العمد يرتكب جريمة فور تقريره ارتكابها كان يكون في ساعة غيظ فيثور من خبر مؤلم أو من تصرف يؤذيه فيهاجم ضحيته ويقتله أما القتل مع الإصرار فإن القاتل يفكر وأعصابه هادئة ويستقر رأيه بعد تردد أو بدوم تردد ويزن النتائج ويتخذ قراره بالقتل ويبدأ بإعداد العدة له ثم ينفذه فعلا فالأول ضعيف الإرادة مندفع أما الثاني فذو عزيمة لا تلين وإجرام متأصل من نفسه، ولذلك كان خطره أشد على المجتمع فعاقبه الشارع بالإعدام ليتلخص منه نهائيا ويرد على إصراره بعقوبة جريمته .
أي أنه لكي يتوافر هذا الظرف يلزم تحقق عنصرين أولهما نفسي – في الجاني – والآخر زمني وينصرف إلى المدة التي يتخذ فيها العزم والتصميم على الجريمة واقترانها بالفعل.
والمقصود بالعنصر النفسي أن الجاني فكر في مشروعه الإجرامي بهدوء أعصاب و روية وقدر العواقب التي تنجم عن إتيانه لهذا المشروع ورضاه بتحمل نتائج فعلته لينتهي بعد هذا التفكير والتقدير للعواقب والرضا بتحمل النتائج إلى العزم على تنفيذ مشروعه الإجرامي المتمثل في إزهاق روح الضحية.
أما بالنسبة للعنصر الزمني فهو مرور فترة ما من الزمن بين التصميم والتنفيذ وهذه المدة هي الدليل على رسوخ التصميم في نفس القاتل وبدونها لا يمكن الحكم مطلقا بوجود الإصرار، لقد اكتفى المشرع باستعمال عبارة” العزم المصمم عليه قبل وقوع الجريمة”، ومن هنا فإنه لا أهمية لطول هذه المدة أو قصرها وقد ترك حل موضوع الإصرار للقاضي الذي ينظر في الدعوى واعتمد على حسن إحاطته بالوقائع ليستخلص منها وجود الإصرار أو عدمه والمهم أن يتحقق القاضي أن هذا الشخص قد فكر بهدوء، وروية حين اتخذ قراره ومرت فترة من الوقت على هذا القرار وكانت كافية لخلاصه من الهياج الذي ينتاب القاتل العمد الذي لا يستطيع أن يتروى فيما هو مقدم عليه ، ” .
وفي الأخير يجب الإشارة إلى أن سبق الإصرار ظرف ذاتي أو شخصي ومن تم فلا يسري إلا على من توفر فيه من الجناة –مساهمين كانوا أم شركاء – حيث لا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف أو إعفاء من العقوبة إلا بالنسبة لمن تتوافر فيه ” وعليه فلو توافر ظرف الإصرار عند أحد الجناة في القتل دون غيره من المساهمين أو المشاركين فإنه يعاقب وحده بالإعدام أما الباقون فتطبق في حقهم عقوبة السجن المؤبد هذا ما لم يتوافر لأحد المساهمين أو المشاركين شخصي العزم المصمم عليه على ارتكاب القتل حين تطبق في حقه عقوبة الإعدام بدوره حتى ولو نفذ واقعة القتل على أحدهم فقط .
الفقرة الرابعة: الترصد.
:” الترصد هو التربص فترة طويلة أو قصيرة في مكان واحد أو أمكنة مختلفة بشخص قصد قتله أو ارتكاب العنف ضده”
لقد شدد المشرع العقاب في حالة الترصد لكونه وسيلة تسهل للجاني تنفيذ جريمته غيلة وغدرا وفي غفلة من المجني عليه حيث يفاجئه فيفتك به ويغتاله بغثة دون أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه فما يدل على خطورة شخصية الجاني ودناءة فعله فهو يتخير الظروف الملائمة لتنفيذ جريمته ويجبن عن مواجهة غريمه ويفضل طعنه من الخلف في نذالة وجبن .
وبناءا على التعريف السابق فإن الترصد يقوم على عنصرين هما : عنصر مكاني وعنصر زمني .
-عنصر مكاني : وهو يتحقق قانون يتربص الجاني بهدف القضاء على المجني عليه في مكان واحد أو عدة أمكنة . وذلك أنه قد يفلت –أي المجني عليه- من الجاني المتربص به بالمكان الأول فينتقل هذا الأخير لمكان آخر بقصد الإجهاز على المعني عليه وهكذا ….
والمكان ورد في النص مطلقا ولذلك يستوي فيه أن يكون ظاهرا كالطريق العام أو السوق أو غير ظاهر كالاختباء وراء الشجرة أو حائط المهم هو أن يقبع الجاني في أي مكان كان انفرد هذا الأخير وتعدد بقصد إزهاق روح المجني عليه لكي يتحقق ظرف الترصد .
فإذا كان الوضع العادي للمترصد هو الاختباء والتستر إلا أن ذلك ليس أمرا لازما. ولذلك يعتبر الجاني مترصدا إذا وقف في طريق الضحية مخفيا سلاحه ورآه هذا الأخير من بعيد ولكن دون أن يبدو ومنه ما ينبئ عن التهيؤ للعدوان ولما اقترب منه باغته بسلاحه وقتله .
وعنصر زمني: ويعني انقضاء فترة من الزمن والجاني ينتظر أن تسمح له الفرصة بقتل الضحية وهذه الفترة لم يحددها المشرع بزمن محدد . حيث المهم هو أن تمر مدة قد تطول كما قد تقصر والجاني ينتظر الفرصة كمرور المجني عليه أو خروجه من داره أو من إدارة أو مغادرته لحقل … الخ لينفذ مشروعه الإجرامي.
وعموما فإن الترصد واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بتقديرها واستخلاص عناصرها في ضوء كل قضية على حدة، وفق ظروفها وملابساتها.
بيد أن تكييف الوقائع وما إن كانت تشكل ترصدا أم لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى الذي يتحقق من توافر عناصر الترصد القانونية.
مقارنة بين الترصد وسبق الإصرار.
إن الترصد بطبيعته يعتبر من الظروف العينية فهو يتعلق بماديات الجريمة وكيفية تنفيذها ويستخلص من الوضعية المكانية للجاني-المتربص- أثناء تهيئة لتنفيذ الاعتداء وبالتالي فهو يسري على جميع المساهمين والمشاركين ولو كانوا يجهلونه وهو في هذا يختلف عن سبق الإصرار الذي يعد ظرفا شخصيا لا شأن له بكيفية تنفيذ الجريمة.
وترتيبا لذلك فإن الترصد يعد ظرفا ماديا تتحقق به المحاولة حيث يهدف مباشرة إلى ارتكاب الجريمة في حين لا تتصور المحاولة في نطاق ظرف سبق الإصرار لأنه عمل ذهني صرف لا وجود له في العالم الخارجي.
وفي الحياة التطبيقية لا يكاد يتحقق الترصد دون أن يتضمن عناصر سبق الإصرار لأن التربص يكون عادة بعد فترة من تقرير الاعتداء فيتحقق بذلك سبق الإصرار ومع ذلك فإنه قد يحدث أن يوجد الترصد دون سبق الإصرار .
وبصفة عامة فإن الترصد يتحقق وحده دون سبق الإصرار في جميع الحالات التي تقصر فيها فترة التربص الذي يقوم بها الجاني فور تقريره للاعتداء إذ في هذه الحالات لا تكفي الفترة القصيرة الفاصلة بين تقرير الاعتداء وبين تنفيذه
إضافة إلى هذا الارتباط الغالب بين الظرفين في الوقائع العملية يجتمعان كذلك في كونهما ظرفين للتشديد ف جرائم الاعتداء على الأشخاص عموما أي في القتل العمد وفي جرائم الضرب والجرح والعنف والإيذاء العمديين.
الفقرة الخامسة : قتل الأصول .
نص المشرع على جريمة قتل الأصول بقوله من قتل عمدا أحد أصوله يعاقب بالإعدام “.
ويلاحظ في البداية أن بعض القوانين تعاقب قاتل فروعه بنفس العقوبة كالقانون السوري والقانون اللبناني وبعض القوانين لا تنص على اعتبار قتل الأصول أو الفروع من الظروف المشددة لجريمة القتل العمد كالقانون المصري .
إن معاملة الأصول وعلى الأخص الأبوين بالإحسان من الأحكام التي اتفقت الشرائع السماوية والأنظمة الاجتماعية على الأخذ بها وفي القرآن الكريم أكثر من الآيات تفرض معاملة الأبوين بالمعروف قال تعالى :{ وقضى ربك ألا تعبد إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهر هما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغير } .
إن الوالدين هما اللذان يبدأن بالإحسان مع الولد بالعناية به والسهر على تربيته، ومعيشته فوجب أن يقابلهما بنفس المعاملة بعد كبره والاستقلال بنفسه وإذا حاد عن هذا السلوك الواجب عليه. وتجاوز ذلك إلى تعمد قتلهما وإزهاق روحهما فلا جدال أنه يعتبر عاقا وجاحدا لما أسدياه إليه من معروف واستحق عقوبة الإعدام لأن من تنكر لأبويه وداس بتصرفه الأحمق عاطفة الأبوة والأمومة لا ينتظر منه خير للمجتمع ويكشف سلوكه هذا عن تحجر مشاعره فكأنه ذلك المجرم الذي تطلق عليه المدرسة الوضيعة اسم ” المجرم الطبيعي” لا يرجى له علاج ولا سبيل لوقاية المجتمع من خطره إلا إعدامه.
والمقصود بالأصول في القانون المغربي الأب والجد وإن علا والأم والجدة وإن علت ويشترط في هذه القرابة أن تكون شرعية من جهة الأب، أما من جهة الأم فيكفي فيها القرابة الطبيعية لذلك بحيث سوت بين الأمومة الشرعية للأم بأمومتها الطبيعية خلاف للأب وهكذا فإن من يقتل أمه غير الشرعية الطبيعية يعاقب بالإعدام في حين أن من قتل أباه غير الشرعي بالتبني مثلا- أو أحد أصوله يعاقب بالسجن المؤبد وليس بالإعدام وطبقا للقواعد العامة وللرأي السائد في الفقه بالنسبة للجهل بظروف التشديد فإن الولد لا يتعارض لتشديد العقوبة إلا إذا كان عالما بظرف التشديد أي علاقة النسب فإذا كان يجهل أن الضحية من أصوله عوقب على القتل العمد لا غير لا يؤخذ بجناية قتل الأصول . وإذا أراد قتل الغير وأخطأ الهدف فقتل أحد أصوله خضع لعقوبة القتل العمد فقط لأنه لم تكن لديه نية إزهاق روح أحد أصوله ووجود هذه النية ضروري للمؤاخذة بجناية قتل الأصول .
إن ظرف التشديد في قتل أحد الأصول ظرف شخصي لأنه يتعلق بعلاقة النسب التي تربط القاتل بالقتيل ولا علاقة له بالواقائع المادية للجريمة وبناءا على ذلك لا يسري هذا الظرف إلا على من توفر فيه أي الذي تربطه بعلاقة الأبوة دون باقي المساهمين والمشاركين معه في الجريمة.

المطلب الثاني: الأعذار المخففة لعقوبة القتل العمد.
هناك حالات معينة تخفض فيها عقوبة القتل العمد العادية وذلك لبعض الاعتبارات التي استجاب لها أهم هذه الحالات:
+ قتل الأم لوليدها
+ القتل المرتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم
+ قتل الزوج لزوجته وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين بالخيانة الزوجية
+ القتل المرتكب نهارا لدفع تسلق أو كسر سور الحائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاتهما
وسنعرض للحالات الثلاث الأولى نظرا لأهميتها وخصوصياتها.
الفقرة الأولى : قتل الأم لوليدها.
تقضي المادة 397 ق.ج في فقرتها الثانية بأن : ” …. إلا أن الأم سواء كانت فاعله أصلية أو مشاركة في قتل وليدها تعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر ولا يطبق هذا النص على مشاركيها ولا على المساهمين معها”.
ان هذا العذر المخفف مقتبس من القانون الفرنسي الذي خص الأم بالتخفيف في حالة قتل وليدها اعتبارا للدفع الذي يكون عادة التستر على عرضها الذي دنسته بالحمل من سفاح فالأصل أن يتعلق القتل بالوليد غير الشرعي أما الولد الشرعي فمن غير المألوف أن تقدم الأم على قتل لأن عاطفة الأمومة أقوى من أي وازع إجرامي.
و تشريعات جنائية أخرى نصت على ذلك صراحة كالقانون الجنائي السوري الذي نص في المادة 537 على أنه : ” تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم اتقاء العار على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحا ولا تنقض العقوبة عن خمس سنوات إذا وقع الفعل عمدا”.
وقد تطورت النصوص التشريعية التي تعاقب على قتل الوليد –أو الطفل المولود حديثا – تطورا مهما فهي لم تكن في بادئ الأمر عملا تحرمه الأعراف أو تعاقب عليه الشرائح حيث كان الأطفال في المجتمعات البدائية القديمة يقتلون كما يقتل الشيوخ والعجزة تخلصا من أعبائهم وبعامل الفاقة والعوز الاقتصادي.
وقد عرف العرب في الجاهلية وأد البنات حتى جاء الإسلام فحرم هذه العادة السيئة الشنيعة وقد جاء القرآن الكريم مؤكدا لذلك :{ لا تقتلوا أولا دكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياكم وإن قتلهم كان خطئا كبيرا “.
شروط قيام هذا العذر:
المشرع خفف العقوبة على الأم فقط في حالة قتلها لطفلها الوليد دون غيرها كالجدة أو الأب … الخ ، ومن ثم وجب أن تقوم علاقة الأمومة الطبيعية بين الطفل والوليد والقاتلة وهذه العلاقة وحدها تكفي للتخفيف ولا حاجة إلا اشتراط أن يكون الوليد نتيجة علاقة زوجية شرعية ، وإن كان هذا نادرا الحدوث على المستوى الواقعي إذا أن عاطفة الأم أقوي من أن تقدم على فعل مشين كهذا.
لكن ما هي الفترة التي يعتبر فيها القتيل “وليدا” ؟
لم يتم تحديد الوقت الذي تبتدئ فيه مرحلة الوليد والوقت الذي تنتهي فيه.
فبالنسبة لوقت ابتدائها فالرأي السائد في الفقه يقول بانتهاء مرحلة ” الجنين” الذي تحميه النصوص المتعلقة بالإجهاض ببدء عوارض المخاض واستعداد الجنين للانفصال عن جسم أمه، وبناءا على ذلك يطبق على الأم إذا قتلت الوليد بعد أن أحسست بعوارض المخاض ولو لم يغادر رحمها بعد.
أما بالنسبة لوقت انتهاء مرحلة ” الوليد” فإن المشرع لم يحددها أيضا وترك الأمر لاجتهاد المحكمة فالمقصود بالوليد إذن الطفل الحديث الولادة الذي لم يمضي زمن طويل على ولادته حيث إذا مر زمن طويل فإن الأم تفقد التمتع بالعذر المخفف لأن الوليد بعد أن يمارس الحياة المستقلة عن جسم الأم فإنه يصبح طفلا.
وعلى العموم فإن مثل هذا التحديد – تحديد الفترة التي تمتد فيها مرحلة الوليد ينطوي على أهمية بالغة اعتبار الدقة وخطورة النتائج المترتبة عن ذلك ، ذلك أن العذر المخفف في حال قتل الأم لوليدها أو تطبيق الظرف المشدد بالنسبة لقتل ” الطفل ” حيث تطبق عقوبة الإعدام في هذه الحالة
ويعتبر عذر التخفيف المنصوص عليه في هو عذر خاص بالأم وبالتالي فهو عذر شخصي لا تستفيد منه إلا الأم دون باقي المساهمين أو المشاركين معها في قتل الوليد
الفقرة الثانية : القتل المرتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب
أو العنف .
