هزاع الكعبي
05-01-2012, 10:05 AM
الخسائر البحرية المشتركة
المبحث الأول :
الأساس التاريخي للخسائر البحرية المشتركة
وأساسها القانوني وشروط تحققها
في هذا المبحث سوف نستعرض الأساس التاريخي لنظام الخسائر البحرية المشتركة وكيف نشأ هذا النظام ومن أين نشأ وكيف تم التعامل فيه كذلك سوف نبحث في أساسها القانوني وتطوره وشروط تحقق الخسارات البحرية المشتركة .
المطلب الأول :
الأساس التاريخي للخسارات البحرية المشتركة .
إن المخاطر التي تتعرض لها السفن قديماً في البحر كانت كثيرة وتصعب مواجهتها لا سيما وان السفن قديماً كانت مجرد سفن خشبية تسير بالأشرعة غالباً وبسبب تلك المشاكل التي تتعرض لها هذه السفن قد يضطر الربان لإلقاء بعض الحمولة في البحر كي ينقذ السفينة من الغرق وهذا يعني أن يتحمل صاحب تلك البضاعة الخسارة لوحده !! وهذا ليس من العدل في شيء ولهذا أوجد الفينيقيون قاعدة تسمى بالعوار أي الإلقاء في البحر وبموجب هذه القاعدة يتم تقسيم الخسارة على جميع أصحاب البضائع لكي لا يتحملها شخص واحد "وتدل الأبحاث التاريخية على أن نظام الخسارات كان معروفاً في جزيرة رودس بين سنة 916 وسنة 700 قبل الميلاد ثم ظهر هذا النظام في قانون رودس للإلقاء في البحر أيام حكم الفينيقيين "[1] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn1)[1]
وكما جاء في قانون رودس أيام حكم الفينيقيين بأن الخسارة البحرية المشتركة " تقضي بأنه إذا ألقيت بضائع من حمولة السفينة في البحر بقصد تخفيف هذه الحمولة فان ما يضحى به في سبيل المجموع يتعين التعويض عنه عن طريق مساهمة أفراد هذا المجموع "[2] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn2)[2]
إن مثل هذه القاعدة تبين لنا مدى التعاون بين أصحاب الحمولة المتواجدة في السفينة الواحدة وذلك عندما يتم التضحية بمال أحد الأشخاص لإنقاذ المجموع فيكون من واجب هذا المجموع أن يشارك في الخسارة وان لا يتحمل ذلك الشخص الخسارة لوحده وذلك لان النفع قد عم الجميع فعليهم تطبيق قاعدة المساواة - الجرم بالغنم – ولكي لا يخسروا كل شيء عليهم التضحية ببعض الشيء .
"ثم اخذ الرومان هذا القانون عن الفينيقيين وأسموه قانون رودس الخاص بالرمي في البحر."[3] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn3)[3]
ويتضح مما تقدم أن الفينيقيين العرب هم أول من أوجد قاعدة العوار وهي كلمة عربية تعني الرمي في البحر وعن الفينيقيين اخذ الرومان هذه القاعدة وعدلوا عليها بما يتلاءم مع أفكارهم وثقافتهم وقننه الرومان فيما يسمى بمجموعة جوستنيان كما انه طبق في الدولة البيزنطية كما أن التشريعات الأوروبية تضمنت هذه القاعدة في العصور الوسطى حيث جاء في قنصلية البحر "أحكاما مفصلة عن الرمي في البحر وأوجبت على الربان قبل القيام بهذا الإجراء أن يأخذ رأي الشاحنين الذين جرت العادة بسفرهم مع البضاعة في ذاك الوقت فإن وافق الشاحنون قام الربان بالرمي "[4] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn4)[4]إن ما يستشف من هذا الاقتباس أن أحكام قنصلية البحر كانت متأخرة عما جاء به الفينيقيين ، فالفينيقيين تميزوا بأن الربان يحق له إلقاء البضاعة دون إذن الشاحن ، ولكن في أحكام قنصلية البحر كان الربان مقيداً بموافقة الشاحن وهذا طبعاً يثير إشكالية هامة هي ماذا يستطيع الربان أن يفعل حيال الخطر المحدق إذا رفض جميع الشاحنين إلقاء أجزاء من الحمولة .
بعد ذلك جاءت أحكام اوليرون فأوجبت اخذ موافقة الشاحنين قبل القيام بالرمي بالبحر أو عند إقرار التضحية بأجزاء من السفينة من أجل تخفيض الحمولة لتفادي الخطر وهذا يعني ضرورة وجود الشاحنين على ظهر السفينة ، فإن كانوا غائبين أو رفض بعضهم أو جميعهم القيام بالتضحية بالبضائع أو بأجزاء منها يحق للربان في هذه الحالة أن يلقي أجزاء من البضاعة أو السفينة بعد اخذ رأي الملاحين بضرورة الإلقاء لتفادي الغرق .
وفي عام 1681 صدر الأمر الملكي الفرنسي في عصر لويس الرابع عشر القاضي بتنظيم الملاحة حيث جاء في أحكامه أن الرمي في البحر يقتضي موافقة أصحاب البضاعة وهذا يعني ضرورة وجود أصحاب البضائع مع البضائع لأخذ الإذن منهم علما بأنه في ذلك الوقت كانت قد توقفت مرافقة أصحاب البضائع لبضائعهم منذ زمن وهذا أدى إلى إخلال عملي في تنظيم الرمي في البحر عند الضرورة ، وعلى الرغم من هذا الخطأ الفاحش في التشريع الفرنسي في ذلك الوقت إلا أن المشرع الفرنسي قد أورد هذه الأحكام كما هي في نصوص المجموعة التجارية البحرية الفرنسية عام 1807 دون التنبؤ لما هو حاصل على ارض الواقع في عمليات النقل البحري مما أدى إلى شل العمل بقاعدة الرمي في البحر .
إن سير وتطور قاعدة الخسائر البحرية المشتركة كانت تمر بتطور مختلف بين الدول ، وأحكامها وشروطها وحالاتها تختلف من دولة إلى أخرى وهذا أثار إشكاليات عدة عند تعدد جنسيات الشاحنين ولهذا كان يتبع قاعدة الرجوع إلى قانون ميناء التفريغ النهائي أي آخر محطة للرحلة البحرية لكن هذا المبدأ لم ينزع بذور الخلاف ولهذا كان لا بد من إيجاد قواعد دولية تحكم أي نزاع وان يتم توحيد القواعد في جميع الدول بخصوص الخسائر البحرية المشتركة وذلك لتطور أساليب الملاحة في القرن التاسع عشر بعد توسع الملاحة بسبب تطور السفن البخارية الكبيرة وتعدد جنسيات الشاحنين بشكل اكبر .
ولهذا فقد رأت جمعية القانون الدولي ضرورة توحيد هذه القواعد فعقدت مؤتمر دولي في مدينة يورك بإنجلترا سنة 1864 ومؤتمر آخر بعده في مدينة انفرس ببلجيكا سنة 1877 تمخض عنه إيجاد أول قواعد دولية موحدة حول الخسائر البحرية المشتركة وتم اعتماد هذه القواعد في مؤتمر ليفربول سنة 1890 ، لكن هذه القواعد لم تكن تحمل تعريفاً للخسائر البحرية المشتركة وإنما كانت حلولاً لبعض الحالات ولهذا عقد في عام 1924 مؤتمر دولي في ستكهولم اكمل النقص في قواعد يورك وانفرس وبعد ذلك توالت الاتفاقيات الدولية للتعديل في هذه القواعد .
المطلب الثاني :
الأساس القانوني لنظرية الخسائر البحرية المشتركة .
إن نظام الخسائر المشتركة يتطلب توزيع الخسائر على الجميع أي كل من الشاحنين والناقل فالناقل الذي ألقى بأجزاء سفينته له الرجوع على الشاحنين بالتعويض عن جزء من هذه الخسارة التي استفادوا هم منها ولولا هذه الخسارة التي لحقت بالناقل أو أحد الشاحنين الذي ألقيت بضاعته لما نجت بضائع الشاحنين الآخرين ولهذا تعددت الآراء الفقهية فيما هو السند القانوني لهذه المشاركة ومن هذه الآراء الفقهية سوف ندرج ثلاثة أراء هي :
1. نظرية الإثراء بلا سبب .
2. نظرية اتحاد العالم بين المجهز والشاحنين .
3. نظرية أن الخسائر المشتركة هي تطبيق لاتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين .
1. نظرية الإثراء بلا سبب :
إن بعض الفقهاء في فرنسا قد اعتمدوا على أساس أنه لا يجوز لشخص أن يثري على حساب الغير دون وجود سبب مشروع لهذا الإثراء وبناء عليه فان أصحاب البضائع التي تم إنقاذها قد أثروا على حساب من ألقيت بضائعهم ولهذا يحق للشاحنين الذين ألقيت بضائعهم الرجوع على من أثروا على حسابهم بالتعويض بمقتضى نظريه الإثراء بلا سبب ولكن هذا الرأي مردود عليه وذلك لكون عملية الإلقاء في البحر فيها خسارة فعلية محققة لجانب أي افتقار في الذمة المالية ولكن لا يوجد بالمقابل زيادة في الذمة المالية للشاحنين الآخرين وعدم إلقاء بضائعهم لا يعني انهم أثروا على حساب الآخرين وذلك لعدم وجود أي إضافة أو زيادة في الذمة المالية لهم علماً بان قاعدة الإثراء بلا سبب تتطلب توافر شرطين أساسيين وهم افتقار الذمة المالية الأولى وزيادة الذمة في الذمة المالية للمثري على أن تكون هناك رابطة أو علاقة سببية بين الافتقار والإثراء وفي مثالنا هنا حول الخسائر المشتركة لا يتوفر الشق الثاني وهو زيادة في الذمة المالية للشاحنين الآخرين وهذا يعني أن رأي الفقه الفرنسي في تأسيس قاعدة الخسائر المشتركة على أساس نظرية الإثراء بلا سبب هو مجرد إرهاصات لا يمكن الاستناد عليها وهذا ما قال به الدكتور مصطفى كمال في كتابه القانون البحري حيث قال : " يؤخذ على هذا المذهب انه إذا كان هناك افتقار وخسارة في جانب فليس هناك إثراء في الجانب الآخر لان عدم التعرض للهلاك لا يعد من قبيل الإثراء وإذا كانت نظرية الخسائر المشتركة محض تطبيق للإثراء بلا سبب لكان من الواجب أن يؤخذ بها في النقل البري أسوة بالنقل البحري ولكن الواقع غير ذلك "5 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn5)
وكذلك كان رأي الدكتور محمد الشرقاوي الأستاذ المساعد في القانون البحري في كلية الحقوق / الجامعة الليبية حيث قال "إن نظرية الإثراء بلا سبب تفترض افتقار في ذمة شخص يقابله إثراء في ذمة الآخر بينما إذا سلمنا بان الخسائر المشتركة تؤدي إلى افتقار في ذمة أصحاب البضائع التي ألقيت في البحر فان هذا الافتقار لا يقابله إثراء "6 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn6)
وهذا يعني أن إسناد الأساس القانوني للخسائر المشتركة إلى نظرية الإثراء بلا سبب هو إسناد ضعيف لا يمكن اعتماده أو التأسيس عليه .
2. نظرية اتحاد المصالح بين المجهز والشاحنين
ويرى البعض الآخر من فقهاء القانون أن الأساس القانوني لنظرية الخسائر المشتركة إنما تقوم على أساس اتحاد المصالح بين المجهز والشاحنين ضد مخاطر البحر فنجاة البضاعة مرتبط بنجاة السفينة وهذا يعني حرص الشاحنين على سلامة السفينة طول الرحلة البحرية لكي تنجو بضائعهم وهذا يختلف عن النقل البري وذلك لان الناقل في النقل البري يتحمل كل مخاطر النقل لكونها مخاطر ضئيلة أما في النقل البحري فالمخاطر كثيرة ومحتملة الوقوع ولتفاديها لا بد أحيانا من إلقاء بعض الحمولة لكي تنجو السفينة والبضائع الأخرى من أجل المصلحة العامة ومن أجل تشجيع الربان على القيام بهذا الإلقاء في البحر تقرر أن للربان هذا الحق من اجل المصلحة العامة التي يستفيد منها كل من الشاحنين والمجهز وذلك لكون الربان ممثلاً للمجهز والشاحنين على السواء نظراً لاتحاد المصالح الذي ينشأ منذ شحن البضاعة على ظهر السفينة .
ورغم أن هذا الحديث فيه نوع من الصحة إلا انه مردود وذلك لكون الربان ليس ممثلاً قانونياً عن الشاحن ولا سيما عندما يكون الشاحن موجود على ظهر السفينة مع البضاعة فالربان في هذه الحالة لا يمكن اعتباره ممثلاُ عن الأصل في حالة وجود الأصيل وخاصة عندما يرفض الشاحن إلقاء بضاعته ورغم ذلك يتم الإلقاء ولهذا فان فكرة التمثيل في اتحاد المصالح لا يمكن الأخذ به .
3. الخسائر المشتركة تطبيق لاتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين
ويرى الفريق الثالث أن نظرية الخسائر المشتركة ليست تطبيقاً للقواعد العامة بل هي نظام بحري أصيل يتضمن خروجاً عن هذه القواعد ويقوم على اتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين يشتركون بمقتضاه في تحمل المخاطر التي تتعرض لها الرحلة البحرية .
ويستند هذا الفريق على أن التطور التاريخي الذي مر به نظام الخسائر البحرية المشتركة قد عزز فكرة الاتفاق الضمني حيث انه كان يجب على الربان وفقاً لقنصلية البحر وأحكام اوليرون أن يقوم الربان باستشارة الشاحنين أو ممثليهم قبل القيام بأية تضحية في سبيل السلامة العامة مما يشجع على الاعتقاد بان أساس المساهمة في الخسائر المشتركة هو وجود عقد ضمني بين المجهز والشاحنين ، وأما الشاحنون الذين لم يعودوا يسافروا مع بضائعهم أدى إلى اعتبار الربان ممثلاً قانونياً عن الشاحنين والمجهز وله بناءً على الاتفاق الضمني أن يتصرف وقت الضرورة بما تحتاجه هذه الضرورة .
ويضيف أصحاب هذا الرأي " لما كانت الخسائر المشتركة تقوم على اتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين فانه يجوز للأطراف تعديل القواعد الواردة بشأنها وإبدالها بقواعد أخرى ، كما يسوغ الاتفاق على إلغاء كل اشتراك أو مساهمة بسبب الخسائر "7 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn7)
غير أن هذا الكلام مردود لكون المشاركة في الخسائر المشتركة لا يمكن الاتفاق على إلغائها فهي من القواعد الآمرة في القانون البحري كما انه لا يمكن الاتفاق على عدم المشاركة بها بخلاف ما طرحه أصحاب هذه النظرية التي تقول بالاتفاق الضمني كما انه لا يمكن اعتبار المشاركة في الخسائر المشتركة تعود لاتفاق ضمني بين الشاحن والمجهز وذلك لوجود نص صريح بالقانون يقرر هذه القاعدة .
ونحن نرى أن الأساس القانوني لنظرية الخسائر المشتركة هو نص القانون وذلك لان القانون حينما يوضع إنما يوضع لعلاج إشكاليات حاصلة على ارض الواقع ومن أجل الحفاظ على المصالح العامة وتلبية لاحتياجات الواقع ٍوعندما وجد الفينيقيون قديماً أن هناك حاجة لمثل هذه القاعدة تم تشريعها بناءً على الحق الطبيعي للشاحنين والمجهز وذلك لأنه من العدل أن يتساوى الأفراد بين الغنم والغرم فمن يريد أن يكسب ويشارك في هذا الكسب عليه أن يخسر ويشارك في الخسارة إذا اقتضت الظروف ذلك لان الشاحنين والمجهز يستفيدوا بسبب الإلقاء في البحر الذي يكون هو مجرد خسارة لأحد الشاحنين فمن ا لطبيعي أن يشاركوا هذا الشاحن بالخسارة لكونهم استفادوا من خسارته ولولا خسارته لما نجت بضاعتهم ولا السفينة وبما أن المشرع قديماً وحديثاً وجد أنه من الضروري أن يكون هناك مشاركة لكي لا يكون العبء على واحد ولكي يكون هناك تشجيع للمشاركة نص على وجوب المشاركة في الخسائر البحرية المشتركة ولهذا نرى أن الأساس القانوني لهذه المشاركة إنما هو نص القانون الصريح ولا مجال لاختلاق فرضيات لا أساس لها من الواقع مثل الاتفاق الضمني أو اتحاد المصالح أو الإثراء بلا سبب .
المطلب الثالث :
شروط تحقق الخسارة البحرية المشتركة
لقد أورد المشرع الأردني شروط تحقق الخسارة البحرية المشتركة في المادة 266 من قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لسنة 1972 حيث جاء في النص " الخسارة البحرية المشتركة هي ما ينتج من أضرار وهلاك أشياء ونفقات استثنائية عن هلاك اقدم عليه الربان قصداً للمنفعة المشتركة ومجابهة للخطر تعرضت له الرحلة ولا يشترط حصول نتيجة مفيدة من ذلك خلا الحالات المنصوص عليها في المادة 266 "8 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn8)
ويستنبط من هذا النص أن هناك عدة شروط لكي تكون هناك خسارة بحرية مشتركة وهذه الشروط هي :
1. قيام الربان بإلقاء الحمولة
قيام الربان بإلقاء الحمولة أو جزء منها عن سابق قصد ونية وهذا يعني انه متى قام الربان عن قصد بإلقاء الحمولة لدرء خطر معين حتى نكون أمام خسارة مشتركة ولو أن الربان لم يقصد إلقاء الحمولة فهنا ينتفي وجود خسارة مشتركة كأن يكون على ظهر السفينة بضائع معينة ونتيجة لعدم تحزيمها وربطها انقلبت فهذا لا يعني أن هناك خسارة مشتركة وهذا يعني انه متى كانت الخسارة نتيجة لقوة قاهرة لا علاقة للربان بها عن قصد وقد هلكت فلا نكون أمام خسائر بحرية مشتركة هذا بالإضافة إلى ضرورة أن يتناسب العمل الذي قام به الربان مع حجم الخطر المحدق مع مراعاة مصالح الشاحنين ، فإن كان العمل الذي قام به الربان هو اكبر مما تتطلبه الحالة أو الخطر لمواجهته فلا يمكن اعتباره ضمن الخسائر البحرية المشتركة وإنما يتحمل هذه الزيادة أو المبالغة الربان نفسه فلو كان الخطر هو ضرورة إعادة التعويم حيث كانت السفينة على وشك الغرق نتيجة للحمولة وكان على الربان إلقاء ربع الحمولة لكي تعوم السفينة لكنه قام بإلقاء نصف الحمولة فلا يمكن اعتبار جميع النصف الملقاة ضمن الخسائر المشتركة ولكن على الربان تحمل الربع الزائد الذي تم إلقاؤه .
كما أن على الربان مراعاة مصالح الشاحنين وقيمة البضائع التي تلقى بقدر المستطاع والمعقول فإن كان على ظهر المركب صندوقان واحد فيه طن ذهب والآخر طن حديد وكانت السفينة بحاجة إلى إلقاء طن من الحمولة فليس من المعقول أن يقوم الربان بإلقاء طن الذهب بدلاً من إلقاء طن من الحديد إذا كان يعلم حقيقة المواد المشحونة بل عليه إلقاء الحديد حفاظاً على مصلحة الشاحنين لأن قيمته ضئيلة مقابل الذهب "ومع ذلك فإن التضحية بالبضائع التي شحنت على سطح السفينة خلافاً للقواعد والعادات البحرية ، وكذلك البضائع التي لم ينظم بها سند شحن لا تعتبر من الخسائر البحرية المشتركة ، والحكم نفسه يسري على البضائع التي قدم عنها تصريح كاذب للربان "9 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn9)
ومن الجدير بالذكر هنا أن البضائع التي شحنت خلافاً للعادات البحرية ولم يعترض الشاحن على ذلك وكذلك البضائع التي لم يحرر لها سند شحن وتلك التي قدم عنها تصريح كاذب فإن هذه البضائع لا تدخل بالخسارة المشتركة إن هلكت ولكنها تدخل في الغرامة في حالة إنقاذها إلا إذا اثبت أن الشاحن حسن النية وذلك لحمل الشاحنين على الالتزام بما يقتضيه العرف البحري من صدق في التعامل وعدم التحايل على القانون .
2/ وجود خطر حقيقي يهدد السفينة بالغرق
وجود خطر حقيقي يهدد السفينة هو من أهم شروط الخسارة المشتركة ويفترض في هذا الخطر أن يكون حقيقياً سواء كان الخطر حالاً أو محتمل الوقوع وذلك لكونه لو اشترط أن يكون الخطر حالاً بشكل مطلق فإنه يقيد الربان مما قد يؤدي إلى عدم إمكانية تدارك الخطر حينها ولهذا يجب أن يكون حالاً أو محتمل الوقوع ، لذلك فإنه يكفي أن يكون استخلاص حالة الخطر معقولاً في الظروف التي يكون بها الربان ، إلا أنه من الناحية الأخرى يجب أن يكون الخطر الذي يواجه الربان ما زال مجرد خطر ، فإذا كانت الخسارة قد تحققت بالفعل قبل تدخل الربان بإرادته فإن هذه الخسارة لا يمكن اعتبارها من الخسائر المشتركة بل هي خسارة خاصة تقع على عاتق من يتحملها على أساس أنها قوة قاهرة .
والأصل في الخسارة المشتركة أن تكون ناتجة عن قوة قاهرة وليس عن خطأ الربان أو أحد الملاحين أو لوجود عيب في السفينة فإن كان الخطر الذي أحاط بالسفينة ناشئ عن خطأ الربان كأن يقوم الربان بالتزود بالوقود بقدر لا يكفي الرحلة فيضطر الربان في هذه الحالة إلى استعمال جزء من الحمولة كوقود فإن هذه الخسائر تعد خسائر مشتركة ولكن للشاحنين الذين ساهموا في التعويض الرجوع على من تسبب بالضرر كالمجهز أو الربان وذلك بناءً على نص المادة 267 من قانون التجارة البحرية الأردني .
3/ وجود منفعة مشتركة :
يشترط لاعتبار التضحية الاختيارية من الربان للبضاعة خسائر بحرية مشتركة أن تكون هذه التضحية من أجل المنفعة المشتركة بين البضائع وبين السفينة أي أن تكون المنفعة قد حلت على السفينة وعلى البضائع التي نجت مع نجاة السفينة أما ما عدا السفينة والبضائع فلا تدخل في تقدير المنفعة المشتركة ، فالأشخاص الذين أنقذوا بفضل التضحية لا يشتركون في تحمل نفقات التضحية وذلك لأن الإنسان لا يقوّم بالمال وكذلك الأشياء التي توجد على متن السفينة ولا تعد من البضائع لا تدخل في نفقات التضحية كالرسائل البريدية مثلاً وأمتعة البحارة والركاب والطعام الموجود على ظهر السفينة ولكن إذا تم التضحية بهذه الأشياء فإنها تدخل ضمن الخسائر المشتركة .
ولكن هناك أشياء قد توجد على ظهر السفينة ولا تدخل في عداد الخسائر المشتركة إذا تم التضحية بها ولكنها تلتزم بالاشتراك في التعويض إذا ما تم إنقاذها وذلك كعقوبة وهذا ما جاء في نص المادة 268 من قانون التجارة البحرية الأردني " إن البضائع التي لم تنظم بها وثيقة شحن أو التي لم يقدم عنها الربان إشعاراً بالتسلم لا تعد من الخسائر البحرية المشتركة إذا هلكت لكنها تدخل في الغرامة إذا هي أنقذت . وهذا الحكم للبضائع التي قدم عنها تصريح كاذب ما لم يثبت صاحب العلاقة حسن النية . " 10 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn10)
ولكن إذا اتضح أن الربان كان يقصد من التضحية الإرادية مصلحة محددة محصورة بقصد إنقاذ بعض الأشخاص الموجودين على ظهر السفينة أو أن التضحية كانت لإنقاذ بضاعة معينة على ظهر السفينة لم يكن هلاكها يؤثر على بقية البضائع ولا على السفينة فإن هذه التضحية لا تعتبر من الخسائر المشتركة لأنها لا تعود بالنفع على المجموع وذلك لأن إنقاذ السفينة من الخطر المحدق إنما يكون إنقاذاً للبضائع التي على ظهر السفينة فيتم الاستفادة من هذا الإنقاذ لكل من المجهز مالك السفينة وكذلك الشاحنين الآخرين أصحاب البضائع وأما في حالة أن الربان ضحى بالبضاعة من أجل إنقاذ بضاعة معينة لم تكن تهدد السفينة ولا البضائع الأخرى فإن هذا يعني عدم وجود منفعة حقيقية أصابت الباقين ولهذا ينتفي الغرض من المشاركة في الخسائر المشتركة .
4/ تحقيق نتيجة مفيدة :
يرى البعض أن الخسارة لا تعتبر مشتركة إلا إذا ترتب عليها نتيجة مفيدة بأن تنجو السفينة وحمولتها من الخطر ، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى نظرية الإثراء بلا سبب والتي تقول بأنه لا يكفي أن يكون افتقار في جانب ، بل يجب أن يقابله إثراء في الجانب الآخر .
ويرى البعض الآخر أنه لا يشترط في الخسارة المشتركة أن يسفر عمل الربان عن نتيجة مفيدة بل يكفي أن يكون هذا العمل قد تم من أجل المنفعة المشتركة بغض النظر عن النتيجة .
وقد أخذ المشرع الأردني بالرأي الثاني حيث أنه لم يشترط حدوث نتيجة مفيدة وذلك بالنص الصريح الذي جاء في المادة 262 فيما خلا الحالات التي نص عليها في المادة 266 والتي جاء فيها : " لكي يفسح مجال التحاص يجب أن يكون قد أنقذ كامل السفينة والحمولة أو بعضها ما لم يهلك أحدهما إهلاكاً تاماً حفظاً لسلامة الآخر " 11 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn11) ويتضح من هذا النص أنه يجب للمساهمة أو التحاص أن تتحقق نتيجة مفيدة بأن يكون قد أنقذ كامل السفينة والحمولة أو بعضها أو أن يكون إنقاذ أحدهما عن طريق التضحية بالآخر بتمامه أما إذا هلكت السفينة والحمولة معاً كأن يضحي بالبضائع دون أن تنجو السفينة جراء هذه التضحية فلا مجال هنا للتحاص أو المساهمة وذلك لزوال العناصر الإيجابية التي تلتزم بالمساهمة حيث أن كل جانب لا يسأل إلا في حدود حصته سواء كانت السفينة أو البضائع وبهذا نجد أنه لا بد من وجود عناصر إيجابية من أجل المساهمة في الخسارة المشتركة ورغم أن المشرع لم يشترط نتيجة مفيدة من ذلك إلا أنه غالباً ما يكون من الضروري حدوث نتيجة مفيدة وهي أساساً متمثلة بإنقاذ السفينة ومن ثم البضاعة فلا مجال للحديث عن إنقاذ بضائع في وقت تغرق فيه السفينة ولو كانت الحمولة أخشاب فإنه من الصعب التقاطها في عرض البحر ولو أنها التقطت فإن هذا لا يعني أنها نجت بفعل التضحية وإنما نجت بسبب طبيعتها .
5/ أن تكون الخسارة المشتركة نتيجة مباشرة للفعل :
لكي نكون أمام خسارة بحرية مشتركة لا بد من توافر شرط الرابطة السببية أو العلاقة المباشرة أي أن يكون محل الخسارة هو نتيجة مباشرة للفعل الذي قام حقيقة فالمادة 263 من قانون التجارة البحرية الأردني جاء فيها " إن الأضرار والهلكات والنفقات الناتجة مباشرة عن عمل له صفة الخسارة البحرية المشتركة تقبل وحدها في عداد الخسائر البحرية المشتركة " 12 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn12)
رأينا أن المادة 263 من التشريع البحري الأردني تقضي بأنه لا يعد من الخسائر البحرية المشتركة إلا الأضرار والنفقات الناتجة مباشرة عن عمل له في الخسارة البحرية المشتركة وما يترتب على ذلك العمل من هلاك وبناءً عليه فإن ما يحدث من ضرر للسفينة أو البضاعة بسبب التأخير في الرحلة مثلاً كمقابل التأخير المستحق للسفينة أو التعويض اللازم للبضاعة من نقص قيمتها في السوق لوصولها في موعد غير مناسب أو ما لحقها من سمعة نتيجة الحادث فإنه لا يعد نتيجة مباشرة للخسائر المشتركة وبناء عليه لا يعتبر ضمن الخسائر المشتركة التي تدخل في المساهمة .
هذه هي شروط تحقق الخسارة البحرية المشتركة ولا مجال لأن نكون أمام خسارة مشتركة ما لم تتحقق هذه الشروط وفي حالة تحققها وإقامة الدليل على أنها خسائر مشتركة نكون بصدد توزيع الخسارة على جميع أطراف الرحلة البحرية كل بقدر حصته من رأس المال المتعلق بالسفينة وذلك حسب النسبة .
الخاتمة :
لقد تم التعرف على ماهية الخسائر المشتركة وكيفية نشوئها منذ ثلاثة آلاف سنه تقريباً وأن هذا النظام قد تطور على مر الزمن بتطور ملازم لتطور الملاحة البحرية نفسها حتى أنه استقر في معظم التشريعات الدولية وتميز بميزة خاصة تتواجد فقط في التشريعات البحرية ولا يشترك فيها أي تشريع آخر مما ساعد على استقلال هذه القواعد عن التشريعات الأخرى بما لها من خصوصية تنفرد بها وحدها بسبب ما قد تتعرض له من مخاطر تكون محيطة بالمجموع في الرحلة البحرية .
واتضح لنا في هذا البحث انه من حق الربان أن يلقي بجزء من البضائع في سبيل سلامة الرحلة البحرية لصالح المجموع وبما أن البضائع قد ألقيت في سبيل مصلحة المجموع فإنه من واجب هذا المجموع أن يعوض من ألقيت بضائعهم عن الخسائر التي لحقت بهم لأجل المجموع وهذا يعني أنه هناك مشاركة بين المجموع في الرحلة البحرية في حالة الخسارة فلا تكون الخسارة على أشخاص دون الآخرين بما فيهم المجهز ولكي يكون هناك عدل في تحمل الخسارة فقد أوجب المشرع أن تكون قيمة الخسارة متساوية حسب النسبة في المصالح أي في قدر الإفادة التي حصل عليها من نجت بضائعه وأمواله وذلك بأن يقسم الخسائر على أساس رأس المال المتبقي فيكون نسبة كل واحد منهم ذلك القدر الذي لحق بالمجموع من خسائر وبهذا نكون قد أجبنا على جميع التساؤلات التي ثارت عند مطلع البحث حول طبيعة هذه الخسارة البحرية المشتركة وأساسها القانوني والتاريخي وماهيتها وخصائصها .
تم بحمد الله
المراجع
1. دكتور ثروت علي عبد الرحيم – الخسارات البحرية المشتركة – الطبعة الأولى – جامعة الكويت – الكويت – 1974 .
2. دكتور صلاح الدين الناهي – الوجيز في مبادئ القانون البحري – الطبعة الأولى – دار المهد للنشر والتوزيع – عمان - 1982 .
3. دكتور عادل علي المقدادي – القانون البحري – الطبعة الأولى الإصدار الثاني – دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – 1999 .
4. دكتور على البارودي – مبادئ القانون البحري – الطبعة الأولى منشأة المعارف – الإسكندرية – 1983 .
5. قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لسنة 1972.
6. دكتور محمود سمير الشرقاوي – القانون البحري الليبي – الطبعة الأولى- المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر – الإسكندرية – 1970 .
7. دكتور مصطفى كمال طه – القانون البحري – الطبعة الثانية – دار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت - 1975 .
[1] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref1)[1] د.محمود سمير الشرقاوي - القانون البحري الليبي – الطبعة الأولى – المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر – الإسكندرية – 1970 – ص 567.
[2] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref2)[2] د. ثروت علي عبد الرحيم – الخسارات البحرية المشتركة – ط 1 – الطبعة العصرية – الكويت – 1974 –ص 13.
[3] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref3)[3] د. مصطفى كمال طه – القانون البحري – ط 2 – دار النهضة العربية – بيروت – 1975-ص 367
[4] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref4)[4] مصطفى كمال طه – المرجع السابق ص 367
5 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref5) د. مصطفى كمال طه – القانون البحري – ط 2 – دار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت –1972 – ص 370
6 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref6) د.محمود سمير الشرقاوي – القانون البحري الليبي – ط 1 – المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر – الإسكندرية – 1970 – ص 568
7 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref7) د. مصطفى كمال طه – القانون البحري – ط2 – دار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت – 1975- ص 372
8 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref8) قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لسنة 1972 المادة 266
9 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref9) د.عادل علي مقدادي – القانون البحري – ط 1 – مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – 1999 –ص 221.
10 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref10) المادة 268 من قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لسنة 1972
11 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref11) المادة 266 من المرجع السابق
12 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref12) المادة 263 من المرجع السابق
منقول للامانة :)
المبحث الأول :
الأساس التاريخي للخسائر البحرية المشتركة
وأساسها القانوني وشروط تحققها
في هذا المبحث سوف نستعرض الأساس التاريخي لنظام الخسائر البحرية المشتركة وكيف نشأ هذا النظام ومن أين نشأ وكيف تم التعامل فيه كذلك سوف نبحث في أساسها القانوني وتطوره وشروط تحقق الخسارات البحرية المشتركة .
المطلب الأول :
الأساس التاريخي للخسارات البحرية المشتركة .
إن المخاطر التي تتعرض لها السفن قديماً في البحر كانت كثيرة وتصعب مواجهتها لا سيما وان السفن قديماً كانت مجرد سفن خشبية تسير بالأشرعة غالباً وبسبب تلك المشاكل التي تتعرض لها هذه السفن قد يضطر الربان لإلقاء بعض الحمولة في البحر كي ينقذ السفينة من الغرق وهذا يعني أن يتحمل صاحب تلك البضاعة الخسارة لوحده !! وهذا ليس من العدل في شيء ولهذا أوجد الفينيقيون قاعدة تسمى بالعوار أي الإلقاء في البحر وبموجب هذه القاعدة يتم تقسيم الخسارة على جميع أصحاب البضائع لكي لا يتحملها شخص واحد "وتدل الأبحاث التاريخية على أن نظام الخسارات كان معروفاً في جزيرة رودس بين سنة 916 وسنة 700 قبل الميلاد ثم ظهر هذا النظام في قانون رودس للإلقاء في البحر أيام حكم الفينيقيين "[1] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn1)[1]
وكما جاء في قانون رودس أيام حكم الفينيقيين بأن الخسارة البحرية المشتركة " تقضي بأنه إذا ألقيت بضائع من حمولة السفينة في البحر بقصد تخفيف هذه الحمولة فان ما يضحى به في سبيل المجموع يتعين التعويض عنه عن طريق مساهمة أفراد هذا المجموع "[2] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn2)[2]
إن مثل هذه القاعدة تبين لنا مدى التعاون بين أصحاب الحمولة المتواجدة في السفينة الواحدة وذلك عندما يتم التضحية بمال أحد الأشخاص لإنقاذ المجموع فيكون من واجب هذا المجموع أن يشارك في الخسارة وان لا يتحمل ذلك الشخص الخسارة لوحده وذلك لان النفع قد عم الجميع فعليهم تطبيق قاعدة المساواة - الجرم بالغنم – ولكي لا يخسروا كل شيء عليهم التضحية ببعض الشيء .
"ثم اخذ الرومان هذا القانون عن الفينيقيين وأسموه قانون رودس الخاص بالرمي في البحر."[3] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn3)[3]
ويتضح مما تقدم أن الفينيقيين العرب هم أول من أوجد قاعدة العوار وهي كلمة عربية تعني الرمي في البحر وعن الفينيقيين اخذ الرومان هذه القاعدة وعدلوا عليها بما يتلاءم مع أفكارهم وثقافتهم وقننه الرومان فيما يسمى بمجموعة جوستنيان كما انه طبق في الدولة البيزنطية كما أن التشريعات الأوروبية تضمنت هذه القاعدة في العصور الوسطى حيث جاء في قنصلية البحر "أحكاما مفصلة عن الرمي في البحر وأوجبت على الربان قبل القيام بهذا الإجراء أن يأخذ رأي الشاحنين الذين جرت العادة بسفرهم مع البضاعة في ذاك الوقت فإن وافق الشاحنون قام الربان بالرمي "[4] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn4)[4]إن ما يستشف من هذا الاقتباس أن أحكام قنصلية البحر كانت متأخرة عما جاء به الفينيقيين ، فالفينيقيين تميزوا بأن الربان يحق له إلقاء البضاعة دون إذن الشاحن ، ولكن في أحكام قنصلية البحر كان الربان مقيداً بموافقة الشاحن وهذا طبعاً يثير إشكالية هامة هي ماذا يستطيع الربان أن يفعل حيال الخطر المحدق إذا رفض جميع الشاحنين إلقاء أجزاء من الحمولة .
بعد ذلك جاءت أحكام اوليرون فأوجبت اخذ موافقة الشاحنين قبل القيام بالرمي بالبحر أو عند إقرار التضحية بأجزاء من السفينة من أجل تخفيض الحمولة لتفادي الخطر وهذا يعني ضرورة وجود الشاحنين على ظهر السفينة ، فإن كانوا غائبين أو رفض بعضهم أو جميعهم القيام بالتضحية بالبضائع أو بأجزاء منها يحق للربان في هذه الحالة أن يلقي أجزاء من البضاعة أو السفينة بعد اخذ رأي الملاحين بضرورة الإلقاء لتفادي الغرق .
وفي عام 1681 صدر الأمر الملكي الفرنسي في عصر لويس الرابع عشر القاضي بتنظيم الملاحة حيث جاء في أحكامه أن الرمي في البحر يقتضي موافقة أصحاب البضاعة وهذا يعني ضرورة وجود أصحاب البضائع مع البضائع لأخذ الإذن منهم علما بأنه في ذلك الوقت كانت قد توقفت مرافقة أصحاب البضائع لبضائعهم منذ زمن وهذا أدى إلى إخلال عملي في تنظيم الرمي في البحر عند الضرورة ، وعلى الرغم من هذا الخطأ الفاحش في التشريع الفرنسي في ذلك الوقت إلا أن المشرع الفرنسي قد أورد هذه الأحكام كما هي في نصوص المجموعة التجارية البحرية الفرنسية عام 1807 دون التنبؤ لما هو حاصل على ارض الواقع في عمليات النقل البحري مما أدى إلى شل العمل بقاعدة الرمي في البحر .
إن سير وتطور قاعدة الخسائر البحرية المشتركة كانت تمر بتطور مختلف بين الدول ، وأحكامها وشروطها وحالاتها تختلف من دولة إلى أخرى وهذا أثار إشكاليات عدة عند تعدد جنسيات الشاحنين ولهذا كان يتبع قاعدة الرجوع إلى قانون ميناء التفريغ النهائي أي آخر محطة للرحلة البحرية لكن هذا المبدأ لم ينزع بذور الخلاف ولهذا كان لا بد من إيجاد قواعد دولية تحكم أي نزاع وان يتم توحيد القواعد في جميع الدول بخصوص الخسائر البحرية المشتركة وذلك لتطور أساليب الملاحة في القرن التاسع عشر بعد توسع الملاحة بسبب تطور السفن البخارية الكبيرة وتعدد جنسيات الشاحنين بشكل اكبر .
ولهذا فقد رأت جمعية القانون الدولي ضرورة توحيد هذه القواعد فعقدت مؤتمر دولي في مدينة يورك بإنجلترا سنة 1864 ومؤتمر آخر بعده في مدينة انفرس ببلجيكا سنة 1877 تمخض عنه إيجاد أول قواعد دولية موحدة حول الخسائر البحرية المشتركة وتم اعتماد هذه القواعد في مؤتمر ليفربول سنة 1890 ، لكن هذه القواعد لم تكن تحمل تعريفاً للخسائر البحرية المشتركة وإنما كانت حلولاً لبعض الحالات ولهذا عقد في عام 1924 مؤتمر دولي في ستكهولم اكمل النقص في قواعد يورك وانفرس وبعد ذلك توالت الاتفاقيات الدولية للتعديل في هذه القواعد .
المطلب الثاني :
الأساس القانوني لنظرية الخسائر البحرية المشتركة .
إن نظام الخسائر المشتركة يتطلب توزيع الخسائر على الجميع أي كل من الشاحنين والناقل فالناقل الذي ألقى بأجزاء سفينته له الرجوع على الشاحنين بالتعويض عن جزء من هذه الخسارة التي استفادوا هم منها ولولا هذه الخسارة التي لحقت بالناقل أو أحد الشاحنين الذي ألقيت بضاعته لما نجت بضائع الشاحنين الآخرين ولهذا تعددت الآراء الفقهية فيما هو السند القانوني لهذه المشاركة ومن هذه الآراء الفقهية سوف ندرج ثلاثة أراء هي :
1. نظرية الإثراء بلا سبب .
2. نظرية اتحاد العالم بين المجهز والشاحنين .
3. نظرية أن الخسائر المشتركة هي تطبيق لاتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين .
1. نظرية الإثراء بلا سبب :
إن بعض الفقهاء في فرنسا قد اعتمدوا على أساس أنه لا يجوز لشخص أن يثري على حساب الغير دون وجود سبب مشروع لهذا الإثراء وبناء عليه فان أصحاب البضائع التي تم إنقاذها قد أثروا على حساب من ألقيت بضائعهم ولهذا يحق للشاحنين الذين ألقيت بضائعهم الرجوع على من أثروا على حسابهم بالتعويض بمقتضى نظريه الإثراء بلا سبب ولكن هذا الرأي مردود عليه وذلك لكون عملية الإلقاء في البحر فيها خسارة فعلية محققة لجانب أي افتقار في الذمة المالية ولكن لا يوجد بالمقابل زيادة في الذمة المالية للشاحنين الآخرين وعدم إلقاء بضائعهم لا يعني انهم أثروا على حساب الآخرين وذلك لعدم وجود أي إضافة أو زيادة في الذمة المالية لهم علماً بان قاعدة الإثراء بلا سبب تتطلب توافر شرطين أساسيين وهم افتقار الذمة المالية الأولى وزيادة الذمة في الذمة المالية للمثري على أن تكون هناك رابطة أو علاقة سببية بين الافتقار والإثراء وفي مثالنا هنا حول الخسائر المشتركة لا يتوفر الشق الثاني وهو زيادة في الذمة المالية للشاحنين الآخرين وهذا يعني أن رأي الفقه الفرنسي في تأسيس قاعدة الخسائر المشتركة على أساس نظرية الإثراء بلا سبب هو مجرد إرهاصات لا يمكن الاستناد عليها وهذا ما قال به الدكتور مصطفى كمال في كتابه القانون البحري حيث قال : " يؤخذ على هذا المذهب انه إذا كان هناك افتقار وخسارة في جانب فليس هناك إثراء في الجانب الآخر لان عدم التعرض للهلاك لا يعد من قبيل الإثراء وإذا كانت نظرية الخسائر المشتركة محض تطبيق للإثراء بلا سبب لكان من الواجب أن يؤخذ بها في النقل البري أسوة بالنقل البحري ولكن الواقع غير ذلك "5 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn5)
وكذلك كان رأي الدكتور محمد الشرقاوي الأستاذ المساعد في القانون البحري في كلية الحقوق / الجامعة الليبية حيث قال "إن نظرية الإثراء بلا سبب تفترض افتقار في ذمة شخص يقابله إثراء في ذمة الآخر بينما إذا سلمنا بان الخسائر المشتركة تؤدي إلى افتقار في ذمة أصحاب البضائع التي ألقيت في البحر فان هذا الافتقار لا يقابله إثراء "6 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn6)
وهذا يعني أن إسناد الأساس القانوني للخسائر المشتركة إلى نظرية الإثراء بلا سبب هو إسناد ضعيف لا يمكن اعتماده أو التأسيس عليه .
2. نظرية اتحاد المصالح بين المجهز والشاحنين
ويرى البعض الآخر من فقهاء القانون أن الأساس القانوني لنظرية الخسائر المشتركة إنما تقوم على أساس اتحاد المصالح بين المجهز والشاحنين ضد مخاطر البحر فنجاة البضاعة مرتبط بنجاة السفينة وهذا يعني حرص الشاحنين على سلامة السفينة طول الرحلة البحرية لكي تنجو بضائعهم وهذا يختلف عن النقل البري وذلك لان الناقل في النقل البري يتحمل كل مخاطر النقل لكونها مخاطر ضئيلة أما في النقل البحري فالمخاطر كثيرة ومحتملة الوقوع ولتفاديها لا بد أحيانا من إلقاء بعض الحمولة لكي تنجو السفينة والبضائع الأخرى من أجل المصلحة العامة ومن أجل تشجيع الربان على القيام بهذا الإلقاء في البحر تقرر أن للربان هذا الحق من اجل المصلحة العامة التي يستفيد منها كل من الشاحنين والمجهز وذلك لكون الربان ممثلاً للمجهز والشاحنين على السواء نظراً لاتحاد المصالح الذي ينشأ منذ شحن البضاعة على ظهر السفينة .
ورغم أن هذا الحديث فيه نوع من الصحة إلا انه مردود وذلك لكون الربان ليس ممثلاً قانونياً عن الشاحن ولا سيما عندما يكون الشاحن موجود على ظهر السفينة مع البضاعة فالربان في هذه الحالة لا يمكن اعتباره ممثلاُ عن الأصل في حالة وجود الأصيل وخاصة عندما يرفض الشاحن إلقاء بضاعته ورغم ذلك يتم الإلقاء ولهذا فان فكرة التمثيل في اتحاد المصالح لا يمكن الأخذ به .
3. الخسائر المشتركة تطبيق لاتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين
ويرى الفريق الثالث أن نظرية الخسائر المشتركة ليست تطبيقاً للقواعد العامة بل هي نظام بحري أصيل يتضمن خروجاً عن هذه القواعد ويقوم على اتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين يشتركون بمقتضاه في تحمل المخاطر التي تتعرض لها الرحلة البحرية .
ويستند هذا الفريق على أن التطور التاريخي الذي مر به نظام الخسائر البحرية المشتركة قد عزز فكرة الاتفاق الضمني حيث انه كان يجب على الربان وفقاً لقنصلية البحر وأحكام اوليرون أن يقوم الربان باستشارة الشاحنين أو ممثليهم قبل القيام بأية تضحية في سبيل السلامة العامة مما يشجع على الاعتقاد بان أساس المساهمة في الخسائر المشتركة هو وجود عقد ضمني بين المجهز والشاحنين ، وأما الشاحنون الذين لم يعودوا يسافروا مع بضائعهم أدى إلى اعتبار الربان ممثلاً قانونياً عن الشاحنين والمجهز وله بناءً على الاتفاق الضمني أن يتصرف وقت الضرورة بما تحتاجه هذه الضرورة .
ويضيف أصحاب هذا الرأي " لما كانت الخسائر المشتركة تقوم على اتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين فانه يجوز للأطراف تعديل القواعد الواردة بشأنها وإبدالها بقواعد أخرى ، كما يسوغ الاتفاق على إلغاء كل اشتراك أو مساهمة بسبب الخسائر "7 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn7)
غير أن هذا الكلام مردود لكون المشاركة في الخسائر المشتركة لا يمكن الاتفاق على إلغائها فهي من القواعد الآمرة في القانون البحري كما انه لا يمكن الاتفاق على عدم المشاركة بها بخلاف ما طرحه أصحاب هذه النظرية التي تقول بالاتفاق الضمني كما انه لا يمكن اعتبار المشاركة في الخسائر المشتركة تعود لاتفاق ضمني بين الشاحن والمجهز وذلك لوجود نص صريح بالقانون يقرر هذه القاعدة .
ونحن نرى أن الأساس القانوني لنظرية الخسائر المشتركة هو نص القانون وذلك لان القانون حينما يوضع إنما يوضع لعلاج إشكاليات حاصلة على ارض الواقع ومن أجل الحفاظ على المصالح العامة وتلبية لاحتياجات الواقع ٍوعندما وجد الفينيقيون قديماً أن هناك حاجة لمثل هذه القاعدة تم تشريعها بناءً على الحق الطبيعي للشاحنين والمجهز وذلك لأنه من العدل أن يتساوى الأفراد بين الغنم والغرم فمن يريد أن يكسب ويشارك في هذا الكسب عليه أن يخسر ويشارك في الخسارة إذا اقتضت الظروف ذلك لان الشاحنين والمجهز يستفيدوا بسبب الإلقاء في البحر الذي يكون هو مجرد خسارة لأحد الشاحنين فمن ا لطبيعي أن يشاركوا هذا الشاحن بالخسارة لكونهم استفادوا من خسارته ولولا خسارته لما نجت بضاعتهم ولا السفينة وبما أن المشرع قديماً وحديثاً وجد أنه من الضروري أن يكون هناك مشاركة لكي لا يكون العبء على واحد ولكي يكون هناك تشجيع للمشاركة نص على وجوب المشاركة في الخسائر البحرية المشتركة ولهذا نرى أن الأساس القانوني لهذه المشاركة إنما هو نص القانون الصريح ولا مجال لاختلاق فرضيات لا أساس لها من الواقع مثل الاتفاق الضمني أو اتحاد المصالح أو الإثراء بلا سبب .
المطلب الثالث :
شروط تحقق الخسارة البحرية المشتركة
لقد أورد المشرع الأردني شروط تحقق الخسارة البحرية المشتركة في المادة 266 من قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لسنة 1972 حيث جاء في النص " الخسارة البحرية المشتركة هي ما ينتج من أضرار وهلاك أشياء ونفقات استثنائية عن هلاك اقدم عليه الربان قصداً للمنفعة المشتركة ومجابهة للخطر تعرضت له الرحلة ولا يشترط حصول نتيجة مفيدة من ذلك خلا الحالات المنصوص عليها في المادة 266 "8 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn8)
ويستنبط من هذا النص أن هناك عدة شروط لكي تكون هناك خسارة بحرية مشتركة وهذه الشروط هي :
1. قيام الربان بإلقاء الحمولة
قيام الربان بإلقاء الحمولة أو جزء منها عن سابق قصد ونية وهذا يعني انه متى قام الربان عن قصد بإلقاء الحمولة لدرء خطر معين حتى نكون أمام خسارة مشتركة ولو أن الربان لم يقصد إلقاء الحمولة فهنا ينتفي وجود خسارة مشتركة كأن يكون على ظهر السفينة بضائع معينة ونتيجة لعدم تحزيمها وربطها انقلبت فهذا لا يعني أن هناك خسارة مشتركة وهذا يعني انه متى كانت الخسارة نتيجة لقوة قاهرة لا علاقة للربان بها عن قصد وقد هلكت فلا نكون أمام خسائر بحرية مشتركة هذا بالإضافة إلى ضرورة أن يتناسب العمل الذي قام به الربان مع حجم الخطر المحدق مع مراعاة مصالح الشاحنين ، فإن كان العمل الذي قام به الربان هو اكبر مما تتطلبه الحالة أو الخطر لمواجهته فلا يمكن اعتباره ضمن الخسائر البحرية المشتركة وإنما يتحمل هذه الزيادة أو المبالغة الربان نفسه فلو كان الخطر هو ضرورة إعادة التعويم حيث كانت السفينة على وشك الغرق نتيجة للحمولة وكان على الربان إلقاء ربع الحمولة لكي تعوم السفينة لكنه قام بإلقاء نصف الحمولة فلا يمكن اعتبار جميع النصف الملقاة ضمن الخسائر المشتركة ولكن على الربان تحمل الربع الزائد الذي تم إلقاؤه .
كما أن على الربان مراعاة مصالح الشاحنين وقيمة البضائع التي تلقى بقدر المستطاع والمعقول فإن كان على ظهر المركب صندوقان واحد فيه طن ذهب والآخر طن حديد وكانت السفينة بحاجة إلى إلقاء طن من الحمولة فليس من المعقول أن يقوم الربان بإلقاء طن الذهب بدلاً من إلقاء طن من الحديد إذا كان يعلم حقيقة المواد المشحونة بل عليه إلقاء الحديد حفاظاً على مصلحة الشاحنين لأن قيمته ضئيلة مقابل الذهب "ومع ذلك فإن التضحية بالبضائع التي شحنت على سطح السفينة خلافاً للقواعد والعادات البحرية ، وكذلك البضائع التي لم ينظم بها سند شحن لا تعتبر من الخسائر البحرية المشتركة ، والحكم نفسه يسري على البضائع التي قدم عنها تصريح كاذب للربان "9 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn9)
ومن الجدير بالذكر هنا أن البضائع التي شحنت خلافاً للعادات البحرية ولم يعترض الشاحن على ذلك وكذلك البضائع التي لم يحرر لها سند شحن وتلك التي قدم عنها تصريح كاذب فإن هذه البضائع لا تدخل بالخسارة المشتركة إن هلكت ولكنها تدخل في الغرامة في حالة إنقاذها إلا إذا اثبت أن الشاحن حسن النية وذلك لحمل الشاحنين على الالتزام بما يقتضيه العرف البحري من صدق في التعامل وعدم التحايل على القانون .
2/ وجود خطر حقيقي يهدد السفينة بالغرق
وجود خطر حقيقي يهدد السفينة هو من أهم شروط الخسارة المشتركة ويفترض في هذا الخطر أن يكون حقيقياً سواء كان الخطر حالاً أو محتمل الوقوع وذلك لكونه لو اشترط أن يكون الخطر حالاً بشكل مطلق فإنه يقيد الربان مما قد يؤدي إلى عدم إمكانية تدارك الخطر حينها ولهذا يجب أن يكون حالاً أو محتمل الوقوع ، لذلك فإنه يكفي أن يكون استخلاص حالة الخطر معقولاً في الظروف التي يكون بها الربان ، إلا أنه من الناحية الأخرى يجب أن يكون الخطر الذي يواجه الربان ما زال مجرد خطر ، فإذا كانت الخسارة قد تحققت بالفعل قبل تدخل الربان بإرادته فإن هذه الخسارة لا يمكن اعتبارها من الخسائر المشتركة بل هي خسارة خاصة تقع على عاتق من يتحملها على أساس أنها قوة قاهرة .
والأصل في الخسارة المشتركة أن تكون ناتجة عن قوة قاهرة وليس عن خطأ الربان أو أحد الملاحين أو لوجود عيب في السفينة فإن كان الخطر الذي أحاط بالسفينة ناشئ عن خطأ الربان كأن يقوم الربان بالتزود بالوقود بقدر لا يكفي الرحلة فيضطر الربان في هذه الحالة إلى استعمال جزء من الحمولة كوقود فإن هذه الخسائر تعد خسائر مشتركة ولكن للشاحنين الذين ساهموا في التعويض الرجوع على من تسبب بالضرر كالمجهز أو الربان وذلك بناءً على نص المادة 267 من قانون التجارة البحرية الأردني .
3/ وجود منفعة مشتركة :
يشترط لاعتبار التضحية الاختيارية من الربان للبضاعة خسائر بحرية مشتركة أن تكون هذه التضحية من أجل المنفعة المشتركة بين البضائع وبين السفينة أي أن تكون المنفعة قد حلت على السفينة وعلى البضائع التي نجت مع نجاة السفينة أما ما عدا السفينة والبضائع فلا تدخل في تقدير المنفعة المشتركة ، فالأشخاص الذين أنقذوا بفضل التضحية لا يشتركون في تحمل نفقات التضحية وذلك لأن الإنسان لا يقوّم بالمال وكذلك الأشياء التي توجد على متن السفينة ولا تعد من البضائع لا تدخل في نفقات التضحية كالرسائل البريدية مثلاً وأمتعة البحارة والركاب والطعام الموجود على ظهر السفينة ولكن إذا تم التضحية بهذه الأشياء فإنها تدخل ضمن الخسائر المشتركة .
ولكن هناك أشياء قد توجد على ظهر السفينة ولا تدخل في عداد الخسائر المشتركة إذا تم التضحية بها ولكنها تلتزم بالاشتراك في التعويض إذا ما تم إنقاذها وذلك كعقوبة وهذا ما جاء في نص المادة 268 من قانون التجارة البحرية الأردني " إن البضائع التي لم تنظم بها وثيقة شحن أو التي لم يقدم عنها الربان إشعاراً بالتسلم لا تعد من الخسائر البحرية المشتركة إذا هلكت لكنها تدخل في الغرامة إذا هي أنقذت . وهذا الحكم للبضائع التي قدم عنها تصريح كاذب ما لم يثبت صاحب العلاقة حسن النية . " 10 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn10)
ولكن إذا اتضح أن الربان كان يقصد من التضحية الإرادية مصلحة محددة محصورة بقصد إنقاذ بعض الأشخاص الموجودين على ظهر السفينة أو أن التضحية كانت لإنقاذ بضاعة معينة على ظهر السفينة لم يكن هلاكها يؤثر على بقية البضائع ولا على السفينة فإن هذه التضحية لا تعتبر من الخسائر المشتركة لأنها لا تعود بالنفع على المجموع وذلك لأن إنقاذ السفينة من الخطر المحدق إنما يكون إنقاذاً للبضائع التي على ظهر السفينة فيتم الاستفادة من هذا الإنقاذ لكل من المجهز مالك السفينة وكذلك الشاحنين الآخرين أصحاب البضائع وأما في حالة أن الربان ضحى بالبضاعة من أجل إنقاذ بضاعة معينة لم تكن تهدد السفينة ولا البضائع الأخرى فإن هذا يعني عدم وجود منفعة حقيقية أصابت الباقين ولهذا ينتفي الغرض من المشاركة في الخسائر المشتركة .
4/ تحقيق نتيجة مفيدة :
يرى البعض أن الخسارة لا تعتبر مشتركة إلا إذا ترتب عليها نتيجة مفيدة بأن تنجو السفينة وحمولتها من الخطر ، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى نظرية الإثراء بلا سبب والتي تقول بأنه لا يكفي أن يكون افتقار في جانب ، بل يجب أن يقابله إثراء في الجانب الآخر .
ويرى البعض الآخر أنه لا يشترط في الخسارة المشتركة أن يسفر عمل الربان عن نتيجة مفيدة بل يكفي أن يكون هذا العمل قد تم من أجل المنفعة المشتركة بغض النظر عن النتيجة .
وقد أخذ المشرع الأردني بالرأي الثاني حيث أنه لم يشترط حدوث نتيجة مفيدة وذلك بالنص الصريح الذي جاء في المادة 262 فيما خلا الحالات التي نص عليها في المادة 266 والتي جاء فيها : " لكي يفسح مجال التحاص يجب أن يكون قد أنقذ كامل السفينة والحمولة أو بعضها ما لم يهلك أحدهما إهلاكاً تاماً حفظاً لسلامة الآخر " 11 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn11) ويتضح من هذا النص أنه يجب للمساهمة أو التحاص أن تتحقق نتيجة مفيدة بأن يكون قد أنقذ كامل السفينة والحمولة أو بعضها أو أن يكون إنقاذ أحدهما عن طريق التضحية بالآخر بتمامه أما إذا هلكت السفينة والحمولة معاً كأن يضحي بالبضائع دون أن تنجو السفينة جراء هذه التضحية فلا مجال هنا للتحاص أو المساهمة وذلك لزوال العناصر الإيجابية التي تلتزم بالمساهمة حيث أن كل جانب لا يسأل إلا في حدود حصته سواء كانت السفينة أو البضائع وبهذا نجد أنه لا بد من وجود عناصر إيجابية من أجل المساهمة في الخسارة المشتركة ورغم أن المشرع لم يشترط نتيجة مفيدة من ذلك إلا أنه غالباً ما يكون من الضروري حدوث نتيجة مفيدة وهي أساساً متمثلة بإنقاذ السفينة ومن ثم البضاعة فلا مجال للحديث عن إنقاذ بضائع في وقت تغرق فيه السفينة ولو كانت الحمولة أخشاب فإنه من الصعب التقاطها في عرض البحر ولو أنها التقطت فإن هذا لا يعني أنها نجت بفعل التضحية وإنما نجت بسبب طبيعتها .
5/ أن تكون الخسارة المشتركة نتيجة مباشرة للفعل :
لكي نكون أمام خسارة بحرية مشتركة لا بد من توافر شرط الرابطة السببية أو العلاقة المباشرة أي أن يكون محل الخسارة هو نتيجة مباشرة للفعل الذي قام حقيقة فالمادة 263 من قانون التجارة البحرية الأردني جاء فيها " إن الأضرار والهلكات والنفقات الناتجة مباشرة عن عمل له صفة الخسارة البحرية المشتركة تقبل وحدها في عداد الخسائر البحرية المشتركة " 12 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn12)
رأينا أن المادة 263 من التشريع البحري الأردني تقضي بأنه لا يعد من الخسائر البحرية المشتركة إلا الأضرار والنفقات الناتجة مباشرة عن عمل له في الخسارة البحرية المشتركة وما يترتب على ذلك العمل من هلاك وبناءً عليه فإن ما يحدث من ضرر للسفينة أو البضاعة بسبب التأخير في الرحلة مثلاً كمقابل التأخير المستحق للسفينة أو التعويض اللازم للبضاعة من نقص قيمتها في السوق لوصولها في موعد غير مناسب أو ما لحقها من سمعة نتيجة الحادث فإنه لا يعد نتيجة مباشرة للخسائر المشتركة وبناء عليه لا يعتبر ضمن الخسائر المشتركة التي تدخل في المساهمة .
هذه هي شروط تحقق الخسارة البحرية المشتركة ولا مجال لأن نكون أمام خسارة مشتركة ما لم تتحقق هذه الشروط وفي حالة تحققها وإقامة الدليل على أنها خسائر مشتركة نكون بصدد توزيع الخسارة على جميع أطراف الرحلة البحرية كل بقدر حصته من رأس المال المتعلق بالسفينة وذلك حسب النسبة .
الخاتمة :
لقد تم التعرف على ماهية الخسائر المشتركة وكيفية نشوئها منذ ثلاثة آلاف سنه تقريباً وأن هذا النظام قد تطور على مر الزمن بتطور ملازم لتطور الملاحة البحرية نفسها حتى أنه استقر في معظم التشريعات الدولية وتميز بميزة خاصة تتواجد فقط في التشريعات البحرية ولا يشترك فيها أي تشريع آخر مما ساعد على استقلال هذه القواعد عن التشريعات الأخرى بما لها من خصوصية تنفرد بها وحدها بسبب ما قد تتعرض له من مخاطر تكون محيطة بالمجموع في الرحلة البحرية .
واتضح لنا في هذا البحث انه من حق الربان أن يلقي بجزء من البضائع في سبيل سلامة الرحلة البحرية لصالح المجموع وبما أن البضائع قد ألقيت في سبيل مصلحة المجموع فإنه من واجب هذا المجموع أن يعوض من ألقيت بضائعهم عن الخسائر التي لحقت بهم لأجل المجموع وهذا يعني أنه هناك مشاركة بين المجموع في الرحلة البحرية في حالة الخسارة فلا تكون الخسارة على أشخاص دون الآخرين بما فيهم المجهز ولكي يكون هناك عدل في تحمل الخسارة فقد أوجب المشرع أن تكون قيمة الخسارة متساوية حسب النسبة في المصالح أي في قدر الإفادة التي حصل عليها من نجت بضائعه وأمواله وذلك بأن يقسم الخسائر على أساس رأس المال المتبقي فيكون نسبة كل واحد منهم ذلك القدر الذي لحق بالمجموع من خسائر وبهذا نكون قد أجبنا على جميع التساؤلات التي ثارت عند مطلع البحث حول طبيعة هذه الخسارة البحرية المشتركة وأساسها القانوني والتاريخي وماهيتها وخصائصها .
تم بحمد الله
المراجع
1. دكتور ثروت علي عبد الرحيم – الخسارات البحرية المشتركة – الطبعة الأولى – جامعة الكويت – الكويت – 1974 .
2. دكتور صلاح الدين الناهي – الوجيز في مبادئ القانون البحري – الطبعة الأولى – دار المهد للنشر والتوزيع – عمان - 1982 .
3. دكتور عادل علي المقدادي – القانون البحري – الطبعة الأولى الإصدار الثاني – دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – 1999 .
4. دكتور على البارودي – مبادئ القانون البحري – الطبعة الأولى منشأة المعارف – الإسكندرية – 1983 .
5. قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لسنة 1972.
6. دكتور محمود سمير الشرقاوي – القانون البحري الليبي – الطبعة الأولى- المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر – الإسكندرية – 1970 .
7. دكتور مصطفى كمال طه – القانون البحري – الطبعة الثانية – دار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت - 1975 .
[1] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref1)[1] د.محمود سمير الشرقاوي - القانون البحري الليبي – الطبعة الأولى – المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر – الإسكندرية – 1970 – ص 567.
[2] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref2)[2] د. ثروت علي عبد الرحيم – الخسارات البحرية المشتركة – ط 1 – الطبعة العصرية – الكويت – 1974 –ص 13.
[3] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref3)[3] د. مصطفى كمال طه – القانون البحري – ط 2 – دار النهضة العربية – بيروت – 1975-ص 367
[4] (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref4)[4] مصطفى كمال طه – المرجع السابق ص 367
5 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref5) د. مصطفى كمال طه – القانون البحري – ط 2 – دار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت –1972 – ص 370
6 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref6) د.محمود سمير الشرقاوي – القانون البحري الليبي – ط 1 – المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر – الإسكندرية – 1970 – ص 568
7 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref7) د. مصطفى كمال طه – القانون البحري – ط2 – دار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت – 1975- ص 372
8 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref8) قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لسنة 1972 المادة 266
9 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref9) د.عادل علي مقدادي – القانون البحري – ط 1 – مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – 1999 –ص 221.
10 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref10) المادة 268 من قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لسنة 1972
11 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref11) المادة 266 من المرجع السابق
12 (http://theuaelaw.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftnref12) المادة 263 من المرجع السابق
منقول للامانة :)