المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القانون الإلهي والوضعي ضرورة اجتماعية


محمد ابراهيم البادي
03-25-2010, 03:36 PM
القانون الإلهي والوضعي ضرورة اجتماعية

من المسلّم به حالياً عند علماء الإجتماع، أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وأنه لا يستطيع أن يحيا بمعزل تام عن البشر ليعيش وحيداً بمفرده. فالكتابة عن حياة إنساني في عزلة تامة، كقصة حي بن يقظان التي تخيّلها الفيلسوف العربي الأندلسي ابن طُفيل 494-581ه‍ / 1100 - 1185م أو قصة روبنسون كروزو كما تصوّرها الكاتب الانكليزي دانيال دوفوا والتي نشرت عام 1917، هي مجرد إفتراض ومن نسج الخيال ولا وجود لهذه الحياة المنعزلة في عالم الواقع. فالإنسان الذي يعيش بعزلة تامة عن البشر لا يمكن أن يكون من طينتهم، وهو في حال افتراض وجوده لا يعدو أن يكون _كما قال أرسطو _ وحشاً أو إلهاً.
ولمّا كان من الضروري أن يعيش الإنسان في جماعة أو مجتمع من بني جنسه، فإن ذلك يستتبع دخوله معهم في معاملات وعلاقات شتى. ومتى وُجدت هذه المعاملات والعلاقات بين البشر اقتضت الضرورة وجود قانون يحد من حرياتهم ورغباتهم المطلقة، ويحاول التوفيق بين مصالحهم المتعارضة، ويحسم المنازعات التي قد تثور بينهم.
وقد تنبّه علماء العرب والمسلمين منذ القديم الى صفة الإنسان الإجتماعية والحاجة الى وجود وازع قانوني. فنوّه بذلك الفيلسوف أبو حيّان التوحيدي، والقاضي الماوردي، وأوضحه العلاّمة ابن خلدون في مقدمته. وأشارت الى الفكرة المادة الأولى من مجلة الأحكام العدلية العثمانية حيث جاء في شرحها: "... إن الإنسان، من حيث أنه مدني بالطبع، لا يمكن أن يعيش على وجه الانفراد كسائر الحيوانات، بل يحتاج الى التعاون والتشارك ببسط بساط المدنية. والحال أن كل شخص يطلب ما يلائمه ويغضب على من يزاحمه. فلأجل بقاء العدل والنظام بينهم محفوظين من الخلل، يحتاج الى قوانين مؤيدة شرعية".
فالقانون إذن ضروري للمجتمع الإنساني كما أن المجتمع ضروري للإنسان، ولا يمكن لأي مجتمع مهما كان نظامه الإجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أن يعيش بدون قانون ينظم علاقات أفراده فيما بينهم وعلاقاته معهم، بل أن درجة رقي أي دولة تقاس بمدى خضوعها للقانون. وبقدر ما تقوم الدولة على أساس القانون بإخضاع الحكام والمحكومين على السواء لقواعده، بقدر ما توصف بالدولة القانونية.
وعلى الرغم من أهمية القانون كتنظيم للجماعة، فقد نادى بعض المذاهب السياسية - كالفوضوية - بإلغاء القانون لعدم الحاجة إليه، وطالب بالثورة على الدولة كسلطة منظّمة، لكن أنصاره لم يستطيعوا الاستغناء عن القانون بصورة مطلقة، إذ أعربوا عن حاجتهم لبعض القواعد القانونية التي ترعى علاقاتهم مع الدول الأخرى.
والقانون الذي ينظم علاقات الناس ويحقق الاستقرار والنظام في المجتمع قد يكون وضعياً بشرياً، وقد يكون إلهياً سماوياً. ويكون وضعياً إذا كان من وضع الناس أنفسهم، ويكون إلهياً إذا كان من تشريع الله تعالى على لسان رسله.
وقد ذهب بعض الناس الى القول بأنه بإمكان البشر أن يضعوا لأنفسهم القانون المنظّم لشؤونهم بدون حاجة الى تشريع إلهي. وأنه يوجد في كل زمان فئة مؤهلة لوضع قواعد العدل وأصول الفضيلة، ويبقى على السلطة أن تحمل الكافة على أتباعها، وبذلك يستقيم أمر الناس.
والحق أن القانون الوضعي لا يغني عن الشرع الإلهي، لأن العقول البشرية قاصرة وإدراكها متفاوت. فقد يستحسن البعض شيئاً ويستقبحه آخرون، بل إن الشخص الواحد قد يستحسن شيئاً ويستقبحه في وقت آخر. والإنسان لا يخضع للقانون الوضعي خضوعاً تاماً، لأنه لا يكفل سعادته على الوجه الأكمل، إذ هو من صنع الإنسان، والإنسان مهما بلغ من إدراك، محدود الزمان لا يدري شيئاً عن المستقبل، بل لا بد من قوة عليا تدفعه الى الخير رغبة في ثواب، وتمنعه عن الشر خوفاً من عقاب. فالناس لا غنى لهم عن شرع إلهي يفوق ما يضعه البشر من قوانين ويحيط بكل ما يحتاجون اليه في حاضرهم ومستقبلهم، ويحدد لهم علاقاتهم فيما بينهم وبين خالقهم، وفيما بين بعضهم والبعض على أتم الوجوه وأكملها.
وفضلاً عن ذلك، فإن الشرع الإلهي يربي في الانسان طهارة القلب وعزة النفس ويقظة الضمير، وله من القوة والثبات ما لا يمكن أن يكون لغيره من القوانين الوضعية، فقواعده رادعة يخشاها الإنسان في السر والعلن، ولا يستطيع أن يتهرب منها أو يحتال عليها، لأن عين الشارع لا تغفل ولا تنام. أما القانون الوضعي فليست له هذه القوة ولا تلك الخشية، فمن خالف القانون الوضعي وأفلت من المراقبة الدنيوية فلا عليه بعد ذلك شيء.
وأما من خالف الشرع الإلهي وأفلت من جهاز المراقبة الدنيوية، فإنه لن يفلت من المراقبة العليا، وهو ملاق جزاءه لا محالة، وذلك أعظم مزايا الشرع ومن أقوى العوامل على إطاعة وتنفيذ قواعده في السر والعلن.
-----------------------------
* المصدر: علم القانون والفقه الاسلامي

