المحامي مؤمن صابر هشام
09-16-2011, 06:32 PM
القيود الواردة على النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية
كقاعدة عامة أن النيابة العامة هي التي تملك سلطة تحريك الدعوى العمومية دون غيرها لأنها هي التي تمثل المجتمع، و تنوب عنه في متابعة الجناة (المجرمين) وفي المطالبة بتوقيع العقوبات عليهم ، ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة وإنما يرد عليها استثناءات لابد من مراعاتها حتى يتسنى تحريك الدعوى العمومية وهما:
أولا: حالة ما إذا ما علق المشرع تحريك الدعوى على شروط معينة كضرورة تقديم شكوى من التضرر أو طلب أو إذن.
ثانيا: إعطاء الحق للمتضرر من الجريمة في رفع الدعوى عن طريق الإدعاء المباشر ، والآن لنا أن نتطرق لهذين الاستثناءين الواردين على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بشيء من التفصيل.
1/الشـــــكـــــــوى:
هي ما تقدمه الضحية من بلاغات إلى السلطة المختصة كالنيابة العامة تطلب فيه منها تحريك العدوى العمومية، شريطة أن يكون ذلك بخصوص الجرائم التي تكون النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بشأنها مقيدة بقوة القانون إلا بناء على تقديم هذه الشكوى من طرف المتضرر، ومن بين الدعاوى التي يشترط فيها القانون تقديم الشكوى " جريمة الزنا" بحيث لا يحق للنيابة العامة أن تقوم بإجراءات المتابعة إلا إذا قدم الزوج المتضرر شكوى بهذا الشأن، ولقد نص المشرع على ذلك في المادة 339فقرة 1 من قانون العقوبات الجزائري على أنه:
"ولا تتخذ الإجراءات ( في ما يخص المتابعة) ومن خلال العبارة الأخيرة من هته الفقرة يتبين أنه إذا تراجع الزوج المتضرر بعد تقديم شكواه فإنه يضع حد للمتابعة المتخذة ضد زوجه"
و كذلك الحال بالنسبة للسرقات الواقعة بين الأقارب و الحواشي و الأصهار لغاية الدرجة الرابعة, فانه لا يتم اتخاذ الإجراءات ضد السارق إلا بناءا على شكوى يقدمها السارق , وقد نصت المادة369فقرة01من قانون العقوبات الجزائري بقولها:
"لا يجوز اتخاذ الإجراءات الجزائية بالنسبة للسرقات التي تقع بين الأقارب والحواشي و الأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناءا على شكوى الشخص المضرور, والتنازل عن الشكوى يضع حد لهذه الإجراءات."
و كذلك في جريمة ترك الأسرة فان الإجراءات المتابعة لا تخذ ضد الزوج تارك الأسرة إلا بناءا على شكوى الزوج الذي بقي مقر الزوجية " الزوج المتروك" وهذا ما جاء في نص المادة 330 من قانون العقوبات التي تنص:
" يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة 500الى 5000 دج
1/ أحد الوالدين الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز شهرين و يتخلى على كافة التزاماته الأدبية أو المادية المترتبة على السلطة الأبوية أو الوصايا القانونية وذلك بسبب غير مجدي , ولا تقطع مدة شهرين إلا بالعودة إلى مقر الأسرة على وضع ينبئ عن الرغبة في استئناف الحياة بصفة نهائية.
2/ الزوج الذي يتخلى عمدا ولمدة تتجاوز شهرين عن زوجته مع علمه بأنها حامل وذلك بغير سبب جدي."
و في هاتين الحالتين المنصوص عليهما في الفقرتين السابقتين من هاته المادة لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناءا على شكوى الزوج المتروك, و لذا كان هذا النوع من الجرائم يشترط فيه تقديم الشكوى من الطرف المتضرر إلى النيابة العامة حتى تقوم بتحريك الدعوى العمومية فان القانون يستوجب توافر صفات معينة في مقدم الشكوى, ولا بد أن تكون هذه الصفات موجودة في الوقت الذي تم فيه تقديم الشكوى, فعلى سبيل المثال في جريمة الزنا يجب أن تقدم الشكوى من الزوج المتضرر, فان حصل الطلاق قبل أن يقوم بتقديمها يسقط أما إذا قدمها و الزوج قائما ثم حدث الطلاق فهنا الشكوى تنتج أثرها القانونية و يتخذ ضد الزوج الزاني إجراءات المتابعة والمحاكمة.