قرر المشرع هذا العذر ان يتوفر عذر مخفف للعقوبة إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على شخص ما .
انطلاقا من هذا النص يتضح لنا أن علة التخفيف في حالة الاستفزاز تكمن في تلك الحالة التي يكون فيها الجاني تحت تأثير انفعال يفقده السيطرة العادية على نفسه فيندفع لارتكاب الجريمة تحت تأثير ذلك الأفعال وحتى يتوافر العذر المخفف للعقوبة لا بد من تحقيق نوعين من الشروط تتعلق بالاعتداء وشروط تتعلق برد الفعل .
أولا : الشروط المتطلبة في الاعتداء .
- أن يوجه الاعتداء ضد الجاني أو ضد شخص غيره .
لم يشترط القانون أن يكون الاعتداء موجها ضد شخص الجاني فقط، وإنما يستوي أن يكون الاعتداء موجه ضد شخص الجاني أو ضد أي شخص آخر، ذلك أن الإنسان كما يمكن أن يستفز من اعتداء موجه ضد شخصه. فيمكن أيضا أن يستفزه اعتداء موجه إلى شخص آخر حتى ولو لم تكن تربطه به أي علاقة إذ بلغ هذا الاعتداء درجة من الجسامة لم يكن لها مبرر . كما لو كان ضحية الضرب أو العنف طفلا صغيرا أو شيخا مسنا أو ذا عاهة.
- أن يكون الاعتداء بوسيلة معينة هي الضرب أو العنف الجسيم
لكي يقوم عذر الاستفزاز يتعين أن يصدر من المستفز ضرب أو عنف ” جسيم ” ضد الجاني القاتل أو ضد شخص آخر.
والضرب يعني المساس الجسد وقد يكون ذلك باليد أو الرجل أو بعصا أو غير ذلك ومن باب أولى يتحقق الاعتداء بالجرح، أما العنف فيتسع لصور عديدة من السلوك التي تمس جسد الإنسان كتقيده أو جبسه في مكان معين أو محاولة إجباره على سلوك لا يريد أن يأتيه وقد حاول القضاء الفرنسي تفسير الضرب والعنف تفسيرا واسعا حتى يشمل كل أنواع الإيذاء والتهديد و محاولة التعدي على الشرف والعرض ذلك أنه في الحياة العملية كثيرا ما تعرض وقائع وتصرفات بعيدة عن الضرب والجرح ومع ذلك تحدث من الغضب والهيجان في نفس من توجه إليه مالا يحدث الضرب أو العنف كأعمال التحرش المرفقة بعبارات التحقير والإهانة التي يقوم بها المستفز أمام العموم . ولكن ما هو معيار الجسامة في هذه الحالة؟ يعتقد بعض الفقه أن هذه المسألة تحددها محكمة الموضوع أخذة في اعتبارها كافة الملابسات والظروف التي وقع فيها الحادث سواء منها الموضوعية التي تتعلق بهذا الضرب أو العنف الذي تعرض له الشخص والاعتبارات المختلفة التي كان فيها الجاني أثناء ارتكابه لجريمة وفقا لمعيار الشخص المتوسط في مثل ظروف الفاعل .
-أن يكون الضرب أو العنف الجسيم غير مشروع.
وهذا واضح في تسمية المشرع “…. استفزاز ناشئ عند اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم إذا كان الضرب أو العنف مشروعا لما سمي ( اعتداء) كأن يكون الضرب أو العنف تنفيذا العقوبة محكوم بها على الشخص أو أن يكون العنف صادر من رجل سلطة في حدود سلطته المسموح له بها قانونا ففي هذه الحالات لا يتوفى العذر المخفف إذا وقعت الجريمة .
ثانيا : الشروط المتطلبة في رد الفعل :
-أن يوجه رد الفعل ضد المعتدي .
حتى يتحقق العذر المخفف للعقوبة في حالة الاستفزاز يجب أن يقع رد الفعل على المستفز نفسه لا غيره حتى ولو كان هذا الأخير تربطه بالمعتدي قرابة أو صلات وثيقة كأن يكون ابنه أو زوجه أو شقيقه.
-أن يقع رد الفعل عقب أعمال الاستفزاز مباشرة
هذا العنصر وإذا لم ينص عليه القانون صراحة ، ولكن تقتضيه طبيعة الاستفزاز من جهة كما يستفاد من جهة ثانية من عبارة ” استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف” التي تقيد ضرورة توافر العلاقة السببية بين الاعتداء وبين رد الفعل وهذه العلاقة السببية تتحقق إذا قام الجاني برد الفعل الفوري ضد الاعتداء أما إذا تراخى رد الفعل إلى أن اختفى الانفعال وحالة الانفعال فإن العلاقة السببية تنعدم .
فالمشرع إذا كان قد خول الجاني المستفز هذا العذر فذلك مراعاة منه للحالة النفسية والعصبية التي يكون عليها هذا الأخير بعد تعرضه للاعتداء أما إذا مرت فترة من الزمن على ذلك بحيث استقرت حالته بعد ذلك وهدأت فلا يتوافر له هذا العذر ولا يستفيد منه وعموما فإن قاضي الموضوع هو الذي يستقل بالتثبت في حدوث رد الفعل داخل مرحلة الانفعال أم انتهائها مع ضرورة تبيانه في حكمه الوقائع التي استخلص منها هذه النتيجة أو تلك حتى لو يكون حكمه قاصر ناقص التعليل .
إن هذا العذر المخفف في حالة الاستفزاز يعتبر ظرفا شخصيا لكنه يقوم على الانفعال الذي تحدثه أعمال الاستفزاز في نفس الجاني وبالتالي لا يستفيد منه إلا من توفر فيه من المساهمين أو الشركاء
الفقرة الثالثة : قتل الزوج لزوجته وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين
الخيانة الزوجية
” يتوفر عذر مخفف للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب إذا ارتكبها الزوج ضد زوجته وشريكهما عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية ” . أساس هذا العذر هو الاستفزاز الناتج عن الاعتداء على عرض الزواج وشرفه وقد قصره القانون على الزوج دون الزوجة اقتباسا من القانون الفرنسي وعلة ذلك أن هول المفاجأة يكون أشد على الزوج من غيره. فالزوجة تتأثر ولا شك بمفاجأة زوجها متلبسا بالخيانة الزوجية وكذلك الأب بالنسبة لابنته والأخ بالنسبة لأخته ، ومع ذلك فإن القانون لم يمنعهم العذر المخفف إذا ارتكبوا جريمة قتل ( مالم يكن أحدهم رب أسرة فيعذر جرائم الضرب والجرح دون نية القتل) و لأنه اعتبر وقع مفاجأة عليهم لا يفقدهم السيطرة على ضبط أعصابهم بخلاف الزوج فإن انفعاله يكون أكثر حدة وتأثير.
شروط توافق هذا العذر
يتمتع الفاعل –الزوج- بعذر مخفف في هذه الحالة إلا إذا توافرت شروط ثلاثة: صفة الجاني : والذي يتعين أن يكون زوجا للمرأة الزانية المجني عليها والشرط الثاني مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا والشرط الثالث أن يرتكب القتل في الحال أي أثناء مفاجأة)
أولا صفة الجاني :
قصر المشرع هذا العذر على الزوج وحده فلا يستفيد غيره من الأشخاص مهما كانت درجة قرابته بالزانية إخوة كانوا أم أبناء أم أباء .
ولا يمنح القانون الزوجة هذا العذر إذا فاجأت زوجها متلبسا بالزنا وقتلته هو أو شريكته وقد يبدو وضع بهذا الشكل منتقدا لأن الحكمة من التخفيف متوافرة هنا أيضا لتوافر ظرف الاستفزاز لدى الزوجة في هذه الحالة، وينبغي في هذه الحالة أن تكون العلاقة الزوجية قائمة أثناء ارتكاب الجريمة وفقا لما جاء في مدونة الأسرة الجديدة .
ثانيا : مفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بالزنا
هذا الشرط هو أساس علة التخفيف فمفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بالزنا هي التي تولد لديه الاستفزاز الذي يفقده السيطرة على نفسه ويجعله يندفع إلى فعله وحيثما انتهى عنصر المفاجأة بالنسبة للزوج فلا يستفيد هذا الأخير من العذر وتتحقق المفاجأة في صورتها الكاملة إذا كان الزوج واثقا من إخلاص زوجته ثم وجدها متلبسة بالزنا أو كان لديه شك أو شبهات في سلوكها ثم ضبطها .
ويحب أن يشاهد الزوج ماله التلبس بنفسه ولا يكفي أن يخبره الغير لذلك الاستفزاز الذي يبرر قيام العذر لا يتوفر في هذه الحالة ويتحقق التلبس حيث لا يكون مجال الشك في الزنا.
ثالثا: ارتكاب جريمة القتل أثناء ( فورا) المفاجأة)
مؤدى هذا الشرط ان يتزامن عنصر المفاجأة وما يترتب عليه من استفزاز مع ارتكاب القتل وهذا التعاصر الزمني هو الذي يتفق مع حكم تخفيف حيث يعتبر القتل حينئذ رد فعل للثورة التي اجتاحت نفسية الزوج من هول المفاجأة على أن اشتراط ارتكاب القتل في الحال لا يعني حتما أن يتم القتل في نفس لحظة المفاجأة وإنما يظل الشرط متوافرا ولو مضى بين المفاجأة والقتل بعض الوقت الذي استغرقه حصول الجاني على سلاح ينفذ به فعله .
أما إذا مرت فترة الزمن على مشاهدته زوجته متلبسة بالزنا استرجع خلالها كامل هدوؤه فلا محل لتخفيف فإذا اعمد الزوج بعد ذلك إلى ارتكاب القتل فإن فعله هذا يعد على حد القول بعض الفقه انتقاما هادئا وليس اندفاعا تحت تأثير الثورة النفسية .
الفقرة الرابعة : عقوبة القتل العمد المقترن بالعذر القانوني المخفف .
إذا توافرت شروط العذر القانوني فإن العقوبات تخفف إلى الحبس من سنة إلى 5 سنوات في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام عندما يقترن قتل العمد بطرف من ظروف التشديد أو السجن المؤبد ( إذا كان القتل العمد عاديا) مع استثناء ظرف قتل الأصول الذي لا يستفيد فيه الجاني مطلقا من أي عذر قانوني مخفف للعقوبة .
وبالنسبة لقتل الأم لوليدها ، فهي وإن كانت تستفيد من العذر القانوني المخفف إلا أن العقوبة في هذه الحالة تبقى عقوبة جناية ( السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات)وليس عقوبة جنحية فإن نوع الجريمة لا يتغير إذا حكم بعقوبة متعلقة بنوع آخر من أنواع الجرائم لسبب تخفيف أو لحالة العود.
وبناءا على هذا النص فإن قيام العذر المخفف إذا كان يخفض العقوبة فإنه بالمقابل لا يغير من وصف الجريمة فتبقى جريمة القتل بوصفها القانوني الأصلي ” جناية” تخضع لأحكام المطبقة على الجنايات في حين تخضع العقوبة المخففة وهي عقوبة جنحية لأحكام المطبقة على العقوبات الجنحية.

محمد ابراهيم البادي
05-10-2010, 07:15 PM
شاكر قلمك الرائع في الاضافة

بس لو تكبر الخط

hajis
05-10-2010, 08:32 PM
بارك الله فيك وشكرا على جهودك

قانون الغموض
05-10-2010, 09:27 PM
جهود جميلة ورائعة

محمد ابراهيم البادي
05-12-2010, 02:03 PM
شاكر مروركما الرائع الهاجس و قانون الغموض

law student
05-12-2010, 11:30 PM
تسلم أخي على الطرح و جزاك الله عنا خير

محمد ابراهيم البادي
05-13-2010, 11:21 AM
عساك عالقوة استاذي طالب القانون و الله لا يحرمني من طلاتك الجميلة