عقد القانون
03-25-2010, 10:26 PM
بالفعل >> لا يتخيل للانسان أن يعيش وحيدا .. فهو يحتاج الى جماعه ينتمي اليها..

ولكي ينظم علاقاته مع هذه الجماعه فانه يحتاج الى قانون ..

فاذا كان يستطيع الهروب من القانون الوضعي فلا مهرب له من المراقبه الالهيه..

طرح جميل أخوي الباديـ..

ألف شكر لسموكـ,,

محمد ابراهيم البادي
03-27-2010, 12:10 PM
الف شكر لسموك الرقيب الحسيب هو رب العباد ، فمن تكون نظريته هذه يخاف كل شئ ويحسب حساب لكل شئ

law student
03-30-2010, 03:11 PM
فعلاً لا غنى لنا عن شرع إلهي نخشاه ونستشعر و جوده حتى لا نقع في الخطأ و ظلم النفس و الناس

جزاك الله خير دائماً ما شاء الله طرحك أخي مفيد و رائع

الحقانية
03-31-2010, 02:10 PM
شكرا على الموضوع القيم أخي محمد.
و أحب أن اضيف أن هناك بعض الدول التي دأبت على وضع قوانين الهدف منها هو التضييق على فئة معينة من الناس و خاصة المسلمين و صياغة هذه القوانين لكي تبدو و كأنها عامة و لكنها في الواقع يتم تطبيقها بعنجهية و تحيز ضد فئة بعينها ، و المثال معروف. الخلاصة أن القوانين الوضعية ليست منزهة عن الهوى بل أن "بعضها" يعكس الهوى نفسه و المزاج الثقافي و السياسي لواضعها في ذلك الوقت.

محمد ابراهيم البادي
03-31-2010, 02:53 PM
شاكر تداخلك الحقانية ، و الله يجعلنا جميعا من الخايفين الطاعيين له
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين