مشاهدة النسخة كاملة : الالتزام المدني والطبيعي
الجساسي
02-27-2013, 10:17 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المطلوب تعريف + حالات + امثلة على ( الالتزام المدني والطبيعي) ....؟
وجزاكم الله خير
قانونية وافتخر
02-28-2013, 12:45 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وفقا للقانون السوري ...
لقد بدأ المشرع النصوص المنظمة لآثار الالتزام بالمادة 200 من القانون المدني السوري التي تنص على أنه :
" ينفذ الالتزام جبراً على المدين ، و مع ذلك إذا كان الالتزام طبيعياً فلا جبر في تنفيذه " .
فهذا النص يبين الفارق الجوهري بين الالتزام المدني و الالتزام الطبيعي .
و الأصل أن كل التزام قانوني يكون قابلاً للتنفيذ الجبري إذا امتنع المدين عن الوفـاء به اختياراً .
و لكن ، إذا كان الالتزام طبيعياً فلا يمكن إجبار المدين على التنفيذ .
و هكذا ، فالالتزام المدني هو الالتزام الذي يجبر المدين به على التنفيذ إذا لم ينفذه باختياره ، أما الالتزام الطبيعي فهو الالتزام الذي لا جبر في تنفيذه .
ـ الأساس الذي يقوم عليه التمييز بين الالتزام الطبيعي والالتزام المدني :
لبيان الأساس الذي يقوم عليه التمييز بين نوعي الالتزام نشير إلى أن الفقه الحديث يحلل فكرة الالتزام إلى عنصرين ، عنصر المديونية ، و عنصر المسؤولية .
# و تعني المديونية وجود واجب على المدين ، و تنقضي هذه المديونية بالوفاء الاختياري ، و لكنها لا تخول الدائن بذاتها سلطة جبر المدين على الوفاء .
# أما المسؤولية فتعني أن المدين مسؤول عن عدم التنفيذ ، و إذا لم ينفذ اختياراً فإنه يجبر على التنفيذ .
و متى اجتمع العنصران نكون أمام الالتزام الكامل الذي يسمى الالتزام المدني .
و إذا لم يوجد سوى عنصر المديونية فيكون الالتزام طبيعياً ، و هو التزام ناقص , إذ ينقصه عنصر المسؤولية ، و لكنه وفقاً للرأي السائد التزام قانوني و ليس مجرد واجب أدبي ، و إذا كان تخلف عنصر المسؤولية يؤدي إلى عدم إجبار المدين على التنفيذ , فوجود عنصر المديونية هو الذي يفسر الآثار التي تترتب على وجود الالتزام الطبيعي .
ـ تعريف الالتزام الطبيعي :
هو التزام ناقص تضمن عنصر المديونية ، و لكنه افتقر إلى عنصر المسؤولية . أي هناك واجب على المدين بأداء ما التزم به ، و لكن لا يوجد الجزاء الذي يفرض عليه عند امتناعه عن الوفاء بهذا الالتزام .
شروط قيام الالتزام الطبيعي
نصت المادة 201 من القانون المدني السوري على أنه :
" يقدر القاضي ، عند عدم النص ، ما إذا كان هناك التزام طبيعي . و في كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام " .
فإذا لم ينص القانون على الالتزام الطبيعي ، فإنّ القاضي هو الذي يقرر وجود هذا الالتزام الطبيعي ، و لكن على أي أساس ؟
إن الالتزام الطبيعي هو واجب أدبي أو أخلاقي ارتفع إلى مستوى الالتزام الطبيعي ، و لكن يجب على القاضي عند تقديره لوجود الالتزام الطبيعي مراعاة الوعي العام في الجماعة , بشرط ألا يخالف ذلك النظام العام .
و هكذا ، يشترط لقيام الالتزام الطبيعي توفر العناصر الثلاثة التالية :
أولاً ـ وجود واجب أدبي محدد :
يعتبر وجود واجب أدبي محدد شرطاً أساسياً - و إن لم يكن كافياً - لقيام الالتزام الطبيعي . و إذا كان لا يمكننا حصر الحالات التي يتوفر فيها واجب أدبي يمكن أن يرقى إلى مصاف الالتزام الطبيعي ، إلا أن هذه الواجبات يمكن أن تتمركز بواجب عدم الإضرار بالغير ، و واجب عدم الإثراء على حساب الغير ، و واجب الوفاء ، واجب المساعدة ، و واجب العرفان بالجميل .
ثانيا ً ـ وجود العنصر المعنوي :
يلاحظ أن هذا الواجب الأدبي يلازم عنصراً معنوياً مفاده شعور المدين بأن عليه أداء ، أي واجب الوفاء بهذا الالتزام إرضاء للضمير و الشرف .
و لكن ، لا يعتبر هذا الواجب الأدبي التزاماً طبيعياً لمجرد شعور المدين بوجوب الوفاء به ، و إنما يجب أن يكون هذا الشعور هو شعور الفرد العادي باعتباره ممثلاً لشعور الجماعة .
فالعنصر المعنوي أو الشعور بواجب الوفاء إنما يتحدد وفق معيار موضوعي ، و ليس استناداً لمعيار ذاتي أو شخصي ، أي أن هذا الشعور يتحدد من خلال استرشاد القاضي بواجب الضمير لدى الجماعة و ما يسود المجتمع من قيم و أخلاق .
ثالثاً ـ عدم التعارض مع النظام العام و الآداب العامة :
تُعد فكرة النظام العام من مستطردات النظام القانوني الثابتة , فهي الحاجز الذي يحول دون اختراق المفاهيم الحضارية و الاجتماعية للمجتمع بواسطة أفكار أو قيم مناقضة لها .
لذلك كان من الطبيعي أن ينص القانون المدني السوري في المادة 201 على أنه " ... و في كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام " .
فهناك قيد على القاضي عند تقريره وجود الالتزام الطبيعي هو عدم مخالفة النظام العام . فاعتبارات النظام العام سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تسمو في نظر القانون على اعتبارات أخلاق الجماعة .
فيجب على القاضي الكشف عن درجة الالتزام من خلال مراعاة الوعي العام في الجماعة ، و العبرة ليست بوعي القاضي أو وعي المدين , و إنما بالوعي السائد في المجتمع .
و لكن ، يجب التأكيد على أنه إذا تعارض هذا الوعي العام للجماعة مع أخلاق طائفة معينة من الناس فلا يوجد التزام طبيعي . فمثلاً يعتبر دين القمار أو الرهان في بيئة لاعبي القمار و المراهنين دين شرف يجب الوفاء به , و لكنه مع ذلك لا يرتفع إلى مستوى الالتزام الطبيعي , لأن الأخلاق العامة في المجتمع تأبى الالتزام بمثل هذا الدين .
و إذا وفى المدين هذا الدين فإن وفاءه لا يكون وفاءً بالتزام طبيعي ، و يحق له استرداده من الدائن لمخالفة الوفاء للنظام العام و الآداب العامة حسب ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 705 من القانون المدين السوري التي تقول :
" لمن خسر في مقامرة أو رهان أن يسترد ما دفعه خلال ثلاث سنوات من الوقت الذي أدى فيه ما خسره ، و لو كان هناك اتفاق يقضي بغير ذلك , و له أن يثبت ما أداه بجميع الطرق " .
و فكرة عدم تعارض الالتزام الطبيعي مع النظام العام تطبق في القوانين المختلفة دون الحاجة إلى نص خاص ، و لكن مع اختلاف مفهوم النظام العام في كل دولة حسب
أخلاقياتها السائدة و قيمتها الاجتماعية .
تطبيقات الالتزام الطبيعي
لقد نص المشرع على مجموعة من الالتزامات المدنية تحولت إلى التزامات طبيعية لسبب أو لآخر , ويمكن رد هذه السباب إلى نوعين :
أ) ـ أسباب عاصرت الالتزام لحظة مولده :
أي تولد الالتزام ابتداء في إطار الالتزام الطبيعي , كعقد الهبة الباطل لعيب في الشكل حسب ما نصت عليه المادة 457 من القانون المدني السوري بقولها :
" إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه " .
كذلك بالنسبة للعقد القابل للإبطال لنقص في الأهلية , فتمسك القاصر بإبطال العقد و الحكم له بذلك ، ثم قيامه بوفاء ما هو مدين به مختاراً دون إجبار ، ففي هذه الحالة يكون الوفاء بالتزام طبيعي , و بالتالي لا يجوز له أن يطلب استرداد ما وفاه .
ب) ـ أسباب طرأت على الالتزام الذي اكتمل تكوينه فأدت إلى تحويله من التزام مدني إلى التزام طبيعي :
كما في انقضاء الديون بالتقادم , فاذا تمسك المدين بسقوط التزامه بالتقادم و كان له ذلك ، ثم
قام بالوفاء بعد ذلك و كان مختاراً ، فإن التزامـه هنا هو التزام طبيعي و ليس له استرداد ما دفعه ، و هذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 383 من القانون المدني السوري بقولها :
" يترتب على التقادم انقضاء الالتزام و مع ذلك يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي " .
آثار الالـتزام الطبيـعي
بما أن الالتزام الطبيعي هو التزام ذو وجود قانوني حقيقي ، فإن وجوده يرتب عدداً من الآثار القانونية .
ـ آثار توفر عنصر المديونية :
الالتزام الطبيعي هـــو التزام ناقص يتوفر فيه عنصر المديونية ، و لكن ينقصه عنصر المسؤولية ، و لذلك لا يمكن إجبار المدين على تنفيذ التزامه عن طريق القضاء , لعدم وجود دعوى تحميه ، فإذا وفى هذا المدين التزامه طواعيةً و باختياره ، فإنّ وفاءه صحيح ، ولا يستطيع المدين الادعاء بطلب الاســـترداد , كما أن هذا الوفاء يجعل من الالتزام الطبيعي سبباً لالتزام مدني .
و ينتج عن صحة الوفاء الآثار التالية :
1 ـ جواز الوفاء الاختياري بالالتزام الطبيعي : إذا نفذ المدين بالتزام طبيعي طواعية ، و عن علم لما يجب عليه فإنه يعتبر منفذاً لالتزام معترف به من القانون الوضعي ، فالالتزام الطبيعي هو التزام قانوني .
و يشترط لكي يأخذ أداء الالتزام الطبيعي حكم الوفاء أن تكون إرادة المدين سليمة لا يشوبها أي عيب , كالغلط أو التدليس أو الإكراه . أما إذا قام بالوفاء معتقداً أنه يفي بالتزام مدني , أو معتقداً جواز جبره على تنفيذ آثار الالتزام الطبيعي , أو أنه كان مكرهاً على الوفاء ، فإنه يستطيع استرداد ما دفع .
2 ـ عدم اعتبار هذا الوفاء تبرعاً : فلا يعتبر هذا الوفاء تبرعاً لأن المدين يريد براءة ذمته من الدين السابق ، و لهذا فلا تتوفر لديه نية التبرع .
و نظراً لاعتبار أداء الالتزام الطبيعي وفاءً و ليس تبرعاً ، فإنه لا يخضع لأحكام التبرعات لا من حيث الشكل و لا من حيث الموضوع .
فمثلاً ، لا يشترط في الموفي أهلية التبرع و لا الشروط الأخرى المطلوبة للهبة ، كما لو قام المدين بالوفاء و هو في مرض الموت , فلا تطبق عليه القرينة التي نصت عليها المادة 877 من القانون المدني السوري باعتبارها وصية ما دام قد ثبت فعلاً أن الوفاء كان عن التـزام حقيقي .
3 ـ عدم اعتبار هذا الوفاء من قبيل دفع ما لا يجب : إذا بادر المدين باختياره إلى أداء ما في ذمته من التزام طبيعي ، فإن هذا الأداء يعتبر وفاء بدين مستحق في الذمة , و ليس من قبيل دفع ما لا يجب ، و بالتالي لا يستطيع الموفي استرداد ما دفعه ، لأن الموفى به مستحق من ناحية غير مدنية و ليس شيئاً غير مستحق .
ـ الالتزام الطبيعي يصلح سبباً للالتزام المدني :
يجوز للمدين بدلاً من القيام بوفاء الالتزام الطبيعي أن يتعهد بالوفاء بهذا الالتزام الطبيعي ، بشرط أن يصدر هذا التعهد عن بينة و اختيار , دون خضوع لإكراه أو تدليس , و دون وقوع في غلط .
و حيث أنه يشترط في التعهد بوفاء الالتزام الطبيعي توفر النية بالوفاء بهذا الالتزام ، فإن مجرد الاعتراف بقيام هذا الالتزام الطبيعي لا يعد تعهداً بوفائه ، و بالتالي لا تترتب عليه آثار هذا التعهد و لا يلزم من صدر عنه .
ـ آثار تخلف عنصر المسؤولية
يترتب على تخلف عنصر المسؤولية عدم جواز التمسك بالمقاصة بين الالتزام الطبيعي و الالتزام المدني , و عدم جواز كفالة الالتزام الطبيعي .
(1) ـ عدم جواز المقاصة بين الالتزام الطبيعي و الالتزام المدني :
تعتبر المقاصة القانونية نوعاً من الوفاء الجبري ، فإذا تمسك بها صاحب الشأن مع تحقيق شروطها فلا يجوز لدائنه التخلص من هذا الأثر .
و يترتب على اعتبار المقاصة القانونية نوعاً من الوفاء الجبري أنه لا تجوز مقاصة الالتزام الطبيعي في مواجهة الالتزام المدني , لأنه لا يجوز الجبر في الوفاء بالالتزام الطبيعي بينما يجوز الجبر في الالتزام المدني ، وبالتالي فطبيعة الالتزامين جعلتهما في درجة مختلفة عن الالتزام الآخر .
و المقصود بعدم جواز المقاصة بالالتزام الطبيعي إنما هو المقاصة القانونية التي تقع بناءً على طلب الدائن في الدين الطبيعي ، لأن هذه المقاصة ستؤدي إلى إجبار المدين على الوفاء بالالتزام الطبيعي .
أما المقاصة الاتفاقية التي تتم برضاء الطرفين فجائزة , لأنها لا تتضمن استيفاء الدين الطبيعي جبراً عن المدين , فمثلاً قد يكون الشخص مديناً بالتزام طبيعي و دائناً بالتزام مدني فيتمسك بالمقاصة و عندئذٍ ينقضي الدينان .
(2) ـ عدم جواز كفالة الالتزام الطبيعي :
تنص المادة 738 من القانون المدني السوري على أن : " الكفالة عقد بمقتضاه يتعهد شخص أن يفي بالتزام إذا لم يفِ به المدين نفسه " .
و يعتبر التزام الكفيل التزاماً تابعاً لالتزام المدين الأصلي ، فلا يلتزم الكفيل بالوفاء إلا إذا تخلف المدين الأصلي عن القيام بواجبه .
و تقضي هذه التبعية عدم جواز أن تكون الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق على المدين الأصلي ، كما لا يجوز أن تكون الكفالة بشروط أشد ، و لهذا فإنه لا يتصور وجود الكفالة في الالتزام الطبيعي , لأنه مادام لا يجوز إجبار المدين على الوفاء إذا لم يقم بالوفاء باختياره ، فلا يجوز أيضاً إجبار الكفيل على الوفاء ، و إلا كان في إجبار الكفيل تنفيذ جبري للالتزام الطبيعي بشكل غير مباشر .
shi7396
11-24-2017, 09:29 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وفقا للقانون السوري ...
لقد بدأ المشرع النصوص المنظمة لآثار الالتزام بالمادة 200 من القانون المدني السوري التي تنص على أنه :
" ينفذ الالتزام جبراً على المدين ، و مع ذلك إذا كان الالتزام طبيعياً فلا جبر في تنفيذه " .
فهذا النص يبين الفارق الجوهري بين الالتزام المدني و الالتزام الطبيعي .
و الأصل أن كل التزام قانوني يكون قابلاً للتنفيذ الجبري إذا امتنع المدين عن الوفـاء به اختياراً .
و لكن ، إذا كان الالتزام طبيعياً فلا يمكن إجبار المدين على التنفيذ .
و هكذا ، فالالتزام المدني هو الالتزام الذي يجبر المدين به على التنفيذ إذا لم ينفذه باختياره ، أما الالتزام الطبيعي فهو الالتزام الذي لا جبر في تنفيذه .
ـ الأساس الذي يقوم عليه التمييز بين الالتزام الطبيعي والالتزام المدني :
لبيان الأساس الذي يقوم عليه التمييز بين نوعي الالتزام نشير إلى أن الفقه الحديث يحلل فكرة الالتزام إلى عنصرين ، عنصر المديونية ، و عنصر المسؤولية .
# و تعني المديونية وجود واجب على المدين ، و تنقضي هذه المديونية بالوفاء الاختياري ، و لكنها لا تخول الدائن بذاتها سلطة جبر المدين على الوفاء .
# أما المسؤولية فتعني أن المدين مسؤول عن عدم التنفيذ ، و إذا لم ينفذ اختياراً فإنه يجبر على التنفيذ .
و متى اجتمع العنصران نكون أمام الالتزام الكامل الذي يسمى الالتزام المدني .
و إذا لم يوجد سوى عنصر المديونية فيكون الالتزام طبيعياً ، و هو التزام ناقص , إذ ينقصه عنصر المسؤولية ، و لكنه وفقاً للرأي السائد التزام قانوني و ليس مجرد واجب أدبي ، و إذا كان تخلف عنصر المسؤولية يؤدي إلى عدم إجبار المدين على التنفيذ , فوجود عنصر المديونية هو الذي يفسر الآثار التي تترتب على وجود الالتزام الطبيعي .
ـ تعريف الالتزام الطبيعي :
هو التزام ناقص تضمن عنصر المديونية ، و لكنه افتقر إلى عنصر المسؤولية . أي هناك واجب على المدين بأداء ما التزم به ، و لكن لا يوجد الجزاء الذي يفرض عليه عند امتناعه عن الوفاء بهذا الالتزام .
شروط قيام الالتزام الطبيعي
نصت المادة 201 من القانون المدني السوري على أنه :
" يقدر القاضي ، عند عدم النص ، ما إذا كان هناك التزام طبيعي . و في كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام " .
فإذا لم ينص القانون على الالتزام الطبيعي ، فإنّ القاضي هو الذي يقرر وجود هذا الالتزام الطبيعي ، و لكن على أي أساس ؟
إن الالتزام الطبيعي هو واجب أدبي أو أخلاقي ارتفع إلى مستوى الالتزام الطبيعي ، و لكن يجب على القاضي عند تقديره لوجود الالتزام الطبيعي مراعاة الوعي العام في الجماعة , بشرط ألا يخالف ذلك النظام العام .
و هكذا ، يشترط لقيام الالتزام الطبيعي توفر العناصر الثلاثة التالية :
أولاً ـ وجود واجب أدبي محدد :
يعتبر وجود واجب أدبي محدد شرطاً أساسياً - و إن لم يكن كافياً - لقيام الالتزام الطبيعي . و إذا كان لا يمكننا حصر الحالات التي يتوفر فيها واجب أدبي يمكن أن يرقى إلى مصاف الالتزام الطبيعي ، إلا أن هذه الواجبات يمكن أن تتمركز بواجب عدم الإضرار بالغير ، و واجب عدم الإثراء على حساب الغير ، و واجب الوفاء ، واجب المساعدة ، و واجب العرفان بالجميل .
ثانيا ً ـ وجود العنصر المعنوي :
يلاحظ أن هذا الواجب الأدبي يلازم عنصراً معنوياً مفاده شعور المدين بأن عليه أداء ، أي واجب الوفاء بهذا الالتزام إرضاء للضمير و الشرف .
و لكن ، لا يعتبر هذا الواجب الأدبي التزاماً طبيعياً لمجرد شعور المدين بوجوب الوفاء به ، و إنما يجب أن يكون هذا الشعور هو شعور الفرد العادي باعتباره ممثلاً لشعور الجماعة .
فالعنصر المعنوي أو الشعور بواجب الوفاء إنما يتحدد وفق معيار موضوعي ، و ليس استناداً لمعيار ذاتي أو شخصي ، أي أن هذا الشعور يتحدد من خلال استرشاد القاضي بواجب الضمير لدى الجماعة و ما يسود المجتمع من قيم و أخلاق .
ثالثاً ـ عدم التعارض مع النظام العام و الآداب العامة :
تُعد فكرة النظام العام من مستطردات النظام القانوني الثابتة , فهي الحاجز الذي يحول دون اختراق المفاهيم الحضارية و الاجتماعية للمجتمع بواسطة أفكار أو قيم مناقضة لها .
لذلك كان من الطبيعي أن ينص القانون المدني السوري في المادة 201 على أنه " ... و في كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام " .
فهناك قيد على القاضي عند تقريره وجود الالتزام الطبيعي هو عدم مخالفة النظام العام . فاعتبارات النظام العام سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تسمو في نظر القانون على اعتبارات أخلاق الجماعة .
فيجب على القاضي الكشف عن درجة الالتزام من خلال مراعاة الوعي العام في الجماعة ، و العبرة ليست بوعي القاضي أو وعي المدين , و إنما بالوعي السائد في المجتمع .
و لكن ، يجب التأكيد على أنه إذا تعارض هذا الوعي العام للجماعة مع أخلاق طائفة معينة من الناس فلا يوجد التزام طبيعي . فمثلاً يعتبر دين القمار أو الرهان في بيئة لاعبي القمار و المراهنين دين شرف يجب الوفاء به , و لكنه مع ذلك لا يرتفع إلى مستوى الالتزام الطبيعي , لأن الأخلاق العامة في المجتمع تأبى الالتزام بمثل هذا الدين .
و إذا وفى المدين هذا الدين فإن وفاءه لا يكون وفاءً بالتزام طبيعي ، و يحق له استرداده من الدائن لمخالفة الوفاء للنظام العام و الآداب العامة حسب ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 705 من القانون المدين السوري التي تقول :
" لمن خسر في مقامرة أو رهان أن يسترد ما دفعه خلال ثلاث سنوات من الوقت الذي أدى فيه ما خسره ، و لو كان هناك اتفاق يقضي بغير ذلك , و له أن يثبت ما أداه بجميع الطرق " .
و فكرة عدم تعارض الالتزام الطبيعي مع النظام العام تطبق في القوانين المختلفة دون الحاجة إلى نص خاص ، و لكن مع اختلاف مفهوم النظام العام في كل دولة حسب
أخلاقياتها السائدة و قيمتها الاجتماعية .
تطبيقات الالتزام الطبيعي
لقد نص المشرع على مجموعة من الالتزامات المدنية تحولت إلى التزامات طبيعية لسبب أو لآخر , ويمكن رد هذه السباب إلى نوعين :
أ) ـ أسباب عاصرت الالتزام لحظة مولده :
أي تولد الالتزام ابتداء في إطار الالتزام الطبيعي , كعقد الهبة الباطل لعيب في الشكل حسب ما نصت عليه المادة 457 من القانون المدني السوري بقولها :
" إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه " .
كذلك بالنسبة للعقد القابل للإبطال لنقص في الأهلية , فتمسك القاصر بإبطال العقد و الحكم له بذلك ، ثم قيامه بوفاء ما هو مدين به مختاراً دون إجبار ، ففي هذه الحالة يكون الوفاء بالتزام طبيعي , و بالتالي لا يجوز له أن يطلب استرداد ما وفاه .
ب) ـ أسباب طرأت على الالتزام الذي اكتمل تكوينه فأدت إلى تحويله من التزام مدني إلى التزام طبيعي :
كما في انقضاء الديون بالتقادم , فاذا تمسك المدين بسقوط التزامه بالتقادم و كان له ذلك ، ثم
قام بالوفاء بعد ذلك و كان مختاراً ، فإن التزامـه هنا هو التزام طبيعي و ليس له استرداد ما دفعه ، و هذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 383 من القانون المدني السوري بقولها :
" يترتب على التقادم انقضاء الالتزام و مع ذلك يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي " .
آثار الالـتزام الطبيـعي
بما أن الالتزام الطبيعي هو التزام ذو وجود قانوني حقيقي ، فإن وجوده يرتب عدداً من الآثار القانونية .
ـ آثار توفر عنصر المديونية :
الالتزام الطبيعي هـــو التزام ناقص يتوفر فيه عنصر المديونية ، و لكن ينقصه عنصر المسؤولية ، و لذلك لا يمكن إجبار المدين على تنفيذ التزامه عن طريق القضاء , لعدم وجود دعوى تحميه ، فإذا وفى هذا المدين التزامه طواعيةً و باختياره ، فإنّ وفاءه صحيح ، ولا يستطيع المدين الادعاء بطلب الاســـترداد , كما أن هذا الوفاء يجعل من الالتزام الطبيعي سبباً لالتزام مدني .
و ينتج عن صحة الوفاء الآثار التالية :
1 ـ جواز الوفاء الاختياري بالالتزام الطبيعي : إذا نفذ المدين بالتزام طبيعي طواعية ، و عن علم لما يجب عليه فإنه يعتبر منفذاً لالتزام معترف به من القانون الوضعي ، فالالتزام الطبيعي هو التزام قانوني .
و يشترط لكي يأخذ أداء الالتزام الطبيعي حكم الوفاء أن تكون إرادة المدين سليمة لا يشوبها أي عيب , كالغلط أو التدليس أو الإكراه . أما إذا قام بالوفاء معتقداً أنه يفي بالتزام مدني , أو معتقداً جواز جبره على تنفيذ آثار الالتزام الطبيعي , أو أنه كان مكرهاً على الوفاء ، فإنه يستطيع استرداد ما دفع .
2 ـ عدم اعتبار هذا الوفاء تبرعاً : فلا يعتبر هذا الوفاء تبرعاً لأن المدين يريد براءة ذمته من الدين السابق ، و لهذا فلا تتوفر لديه نية التبرع .
و نظراً لاعتبار أداء الالتزام الطبيعي وفاءً و ليس تبرعاً ، فإنه لا يخضع لأحكام التبرعات لا من حيث الشكل و لا من حيث الموضوع .
فمثلاً ، لا يشترط في الموفي أهلية التبرع و لا الشروط الأخرى المطلوبة للهبة ، كما لو قام المدين بالوفاء و هو في مرض الموت , فلا تطبق عليه القرينة التي نصت عليها المادة 877 من القانون المدني السوري باعتبارها وصية ما دام قد ثبت فعلاً أن الوفاء كان عن التـزام حقيقي .
3 ـ عدم اعتبار هذا الوفاء من قبيل دفع ما لا يجب : إذا بادر المدين باختياره إلى أداء ما في ذمته من التزام طبيعي ، فإن هذا الأداء يعتبر وفاء بدين مستحق في الذمة , و ليس من قبيل دفع ما لا يجب ، و بالتالي لا يستطيع الموفي استرداد ما دفعه ، لأن الموفى به مستحق من ناحية غير مدنية و ليس شيئاً غير مستحق .
ـ الالتزام الطبيعي يصلح سبباً للالتزام المدني :
يجوز للمدين بدلاً من القيام بوفاء الالتزام الطبيعي أن يتعهد بالوفاء بهذا الالتزام الطبيعي ، بشرط أن يصدر هذا التعهد عن بينة و اختيار , دون خضوع لإكراه أو تدليس , و دون وقوع في غلط .
و حيث أنه يشترط في التعهد بوفاء الالتزام الطبيعي توفر النية بالوفاء بهذا الالتزام ، فإن مجرد الاعتراف بقيام هذا الالتزام الطبيعي لا يعد تعهداً بوفائه ، و بالتالي لا تترتب عليه آثار هذا التعهد و لا يلزم من صدر عنه .
ـ آثار تخلف عنصر المسؤولية
يترتب على تخلف عنصر المسؤولية عدم جواز التمسك بالمقاصة بين الالتزام الطبيعي و الالتزام المدني , و عدم جواز كفالة الالتزام الطبيعي .
(1) ـ عدم جواز المقاصة بين الالتزام الطبيعي و الالتزام المدني :
تعتبر المقاصة القانونية نوعاً من الوفاء الجبري ، فإذا تمسك بها صاحب الشأن مع تحقيق شروطها فلا يجوز لدائنه التخلص من هذا الأثر .
و يترتب على اعتبار المقاصة القانونية نوعاً من الوفاء الجبري أنه لا تجوز مقاصة الالتزام الطبيعي في مواجهة الالتزام المدني , لأنه لا يجوز الجبر في الوفاء بالالتزام الطبيعي بينما يجوز الجبر في الالتزام المدني ، وبالتالي فطبيعة الالتزامين جعلتهما في درجة مختلفة عن الالتزام الآخر .
و المقصود بعدم جواز المقاصة بالالتزام الطبيعي إنما هو المقاصة القانونية التي تقع بناءً على طلب الدائن في الدين الطبيعي ، لأن هذه المقاصة ستؤدي إلى إجبار المدين على الوفاء بالالتزام الطبيعي .
أما المقاصة الاتفاقية التي تتم برضاء الطرفين فجائزة , لأنها لا تتضمن استيفاء الدين الطبيعي جبراً عن المدين , فمثلاً قد يكون الشخص مديناً بالتزام طبيعي و دائناً بالتزام مدني فيتمسك بالمقاصة و عندئذٍ ينقضي الدينان .
(2) ـ عدم جواز كفالة الالتزام الطبيعي :
تنص المادة 738 من القانون المدني السوري على أن : " الكفالة عقد بمقتضاه يتعهد شخص أن يفي بالتزام إذا لم يفِ به المدين نفسه " .
و يعتبر التزام الكفيل التزاماً تابعاً لالتزام المدين الأصلي ، فلا يلتزم الكفيل بالوفاء إلا إذا تخلف المدين الأصلي عن القيام بواجبه .
و تقضي هذه التبعية عدم جواز أن تكون الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق على المدين الأصلي ، كما لا يجوز أن تكون الكفالة بشروط أشد ، و لهذا فإنه لا يتصور وجود الكفالة في الالتزام الطبيعي , لأنه مادام لا يجوز إجبار المدين على الوفاء إذا لم يقم بالوفاء باختياره ، فلا يجوز أيضاً إجبار الكفيل على الوفاء ، و إلا كان في إجبار الكفيل تنفيذ جبري للالتزام الطبيعي بشكل غير مباشر .
معلوماات قيمة شكراً من القلب
vBulletin® v3.8.9, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.