أما عن طبيعة حق تقديم الشكوى فهو حق شخصي للمتضرر, ففي حالة وفاته بعد أن قام بتقديم شكواه, فهذا لا يؤثر في الأمر شيئا بل تبقي الدعوى العمومية قائمة وليس من حق ورثته التنازل عنها لأنها في مثل هذه الحالة تكون بيد النيابة العامة .
و يستوجب أن يكون تقديم الشكوى بطريقة الشكوى أنه إذا قامت النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية قبل تقديم شكوى من المعني بالأمر من الدعاوى التي تستوجب تقديمها فان ذلك غير جائز و أن كل إجراء تقوم به
يقع باطلا بطلانا مطلقا, لأن عدم تقديم الشكوى من المتضرر في مثل هذه الحالات يمنع تحريك الدعوى العمومية بقوة القانون .
و في الأخير تجدر بنا الإشارة إلى التنازل عن الشكوى, فمثلا إذا قام مقدم الشكوى بالتنازل عنها فان جميع الإجراءات المتابعة توقف تبعا لذلك ( المادة339 من قانون العقوبات):
" اذا لم تكن الدعوى مهيأة للحكم أمرت المحكمة بتأجيلها إلى جلسة من أقرب الجلسات استيفاء التحقيق, وتفرج عن المتهم احتياطا بكفالة."
و لا يجوز الرجوع عن هذا التنازل حتى ولو كان ميعاد تقديم الشكوى لا يزال قائما وحتى وان كان صادرا- التنازل - قبل تحرك الدعوى العمومية.
2/ الطــــــلـــــــب:
هو ما يصدر عن هيئة باعتبارها أمنية على مصالح معينة للدولة نتيجة جريمة قد مست بهذه المصلحة, لذلك أوجب المشرع في بعض الجرائم التي تقع على إحدى الهيئات العمومية تقديم الطلب من الجهة المختصة إلى النيابة العامة ليصبح لها الحق في تحريك الدعوى بشأن هذه الجرائم, ولقد جاء النص على مثل هذه الحالات في المواد 161 غالى 164 من قانون العقوبات الجزائري و التي تتضمن ما يلي :
المادة 161: " كل شخص مكلف يتخلى إما شخصيا أو كعضو في شركة توريد أو مقاولات أو وكالات تعمل لحساب الجيش الوطني الشعبي عن القيام بالخدمات التي عهد إليهم ما لم تكرهه على ذلك قوة قاهرة يعاقب ب ...", وكذلك متعهدي التموين أو عملائهم أيضا عند مشاركتهم في الجريمة, ويعاقب الموظفون و الوكلاء و المندوبون أو المأجورون من الدولة الذين حضروا أو ساعدوا الجناة على التخلف عن القيام بخدماتهم ب..."
المادة162: " بخصوص الجنح التي ترتكب من المذكورين في المادة 161 عند تأخيرهم عن القيام بتلك الخدمات."
المادة163 : " الجنايات التي تقع ممن سبق ذكرهم في المواد ( 161-162-163) لا يجوز تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلا بناء على شكوى من وزير الدفاع الوطني, وذلك تطبيقا لنص المادة 164 من قانون العقوبات التي تنص:
".....وفي جميع الأحوال المنصوص عليها في هذا القسم المتضمن المواد ( 161-162-163 ق ع ) لا يجوز تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلا بناءا على شكوى من وزير الدفاع الوطني.",
فإذا كان اللفظ الوارد في المادة 164 هو الشكوى فان المقصود به أصلا هو الطلب طالما أن الجرائم التي وردت في المواد 161-162-163 جميعا تمس مصالح هيئات عامة.
و من شروط الطلب أن يكون كتابيا لا شفهيا, والحق في تقديمه يكون لشخص ذي صفة عامة لا يسقط إلا بسقوط الدعوى بالتقادم, بمعنى لا يتأثر بوفاة من له الحق في تقديمه بل يبقى قائما لأنه يتعلق بالوظيفة و ليس الشخص في حد ذاته, وإذا قام مصدر الطلب بالتنازل عنه بعد تقديمه, فانه ينقضي شريطة أن يكون التنازل كتابيا.
وكخلاصة لا يحق للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بهذا الصدد إلا بعد تقديم الطلب
3/الإذن:
قد ينص القانون على بعض الحالات التي لا يمكن معها تحريك الدعوى العمومية من الموظفين يعملون تحت سلطة هيئة معينة إلا الحصول على إذن من هذه الهيئات التي يعملون بها, وذلك بقصد توفير الحماية اللازمة لهؤلاء لتأدية مهامهم على أحسن وجه, وهذه الحالات تشمل الجرائم التي يرتكبها رجال القضاء أو المجلس الشعبي الوطني أو أعضاء السلك الدبلوماسي.
فبالرجوع إلى دستور 23 فبراير 1989 نجده قد أورد شروط لإمكانية تحريك الدعوى العمومية من النواب حسب المواد ( 105-104-103) منه, لأنه أحاطهم بحصانة نيابية طيلة قيامهم بمهمتهم النيابية .
فالمادة 103 تنص على :
" الحصانة النيابية معترف بها للنائب مدة نيابته لا يمكن أن يتابع أو يوقف عل العموم , ولا يمكن أن ترفع عليه دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليه أي شكل من أشكال الضغط, بسبب ما عبر عنه من آراء, أو تلفظ به من كلام , أو سبب تصويته خلال ممارسة مهنته النيابية."
و المادة 104 تنص على :
" لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب بسبب إجرامي إلا بتنازل صريح منه أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني الذي يقرر رفع الحصانة عن النائب بأغلبية أعضائه."
و المادة 105 تنص على :
" في حالة التدليس أحد النواب بجنحة أو جناية يمكن توقيفه, و يخطر مكتب المجلس الشعبي الوطني فورا."
يمكن لمكتب المجلس الشعبي الوطني أن يطلب إيقاف و إطلاق سراح النائب على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادة 104 أعلاه.
و من خلال هذه النصوص يتبين لنا أن النائب العام في المجلس الشعبي الوطني معترف له بالحصانة النيابية و ما ورد في المادة 103 من الدستور, و لكن نجد في المادة 104 تجيز إقامة الدعوى ضد النائب بسبب فعل إجرامي إذا تم التنازل عنه صراحة, أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني و الذي يقرر رفع الحصانة عن النائب بأغلبية أعضاءه, وكذلك نصت المادة 105 الذي يقضي بتوقف النائب المتلبس بجنحة أو جناية مع إخطار مكتب المجلس الشعبي الوطني فورا, هذا الأخير الذي يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النائب الموقوف شريطة أن يعمل بعد إطلاق سراحه بأحكام المادة 104, وكذلك أعضاء السلك الدبلوماسي فهم يتمتعون بحصانة دبلوماسية في البلد المضيف فلا يمكن متابعتهم جزائيا إلا وفقا لإجراءات خاصة, وعندما يوجه الاتهام إلى أحد القضاة بارتكابه جريمة فان متابعته –(تحريك الدعوى العمومية)- لا تتم إلا بعد إذن صريح من ذوي الشأن – النائب العام لدى المجلس القضائي أو وكيل الجمهورية – و ينتدب قاضي التحقيق من غير المجلس الذي يعمل به القاضي محل المتابعة للتحقيق معه هذا حسب ما جاء في المادة 575 و576 و577 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري. حيث تنص المادة 575 على :
"إذا كان الاتهام موجه إلى أحد أعضاء المجلس القضائي أو رئيس محكمة أو وكيل جمهورية أرسل الملف بطريقة التبعية التدريجية من وكيل الجمهورية إلى النائب العام لذا المحكمة العليا الذي يرفع الأمر إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا إذا ما قرر أن ثمة محلا للمتابعة, و ينتدب الرئيس الأول للمحكمة العليا قاضيا للتحقيق من خارج دائرة اختصاص المجلس الذي يقوم فيه رجل القضاء المتابعة.
فإذا انتهى التحقيق أحيل المتهم عند الاقتضاء إلى الجهة القضائية بمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي."
و المادة 576 التي تنص: "إذا كان الاتهام موجها إلى قاضي محكمة قام وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالدعوى بإرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس, فإذا ما رأى أن ثمة محل للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس الذي يأمر بالتحقيق في القضية بمعرفة أحد قضاة التحقيق يختار من خارج دائرة الاختصاص القضائية التي يباشر فيها المتهم أعمال وظيفته.
فان انتهى التحقيق أحيل المتهم عند الاقتضاء أمام الجهة القضائية المختصة بمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي."
و المادة 577 التي تنص على : " إذا كان أحد ضباط الشرطة قابلا للاتهام بارتكاب جناية أو جنحة خارج دائرة مباشرة أعمال وظيفته أو أثناء مباشرتها في الدائرة التي يختص فيها محليا اتخذت بشأنه الإجراءات طبقا لأحكام المادة 576."
ففي جميع الحالات السابق ذكرها يتطلب الأمر من النيابة العامة لكي تتمكن من تحريك الدعوى العمومية الحصول على إذن من الجهة المختصة أي التي يتبعها الشخص محل المتابعة وذلك حسب ما تم التطرق اليه سابقا.
* حق المضرور في الادعاء المباشر للمطالبة بتعويض أضرار الجريمة:
كما هو معلوم أن الدعوى العمومية هي من حق المجتمع إذ تقوم برفعها نيابة عنه النيابة العامة, فإذا وقعت جريمة ما فإنها تنشأ تبعا لذلك الدعوى العمومية لأنه بوقوع تلك الجريمة يكون مساسا للمصلحة العامة إضافة إلى ذلك أنها قد تمس بشخص معين بذاته فتلحق به أضرار, فبالرغم أن لهذا الشخص المتضرر أن يطالب بحقه في التعويض عن طريق الدعوى المدنية إلا أن النظر في الدعوى الجزائية بخصوص هذه الجريمة واثبات مسؤولية مرتكبها يهم هذا المتضرر لأن حقه متصل بالجريمة, فقد يحدث أن تتباطأ النيابة العامة في رفع الدعوى العمومية لأن سبب من مما قد يلحق الضرر بهذا المدعي المدني الذي يكون له من وراء رفع هذه الدعوى مصلحة شخصية هي اثباب مسؤولية مقترف الجريمة عن الضرر الذي لحق به, و لاستبعاد مثل هذه الحالة فقد منح المشرع لمن ألحق به ضرر من جراء جريمة ما أن يقوم بتحريك الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المباشر وفقا للمادة 01 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري, التي تنص على : "....كما يجوز أيضا للطرف المضرور أن يحرك هذه الدعوى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون."
وهذا الادعاء المباشر يتم عن طريق تكليف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة بالنظر في الدعوى الجزائية لسماع الحكم عليه بالتعويض, و الإجراءات المتبعة في تحريك الدعوى العمومية و بصفة أصلية من طرف النيابة العامة, جاء النص عليها في المادة 333من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري كما يلي
المادة333 التي تنص على :" إلى المحكمة الجرائم المختصة بنظرها إما بطريق الإحالة إليها من الجهة القضائية المنوط بها إجراء التحقيق وإما بحضور أطراف الدعوى بإرادتهم بالأوضاع المنصوص عليها في المادة 334, وإما بتطبيق إجراء التلبس بالجنحة..."
المادة 440 التي تنص على : " يسلم التكليف بالحضور بناء على طلب النيابة العامة ومن كل ادارة مرخص لها قانونا بذلك, كما يجب على المكلف بالتبليغ أن يحيل الطلبات المقدمة إليه دون تأخير, ويذكر في التكليف حضور الواقعة التي قامت عليها الدعوى مع الإشارة إلى النص القانوني الذي يعاقب عليها, كما يذكر في التكليف بالحضور للمحكمة التي رفع أمامها النزاع و مكان وزمان وتاريخ الجلسة وتعين فيه صفة المتهم و المسئول مدنيا أو صفة الشاهد على الشخص المذكور.
كما يجب أن يتضمن التكليف بالحضور المسلم إلى الشاهد بأن عدم الحضور أو رفض الإدلاء بالشهادة أو الشهادة المزورة يعاقب عليها القانون."
باستقراء هذين النصين يتبين لنا بوضوح الكيفية التي يتم بها تحريك الدعوى بصفة عامة و لا داعي لإعادة الشرح والتكرار لأن النصوص صريحة في هذا الصدد.
نشكر لمرسل المساهمة
وسيتم متابعة الموضوع ومقارنته بالقانون الاماراتى والقانون المصرى
والله الموفق
كقاعدة عامة أن النيابة العامة هي التي تملك سلطة تحريك الدعوى العمومية دون غيرها لأنها هي التي تمثل المجتمع، و تنوب عنه في متابعة الجناة (المجرمين) وفي المطالبة بتوقيع العقوبات عليهم ، ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة وإنما يرد عليها استثناءات لابد من مراعاتها حتى يتسنى تحريك الدعوى العمومية وهما:
أولا: حالة ما إذا ما علق المشرع تحريك الدعوى على شروط معينة كضرورة تقديم شكوى من التضرر أو طلب أو إذن.
ثانيا: إعطاء الحق للمتضرر من الجريمة في رفع الدعوى عن طريق الإدعاء المباشر ، والآن لنا أن نتطرق لهذين الاستثناءين الواردين على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بشيء من التفصيل.
1/الشـــــكـــــــوى:
هي ما تقدمه الضحية من بلاغات إلى السلطة المختصة كالنيابة العامة تطلب فيه منها تحريك العدوى العمومية، شريطة أن يكون ذلك بخصوص الجرائم التي تكون النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بشأنها مقيدة بقوة القانون إلا بناء على تقديم هذه الشكوى من طرف المتضرر، ومن بين الدعاوى التي يشترط فيها القانون تقديم الشكوى " جريمة الزنا" بحيث لا يحق للنيابة العامة أن تقوم بإجراءات المتابعة إلا إذا قدم الزوج المتضرر شكوى بهذا الشأن، ولقد نص المشرع على ذلك في المادة 339فقرة 1 من قانون العقوبات الجزائري على أنه:
"ولا تتخذ الإجراءات ( في ما يخص المتابعة) ومن خلال العبارة الأخيرة من هته الفقرة يتبين أنه إذا تراجع الزوج المتضرر بعد تقديم شكواه فإنه يضع حد للمتابعة المتخذة ضد زوجه"
و كذلك الحال بالنسبة للسرقات الواقعة بين الأقارب و الحواشي و الأصهار لغاية الدرجة الرابعة, فانه لا يتم اتخاذ الإجراءات ضد السارق إلا بناءا على شكوى يقدمها السارق , وقد نصت المادة369فقرة01من قانون العقوبات الجزائري بقولها:
"لا يجوز اتخاذ الإجراءات الجزائية بالنسبة للسرقات التي تقع بين الأقارب والحواشي و الأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناءا على شكوى الشخص المضرور, والتنازل عن الشكوى يضع حد لهذه الإجراءات."
و كذلك في جريمة ترك الأسرة فان الإجراءات المتابعة لا تخذ ضد الزوج تارك الأسرة إلا بناءا على شكوى الزوج الذي بقي مقر الزوجية " الزوج المتروك" وهذا ما جاء في نص المادة 330 من قانون العقوبات التي تنص:
" يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة 500الى 5000 دج
1/ أحد الوالدين الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز شهرين و يتخلى على كافة التزاماته الأدبية أو المادية المترتبة على السلطة الأبوية أو الوصايا القانونية وذلك بسبب غير مجدي , ولا تقطع مدة شهرين إلا بالعودة إلى مقر الأسرة على وضع ينبئ عن الرغبة في استئناف الحياة بصفة نهائية.
2/ الزوج الذي يتخلى عمدا ولمدة تتجاوز شهرين عن زوجته مع علمه بأنها حامل وذلك بغير سبب جدي."
و في هاتين الحالتين المنصوص عليهما في الفقرتين السابقتين من هاته المادة لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناءا على شكوى الزوج المتروك, و لذا كان هذا النوع من الجرائم يشترط فيه تقديم الشكوى من الطرف المتضرر إلى النيابة العامة حتى تقوم بتحريك الدعوى العمومية فان القانون يستوجب توافر صفات معينة في مقدم الشكوى, ولا بد أن تكون هذه الصفات موجودة في الوقت الذي تم فيه تقديم الشكوى, فعلى سبيل المثال في جريمة الزنا يجب أن تقدم الشكوى من الزوج المتضرر, فان حصل الطلاق قبل أن يقوم بتقديمها يسقط أما إذا قدمها و الزوج قائما ثم حدث الطلاق فهنا الشكوى تنتج أثرها القانونية و يتخذ ضد الزوج الزاني إجراءات المتابعة والمحاكمة.
أما عن طبيعة حق تقديم الشكوى فهو حق شخصي للمتضرر, ففي حالة وفاته بعد أن قام بتقديم شكواه, فهذا لا يؤثر في الأمر شيئا بل تبقي الدعوى العمومية قائمة وليس من حق ورثته التنازل عنها لأنها في مثل هذه الحالة تكون بيد النيابة العامة .
و يستوجب أن يكون تقديم الشكوى بطريقة الشكوى أنه إذا قامت النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية قبل تقديم شكوى من المعني بالأمر من الدعاوى التي تستوجب تقديمها فان ذلك غير جائز و أن كل إجراء تقوم به
يقع باطلا بطلانا مطلقا, لأن عدم تقديم الشكوى من المتضرر في مثل هذه الحالات يمنع تحريك الدعوى العمومية بقوة القانون .
و في الأخير تجدر بنا الإشارة إلى التنازل عن الشكوى, فمثلا إذا قام مقدم الشكوى بالتنازل عنها فان جميع الإجراءات المتابعة توقف تبعا لذلك ( المادة339 من قانون العقوبات):
" اذا لم تكن الدعوى مهيأة للحكم أمرت المحكمة بتأجيلها إلى جلسة من أقرب الجلسات استيفاء التحقيق, وتفرج عن المتهم احتياطا بكفالة."
و لا يجوز الرجوع عن هذا التنازل حتى ولو كان ميعاد تقديم الشكوى لا يزال قائما وحتى وان كان صادرا- التنازل - قبل تحرك الدعوى العمومية.
2/ الطــــــلـــــــب:
هو ما يصدر عن هيئة باعتبارها أمنية على مصالح معينة للدولة نتيجة جريمة قد مست بهذه المصلحة, لذلك أوجب المشرع في بعض الجرائم التي تقع على إحدى الهيئات العمومية تقديم الطلب من الجهة المختصة إلى النيابة العامة ليصبح لها الحق في تحريك الدعوى بشأن هذه الجرائم, ولقد جاء النص على مثل هذه الحالات في المواد 161 غالى 164 من قانون العقوبات الجزائري و التي تتضمن ما يلي :
المادة 161: " كل شخص مكلف يتخلى إما شخصيا أو كعضو في شركة توريد أو مقاولات أو وكالات تعمل لحساب الجيش الوطني الشعبي عن القيام بالخدمات التي عهد إليهم ما لم تكرهه على ذلك قوة قاهرة يعاقب ب ...", وكذلك متعهدي التموين أو عملائهم أيضا عند مشاركتهم في الجريمة, ويعاقب الموظفون و الوكلاء و المندوبون أو المأجورون من الدولة الذين حضروا أو ساعدوا الجناة على التخلف عن القيام بخدماتهم ب..."
المادة162: " بخصوص الجنح التي ترتكب من المذكورين في المادة 161 عند تأخيرهم عن القيام بتلك الخدمات."
المادة163 : " الجنايات التي تقع ممن سبق ذكرهم في المواد ( 161-162-163) لا يجوز تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلا بناء على شكوى من وزير الدفاع الوطني, وذلك تطبيقا لنص المادة 164 من قانون العقوبات التي تنص:
".....وفي جميع الأحوال المنصوص عليها في هذا القسم المتضمن المواد ( 161-162-163 ق ع ) لا يجوز تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلا بناءا على شكوى من وزير الدفاع الوطني.",
فإذا كان اللفظ الوارد في المادة 164 هو الشكوى فان المقصود به أصلا هو الطلب طالما أن الجرائم التي وردت في المواد 161-162-163 جميعا تمس مصالح هيئات عامة.
و من شروط الطلب أن يكون كتابيا لا شفهيا, والحق في تقديمه يكون لشخص ذي صفة عامة لا يسقط إلا بسقوط الدعوى بالتقادم, بمعنى لا يتأثر بوفاة من له الحق في تقديمه بل يبقى قائما لأنه يتعلق بالوظيفة و ليس الشخص في حد ذاته, وإذا قام مصدر الطلب بالتنازل عنه بعد تقديمه, فانه ينقضي شريطة أن يكون التنازل كتابيا.
وكخلاصة لا يحق للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بهذا الصدد إلا بعد تقديم الطلب
3/الإذن:
قد ينص القانون على بعض الحالات التي لا يمكن معها تحريك الدعوى العمومية من الموظفين يعملون تحت سلطة هيئة معينة إلا الحصول على إذن من هذه الهيئات التي يعملون بها, وذلك بقصد توفير الحماية اللازمة لهؤلاء لتأدية مهامهم على أحسن وجه, وهذه الحالات تشمل الجرائم التي يرتكبها رجال القضاء أو المجلس الشعبي الوطني أو أعضاء السلك الدبلوماسي.
فبالرجوع إلى دستور 23 فبراير 1989 نجده قد أورد شروط لإمكانية تحريك الدعوى العمومية من النواب حسب المواد ( 105-104-103) منه, لأنه أحاطهم بحصانة نيابية طيلة قيامهم بمهمتهم النيابية .
فالمادة 103 تنص على :
" الحصانة النيابية معترف بها للنائب مدة نيابته لا يمكن أن يتابع أو يوقف عل العموم , ولا يمكن أن ترفع عليه دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليه أي شكل من أشكال الضغط, بسبب ما عبر عنه من آراء, أو تلفظ به من كلام , أو سبب تصويته خلال ممارسة مهنته النيابية."
و المادة 104 تنص على :
" لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب بسبب إجرامي إلا بتنازل صريح منه أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني الذي يقرر رفع الحصانة عن النائب بأغلبية أعضائه."
و المادة 105 تنص على :
" في حالة التدليس أحد النواب بجنحة أو جناية يمكن توقيفه, و يخطر مكتب المجلس الشعبي الوطني فورا."
يمكن لمكتب المجلس الشعبي الوطني أن يطلب إيقاف و إطلاق سراح النائب على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادة 104 أعلاه.
و من خلال هذه النصوص يتبين لنا أن النائب العام في المجلس الشعبي الوطني معترف له بالحصانة النيابية و ما ورد في المادة 103 من الدستور, و لكن نجد في المادة 104 تجيز إقامة الدعوى ضد النائب بسبب فعل إجرامي إذا تم التنازل عنه صراحة, أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني و الذي يقرر رفع الحصانة عن النائب بأغلبية أعضاءه, وكذلك نصت المادة 105 الذي يقضي بتوقف النائب المتلبس بجنحة أو جناية مع إخطار مكتب المجلس الشعبي الوطني فورا, هذا الأخير الذي يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النائب الموقوف شريطة أن يعمل بعد إطلاق سراحه بأحكام المادة 104, وكذلك أعضاء السلك الدبلوماسي فهم يتمتعون بحصانة دبلوماسية في البلد المضيف فلا يمكن متابعتهم جزائيا إلا وفقا لإجراءات خاصة, وعندما يوجه الاتهام إلى أحد القضاة بارتكابه جريمة فان متابعته –(تحريك الدعوى العمومية)- لا تتم إلا بعد إذن صريح من ذوي الشأن – النائب العام لدى المجلس القضائي أو وكيل الجمهورية – و ينتدب قاضي التحقيق من غير المجلس الذي يعمل به القاضي محل المتابعة للتحقيق معه هذا حسب ما جاء في المادة 575 و576 و577 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري. حيث تنص المادة 575 على :
"إذا كان الاتهام موجه إلى أحد أعضاء المجلس القضائي أو رئيس محكمة أو وكيل جمهورية أرسل الملف بطريقة التبعية التدريجية من وكيل الجمهورية إلى النائب العام لذا المحكمة العليا الذي يرفع الأمر إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا إذا ما قرر أن ثمة محلا للمتابعة, و ينتدب الرئيس الأول للمحكمة العليا قاضيا للتحقيق من خارج دائرة اختصاص المجلس الذي يقوم فيه رجل القضاء المتابعة.
فإذا انتهى التحقيق أحيل المتهم عند الاقتضاء إلى الجهة القضائية بمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي."
و المادة 576 التي تنص: "إذا كان الاتهام موجها إلى قاضي محكمة قام وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالدعوى بإرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس, فإذا ما رأى أن ثمة محل للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس الذي يأمر بالتحقيق في القضية بمعرفة أحد قضاة التحقيق يختار من خارج دائرة الاختصاص القضائية التي يباشر فيها المتهم أعمال وظيفته.
فان انتهى التحقيق أحيل المتهم عند الاقتضاء أمام الجهة القضائية المختصة بمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي."
و المادة 577 التي تنص على : " إذا كان أحد ضباط الشرطة قابلا للاتهام بارتكاب جناية أو جنحة خارج دائرة مباشرة أعمال وظيفته أو أثناء مباشرتها في الدائرة التي يختص فيها محليا اتخذت بشأنه الإجراءات طبقا لأحكام المادة 576."
ففي جميع الحالات السابق ذكرها يتطلب الأمر من النيابة العامة لكي تتمكن من تحريك الدعوى العمومية الحصول على إذن من الجهة المختصة أي التي يتبعها الشخص محل المتابعة وذلك حسب ما تم التطرق اليه سابقا.
* حق المضرور في الادعاء المباشر للمطالبة بتعويض أضرار الجريمة:
كما هو معلوم أن الدعوى العمومية هي من حق المجتمع إذ تقوم برفعها نيابة عنه النيابة العامة, فإذا وقعت جريمة ما فإنها تنشأ تبعا لذلك الدعوى العمومية لأنه بوقوع تلك الجريمة يكون مساسا للمصلحة العامة إضافة إلى ذلك أنها قد تمس بشخص معين بذاته فتلحق به أضرار, فبالرغم أن لهذا الشخص المتضرر أن يطالب بحقه في التعويض عن طريق الدعوى المدنية إلا أن النظر في الدعوى الجزائية بخصوص هذه الجريمة واثبات مسؤولية مرتكبها يهم هذا المتضرر لأن حقه متصل بالجريمة, فقد يحدث أن تتباطأ النيابة العامة في رفع الدعوى العمومية لأن سبب من مما قد يلحق الضرر بهذا المدعي المدني الذي يكون له من وراء رفع هذه الدعوى مصلحة شخصية هي اثباب مسؤولية مقترف الجريمة عن الضرر الذي لحق به, و لاستبعاد مثل هذه الحالة فقد منح المشرع لمن ألحق به ضرر من جراء جريمة ما أن يقوم بتحريك الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المباشر وفقا للمادة 01 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري, التي تنص على : "....كما يجوز أيضا للطرف المضرور أن يحرك هذه الدعوى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون."
وهذا الادعاء المباشر يتم عن طريق تكليف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة بالنظر في الدعوى الجزائية لسماع الحكم عليه بالتعويض, و الإجراءات المتبعة في تحريك الدعوى العمومية و بصفة أصلية من طرف النيابة العامة, جاء النص عليها في المادة 333من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري كما يلي
المادة333 التي تنص على :" إلى المحكمة الجرائم المختصة بنظرها إما بطريق الإحالة إليها من الجهة القضائية المنوط بها إجراء التحقيق وإما بحضور أطراف الدعوى بإرادتهم بالأوضاع المنصوص عليها في المادة 334, وإما بتطبيق إجراء التلبس بالجنحة..."
المادة 440 التي تنص على : " يسلم التكليف بالحضور بناء على طلب النيابة العامة ومن كل ادارة مرخص لها قانونا بذلك, كما يجب على المكلف بالتبليغ أن يحيل الطلبات المقدمة إليه دون تأخير, ويذكر في التكليف حضور الواقعة التي قامت عليها الدعوى مع الإشارة إلى النص القانوني الذي يعاقب عليها, كما يذكر في التكليف بالحضور للمحكمة التي رفع أمامها النزاع و مكان وزمان وتاريخ الجلسة وتعين فيه صفة المتهم و المسئول مدنيا أو صفة الشاهد على الشخص المذكور.
كما يجب أن يتضمن التكليف بالحضور المسلم إلى الشاهد بأن عدم الحضور أو رفض الإدلاء بالشهادة أو الشهادة المزورة يعاقب عليها القانون."
باستقراء هذين النصين يتبين لنا بوضوح الكيفية التي يتم بها تحريك الدعوى بصفة عامة و لا داعي لإعادة الشرح والتكرار لأن النصوص صريحة في هذا الصدد.
نشكر لمرسل المساهمة
وسيتم متابعة الموضوع ومقارنته بالقانون الاماراتى والقانون المصرى
والله الموفق